وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                

Search form

إرسال الی صدیق
الدنيا في نهج البلاغة – الثالث

نبذ الدنيا

قال امير المؤمنين عليه السلام: (فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ وَاتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ)[١].

وقال عليه السلام: (أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالرَّفْضِ لِهَذِهِ الدُّنْيَا التَّارِكَةِ لَكُمْ وَإِنْ لَمْ تُحِبُّوا تَرْكَهَا وَالْمُبْلِيَةِ لِأَجْسَامِكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ تَجْدِيدَهَا فَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهَا كَسَفْرٍ سَلَكُوا سَبِيلًا فَكَأَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوهُ وَأَمُّوا عَلَماً فَكَأَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوهُ وَكَمْ عَسَى الْمُجْرِي إِلَى الْغَايَةِ أَنْ يَجْرِيَ إِلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغَهَا وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ مَنْ لَهُ يَوْمٌ لَا يَعْدُوهُ وَطَالِبٌ حَثِيثٌ مِنَ الْمَوْتِ يَحْدُوهُ وَمُزْعِجٌ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُفَارِقَهَا رَغْماً فَلَا تَنَافَسُوا فِي عِزِّ الدُّنْيَا وَفَخْرِهَا وَلَا تَعْجَبُوا بِزِينَتِهَا وَنَعِيمِهَا وَلَا تَجْزَعُوا مِنْ ضَرَّائِهَا وَبُؤْسِهَا فَإِنَّ عِزَّهَا وَفَخْرَهَا إِلَى انْقِطَاعٍ وَإِنَّ زِينَتَهَا وَنَعِيمَهَا إِلَى زَوَالٍ وَضَرَّاءَهَا وَبُؤْسَهَا إِلَى نَفَادٍ وَكُلُّ مُدَّةٍ فِيهَا إِلَى انْتِهَاءٍ وَكُلُّ حَيٍّ فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ)[٢].

وقال عليه السلام: (ان السعداء بالدنيا غدا هم الهاربون منها اليوم)[٣].

وقال عليه السلام: (فقطعوا علائق الدنيا، واستظهروا بزاد التقوى)[٤].

وقال عليه السلام: (الا حر يدع هذه اللماظة لاهلها، انه ليس لانفسكم ثمن الا الجنة، فلا تبيعوها الا بها)[٥].

سرعة انقضاء الدنيا

ان الفترة الزمنية التي يعيشها الانسان في الدنيا بالنسبة الى عالم الخلود الذي سيرحل اليه، لا تكون الا قليلة، ولذا جاء في الذكر الحكيم: (قال لبثتم في الاض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما او بعض يوم فسئل العادين)[٦] وكما في الحديث الشريف:

(الدنيا ساعة فاجعلها في طاعة)[٧].

ان كلام امير المؤمنين عليه السلام مشحون بتذكير سرعة انقضاء الدنيا وحلول الموت، فيقول عليه السلام: (ان غدا من اليوم قريب، ما أسرع الساعات في اليوم، وأسرع الايام في الشهور، وأسرع الشهور في السنة، وأسرع السنين في العمر)[٨].

ويقول ايضا: (الامر قريب والاصطحاب قليل)[٩].

ويقول: (الرحيل وشيك)[١٠].

ويقول: (ما أقرب الحي من الميت للحاقه به، وأبعد الميت من الحي لانقطاعه عنه)[١١].

وقال: (ولينظر امرؤ في قصير أيامه، وقليل مقامه، في منزل حتى يستبدل به منزلا)[١٢].

وقال: (اذا كنت في ادبار والموت في اقبال فما أسرع الملتقى)[١٣].

ويحذرنا عليه السلام ويقول: (فاحذروا عباد الله الموت وقربه)[١٤].

ويقول لابنه الحسن عليهما السلام: (وكأنك عن قليل صرت كأحدهم)[١٥].

والمتصفح لنهج البلاغة يجد الكثير من هذه العبارات التي تذكرنا بقرب الرحيل وسرعة انقضاء الدنيا، واليك بعضها:

(أما بعد فان الدنيا قد أدبرت واذنت بوداع، وان الاخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع)[١٦].

(فكأن قد علقتكم مخالب المنية، وانقطعت منكم علائق الامنية، ودهمتكم مفظعات الامور، والسياقة الى الورد المورود)[١٧].

(فأنها (اي الدنيا) والله عما قليل تزيل الثاوي الساكن، وتفجع المترف الامن... فلا يغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها)[١٨].

 (وما هو الا الموت أسمع داعيه، وأعجل حاديه)[١٩].

(ما أقرب اليوم من تباشير غد)[٢٠].

(واعلموا ان ملاحظة المنية نحوكم دانية، زكأنكم بمخالبها وقد نشبت فيكم، وقد دهمتكم فيها مفظعات الامور ومعضلات المحذور)[٢١].

ولترسيخ هذه الفكرة في أذهاننا وقلوبنا يستخدم امير المؤمنين عليه السلام اسلوب التشبيه، فتارة يشبه سرعة انقضاء الدنيا ببقية الماء في الاناء ويقول: (ألا وان الدنيا قد ولت حذاء، فلم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء اصطبها صابها)[٢٢] (ألا وان الدنيا قد تصرمت واذنت بانقضاء... فلم يبق منها الا سملة كسملة الاداوة، او جرعة كجرعة المقلة، لو تمززها الصديان لم ينفع)[٢٣].

وتارة يشبه سرعة انقضائها بالظلويقول: (فانها عند ذوي العقول كفيء الظل، بينا تراه سابغا حتى قلص، وزائدا حتى نقص)[٢٤].

واخرى بالمسافر فيقول: (فانما مثلكم ومثلها كسفر سلكوا سبيلا فكانهم قد قطعوه، واموا علما فكانهم قد بلغوه، وكم سعى المجري الى الغاية ان يجري اليها حتى يبلغها)[٢٥].

(فأنما أنتم كركب وقوف، لا يدرون متى يؤمرون بالسير)[٢٦].

(ان اهل الدنيا كركب بينا هم حلوا اذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا)[٢٧].

(وانتم بنو سبيل على سفر من دار ليست بداركم)[٢٨].

واخيرا التمثيل بالليل والنهار ومجيء الشمس والقمر، اذ ان (الشمس والقمر دائبان في مرضاته، يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد)[٢٩].

(وان غائبا يحدوه الجديدان: الليل والنهار، لحري بسرعة الاوبة)[٣٠].

ويقول لابنه الامام الحسن عليهما السلام: (واعلم ان من كانت مطيته الليل والنهار، فانه يسار به وان كان واقفا، ويقطع المسافة وان كان مقيما وادعا)[٣١].

ويقول عليه السلام: (وانصرمت الدنيا بأهلها، وأخرجتهم من حضنها، فكانت كيوم مضى وشهر انقضى)[٣٢].

فلماذا هذه الغفلة يا انسان، الا تعلم ان (نفس المرء خطاه الى أجله)[٣٣] و(رب مستقبل يوم ليس بمستدبره، ومغبوط في اول ليله قامت بواكيه في اخره)[٣٤].

وليس هذا الا من طول الامل والاغترار بالدنيا، اذ (لو رأى العبد الاجل ومسيره لابغض الامل وغروره)[٣٥].

وهذا ما ينبهنا عليه امير المؤمنين عليه السلام ويقول: (قدغاب عن قلوبكم ذكر الاجال، وحضرتكم كواذب الامال، فصارت الدنيا أملك بكم من الاخرة، والعاجلة أذهب بكم من الاجلة)[٣٦].

وهذا سبب هلاك الماضين حيث يقول عليه السلام: (انما هلك من كان قبلكم بطول امالهم، وتغيب اجالهم)[٣٧].

فعلينا ان نستعد ونخشى حلول الموت ونحن في غفلة عنه، كما قال امير المؤمنين عليه السلام: (فبادروا العمل وخافوا بغتة الاجل).

أصناف الناس في الدنيا

قال امير المؤمنين عليه السلام: (النَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَمْنَعُهُ اَلْفَسَادَ إِلاَّ مَهَانَةُ نَفْسِهِ وَكَلاَلَةُ حَدِّهِ وَ نَضِيضُ وَفْرِهِ وَمِنْهُمْ اَلْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ وَاَلْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ وَاَلْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ وَأَوْبَقَ دِينَهُ لِحُطَامٍ يَنْتَهِزُهُ أَوْ مِقْنَبٍ يَقُودُهُ أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ وَلَبِئْسَ اَلْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى اَلدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً وَمِمَّا عِنْدَ اَللَّهِ عِوَضاً.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ اَلدُّنْيَا بِعَمَلِ اَلْآخِرَةِ وَلاَ يَطْلُبُ اَلْآخِرَةَ بِعَمَلِ اَلدُّنْيَا قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ وَاِتَّخَذَ سِتْرَ اَللَّهِ ذَرِيعَةً إِلَى اَلْمَعْصِيَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ اَلْمُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ وَاِنْقِطَاعُ سَبَبِهِ فَقَصَرَتْهُ اَلْحَالُ عَلَى حَالِهِ فَتَحَلَّى بِاسْمِ اَلْقَنَاعَةِ وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ اَلزَّهَادَةِ وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَلاَ مَغْدًى.

وَبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ اَلْمَرْجِعِ وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ اَلْمَحْشَرِ فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ وَخَائِفٍ مَقْمُوعٍ وَسَاكِتٍ مَكْعُومٍ وَدَاعٍ مُخْلِصٍ وَثَكْلاَنَ مُوجَعٍ قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ اَلتَّقِيَّةُ وَشَمِلَتْهُمُ اَلذِّلَّةُ فَهُمْ فِي بَحْرٍ أُجَاجٍ أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ وَقُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ وَقَدْ وعَظُوا حَتَّى مَلُّوا وَقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا وَقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا.

فَلْتَكُنِ اَلدُّنْيَا فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ اَلْقَرَظِ وَ قُرَاضَةِ اَلْجَلَمِ وَاِتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَاُرْفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ)[٣٨].

وقال عليه السلام لكميل:

(الناس ثلاثة: عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع، أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.

يا كميل العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق.

يا كميل محبة العلم دين يدان به، يكسب الإنسان به الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، ومنفعة المال تزول بزواله.

يا كميل مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة.

هاه، إن هاهنا - واشار بيده إلى صدره - لو أصبت له حملة، بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه  يستعمل آلة الدين في الدنيا، ويستظهر بحجج الله عز وجل على خلقه، وبنعمته على عباده لتتخذه الضعفاء وليجة دون ولي الحق، أو منقاد لحملة العلم لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، ألا لا ذا، ولا ذاك، أو منهوم  باللذة سلس القياد للشهوة، أو مغرما بالجمع والإدخار، ليسا من رعاة الدين في شئ، أقرب شبها بهما للأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه.

اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجة - ظاهر أو خاف مغمور، وكم ذا وأين أولئك ؟ أولئك -والله- الأقلون عددا، والأعظمون خطرا، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم  على حقائق الأمور فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعر المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلى.

يا كميل أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه، اه اه، شوقا إلى رؤيتهم)[٣٩].

وقال عليه السلام: (النَّاسُ في الدنيا عَامِلانِ: عَامِلٌ عمل فِي الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا قَدْ شَغَلَتْهُ دُنْيَاهُ عَنْ آخِرَتِهِ، يَخْشَى عَلَى مَنْ يُخَلِّفُه الْفَقْرَ وَيَأْمَنُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَيَفْنَي عُمْرُهُ فِي منفعة غَيْرِهِ.

وَعَامِلٌ عمل فِي الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا فَجَاءَهُ الَّذِي لَهُ مِنَ الدُّنْيَا بِغَيْرِ عَمَلٍ، فَأَحرز الحظين معا فأصبح وجيها  عِنْدَ اللَّهِ لا يَسْأَلُ اللَّهَ حاجة  فَيَمْنَعُهُ)[٤٠].

وقال عليه السلام لجابر بن عبد الله الانصاري: (ياجابر، قوام الدين والدنيا بأربعة: عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وجواد لا يبخل بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فاذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه، ياجابر من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس اليه، فمن قام لله فيها بما يجب عرضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم لله فيها بم يجب عرضها للزوال والفناء)[٤١].

وقال عليه السلام: (الدنيا دار ممر الى دار مقر، والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها)[٤٢].

وقال عليه السلام: (لا خير في الدنيا الا لرجلين: رجل أذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتوبة، ورجل يسارع في الخيرات) (٤).

وقال عليه السلام: (إِنَّ أَبْغَضَ الخَلائِقِ إِلَى اللهِ تعالى رَجُلانِ: رَجُلٌ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِیلِ مَشْعوفٌ

بِكَلاَمِ بِدْعَةٍ وَدُعَاءِ ضَلاَلَةٍ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لَمِنِ افْتَتَنَ بِهِ، ضَالٌّ عَنْ هَدْی مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، مُضِلُّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ فی حَیَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، حَمَّالٌ خَطَایَا غَیْرِهِ، رَهْنٌ بِخَطِیئَتِهِ.

وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً مُوضِعٌ فی جُهَّالِ الاَمَّةِ غادرٍ في أَغْبَاشِ الفِتْنَةِ، عِمٍبِمَا في عَقْدِ الهُدْنَةِ قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالمِاً وَلَیْسَ بِهِ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ، مَا قَلَّ مِنْهُ خَیْرٌ مِمَّا كَثُرَ، حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍك، وَأكْثَر مِن غَیْرِ طَائِلٍ جَلَسَ بَیْنَ النَّاسِ قَاضِیاً ضَامِناً لِتَخْلِیصِ مَا التَبَسَ عَلَى غیْرِهِ فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى المُبْهَمَاتِ هَیَّأَ لَهَا حَشْواً رَثّاً مِنْ رَأْیِهِ، ثُمَّ قَطَعَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ في مِثْلِ نَسْجِ العَنْكَبُوتِ: لاَ یَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ، إنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ یَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ أَخْطَأَ  رَجَا أَنْ یَكُونَ قَدْ أَصَابَ.

جَاهِلٌ خَبَّاطُ  جَهلات، عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَات لَمْ یَعَضَّ عَلَى العِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ، یُذرِي الرِّوَایَاتِ إذْراءَ الرِّیحِ الهَشِیمَ لاَ مَلِي وَاللهِ ـ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَیْهِ، وَلاَ هُوَ أَهْلٌ لِما فُوّضَ إلیه، لاَ یَحْسَبُ العِلْمَ فی شیْءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ، وَلاَ یَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ منه مَذْهَباً لِغَیْرهِ، وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَیْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ لِمَا یَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ، تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ، وَتَعَجُّ مِنْهُ المَوَارِیثُ.

إِلَى اللهِ أَشْكُو مِنْ مَعْشَرٍ یَعِیشُونَ جُهَّالاً، وَیَمُوتُونَ ضُلاَّلاً، لَیْسَ فِیهمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُمِنَ الكِتَابِ إِذَا تُلِي حَقَّ تِلاَوَتِهِ، وَلاَ سِلْعَة أَنْفَقُ بَیْعاً وَلاَ أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلاَ عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ المَعْرُوفِ، وَلاَ أَعْرَفُ مِنَ المُنكَر)[٤٣].

وقال عليه السلام: (عباد الله، ان انصح الناس لنفسه أطوعهم لربه، وان أغشهم لنفسه أعصاهم لربه)[٤٤].

وقال عليه السلام: (عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ وَتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِهِ وَأَعَدَّ الْقِرَى لِيَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَعِيدَ وَهَوَّنَ الشَّدِيدَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ وَارْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ فَشَرِبَ نَهَلًا وَسَلَكَ سَبِيلًا جَدَداً.

قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ وَتَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ إِلَّا هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى وَمُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَى وَصَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى وَمَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى.

قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَهُ وَسَلَكَ سَبِيلَهُ وَعَرَفَ مَنَارَهُ وَقَطَعَ غِمَارَهُ وَاسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا وَمِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا فَهُوَمِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي أَرْفَعِ الْأُمُورِ مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْهِ وَتَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِهِ مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ كَشَّافُ عَشَوَاتٍ مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ دَفَّاعُ مُعْضِلَاتٍ دَلِيلُ فَلَوَاتٍ يَقُولُ فَيُفْهِمُ وَيَسْكُتُ فَيَسْلَمُ.

قَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ فَاسْتَخْلَصَهُ فَهُوَمِنْ مَعَادِنِ دِينِهِ وَأَوْتَادِ أَرْضِهِ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعَدْلَ فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْيُ الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ يَصِفُ الْحَقَّ وَيَعْمَلُ بِهِ لَا يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلَّا أَمَّهَا وَلَا مَظِنَّةً إِلَّا قَصَدَهَا قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ فَهُوَ قَائِدُهُ وَإِمَامُهُ يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ وَيَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ.

وَآخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ وَأَضَالِيلَ مِنْ ضُلَّالٍ وَنَصَبَ لِلنَّاسِ أَشْرَاكاً مِنْ حَبَائِلِ غُرُورٍ وَقَوْلِ زُورٍ قَدْ حَمَلَ الْكِتَابَ عَلَى آرَائِهِ وَعَطَفَ الْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ يُؤْمِنُ النَّاسَ مِنَ الْعَظَائِمِ وَيُهَوِّنُ كَبِيرَ الْجَرَائِمِ يَقُولُ أَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَفِيهَا وَقَعَ وَيَقُولُ أَعْتَزِلُ الْبِدَعَ وَبَيْنَهَا اضْطَجَعَ فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ وَالْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ لَا يَعْرِفُ بَابَ الْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ وَلَا بَابَ الْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ وَذَلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ)[٤٥].

وقال عليه السلام: (إِنَّ مِنْ أَبْغَضِ اَلرِّجَالِ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى لَعَبْداً وَكَلَهُ اَللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ جَائِراً عَنْ قَصْدِ اَلسَّبِيلِ سَائِراً بِغَيْرِدَلِيلٍ إِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ اَلدُّنْيَا عَمِلَ وَ إِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ اَلآْخِرَةِ كَسِلَ كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَ كَأَنَّ مَا وَنَى فِيهِ سَاقِطٌ عَنْهُ)[٤٦].

وقال عليه السلام: ان أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب اليه – وان نقصه وكرثه – من اباطل وان جر اليه فائدة وزاده)[٤٧].

وقال عليه السلام: (أنَّ أفضل عباد الله عند اللهِ إمامٌ عادلٌ; هُدِيَ وهَدَى، فأقام سُنَّةً معلومةً، وأمات بدعةً مجهولةً; وإنَّ السُّننَ لنيرةٌ لها أعلامٌ، وإنَّ البدع لظاهرةٌ لها أعلامٌ; وإنَّ شرَّ الناس عند اللهِ إمامٌ جائرٌ ضلَّ وضُلَّ به ; فأمات سنَّةً مأخوذةً، وأحيا بدعةً متروكةً! وإنِّي سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم يقولُ: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر، وليس معه نصيرٌ ولا عاذرٌ، فيلقى في نار جهنَّمَ، فيدور فيها كما تدور الرَّحى ; ثمَّ يرتبط في قعرها)[٤٨].

وقال عليه السلام: (إِنَّ أَعْظَمَ الْحَسَرَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَسْرَةُ رَجُلٍ كَسَبَ مَالاً فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ، فَوَرَّثَهُ رَجُلٌ فَأَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، فَدَخَلَ بِهِ الْجَنَّةَ، وَدَخَلَ الْأَوَّلُ بِهِ النَّارَ)[٤٩].

وقال عليه السلام: (إن أخسر الناس صفقة و أخيبهم سعيا رجل أخلق بدنه في طلب آماله و لم تساعده المقادير على إرادته فخرج من الدنيا بحسراته و قدم على الآخرة بتبعاته)[٥٠].

يتبع  ...

--------------------------------------------
[١] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ٣٢.
[٢] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٩٨.
[٣] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٢٢٢.
[٤] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٢٠٥.
[٥] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٤٤٤.
[٦] . المؤمنون: ١١٢- ١١٣.
[٧] . عوالي اللئالي لابن ابي جمهور ١: ٢٨٥ ح ١٣١.
[٨] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١٨٨.
[٩] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٦٩.
[١٠] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ١٧٧.
[١١] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١١٣.
[١٢] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ٢١٤.
[١٣] . المصدر نفسه، قصار الحكم رقم: ٤٩٠.
[١٤] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٢٧.
[١٥] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٣١.
[١٦] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٢٨.
[١٧] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٨٤.
[١٨] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٠٢.
[١٩] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١٣٣.
[٢٠] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٥٠.
[٢١] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٢٠٤.
[٢٢] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٤٢.
[٢٣] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٥٢.
[٢٤] . المصدر نفسه، الخطبة رقم ٦٢.
[٢٥] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ٩٨.
[٢٦] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٥٧.
[٢٧] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٤٠٣.
[٢٨] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٨٣.
[٢٩] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٨٩.
[٣٠] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٦٣.
[٣١] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٣١.
[٣٢] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٩٠.
[٣٣] . نهج البلاغة، قصار الحكم: ٦٩.
[٣٤] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٣٧٠.
[٣٥] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٣٢٥.
[٣٦] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١١٢.
[٣٧] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٤٧.
[٣٨] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ٣٢.
[٣٩] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ١٣٧.
[٤٠] . نهج البلاغة، قصار الحكم: ٢٦٠.
[٤١] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٣٦٢.
[٤٢] . المصدر نفسه، قصار الحكم:١٢٦.
[٤٣] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٧.
[٤٤] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ٨٥.
[٤٥] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٨٦.
[٤٦] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٠٢.
[٤٧] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١٢٥.
[٤٨] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٦٤.
[٤٩] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٤١٧.
[٥٠] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٤١٨.
****************************