في إختلاف الروايات
قال الرضي رحمه اللَّه : ( وربّما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردّد والمعنى المكرر ، والعذر في ذلك أنّ روايات كلامه عليه السّلام تختلف اختلافا شديدا ، فربما اتفق الكلام المختار في رواية فنقل على وجهه ، ثمّ وجد بعد ذلك في رواية أخرى موضوعا غير وضعه الأوّل ، إمّا بزيادة مختارة أو لفظ أحسن عبارة تقتضي الحال أن يعاد ، استظهارا للاختيار ، وغيرة على عقائل الكلام . وربما بعد العهد أيضا بما اختير أوّلا ، فأعيد بعضه سهوا أو نسيانا ، لا قصدا واعتمادا ) .
إنّ اختلاف الروايات حقيقة يواجهه كلّ من له أدنى صلة بالروايات ، سواء النبوية أو العلوية أو التاريخية ، فإن كان ترجيح لإحداها فالضرورة ترجحّها ، وما عدى ذلك يكون الخيار أمران : إمّا إهمالهما معا أو ذكرهما معا ، وهذا الأخير هو الحلّ الذي اختاره الشريف الرضي ، وهو على صواب في ذلك ، فإنّ إهمال إحداهما من دون سبب إهمال للتراث .
قال الشريف الرضي وهو يذكر الروايات المختلفة : ( قد مضى هذا الكلام فيما تقدم ، إلَّا أنّنا كرّرناه هاهنا لما في الروايتين من الاختلاف ) [١].
ويقول : ( وقد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب ، إلَّا أن فيه هاهنا زيادة أوجبت تكريره ) [٢].
ويقول في موضع آخر : ( وقد تقدم مختار هذه الخطبة ، إلَّا أنّي وجدتها في هذه الرواية على خلاف ما سبق من زيادة ونقصان ، فأوجبت الحال إثباتها ثانية ) [٣].
وقال ابن أبي الحديد : ( واعلم أن هذه الخطبة قد ذكرها نصر بن مزاحم في كتاب صفّين على وجه يقتضي أنّ ما ذكره الرضي هنا قد ضمّ إليه بعض خطبة أخرى ، وهذه عادته ، لأنّ غرضه التقاط الصحيح والبليغ من كلامه ) [٤].
ونرى مثالا لهذا التكرار في الخطبة التي خطبها بذي قار ، فقد اقتطف منها مقتطفات ، فذكر بعضها في الخطبة رقم ١٠ ، وبعضها الأخير في الخطبة رقم ٢١ ، وبعضها الآخر أيضا برقم ١٣٢ .
وسنشير إليها في مواضعها .