وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                

Search form

إرسال الی صدیق
الأمثال في نهج البلاغة – باب الهمزة

محمد الغروي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد خاتم النبيّين، ووصيّه عليّ أمير المؤمنين، وآلهما المعصومين. سبقت دراسة موضوعيّة منّا حول الأمثال المرويّة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، ونحن إذ ندرس (الأمثال في نهج البلاغة) نخصّص الموضوع هنا من معطياتها السائرة ونترك التفصيل إلى كتاب (الأمثال العلويّة).

مدخل

الأمثالُ تنقسم الأمثال إلى:

ـ مثل: سائر.

ـ ومثل: قياسي.

والسائر: ما قالته العرب في مناسبات ثم جرى على الألسن يتمثّل به إذا وجد شيء يشارك تلك المناسبات.

والقياسي: هو تصوير يخلقه المصوّر لتوضيح فكرة عن طريق تشبيه يسمّيه البلاغيّون (التمثيل المركب)، أو إبداع يجمع بذلك بين جمال التصوير وما ينشده المتمثّل من أغراض.

بوسعنا أن نصنّف الأمثال في نهج البلاغة إلى: قرآنيّة، وسائرة، وقياسيّة.

وإلى: نثريّة وشعريّة.

وإلى: جاهليّة وإسلاميّة ومخضرمة.

... وإلى سواها من صنوف.

فوائد الأمثال قد استوفينا الكثير منها في مقدّمة (الأمثال النبويّة) و(البصائر)، وكذلك تعاريف القوم لها فلا نعيد.

ثم الكتب المؤلّفة في (الأمثال العلويّة) و(الأمثال في نهج البلاغة) منها كما يلي: ١٠٠ حكمة ومثل، غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، حكم ابن دريد، أمثال منسوبة إلى الجاحظ، حكم الإمام علي (مجلة المشرق/ ج ٥/ بيروت)، شذرات الأدب للشيخ الرئيس، نثر اللآلئ (مجموعة ثانية من فلايشر)، كلمات علي بن أبي طالب شرح الشيخ محمد عبده، أقوال أمير المؤمنين ـ علي بخاري، صد كلمة مولاي متقيان ترجمة روليم يول إلى الإنجليزية، ألف كلمة مجردة من شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة... وبغية الوقوف على مخطوطات ومطبوعات هذه المؤلفات يرجع إلى الجزء الأول من (تاريخ الأدب العربي) تأليف بروكلمان تحت عنوان (أمثال سيدنا علي) كما في رسالة الإسلام عدد ٧ ـ ٨ (١٣٨٨هـ) الأزهر ١٩٦٨م.

الأمثال السائرة، وغير السائرة

الموزّعة على أبواب الحروف:

باب الهمزة:

الهمزة مع الألف:

١- آخرُ الدّواء الكيّ[١].

تمثّل به (عليه السّلام) في كتاب له جواباً لقوم سألوه عقاب من أجلب على عثمان بعد ما بويع: (يَا إِخْوَتَاهْ إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ... وسَأُمْسِكُ الأمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ، وإِذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَـ «آخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ»).

(لأنه إنّما يقدم عليه بعد أن لا ينفع كلّ دواء... أي إذا أعضل وأبى قبول كلّ دواء حُسم بالكيّ)[٢]، وقيل: (آخر الدواء الكيّ). وردّ أنّه من غلط العامّة إذ الكيّ ليس من الداء ليكون آخره، قيل: أوّل من قال المثل لقمان بن عاد في قصّة امرأة غازلت رجلاً تزعمه أخاها حتى لقى لقمان زوجها ـ اسمه هانئ ـ يسوق إبله ويقول:

روحي إلى الحيّ فإنّ نفسي

 

رهينة فيهم بخير عرس

حسّانة المقلة ذات أنس

 

لا يشتري اليوم لها بأمس

فهتف به لقمان: يا هانئ ! وقال:

يا ذا البجاد[٣] الحلكة[٤]  = والزوجة المشتركة

عشّ رويداً إبلكه = لست لمن ليس لكه

قال هانئ: نور نور لله أبوك ؟ قال لقمان: عليّ التنوير وعليك التغيير، مررت بها تغازل رجلاً زعمته أخاها. قال: فما الرأي ؟ قال: أن تقلب الظهر بطناً حتى يستبين لك الأمر.

قال: أعالجها بكيّة توردها المنيّة. قال: (آخر الدواء الكيّ)، يضرب فيمن يستعمل في أوّل ما يجب استعماله في آخره وفي إعمال المخاشنة مع العدوّ إذا لم يجدِ معه اللين والمداراة[٥].

صدقت القصّة أم لا فإنّه يساعده الاعتبار.

الهمزة مع التّاء

٢ ـ اتباع الكلب للضرغام يلوذ إلى مخالبه[٦].

من كتاب له (عليه السّلام) إلى عمرو بن العاص:

(فَإِنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ دِينَكَ تَبَعاً لِدُنْيَا امْرِئٍ ظَاهِرٍ غَيُّهُ، مَهْتُوكٍ سِتْرُهُ، يَشِينُ الْكَرِيمَ بِمَجْلِسِهِ، ويُسَفِّهُ الْحَلِيمَ بِخِلْطَتِهِ. فَاتَّبَعْتَ أَثَرَهُ، وطَلَبْتَ فَضْلَهُ «اتِّبَاعَ الْكَلْبِ لِلضِّرْغَامِ يَلُوذُ بِمَخَالِبِهِ»، ويَنْتَظِرُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِ فَرِيسَتِهِ، فَأَذْهَبْتَ دُنْيَاكَ وآخِرَتَكَ، ولَوْ بِالْحَقِّ أَخَذْتَ أَدْرَكْتَ مَا طَلَبْتَ...).

إذا دنئت نفس المرء غربت عنها المكارم الإنسانيّة والأخلاق المرضيّة، ورسخت فيها أضدادها واستحكمت خِلال البهائم والسباع فيها إلى الغاية، فإذا استولى الغضب عليها فأسدٌ مفترسٌ لا همّ له سوى الافتراس، وإذا ملكها الطمع فصاحبها كلب لائذ ينتظر ما يلقى إليه، أو الاحتيال فثعلب.. وهلمّ جرّاً في كلّ خصلة تختصلها السباع والحيوانات، تنكشف لذوي البصائر من الناس فضلاً عن أمير المؤمنين الذي يرى الأشياء كما هي. إذا وصف شيئاً منحه نعوته الجديرة به؛ لأنّه (عليه السّلام) الحَكَم العدْل الذي يعطي كلّ ذي حق حقّه، فمن نظر إلى معاوية وابن العاص وجد الخلال التي بيّنها الإمام (عليه السّلام) من الفسق وشين الكريم وتسفيه الحليم فيهما، وأنّهما يجريان مجرى الكلاب والأسود عند الفريسة، تابعة متبوعة.

وعن ابن مزاحم في كتاب صفّين بلفظ: (أمّا بعد فإنّك تركت مروءتك لامرئ فاسق مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه ويسفّه الحليم بخلطته، فصار قلبك لقلبه تبعاً كما قيل: (وافق شن طبقة)[٧]. فسلبك دينك وأمانتك ودنياك وآخرتك... فصرت كالذئب يتبع الضرغام إذا ما لليل دجى أو أتى الصبح، يلتمس فاضل سؤره وحوايا فريسته، ولكن لا نجاة‌ من القدر...)[٨].

الهمزة مع الحاء

٣ـ أحببْ حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما[٩]، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما.

من كلمات الإمام (عليه السّلام) الحكميّة، عدّه أبو هلال العسكري من الأمثال في جمهرته، وقال: المثل لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (كرّم الله وجهه). وهوناً أي قصداً غير إفراط، وهو من قول النمر بن تولب:

وَأَحبِب حَبيبَكَ حُبّاً رُوَيداً

 

لئلاّ يَعولُكَ أن تَصْرِما

وَأَبغض بَغيضكَ بُغضاً رُوَيداً

 

إِذا أَنتَ حاوَلتَ أَن تَحكُما

ومن أجود ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم: (لا تكن مكثراً ثمّ تكون مقلاّ فيعرف سرفك في الإكثار وجفاؤك في الإقلال)[١٠].

قال الشارح:

(الهَون بالفتح: التأني، والبغيض: المبغض. وخلاصة هذه الكلمة: النهي عن الإسراف في المودّة والبغضة؛ فربّما انقلب مَن تودّ فصار عدّواً، وربّما انقلب مَن تعاديه فصار صديقاً... وقال بعض الحكماء: توقّ الإفراط في المحبّة فإنّ الإفراط فيها داعٍ إلى التقصير منها، ولأن تكون الحال بينك وبين حبيبك نامية أولى من أن تكون متناهية... وقال الشاعر:

أَحبِب إِذا أَحبَبتَ حُبّاً مُقارِباً

 

فَإِنَّكَ لا تَدري مَتى أَنتَ نازِعُ

وَأَبغِض إِذا أَبغَضتَ بُغضاً مباينٍ

 

فَإِنَّكَ لا تَدري مَتى أَنتَ راجِعُ

وقال عديّ بن زيد:

ولا تأمنن من مبغض قرب داره = ولا من محبّ أن يملّ فيبعد)[١١]

وقد قيل: صرعة الاسترسال لا تستقال، نعم إذا كان الحبّ مع الله (عَزَّ وجلَّ) فأحبب حبّاً إلى الغاية بدون إقلال، بل إلى حدّ العشق، وهو الحبّ المفرط وأبغض الشيطان والنّفس وما يصدّك عنه تعالى.

الهمزة مع اللاّم

٤ ـ الآن رجع الحقّ إلى أهله[١٢].

(لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ، ولَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً، هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وعِمَادُ الْيَقِينِ. إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي، وبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي، ولَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ، وفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ والْوِرَاثَةُ «الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ» ونُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ).

هذا فصل من فصول خطبة له (عليه السّلام) بعد انصرافه من صفّين، وفي معنى المثل المذكور ما جاء من أمثال العرب:

(عاد السهم إلى النزعة: أي رجع الحق إلى أهله. والنزعة الرماة من (نزع في قوسه) أي رمى، فإذا قالوا: (عاد الرمي على النزعة) كان المعنى عاد عاقبة الظلم على الظالم، ويكنّى بها عن الهزيمة تقع على القوم)[١٣].

ومنها: (عاد الأمر إلى نصابه: يضرب في الأمر يتولاّه أربابه)[١٤].

يريد (عليه السّلام) بذلك رجوع الخلافة بعد اغتصابها إليه أيّام خلافته، وتأوّل الكلام المعتزليُ بما يأباه العقل والنقل، قال:

(وهذا يقتضي أن يكون فيما قبل في غير أهله، ونحن نتأوّل ذلك على غير ما تذكره الإماميّة ونقول: إنّه (عليه السّلام) كان أولى بالأمر وأحقّ لا على وجه النصّ على الخلافة، بل على وجه الأفضليّة... لكنّه

ترك حقّه لِمَا علمه من المصلحة...)[١٥].

ليتني دريت ما حمل المعتزلي على سحق عقله حتى يتناقض في القول ! إن كان (عليه السّلام) كما يقول: إنّه الأحقّ بالخلافة من جميع المسلمين بحكم العقل، وإنه أفضل البشر، فكيف يهمل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) النصّ عليه حتّى يختاروا من هو أدنى ؟! وهل هذا إلاّ تغرير منفيّ عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؟! وهل يشكّ عربيّ في معنى (رجع الحق إلى أهله) أنّ فيما قبله غير أهل له ؟! والكلام المتقدم ينصّ على انحصار الوصاية والوراثة، وهي الخلافة المنصوصة. قال المعتزلي: (ولسنا نعني بالوصيّة النصَ على الخلافة، ولكن أمور أخرى)[١٦]. نعم، أمور أخرى حملتك على ذلك.. والحديث ذو شجون.

الهمزة مع الميم

٥ ـ أمرتكم أمري بمنُعَرِجِ اللّوى = فلم تستبينوا النُّصحَ إلاّ ضُحى الغد[١٧].

من أخطر خطبة له (عليه السّلام) بعد التحكيم: (... فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ، والْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ، حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ، وضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ، فَكُنْتُ أَنَا وإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ:«أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى = فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ» )

(وأخو هوازن صاحب الشعر هو دريد بن الصَمَّة، والأبيات مذكورة في الحماسة، وأوّلها:

نَصَحتُ لِعارِضٍ وَأَصحابِ عارِضٍ

 

وَرَهطِ بَني السَوداءِ وَالقَومُ شُهَّدي

فقلتُ لَهُم: ظُنّوا بِأَلفَي مُدَجَّجٍ

 

سَراتُهُمُ في الفارِسيِّ المُسَرَّدِ

أمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى

 

فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ

فَلَمّا عَصوني كُنتُ مِنهُم وَقَد أَرى

 

غِوايَتَهُم وَأَنَّني غَيرُ مُهتَدِ

وَهَل أَنا إِلّا مِن غَزِيَّةَ إِن غَوَت

 

غَوَيتُ وَإِن تَرشُد غَزيَّةُ أَرشَدِ[١٨]

حادثة التحكيم، عند مخالفة أصحابه (عليه السّلام)، يعرف عظمها من كلامه حيث يقول: (فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ...) والكلّ يدري ما يصنع المخالف الجاف والمنابذ العاصي على أميره، وهو ناصحه حتّى ارتاب بنصحه.

وقوله (عليه السّلام): (وضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ) أي (لم يقدح لي بعد ذلك رأي صالح لشدّة ما لقيت منكم من الإباء والخلاف والعصيان... لأنّ

المشير الناصح إذا اتّهم واستغشّ، عمى قلبه وفسد رأيه)[١٩].

نعم، بالإضافة ‌إلى الإمام لم يَعْمَ قلبه ولم يَفسد رأيه ويصبر على البلوى والأمر بطبعه الأوّلي كذلك.

الهمزة مع الياء

٦ ـ أَيَادِيَ سَبَأ[٢٠].

من كلام له (عليه السّلام): (... فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلِي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ «أَيَادِيَ سَبَأ»...).

اختُلف في أنّ المثل إسلاميّ، أصله قوله تعالى: (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ)[٢١] في قصّة أهل سبأ وتفرّقهم المذكورة في القرآن الكريم وروايات أهل البيت (عليهم السّلام)، أو جاهليّ كما ذهب إليه الدكتور صفا خلوصي؛ لأنّ سبأ وجدت قبل الإسلام[٢٢]؟ وهل وجود قوم سبأ قبل الإسلام يصيّر المثل جاهليّاً أو لابدّ من ضربه فيه لتلك الحالة لا وجود الحالة ؟

قال ابن أبي الحديد:

(وأيادي سبأ مثل يضرب لمتفرّقين، وأصله قوله تعالى عن أهل سبأ: (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ). وسبأ مهموز، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ويقال: ذهبوا أيدي سبأ، وأيادي سبأ. الياء ساكنة وكذلك الألف، وهكذا نقل المثل: أي ذهبوا متفرّقين، وهما اسمان جعلا واحداً مثل: معد كرب)[٢٣].

يضرب المثل المذكور لبيان تفرّق الجمع المقصود بهم وللدعاء عليهم، أي لا تفارقهم الفرقة، ولعلّ الثاني أولى بكلام الإمام (عليه السّلام) ليكون جملة (أيادي سبأ) دعاء عليهم، إلاّ أنّ ظهور الجملة في تشبيه تفرّق أصحابه (عليه السّلام) عند خطابه بتفرّق قوم سبأ يردّ الدعاء المذكور فتدبّر جيداً.

ولقد كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يعاني من تفرّق الأصحاب، والفُرقة هي السبب لإبادة الجماعة، وقد نهى الله جلّ جلاله عنها وأمر بالاعتصام بقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا)[٢٤]، وهو (عليه السّلام) الحبل المتين الذي أمر العباد بالتمسّك به. ولا ينافي أن يكون حبل الله القرآن أو الرسول (صلّى الله عليه وآله)، فإنّ كلّ ذلك شيء واحد يدعو إلى الواحد وهو الله تعالى.

٧ـ إِيّاك وما يُعتذَرُ منهُ[٢٥].

جاء المثل في كتاب له (عليه السّلام) إلى قثم بن عبّاس، وهو عامله على مكّة.

قال الميداني بعد المثل المذكور: (أي لا ترتكب أمراً تحتاج فيه إلى الاعتذار منه)[٢٦].

وهو من الأمثال المرسلة وإن لم يرسله الإمام (عليه السّلام).

ثم الاعتذار، ممّا يوجبه، إنّما هو من صنع الجاهل، حيث يقدم على ما لا يدري مغبّته ولا حسنه من قبحه أو خيره من شرّه، فإذا انكشف الحال ندم واعتذر. أمّا العاقل، فلا يترأّى قبل أن يتروّى، ولا يقدم على عمل إلاّ بعد التثبّت والعلم بمغبّته. وقد قالوا المثل: (شر الرأي الدُّبري: والدّبري الذي يجيء بعد ما يفوت الأمر)[٢٧].

ومن أجله رُغّبت المشورة وأُمر الجاهل بالسؤال من أهل الذكر في الكتاب والسنّة في أمور الدّين والدّنيا، والمستبدّ برأيه هالك، والتثبّت في كلّ شيء حتّى لا يقع فيما لا يحمد عقباه، وعدم جواز الأخذ بنبأ الفاسق إلاّ بعد التبيّن؛ لئلاّ يصيب إنساناً بجهالة فيصبح على ما فعل نادماً كما قال تعالى: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[٢٨]. والمورد لا يخصَّص فيجري فيما ماثله من نوعه.

ثم المثل يشمل كلّ ما ذكر وما لم يذكر من الموارد الّتي تورث الاعتذار بعدها، سواء كان من قول أو عمل، بل مطلق السّكون والحركة التي لا يخلو منهما الإنسان. فلابدّ من التفكر فيه أوّلاً، فإن عَلِم أنّ في ذلك رشداً أقدم، أو غيّاً أحجم عنه. ويقف عند الشبهة لئلاّ يهلك من حيث لا يعلم كما جاء فيه حديث التثليث: (الأمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيتّبع، وأمر بيّن غيّه فيجتنب، وشبهات بين ذلك، فمن أخذ بها هلك من حيث لا يعلم ومن وقف نجا)[٢٩] ما مضمون الحديث فراجع.

يتبع.........

------------------------------------------
[١] . النهج: ٩ : ٢٩١ ط ١٦٩.
[٢] . المستقصي ١ : ٣.
[٣] . البجاد: الكساء.
[٤] . الحلك: الأسود.
[٥] . المستقصي ١: ٥٣ [نقلٌ بتلخيص].
[٦] . النهج ١٦: ١٦٠، ٣٩/ك.
[٧] . من الأمثال السائرة: مجمع الأمثال ٢: ٣٥٩ حرف الواو.
[٨] . شرح النهج ١٦: ١٦٣.
[٩] . النهج ١٩: ١٥٦، ٢٧٤/ح.
[١٠] . على هامش مجمع الأمثال ١: ١٥٦ [نقل بتلخيص وتصرُّف].
[١١] . شرح النهج ١٩: ١٥٦.
[١٢] . النهج ١: ١٣١ ـ ١٣٩, ٢/ط.
[١٣] . مجمع الأمثال ٢: ١٨ حرف العين.
[١٤] . المصدر ٢: ٣٥.
[١٥] . شرح النهج ١: ١٤٠.
[١٦] . المصدر.
[١٧] . النهج ٢: ٢٠٤, ٣٥/ط.
[١٨] . شرح النهج ٢: ٢٠٥.
[١٩] . المصدر.
[٢٠] . النهج ٧: ٧٠, ٩٦/ط.
[٢١] . سبأ: ١٩.
[٢٢] . دراسة في الأمثال العربيّة القديمة، انظر: هامش رسالة الإسلام عدد ٧ ـ ٨/١١٦.
[٢٣] . شرح النهج ٧: ٧٤ـ٧٥.
[٢٤] . سورة آل عمران الآية ١٠٣.
[٢٥] . النهج ١٦: ١٣٨, ٣٣/ك.
[٢٦] . مجمع الأمثال ١: ٤٤ حرف الهمزة.
[٢٧] . الجمهرة على هامش مجمع الأمثال ١: ١٣ حرف الشين.
[٢٨] . سورة الحجرات الآية ٦.
[٢٩] . الوسائل ١٨: ١١٤.
****************************