وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
إستخدامات الأنا في نهج البلاغة

علي حسين الخباز

ثمة نظرة سلبية ترسخت عند الأجيال المتعاقبة عن (الأنا) وإشكاليات استخداماتها... وربما الاستخدامات الأنوية التي استفحلت في الموروث الأدبي العربي بلورت مثل هذه النظرة السلبية، لكن تبقى هناك في حيثيات الموروث بعض الأنوات المسؤولة عن ذاتها وعن يقينها الجمعي وربما انحسرت برموز قليلة جدا... ومن أهم هذه الرموز هي شخصية الإمام علي عليه السلام وبشهادة جميع أهل النقد والأدب وعبر أجيال توارثت قدسية هذه الأنا التي مثلت (أنا أمة) وعلى العموم يشكل استخدام ضمير المتكلم (ضمير الشخص الأول) تفاعلا حيا في سرد الأحداث التاريخية التي يراها النقد قائمة على هواجس الأنا كقوله عليه السلام: (فايم والله لأفرطن لهم حوضا أنا ماتحه لا يصدرون عنه بري) وأفرط الحوض ملأه حتى فاض، والمراد: حوض المنية وماتحه: أي نازع مائه لأسقيهم..
ليبقى هذا الضمير شاهداً حيا أولا... ومشاركا مساهما في فعل البناء العام للتاريخ ثانيا، فيعبر عن سيادة الصوت الواحد. لكننا نجدها عند الإمام علي (ع) في نهج البلاغة بعيدة عن هذا المرتكز الذي أشار إليه عموم النقد... فكثر الاشتغال بأنا المنصهرة في بوتقة الجماعة كقوله عليه السلام (فإن ذلك أمر لم أحكم فيه أنا برأيي ولا وليته هوى مني بل وجدتُ أنا وأنتما ما جاء به رسول الله (ص) قد فرغ منه ..)أو الاشتغال بأنا المتخضعة (فانا وأنتم عبيد مملوكون لرب لارب غيره)وقلـّت إلى حد الضمور الأنا الشخصية بل تمحورت باستخدامات أخرى لا تعنيها أنا المفاخرة... فكانت لها مهامات أخرى كالرد والمحاججة في سياقات واردة كقوله عليه السلام (أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بي من نفسي ) وتحمل المسؤولية في بعضها الآخر كقوله عليه السلام ( فقلتُ أنا لا إله الا الله فإني أول مؤمن بك يا رسول الله) والمهم إن ورود تلك الأنا دائما ترد عند الإمام عليه السلام كـ(أنا) مستقبلية ذات استمرارية بعيدة عن أي إطراء لأي منجز... كقوله عليه السلام: (فأما أنا فوالله دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام...) أي لا يمكن عدوه من نفسه دون ذلك ضرب بالمشرفية: وهي السيوف التي تنسب إلى مشارف قرى من ارض العرب تدنو من الريف. وفراش الهام: العظام الرقيقة التي تلي القحف.
ويعتبر ضمير المتكلم مزية من أنماط سردية مباشرة تسعى لخلق الصلة الحية لدرجة أن يشعر المتلقي انه جزء من هذه الأنا الفاعلة فلذلك يطرح المبدع أناه وإدراكات فهمه واستيعابه للأحداث وبتفاصيل لها الدقة التي تميزها، فكان الإمام علي عليه السلام يبتعد عن ذكر الأنا الفردية ويلجأ إلى ما يعوضها دون أن يشعرك انه يترك فراغا تبجحيا فيستخدم مثلا ضمير ياء المتكلم المتصلة بإن التوكيدية والتي تتكون من دمج مقطعين (إن + ياء المتكلم) للتعبير عن هذه الأنا الحيوية مثلا قوله عليه السلام: (لوددتُ اني لم أركم ولم أعرفكم معرفة والله جرت ندما وأعقبت سدما) والسدم: محركة الهم أو مع أسف أو غيظ. .
يمنح ضمير المتكلم من خلال فاعليته التأثيرية المنجز طاقة درامية تسهم في انسيابية الأحداث لكونها فصلت في نهج البلاغة على يد الشريف الرضي باستقلالية الانتقاء فمثلا استخدمت تاء المتكلم للتعبير عن هذه الأنا لأغراض تواضعية ولا نعتقد أننا بحاجة إلى انتقاء أي استشهاد حول هذا الموضوع لكثرة وجوده في المنجز... وعلى كل حال ليست كل قياسات النقد جادة أو مصيبة لكونه ذات عموميات لم ترتكز على خصوصية معينة لتداول خصوصيات لابد أن يكون لها استثناءات في الكم النقدي ويحفل هذا النوع في عموم الموروث بالأسلوب التقريري الذي يفتقر إلى العمق الفني وفيه إيهامية كبيرة، ويشوبها الكثير من الزيغ والمراوغة، وأما في خصوصية النهج هناك وضوح عام يرتكز على واقعية الأحداث المعاشة والتي يلبسها الإمام علي عليه السلام ثوبا مستقبليا مع صياغة فنية توفر له طاقات الديمومة والبقاء... فلذلك نراه يستخدم الأنا اللفظية ولا يعني بها نفسه مثل قوله عليه السلام: (غير ان من نصره لا يستطيع أن يقول خذله من أنا خير منه ومن خذله لا يستطيع أن يقول نصره من هو خير مني) أي إن الذين نصروه لم يكونوا أفضل من الذين خذلوه ولهذا لا يستطيع ناصره أن يقول إن من نصره أفضل من الذي خذله ولا يستطيع خاذله أن يقول إن الناصر خير مني: يريد أن القلوب متفقة على أن ناصريه لم يكونوا في شيء من الخير الذي يفضلون به على خاذليه... ويستخدم الإمام عليه السلام دائما إن التوكيدية المقرونة بـ(نا) الجماعة فتكون صيغة (إن + الضمير نا) لينصهر هذا الصوت في المد الجماعي مثل قوله عليه السلام: (أيها الناس إنا قد أصبحنا في دهر عنود وزمن كنود) العنود: الجائر من عند يعند أي: جار عن الطريق وعدل. والكنود: الكفور.
وورد ت أيضا في الموروث العام الأنا التضليلية لأجل الإقناع الزائف باستخدام أساليب التكرار وتمجيد الذات التي ابتعد عنها الإمام علي عليه السلام في جميع محاوره الخطابية فاستخدم الأنا الصريحة لأغراض الرد على تهم بني أمية، مثل تهمة إشراكه في دم عثمان كقوله عليه السلام: (أنا حجيج المارقين وخصيم المرتابين) وحجيج المارقين: أي خصيمهم. والمارقون: الخارجون من الدين. والمرتابون: الذين لا يقين لهم. وقد قارعهم عليه السلام بالبرهان الساطع فغالبهم...
ومن معيبات الموروث ظهور حالات الانكسار من خلال خلق أزمة مفتعلة للواقع لتتنفس من خلال أنا الكاتب... وأما في الواقع المعاش للإمام عليه السلام فقد كان الواقع نفسه مأزوما... فجاءت الأنا لتصحيح مسار تلك المدركات الواهية، وإنقاذ الأمة من حالات الانحراف، فوردت أنا الإمام علي عليه السلام بعدة اشتغالات منها الأنا المعنوية كقوله عليه السلام: (واعلموا إنكم بعين الله ومع ابن عم رسول الله) ويعني بعين الله: إنكم ملحظون بها... ومن اشتغالات أناه الأخرى... أنا الخبرية لبيان الحال ليس أكثر كقوله عليه السلام: (ملكتني عيني وأنا جالس) وتعتمد أنا الموروث العام كذلك على الترهل والضعف وسوء استخدام الأنا في رسم الأحداث لكونها منشغلة في البحث عن الذات بينما أنا الإمام علي عليه السلام الصريحة لا تتخلى عن الأنا الجماعية كقوله عليه السلام: (وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم... والله لا تنقم منا قريش إلا إن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا).

****************************