* أبوالأسود الدؤلي ( رضوان الله عليه )
اسمه ونسبه :
ظالم بن عمروبن سفيان بن جندل بن يعمر بن حَلس ابن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة ، من قبيلة كِنَانة .
ولادته :
المُرجّح عند المؤرخين أنه ولد في الجاهلية قبل الهجرة النبوية بـ ( ١٦ ) عاماً .
إسلامه :
كان أبوالأسود ممن أسلم على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وغالب الظن أن أبا الأسود دخل الإسلام بعد فتح مكة وانتشاره في قبائل العرب ، وبعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) انتقل إلى مكة والمدينة .
مواهبه العلمية :
كان أبوالأسود – من خلال ملكاته النفسية – يميل إلى المجالات الثقافية والفكرية ، ونرى ذلك واضحاً في أعماله وآثاره ، فقد أكَّد المؤرخون والمترجمون على ذلك .
وقد شعر أبوالأسود نفسه بما يملكه من مواهب ، فأخذ بتزويد نفسه من مختلف المجالات الثقافية المتعارفة آنذاك ، سواء المجالات التي تتصل بالشريعة الإسلامية ، كالفقه ، والقرآن الكريم ، والأحاديث الشريفة ، أوغيرها كاللغة ، والنحو، والأدب .
أساتذته :
اتجه أبوالأسود في عقيدته الدينية لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وربما نشأ هذا الاتجاه في نفسه منذ بداية إسلامه .
وبما أنه كان من التابعين والشيعة – كما يجمع على ذلك المؤرخون – فلابد أن يكون أكثر اتصالاً وصحبة للإمام علي ( عليه السلام ) وللصحابة من شيعته ومواليه .
وقد روى أبوالأسود عن أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي بن الحسين ( عليهم السلام ) ، وروى أيضاً عن أبي ذر وابن عباس وغيرهم .
تلاميذه :
هناك بعض الأفراد أخذوا العلم من أبي الأسود ، ودرسوا على يَدَيه ، وخاصة علم النحووالعربية ، وقراءة القرآن الكريم ، وقد رووا عنه أيضاً بعض الروايات الشريفة .
يقول ابن الأثير في ( الكامل ) ، في حوادث سنة تسعين من الهجرة : وفيها توفي نصر بن عاصم الليثي النحوي ، وقد أخذ النحوعن أبي الأسود الدؤَلي .
ويقول أيضاً في حوادث سنة تسع وعشرين ومِائة : وفيها مات يحيى بن يعمر العدوي بـ ( خُرَاسان ) ، وكان قد تعلَّم النحومن أبي الأسود الدؤَلي ، وكان من فُصحاء التابعين ،وغيرهما من النحاة والقُرّاء الذين كان لهم دورهم الثقافي آنذاك .
وفي ( الروضات ) : وقيل أن أبا الأسود خَلَّف خمسة من التلامذة ، منهم عطاء ، والآخر أبوحرب – وهما ابناه – ، وثلاثة آخرين ، وهم : عنبسة ، وميمون ، ويحيى بن النعمان العداوني .
وفي ( بهجة الآمال ) : وبالجملة ، لأبي الأسود تلامذة فُضَلاء ، منهم سعد بن شداد الكوفي النحوي المُضحِك ، المعروف بـ ( سعد الرابية ) .
سيرته :
رغم توجه أبوالأسود واهتمامه الكبير بالمجالات الثقافية نراه قد شارك في الكثير من الحوادث والأنشطة السياسية والاجتماعية لتلك الفترة الحاسمة من تاريخ الإسلام .
ومن الجدير به أن يشارك في مثل هذه الممارسات ، لِمَا كان يملكه من خصائص ومؤهلات ، فقد وُصِف بالعقل ، والذكاء ، والتدبير ، والفقاهة ، وغيرها مما يوجِّه له الأنظار .
ومما يفرض على ولاة الأمور أن يسندوا إليه بعض المهام التي تتلاءم ومؤهلاته ، وأكثر ما وصفه مترجموه أنه كان مُتَّسِما بالعقل ، وأنه من العقلاء .
ولعل مرادهم من هذا التعبير حُسن التصرف والتدبير ، والحِنْكة في إدارة الأمور ومعالجة القضايا .
وقد نشأ ذلك من مواهب ذاتية ، ومن تربية جيدة ، ومن خلال تجاربه في الحياة كما صَرَّح بذلك نفسه .
أقوال العلماء فيه :
لوراجعنا كتب الرجال – سواء عند الشيعة أوأهل السنة – لرأينا أكثرها متفقة على مدح أبي الأسود بمختلف التعابير التي تدل على مدحه ، ولوأردنا استعراض أقوالهم وآرائهم في ذلك لطال المجال .
فقد ذكره الشيخ الطوسي في عدة مواضع من رجاله مكتفياً بأنه من أصحاب أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي بن الحسين ( عليهم السلام ) وأنه مِمَّن رَوى عنهم .
وفي كتاب ( اختيار معرفة الرجال ) : ( أبوالأسود الدؤَلي من أصفياء أصحاب أمير المؤمنين والسبطين والسجاد ( عليهم السلام ) وأجِلاَّئهم ) .
وهذه الألفاظ تدل على مدحه إنْ لم نَقُل أنها تدل على توثيقه .
ويقول الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) بعد ترجمة موسعة له : ( ثُمَّ لا يُخفى أن الرجل من الحسان لكونه شيعياً ممدوحاً بما سَمعتُ ) .
وفي ( عمدة عيون صحاح الآثار ) : ( أبوالأسود الدؤلي هومن بعض الفضلاء الفصحاء من الطبقة الأولى ، ومن شعراء الإسلام وشيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ) .
ويقول أبوالفرج في ( الأغاني ) : ( وكان أبوالأسود من وجوه التابعين ، وفقهائهم ، ومُحدِّثيهم ) .
وقال في ( غاية النهاية ) عنه : ( ثقة جليل ) .
ولكن يمكن أن نقول أن توثيق الرجل لا ينحصر بهذه الألفاظ المعينة ، بل يمكن استفادة توثيقه من بعض القرائن والأحوال ، كتأمير الإمام ( عليه السلام ) له على الجيش ، أوولايته على بلد ، أومن سيرة حياته .
وفاته :
اتفقت أكثر الروايات على وفاته في سنة ( ٦٩ هـ ) ، وكذلك اتفق أكثر المؤرخين على تحديد عمره حين وفاته بـ ( ٨٥ ) عاماً .
* أبورافع ( رضوان الله عليه )
غَلَبتْ عليه كنيتُه ، واختُلف في اسمه ، فقيل : أسلمُ ، وهوأشهر ما قيل فيه ، وقيل : إبراهيم وقيل غير ذلك .
أحد الوجوه البارزة في التشيّع ، ومن السابقين إلى التأليف والتدوين والعلم ، وأحد صحابة الإمام الأبرار .
كان غلاماً للعبّاس عمّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمّ وهبه العبّاس للنبي ، ولمّا أسلم العبّاس وبلّغ أبورافع رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله ) بإسلامه أعتقه .
شهد أبورافع حروب النبي ( صلى الله عليه وآله ) كلّها إلا بدراً ، ووقف بعده إلى جانب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثابت العقيدة ولم يفارقه ، وهوأحد رواة حديث الغدير ، وعُدّ من أبرار الشيعة وصالحيهم وكان مع الإمام ( عليه السلام ) أيضاً في جميع معاركه ، وكان مسؤولاً عن بيت ماله بالكوفة .
ولأبي رافع كتاب كبير عنوانه ( السُّنن والقضايا والأحكام ) ، يشتمل على الفقه في أبوابه المختلفة ، رواه جمع من المحدّثين الكبار وفيهم ولده .
وله كتب اُخرى منها كتاب ( أقضية أمير المؤمنين ) ، و( كتاب الديات ) وغيرهما .
ذهب أبورافع مع الإمام الحسن ( عليه السلام ) إلى المدينة بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ووضع الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) نصف بيت أبيه تحت تصرّفه .
في رجال النجاشي عن أبي رافع : دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو نائم ، أو يوحى إليه ، وإذا حيّة في جانب البيت ، فكرهت أن أقتلها فاُوقظه ، فاضطجعت بينه وبين الحيّة ، حتى إن كان منها سوء يكون إليّ دونه ، فاستيقظَ وهو يتلوهذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) .
ثمّ قال : الحمد للَّه الذي أكمل لعلي ( عليه السلام ) مُنيته ، وهنيئاً لعلي بتفضيل الله إيّاه ، ثمّ التفت ، فرآني إلى جانبه ، فقال : ما أضجعك هاهنا يا أبا رافع ؟ فأخبرته خبر الحيّة ، فقال : قم إليها فاقتلها ، فقتلتها .
ثمّ أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بيدي فقال : يا أبا رافع كيف أنت وقوم يقاتلون عليّاً هوعلى الحقّ وهم على الباطل ! يكون في حقّ الله جهادهم ، فمن لم يستطِع جهادهم فبقلبه ، فمن لم يستطع فليس وراء ذلك شيء ؟ فقلت : ادعُ لي إن أدركتهم أن يُعينني الله ويُقوّيني على قتالهم ، فقال: اللهمّ إن أدركهم فقوِّه وأعِنْه ، ثمّ خرج إلى الناس ، فقال : يا أيّها الناس ! من أحبّ أن ينظر إلى أميني على نفسي وأهلي ، فهذا أبورافع أميني على نفسي .
وروي أنّه توفي سنة ٤٠ هـ .
* البَراء بن عازب ( رضوان الله عليه )
ولادته :
ولد البراء بن عازب قبل الهجرة بعشر سنين أواثنتي عشر سنة .
جهاده :
صحب البراء بن عازب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان من أنصاره الأوفياء ، كما شهد أكثر الغزوات ، ويقول : غزوت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثماني عشر غزوة .
وكان أول غزوة شارك فيها هي غزوة الخندق ، وأما في غزوة بدر فقد أرجعه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم يأذن له بالمشاركة هوومجموعة من شباب الصحابة ، لأن أعمارهم كانت لم تتجاوز الخامسة عشر .
وبعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) والتحاقه بالملأ الأعلى شارك البراء في فتوحات بلاد فارس ، وكان فتح الري على يديه ، وكان ذلك سنة ( ٢٤ هـ ).
كما شهد البراء فتح مدينة تُستر [ شوشتر ] ، وكان مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حروبه الثلاثة ( الجمل – صفين – النهروان ) .
موقفه من بيعة أبي بكر :
روى المجلسي في بحار الأنوار : قال البَراء بن عازب : لم أزل لبني هاشم محباً ، فلما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تخوفت من قريش ، لأني كنت أحس بأنها تريد أن تُخرج هذا الأمر [ الخلافة ] من بني هاشم .
وبعد إعلان بيعة أبي بكر كان البراء بن عازب ، والمقداد بن الأسود ، وعُبادة بن الصامت ، وسلمان الفارسي ، وأبوذر ، وحُذيفة ، وأبوالهيثم بن التيهان ، من الرافضين لها .
ولاؤه لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
كان البراء من خواص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان يقضي معظم أوقاته عنده ، فيسمع منه ويناظره ، وفي مرة من المرات سأله أمير المؤمنين (عليه السلام) :
كيف اعتنقت دين الإسلام ؟ ، فقال له : كنا بمنزلة اليهود قبل أن نتبعك ، تخف علينا العبادة ، فلما اتبعناك ووقعت حقيقة الإيمان في قلوبنا عرفنا معنى العبادة .
وفاته :
يقول إبن عبد البر : مات البراء في سنة ( ٧٢ هـ ) .
* ثابت بن قيس الأنصاري ( رضوان الله عليه )
اسمه ونسبه :
اسمه ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري من قبيلة الخزرج .
سيرته :
كان ثابت بن قيس من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) البارزين ، وكان خطيباً في قومه ، شهد أُحداً وباقي الغزوات .
ومن صفاته الأخرى أنه كان يجهر بالقول عند التكلم ، فلما نزل قوله تعالى : ( لا تَرفَعُوا أَصوَاتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبِيِّ ) ، قال ثابت : أنا كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأجهر له بالقول ، فإذن قد حبط عملي ، وأنا من أهل النار .
فانطوى على نفسه وأخذه الوساوس ، فذكروا حاله للرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أبلغوه أنه من أهل الجنة وليس من أهل النار .
خطيب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) :
روي أنه كان بارعاً في فن الخطابة ، وكان يقال له خطيب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
كما روي أن وفداً من قبيلة تميم جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فطلب منه أن يأذن لخطيبهم بالخطابة ، فقام وقال :
( الحمد لله الذي جعلنا ملوكاً ، ووهب علينا أموالاً عظاماً ، وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثر عدداً و... ) ، ثم جلس .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لثابت بن قيس : قم فأجبه .
فقام ثابت وقال :
( الحمد لله الذي جعل السماوات والأرض خلقه قضى فيهن أمره ، ووسع كرسيه علمه ، ولم يكن شيء قط إلا من فضله ، ثم كان من فضله أنه جعلنا ملوكاً ، واصطفى من خير خلقه رسولاً ، أكرمهم نسباً ، وأصدقهم حديثاً ، وأفضلهم حسباً ، فأنزل الله علينا كتاباً وائتمنه على خلقه ، فكان خيرة الله على العالمين ، ثم دعا الناس إلى الإيمان بالله ، فآمن به المهاجرون من قومه ، وذوي رحمه ، أكرم الناس أحساباً ، وأحسنهم وجوهاً ، فكان أول الخلق إجابة واستجابة لله حين دعاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نحن ، فنحن أنصار رسول الله وردؤه ، نقاتل الناس حتى يؤمنوا ، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ، ومن نكث جاهدناه في الله أبداً ، وكان قتله علينا يسيراً ، أقول هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات ، والسلام عليكم ) .
وروي أنهم على أثر هذه الخطبة المؤثرة لثابت بن قيس أعلنوا إسلامهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) .
موقفه من بيعة أبي بكر :
يُستفاد من كثير من الروايات بأن ثابت بن قيس كان من أنصار أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) .
فمنها : أن ثابت بن قيس بعد أن همَّ القوم بإحراق دار الزهراء (عليها السلام) لامتناع علي ( عليه السلام ) من مبايعة أبي بكر ، فقال أمير المؤمنين لثابت بن قيس : إن القوم استضعفوني وأرادوا إحراق بيتي ، لأنني ما بايعت أبا بكر ، فقال له ثابت : يا علي هذه يدي بيدك ، وأنا معك ، لا يفرق بيننا إلا الموت .
وفاته :
استشهد ثابت بن قيس الأنصاري ( رضوان الله عليه ) في سنة ( ١١ هـ ) باليمامة ، أيام حروب الردة .
* الحارث الهمداني ( رضوان الله عليه )
إسمه ونسبه :
الحارث بن عبد الله الهمداني المعروف بالحارث الأعور ، وهومن قبيلة همدان وهي من القبائل التي نزلت الكوفة ، وقادمة من اليمن ، ولها بطون كثيرة .
وعُرفت هذه القبيلة بالتشيع للإمام علي ( عليه السلام ) وأهل بيته الطيبين الطاهرين .
ولاؤه لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
كان الحارث من خواص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ومن أوليائه ، ومحل عنايته واهتمامه ( عليه السلام ) .
وكان الحارث من كبار التابعين ، ومن أوعية العلم ومن أفقه علماء عصره .
وقد تعلَّم من باب مدينة العلم علماً جماً ، ولا سيما علم الفرائض ، وعلم الحساب .
وكان من القراء الذين قرأوا على علي ( عليه السلام ) وابن مسعود .
وروي أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) دعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع ، وقال له : أدخل عَلَيَّ عشرة من ثقاتي ، فقال ابن أبي رافع للإمام : سمِّهِم لي يا أمير المؤمنين ، فسمَّاهم ( عليه السلام ) ، فكان من بينهم الحارث الهمداني .
وفي كتاب طبقات ابن سعد : أن علياً ( عليه السلام ) خطب الناس ، فقال : مَن يشتري علماً بدرهم ؟
فاشترى الحارث صُحُفاً بدرهم ، ثم جاء بها علياً ( عليه السلام ) فكتب له علماً كثيراً .
وبعد ذلك خطب الإمام علي ( عليه السلام ) بالناس قائلاً : يا أهل الكوفة ، عليكم نصف رجل ( ويقصد بذلك الحارث لأنه كان أعوراً ) .
وروى نصر بن مزاحم : لما أراد علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) الخروج إلى صفين ، أمر الحارث أن ينادي في الناس : أخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة ، فنادى الحارث في الناس بذلك .
وروي أنه عندما أغار أزلام معاوية على الأنبار في العراق من جهة الشام ، أمر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الحارث ، فنادى في الناس : أين مَن يشتري نفسه لربه ويبيع دنياه بآخرته ، أصبِحوا غداً بالرحبة إن شاء الله ، ولا يحضر إلا صادق النية في السير معنا ، والجهاد لعدونا .
ومن أخباره مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : جاء في كتاب أمالي الشيخ ما مُلَخَّصُهُ : أنه مجموعة من الشيعة بقيادة الحارث دخلوا على أمير المؤمنين علي
( عليه السلام ) ، فقال ( عليه السلام ) للحارث : إن الحق أحسن الحديث ، والصادع به مجاهد .. ، ألا إني عبد الله وأخورسوله وصديقه الأول .. ، خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة :
أنت مع مَن أحببت ، ولك ما احتسبت ( أو: ما اكتسبت ) ، قالها ثلاثاً ، فقال الحارث وهوقائم يجر رداءه جذلاً : ما أبالي وربي بعد هذا متى لقيت الموت أولقيني .
وفاته :
توفي الحارث الهمداني ( رضوان الله عليه ) سنة ( ٦٥ هـ ) ، على أكثر الروايات .
* حجر بن عدي الكندي (رضوان الله عليه)
حجر بن عدي بن معاوية بن جبلة بن عدي الكندي، المعروف بحجر الخير، كنيته أبوعبد الرحمن.
أسلم وهوصغير السن، ووفد مع أخيه هاني بن عدي على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهوفي المدينة في آخر حياته (صلى الله عليه وآله وسلم).
مواقفه وبطولاته :
ـ كان من احد قادة الجيش الذي فتح عذراء وهي التي قتل فيها فيما بعد.
ـ كان أحد النفر الذين شاركوا في دفن أبي ذر الغفاري (رضوان الله عليه) في الربذة، وهم الذين شهد لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنهم عصابة من المؤمنين.
ـ كان من الذين كتبوا إلى عثمان ينقمون عليه عدة أمور، وينصحونه، وينهونه عنها.
ـ صحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان من أبرز شيعته.
ـ كان له الدور المهم والبارز في استنهاض الناس عند قدوم الإمام الحسن (عليه السلام) إلى الكوفة لدعوة أهلها لنصرة الإمام علي (عليه السلام) في حرب الجمل.
ـ عيّنه الإمام علي (عليه السلام) على قضاعة وكنده ومهرة وحضرموت في صفين، وكان قائد ميسرة جيش الإمام علي (عليه السلام) في النهروان.
- أرسله الإمام علي (عليه السلام) في عدد من أصحابه إلى واقعة لصدّ غارات الضحاك بن قيس بأمر من معاوية، فقتل حجر منهم تسعة عشر نفراً وولى الضحاك هارباً.
ـ وقف مع الإمام الحسن (عليه السلام) موقف الولاء الخالص فكان له الدور الفعال في تهيئة القبائل للمسير لمواجهة معاوية تحت قيادة الإمام الحسن (عليه السلام)، حيث كان معاوية قد جاء بجيوشه قاصداً العراق.
ـ كان من أشدّ المنكرين على ولاة معاوية في الكوفة لأعمالهم الشنيعة، فحاولوا اسكاته بالتهديد والوعيد مرّه، وبالأموال والمناصب أخرى، لكنهم لـم يفلحوا في ذلك.
قصة مقتله :
ضاق والي الكوفة زياد بن أبيه به ذرعاً، فكتب إلى معاوية بذلك، فأشار معاوية عليه أن يشده بالحديد، ويحمله إليه.
اختفى عن الأنظار على إثر ذلك، ولكن سلم نفسه أخيراً بعد أن أحدق الخطر بعشيرته، فقامت السلطة باعتقال اثني عشر شخصاً معه وارسالهم الى الشام.
تردّد معاوية في قتل حُجر وأصحابه، خشية تذمّر المسلمين ونقمتهم عليه، فأرسل إلى زياد يخبره بتردّده فأجابه زياد: «إن كانت لك حاجة بهذا المصر فلا تردّن حِجراً وأصحابه إلي».
وجّه معاوية إلى حجر وأصحابه وهم في مرج عذراء رسولاً فقال له حجر: «أبلغ معاوية إننا على بيعتنا ، وأنه إنما شهد علينا الأعداء والأظناء، فلما أخبر معاوية بما قال حجر، أجاب: زياد أصدق عندنا من حجر».
رجع رسول معاوية إليهم مرة أخرى وهويحمل إليهم أمر معاوية بقتلهم أوالبراءة من علي (عليه السلام) فقال حجر: «إن العبرة على حد السيف لأيسر علينا مما تدعونا إليه، ثم القدوم على الله، وعلى نبيه، وعلى وصيه أحبّ إلينا من دخول النار، فقال له السياف عندما أراد قتله، مدّ عنقك لأقتلك، قال إني لا أعين الظالمين على ظلمهم، فضربه ضربة سقط على أثرها شهيداً سنة ٥١هـ ، ودفن في مرج عذراء وقبره معروف هناك.
ما قيل فيه :
أحدثت جريمة قتل حجر وأصحابه ضجة واستنكاراً كبيرين في العالم الإسلامي ، ومن الشخصيات التي استنكرت ذلك الإمام الحسين (عليه السلام).
لشدة ورعه وتقواه، وتمتعه بصفات حميدة، كالشجاعة والعزة والعنفوان نذكر نماذج ما قيل بحقه:
قال ابن الأثير فيه: «كان من فضلاء الصحابة».
وقال الحاكم: «هوراهب أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)».
أما العلامة السيد محسن الأمين فقد قال: «وهومن خيار الصحابة، ورئيس، قائد، شجاع، أبيّ النفس، عابد، زاهد … خالص الولاء لأمير المؤمنين ، بلغ في ذلك الغاية».
* رُشيد الهَجَري ( رضوان الله عليه )
كان من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الواعين الراسخين ، وعدّ من أصحاب الإمام الحسن والإمام الحسين ( عليهما السلام ) أيضا .
كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يعظّمه ويُسمّيه ( رشيد البلايا ) ، واخترقت نظرته الثاقبة النافذة ما وراء عالم الشهادة ، فعُرف بعالِم ( البلايا والمنايا ) .
ترجم عظمة الصبر ، ودلّ على صلابته في محبّته لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
في الأمالي للطوسي عن بنت رُشيد الهَجَري عن رُشيد الهجَرَي : قال لي حبيبي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : يا رُشيد ، كيف صبرك إذا أرسل إليك دعيُّ بني اُميّة فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ، أيكون آخر ذلك إلى الجنّة ؟ قال : نعم يا رُشيد ، وأنت معي في الدنيا والآخرة .
قالت : فوالله ما ذهبت الأيّام حتى أرسل إليه الدعي بن زياد ، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فأبى أن يتبرّأ منه ، فقال له ابن زياد : فبأي ميتة قال لك صاحبك تموت ؟ قال : أخبرني خليلي صلوات الله عليه أنّك تدعوني إلى البراءة منه فلا أتبرّأ ، فتقدّمني فتقطع يدي ورجلي ولساني .
فقال : والله لاُكذّبنَّ صاحبك ، قدّموه فاقطعوا يده ورجله واتركوا لسانه ، فقطعوه ثمّ حملوه إلى منزلنا . فقلت له : يا أبه جُعلت فداك ، هل تجد لما أصابك ألماً ؟ قال : والله لا يابُنية إلاّ كالزحام بين الناس .
ثمّ دخل عليه جيرانه ومعارفه يتوجّعون له ، فقال : إيتوني بصحيفة ودواة أذكر لكم ما يكون ممّا أعلمنيه مولاي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
فأتوه بصحيفة ودواة ، فجعل يذكر ويُملي عليهم أخبار الملاحم والكائنات ويسندها إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إليه الحجّام حتى قطع لسانه ، فمات من ليلته تلك ( رحمه الله ) .
وكانت شهادته في الكوفة في إمارة زياد بن أبيه أيام خلافة معاوية ، ودفن في باب النخيلة في الكوفة .
* سليم بن قيس الهلالي ( رضوان الله عليه )
كان من محدّثي التابعين ، وعلمائهم ، وعظمائهم ، وهومن أصحاب أمير المؤمنين ، والحسن ، والحسين ، وزين العابدين ، والباقر ( عليهم السلام ) .
ورد سليم بن قيس المدينة في سن الصبا أيام الخليفة الثاني ، وتعرّف على أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) أمثال : ( أبوذر ، سليمان ، المقداد ) ، وسألهم الشيء الكثير عن أخبار الرسول وسيرته وبقي يحتفظ بتلك الأخبار في ذاكرته ، بسبب منع تدوين الحديث أيام عمر وعثمان .
وفي زمن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أصبحت الفرصة سانحة له فقام بتدوين الحقائق التي كان يحفظها .
كان في زمن أمير المؤمنين من ( شرطة الخميس ) ، وعُدّ من السبّاقين في التأليف وضبط الحقائق والتاريخ .
ويعتبر كتابه - الذي جاء في كتب التراجم والمصادر بعناوين متنوّعة - من أهمّ كتب الشيعة ، وسمّاه بعض العلماء : ( أصل من أكبر كتب الاُصول ) ، والذي هوالآن موجود في أيدينا وعنوانه : ( كتاب سُليم بن قيس الهلالي ) مع كثرة نسخه وطرقه ، دار حوله كلام بين علماء الرجال ، منذ زمن بعيد .
فذهب بعضهم إلى أنّه موضوع أساساً ، ورأى بعض آخر أنّ نسبته إلى سليم ثابتة لا غبار عليها ، وحاول هؤلاء الإجابة عن الإشكالات والشبهات المثارة عليه .
واحتاط آخرون فقالوا : إنّه مدسوس ، وحكموا عليه بأنّ فيه الثابت والمشكوك فيه ، والحسن والرديء ، والصحيح والسقيم .
مع هذا كلّه ، فإنّ سُليماً نفسه لا قدح فيه ، إذ كان من الشخصيّات المتألّقة في تاريخ التشيّع ، ومن الموالين الأبرار للأئمّة ( عليهم السلام ) ، ومن أحبّاء آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأودّائهم .
اشترك في حرب الجمل وصفين والنهروان مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفي زمن الإمام الحسن والإمام الحسين ( عليهما السلام ) كان من أنصارهما ، ويُرجح أنه كان سجيناً في أيام واقعة الطف .
بعد شهادة الإمام الحسين ( عليه السلام ) أصبح من أنصار الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، وبسبب اضطهاد الحجّاج للشيعة هاجر إلى بلاد فارس ، وتوفي فيها سنة ٧٦ هـ .
* سهل بن حنيف (رضوان الله عليه)
سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي ، أخوعثمان بن حُنيف ، من صحابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأحد البدريّين .
شهد حروب النبي ( صلى الله عليه وآله ) كلّها ، وعندما اشتدّ القتال في اُحد وفرّ جمع كبير من المسلمين كان سهل ممّن ثبت مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
كان سهل من السبّاقين إلى الدفاع عن الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، إذ رعى حُرمة حق الخلافة ، وهومن القلائل الذين صدعوا بذَودهم عن الإمام ( عليه السلام ) .
اختاره الإمام ( عليه السلام ) لولاية الشام ، لكنّ جنود معاوية حالُوا دون وصوله إليها ، ثمّ ولاّه الإمام ( عليه السلام ) على المدينة ، وفي صفّين دعاه إلى الالتحاق به وجعل مكانه تمّام بن عبّاس ، وكان فيها أميراً على خيّالة من جند البصرة ، ثمّ ولي فارس ، ولكنّه عُزل بسبب الفوضى وتوتّر الأوضاع فيها ، فاستعمل الإمام ( عليه السلام ) مكانه زياد بن أبيه باقتراح عبد الله بن عبّاس .
في الاُصول الستّة عشر عن ذريح المحاربي : ذكر الإمام الصادق ( عليه السلام ) سهلَ بن حُنيف فقال : كان من النقباء ، فقلت له : من نقباء نبي الله الاثني عشر ؟ فقال : نعم ، كان من الذين اختيروا من السبعين .
فقلت له : كفلاء على قومهم ، فقال : نعم ، إنّهم رجعوا وفيهم دم فاستنظروا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى قابل ، فرجعوا ففزعوا من دمهم واصطلحوا ، وأقبل النبي معهم ، وذكر سهلاً فقال ( عليه السلام ) : ما سبقه أحد من قريش ولا من الناس بمنقبة ، وأثنى عليه وقال : لمّا مات جزع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جزعاً شديداً ، وصلّى عليه خمس صلوات وقال : لوأحبني جبل لتهافت .
توفّي بالكوفة بعد عودته من صفين سنة ٣٨ هـ ، وأثنى عليه الإمام ( عليه السلام ) كثيراً عند دفنه .
* قيس بن سعد الأنصاري ( رضوان الله عليه )
اسمه ونسبه :
قيس بن سعد بن عبادة بن دُليم بن يعرب بن قحطان ، وأصله من اليمن ، ومنشأه في بيت عز وشرف ، فأبوه سعد بن عُبادة الأنصاري زعيم الخزرج .
ولادته :
لم تذكر المصادر التاريخية تاريخاً محدداً لولادته ، إلا أن هناك قرائن عديدة من خلال الأحداث تخمن أن عمره عند هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان ستة عشرة عاماً .
وبالتقريب تكون ولادته بين ( ١٠ – ١٥ ) قبل الهجرة النبوية المباركة ، أوما يقارب ذلك .
صفاته وخصائصه :
عُرف قيس بن سعد بتقواه وتديُّنه ، وكان ذلك ظاهراً في أقواله وأفعاله .
وعُرف كذلك بجوده ، بل اشتهر ذلك فيه حتى كتب الواقدي أنه : كان من كرام أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله ) وأسخيائهم .
وقال فيه الذهبي : جودُ قيسٍ يُضرب به المَثل .
ونقف هنا على صورة من سخائه ينقلها لنا أكثر من مؤرخ : إن امرأة وقفت على قيس بن سعد ، فقالت له : أشكوإليك قلة الجرذان ( كناية عن الفقر وخلوالبيت من الزاد ) ، فقال : ما أحسن هذه الكناية ! ، املأوا لها بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمراً .
وفي رواية ابن عبد البَرِّ في ( الاستيعاب ) قال قيس لها : ما أحسن ما سألت ! ، أما والله لأكثرن جرذان بيتك . فملأ بيتها طعاماً ووَدَكاً وإداماً .
وإلى السخاء كان قيس بن سعد يجمع فضائل أخرى من مكارم الأخلاق ومحاسنها ، نترك للمؤرخين ومدوِّني السير تقرير ذلك ووصفه .
يقول أبوعُمر : كان قيس أحد الفضلاء الجُلَّة ، وأحد دُهاة العرب وأهل الرأي والمكيدة في الحروب ، مع النجدة والبسالة والسخاء والكرم .
فكان شريف قومه غير مُدافَع ، هووأبوه وجده .
ويقول المبرَّد : كان قيس بن سعد شجاعاً جواداً سيداً .
ويضيف ابن كثير : كان سيداً مطاعاً ، ومُمدَّحاً شجاعاً ، وكانت له صُحفة يُدار بها حيث دار – والصحفة هي الإناء الذي يوضع فيه الطعام وهو يشبه الكوب – .
وجمع الخطيب البغدادي لقيس الشجاعة مع البطولة ، والسخاء مع الكرم ، فيما نسب له الزركلي التفوق ، فقال فيه : هو أحد الأجواد المشهورين ، وكان شريف قومه ومن بيت سيادتهم .
وأما ذكاؤه وبصيرته ، وحزمه وحنكته ، فقد كان عليها اتفاق المؤرخين وإطباقهم .
وكان من عجائب ذلك أن يقول لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) مبيناً خلال كلامه ما يدور في نفس معاوية :
يا أمير المؤمنين ، ما على الأرض أحد أحب إلينا أن يُقم فينا منك ، لأنك نجمنا الذي نهتدي به ، ومفزعنا الذي نصير إليه ، ولكن والله لوخليتَ معاوية للمكر لَيرومَنَّ مصر ، ولَيُفسدنَّ اليمن ، وليطمعنَّ في العراق ، ومعه قوم يمانيُّون قد أُشربوا قتل عثمان ، وقد اكتفوا بالظن عن العلم ، وبالشك عن اليقين ، وبالهوى عن الخير ، فسِر بأهل الحجاز وأهل العراق ، ثم ارمِهِ بأمر يضيق فيه خِناقُه ، ويقصر له من نفسه .
فقال ( عليه السلام ) : أحسنت والله يا قيس وأجملت .
وبالإضافة لما تقدم كان قيس صاحب ملكات أدبية وشعرية ، إذ كانت خُطَبُهُ صواعق تسقط على رؤوس الجبابرة ، وكانت قصائده الشعرية تدفع رؤوس النفاق والخذلان .
مواقفه :
عاصر قيس بن سعد بن عبادة أحداثاً حساسة ، بدءاً بالعصر الجاهلي ، ومروراً بانبثاق الإسلام .
ثم ما جرى بعد رحيل رسول الرحمة ( صلى الله عليه وآله ) من الوقائع الخطيرة حتى مقتل عثمان ، وخلافة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وشهادته .
ثم مبايعة المسلمين للإمام الحسن ( عليه السلام ) ، وتخاذلهم فيما بعد ، إلا قليل منهم .
وسنتكلم عن مواقفه في كل دور من تلك الأدوار ، وحسب تسلسلها :
أولاً : في عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان خادماً له عشر سنين ، وشاهداً معه حروبه ومشاهده كلها ، فكان ناصر الإسلام وحاميه ، وسيَّافاً بمنزلة صاحب القوات الداخلية .
وكان حامل راية الأنصار ، وصاحب لواء النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بعض مغازيه .
فكان أميراً على سريَّة ( الخَبط ) ، حاملاً للراية يوم الفتح بعد أن تسلَّمَها من أبيه .
ثانياً : كانت له مواقفه الحازمة بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فثبت على ما أوصى به في الخلافة والإمامة ، وحمى أباه من الغدر به ، وشهد فتح مصر عام ( ١٩ ) من الهجرة ، وكان من الثائرين على الانحراف .
ثالثاً : بادر إلى بيعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في الأوائل ، وصار أحد عمَّاله في الأمصار ، ووالياً على مصر .
وقد أخذ البيعة من أهلها للإمام علي ( عليه السلام ) ، فإذا كانت معركة الجمل بادر إلى تأييد إمامه والسير معه ، وقد ساهم في تحشيد أهل الكوفة لقتال الناكثين مع الإمام الحسن ( عليه السلام ) والصحابي عمَّار بن ياسر(رضوان الله عليه ) ، ثم شارك في المعركة بأثرٍ مشهود .
أما في صفين فكان قيس بن سعد على مقدمة جيش الإمام علي ( عليه السلام ) بعد أن كان في أوائل الخطباء المناصرين له ( عليه السلام ) ، بعد أن التحق به من ( آذربيجان ) .
وقد شهدت له ساحة القتال وقعات ، وفيها جعله الإمام علي ( عليه السلام ) على رجَّالة أهل البصرة ، وقاتل بُسرِ بن أرطاة ، فضربه حتى أثخنه بالجراح .
وتقدم في الأنصار وربيعة بعد استشهاد عمار ( رضوان الله عليه ) ، فخلط الجمع ، ودوَّى بخطبه .
وصار على شرطة الخميس فورد تُخومَ الشام حتى أقلق معاوية الذي جعل يلعنه فيمن يلعن من أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابهم .
ولما أراد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) العودة إلى صفين عقد لقيس بن سعد في عشرة آلاف .
وفي النهروان كان قيس مرسَلاً إلى أهلها بأمر إمامه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فحاججهم .
فإذا كانت الاستعداد ، عبَّأَ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أصحابه ، فجعل قيس بين سعد في ثمانمائة ، فقاتل وأبلى .
رابعاً : وبعد شهادة الإمام علي ( عليه السلام ) بادر قيس إلى مبايعة الإمام الحسن (عليه السلام) .
وحين سار معاوية بجيشه إلى العراق قام قيس وجماعة من المخلصين يؤيدون إمامهم الحسن المجتبى ( عليه السلام ) ، ويحرضون الناس على الجهاد ، فشهد لهم ( عليه السلام ) بالوفاء ، وصدق النية ، والمودَّة الصحيحة .
وتوجه مع عبيد الله بن العباس في اثني عشر ألفاً لقتال معاوية ، فلما هرب عبيد الله نَحَوصفوف معاوية بعد أن أرسل إليه مبلغاً من المال ، وصلَّى قيس مكانه فسدَّ بذلك خللاً كاد يقع .
ثم اشتبك مع جيش معاوية واكتسحه ، فإذا به يسمع بأن الإمام الحسن ( عليه السلام ) قد طُعِن ، فاغتمَّ لذلك وتأسف لتفرق الأصحاب ، ثم زحف نحوجيوش الشام .
وقد وجه له معاوية يبذل له ألف ألف درهم على أن ينحاز إليه ، فأرجعَ قيس إليه المال قائلاً له : تخدعني عن ديني ؟!
فترك هذا الموقف وغيره من المواقف آثاره على نفس معاوية ، حتى استثنى قيسَ بن سعد من الشيعة في الأمان بعد صلحه مع الإمام الحسن ( عليه السلام ) لشدة حقده عليه .
وفاته :
توفي قيس بن سعد ( رضوان الله عليه ) سنة ٦٠ هـ .
* مالك بن نويرة ( رضوان الله عليه )
اسمه ونسبه :
اسمه مالك بن نويرة بن جَمرة بن شدّاد بن عبيد بن ثَعلبة بن يربوع التميمي اليربوعي .
إسلامه :
أدرك الإسلام وأسلم وولاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صدقات قومه ( بني يربوع ) .
سيرته :
كان مالك بن نويرة من كبار بني تميم وبني يربوع ، وصاحب شرف رفيع وأريحية عالية بين العرب ، حتى ضرب به المثل في الشجاعة والكرم والمبادرة إلى إسداء المعروف والأخذ بالملهوف .
وكانت له الكلمة النافذة في قبيلته ، حتى أنه لما أسلم ورجع إلى قبيلته وأخبرهم بإسلامه ، وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد ، أسلموا على يديه جميعاً ولم يتخلف منهم رجل واحد .
وكان هذا الصحابي الجليل قد نال منزلة رفيعة لدى النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى نصبه وكيلاً عنه في قبض زكاة قومه كلها ، وتقسيمها على الفقراء ، وهذا دليل وثقاته واحتياطه وورعه .
موقفه من بيعة أبي بكر :
اختص مالك بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأخلص له نهاية الإخلاص ، حتى أنه ما بايع أبا بكر ، وأنكر عليه أشد الإنكار ، وعاتبه بقوله له : أربِع على ضلعك ، والزم قعر بيتك ، واستغفر لذنبك ، وردّ الحق إلى أهله ، أما تستحي أن تقوم في مقام أقام الله ورسوله فيه غيرك ، وما تزال يوم الغدير حجة ، ولا معذرة [ تنقيح المقال : ٢/٥٠ ] .
وامتنع مالك عن بيعة أبي بكر وعن دفع الزكاة إليه ، وقام بإعادة الأموال إلى أصحابها من قومه ، وقال لهم شعراً :
فقلت خذوا أموالك غير خائف ***** ولا ناظر ماذا يجئ مع الغد
فإن قام بالدين المحوق قائم ***** أطعنا وقلنا الدين دين محمد
قصة مقتله ( رضوان الله عليه ) :
أرسل أبوبكر – في بداية خلافته – خالد بن الوليد لمحاربة المرتدين ، ولما فرغ خالد من حروب الردَّة سار نحوالبطاح ، وهي منزل لمالك بن نويرة وقبيلته.
وكان ملك قد فرق أفراد عشيرته ، ونهاهم عن الاجتماع ، فعندما دخلها خالد لم يجد فيها أحداً ، فأمر خالد ببث السرايا ، وأمرهم بإعلان الأذان وهورمز الإسلام ، وإلقاء القبض على كل من لم يجب داعي الإسلام ، وأن يقتلوا كل مَن يمتنع حسب وصية أبي بكر .
فلما دخلت سرايا خالد قوم مالك بن نويرة في ظلام الليل إرتاع القوم ، فأخذوا أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم ، فقالوا : إنا لمسلمون ، فقال قوم مالك : ونحن لمسلمون ، فقالوا : فما بال السلاح معكم ؟ ، فقال قوم مالك : فما بال السلاح معكم أنتم ؟! ، فقالوا : فإن كنتم مسلمين كما تقولون فضعوا السلاح ، فوضع قوم مالك السلاح ، ثم صلى الطرفان ، فلما انتهت الصلاة قام جماعة خالد بمباغتة أصحاب مالك ، فكتفوهم بما فيهم مالك بن نويرة ، وأخذوهم إلى خالد بن الوليد .
وتبريراً لما سيقدم عليه خالد ادعى أن مالك بن نويرة إرتدَّ عن الإسلام ، فأنكر مالك ذلك وقال : أنا على دين الإسلام ما غيَّرت ولا بدَّلت .
وشهد له بذلك اثنان من جماعة خالد وهما : أبوعتادة الأنصاري ، وعبد الله بن عمر ، ولكن خالد لم يُلق إذناً صاغية ، لا لكلام مالك ولا للشهادة التي قيلت بحقه .
فأمر بضرب عنق مالك وأعناق أصحابه ، وقبض على أم تميم (زوجة مالك) ودخل بها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها مالك بن نويرة (رضوان الله عليه).
* محمد بن أبي بكر ( رضوان الله عليه )
هو محمّد بن أبي بكر بن أبي قحافة ، واُمّه أسماء بنت عُمَيس ، وُلد في حجّة الوداع سنة ١٠ هـ بذي الحُلَيفة ، في وقت كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد تهيّأ مع جميع أصحابه لأداء حجّة الوداع .
كانت أمه أسماء بنت عُمَيس قد تزوجت جعفر بن أبي طالب وهاجرت معه إلى الحبشة ، وبعد استشهاد جعفر تزوّجها أبوبكر ، وبعد موته تزوّجها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فانتقلت إلى بيته مع أولادها وفيهم محمّد الذي كان يومئذ ابن ثلاث سنين .
نشأ في حِجر الإمام علي ( عليه السلام ) إلى جانب الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، وامتزجت روحه بهما ، وكان الإمام ( عليه السلام ) يعتبره مثل أبناءه حيث يقول فيه : محمّد ابني من صُلب أبي بكر .
وكان محمّد في مصر أيّام حكومة عثمان ، وبدأ فيها تعنيفه وانتقاده له ، واشترك في الثورة عليه ، وبعد تصدي الإمام علي ( عليه السلام ) للخلافة ، صار من أنصاره ، وهوالذي حمل كتابه إلى أهل الكوفة قبل نشوب حرب الجمل ، وكان على الرجّالة فيها ، وبعد انتهاء المعركة بانتصار الإمام ( عليه السلام ) على اهل الجمل تولّى متابعة الشؤون المتعلّقة بعائشة ، وأعادها إلى المدينة .
كان محمّد مجدّاً في الجهاد والعبادة ، ولجدّه في عبادته سُمّي عابد قريش ، وهوجدّ الإمام الصادق ( عليه السلام ) من الاُمّهات .
ولاّه الإمام ( عليه السلام ) على مصر سنة ٣٦ هـ بعد عزل قيس بن سعد عنها ، وكان الإمام ( عليه السلام ) يُثني عليه ويذكره بخير في مناسبات مختلفة .
وبعد تخاذل أصحاب الإمام تخلخل الوضع السياسي في مصر وكادت الأمور تفلت من يد محمد بن أبي بكر ، فانتهز معاوية الفرصة ، وأرسل جيشاً جراراً لاحتلال مصر ، وتم له ذلك بعد استشهاد ابن أبي بكر على يد ابن حُدَيج الكندي عام ٣٨ هـ .
ولما سمع الإمام ( عليه السلام ) بخبر استشهاده تأثر عليه كثيراً وقال فيه : لقد كان إليّ حبيباً وكان لي ربيباً ، فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً وعاملاً كادحاً وسيفاً قاطعاً وركناً دافعاً .
* ميثم بن يحيى التمار (رضوان الله عليه)
كان خطيب الشيعة بالكوفة ومتكلّمها. قال لابن عبّاس: سلني ما شئت من تفسير القرآن، فإنّي قرأت تنزيله على أميرالمؤمنين عليه السلام، وعلّمني تأويله.
وكان ميثم (رض) عبداً لامرأة من بني أسد ، فاشتراه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام منها ، وأعتقه، وحجّ في السنة التي استشهد فيها (٦٠ هـ). وكان يكنّى بأبي سالم.
قال له الإمام عليّ عليه السلام: «إنّك تؤخذ بعدي، فتصلب وتُطعن بحربة، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً فيخضّب لحيتك، فانتظر ذلك الخضاب، وتُصلب على باب دار عمروبن حريث عاشر عشرة، أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، وامض حتّى أريك النخلة التي تُصلب على جذعها». فأراه إيّاها، فكان ميثم (رض) يأتيها ويصلّي عندها، ويقول: بوركتِ من نخلة، لكِ خُلقتُ ولي غُذّيتِ، ولم يزل يتعاهدها حتّى قُطعت وحتّى عرف الموضع الذي يُصلب فيه.
وكان يلقى عمروبن حريث فيقول له: إنّي مجاورك، فأحسن جواري، فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أودار ابن حكيم؟ وهولا يعلم ما يقصد بكلامه.
دخل على أمّ سلمة رضوان الله تعالى عليهما، فقالت له: من أنت؟ قال: عراقيّ، فسألته عن نسبه، فذكر لها أنه كان مولى الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقالت: أنت هيثم؟ قال: بل أنا ميثم، فقالت: سبحان الله! والله لربّما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوصي بك علياً في جوف الليل.
فسألها عن الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام، فقالت: هوفي حائط له. قال: أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله، ولا أقدر اليوم على لقائه، وأريد الرجوع. فدعت بطيب فطيّبت لحيته، فقال لها: أمّا أنّها ستخضّب بدم، فقالت: من أنبأك هذا؟ قال: أنبأني سيّدي. فبكت أم سلمه وقالت له: إنه ليس بسيّدك وحدك، وهوسيّدي وسيّد المسلمين، ثمّ ودّعته.
فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله بن زياد فأدخل عليه، فقيل: هذا كان من آثر الناس عند عليّ. قال: ويحكم! هذا الأعجميّ؟! قيل له: نعم. قال له عبيد الله: أين ربّك؟ قال: بالمرصاد لكلّ ظالم، وأنت أحد الظلمة. قال: إنّك على عجمتك لتبلغ الذي تريد، ما أخبرك صاحبك أنّي فاعل بك؟ قال: أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة، أنا أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة، قال: لنخالفنّه، قال: كيف تخالفه؟ فوالله ما أخبرني إلاّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عن جبرئيل عن الله تعالى. فكيف تخالف هؤلاء؟ ولقد عرفت الموضع الذي أصلب عليه أين هومن الكوفة، وأنا أوّل خلق الله ألجم في الإسلام.
فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد الثقفي، فقال ميثم التمّار للمختار: إنّك تُفلتُ وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام، فتقتل هذا الذي يقتلنا.
فلمّا دعا عبيد الله بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد، يأمره بالإفراج عنه، وذاك أن أخته كانت زوجة عبد الله بن عمر بن الخطاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد، فشفع فأمضى شفاعته، وكتب بتخلية سبيل المختار على البريد، فوافى البريد وقد أخرج ليضرب عنقه فأطلق.
أمّا ميثم (رض) فأخرج بعده ليصلب، فجعل ميثم (رض) يحدّث بفضائل بني هاشم، ومخازي بني أميّة وهومصلوب على الخشبة. فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد. فقال: ألجموه. فلمّا كان في اليوم الثاني؛ فاضت منخراه وفمه دماً، ولمّا كان في اليوم الثالث، طُعن بحربة، فكبّر، فمات رضوان الله تعالى عليه.
وكان مقتل ميثم التمّار قبل قدوم الإمام الحسين عليه السلام العراق بعشرة أيّام، أي: في اليوم الثاني والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من سنة ٦٠ للهجرة.
إنتهى .
منقول (بتصرف) من منتدى الدين الأسلامي