(في بيت النبي (ص))
١ـ ما قيل في قرابته (ع)
(١) قال ابن أبي الحديد في قرابته (ع) والقرابة القريبة بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دون غيره من الأعمام كونه رباه في حجره،ثم حامى عنه.
ونصره عند إظهار الدعوة دون غيره من بني هاشم،ثم ما كان بينهما من المصاهرة التي أفضت إلى النسل الأطهر دون غيره من الأصهار (١).
(٢) وقال ابن حجر العسقلاني الشافعي
ولد علي (عليه السلام) قبل البعثة بعشر سنين،فربى في حجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يفارقه،وشهد معه من المشاهد إلا غزوة تبوك،إلى آخره (٢).
(٣) روى الطبري في تاريخه عن مجاهد قال كان من نعمة الله عز وجل على علي بن أبي طالب (عليه السلام) وما صنعالله له،وأراده به من الخير،أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة،وكان أبوطالب ذا عيال كثير،فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للعباس،ـ وكان من أيسر بني هاشمـ«يا عباس،إن أخاك أبا طالب كثير العيال،وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة،فانطلق بنا،فلنخفف عنه من عياله،آخذ من بيته واحدا،وتأخذ واحدا،فنكفيهما عنه،قال العباس:نعم.
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب،فقالا له: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه،فقال لهما أبوطالب:إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما،فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام)فضمه إليه،وأخذ العباس جعفرا،فلم يزل علي بن أبي طالب (عليه السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بعثه الله نبيا فأتبعه علي (عليه السلام) فآمن به وصدقه،ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه (٣).
وروى الحافظ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة نحوه مع اختصار فيه (٤).
وروى العلامة الأربلي عن أبي المؤيد بإسناده عن محمد بن اسحاق نحوه (٥).
وروى العلامة الكراجكى نحوه (٦).
صورة اخرى قال ابن الصباغ المالكي:لما نشأ علي بن أبي طالب وبلغ سن التمييز أصاب أهل مكة جدب شديد وقحط أجحف بذوى المروة،وأضر بذوي العيال إلى الغاية،فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمه العباس وكان من أيسر بني هاشم،يا عم،إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى،فانطلق بنا إلى بيته لنخفف من عياله فتأخذ أنت رجلا واحدا وآخذ أنا رجلا،فنكفلهما عنه،قال العباس:أفعل،فانطلقا حتى أتيا أبا طالب،فقالا:
إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه.
فقال لهما أبوطالب:إذا تركتما لى عقيلا وطالبا فاصنعا ما شئتما،فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا وضمه إليه،وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه،فلم يزل علي (عليه السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بعث الله عز وجل محمدا نبيا فأتبعه علي (عليه السلام)،وآمن به وصدقه،وكان عمره إذ ذاك في السنة الثالثة عشر من عمره لم يبلغ الحلم،وقيل غير ذلك،وأكثر الأقوال واشهرها أنه لم يبلغ الحلم،وأنه أول من أسلم وآمن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الذكور بعد خديجة،قاله الثعلبي في تفسير قوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار (٧).
وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن أرقم،ومحمد بن المتكدر وربيعة المرائي (٨) وقد أشار علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى شيء من ذلك في أبيات قالها،رواهاعنه الثقاة الأثبات،وهي هذه الآبيات:
محمد النبي أخي وصنوي | وحمزة سيد الشهدا عمي | |
وبنت محمد سكني وعرسي | منوط لحمها بدمي ولحمي | |
سبقتكم إلى الإسلام طفلا | صغيرا ما بلغت أوان حلمي | |
فويل ثم ويل ثم ويل | لمن يلقى الإله غدا بظلمي |
رباه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأزلفه وهداه إلى مكارم الأخلاق والفقه الى آخره (٩). (٤) وذكر أبوالقاسم في أخبار أبى رافع عن ثلاثة طرق أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين تزوج خديجة قال لعمه أبى طالب:إنى أحب أن تدفع إلى بعض ولدك يعنني على أمري ويكفيني،وأشكر لك بلاءك عندى،فقال أبوطالب:خذ ايهم شئت،فأخذ عليا (عليه السلام) فمن استقى عروقه من منبع النبوة،ورضعت شجرته ثدي الرسالة،وتهدلت أغصانه (١٠) عن تبعة الإمامة،ونشأ في دار الوحي،وربى في بيت التنزيل،ولم يفارق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حال حياته إلى حال وفاته،لا يقاس بسائر الناس،وإذا كان (عليه السلام) في أكرم ارومة (١١).
وأطيب مغرس والعرق الصالح ينمي والشهاب الثاقب يسري وتعليم الرسول ناجع (١٢).
ولم يكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليتولى تأديبه ويتضمن حضانته وحسن تربيته إلا على ضربين،إما على التفرس فيه أو بالوحى من الله تعالى،فإن كان بالتفرس فلا تخطأ فراسته ولا يخيب ظنه،وإن كان بالوحي فلا منزلة أعلى ولا حال أدل على الفضيلة والإمامة منه (١٣).
(٥) وقال ابوجعفر نقيب البصرة،فيما حكاه تلميذه ابن أبي الحديد في شرحه:وإذا كان القرين مقتديا بالقرين،فما ظنك بالتربية والتنقيف الدهر الطويل،فوجب أن تكون أخلاق علي (عليه السلام) كأخلاق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مربيه،لولا أن الله اختص محمدا برسالته،فامتاز رسول الله (صلى اللهعليه وآله وسلم) بذلك عن سواه،وبقي ما عد الرسالة على أمر الإتحاد،وإلى هذا المعنى أشار (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله:«أخصمك بالنبوة،فلا نبوة بعدي،وتخصم الناس بسبع».
وقال له:«انت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»فأبان نفسه منه بالنبوة،وأثبت له ما عداها من جميع الفضائل مشتركا بينهما الى آخره...
وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:
وربيت في حجر النبي محمد | فطوبى لمن من أحمد ضمه حجر | |
وغذاك بالعلم الإلهي ناشئا | فلا علم إلا منك قد حاطه خبر | |
بآدابه أدبت طفلا ويافعا | واكسبك الأخلاق أخلاقه الغر (١٤) |
٢ـ قول علي (ع) في الخطبة القاصعة في موضعه من رسول الله (ص)
نذكر ما ذكره (عليه السلام) في خطبته القاصعة حول موضعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتربيته في حجره حيث قال: «وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة (١٥)،وضعني في حجره وأنا وليد،يضمني الى صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده، ويشمني عرفه (١٦)،وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه،وما وجد لي كذبة في قول،ولا خطلة (١٧) في فعل،ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله وسلم) من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره،ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل (١٨) أثرأمه،يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما (١٩)،ويأمرني بالاقتداء به،ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء (٢٠)،فأراه ولا يراه غيرى،ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما،أرى نور الوحي والرسالة،وأشم ريح النبوة،ولقد سمعت رنة (٢١) الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت:يا رسول الله،ما هذه الرنة؟فقال هذا الشيطان آيس من عبادته،انك تسمع ما أسمع،وترى ما أرى،إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير،وأنك لعلى خير» (٢٢).
٣ـ شرح الخطبة: لقد ذكر (عليه السلام) في هذه العبارة مناقبه الجميلة،ومفاخره الجليلة،وشرح لتربيته الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) له من أول عمره،واعداده بتلك التربية للكمالات النفسانية من العلوم والأخلاق الفاضلة،وعد أحواله التي هي وجوه ذلك الاستعداد وأسبابه: الأولى: القرابة،وأشار إليها بقوله:«وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القربية»لأن أبويهما عبد الله وأبا طالب إخوان لأب وأم دون غيرهما من بني عبد المطلب فهما ابنا عم،مضافا إلى علاقة المصاهرة،وكونه (عليه السلام) زوج ابنته فاطمة سلام الله عليها.
الثاني: منزلته الخصيصة به،وأشار إليها بقوله:«والمنزلة الخصيصة»أي:الخاصة والمخصوصة بي،وشرحها (عليه السلام) بقوله:«وضعنى في حجره،ورباني وأنا ولد»طفل صغير«يضمنى إلى صدره ويكنفي»أي يضمني إلى كنفه وحضنه«في فراشه ويمسنى جسده ويشمنى عرفه»أي ريحه الطيب«وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه»وهذا كله إشارة إلى عمق تربيته (صلى الله عليه وآله وسلم) وشدة اهتمامه وقيامه بأمره،ويوضحه رواه الطبري في تاريخه بإسناده إلى مجاهدين بن جبر أبي الحجاج الى آخره (٢٣):وقال العلامة الكراجكي:وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يلي اكثر تربيته (عليه السلام) ويراعيه في نومه،ويقظته،ويحمله على صدره وكتفه،ويحبوه بألطافه وتحفه،ويقول:هذا أخي،وسيفي وناصري،ووصيي (٢٤).
وروى ابن أبي الحديد،عن الفضل بن عباس،قال:سألت أبي عن ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذكور،أيهم كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشد حبا (٢٥).
فقال:علي بن أبي طالب،فقلت له:سألتك عن بنيه؟
فقال:إنه كان أحب عليه من بنيه جميعا وأرأف،ما رأيناه زايله يوما من الدهر منذ كان طفلا إلا أن يكون في سفر لخديجة،وما رأينا أبا أبر بابن منه لعلي،ولا ابنا أطوع لأب من علي له (٢٦).
وروى جبير بن مطعم،قال:قال أبي مطعم بن عدي لنا ونحن صبيان بمكة:ألا ترون حب الغلامـيعني عليا لمحمد واتباعه له دون أبيه!! واللات والعزى لوددت أن ابني بفتيان بني نوفل جميعا (٢٧) ! وفيه أيضا:وروى الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام)،قال:سمعت زيدا أبي (عليه السلام) يقول:كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمضغ اللحمة والتمرة حتى تلين ويجعلهما في فم علي (عليه السلام) وهوصغير في حجره (٢٨).
الثالثة: لم يجد (صلى الله عليه وآله وسلم) له كذبة في قول،ولا خطلة في فعل،كما أشار إلى ذلك بقوله:«وما وجد لي كذبة في قول،ولا خطلة في فعل»وذلك لما استمد من تربيته (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر متممات الرياضة وأعراضها،لاستيلاء قوته العاقلة على القوتين الشهوية والغضبية،وقهر نفسه الأمارة التي هي مبدأ خطأ الأقوال،وخطل الأفعال،حتى حصلت له من ذلك ملكة في ترك الرذائل واجتناب المآثم والمعاصي،فصار له ذلك خلقا وطبعا وقد نبه (عليه السلام) على منقبة عظيمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتكون تمهيدا لمنقبته،فقال:«ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره».
واقترانه (عليه السلام) به (صلى الله عليه وآله وسلم) إشارة إلى توليه بتربية نفسه القدسية بإفاضة العلوم ومكارم الأخلاق وسائر الطرق المؤدية إلى الله سبحانه من حين صغره بحسب حسن استعداد مزاجه وقوة عقله الطفولي.
الرابعة: أشار إلى اتباعه له وملازمته إياه بقوله:«ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل»ولد الناقة«اثر امه»وهوإشارة إلى شدة ملازمته له وعدم انفكاكه عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليله ونهاره،وسفرا وحضرا،في خلواته وبين الناس،فيكون تاليا له (صلى الله عليه وآله وسلم) في سلوك مسالك مكارم الخصال ومحامد الافعال مقتبسا من أنواره،مقتفيا لآثاره.
الخامسة: اشار إلى ثمرة ذلك الاتباع لقوله:«يرفع لي في كل يوم علما»راية من أخلاقه«ويأمرني بالاقتداء به»والمتابعة له،واستعار لفظ العلم لأخلاقه باعتبار كونه هاديا إلى سبيل الله،كما يهدي العلم.
السادسة: أنه كان يجاور معه (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل سنة بحراء فيراه دون غيره وأشار إليه بقول:«ولقد يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه»أحد«غيري». وقال الشارح المعتزلي:حديث مجاورته (عليه السلام) بحراء مشهور،وقد ورد في كتب الصحاح أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا،وكان يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين،فإذا قضى جواره من حراء كان أول ما يبدأ به إذا انصرف أن يأتي باب الكعبة قبل أن يدخل بيته،فيطوف بها سبعا أوما شاء الله من ذلك،ثم يرجع إلى بيته حتى جاءت السنة التي أكرمه الله فيها بالرسالة،فجاور في حراء شهر رمضان ومعه أهله خديجة وعلي بن أبي طالب وخادم لهم،فجاء،جبرئيل بالرسالة.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم):«جاءني وأنا نائم بنمط فيه كتاب،فقال:اقرأ قلت:ما اقرأ؟فغشي حتى ظننت أنه الموت،ثم أرسلني،فقال: إقراء باسم ربك الذي خلق إلى قوله علم الإنسان ما لم يعلم فقرأته ثم انصرف عني،فنبهت من نومي وكأنما كتب في قلبي كتاب،الحديث (٢٩).
وروى العلامة الخوئي (رحمة الله عليه) في شرحه على النهج،عن حياة القلوب،عن علي بن أبي إبراهيم،وابن شهر آشوب،والطبرسي،والراوندي،وغيرهم من المحدثين والمفسرين،أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قبل مبعثه يعتزل عن قومه ويجاور حراء،ويفرغ لعبادة ربه سبحانه،وكان عز وجل يسدده ويهديه ويرشده بالروح القدس والرؤيا الصادقة وأصوات الملائكة والالهامات الغيبية فيندرج في مدارج المحبة والمعرفة،ويعرج إلى معارج القرب والزلفي،وكان سبحان يزينه بالفضل والعلم ومحامد الأخلاق ومحاسن الخصال،ولا يراه أحد في أيام مجاورته به وخلال تلك الأجوال غير أمير المؤمنين (عليه السلام)وخديجة (٣٠).
السابعة: ما أشار إليه بقوله:«ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما» وهذا الكلام صريح في سبقه جميع من سواه من الرجال بالإسلام وذكرناه مفصلا في فصل (علي أول من أسلم).
الثامنة: كونه يرى نور الوحى بالرسالة ويشم ريح النبوة ويسمع صوت الشيطان بقوله:«ارى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة،ولقد سمعت رنةالشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت:يا رسول الله،ما هذه الرنة؟ فقال:هذا الشيطان،قد أيس من عبادته»أي من أن يعبد له،وهذه المنقبة له (عليه السلام) في صغره تمثل أعلى مراتب الأولياء،وله (عليه السلام) ما للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الا النبوة.
التاسعة:أنه حقيق أن يكون خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصية ووارثه كما أشار إليه بقوله عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «إنك تسمع ما أسمع،وترى ما أرى»إلا أنك لست بنبي،ولكنك وزير،وأنك لعلى خير»الخطبه.
وروى ابن أبي الحديد،عن جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) قال:«كان علي (عليه السلام) يرى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الرسالة الضوء ويسمع الصوت،وقال له (صلى الله عليه وآله وسلم):لولا إني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة،فان لا تكن نبيا فانك وصي نبي ووراثه،بل أنت سيد الأوصياء،وإمام الأتقياء» (٣١).
وقد أخذنا شرح الخطبة المذكورة من شرح ابن أبى الحديد وشرح الخوئي وشرح المحقق البحراني.
------------------------------------------------
(١) شرح ابن ابى الحديد ج ١٣ ص.١٩٨
(٢) الاصابة لابن حجر بهامشه الاستيعاب ج ٢ ص.٥٠١
(٣) تاريخ الطبرى ج ٢ ص ٥٧ وشرح ابن ابى الحديد عنه ج ١٣ ص.١٩٨
(٤) ينابيع المودة ص.٢٠٢
(٥) كشف الغمة باب المناقب ج ١ ص.١٠٤
(٦) كنز الفوائد.طبع منشورات دار الذخائر ص.٢٥٥
(٧) سورة التوبة:.١٠٠
(٨) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكى صفحه ٣٢ والكامل لابن الاثير روى الحديث الى قوله فاتبعه في ج ٢ ص.٥٨
(٩) الفصول المهمة...ص.٣٢
(١٠) تهدلت اغصان الشجر:تدلت.
(١١) الارومة:اصل الشجرة.
(١٢) ناجع،نجع الطعام في الانسان:هنا آكله واستمرأه وصلح عليه.
(١٣) بحار الانوار ج ٣٨ ص.٢٩٥
(١٤) اعيان الشيعة ج ١ ص.٣٣٥
(١٥) الخصيصة:الخاصة.
(١٦) عرفه بالفتح:رائحته واكثر استعماله في الطيب.
(١٧) الخطلة:الخطاء ينشأ من عدم الرؤية.
(١٨) الفصيل:ولد الناقة.
(١٩) علما:فضلا ظاهرا.
(٢٠) حراء:جبل قرب مكة.
(٢١) رنة الشيطان:صوته.
(٢٢) شرح نهج البلاغة:للفيض ص ٨٠٢ الخطبة.٢٣٤
(٢٣) قد تقدم الحديث في هذا الفصل.
(٢٤) كنز الفوائد ج ١ ص.٢٢٥
(٢٥) كذا في المصدر والصواب:حبا له.
(٢٦ و٢٧ و٢٨) شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد ج ١٣ ص ٢٠٠ و.٢٠١
(٢٩) شرح ابن ابى الحديد ج ١٣ ص.٢٠٨
(٣٠) شرح نهج البلاغة للخوئي ج ١٢ ص.٣٩
(٣١) شرح ابن ابى الحديد ج ١٣ ص.٢١٠
(الفصول المائة ج ١ ص ٩٣ تأليف: السيد اصغر ناظم زاده قمي)
(في كفالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)
وبعد أن مضت ست سنوات على ولادة علي (ع) اصيبت قريش بأزمة اقتصادية خانقة،وقد كانت وطأتها شديدة على أبي طالب،إذ كان رجلا ذا عيال كثيرة،وكهفا يلوذ به المحتاج والفقير،بحكم مركزه الاجتماعي في مكة، ترى أيرضى المصطفي (ص) وبنوهاشم،أن تقسوالحياة على عميدهم؟ ! أقبل رسول الله (ص) على عمه العباس بن عبد المطلب، وهوأثرى بني هاشم يومها،فخاطبه بقوله:«يا عم!إن أخاك أبا طالب كثير العيال،وقد أصاب الناس ما ترى فانطلق بنا إلى بيته لنخفف من عياله،فتأخذ أنت رجلا واحدا،وآخذ أنا رجلا فنكفلهما عنه» (١).
وقوبل رأي المصطفي (ص) بالتأييد والرضا من قبل عمه العباس،فأسرع إلى أبي طالب،وخاطباه بالأمر،فاستجاب لما عرضا قائلا:«إذا تركتما لي عقيلا وطالبا،فاصنعا ما شئتما»(٢).
فأخذ العباس جعفرا وأخذ رسول الله (ص) عليا (ع)،وكان عمره يومئذ ستة أعوام (٣) وقد قال (ص) بعد أن اختار عليا (ع):«قد اخترت من اختاره الله لي عليكم:عليا» (٤).
وهكذا آن لعلي أن يعيش منذ نعومة أظفاره في كنف محمد رسول الله (ص):حيث نشأ في رعايته،وشرب من ينابيع مودته وحنانه،ورباه وفقا لما علمه ربه تعالى،ولم يفارقه منذ ذلك التاريخ،حتى لحق الرسول (ص) بالرفيق الأعلى.
(حصيلة الإعداد النبوي)
أشار الإمام علي (ع) إلى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن استاذه ومربيهالرسول (ص)،ومداها وعمقها،وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة،إذ جاء فيها ما نصه: « (وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص)،بالقرابة القريبة،والمنزلة الخصيصة،وضعني في حجره،وأنا ولد،يضمني إلى صدره،ويكنفني في فراشه،ويمسني جسده،ويشمني عرفه،وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه،وما وجد لي كذبة في قول،ولا خطلة في فعل).
(ولقد قرن الله به (ص) من لدن أن كان فطيماـأعظم ملك من ملائكته،يسلك به طريق المكارم،ومحاسن أخلاق العالم،ليله ونهاره،ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر امه،يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما،ويأمرني بالاقتداء به).
(ولقد كان يجاور في كل سنة (بحراء)،فأراه،ولا يراه غيري،ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (ص) وخديجة،وأنا ثالثهما،أرى نور الوحي والرسالة،وأشم ريح النبوة) » (٥)
وفي صباه وشبابه،انصب جهد رسول الله (ص) على تكوين شخصيته:إذ كان يأمره بالاقتداء به،وسلوك سبيله،وفي كل يوم يرفع له من أخلاقه علما وعلي كان يتبع أثره،أولا بأول،كما يصف ذلك في حديثه.
ولهذا وذاك،فإن اختيار علي (ع) من لدن الرسول (ص) يوم أملق أبوطالبـ كما أسلفنا كان مخططا هادفا ابتداء لكي يأتي علي (ع) صورة مجسدة لشخصية رسول الله (ص)،في فكره ومواقفه وشتى ألوان سلوكه،بل حتى في مشيته (٦).
ولقد كان الإمام (ع) من الصفاء الروحي،والاستقامة الخلقية،وفقا لما علمه رسول الله (ص)،بحيث كانت تتكشف له الكثير من حجب المستقبل المستور، فها هو يقول:«ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزول الوحي عليه (ص) فقلت: يا رسول الله!ما هذه الرنة؟ فقال:هذا الشيطان قد أيس من عبادته،إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي،ولكنك وزير،وإنك لعلى خير» (٧).
فان الشوط الذي قطعه في مضمار التقرب إلى الله سبحانه،وامتثال أوامره،وتجسيد متطلبات رسالته،رشحه لأن يكون وزيرا للنبوة،وهومقام لا يناله إلا من قطع شوطا بعيدا باتجاه قمة الفضيلة والسمو الروحي والمعنوي،فلم يفصله عن الرسول (ص) إلا درجة النبوة،فارتقى منصة الوزارة بحق وجدارة،وهكذا كان علي.
(في كنف الوحي)
وإذا كان الإمام (ع) قد عاش ست سنوات في أحضان والديه واخوته،وكان لرسول الله (ص) دور بارز في رعايته طوال تلك السنوات الندية من عمره (ع).
فإن رعاية علي وتربيته،صارت من اختصاص المصطفي (ص) دون منازع منذ السنة السادسة،حيث انتقل (ع) إلى دار رسول الله (ص) على إثر الضائقة المالية التي ألمت بأبيه أبي طالب كما ذكرنا.
ومنذ تلك السن المبكرة عاش علي (ع) مع رسول الله (ص) في بيته قبل الدعوة،حيث قضى تحت رعايته سنوات الصبا وسنوات التفتح على الحياة،وخلالها عايش الإمام (ع) كل التطورات التي اكتنفت حياة الرسول (ص).
وبناء على ذلك فعلي لم يحظ بالتربية المألوفة،التي يحظى بها غالبا طفل من لدن أبيه،أوصغير من قبل أخيه الأكبر،وانما كان إعداده وتربيته من نوع خاص،وحسبك أنه كان يتبع محمدا (ص) حتى في ساعات اختلائه في غار حراء،ويشهد التطور الروحي والفكري الذي كان رسول الله (ص) يمر فيه،وها هو(ع) يستذكر تلك الأيام الخالدة وذلك الشطر الحساس من حياته،فيقول:«ولقد كان يجاور كل سنة بحراء،فأراه ولا يراه غيري» (٨)،أجل كان (ع) يعايش التحول الروحي الهائل الذي شهدته نفس المصطفي (ص)،حتى أشرف عليه وحي السماء المبارك لينهض بمهمة الدعوة إلى الرسالة الإلهية الخاتمة.
(اقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الإنسان ما علق*اقرأ وربك الأكرم*الذي علم بالقلم*علم الإنسان ما لم يعلم). (العلق/١ـ٥)
فمن هذه الارهاصات التي شهدها قلب علي (ع) وروحه الطاهرة ما تعكسه هذه الروايات والآثار التاريخية الدالة:
١ـ حدث كمال الدين ميثم بن علي البحراني المتوفي عام (٦٧٩ هـ) في شرحه لنهج البلاغة بما يلي: «روي في الصحاح:انه كان (ص) يجاور بحراء في كل سنة شهرا،وكان يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين،فاذا قضى جواره انصرف إلى مكة،وطاف بها سبعا قبل أن يدخل بيته حتى جاءت السنة التي أكرمه الله فيها بالرسالة،فجاء في حراء في شهر رمضان،ومعه أهله:خديجة وعلي وخادم» (٩).
٢ـ وعن أبي مسعود قال: «قدمت إلى مكة فانتهيت إلى العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ عطار جالس إلى زمزم ونحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا عليه ثوبان أبيضان،عليه وفرة جعدة إلى انصاف أذنيه،أشم أقنى،أدعج العينين،كث اللحية،أبلج براق الثنايا أبيض تعلوه حمرة،وعلى يمينه غلام مراهق أومحتلم حسن الوجه،تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها،فقصدوا نحوالحجر فاستلمه الرجل ثم الغلام ثم طافوا بالبيت ثم استقبلوا الحجر وقام الغلام إلى جانب الرجل والمرأة خلفهما فأتوا بأركان الصلاة مستوفاة فلما رأينا ما لا نعرفه بمكة،قلنا للعباس:إنا لا نعرف هذا الدين فيكم،فقال: أجل والله،فسألناه عن هؤلاء فعرفنا إياهم ثم قال:والله ما على وجه الأرض أحد يدين بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة،وروي مثله عن عفيف بن قيس»(١٠).
٣ـ وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قال: «كان علي (ع) يرى مع النبي (ص) قبل الرسالة الضوء،ويسمع الصوت» (١١).
إن هذا الاحساس العلوي المميز بعمق التحولات الغيبية التي تجري لرسول الله (ص) تكشف عن كيان روحي خاص لا يختص به غير الأنبياء (ع)،إلا أن ختم النبوة بمحمد (ص) اقتضى أن يكون علي (ع) وزيرا للنبوة:فقد ذكر أصحاب السنن بأسانيدهم عن النبي (ص) مخاطبا عليا (ع) ما يلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» (١٢).
وقد أشرنا إلى ما ذكره علي (ع) نفسه في خطبة القاصعة حين سأل الرسول (ص) عن رنة الشيطان،حيث أجابه النبي (ص): «إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي،ولكنك وزير،وإنك لعلى خير» (١٣).
------------------------------------------------
١ـ ابن الصباغ المالكي الفصول المهمة ص ١٤،وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص.١٥١
٢ـ سيرة ابن هشام ط دار إحياء التراث العربي (بيروت) ص ٢٦٣،المجلسي بحار الأنوار ج ٣٥/ص ٤٤،نقلا عن كنز العمال،شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص.١٥
٣ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص.١٥
٤ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ١٥،نقلا عن البلاذري والاصفهاني.
٥ـ نهج البلاغة/تبويب د.صبحي الصالح ط ١،١٩٦٧ م ص.٣٠٠
٦ـ عبد الفتاح عبد المقصود علي بن أبي طالب ج ١ ص ٣٩،والإملاق:الفقر.
٧ـ نهج البلاغة الخطبة القاصعة.
٨ـ نهج البلاغة الخطبة القاصعة.
٩ـ ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة ج ٤ ص.٣١٤
١٠ـ المصدر السابق ص.٣١٥
١١ـ المصدر السابق.
١٢ـ الخوارزمي المناقب ص ٢٧ـ٣٧،محب الدين الطبري ذخائر العقبى ص.٦٣
١٣ـ نهج البلاغة الخطبة القاصعة.
(سيرة رسول الله وأهل بيته(ع) ج ١ ص ٤٨٠ مؤلف: لجنة التأليف مؤسسة البلاغ)