وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
أول من شكك في نسبة نهج البلاغة

ذكر السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب في كتابه مصادر نهج البلاغة وأسانيده، أن ابن خلكان (ت٦٨١هـ) كان قد بذر بذْرة التشكيك في نهج البلاغة ونسبته للإمام علي (عليه السلام)، حيث قال في كتابه وفيات الأعيان عندما ترجم للسيد المرتضى:

(وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه، هل جَمْعُه؟ أم جَمْعُ أخيه الرضي؟ وقد قيل: إنه ليس من كلام علي وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه والله أعلم)[١].

ويتابع السيد الخطيب كلامه فيقول:

(ثم جاء من بعده كل من الصفدي في "الوافي بالوفيات" واليافعي في "مرآة الجنان"، والذهبي في "ميزان الاعتدال"؛ وابن حجر في "لسان الميزان"؛ وغير أولئك من القدامى والمحدثين، فتابعوه على هذا الرأي).

ثم يحاسب ابن خلكان فيقول:

(وليته دلّنا على واحد من أولئك الناس الذين اختلفوا في جامع نهج البلاغة، وليتك أخي القارئ تعثر لنا على واحد من أولئك الناس في الكتب المؤلفة قبل "وفيات ابن خلكان" وما أكثرها في هذا الوقت )[٢].

وحقيقةً أقول ما أجلّ هذا الكلام للسيد الخطيب سدّده الله وأبقاه، وما أجلّ مؤلّفه العظيم "مصادر نهج البلاغة وأسانيده"، وهو كاف وافٍ لمن أراد الحق وفتش عن الحقيقة، ويدلّك ما فيه على الجهود الجبارة التي بذلها المؤلف لجمع هذا السفر الجليل، فجزاه الله عن الاسلام خيرًا... وإني أحيل المتتبّع على هذا المؤلّف ليكتشف الحقيقة كاملة، كما وأحيله على مؤلِّف جليل آخر يعالج الفكرة نفسها ويذكر الخُطب التي لم تَرد في نهج البلاغة للإمام علي (عليه السلام) وهو نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة لصاحب الفضيلة الشيخ محمد باقرالمحمودي، فمن طالع هذين الكتابين الجليلين يستغني عن تتبع مصادر نهج البلاغة، ويجد فيهما أضعاف ما في النهج بالأسانيد المتصلة فجزاهما الله خير جزاء المحسنين.

وبعد التحويل على هذين السفرين الجليلين أرى من نافلة القول ذكري للأسانيد لأنه لا يمكنني أن أستوفي البحث كاملاً كما يجب لحاجته لمؤلَّف كامل لا لمحاضرة، والمحاضرة تومئ للأصل وتهدي إليه وهي بفهرس المواضيع أشبه.

وقد قسّم السيد الخطيب المصادر إلى أربعة أقسام، وما يعنينا منها قسمان:

الأول: مصادر أُلّفت قبل صدور نهج البلاغة للشريف الرضي أي قبل سنة ٤٠٠ هـ، وعدد هذه المصادر مائة وأربعة عشر مصدرًا.

الثاني: مصادر أُلّفت بعد زمن الشريف، وذكرت الأسانيد دون أن تأتي على ذكر الشريف، وأخرى نقلت الكلام بصورة مختلفة عن نقله في نهج البلاغة بدون إشارة إليه وقد بلغ عددها سبعة وعشرين مصدرًا.

أما مصادر الشريف فقد ذكر منها خمسة عشر مصدرًا مصرحًا بها في نهجه.

منها: البيان والتبيين للجاحظ ج٢ ص ٧٦ ؛ المقتضب للمبرد ج٣ ص ٢٦٣؛ تاريخ الطبري ج٣ ص ٢٤٣؛ المغازي لسعيد بن يحيى الأموي ج٣ ص ١٥٠؛ الجمل للواقدي ج٣ ص ١٤٩؛ المقامات لأبي جعفر الإسكافي ج٣ ص١٢٢.

وما يثير العجب ويدعو للتساؤل: لماذا وضع الشريف الرضي أو فصحاء الشيعة هذا الكلام على لسان أمير المؤمنين عليه السلام؟

وكل من يضع شيئًا أو يعمل عملاً يقصد منه غاية ونفعًا.

وجميع الفصحاء والأدباء يفتخرون بما يحفظونه من نهج البلاغة ويقدّسون صاحبه، والوعّاظ يعتبرونه المثل الأعلى، فمن هو هذا العاقل المتواضع (الوضّاع) الذي يهمل اسمه وينسب هذا الكنز الفوّار مجانًا لغيره؟ ما هذا إلا هراء!

دفع ابن أبي الحديد للشبهة:

يقول ابن أبي الحديد في شرحه:

(لأن كثيرًا من أرباب الهوى يقولون إن كثيرًا من (نهج البلاغة) كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة، وربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن أو غيره، وهؤلاء أعمت العصبية أعينهم فضلّوا عن النهج الواضح، وركبوا بنيات الطريق، ضلالا وقلة معرفة بأساليب الكلام)[٣].

ويبين بطلان ما ذهبوا إليه فيقول:

(وقد شغف الناس في المواعظ بكلام كاتب محدث، يعرف بابن أبى الشحماء العسقلاني، وأنا أورد هاهنا خطبة من مواعظه، هي أحسن ما وجدته له، ليعلم الفرق بين الكلام الاصيل والمولد).

ثم يُورد الخطبة بما لا يتسع مجالنا لذكره ويقول بعدها (ص١٢٧):

(هذه أحسن خطبة خطبها هذا الكاتب، وهى كما تراها ظاهرة التكلّف، بينة التوليد، تخطب على نفسها)

وينقض على القائلين بالشبهة ويبطل أقوالهم بدليلين (ص١٢٩):

الدليل الأول: (لا يخلو إما أن يكون كل نهج البلاغة مصنوعا منحولاً، أو بعضه.

والأول باطل بالضرورة، لأنّا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقد نقل المحدثون - كلهم أو جلهم - والمؤرخون كثيرًا منه، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك.

والثاني: - أي أن يكون بعضه منحولاً- يدل على ما قلناه، لأن من قد أنس بالكلام والخطابة، وشدا طرفًا من علم البيان، وصار له ذوق في هذا الباب، لا بد أن يفرّق بين الكلام الركيك والفصيح، وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصيل والمولد، وإذا وقف على كرّاس واحد يتضمن كلامًا لجماعة من الخطباء، أو لاثنين منهم فقط، فلا بدّ أن يفرّق بين الكلامين، ويميّز بين الطريقتين، ألا ترى أنّا مع معرفتنا بالشعر ونقده، لو تصفّحنا ديوان أبي تمام، فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره، لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام ونَفَسه وطريقته ومذهبه في القريض، ألا ترى أن العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر، وكذلك حذفوا من شعر أبي نواس شيئًا كثيرًا لِمَا ظهر لهم أنه ليس من ألفاظه ولا من شعره!

إلى أن يقول:

وأنت إذا تأملت نهج البلاغة وجدته كله ماءً واحدًا، ونفسًا واحدًا، وأسلوبًا واحدًا، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفًا لباقي الأبعاض في الماهية، وكالقرآن العزيز، أوله كأوسطه، وأوسطه كآخره، وكل سورة منه وكل آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآيات والسور، ولو كان بعض نهج البلاغة منحولاً وبعضه صحيحًا، لم يكن ذلك كذلك، فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أن هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليه السلام).

الدليل الثاني: (واعلم أن قائل هذا القول يطرق على نفسه ما لا قبل له به، لأنّا متى فتحنا هذا الباب، وسلّطنا الشكوك على أنفسنا في هذا النحو، لم نثق بصحّة كلام منقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله أبدًا، وساغ لطاعن أن يطعن ويقول: هذا الخبر منحول، وهذا الكلام مصنوع، وكذلك ما نقل عن أبي بكر وعمر من الكلام والخطب والمواعظ والأدب وغير ذلك، وكل أمر جعله هذا الطاعن مستندًا له فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله، والأئمة الراشدين، والصحابة والتابعين، والشعراء والمترسلين، والخطباء، فلناصري أمير المؤمنين عليه السلام أن يستندوا إلى مثله فيما يروونه عنه من نهج البلاغة وغيره، وهذا واضح ).

وقد دفع الدكتور زكي مبارك الشبهة بكلمة مختصرة، قال:

(لا مفرّ من الاعتراف بأن (نهج البلاغة) له أصل، وإلا فهو شاهد على أن الشيعة كانوا من أقدر الناس على صياغة الكلام البديع )[٤].

-------------------------------------------------------
[١] . مصادر نهج البلاغة وأسانيده، السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب،دار الأضواء، بيروت، ط٢، ١٩٨٥م، ١/١٠٢.
[٢] . نفس المصدر السابق ص١٠٢-١٠٣.
[٣] . شرح النهج، ابن أبي الحديد، ١٠/١٢٧-١٢٨، وبنيات الطريق هي الطرق الصغار تتشعب من الجادة.
[٤] . عبقرية الشريف الرضي ص ٢٢٣.
****************************