وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                

Search form

إرسال الی صدیق
الدنيا في نهج البلاغة – الأول

تمهيد:

ان كتاب نهج البلاغة يزخر بالمعلومات عن المبدأ والمعاد وما بينهما، وهو كتاب جامع لاصول الدين وفروعه، وفيه كفاية للمهتدي وموعظة للمتقي.

نحن في هذه الحلقة من (سلسلة في رحاب نهج البلاغة) نسلط الضوء على ما ورد من ذكر الدنيا ووصفها على لسان امير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، وذلك لخطورة الموضوع واهميته، اذ ان (بالدنيا تحرز الاخرة)[١] فهي بلنسبة لنا منعطف خطير، اما الى الجنة واما الى النار ولا ثالث.

يمر الانسان في سيره من المبدأ الى المنتهى بأربعة عوالم: عالم الذر، عالم الخلقة (او الجنينية)، عالم الدنيا، عالم الخلود (في الجنة او النار)، وهو مسلوب الاختيار في هذه العوالم الا في عالم الدنيا، حيث يتمكن من اسعاد نفسه او اهلاكها، وذلك كما قال تعالى: (وان ليس للانسان الا ما سعى)[٢].

وقال تعالى: (انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا)[٣].

وهذا الاختيار هو الحافز القوي للسعي نحو الكمال، وتدارك ما فات من العمر، وعند تجاوز هذا العالم تنسد الابواب (فشقوة لازمة او سعادة دائمة)[٤].

ولمعرفة عالم الدنيا حق المعرفة، والوقوف على ما ينبغي فيها وما لا ينبغي، نهدي اليك ايها القاريء الكريم هذه الحلقة وهي (الدنيا في نهج البلاغة).

خلق العالم

ان امير المؤمنين عليه السلام يشير في طيات كلامه الى ان الله تعالى (انشأ الخلق انشاء، وابتدأه ابتداء، بلا روية اجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة احدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها[٥].

وايضا: (خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه)[٦] ، وذلك انه تعالى كان ولم يكن معه شيء، قال عليه السلام: (انه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه، كما كان قبل ابتدائها)[٧].

ثم ان الله تعالى خلق الكون بالتدريج وفي مراحل، نوردها كما وردت في كلام امير المؤمنين عليه السلام:

الف: المرحلة الاولى: الماء والهواء.

قال امير المؤمنين عليه السلام: (ثم أنشأ سبحانه فتق الاجواء، وشق الارجاء، وسكائك الهواء، فأجرى فيها ماء متلاطما تياره، متراكما زخاره، حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها على شده، وقرنها الى حده، الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق.

ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها، وادام مربها، وأعصف مجراها، وأبعد منشأها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، واثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد اوله على اخره، وساجيه على مائره، حتى عب عبابه، ورمى بالزبد ركامه، فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق)[٨].

ب: المرحلة الثانية: السماوات والارض.

قال عليه السلام: (فسوى منه سبع سماوات، جعل سفلاهن موجا مكفوفا، وعلياهن سقفا محفوظا، وسمكا مرفوعا بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينتظمها، ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب، واجرى فيها سراجا مستطيرا، وقمرا منيرا في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر)[٩].

وقال عليه السلام: (وأنشأ الارض فأمسكها من غير اشتغال، وارساها على غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الاود والاعوجاج، ومنعها من التهافت والانفراج، ارسى اوتادها وضرب اسدادها، واستفاض عيونها، وخد اوديتها، فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه)[١٠].

ج: المرحلة الثالثة: الملائكة.

قال عليه السلام: (ثم فتق ما بين السموات العلا، فملأهن اطوارا من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، و ركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العين، ولا سهو العقول،ولا فترة الأبدان، ولا غفلة النسيان)[١١].

د: المرحلة الرابعة: الانسان.

قال عليه السلام: (ثم جمع سبحانه من حزن الارض وسهلها تربة سنها بالماء حتى خلصت ولاطها بالبلة حتى لزبت فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء و فصول أجمدها حتى استمسكت وأصلدها حتى  صلصلت لوقت معدود وأجل معلوم، ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الاذواق والمشام والالوان و الاجناس، معجونا بطينة الالوان المختلفة والاشباه المؤتلفة، والاضداد المتعادية، والاخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، والمساءة والسرور[١٢].

ثم ان الله سبحانه وتعالى اسكن هذا الانسان في دار (دبرها بلطفه، وامسكها بأمره، وأتقنها بقدرته)[١٣] وهذه الدار هي (دار البلية وتناسل الذرية)[١٤] (وانما وضعنا فيها لنبتلى بها)[١٥] وارسل فيها رسله بعدما (بدّل أكثر خلقه عهد اللّه إليهم، فجهلوا حقّه و اتّخذوا الأنداد معه، و اجتالتهم الشّياطين عن معرفته، و اقتطعتهم عن عبادته. فبعث فيهم رسله، و واتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، و يذكّروهم منسيّ نعمته، و يحتجّوا عليهم بالتّبليغ، و يثيروا لهم دفائن العقول، و يروهم الآيات المقدّرة)[١٦].

فالانسان في هذه الدنيا كادح الى مقره، ولابد ان يتزود منها بعد اتمام الحجة عليه، وعليه ان لا ينخدع بزخرفها وزبرجها، ولا يصغي الى نفثات الشيطان، وهذا ما سنبينه في الفصول التالية.

اتمام الحجة في الدنيا

ان الله سبحانه وتعالى قد اتم الحجة على الانسان، فأعطاه اولا العقل ليكون الحجة الباطنية، ثم اردفه بالرسل والانبياء (يستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويثيروا لهم دفائن العقول) كما مر، وبذلك اتم الحجة على الانسان.

قال امير المؤمنين عليه السلام بالنسبة الى الاول: (ثم منحه قلبا حافظا، ولسانا لافظا، وبصرا لاحظا، ليفهم معتبرا، ويقصر مزدجرا)[١٧].

وقال عليه السلام بالنسبة الى الحجة الثانية: (ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل، او كتاب منزل او حجة لازمة، او محجة قائمة)[١٨].

وقال عليه السلام: (وَ لَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَ أُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ وَ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ الْعِبَرُ وَ زُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ وَ مَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلَّا الْبَشَرُ)[١٩].

وقال عليه السلام: (إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً، ولَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى، ولَمْ يَدَعْكُمْ فِي جَهَالَةٍ ولاَ عَمًى، قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ، وعَلَّمَ أَعْمَالَكُمْ، وكَتَبَ آجَالَكُمْ، وأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ، وعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمَاناً، حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ ولَكُمْ فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ، دِينَهُ اَلَّذِي رَضِيَ لِنَفْسِهِ، وأَنْهَى إِلَيْكُمْ عَلَى لِسَانِهِ مَحَابَّهُ مِنَ اَلْأَعْمَالِ، ومَكَارِهَهُ ونَوَاهِيَهُ وأَوَامِرَهُ، فَأَلْقَى إِلَيْكُمُ اَلْمَعْذِرَةَ، واِتَّخَذَ عَلَيْكُمُ اَلْحُجَّةَ، وقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، وأَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ)[٢٠].

وقال عليه السلام: (إنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَعْذَرَ إلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمْ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ لَكُمْ مَحَابَّهُ مِنَ الاْعْمَالِ، وَمَكَارِهَهُ مِنْهَا، لِتَتَّبِعُوا هذِهِ، وَتَجْتَنِبُوا هذِهِ)[٢١].

وقال عليه السلام: (فانه لم يخف عنكم شيئا من دينه، ولم يترك شيئا رضيه أو كرهه إلا وجعل له علما باديا، وآية محكمة تزجر عنه، أو تدعو إليه، فرضاه فيما بقي واحد، وسخطه فيما بقي واحد)[٢٢].

والانبياء مع كثرتهم لكن دعوتهم واحدة، قال عليه السلام: (الا وان شرائع الدين واحدة، وسبله قاصدة، من اخذ بها لحق وغنم، ومن وقف عنها ضل وندم)[٢٣].

فمع وجود حجة العقل، وحجة النبوة لا غموض في الامر، ولا حجة للانسان في التكاسل والتواني، قال عليه السلام: (ان الامر واضح، والعلم قائم، والطريق جدد، والسبيل قصد)[٢٤].

وذلك (ان الله اوضح السبيل الحق وانار طرقه)[٢٥].

ويؤكد عليه السلام هذا الامر مرارا لينفذ في الاسماع ويثبت في القلوب، ويقول: (اعلموا رحمكم الله على اعلام بينة، فالطريق نهج يدعو الى دار السلام)[٢٦].

وقال عليه السلام: (الا وانكم قد امرتم بالظعن، ودللتم على الزاد)[٢٧].

وهذا الطريق هو الطريق الوسط الذي لابد من سلوكه اذ ان (اليمين والشمال مضلة، والطريق الوسطى هي الجادة، عليها باقي الكتاب، واثار النبوة، ومنها منفذ السنة، واليها مصير العاقبة)[٢٨].

الدنيا قنطرة

الدنيا ليست هي الهدف، ولا هي الغاية والمنتهى، وانما هي قنطرة يعبر عليها الانسان ليصل الى داره ومقره الاساسي، قال امير المؤمنين عليه السلام تأكيدا لهذا الامر: (الدنيا خلقت لغيرها ولم تخلق لنفسها)[٢٩].

وهي ايضا: (دار ممر الى دار مقر)[٣٠]  وكما اوصى ابنه الحسن عليه السلام: (وانك في منزل قلعة، ودار بلغة، وطريق الى الاخرة)[٣١].

وقد اتينا الى الدنيا لنختبر فيها ونبتلى بها، قال عليه السلام: (إن الله سبحانه  قد جعل الدنيا لما بعدها، وابتلى فيها أهلها، ليعلم أيهم أحسن عملا، ولسنا للدنيا خلقنا، ولا بالسعي فيها أمرنا، وانما وضعنا فيها لنبتلى بها)[٣٢].

لذا يجب على الانسان التزود من هذه الدار، اذ فيها الماء والكلأ، وبها تحرز الاخرة، قال عليه السلام: (وليمهد لنفسه وقدمه، وليتزود من دار ظعنه لدار اقامته)[٣٣].

وقال عليه السلام: (ان الدنيا لم تخلق لكم دار مقام، بل خلقت لكم مجازا لتزودوا منها الاعمال الى دار القرار)[٣٤].

واخيرا قال عليه السلام: (ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها وأصبحت تعظكم وترميكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له ولا الذي دعيتم إليه. ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها، فلا يغرنكم عاجلها فقد حذرتموها ووصفت لكم وجربتموها، فأصبحتم لا تحمدون عاقبتها. فسابقوا رحمكم الله إلى منازلكم التي امرتم أن تعمروها فهي العامرة التي لا تخرب أبدا والباقية التي لا تنفد. رغبكم الله فيها و دعاكم إليها وجعل لكم الثواب فيها. فانظروا يا معاشر المهاجرين والانصار وأهل دين الله ما وصفتم به في كتاب الله ونزلتم به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وجاهدتم عليه فيما فضلتم به بالحسب والنسب؟ أم بعمل وطاعة؟ فاستتموا نعمه عليكم - رحمكم الله - بالصبر لانفسكم والمحافظة على من استحفظكم الله من كتابه. ألا وإنه لا يضركم تواضع شئ من دنياكم بعد حفظكم وصية الله والتقوى. ولا ينفعكم شئ حافظتم عليه من أمر دنياكم)[٣٥].

ذم الدنيا

ان ذم الدنيا من ابرز ما ورد على لسان امير المؤمنين عليه السلام، فهو يصفها بالفناء والغدر والغرور، وغيرها من الصفات الذامة لها، كل ذلك للتزهيد فيها وانقطاع القلوب عنها، وفيما يلي نشير الى اهم ما ورد عنه عليه السلام في هذا المجال:

قال امير المؤمنين عليه السلام: (الدنيا دار مني لها الفناء، ولاهلها منها الجلاء، وهي حلوة خضرة، قد عجلت للطالب، والتبست بقلب الناظر)[٣٦].

وقال عليه السلام: (إلا وأن الدنيا قد تصرمت وآذنت بوداع، وتنكر معروفها، وأدبرت حذّاء، فهي تحفز بالفناء سكانها، وتحدو بالموت جيرانها، وقد أمرّ منها ما كان حلواً، وكدر منها ما كان صفواً)[٣٧].

وقال عليه السلام: (الا وان الدنيا دار لا يسلم منها الا فيها، ولا ينجى بشيء كان لها، ابتليالناس بها فتنة)[٣٨].

وقال عليه السلام: (ما أصف من دار أولها عناء، وآخرها فناء، في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها فتن، ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها واتته)[٣٩].

وقال عليه السلام: (ان الدنيا دار فناء وعناء وغير وعبر فمن الفناء ان الدهر موتر قوسه لا تخطي‏ء سهامه ولا تؤسى جراحه، يرمي الحي بالموت ، والصحيح بالسقم والناجي بالعطب، آکل لايشبع، وشارب لاينقع ، ومن العناء ان المرء يجمع ما لا ياکل ويبني ما لا يسکن، ثم يخرج الى الله لا ما لا حمل ولا بناء نقل ومن غيرها انك ترى المرحوم مغبوطا والمغبوط مرحوما  ليس ذلك الا نعيما  زل وبؤسا  نزل ومن عبرها ان المرء يشرف على امله  فيقطعه حضور اجله. فلا امل يدرك ولا مومل يترك فسبحان الله ما اغر سرورها واظمأ ريها واضحى فيئها لا جاء يرد، ولا ماض يرتد)[٤٠].

وقال عليه السلام: (أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي اَلدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ اَلْمَنَايَا مَعَ كُلِّ جَرْعَةٍ شَرَقٌ وَ فِي كُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصٌ لاَ تَنَالُونَ مِنْهَا نِعْمَةً إِلاَّ بِفِرَاقِ أُخْرَى وَلاَ يُعَمَّرُ مُعَمَّرٌ مِنْكُمْ يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ وَلاَ تُجَدَّدُ لَهُ زِيَادَةٌ فِي أَكْلِهِ إِلاَّ بِنَفَادِ مَا قَبْلَهَا مِنْ رِزْقِهِ وَلاَ يَحْيَا لَهُ أَثَرٌ إِلاَّ مَاتَ لَهُ أَثَرٌ وَلاَ يَتَجَدَّدُ لَهُ جَدِيدٌ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَخْلَقَ لَهُ جَدِيدٌ وَلاَ تَقُومُ لَهُ نَابِتَةٌ إِلاَّ وَتَسْقُطُ مِنْهُ مَحْصُودَةٌ)[٤١].

وقال عليه السلام: (أيها الناس، إن الدنيا تغر المؤمل لها والمخلد إليها، ولا تنفس بمن نافس فيها، وتغلب من غلب عليها، وأيم الله، ما كان قوم قط في غض نعمة من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترحوها، لأن الله ليس بظلام للعبيد)[٤٢].

وقال عليه السلام: (و لا تشيموا بارقها، ولا تسمعوا ناطقها، ولا تجيبوا ناعقها، ولا تستضيئوا باشراقها، ولا تفتنوا باعلاقها، فان برقها خالب، ونطقها کاذب، واموالها محروبه، واعلاقها مسلوبه  الا وهي المتصدية العنون والجامحة  الحرون، والمائنة الخؤون، والجحود الکنود، والعنود الصدود، والحيود الميود حالها انتقال، ووطاتها زلزال، وعزها ذل، وجدها هزل، وعلوها سفل  دار حرب وسلب، ونهب وعطب اهلها على ساق وسياق، ولحاق وفراق قد تحيرت مذاهبها، واعجزت مهاربها، وخابت مطالبها، فاسلمتهم المعاقل،ولفظتهم المنازل، واعيتهم المحاول  فمن ناج معقور، ولحم مجزور،وشلو مذبوح، ودم مسفوح، وعاض على يديه،  وصافق بکفيه، ومرتفق بخديه، وزار على رايه، وراجع عن عزمه، و قد ادبرت الحيله، واقبلت الغيله،  ولات حين مناص)[٤٣].

وقال عليه السلام: (دارٌ بِالْبَلاءِ مَحْفُوفَةٌ، وَبِالْغَدْرِ مَعْروفَةٌ، لا تَدُومُ أحْوالُها، وَلا يَسْلَمُ نُزَّالُها، أَحْوالٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَتاراتٌ مُتَصَرِّفَةٌ، الْعَيْشُ فِيها مَذْمُومٌ، وَالْأَمانُ مِنْها مَعْدُومٌ، وَإِنَّما أَهْلُها فِيها أَغْراضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ، تَرْمِيهِمْ بِسِهامِها، وَتُفْنِيهِمْ بِحِمامِها)[٤٤].

وقال عليه السلام: (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَلدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا وَلَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً إِلاَّ فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً عَلَيْهَا وَلَهَجاً بِهَا وَ لَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهَا وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ وَنَقْضُ مَا أَبْرَمَ)[٤٥].

وقال عليه السلام: (أما بعد فإن الدنيا مثلها مثل الحية، لين مسها قاتل سمها  فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها وضع عنك همومها لما أيقنت به من فراقها وكن آنس ما تكون بها أحذر ما تكون منها  فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور اشخصته عنه إلى محذور أو إلى إيناس أزالته عنه إلى إيحاش)[٤٦].

وقال عليه السلام: (مثل الدنيا كمثل الحية، لين مسها والسم الناقع في جوفها، يهوي اليها الغر الجاهل، ويحذرها ذو اللب العاقل)[٤٧].

وقال عليه السلام: (إِنَّمَا الْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا غَرَضٌ  تَنْتَضِلُ  فِيهِ الْمَنَايَا،وَنَهْبٌ تُبَادِرُهُ الْمَصَائِبُ، وَمَعَ كُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقٌ وَفِي كُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصٌ، وَلاَ يَنَالُ الْعَبْدُ نِعْمَةً إِلاَّ بِفِرَاقِ أُخْرَى، وَلاَ يَسْتَقْبِلُ يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ بِفِرَاقِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ)[٤٨].

وقال عليه السلام: (يَا أيُّها النَّاسُ، مَتَاعُ الدُّنْيَا حُطَامٌ  مُوبِىءٌ ، فَتَجَنَّبُوا مَرْعَاهُ  قُلْعَتُهَا  أَحْظَى مِنْ طُمَأْنِينَتِهَا  وَبُلْغَتُهَا  أَزْكَى  مِنَ ثَرْوَتِهَا، حُكِمَ عَلَى مُكْثِرٍ مِنْهَا بِالْفَاقَةِ  وَأُعيِنَ مَنْ غَنِيَ عَنْهَا بِالرَّاحَةِ مَنْ رَاقَهُ  زِبْرِجُهَا  أَعْقَبَتْ  نَاظِرَيْهِ كَمَهاً وَمَنِ اسْتَشْعَرَ الشَّغَفَ  بِهَا مَلاَتْ ضَمِيرَهُ أَشْجاناً  لَهُنَّ رَقْصٌ عَلى سُوَيْدَاءِ قَلْبِهِ  هَمٌّ يَشْغَلُهُ، وَغَمٌّ يَحْزُنُهُ، كَذلِكَ حَتَّى يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ  فَيُلْقَى  بِالْفَضاءِ، مُنْقَطِعاً أَبْهَرَاهُ، هَيِّناً عَلى اللهِ فَناؤُهُ، وَعَلَى الْإِخْوَانِ إِلْقَاؤهُ)[٤٩].

وقال عليه السلام: (من هوان الدنيا على الله انه لا يعصى الا فيها، ولا ينال ماعنده الا بتركها)[٥٠].

وقال عليه السلام في صفة الدنيا: (تغر وتضر وتمر، ان الله تعالى لم يرضها ثوابا لاوليائه، ولا عقابا لاعدائه)[٥١].

يتبع  ...

-------------------------------------------------
[١] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١٥٦.
[٢] . النجم: ٣٩.
[٣] . الانسان: ٣.
[٤] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١٥٧.
[٥] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١.
[٦] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٨٦.
[٧] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٨٦.
[٨] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١.
[٩] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١.
[١٠] . المصدر نفسه، الخطبة رقم ١٨٦.
[١١] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١.
[١٢] . نهج البلاغة، الخطبة رقم:١.
[١٣] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٨٦.
[١٤] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١.
[١٥] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٥٥.
[١٦] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١.
[١٧] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ٨٢.
[١٨] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١.
[١٩] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٢٠.
[٢٠] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٨٥.
[٢١] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٧٦.
[٢٢] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٨٣.
[٢٣] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١١٩.
[٢٤] . المصدر نفسه، الخطبة رقم ١٦١.
[٢٥] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٥٧.
[٢٦] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٩٣.
[٢٧] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٢٨.
[٢٨] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٦.
[٢٩] . نهج البلاغة، قصار الحكم: ٤٥١.
[٣٠] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ١٢٦.
[٣١] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٣١.
[٣٢] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٥٥.
[٣٣] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ٨٥.
[٣٤] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٣٢.
[٣٥] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٧٣.
[٣٦] . نهج البلاغة،الخطبة رقم: ٤٥.
[٣٧] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٥٢.
[٣٨] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٦٢.
[٣٩] . نهج البلاغة، الخطبة رقم:٨١.
[٤٠] . المصدر نفسه، الخطبة رقم:١١٣.
[٤١] . المصدر نفسه، الخطبة رقم ١٤٥.
[٤٢] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١٧٨.
[٤٣] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٩١.
[٤٤] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٢٢٥.
[٤٥] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٤٩.
[٤٦] . نهج البلاغة، الكتاب رقم : ٦٩.
[٤٧] . المصدر نفسه، قصار الحكم رقم: ١١٣.
[٤٨] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ١٨١.
[٤٩] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٣٥٧.
[٥٠] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٣٧٥.
[٥١] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٤٠٣.
****************************