ضرورة معرفة الحق والباطل:
لا بد لبني البشر من أن يعرفوا الحق والباطل من أجل بناء ذولتهم وبلوغ الكمال الحقيقي، لأننا إذا جهلنا القوانين السائدة في الطبيعة.
عجزنا عن الإستفادة منها. وقد يؤدي ذلك إلى القضاء على سلامتنا وصحتنا.
فإذا لم نعرف، مثلاً، القوانين المسيطرة على جسم الإنسان ولم نميز بين الأطعمة السائغة النافعة، والمواد الضارة، لم نستطع الإستمرار في الحياة.
ونتيجة لذلك أننا إن لم نعرف-في الحياة الفردية والإجتماعية- المباديء والضوابط الأخلاقية، ولم نميز السلوك والتصرف المقبول والحق من غير المقبول والباطل، لم نبلغ سعادة ولا تكاملاً، ولاستحال علينا بناء الذات والمجتمع، إذ أن ضرورة بناء الذات والتكامل ترتبط بضرورة وجود الحقائق الثابتة.
الإمام علي عليه السلام، في "نهج البلاغة" ينبه البشرية إلى الحقائق الثابتة والمدهشة في النظام الأحسن للخلق، فيتحدث عن:
النظام:
والنظام المتنسق العام.
والنظام المستمر.
وقوانين الحياة الدقيقة.
وتناسق مجموعة نظام الوجود.
والهدفية في خلق المخلوقات.
يشير إلى ذلك لكي يصف خالق هذا النظام الأحسن كما يعرفه هو. وبعد أن ينتهي من إثبات وجود الله. يوجهنا نحو حلال الله وحرامه وحدوده، ويعرّف الحق والباطل والحقائق الخالدة الثابتة دائماً، واحدة بعد أخرى، ويذكّرنا في هذه المسيرة الحكيمة والعالمة بضرورة معرفة الحق وأتباعه، ويدعو البشرية إلى نصرة الحق.
إمكان معرفة الحق:
بعد أن يعرض الإمام عليه السلام حقائق نظام الوجود الرائعة، ويثبت وجود الخالق، نجده يقول:
"قد أوضح لكم سبيل الحقّ، وأنار طرقه، فشقوةٌ لازمةُ، أو سعادةدائمة"[١].
ثم يشير إلى الهدية التي جاءت بها بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله ويدلنا على أن كل جهود بني الإسلام انصبت على تعريف الحق وفضح الباطل، فيقول:
"...وخلّف فينا راية الحق، من تقدّمها، مرق، ومن تخلّف عنها زهق، ومن لزمها لحق"[٢].
وبعد ذلك يشير إلى المواقف التي اتخذها هو فيقول:
"...وأقمت لكم على سنن الحقّ في جوادّ المضلّة حيث تلتقون ولا دليل"[٣].
إذا ما طالعنا ما ورد في "نهج البلاغة" عن الحق والباطل توصلنا إلى النتائج التالية:
١-ان الحق والحقائق الثابتة والخالدة لها وجود، ويمكن معرفتها.
٢-ان تكامل الفرد والمجتمع، من حيث الأبعاد المادية والمعنوية يكون في اتباع الحق والحقيقة.
٣-ان التمرد على الحق يؤدي بالفرد والمجتمع إلى الإنحراف والفساد والسقوط.
٤-يتحمل كل إنسان واجباً ومسؤولية في معرفة الحق والباطل.
ولما كان للحق وللحقائق وجود ووجب بلوغ النضج والسعادة بالنظرة الواقعية، فإن الإمام علي عليه السلام يرشدنا بالقول:
"لا يؤنسنّك إلا الحقّ، ولا يوحشنّك إلا الباطل"[٤].
ونظراً للمشاكل التي ترافق النظرة الواقعية و اتباع الحق فإنه يشجعنا جمعياً على الصبر والتحمل، لكي نسير دوماً على طريق الحق، ولا تجرنا المشاكل إلى الباطل، يقول عليه السلام:
"...وعود نفسك التصبّر على المكروه، ونعم الخلق التصبر في الحقّ"[٥].
نتيجة لذلك يمكننا حصر ضرورة معرفة الحق والحقائق في الحالات التالية:
١- معرفة الحق والباطل من أجل بناء الذات.
٢- معرفة الحق والباطل من أجل بناء الإنسان.
٣- معرفة الحق والباطل من أجل بناء المجتمعات البشرية.
٤- معرفة الحق والباطل من أجل بلوغ النضج والسعادة المعنوية.
٥- معرفة الحق والباطل من أجل سلامة جسم الإنسان ونفسه.
٦- معرفة الحق والباطل من أجل سيادة القيم الآخلاقية الصحيحة.
٧- معرفة الحق والباطل من أجل معرفة مباديء الجهاد التحريري ضد الحكومات السلطوية.
٨- معرفة الحق والباطل من أجل القضاء على الجهل.
إن الحق والحقيقة يعينان ما يجب، ويعينان القيم التكاملية.
الواقعية تعني القوانين السائدة في المنظومة الشمسية وفي الطبيعة، وفي المجتمع، وفي العالم، وفي نظام الخلق.
والحق يعني القوانين والمبادىء التكاملية السائدة في نظام الوجود، ولدى خالق الكائنات القدير الحي القيوم، والحق والحقيقة هما اللذان يتجسدان في الأحكام الإلهية، والقيم الأخلاقية، والعلاقات الإنسانية الصحيحة، والحدود والضوابط، وحكومة العدل الإلهي، لذا فمن الضروري معرفتهما واتباعهما، إذ إن إهمال الحق والتغاضي عنه تعقبه عواقب وخيمة لا تعوّض خسائرها.
إذن، فنحن قادرون على رؤية الحق ومشاهدة مصاديق الحقيقة في كل مكان وفي كل شيء، ثم تطبيق ذلك على أنفسنا وعلى حياتنا الفردية واللإجتماعية، والسير دوماً على طريق التكامل، إذ يقول الإمام عليه السلام:
"...ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم"[٦].
كيف نواجه الحق؟
بعد الاعتراف بوجود الحق والباطل ومعرفة تأثير كل منهما في تقرير مصير الفرد والمجتمع، علينا الآن أن نفكر جيداً: كيف يجب أن نكون أمام الحق والباطل؟
وعلى أي أساس نتخذ مواقفنا لكي نبلغ النضج والتكامل الحقيقي؟
ان الإجابة الصحيحة والشافية عن هذه الأسئلة يطرحها "نهج البلاغة" ضمن المواضيع الاتية:
١- ضرورة الوعي: ترتبط درجة نضج الفرد والمجتمع وتكاملهما ارتباطاً كاملاً بدرجة وعيهما ومعرفتهما الحق والباطل والحقائق، فالصحة النفسية والأخلاقية للفرد والمجتمع شأنها شأن الصحة والسلامة الجسدية فهي ترتبط مباشرة بمعرفة عوامل الصحة وسبل مكافحة الأمراض المختلفة.
اذن، ينبغي قبل كل شيء التوصل الى المعرفة والوعي اللازم.
يقول الإمام علي عليه السلام:
"وَكَفى بِالمَرءِ جَهْلاً أَلاّ يَعرِفَ قَدرَهُ"[٧].
٢ - التزام الحق: بعد معرفة الحق من الباطل واكتساب الوعي اللازم، علينا التزام الحق والحقيقة والابتعاد عن الباطل. ان التزام الحق يعني السعي اليه والعمل به وعدم الخوف من أية مشاكل تقف على هذا الطريق.
قال الإمام عليه السلام:
"أَفْضَلُ النّاسِ عِندَ اللّهِ من كانَ العَمَلُ بِالحَقّ أَحَبّ إِلَيهِ وَإنّ نَقَصَهُ وكَرّثَه، مِنَ الباطِلِ وَإِنْ جَرَّ إِلَيهِ فائِدَةً وَزادَهُ"[٨].
وفي عبارة أخرى يعلمنا أن الحق والحقيقة يجب ان يتخذا أساساً لعمل الانسان لكي ينال السعادة، فهو عليه السلام يقول:
"... وَلْيَكُن أحَبّ الأُمُورِ إِلَيكَ أَوْسَطُها في الحَقّ وَأَعَمُّها في العَدلِ"[٩].
٣- العمل: لا يكفي، في نظر "نهج البلاغة" معرفة الحق والحقيقة والميل اليهما، بل يجب أيضاً السعي للعمل بالواقع وتحقيقه وتطبيق الحق، والامتناع عن رفع الشعارات فقط.
يقول الإمام علي عليه السلام:
"... وَاللّهِ لَهِيَ أَحَبّ إِلَيّ مِن إِمْرَتِكُم، إِلاّ أَنْ أقيمَ حَقّاً أَو أَدفَعَ باطِلاً"[١٠].
٤ - مقارعة الباطل: بعد معرفة الباطل، يجب العمل من أجل مكافحته والقضاء عليه واستئصال جذروه لكي يمهد السبيل أمام تحقيق الحق ويتسع المجال لتحقق النضج والتكامل، يقول الإمام عليعليه السلام:
"وَأَيمُ اللّهِ لأَبقُرَنّ الباطِلَ حَتّى أُخرِجَ الحَقّ مِن خاصِرَتِهِ"[١١].
٥- الانصياع للحق والحقيقة: بعد معرفة الحق والحقيقة، لا بد من التزامهما وتحقيقهما، ويجب عدم رفع لواء معارضة الحق والحقيقة، أو مناوءة القوانين السائدة في نظام الخلق، يقول الامام علي عليه السلام:
"مَنْ أبدى صَفْحَتَهُ للِحَقّ هَلَكَ"[١٢].
بعد ذلك يشير الى زوال القيم وانهيارها لدى الأمم السالفة فيقول عليه السلام:
"... فَإِنّما أَهَلَكَ مَن كانَ قَبلَكُمْ أَنَّهُمْ مَنعُوا النّاسَ الحَقّ فاشتَرَوهُ، وَأَخَذُوهُم بالباطِلِ فَافْتَدَوهُ"[١٣].
٦- التحرك ضمن حدود الحق: بعد معرفة الحقائق والانصياع للحق، علينا ادراك حقيقة أساس مفادها أن الحركة التكاملية لا تتحقق إلا ضمن حدود الحق وفي إطاره، ولن تكون نتيجة أي صراع مع الحق، أو تقدم عليه، أو تجاوزه إلاّ الهلاك والتعاسة، لذا لا بد من معرفة حدود الحق والحقيقة، واحترامها. يقول الإمام علي عليه السلام:
"مَنْ تَعَدَّى الحَقّ ضاقَ مَذهَبُهُ"[١٤].
٧ - محاربة انصار الباطل: مثلما كان علينا القضاء على الباطل، ومكافحة المفاسد، علينا أيضاً محاربة انصار الباطل ومكافحتهم، لكي لا يتمكنوا من طرح الباطل من جديد، واشاعة الأفكار الباطلة، يقول الإمام علي عليه السلام:
"... وَلَعَمري ما عَلَيّ مِن قِتالِ مَن خالَفَ الحَقّ وَخابَطَ الغَيّ مِن إدهانٍ وَلا إيهانٍ"[١٥].
٨- معرفة مُثلُ الحق الكاملة: بعد معرفة الحق والباطل، فإن لمعرفة مثل الحق الكاملة اثاراً تربوية كثيرة، لأن الناس بحاجة الى المثال الكامل الحق في عملية بناء الذات واصلاح السلوك الفردي والاجتماعي، اذ باطاعته واتباعه يبلغ السعادة وينجو من الانحراف.
والامام علي عليه السلام يصف بهذا الشأن نبي الإسلام والأئمة الحقيقيين بأنهم مُثل الحق الكاملة، فيقول:
"... أَرسَلَهُ داعِياً إِلى الحَقّ وشاهِداً عَلَى الخلقِ"[١٦].
ويقول عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:
"وَبَينَكُم عِترَةُ نَبيكُم وَهُم أَزِمَّةُ الحَقّ وَأَعلامُ الدّينِ"[١٧].
وبذلك لن يواجه البشر مشكلة في السير على طريق التكامل ومحاربة الباطل والزيف، اذ ان الحق والحقيقة قائمان، ومعرفتهما أمر ممكن، كما أن مثل الحق الكاملة تدلنا دوماً على الفضائل وتحذرنا من الرذائل، وتدل البشرية على سبيل اتباع الحق ومقارعة الباطل. يقول الإمام علي عليه السلام بهذا الشأن:
"الذّليلُ عِندِي عَزِيزٌ حَتّى اخُذَ الحَقّ لَهُ، وَالقَويّ عِندي ضَعِيفٌ حَتى اخُذَ الحَقّ مِنه"[١٨].
سبل معرفة الحق والباطل
قلنا ان الحق والحقائق الثابتة امور موجودة ويمكن تعرفها ومشاهدة مصاديقها من اصغرها حتى أكبرها وتطبيق أنفسنا عليها. ويجب ألا نقبل على السلبيات والمواقف الباطلة الكاذبة، وان معرفة الحق والحقيقة أمر ممكن. وهنا أسئلة تبرز بهذا الشأن على النحو الاتي:
لماذا إذاً يعجز الكثيرون عن معرفة الحق؟
لماذا يخطىء أنصار الحق أحياناً في الوصول الى الحقيقة، ولا تثمر مساعيهم؟
لماذا يختلف الناس حول معرفة الحق؟
واذا كانت معرفة الحق أمراً ممكناً، فلماذا ينبغي بذل كل هذه الجهود والمشاق؟ كالذين يتوصلون أحياناً، بعد سنين طوال، الى أن الفرضية أو النظرية الفلانية باطلة ولا حقيقة لها؟
إن الإجابة الصحيحة والشافية عن هذه الأسئلة نصل اليها من دراسة قضيتين أساسين هما:
أولاً: سبل معرفة الحق والباطل، وكيفية التعرف على الحقيقة.
ثانياً: معرفة الموانع التي تحول دون ادراك الحقائق، والتي تجب ازالتها عن طريق البحث.
فلو ادرك الإنسان السبل الصحيحة والمقاييس الضرورية لمعرفة الحق والباطل، وفهم الحقائق فهماً صحيحاً، وقام بدراستها وتقويمها، واجتث من قلبه ونفسه جذور موانع معرفة الحقيقة، وأزال العقبات الخارجية التي تقف في طريق بحثه ومعرفته، لما كان ثمة شك في أنه سيشاهد وجه الحقيقة الناصع ولا يعود يدخل ميادين النزاع والجدل والمعارضة في ذلك مع سائز بني البشر، ويخلص البشرية، بالوحدة والتعاون، من كل أنواع الاعوجاج والانحراف الفكري. يقول الإمام عليعليه السلام بهذا الشأن:
"أيها الناسُ، مَنْ سَلَكَ الطَّريقَ الواضِحَ وَرَدَ الماءَ، وَمَنْ خالَفَ وَقَعَ فِي التِّيهِ"[١٩].
ولكيفية تعرف الحقيقة والاجابة عن الأسئلة المذكورة، علينا الاهتمام اهتماماً كاملاً بعدد من القضايا الأساس، مثل:
١- ضرورة السعي والعمل المستمر:
قال الإمام علي عليه السلام:
"... وَلا يُدرَكُ الحَقّ إلاّ بالجدِّ" فكثير من الناس يرغبون في بلوغ الحق، ولكن دون سعي أو جهد، لكنهم لا ينجحون.
٢- ضرورة الصبر والثبات وتحمل المشاكل في سبيل بلوغ الحق:
ان البحث عن الحق لتعرفه ترافقه بعض المشاكل، وحين نعرف الحق ونريد عرضه وتعريفه للناس تواجهنا مشاكل كثيرة أخرى، وإذا وقفت في الجهة المعارضة للحق ثقافة الباطل والحكومات الباطلة والسلطات الطاغوتية، فسوف نغرق في بحر من المشاكل. ويرى "نهج البلاغة" وجوب تحمل مشاكل البحث وصعابه، بل وحتى تحمل التعذيب والنفي والهجرة من أجل ابلاغ صوت الحق، والقيام بالدفاع والجهاد وتقبل الأسر والسجن، بل واستقبال الشهادة في سبيل الحق.
ومن البديهي أن يقل انصار الحق في مثل هذه الأحوال وتصعب نصرة الحق. وهناك من الناس من يعجزون عن معرفة الحق بغير عناء ومشقة، لذا نراهم يصطبغون بلون ثقافة الباطل. يقول الإمام عليعليه السلام بهذا الشأن:
"... وَاعلَموا رَحِمَكُمُ اللّهُ أَنَّكُم في زَمانٍ القائِلُ فيه بِالحَقّ قَلِيلٌ، وَاللسانُ عَنِ الصِدقِ كَليلٌ، وَاللازِمُ لِلْحَقّ لَيلٌ"[٢٠].
ولهذا السبب نجد أن كثيراً من علماء الشرق ومفكريه، الذين توصلوا الى الحق من خلال بحوثهم العلمية، لا يجرأون على اعلانه وعرضه على الناس، لأنهم لا يودون ان يسجنهم الحكام الاشتراكيون أو تبلى أجسامهم في معسكرات الأعمال الشاقة.
كما أن الباحثين الغربيين قد فهموا، في عصر الابتذال والفساد والأمراض النفسية، بطلان القيم الغربية، وادركوا الحقيقة من خلال دراستهم، لكنهم لا يجرأون على ابلاغها للناس.
من الفوارق الرئيسة بين المصلحين المفكرين من البشر العاديين، وأنبياء الله وأوليائه والأحرار من الناس، أن الأنبياء وتلاميذ الرسالة الإسلامية وعلماء الدين الواعين وقفوا كل ما يملكون لمعرفة الحق وسيادته، ولم يخشوا في ذلك لومة لائم، وانما عشقوا الشهادة فحملوا أرواحهم على الأكف من أجل بلوغ الحق وتعريفه. يقول الإما عليعليه السلام في وصيته لولده الإمام الحسن المجتبى عليه السلام عن ضرورة تحمل المشاكل والصعاب:
"... وَخُضِ الغَمَراتِ لِلحَقّ حَيثُ كَانَ، وَتَفَقَّه في الدِّينِ، وَعَوِّد نَفسَكَ التَّصَبُّرَ على المَكرُوهِ، وَنِعمَ الخُلُقُ التَّصًبُّرُ في الحَقّ"[٢١].
٣ - ضرورة البحث والتنقيب:
ان الحق والحقيقة لا يظهران من تلقاء نفسيهما في كل زمان ومكان وفي مختلف الظروف والأحوال، بل ينبغي التوصل إليهما بالبحث والتنقيب وبالطرق الخاصة لمعرفتهما، وعدم ابعاد دلائلهما الأصيلة عن النظر، بل بلوغهما بالسعي المستمر، لكي نشاهد بأم أعيننا الوجه الحقيقي للحقيقة.
وتزداد أهمية هذا السعي بشكل خاص حين يلبس الباطل لبوس الحق ويصطف الى جانبه، وحين تطرح صنوف الباطل عند التحولات السياسية وفي الحكومات الطاغوتية والتسلط الاجنبي باسم الحق والحقيقة وفي لبوسهما وعلى هيئتيهما، يقول الإمام علي عليه السلام بهذا الشأن:
"وَلَيسَتْ عَلَى الحَقّ سِماتٌ تُعرَفُ بِها ضُرُوبُ الصِّدقِ مِنَ الكذِبِ"[٢٢].
٤- استخدام العقل وقوة التفكير:
بعد الاحساس بالحقيقة وادراكها ومشاهدتها متمثلة في: النظام العام، والهدفية في خلق المخلوقات، والقوانين التكاملية الدائمة والشاملة، وتناسق كل أجزاء النظام، يأتي دور الاستخدام الصحيح للعقل والفكر، فقد قال الإمام عليه السلام:
"... وَلَوْ فكَّرُوا في عَظِيمِ القُدرَهِ، وَجَسيمِ النِّعمَةِ، لَرَجَعُوا الى الطَّرِيقِ"[٢٣].
ويقول عن دور العقل في تشخيص الحق والباطل:
"كَفاكَ مِنْ عَقْلِكَ ما أوْضَحَ لَكَ سُبُلَ غَيّكَ مِن رُشْدِكَ"[٢٤].
٥ - علم الغيب:
ان علم الغيب الذي اختص به الأنبياء والأئمة المعصومون سلام الله عليهم يعد أحد القنوات الأخرى لمعرفة الحقيقة.
فنبي الإسلام الأكرم، وأئمة الحق، كشفوا، بعلم الغيب، الكثير من الأسرار الكامنة، وعلموا البشرية علوماً مختلفة، وحولوا كثيراً من مجهولات البشر الفكرية والعقائدية والعلمية الى معرفة صحيحة ويقين، وأوضحوا ماهية المستقبل والتفكير فيه، وتحدثوا عن الماضي بالقدر الذي ينفع في نضج الإنسان وتكامله، وفسروا القران، كلام الله، بما يلبي حاجات كل عصر وزمان، وشرحوا المبادىء والخطوط العامة التي يحتاج اليها الانسان مع الاجابات الشافية لكل التساؤلات بوضوح ويسر.
والدور القيم الاخر الذي يؤديه علم الغيب يتمثل في تصحيح معطيات الحواس والعقل البشري، أي اننا محتاجون الى علم الغيب في استخدام قنوات معرفة الحقيقة وتوظيف الحواس والعقل، وذلك لكي نستطيع التقويم بشكل صحيح، ونفكر بصورة سليمة، ونتعرف على الحق، إذ يقول الإمام علي عليه السلام:
"أَيَها النّاسُ، سَلُوني قَبلَ أَنْ تَفقدُونِي فَلأنا بِطُرُقِ السَّماءِ أَعلَمُ مِنّي بِطُرُقِ الأرضِ"[٢٥].
فحين يكون الإمام العالم بالغيب وبالأسرار الكامنة في الكون، الى جانب الانسان ليأخذ بيده ويطلعه على حقائق نظام الوجود، لن يكون هناك أي انحراف أو اعوجاج فكري.
وها هم شيعة العالم اليوم يستفيدون من المصدر الهائل المتمثل في أحاديث أهل البيت عليهم السلام وهي أساس الفقه والتفقه واستنباط أحكام الله، وقد حرمت سائر المذاهب والطوائف من هذه الثروة العظيمة التي يعد "نهج البلاغة" جزءاً منها.
يقول الإمام علي عليه السلام في مواقف أئمة الحق:
"... لا يُخالِفُونَ الحَقّ وَلا يَختَلِفُونَ فِيهِ، وَهُم دَعائِمُ الإسلامِ، وَوَلائجُ الإعتِصامِ، بِهِمْ عَادَ الحَقّ الى نِصابِهِ، وَانزاحَ الباطِلُ عَن مُقامِهِ"[٢٦].
لقد أشار الإمام في هذه العبارات الرائعة الى عدة نقاط مهمة هي:
أ- ما كان أئمتنا معصومين، ولا يعانون من عقبات باطنية، فانهم لا يخالفون الحق، والحق معهم وهم مع الحق أبداً.
نحن نعلم أن المرء ليس قادراً على استنباط كل شيء من القران الكريم دون الاستعانة بعالم به، وبأحاديث رسول الإسلام الأكرم، وبتفسير الأئمة المعصومين عليهم السلام يقول الإمام عليه السلام:
"إنّ لله سُبحانَهُ أَنْزَلَ كِتاباً هادِياً بَيَّنَ فِيهِ الخَيرَ والشَّرَّ فُخُذوا نَهجَ الخيرِ تَهتَدُوا"[٢٧].
ومن الواضح أن عامة الناس عاجزون عن الاستفادة من أي كتاب علمي تخصصي دون الاستعانة بخبير من أهل ذلك العلم، لذا فقد قَرنَ رسول الإسلام الأكرم في حديث الثقلين الشهير القران الكريم بالأئمة المعصومين في قوله صلى الله عليه و آله و سلم:
"إني تاركٌ فيكُمُ الثَّقَلَينِ، كِتابَ اللّهِ وَعِترَتي"[٢٨].
وخلاصة القول: لو أن طلاب الحق والحقيقة، نظروا نظرة صحيحة الى حقائق نظام الخلق الحق ثم قاموا بتقويمها تقويماً صحيحاً في ظل الوحي وعلوم أهل البيت عليهم السلام، بالاستعانة بما منحهم الله من قوة الفكر والعقل، واستفادوا أفضل الاستفادة من سبل المعرفة وقنواتها الأخرى، وأزالوا عن طريقهم العقبات الباطنية والخارجية، لتمكنوا من معرفة الحق والحقيقة، ولم يختلفوا فيهما، ولتجنبوا الوقوع في أي خطأ أو زلل ولم تخل نتائج بحوثهم من ثمرة، ولم يضيعوا سنين طوالاً يؤيدون الفرضيات الباطلة، بل لحثوا الخطى على الطريق القويم.
دراسة موانع معرفة الحق والباطل
لماذا لا يقبل الجميع بالحق؟ قلنا أن الحق والحقائق الثابتة أمور موجودة ويمكن تعرفها، فهل تكفي هذه المعرفة وحدها؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فلماذا لا يقبل الكثيرون بالحق الذي اثبتته الدلائل؟ بل يختلفون فيه ويتنازعون حوله؟
لماذا لا يرضخون للحقيقة؟ بل يدبرون عن الحق، ولا يعملون به مع معرفتهم به؟ ولماذا يبدو الحق مراً وثقيلاً عند كثير من الناس؟
أهناك نقص أو عيب في الحق حتى يقل انصاره أم ينبغي أن نتملس اسباب ادبارهم عنه في عجز الانسان الفكري وتبعيته النفسية؟
ولسوف نلاحظ في هذا البحث أن الحق حق وهو منزه من كل الزوائد والشوائب، وان علينا ان نبحث عن النقص والضعف في الانسان نفسه وفي عجزه.
ان القانون التكاملي ومبادىء الصحة المسلّم بها لا نقص فيها، لكن الكثير يتمردون على هذا القانون ولا يراعون التعليمات الصحية.
يجب ألاّ نعزو مخالفات الانسان وتهربه من الحقيقة الى ضعف الحق وعجزه.
وإن ما نشاهده اليوم على صعيد المجتمعات البشرية من الإعلام المكثف والواسع جعل الجميع يدركون خطر الادمان على المخدرات، واضرار الكحول، واخطار الفساد الخلقي، فلماذا لا يتخلون عنها؟ فهل يصح القول بأن المفاسد الأخلاقية حق لأن الناس يقبلون عليها.
وهل يصح القول بأن التعليمات الصحية الكاملة والصحيحة باطلة لأن الناس يدبرون عنها؟
من البديهي أن أحقية الحق والباطل لا علاقة لها بميول الناس وسلوكهم.
اذ قال الإمام علي عليه السلام:"أَيها الناسُ! لاَ تَستوحِشُوا في طَرِيقِ الهُدى لقِلَّةِ أَهلِهِ"[٢٩].
أصناف أنصار الباطل:
قبل أن نعرض أسباب الجنوح الى الباطل ونقوّمها، علينا ان نعرف اولاً انصار الباطل واصنافهم وفئاتهم:
أولاً: هناك فئة تؤيد الباطل وهي لا تعلم، بل تظن أنها على صواب.
فالإعلام المزيف، واختلاف الأجواء غير الحقيقية، وبث الثقافة الاستعمارية، والتعليم غير السليم، والعادات والتقاليد الاجتماعية الغلط، تصوّر بمجموعها المعتقدات الخاطئة لهذه الفئة على أنها هي الحق. وقد قال الإمام علي عليه السلام في ذم أهل الكوفة الذين كانوا يؤمنون بافكار خاطئة:
"لا تَعرفُونَ الحَقّ َمَعرِفَتِكُمُ الباطِلَ، وَلا تُبطِلُونَ الباطِلِ كإِبطالِكم الحَقّ"[٣٠].
فلو أن هذه الفئة خضعت للتعليم السليم، وتربت تربية صحيحة، واكتسبت نعمة المعرفة والوعي، لأنست بالحق ولأدبرت عن الباطل.
ثانياً: وثمة فئة أخرى تؤيد الحق، وترغب في نصرته وادراكه، وهي تبذل الجهود لادراك الحق أيضاً، لكنها في منتصف طريق البحث، تقع ي شراك الشيطان الخادعة واغراءات رفاق السوء، فتنجرف عن جادة الصواب، وتروح تؤيد الباطل بدل الحق، ظانة أنها قد عرفت الحق وبلغته، فيما هي تناصر الباطل المتلبس بلباس الحق، تبقى تدافع عن باطلها باسم الحق حتى إذا أصابها الهلاك في سبيل ذلك.
وقد يتنبه بعض هؤلاء فيتوبون، بينما يودع بعض اخر الدنيا وهم في جهلهم المركب هذا.
يقول الإمام علي عليه السلام في حديث له بهذا الشأن حول الخوارج وهم مصداق لهذه الفئة:
"لا تُقاتِلوا الخَوارِجَ بَعْدي، فَلَيْسَ مَن طَلَبَ الحَقّ فَأَخطَأَهُ، كَمَن طَلَبَ الباطِلَ فَأَدرَكَهُ"[٣١].
فالخوارج كانو يُصلّون ويصومون ويعتقدون انهم ادركوا الحق، لكنهم كانوا يسفكون دماء الأبرياء ويقطعون الطرق ويقتلون الناس لحبهم علياً عليه السلام وهم يظنون أنهم على صواب.
ثالثاً: وهناك فئة ثالثة تبحث عن الباطل بسبب أهوائها النفسية وانحرافاتها الأخلاقية، وتبذل المساعي من أجل إدراكه، وتدركه في النهاية ولا يخطر ببالها أبداً طلب الحق مع أنها تعرفه أيضاً.
ومصداق هذه الفئة هم جنود يزيد في كربلاء، فقد رأوا أحدهم يقتلع حلية من أُذن احدى بنات الإمام الحسين عليه السلام وهو يبكي، فسألوه "لماذا تبكي؟" قال: "قد رقَ قلبي لمصائبكم" فقالوا له: "إذا كان الأمر كذلك فلا تسلبنا! ولا تؤذنا! ولا تنهب أموالنا!" فأجاب: "اننا جئنا لنعود بالغنائم الى أهلنا، فإذا لم أسلبكم أنا لسلبكم غيري".
قال الامام علي عليه السلام واصفاً أهل الشام الذين اتبعوا الباطل:
"الذينَ يَلبِسوُنَ الحَقّ بِالباطِلِ، وَيُطيعُونَ المَخلُوقَ في مَعصيَةِ الخالِقِ، وَيَحتَلِبُونَ الدُّنيا دَرَّها بِالدِّينِ"[٣٢].
أسباب اتباع الباطل:
يحتوي "نهج البلاغة" على بحوث كثيرة وعميقة عن اسباب إتباع الباطل والإدبار عن الحقيقة، ويتطلب شرح كل تلك المواضيع وتقويمها كتاباً مستقلاً.
لذلك نكتفي في هذا الاستعراض القصير لأسباب إتباع الباطل ببعض تلك الأسباب: مثل:
أولاً حب الحياة:
بعض الناس يحبون الحياة والبقاء في الدنيا، وهذا هو الأصل عندهم، ونتيجة لذلك نراهم يرضخون للسكوت والسكون والتساوم والاستسلام، ويتجاهلون الحق مع أنهم يرونه ويعرفونه.
فالذي يرى أن البقاء هو الأصل، لا يتورع من ارتكاب صنوف الرذائل الأخلاقية والكذب، والنفاق، والفساد، لكي يطيل أمد أيامه في الحياة، لذلك لا يبقى بعد ذلك لديه معنى للثورة ضد الظلم والإجحاف، والحق عند هؤلاء ثقيل وتطبيقه مر. يقول الإمام علي عليه السلام:
"إنّ الحَقّ ثَقيلٌ مَرِيّ، وَإِنّ الباطِلَ خفيفٌ وَبيّ"[٣٣].
ثانياً حب الذات:
ان من يحب نفسه ويبلغ به الأمر حد الإعجاب بالنفس، والعناد، وعدم الاكتراث باراء الاخرين وأفكارهم، يدبر عن الحق لأن ذاته هي محور معتقداته. ولو أردنا جر مثل هذا الشخص الى الحق أو تطبيق حكم من أحكام الحق عليه، لوجد ذلك مراً عليه ويتعارض مع ما يتوقعه وما تقتضيه أنانيته.
إنه لفرط حبه لنفسه، لا يريد أن يصدق أنه اخطأ في القضية الفلانية وانه مدان فيها.
إذا ما أخفق في تربية ولده، فإنه يبادر الى القاء ذلك على عاتق الزمان والدهر الفاسد، ولا يعترف بتقصيره وعدم اهتمامه.
ثالثاً حب التحلُّل من القيود:
يرغب بعضهم في التمتع بحرية مطلقة لا تحدها حدود ولا تحصرها قيود، وأن ينالوا كل ما يريدون، ويفعلوا كل ما يحلو لهم.
ولكن الحق والحقيقة ترافقهما بعض الحدود والقوانين التي تقيد الانسان، وتزن الحرية الفردية في إطار حرية المجتمع، لذا فهي مُرّة ولا تنسجم مع روح التحلّل، لذا نجد جماعة من الناس يدبرون عنها ويتجاوزون الحق ويهربون منه، يقول الإمام علي:
"مَنْ عَشِقَ شَيئاً أعشى بَصَرَهُ وَامرَضَ قَلبَهُ، فَهُو يَنظُرُ بِعَينٍ غَيرِ صَحِيحةٍ، وَيَسمَعُ بِإذنٍ غَيرِ سًمِيعةٍ"[٣٤].
ثم ينصحنا بالقول:
"إنّ اللّه افتَرَضَ عَلَيكُم فَرائِضَ فَلا تُضَيِّعُوها، وَحدَّ لكم حُدُوداً فَلا تَعتَدُوها، وَنَهاكُم عَن أَشياءَ فَلا تَنتَهِكُوها"[٣٥].
رابعاً صعوبة اصلاح الذات وتربية النفس:
يرافق بناء الذات واصلاح المجتمع بعض المشاكل والصعاب، كما ان تربية الأسرة والأبناء تخلق للانسان مصاعب ومتاعب يعجز الكثير عن مواجهتها، وبعضهم يحب الراحة فلا يريد الدخول في المشاكل، وبعضهم يفتقدون ما يلزم من التواضع والصبر والتحمل أمام المشاكل والصعاب، لذلك نراهم يهربون من الحق وهم يعرفونه لأنه مر وصعب.
وفيما كتب الإمام علي عليه السلام الى مالك الأشتر قوله:
"ولا يَدعُوَنَّكَ ضيقُ أَمرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهدُ اللّهِ الى طَلَبِ انفِساخِهِ بَغَيرِ الحَقّ"[٣٦].
خامساً الغرور:
حب الذات والغرور يدعوان المرء الى أن يكون هو المتحكم وأن يرى الحق الى جانبه دائماً حتى وان ارتكب خطأ.
فهو يسعى الى تسويغ اخطائه والتظاهر بأنه على حق، ولما كان قبول الإدانة لا يتلاءم مع صفة الغرور لديه لذلك فهو يبتعد عن الحق ويتجاهله.
وهو يدين الاخرين ويلعن الدهر والزمان، ويتحدث عن الحظ النصيب والطالع، ويسعى بالاف النعوت والمسوغات الكاذبة لإظهار كونه على الحق. يقول الإمام علي عليه السلام:
"وَاحذَر كُلّ عَمَل يَرضاهُ صاحِبُهُ لِنَفْسِهِ ويكرهُ لِعامَّةِ المُسلِمين"[٣٧].
سادساً طغيان الغرائز النفسانية والحيوانية:
كثير من الناس يعرفون ما هو الحق وما هو الباطل، بل ويؤيدون الحق أيضاً، لكنهم بسبب طغيان غرائزهم يقبلون على الباطل ويصبح قبول الحق ثقيلاً ومراً لديهم.
والحل الرئيسي لذلك هو أن نعمل في بناء الذات وتربية النفس على الوقوف بوجه كل طغيان والسيطرة على أنفسنا وغرائزنا. يقول الإمام علي عليه السلام:
"إنّ أَخْوَفَ ما أَخافُ عَلَيْكُم إِثْنانْ: إِتّباعُ الهَوى وَطُولُ الأمل، فَأمّا اتِّباعُ الهَوِى فَيَصُدُّ عَنِ الحَقّ"[٣٨].
سابعاً جاذبية الباطل الطبيعية وظهوره تلقائياً وخداعه:
ان الغرائز الحيوانية تظهر تلقائياً لدى الإنسان ومن الصعب تهذيبها والسيطرة عليها، لذا نرى كثيراً ممن انتهجوا نهج اللامبالاة وحب الراحة لا يرضحون لمصاعب بناء الذات، إذ إن للباطل والمفاسد والذنوب قوة جاذبة طبيعية فيها، وهي تظهر تلقائياً، فمن الصعب تربية العين لكي لا تنظر الى الحرام وهو أمرٌ مر إلا أن ثمرته حلوه ولكن لا صعوبة في النظرة المريبة والمحرمة ولا تخلق مشكلة.
ولا صعوبة في الركض وراء الشهوات، ونهب أموال الناس، وتقاعس الموظف في العمل، وأكل الحرام.
إذا تركنا الناس وشأنهم ولم نُربِّهم على الأخلاق والإيمان فانهم ينجذبون من تلقاء أنفسهم نحو المفاسد والذنوب.
وعليه، فان السيطرة على الشهوة، واحترام اموال الناس وكرامتهم، وأداء الأعمال بميزان وبجودة، وتنفيذ القوانين بدقة، من الأمور الحسنة، ولكنها تتطلب التربية والتعليم وارسال انبياء الله صلى الله عليه و آله و سلم والأئمة المعصومين عليهم السلام وتنزيل الكتب السماوية.
لذلك كله تجب السيطرة على النفس بالقوة والضغط، وعدم اطلاق العنان لها، وجرها بحزم نحو الفضائل، وتربية النفس، ومراعاة القانون، وبذلك تنقاد للطاعة، وتعتاد على الفضائل، فتزول الأخطار المحدقة بها.