وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
أدبية الخطابة في نهج البلاغة مدرسة علي النموذج الأرقى

الدكتور علي مهدي زيتون
في كتاب "أدبية الخطابة الإسلامية: مدرسة نهج البلاغة نموذجاً، الصادر حديثا عن دار الفارابي، عدا المهاد النظري الخاصّ بأدبيّة الخطابة، هناك أربعة مباحث مادتها خطابة النهج، ومبحث خامس مادته خطابة كلّ من آل البيت والتوابين بُعيد واقعة الطفّ في صحراء كربلاء.
وأن يوسم بعنوان "أدبيّة الخطابة الإسلامية، مدرسة نهج البلاغة نموذجا"، لا ينفي وجود خطابة إسلامية تقع خارج النهج، وخارج خطابة كلّ من آل البيت والتّوابين، كما أنه لم يكن عفويّاً. فهو ينطلق من اعتقاد قوامه أنّ فهم علي(ع) الإسلامَ كان الفهم النموذجيّ الأرقى، ومن يرد تعرّف أدبيّة الخطابة الإسلاميّة، يتعرّفها، من خلال مدرسة علي (ع) الثقافية الأدبيّة.
والكتاب لم يجمع خطابة آل البيت والتوابين إلى خطابة عليّ من خلال خيط الجنس الأدبي وحده، أو من خلال الانتماء العقدي. ولكن بسبب الرغبة في الكشف عن المدرسة العلويّة الأدبيّة وأثرها في تلامذتها من أجل إبراز خطوط هذه المدرسة العريضة التي تحتاج إلى جهود كبيرة لجلاء كلّ تفاصيلها.
أدبيّة مؤسِّسة ذات خصوصيّة قرآنية منتمية إلى ثقافة علي(ع) : شكّلت مدرسة عبر ما سمِّي بالإرث العلميّ المتحدّر من الرسول(ص) عبر علي(ع) إلى أئمة آل البيت(ع):
ويبقى أن مقولةً ما فتئتُ أسمعها منذ طفولتي الأولى وحتّى الآن، مفادها أنّ عليّاً (ع) هو "أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء"، كانت حاضرة باستمرار. ولا تقتصر هذه المقولة على زمن من الأزمان، أو جيل من الأجيال، فما فتئ أتباع المدرسة العلويّة الإسلاميّة يرددونها على مدى تاريخهم.
وإذا ما تساءلت، وفي مختلف مراحل حياتي، ماذا يعني أن يكون رجل أفصح الفصحاء؟ وكيف يكون أبلغ البلغاء؟ هل كانت تسمية كتابه "نهج البلاغة" وراء هذا الترداد؟ وهل كان هذا الترداد دافعي إلى تناول مادة النهج بالدراسة؟. لا أخفي أني عشت، في مرحلة من حياتي، غربة عن الثقافة الإسلاميّة. ولقد تعرّفت النهج، في زمن تلك الغربة نفسها، فكان بالنسبة إليّ نهجاً، ولذلك أضمرت أن أقوم ذات يوم بمحاولة تعرّف بلاغته، والكشف عن حقيقة المقولة التي ارتبطت به.
وإذا أردنا دخول دائرة التخصيص في أن نحاول تفهّم أدبيّة الخطابة الإسلامية ممثّلة بخطابة علم كبير من أعلامها. نعني به الإمام عليّ بن أبي طالب(ع)، بشكل أساسيّ، وببعض نماذج من خطابة آل البيت(ع)، والتوّابين عقيب واقعة كربلاء، فإننا نجد أنفسنا أمام منظومة علي(ع) المفاهيميّة العلاميّة التي لم تبقَ منظومة خاصّة به وبزمانه؛ لأنها شكّلت مدرسة عبر ما سمِّي بالإرث العلميّ المتحدّر من الرسول(ص) عبر علي(ع) إلى أئمة آل البيت(ع) من جهة، وعبر الإيمان بهذا الإرث ممن اتبعوا خطّ علي(ع) الإسلامي من جهة اخرى.
ويعني ذلك أننا سنجد أنفسنا أمام مدرسة لها مؤسّسها، ولها تلامذتها. وإذا كانت أدبيّة "نهج البلاغة" أدبيّة مؤسِّسة ذات خصوصيّة منتمية إلى ثقافة علي(ع)، فإن أدبيّة سائر أفراد آل البيت(ع) والتوابين متحدّرة من هذه الأدبيّة، ولن نتعرّفها إلاّ من خلال هذه العلاقة.
وإذا تجاوزنا الحقول الدلالية، لا بُدّ من أن نحدد علاقة هذا المعجم بالمعجم القرآني لكي نستطيع أن نقف بوضوح ودقة عند مساهمة الإمام(ع) في قراءة العالم وتسمية أشيائه في ضوء الواقع الجديد (الإسلام)، خصوصاً أنّ النص القرآني هو النبع الذي استقى منه علي(ع) ثقافته، والمدرسة التي تربّى في أحضانها فتكونت شخصيته من مختلف وجوه مكوناتها. ولا يعني ذلك أن معجم علي(ع) سيكون صدى للمعجم القرآني وكفى، فالمسافة واضحة بينهما. فإذا ما قدّم النص القرآني الإسلام نفسه، قدّم نص النهج تجربة المسلمين في أثناء محاولتهم تطبيق الإسلام. وإذا كان النص الأول هو القاعدة، كان النص الثاني قراءة لتفاصيل الحياة في ضوء تلك القاعدة.
نهج البلاغة ولّد الكثير من المفردات لتكون المعجم الخاص بـ"علي" : استند معجم علي(ع) إلى المعجم القرآني منطلقاً يواجه به تجربته الحياتية السياسية ومهما يكن من أمر، فإن النتائج التي تمخّض عنها هذا الكتاب موزّعة على مباحثه:

أ - مقاربة من معجم النهج :
- تشكّل الكلمات المكرّرة، في نهج البلاغة، بوتيرة عالية: الله (١٣٤٢ مرة) إلى جانب كلّ من الدنيا (٢٢٩ مرة) والناس (٢٢٨ مرة)، والحق (٢٢٤ مرة)، والشكر (٢١٦ مرة) مفاتيح النصّ من جهة، ومفاتيح الثقافة التي انطلق علي(ع) منها. فالله خالق الكون يحدّد إلى حدّ بعيد المنظومة المفاهيمية العلاميّة التي تأسست عليها خطابة النهج.
- ألقى انتشار جملة من الحقول المعجمية، وعلى رأسها حقل الدين بأحمال دلاليّة على سائر حقول النص العلويّ المعجميّة. فالزمن في النهج زمن ديني مستقطب حول بعدين: الزمن القصير، والزمن الطويل، الزمن المتلاشي، والزمن الباقي، زمن الحياة الدنيا وزمن الحياة الأخرى. وحقل المعرفة هو الآخر مُضاء بجميع مفرداته بإشعاعات الدين. فالدين موضوع الصبر، والحق، والباطل، والعلم، والجهل، والتبليغ، والغفلة، والغي.
- استند معجم علي(ع) إلى المعجم القرآني منطلقاً يواجه به تجربته الحياتية السياسية التي أكسبت مفردات ذلك المعجم أبعاداً دلاليّة جديدة متناسبة معها. وشهد معجم "نهج البلاغة" ولادة الكثير من المفردات التي احتاجت إليها تجربة عليّ(ع) الثقافية في أثناء مواجهة الفتنة والأعداء. وإن أهمّ ما يكشف عنه معجم النهج أن عليّاً(ع) كان تمثيلاً عميقاً لحركة الثقافة الإسلامية في مواجهة الحياة، حتى لنستطيع القول أنه كان الناطق الكبير بلسانها.

ب - دور التشبية الدلالي :
- لا نواجه، في خطابة النهج، ولادة التشبيه العلوي ولادة مكتملة ودفعة واحدة. التشبيه العلويّ تشبيه متنامٍ متداخل مع غيره من تقنيات التعبير، من مثل الاستعارة والكناية. ولذلك جاء تشبيهاً مركّباً قادراً على إنجاز الوظيفة المنوطة به في قراءة هذا الجانب أو ذاك من جوانب العالم، وفاق خصوصية الرؤية العلويّة. وجاء المشبه به في التشبيه العلوي من أربعة حقول أساسيّة: حقل الإنسان، وحقل الآلة، وحقل الحيوان، وحقل الطبيعة. وإذا ما مكّن المشبه به عليّاً(ع) من قراءة مميّزة للعالم، فإنه مكّنه أيضاً من إيصال القضية المثارة، مهما بلغت تعقيداتها، إلى ذهن المتلقي، خصوصاً أن المشبه به قد جيء به من واقع ذلك المتلقي ومن مرتكزات ذهنه البديهية. ويدلّ تشبيه النهج على أن عليّاً(ع) كان من كبار من طوّعوا التشبيه للتعبير عن القضايا المعقّدة والكبرى بعيداً من العفوية التي قام عليها التشبيه في الشعر الجاهلي. فهو مؤسّس مدرسة أدبيّة منتمية على منظومة إسلاميّة مفاهيمية علامية.

ج - دور الاستعارة :
- تمكّن الاستعارة رؤية الأديب من إلحاق رؤية المتلقي بسببيّتها الخاصّة. والعالم المرجعي الذي تناولته الاستعارة العلويّة مستقطب حول ثنائية (الفتنة/الدنيا). ويمثل ذلك إشارة إلى الهمّ المحوري الذي عاشه الإمام(ع) قبل الحكم وفي أثنائه. وكان المتلقي العادي الفاعل القويّ في تحديد المستعار منه. ولقد استقى عليّ(ع) مادته من التجربة العملية الخاصّة بذلك المتلقي. دافعه إلى ذلك الإقناع الذي ينشده الحجاج في الخطابة.
- نجحت الاستعارة العلويّة، إلى حدّ بعيد، في جعل المتلقي جزءاً من آليات اشتغال العالم الفنّي الذي أنتجته. عبّرت هذه الاستعارة عن عالم مأزوم قائم على ثنائية (الخوف/الأمن) وذلك في مندرج سياق حجاجي يلقي الحجة على المتلقّي. بدا منطق علي(ع) يائساً من التغيير الذي يفترضه الحجاج، وتمحور حول تبرئة الذات مما يحصل في الواقع.

د - خطبة الجهاد :
- تمثل خطبة "الجهاد" نموذجاً حجاجيّاً، أطروحته المدعومة فضل الجهاد. وهي قد جاءت من داخل الفتنة والأزمة اللتين أحاقتا بالإمام(ع) في مواجهة أنصار الدنيا. ولم تواجه الأطروحة المدعومة في هذه الخطبة أطروحة مضادة واجهت (اللاأطروحة). ولذلك كان ختامها "لا رأي لمن لا يطاع" تعبيراً جيداً عن هزال المجموعة التي تشكل جيش علي(ع).

ه ـ العدالة السياسية :
- قامت شرعيّة السلطة عند علي(ع) على الوصيّة التي لم يؤخذ بها. ولقد واجه علي(ع) أصحاب الجمل، وأصحاب معاوية، والخوارج وغيرهم ممّن خرج على شرعيّة سلطته بالحوار أولاً، وبالحزم ثانياً. وبقدر ما قدّمه الحوار قابلاً للآخر متعاملاً معه وفاق مقتضيات الإسلام، قدّمه الحزم جذريّ السلوك رافضاً للمساومة على أصغر الأمور. وقامت شرعيّة الوصيّة عند الإمام(ع) على مستويين: الأوّل: حقّ الله على عباده، والثاني إيكال حقوقه إلى من يقوى على القيام بها.
- تجاوزت العدالة السياسية عند الإمام(ع)، ما هو أساسي إلى أصغر التفاصيل. أوصى عامله على مصر أن "آسِ بينهم في اللحظة والنظرة".يستطيع تصوّر علي(ع) عن العدالة السياسية أن يجعل من الإنسان المعاصر إنساناً معافى قادراً على إبداع حلول لكل مشكلاته.

و- آل البيت والتوابين :
- بدا الحسين(ع) في خطابة السيدة زينب(ع) قضيّة إيمانيّة كبرى تعيد الضائع إلى رشده، وتقوّي منطقه في مواجهة الآخرين.بدا زين العابدين(ع)، مع ما واجهه من صعوبات عقيب الواقعة، ممتلكاً لروعه ناظراً إلى الإمام الحسين(ع) بالمنظار الإسلامي العلوي من دون أن يكون للحدث أي تأثير ضبابيّ عليه.
- بدا التوابون في خطابتهم متحوّلين من موقف التخاذل إلى موقف الإقبال على الموت. ولقد ترافق ذلك مع تحوّل في خطابهم. عندما يذكرون زمن التخاذل يقولون: "أهل بيت نبيّنا"، وعندما يتحدّثون عما آلوا إليه يقولون: "إخواننا بالطفّ".بدت خطابة آل البيت وكأنها عناد الحقّ في وجه الباطل. فقد عرّت الكلمات من كلّ ما تحمله من أوهام الرؤية الغائمة لتشفّ بحساسة متناهية عن صدق الموقف وقوته. كانت هذه الخطابة مواجهة بين لغتين: لغة أهل البيت ولغة الآخرين، ولذلك أعيد، فيها، إنتاج الكلمات بناء على الثقافة العلويّة الحسينية وعلاميّتها المميزة.
ومهما يكن من أمر، فإن هذه الدراسة قد تشكّل باباً لأبحاث معمّقة تكون مادّتها تراثنا الأدبي القديم، وعلى رأسه الخطابة الإسلامية التي تحتاج إلى أبحاث متعدّدة ومتنوعة.

منقول من موقع بنت جبيل

****************************