وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                

Search form

إرسال الی صدیق
الحذف كعنصرإتساقي في نهج البلاغة (دراسة في ٣٠ خطبة طويلة)

علي رضا نظري ونرجس أنصاري [١]

الحذف ظاهرة لغوية يمكن بحثها في شتى الحقول منها النحو والبلاغة ، والإنسان وهو موضوع  ظهرلأول مرة في دراسات اللغويين :مايكل هاليدي" و"رقية حسن" اللذين ألّفا كتابهما " الإتساق في اللغة الانجليزية " عام ١٩٧٦ م وفيه عدّا الحذف عاملاً لغوياً يؤدي إلا الاتساق الدلإلى والمعجمي في النص.

وذلك أنّ عنصرلغوي في نص ما ، يحدث فجوة يملأها اذن المخاطب راجعاً لما سبقه من العناصرالملفوظة .

فهذه المرجعية السابقة تجعل النص بعناصره المختلفة منسجماً  ذا علاقة دلإلىة لغوية .

يتناول هذا البحث ، قضايا الحذف في ثلاثين خطبة من خطب نهج البلاغة بمنهج وصفي – تحليلي ، ثّم يعالج مكانة الحذف بأشكاله المختلفة وأهميتها في الخطب معتمداً على الأسلوب الاحصائي عبرالجداول والمنحنيات الدالة علي أنواع الحذف والنسبة لكل منها .

ومن أهم ما وصل إاليه البحث من النتائج هي : إنّ الخطب لا تخلو من الحذف بأنواعه الحرفية والإسمية والفعلية والجملية وهو يلعب فيها دوراً هاماً في الاتساق بين عناصرالنص ، بل قد يكون حذف فعل أو حرف في سلسلة من جملات ، اهم رابط يربط ببن أجزاء النص ونستطيع من خلال الحذف أن نحوّل النص الأفقي إلى إلى النص العمودي كما أنّ توظيف الحذف كعنصرإتساقي يتجلّى أكثر في الإتساق الصوتي عندما يستخدم مع عناصرأخرى كالتوازي التركيبي ، التكرار والإحالة .

مقدمة

إنّ نهج  البلاغة من أبرزالنصوص الأدبية الممتازة التي شهدتها اللغة العربية ، ويمكن دراسته في ضوء الاتجاهات والنظريات اللغوية الحديثة ذلك أنّ الإمام (ع) – كما اعترف بذلك الكثيرمن النقاد ــــ أرسل كلامه على سجيته وبلا كلفة ولا تصنّع ورغم كثافة البحوث التي قام بها الدارسون حول نهج البلاغة والتي تدل على غورهم في النهج ، إلا أنّ كثيراً منها لم يتجاوز الدراسات النحوية والمعجمية أو البلاغية في إطارها الضيق .

بيد أنا وجدنا الكثيرمن الباحثين قاموا على النزعات التقليدية في دراسة نهج البلاغة وتشبثوا بالاتجاهات المكررة ، فلذلك سعينا إلى طرحه من زوايا نظرية جديدة .

فالبحث هذا يدرس ظاهرة الحذف وهي من العناصرالتي تساهم في تماسك مكونات نص ما تطبيقاً على ثلاثين خطبة طويلة من نهح البلاغة .

وغاية ما نطمح هو أن نسهم أولاّ في أن نمهد لأنفسنا وللباحثين طريقاً لتحليل النصوص – منها نهج البلاغة – بأسإلىب منهجية ثم حرصنا في هذا البحث على تحريض المهتمين والمشتغلين باللغة العربية بجميع فروعها ، ممن يعينهم أمرالنص الأدبي على تحليل النصوص بطرق ومناهج جديدة .

١- أسس نظرية حول ظاهرة الحذف :

الاتساق هو ما يضمن تماسك النص ويقوم بربط أجزاء النص ، وهذا التماسك يتحقق عبر وسائل لغوية منها الإحالة ، الاستبدال ، الوصل والاتساق المعجمي والحذف .

والحذف – حسب هاليدي ورقية حسن – يتأتى من خلال جمل أو مقطوعات لغوية أوعناصر تستدعي بتركيبها الخاص عبارات أوعناصرسابقة كعنصرمفترض (هاليداي وحسن ، ١٩٧٦ م : ١٤٢) والحذف اصطلاحاً – كم ذكره كريستال في معجمعه معادلاً  Ellipsis – يطلق على خلو جملة لاحقة من عنصر تدل عليه قرينة في الجمل السابقة (فرج، ٢٠٠٧ : ٨٧) .

فيظهرالحذف عندما تشتمل عملية فهم النص على إمكانية إدراك الانقطاع على مستوى سطح النص حيث نفترض عنصراً سابقاً يعد مصدراً للمعلومة المفقودة فيترك العنصرالمحذوف فجوة على مستوى البنية التركيبية يمكن ملؤها من مكان آخرفي النص ، وهنا يأتي دورالتفاعل بين الإدراك (cognition) والأعراف التركيبية ( (syntactic conventions للغة في فهم المحذوف .(محمد، ٢٠٠٧ م : ١١٥) .

ومما يجدر بالعناية هو المستوى الذي يتحقق فيه الحذف داخل النص .

فقد سبق وذكرنا عن كريستال أنّ الحذف لابد أن يساهم في عملية الاتساق بين الجمل المشكلة للنص ،لا في مستوى جملة واحدة أي " إنّ الحذف في هذا المستوى غيرمهم من حيث الاتساق وذلك لأنّ العلاقة بين طرفي الجملة علاقة بنيوية لايقوم فيها الحذف بأي دوراتساقي وبناء عليه فإنّ أهمية دورالحذف في الإتساق ينبغي البحث عنه في العلاقة بين الجمل وليس داخل الجملة الواحدة" (خطابي ، ٢٠٠٦ م : ٢٢) .

تتم عملية الاتساق عبرالحذف على أساس علاقته بالتكرار والإحالة :

١ – التكراراللفظي أو المعنوي أو كلاهما .

٢ – المرجعية السابقة أو اللاحقة (الفقي ، ٢٠٠٠٠ م : ٢ / ٢٢١) .

 وذلك لأنّ الحذف نوع من التكرار،فالتكرار قد يكون باللفظ والمعنى أو باللفظ دون المعنى أو بالمعنى فحسب ، وفي الحالة الأخيرة نرى بدلاً عن تكراراللفظ ، فجوة في النص لا يمكن ملؤها لا بالإحالة إلى عنصرملفوظ داخل النص .

فالقرينة في السياق اللغوي وسياق الموقف تدل على إحالة محذوف إلى ملفوظ ويقوم ذهن المتلقي بتقدير الفجوة التي أحدثها الحذف داخل النص مستعيناً بالعناصرالسابقة عليها فلا تكتفي بذاتها من حيث التأويل إلا إذا عاد المتلقي إلى ما سبقتها من الجمل والعبارات.

فالإتساق النصي ينطبق هنا من جملة محتوية على عنصرمحذوف يحيل إلى آخرسابق(anaphoria) " فالحذف بطبيعته إحالة سابقة بكونه إحالة بالصفر. " (فرجس ، ٢٠٠٧ م : ٨٧)

١ – ٢ – ١ . الحذف الإسمي :(nominal ellipsis)

تتكون كل مجموعة اسمية من نواة رئيسية وتابع واحد أو عدة توابع .

التوابع إما تسبق النواة أو تليها ويحذف الاسم في الجملة إذا جاءت عناصرأخرى موقع النواة (آذر نژاد، ١٣٨٥ ش :٣٧) .

هل يأتي أحمد إلى المكتبة ؟ {…..} لا یآتي والمحذوف في هذه الجملة إما يكون " احمد " أو الضمير"هو".

١ -٢- ٢ . الحذف الفعلي :(verbal ellipsis)

ينقسم هذا الحذف – كما يرى هاليداي وحسن – إلى نوعين : ١ – حذف كلمة الفعل ٢ – حذف ما عرف في الانجليزية (Auxiliry) ، وبما أنّ هذا الاّخيرمن أنواع الحذف يستعمل في اللغة الانجليزية استعمالاً ملحوظاً فقد تحدث عنه اللغويون ، أما اللغة العربية فلا توجد هذه الحالة وذلك لعدم استخدامها في العربية .

ومن النماذج الدالة في هذا الحقل قوله تبارك وتعالى في سورة العنكبوت :

(وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ […]  اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) حُذف فعل "خلق" لوجود ما سبقه من القرينة اللفظية .

١ – ٢ – ٣ . الحذف الجملي :(clausal ellipsis)

تحذف فيه جملة مشكلة من فعل وفاعل ، فلابد أن تتألف الجملة من الفعل والفاعل ليكون الحذف من نوع الحذف الجملي .

ومن البديهي أن يحذف معهما عناصرأخرى من المفعول والقيود المختلفة :

هل تأتي إلى الجامعة غداً؟ - ربما....

فالعبارة المحذوفة يمكن أن تكون : (آتي إلى الجامعة غداً) .

إنّ الحذف من الموضوعات التي عُني بها في علمي النحو والبلاغة عناية بالغة والحذف الذي يؤدّي إلى الربط بين العاصرالمكونة للنص كعنصراتساقي يقترب مما يبرزفي العديد من البحوث البلاغية من الإيجاز أو حذف المسند والمسند إاليه وغيره من العناصراللغوية كما يرتبط الحذف ببعض عناصرالإتساق كالسجع والجناس والتوازي ارتباطاً متواصلاً.

هذا عن الحذف في البلاغة أما الجوانب الأخرى فالحذف عندما يعدّ اقتصاداً لغوياً مقارناً بالاستبدال " فالإنسان عندما يستخدم اللغة فيحاول أن يودي المعنى بأقل طاقة وهو مناط الاهتمام ما لم يمسّ بالمعنى وقصدية النص ، فالاقتصاد اللغوي هذا يتم (يحقق) عبرالحذف أيضاً ."( البرزي ، ١٣٨٦ : ١٦٥)

قد يحتمل الحذف وجوه خاصة ترتبط بغاية الكاتب ؛ مثلاً " النص الذي يتوفرفيه الحذف بكثرة ، فذلك يكشف عن اهتمام الكاتب لتعقيد النص ، كما يمكن أن يرتبط غموض النص بأغراض الكاتب السياسية ، فللحذف أغراض بنيت على مفاهيم هادفة من التعظيم والتحقير والغموض والعموم ." (فرج ، ٢٠٠٧ م :٨٧) .

٢ . توظيف الحذف وأنواعه في نهج البلاغة

يلعب الحذف دوراً هاما في خطب نهج البلاغة وبما أنّ عملية الحذف تتم في جملتين أو أكثر؛فإنها تحذف الكلمة من الجملة اللاحقة لوجود القرينة في الجمل السابقة ، إجتنابا للتكرارالمباشر.

فالحذف يحقق اتساق النص إما بربط اللاحق بالسابق أو يحوّل بنية الجمل إلى جملة واحدة مستعيناً بأدوات الربط ولو لم تتجاوز الجملة عن فقرة فحسب .

ذكرنا سابقاً أنواع الحذف الثلاثة المتمثلة في الحذف الإسمي ،الفعلي والجملي ، وهو ما طرحه هاليداي وحسن (هاليداي وحسن ، ١٩٧٦ م : ١٤٥) لكن دراسة الحذف من حيث الإتساق في خطب نهج البلاغة تدفعنا إلى توسيع نطاق الحذف ليشمل الحروف واشباه الجمل .

ذلك لأننا نواجه في نص الخطب فجوات تفقد عاملاً ملفوظاً أو بعض عناصرالنص الأساسية وهو يحمل المتلقي على أن يرجع إلى ما سبقه من العناصر بحثاً عن دور بعض الكلمات .

وبناءً على ذلك يأتي الحذف في الخطب على الشكل التالي :

حذف عامل } حرف عامل   فعل   سم (قليلا) {   حذف غيرالعامل   } شبه جملة   جملة  سم (كثيراً) {

نتابع البحث بالإشارة إلى نماذج عدة من أنواع الحذف ، ثم نعالج خصائص الحذف وتوظيفه ودوره في تماسك الخطب ، ووضع جداول تفيدنا في دراسة عنصرالحذف ودراسته دراسة إحصائية .

٢ – ١. الحذف الإسمي في نهج البلاغة :

تطلعنا مجموعة الخطب المدروسة أنّها توظف الحذف بنوعيه في العامل وغيرالعامل ، ومن الأمثلة الدالة على حذف عنصرغيرالعامل في النص نتناول الخطبة (١) التي حذف فيها اسم " الله" – تبارك وتعالى – أوضمير"هو":

[….]  کًائِنُ لَا عَنْ حَدَثٍ [….] مَوْجُودٌ لَا عَنْ عَدَمٍ [….] مَعَ كُلَّ شَيْء لَا بِمُقَارَنَةٍ وَ[….] غَيْرُكُلَّ شَيْء لَا بِمُزَايَلَةٍ [….] فَاعِلٌ لَا بِمَعْنَى الْحَرِكَاتِ وَالْآلَةِ [….] بَصيرٌ إذْ لَا مَنْظُورَإاليه منْ خَلْقه [….] مُتَوَحَّدٌ إذْ لَا سَمَنَ يَسْتَأْنِسُ بِهِ (خ١) .

فقد قامت الكلمات التي أُشير إليها بخط تحتها من الأسماء واشباه الجمل مقام الخبرلمبتدأ محذوف (الله –هو) وذلك بناءً على القواعد النحوية في العربية وبما أنّ العبارات السابقة في النص أعطت وصفاً له – تبارك وتعالى – ودلت معانيها على هذا المحذوف فيظهرالحذف كرابط بين الجمل .

فليس النص متسقاً لأجل استخدام الألفاظ المشتركة أو أدوات الربط فحسب ، بل حذف عناصرمشتركة بين الجمل المتعددة يجعلها قادرة على تحقيق الترابط بين النص أيضاً .

وقد يجد المتأمل في الخطب ، أسماً مجروراً أو منصوباً يدلّ على محذوف سبقه لم يذكراجتناباً للتكرار والنموذج على ذلك نحو:

وَنَسْتَعِينْ بِهِ اسْتعَانَةَ رَاجٍ لِفَضْلِهِ .

[….] مُؤَمَّلٍ لِنَفْعِهِ  [….] وَاثِقٍ بِدَفْعِهِ   [….] مُعْتَرِف لَهُ بالطَّوْلِ  [….] مُذْعِنٍ لَهُ بِالْعَمَلِ وَالْقَوْلِ (خ ١٨٢)

ونرى في المثال المذكورأن المصدر(استعانة) قد عمل فيما يليه وهو كلمة "راج" أما الجر في الأسماء اللاحقة وهي :مؤمل، واثق معترف، مذعن " فل سبيل لصحته إلا أن يقوم المتلقي بمهمة التقدير، فلمصدرنفسه عمل في الكلمات هذه وإنّما حذف لوجود قرينة دالة عليه ولذلك اتصلت العبارات المتعددة بوجود حذف مشترك بينها .

وجديربالذكرأن الحذف في الأسماء العاملة يصاحب في كثيرمن الأحيان أدوات الربط الإضافية ليساعد المتلقي في ملئ الفجوة التي أحدثها الحذف النص :

فإنَّ تَقْوَى اللهَ دَوَاءُ دَاءِ قُلوبِكُمْ

وَ[……….] بَصَرُ عَمَى أَفئِدَتِكُمْ

وَ[……….] شِفَاءُ مَرَض أَجْسَادِكُمْ

وَ[……….] صَلَاحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ

وَ[……….] طُهُورُ دَنَس أَنْفُسكُمْ

وَ[……….] جِلَاءُ عَشَا أَبصَارِكُمْ

وَ[……….] أَمْنُ فَزَعِ جَأْشِكُمْ

وَ[……….] ضِيَاءُ سَوَادِ ظُلمَتِكُمْ (خ١٩٨)

ذكرت عبارة" تقوى الله " في الجملة الأولى وهي محذوفة في العبارات السبع اللاحقة احترازاً عن التكرار، وقد اتسق بسبب الحذف وأدوات الربط الإضافية التي استخدمت لتقوية علاقة الإتساق بين الجمل ، فتترابط بها وبالحذف الجمل اللاحقة على الجملة الأولى بشكل منظم داخل النص فيظهرسلسلة الجمل كوحدة متماسكة .

وفي ما يلي من الخطبة (١) نموذج آخرعلی حذف الاسم العامل أيضاً :ِ

كِتَابَ رَبَّكُمْ فِيكُمْ مُبَيَّناُ حَلَالَهُ وَ[.…] حًرًامًهٍ وً[.…] فَرَائِضَهُ وَ [.…] فَضَائِلَهُ وَ[.…] نَاسِخَهُ وَ[.…] مَنْسُوخَهُ وَ[.…] رُخَصَهُ وَ[.…] عَزَائِمَهُ وَ[.…] خَاصَّهُ وَ[.…] عَامَّهُ وَ[.…] غِبَرَهُ وَ[.…] أَمْثَالَهُ وَ [.…] مُرْسَلَهُ وَ [.…] مَحْدُودَهُ وَ[.…] مُحْكَمَهُ وَ[.…] مُتَشَابِهَهُ (خ١) .

فقد عمل الاسم " مبيناً " في "حلاله" وما يليها من المنصوبات التي ارتبطت بالكلمة الأولى (حلاله) لأجل حضورأدوات الربط التي تساهم إلى حد ما في أحداث شيء من الترابط داخل النص كما يستدعي الحذف كلمة (مبيناً) في ذهن المتلقي قبل الأسماء المصوبة وهي حاضرة في المعنى ولو كانت محذوفة لفظاً .

٢ – ٢ .الحذف الحرفي

لا يقف الإتساق النصي عبرالحذف عند مستوى الأسماء والأفعال بل يظهرفي الحروف ، وفيه يواجه المتلقي أسماء مجرورة دون أن يسبقها عامل جرمن الحروف ، وهذا يشيرإلى فجوة تركيبية لا تسدّ إلا بتقديرجار من الحروف التي تزيد تماسك العبارات بمساعدة بعض أدوات الربط الإضافية أيضاً :

فَمِنْ نَاجٍ مَعْقُورٍوَ[.…] لَحْمٍ مَجْزُورٍوَ[.…] شٍلْومَذْبُوحٍ وَ[.…] دَم مَسْفُوحٍ وَ[.…] عَاضَّ عَلَى يَدَيْهِ وَ[.…] صَافِقٍ بكَفَّيْهِ وَ[.…] مُرْتَفِقِ بِخَدَّيْهِ وَ[.…] زَارعَلَى رَأْيِهِ وَ[.…] رَاجعِ عَنْ عَزْمِهِ..(خ١٩١) .

حذف الجار"مِن" فيما عين من الفراغات ، وساهمت أدوات الربط الاضافية في ربط الاسماء المجرورة إلى كلمة " ناج" المذكورة في بداية الفقرة بصورة مسلسلة ، فالنص ليس مستقاً لأجل علاقة الوصل فحسب ، بل العبارات الطويلة يدفع المتلقي ليفترض الجارمسبوقاً بالأسماء المجرورة ، فاكتفى الخطيب بأدوات الربط عن الحروف الجارة وذلك لأنّ عمل الجارّ يسري إلى الأسماء المرتبطة وأداة الوصل هنا تعمل على تقوية الترابط بين الجمل مصحوباً بالحذف .

فتريد الأمر إيضاحاً باختيارنا مثالاً آخر:

فًانظُرْإلى الشَّمْسِ

وَ[.…] الْقَمَرِ

وَ[.…] النَّباتِ

وَ[.…] الشَّجَرِ

وَ[.…] الْمَاءِ

وَ[.…] الْحَجَرِ

وَ[.…] اخْتلَاف هَذَا اللَّيْل وَالنَّهَار

وَ[.…] تَفَجُّرِهَذِهِ الْبِحَارِ

وَ[.…] كَثْرَةِ هَذِهِ الْجِبَالِ

وَ[.…] طُولِ هّذِهِ الْقِلَالِ

وَ[.…] تَفَرُّقِ هَذِهِ اللُّغَاتِ

وَ[.…] الْألْسُنِ الْمُخْتَلِفَاتِ (١٨٥)

٢ – ٣ . حذف الفعل في خطب نهج البلاغة :

يعدّ الفعل من أهم العوامل في اللغة العربية ويُحذف أيضاً في بعض الأحيان .

إنّ ما نقوم بدراسته هنا ليس الحذف الواجب عند أهل اللغة والذي يجب من أجل القواعد النحوية ؛ لأنّه يخضع لظروف اللغة ويفرض نفسه على أي كاتب ولا يمتلك دوراً هاماً في هذا النوع من الحذف وتوظيفه كما لايفسرهذا الحذف أسلوباً لكاتب ما .

وانطلاقاً من ذلك يُعدّ حذف الفعل في باب المفعول المطلق الذي ينوب عن الفعل ، بعض الجمل المتداولة نحو أهلاً وسهلاً ، بعض الأمثال العربية الشائعة ، حذف المفسَّرفي باب الإشتغال وكل ما تفرضه اللغة على الناطقين بها .

أما الحذف الذي يجوزفي اللغة ويتحقق لوجود قرينة داخل النص فهو ينتمي إلى أسلوب المتكلم وكيفية توظيف الفعل في الكلام وهوالذي يمتازبه متكلم من متكلم آخر وهوالجانب الذي نتناوله في دراسة الخطب .

فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانُوا حَيْثُ كَانَتِ الْأَمْلَاءُ مُجْتَمِعَةً وَ[.…] الْأَهوَاءُ مُؤْتَلِفَةً وَ[.…]  الْقُلُوبُ مُعْتَدلَةً وَ[.…] الْأَيْدي مُتَرَادِفَةً  وَ[.…] السُّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً وَ[.…] الْبَصَائرُنَافِذَةً وَ[.…] الْعزَائمُ وَاحِدَةً أَلَمْ يَكُونُوا أَرْبَاباً فِي أَقْطَار الْأَرَضينَ وَ[.…] مُلُوكاً عَلَى رِقَابِ الْعَالَمِينَ .(خ ١٩٢)

وهذا نموذج واحد من الأمثلة العديدة التي تساق لتوضيح الحذف في الأفعال ودوره في تماسك النص .

يتضح من العبارات السابقة أنّ الفعل المحذوف (كانت) الذي عمل نصباً ورفعاً فيما بعده من الكلمات ، قد ربط جملات متوإلىة في بناء واحد مترابط ، فالكلمات التي أشيرإليها بخط تحتها قامت مقام اسم " كانت" وما يليها خبراً له والفعل الناقص (كان) مذكورفي الجملة الأولى ومحذوف في الجمل الست الأخرى ، أما الأسماء والأخبار بقيت على رفعها ونصبها بعد حذف عاملها ، فالحذف ربط السابق باللاحق من الجمل مصحوباً بأدوات الربط الإضافية وصاغ من النص وحدة متماسكة طويلة .

ولم يذكرالفعل العامل إلا مرة ، أما المتلقي يستحضره في العبارات التالية لوجود الربط الإضافي الذي يحمل الفعل معنى دون اللفظ فهو مذكوربعدد الأدوات الإضافية .

وقد يتسع نطاق حذف الفعل ليشمل كلمات أخرى مصحوبة بالفعل أيضاً :

مَإلى أَرَاكُمْ أَشْبِاحاً بِلَا أَروَاحٍ

وَ[.…] أرْوَاحاً بِلَا أشْبَاحِ

وَ[.…] نُسَّاكاً بَلا صَلَاح

وَ[.…] تُجَّاراً بِلَا أَرْبَاحِ

وَ[.…] أيْقَاظاً نُوَّماً

وَ[.…] شُهُوداً غُيَّباً

وَ[.…] نَاظِرةً عَمْيَاءَ

وَ[.…] نَاطِقَةً بَكْمَاءَ (خ ١٠٨)

فأدى حذف الفعل في المثال السابق إلى حذف مفعوله أيضا والفراغ طرأ على الكلمات التالية يرجع إلى الفعل المحذوف " أرى" الذي نصب الأسماء ولو يكون محذوفاً لفظاً .

٢ – ٤ . حذف شبه جملة :

وهوالنوع الرابع من أنواع الحذف في خطب نهج البلاغة ويقصد به حذف الجارمع مجروره أو حذف الظرف في جزء من النص ، فبذلك يخلوالكلام من عناصرتفسرها قرينة سابقة أي قرينة تحملها أدوات الربط الإضافية معنى و تسرّيها إلى العبارات اللاحقة ، فبناء عليه يقوم هذا النوع من الحذف أيضاً مثل الأنواع المتقدمة بوظيفة اتساقية مصحوباً بأدوات الربط الإضافية :

ألَّذِي لَيْسَ لِصفَتِهِ حَجٌّ مَحْدُودٌ

وَلَا[….…]  نَعْتٌ مَوْجُودٌ

وَلَا[….…]  وَقْتٌ مَعْدُودٌ

وَلَا [….…]   أَجَلٌ مَمْدُودٌ (خ١)

ومثال آخر:

مْنهُمْ سُجُودٌ لَا يَركَعُونَ

وَ[.…] صَافُّونَ لَا يَتَزَايَلُونَ

وَ[.…] مُسَبَّحُونَ لَا يَسْأَمُونَ.. (خ١)

وكل من يواجه العبارات السابقة يدرك حذف عنصرلغوي قبل كلمات : " ركوع، صافون ، مسبّحون " لأنّها كلمات نكرة تقوم مقام المبتدأ المؤخر يفتقرإلى خبر وذلك فجوة تتطلب حضورالعنصرالمحذوف ألا وهو " منهم " الذي ذكرفي العبارة الأولى فقط الاختصار.

٢ – ٥ حذف الجملة :

إذا نظرنا إلى حذف الجملة من زوايا مختلفة أمكن التمييز فيه بين الحذف الاتساقي والحذف الاتساقي – البلاغي فالحذف الذي ينجم عن القواعد النحوية في اللغة نحو: حذف جواب الشرط و..هوخاصية لغوية لاتدل على أسلوب الكاتب – كما سبق ذكره .

أما الحذف الاتساقي في الجمل فيحدث فجوة داخل النص بحيث لايستطيع المتلقي أن يربط بين الجمل زمنياً وقد يكون نظام المعلومات في النص هو الذي يحيل بالمتلقي الى المحذوف من الجمل .

إنّ الموازنة بين أنواع الحذف في خطب نهج البلاغة يرشدنا إلى أنّ حذف الجملة أقل الأنواع الخمسة أهمية إذ هو أقلها كمية ، كما يلعب هذا النوع من الحذف دوراً ضعفاً في اتساق النص وهو أضعف أنواع الحذف من حيث مدى قدرته على أن يكون أداة اتساقية إذ يربط بين قليل من الجمل والعبارات :

وَلَيْسَ فَنَاءُ الدُّنْيَا بَعْدَ ابْتدَاعهَا بأَعْجَبَ منْ إنْشَائَها وَاخْتَراعهَا وَكَيْفَ ] ...........[ ولو.. (خ ١٨٦)

تمثل العبارة التالية نوعاً آخرمن حذف الجملة في نهج البلاغة وفيه حذفت الجملة الشرطية لقرينة سبقتها :

وَكَيْفَ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ وَيَعُودُ فِيهِ مَا هُو أَبدَاهُ وَيَحْدُثُ فِيهِ مَا هُوَ أَحْدَثَهُ .

إذاً ] لوكان ذلك[ لَتَفَاوَتَتْ ذَاتُهُ

وَ].......... [لَتَجَزَّأَ كُنْهُهُ

وَ].......... [لَامْتَنَعَ مِنَ الْأَزَلِ مَعْنَاهُ

وَ].......... [ لَكَانَ لَهَ وَرَاءٌ إِذْ وُجِدَ لَهُ أَمَامٌ

وَ].......... [لَالَتَمَسَ التَّمَام إذْ لَزمَهُ النُّقْصَانُ وَإذاً ] لوكان ذلك [لَقَامَتْ آيًةُ الْمَصْنُوعِ فِيهِ

وَ].......... [لَتَحَوَّلَ دَلِيلاً...(خ١٨٦)

وقد يتضح الحذف من معمول يتعلق بالجمل السابقة قد حذفت اقتصادا وهو بذلك يساهم في اتساق النص ويظهرذلك جلياً في المثال التالي :

فأَقْحَمُوكُم وَلَجَاتِ الذُّلَّ وَأَحَلَّوكُمْ وَرَطَاتِ الْقَتْلِ وَأوْطَئُوكُمْ إثْخَانَ الْجرَاحَة طَعْناً في عُيُونكُمْ وَ حَزَاً في حُلُوقِكُمْ وَدَقّاً لِمَنَاخِرِكُمْ وَقَصْداً لِمَقَاتِلِكُمْ وَسَوْقاً بخَزَائِمِ الْقَهْرِإلَى النَّارِالْمُعَدَّةِ لَكُمْ. (خ١٩٢)

وقد يتضح الحذف من معمول يتعلق بالجمل السابقة قد حذفت اقتصادا وهو بذلك يساهم في اتساق النص ويظهرذلك جلياً في المثال التالي :

فأَقْحَمُوكُمْ وَلَجَاتِ الذُّلّ وَأَحَلَّوكُمْ وَرَطَاتِ الْقَتْلِ وَأَوْطَئُوكُمْ إِثْخَانَ الْجِرَاحَةِ طَعْناً في عُيُونكُمْ وَحَزّاً في حُلُوقِكُمْ وَدَقَاً لِمنَنَاخِرِكُمْ وَقَصْداُ لِمَقَاتِلِكُمْ وَ سَوْقاً بخَزَائِمِ الْقَهْرِ ألَى النَّارِالْمُعَدَّة لَكُمْ . (خ ١٩٢)

فَأَقْحَمُوكُمْ وَلَجَات الذُّلَّ وَأَحَلُّوكُمْ وَرَطَات الْقَتْل وَأَوْطَئُوكُمْ إثْخَانَ الْجرَاحَة طَعْناً في عُيُونكُمْ .

وَ].......... [حَزَاً فِي حُلُوقِكُمْ [  وَ].......... [دّقّاً لِمَنَاخِرِكُمْ   وَ].......... [قَصْداً لِمَقَاتِلِكُمْ  وَ].......... [ سًوْقاً بِخَزَائِمِ...

فكلمات (طعنا ، حزاً ، دقاً ، قصداً ، سوقاً) نصبت على أساس أنّها مفعول له للجمل التي أشيرإليها بخط وليس معمولاً للجملة الثالثة فحسب وهو مما يدفع بالمتلقي بالنهوض إلى تقديرالجمل المذكورة قبل المنصوبات وبعد أدوات الربط الإضافية .

٢ – ٦ . خاصية الحذف الاتساقية :

تعرف خاصية الحذف الاتساقية ببعض أدوات الاتساق منها :

التكرار، الإحالة والربط الإضافي ، ذلك أنّ الحذف لايختلف عن التكرار إلّا بكونه تكراراً بالمعنى فحسب ، فقد يكون التكرار باللفظ والمعنى معاً ، بينما الحذف يكون بالمعنى دون اللفظ حيث لا يتم إلا من خلال فراغ في عملية فهم النص .

كما يكون الحذف نوعاً من الإحالة أيضا ، لكنّه يختلف عنها بكونه إحالة بالصفر (zero anaphora)، أما الربط الإضافي فقد يصحب الحذف في كثيرمن الأحيان ليسدّ الفراغ الموجود في ذهن المتلقي :

التكرارالدلالي        الربط الإضافي             إحالة بالمرجعية                السابقة          (إحالة بالصفر)   عامل الحذف الاتساقي

وبهذا النظام فالحذف لا ينقص النص عناصره الاتساقية بل يساهم بدوره في تماسك أجزائه ووحدتها .

فلذلك يعدّ الحذف عمصراً هاماً في الامتداد الدلالي في النص ، فقام المصطلح هذا على أنّ ما يحذف في العبارة الأولى من الكلمات والعبارات يسري في الفضاءات الموجودة في الجمل اللاحقة خلافاً لإلىة التكرارالتي تستدعي المعنى بإعادة العناصراللغوية في الجمل العديدة .

أما الامتداد اللغوي الذي يتأتي من آلیة الحذف فكلما طال وغطى شمل عدة عبارات يبرز بها قدرهائل من خاصية اتساقية الحذف .

وإذا كان النص منصباً على العديد من الامتدادات اللغوية الناتجة عن الحذف فيؤدي ذلك إلى إنّ يكون النص بناءً متيناً شديد التماسك بين الجمل المتوالية المكونة من علاقات دلالية :

فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَهِ الشَّبَابِ إلَّا حَوَانِيَ الْهَرَمِ وَ].......... [أَهْلُ غَضَارَةِ الصَّحَّةِ إلَّا نَوَازِالسَّقَم

وَ].......... [أَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إلَّا آوِنَةَ الْفَنَاءِ مَعَ قُرْبِ الزَّيَالِ

وَ].......... [أُزُوفِ الِانْتِقَالِ

وَ].......... [ عَلَزِالْقَلَقِ

وَ].......... [أَلَمِ الْمَضَضِ

وَ].......... [غُصَصِ الْجَرَضِ

وَ].......... [تَلَفُّتِ الِاسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ

وَ].......... [الْأَقْرِبَاءِ

وَ].......... [الْأَعِزَّةِ

وَ].......... [الْقُرَنَاءٍ...(خ٨٣)

٢ -٧ . النص الأفقي (الخطي) – النص الرأسي (العمودي) :

يرتكزخاصية الحذف الاتساقية في خطب نهج البلاغة – كما توقفنا في الأمثلة السابقة وما شابهها من النماذج – على أن ينسج من النص بنية عمودية وذلك أنّ ما حُذف في النص من العناصراللغوية  يندرج تحت الجملة أوالبنية الأولى إعراباً ونحواً ، فكثافة الحذف في النص تؤدي إلى أن تكون البني العمودية فيه أكثر وكلما زادت البني العمودية زاد النص اتساقا وترابطاً .

فما سبق ذكره من خطبة (٨٣)  نموذج واضح على ما أتى .

كما تشترك في هذه العملية أي تحويل الخطب إلى النص العمودي، آلیات اتساقیة أخرى نحوالتكرار والتوازي والإحالة المنظمة.

٢ – ٨ . الحذف والاتساق الصوتي :

يتجلى الدورالرائد للحذف في خطب نهج البلاغة وذلك لما يحدث فيها من التوازي التركيبي والاتساق الصوتي وما سبق ذكره من النماذج النصية يدل على أنّ التوازي يظهرفي كثيرمن أنواع الحذف الموجودة في الخطب خاصة حذف الحروف الجارة والفعل .أما الحذف في الخطب فلا يصحبه التوازي إلا ويمثل مظهراً وقوياً من مظاهرالاتساق النصي فيها :

وَأَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ في أنقِطَاعِ مِنْ مُدَّتِهَا

وَ[….…] اْقتِرَابِ مِنْ أَشْرَاطِهَا

وَ[….…] تَصَرُّمٍ مِنْ أَهْلِهَا

وَ[….…] انْفِصَامٍ مِنْ حَلْقَتِهَا

وَ[….…] انْتِشَارٍ مِنْ سَبَبِهَا

وَ[….…] عَفَاءٍ مِنْ أَعْلَامِهَا

وَ[….…] تَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا

وَ[….…] قصَرمنِ طُولهَا

جَعَلَهُ اللهُ بَلَاغاً لِرِسَالَتِهِ

وَ[….…] كَرِامَةً لأُمَّتِهِ

وَ[….…] رَبيعاً لأَهْلِ زَمَانِه

وَ[….…] رِفْعَةً لأَعْوَانِهِ

وَ[….…] شَرَفاً لإَنْصَارِهِ

٢ – ٩ . الحذف ونوع الخطب :

يوظّف لسانيات النص ، الحذف كعنصرإتساقي ، فبناء عليه ينقسم الحذف إلى الأقسام الثلاثة التالية :

الحذف النحوي : وهو ما يرجع إلى القواعد النحوية في اللغة والذي يفرضه النحو على المتكلم .

الحذف البلاغي : يقصد به ما يحذف على أساس الأغراض البلاغية دون القواعد النحوية كالتحقيرو...

الحذف الاتساقي : يظهر هذا النوع من الحذف في نص مكوّن من جملتين أو أكثر ويكون المحذوف أساساً للربط بين المتتاليت النصية وهو ما تتمحورحوله الجمل ويتمثل كهمزة وصل بين سلسلة من الجمل والعبارات .

من يمعن النظرإلى نصوص الخطب في نهج البلاغة يجد أنّ الحذف الاتساقي أكثرحضوراً من سابقيه ويتضح من الأمثال التي ذُكرت في حذف الحروف والأفعال أنّ الحذف يتحقق غالباً في أكثرمن جملتين وقد يبلغ عدد الجمل فيه إلى عشرجمل ، فهذا ما يضيف إلى النص تماسكاً وترابطاً أكثر.

أما السؤال الذي يطرح نفسه فهو يتعلق بدورالحذف في تحديد نوع النص في الخطب والأغراض المنتجة عنه ويمكن الإجابة بأنّ ما يمتاز به الحذف في الخطب من تعددية الفجوات في غالبية الجمل واستصحابه بالتوازي تدل على أنّ نص الخطب يُصبغ بصبغة أدبية ، أي يعدّ الحذف الاتساقي المحقق في خطب نهج البلاغة انسجاماً بلاغياً كما يعد انسجاماً صوتياً لما يصحبه من عناصرلغوية كالتوازي والتكرارالدلالي .

يمكن أن نستخلص مما قيل أنّ الحذف فن أدبي ولو أدّى إلى الاتساق الدلالي بين الجمل المتتالية رغم تمايزه عن الحذف في علم المعاني .

وأما المستوى الكمي ونسبة ورود أنواع الحذف فهو ما يعبرعنهما الجدول التالي :

 (يراجع أصل المقال المصور) .

النتائج :

نوجزنتائج البحث مقارناً بمعطيات الجدول في النقاط الآتية :

- لم يقتصرالحذف في النصوص العربية عامة والخطب خاصة على الحذف الإسمي والفعلي والجمل ، بل أنّه تجاوزذلك إلى نوعين أخرىن وهما حذف الحرف وحذف شبه الجملة .

- وعن أنواع الحذف في الخطب نلاحظ في الحذف الإسمي أنّ الخطبة (١) أكثرها وروداً وهي تشمل (٤٧) حالة من الحذف والتي تبلغ نسبتها إلى ٧٨ / ٢% قياساً بعدد الكلمات المكونة للخطبة ، بينما الخطبة (١٦٥) أقلها إذ يبلغ عددها صفر.

- تتميز الخطبة (٢١٠) بأنّها أكثرالخطب استخداماً لحذف شبه الجملة ويقف عدد الحذف فيها عند نسبة (٠١ / ٢%) وفيها (١٢) حالة من حذف شبه الجملة ، هذا كما أنّ كثيراً من الخطب يخلو من هذا الحذف .

- نتبين من الجدول السابق أنّ الحذف الحرفي من أهم الخواص الاتساقية وأعلاها وروداً في الخطبة (١٨٥) التي يبلغ عدد الحذف فيها (٢٧) ونسبته (٢. / ٣%) من مجموع الكلمات الموجودة في الخطبة خلافاً للخطبتين (١١٤) و(٢٢٣) حيث لا يُلاحظ هذا الحذف فيهما .

- تمتازالخطبة (١٩٨) بين الخطب بأنّها تحوي على درجة عالية من الحذف الفعلي فقد استخدم فيها (٦٢)

حالة من الحذف الذي جعلها أكثراستخداماً لهذا العنصرالاتساقي بنسبة (٣٣ /٦%) بينما تعدَ الخطبة (٣) أقلها بحضورحالة واحدة من الحذف ونسبتها المئوبة (١٩ / .%) .

- إنّ الخطبة (١٩٢) أكثرالخطب توظيفاً لحذف الجملة ،فيلاحظ في الخطبة هذه (٢٩) حالة من هذا النوع من الحذف بنسبة (٧٢/.%) وأنّ عَشراً من الخطب الثلاثين المدروسين خالية من هذا العنصر.

- إن هذه الالية الاتساقية تظهر بوضوح في الخطبة (١٩٨) أكثر تجلياً من غيرها إذ يبلغ عدد الحذف فيها (٩٣) حالة وتحسب نسبتها (٤٨ / ٩ %) بينما الخطبة (١٥٥) التي تشتمل على (٥) حالات من الحذف فقط تعتبرأقل الخطب بنسبة (٢٨ /١%) قياساً بمجموع كلمات الخطبة .

- إنّ الدراسة الإحصائية التي ترصد ورود أنواع الحذف في كل الخطب تؤكد أنّ الجمل أكثرشيوعاً وتداولاً بين أنواع الحذف في الخطبة بـــ (٤١٦) حالة من الحذف ونسبتها (٣٨ / ١%) وأقلها هو حذف شبه الجملة بـــ (٥٨) حالة ونسبة (١٩ /.%).

للحذف مكانة ممتازة وهامة في الخطب فيحضر(١١٥٣) حالة في الخطب وتبلغ نسبتها إلى (٨٤ / ٣%) قياساّ للعدد الكلي لكلمات الخطب المدروسة وهي (٢٩٩٨٥) كلمة وله خاصية أسلوبية أيضاً .

- يبدون من منحني أنواع الحذف أنّ الحذف الفعلي أكثرأنواع الحذف وروداً وأقلها هو حذف شبه الجملة على حين يتوسط حذف الحرف بينهما .

------------------------------------------------------------------

ملاحظة : الرجاء مراجعة أصل المقال المصور لمطالعة الجداول والاشكال التوضيحية (الموقع) .

[١] . أستاذان مساعدان في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الإمام الخميني الدولية .

المصادر والمراجع

]١[ ابن أبي الحديد عزالدين أبوحامد، شرح نهج البلاغة ، قم : مكتبة آیة الله العظمى المرعشي النجفي (قده) ، ١٣٣٧ ش.

]٢[ ابن ميثم البحراني، كمال الدين، مقدمه شرح نهج البلاغة، تقديم وتحقيق : عبدالقادرحسين ، القاهرة : دارالشروق ، ط١، ١٩٨٧ م .

]٣[ خطابي ، محمد ، لسانيات النص ، الدارالبيضاء: المركزالثقافي العربي ، ط ٢ ،٢٠٠٦ م .

]٤[ فرج ، حسام أحمد ، نظرية علم النص ، القاهرة : مكتبة الآداب ، ط ١ ، ٢٠٠٧ م .

]٥[ الفقي ، صبحي إبراهيم ، علم اللغة النصي ، بين النظرية والتطبيق، القاهرة : دارقباء للطباعة والنشروالتوزيع ، ٢٠٠٠ م.

]٦[ محمد ، عزة شبل ، علم لغة النص ، القاهرة : مكتبة الآداب ، ط ١ ، ٢٠٠٧ م .

]٧[ آذرنژاد ، شكوه ، (دراسة مفهوم الانسجام المعجمي في القرآن الکریم) ، اطروحة ، جامعة پیام نور، ١٣٨٥ ش .

]٨[ آقا گل زاده ،  فردوس ،( تحليل الخطاب النقدي) ، طهران : شركة المنشورات العلمية والثقافية ، طبع ١ ، ١٣٨٥ ش .

]٩[ البرزي، پرویز، (أسس علم لغة النص)، طهران : مؤسسة انتشارات اميركبير، طبع ١، ١٣٨٦ش.

]١٠[دشتي ، محمد ، ترجمة نهج البلاغة امام علي عليه السلام ، قم : مؤسسة انتشارات مشهور، طبع  اول ،١٣٧٩ ش .

]١١[ معادي خواه ، عبدالمجيد ، (شمس نهج البلاغة التي لا تغرب) ، طهران : انتشارات ذرة طبع ١، ١٣٧٤ ش .

[١٢] Halliday & Hasan, Cohesion in  English, London: Longman,١٩٧٦.                                                                                                                                                                                                                                         

مقتبس (بتصرف) من مجلة العلوم الإنسانية الدولية العدد٢٠ السنة ١٤٣٤هـ

****************************