علي حسين الخباز
يرى معظم النقاد ان موضوع الاحتباك موضوع نفسي لكونه نوع من أنواع الحذف دون أن يعطونا أي تفسير أو تفصيل أو تبيين عنه.. ونحن نجد أنه العكس تماماً فالحذف نوع من أنواع الاحتباك وليس الاحتباك نوع من أنواع الحذف كقول الامام علي عليه السلام أن الأنسان(معجون بطينة الألوان المختلفة) أي أن مفردة معجون منحتنا قيمة الحذف بمعنى كبير لان العجن صفة إنسانية كشفت عن ليونة الجسد ورقة الجلد ودقة العظام ومحتوى الدم والماء ولحم وعصب مؤهلة للعجن والامتزاج والألوان المختلفة فهناك حر وبرد وبلة وهناك تنوع الأحاسيس والأمزجة والذائقة ورغائب وغرائز وميول وأشياء كثيرة تتحكم بها ومنها عناصر الوراثة والحالات النفسية كلها تدخل ضمن مراتب الحذف لتعمّر لنا الحالة التأملية بالتفسير والشرح والتأويل والبحث الداخلي للنص وهذا هو نوع من أنواع الحذف الذي يُعتبر جزءا ًمن الاحتباك وقد تنوعت التفسيرات اللغوية حول مصطلح(الاحتباك) فجاء في كتاب(اللسان) أن الحبك يعني الشد وقال الله تعالى في كتابه المبين(والسماء ذات الحبك) الذاريات (٧) .
وابن الاعرابي يراه : كل شيء أحسن صنعة،وفي كتاب العين : حبكته في السيف حبكاً(ضرب اللحم دون العظم) ويراه الجواهري بمعنى أجاد النسج .
كقول سيد البلغاء عن آدم عليه السلام(وأهبطه إلى دار البلية وتناسل الذرية) بمعنى أهبطه الله من مقام كان الإلهام الإلهي لانسياق قواه إلى مقتضى الفطرة السليمة الأولى- إلى مقر قد خلط له فيه الطريقان ووكله إلى نظره العقلي واستدل بالتمييز بين الأمريين واختيار أي الطريقين وهو العناد الذي تكدر به صفو هذه الحياة على الآدميين- وتناسل الذرية من خصائص تلك المنزلة الثانية التي أنزل الله فيها آدم مما أبتلي به امتحانا لقوته على التربية والقيام بحقوقهم والزامهم بتأدية ما يحق عليهم.
اما الاصطلاح البلاغي فيعني الاحتباك منع الخلل مع الحسن والبيان وركز الأوائل على انه من مواضيع الحذف من الكلام.
والزركشي وضع أنواعا من الحذوفات كالمقابلة والتضادية والتوافقية والاحتباك عند البعض يعني الايجاز.
كقوله عليه السلام(ولسنا نُرعد حتى نُوقع، ولانسيل حتى نُمطر) بمعنى اذا أوقعنا بعدوٍ أوعدنا آخر بأن يصيبه ما اصاب سابقه وإذا امطرنا اسلنا، اما اولئك الذين يقولون نفعل ونفعل وما هم بفاعلين فهم بمنزلة من يسيل قبل المطر وهو محال غير موجود فهم كالعدم فيما به يوعدون، والبلاغيون حاولوا تخصيص حالة الاحتباك بشتى التعاريف التي يجدها بعض النقاد المحدثين انها غير مشمولة به لكون الاحتباك يشمل هذه الانواع كلها كالتقابل والتضاد والمثل والمتشابهات وحتى التعريفات المستحدثة اختلفت من حيث التباين بنتائج قلقة فالبعض يظن بان تكوينات الاحتباك نتيجة اشتراك كلامين في معنيين تضادا أوتشابها أوتناظرا أونفيا ونحن مازلنا نجدهم بعيدين كل البعد عن معنى الاحتباك الحقيقي، ففي جملة واحدة وجدنا عدة اشتغالات كلها تصب في عدة طرق للاحتباك منها الطباق التوافقي وفي نفس الجملة هناك تضادات كقوله عليه السلام في بعض مفاصل الجملة( إرمِ ببصرك اقصى القوم.. وغض بصرك) ويعني ارم ببصرك اقصى القوم لتحيط بحركات ولكن عليك ان تغض النظر عما يخيفك من هذه الحركات كيلا يهولنك منهم هائل.
بينما نقاد الادب القصصي نظروا إلى الاحتباك على انه عقدة النص أوهي حلقة الوصل بين المقدمة والنهاية تتحدث عن حبكة متماسكة كل فصل يكون نتيجة ما قبله، وابتكروا تنوعات للحبكة منها المفككة من جملة تتصل بعدد من المكونات ترتبط زمانيا أومكانيا أوالحوار، والنقاد الروائيين قسموها إلى حلقية وختامية ومنها من يرى الحبكة استهلالية..
كقوله عليه السلام في ذم الزمان(ولقد اصبحنا في زمانٍ قد اتخذ اكثراهله الغدر كيسا) والكيس بالفتح العقل وأهل ذلك الزمان يعدون الغدر من العقل وحسن الحيلة كأنهم اهل السياسة ونجد أن مثل هذه الجملة تصبح نواة لكل ما يمر من احداث ثقال ولكن بعض النقاد تقربوا إلى حقيقة مفهوم الاحتباك حين وضعوا نقاط الحركة سببا لبناء الحبكة وتبقى حقيقة هذه الحبكة انها ترتبط بجميع الفنون الكتابية كونها تعني اجادة الصياغة وقدرة الايصال والبحث الدائب عن التأثر بخلق صدى ابداعي.