وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام): مَنْ ضَيَّعَهُ الاْقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ الاْبْعَدُ .                

Search form

إرسال الی صدیق
الدنيا في نهج البلاغة – الثاني

كيف يجب أن ننظر إلى الدنيا

إن الإسلام الحنيف لم يطلب من الإنسان أن يترك الدنيا بالمطلق بحيث يتوجه إلى الصحاري والجبال ويجلس في الكهوف ويتعبد فقط. بل الإسلام أراد للإنسان بحكم كونه اجتماعياً بطبعه أن يجعل له روابط مع الناس والمحيط حتى يتكامل مع مجتمعه ليؤلفوا المجتمع الصالح، لذلك ألزمه بواجبات عديدة لها تأثير على سلوكه العملي سواء مع اللّه تعالى أم مع غيره من بني جنسه أو مع نفسه على صعيد التربية الروحية والسلوكية.

فالإسلام لم يطلب من الإنسان أن يكون رهبانياً بل أراده أن يعيش في هذه الدنيا ولكن ضمن الضوابط التي يحددها الشرع المقدس، لذلك ورد في الأحاديث أن الدنيا مزرعة الآخرة وأيضاً خذ من دنياك إلى آخرتك وورد أيضاً نعم العون الدنيا على الآخرة. ولكن كيف تكون عوناً.

هنا نرجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول:

"إنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن الاضطرار"[١].

فحياته في الدنيا تكون مليئة بالدروس والعبر، فيصحح هذا الاعتبار طريقه إلى الآخرة فينبغي أن لا تعمي الدنيا بصر الإنسان عما وراءها ,وهي الدار الآخرة وفيها الحياة الحقيقية كما يقول الله تعالى:

"... وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ "[٢].

وهذا ما يوصله في الآخرة إلى المراتب العليا.

ويقول عليه السلام في موضع آخر:

"إنما الدنيا منتهى بصر الأعمى لا يبصر مما وراءها شيئاً والبصير ينفذها بصره ويعلم أن الدار وراءها فالبصير منها شاخص والأعمى إليها شاخص والبصير منها متزوّد والأعمى لها متزود"[٣].

هنا يؤكد أمير المؤمنين عليه السلام أن طالب الدنيا أعمى أي لا يفكر بآخرته التي تجمل وتختزن نتاج عمله أما المؤمن فهو البصير الذي يخرقها بصره ليرى نتاج العمل ويتزود لذلك اليوم.

وينبه أمير المؤمنين عليه السلام في مكان آخر أن أهم ما يأخذه الإنسان من الدنيا هو ما يصلح به الآخرة وما يكون ثمرته الآخرة فيوظف كل طاقاته بخدمة الحياة الأبدية الدائمة لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام:

"إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، وإن كنت جازعاً على ما تفلَّت من يديك، فاجزع على كل ما لم يصل إليك"[٤].

ويقول في موضع آخر:

"ولا تصلح دنياك بمحق دينك..."[٥].

بل على الإنسان دائماً أن ينظر إلى آخرته على أنها هي الدائمة ويصلحها فإذا أصلحها هانت عليه الدنيا، وإذا هانت عليه الدنيا هان أمر آخرته، لذلك يقول أمير المؤمنين‏عليه السلام:

"من أصلح أمر آخرته أصلح اللّه له أمر دنياه"[٦].

فيكون بذلك سعيداً في الدنيا والآخرة لأنه في الدنيا عاش تحت رضا اللّه تعالى وفي الآخرة كان مقره مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. وأما من اهتم فقط بسعادة الدنيا فإنه في الآخرة من الخاسرين.

يقول‏ عليه السلام:

"وإن السعداء بالدنيا غداً هم الهاربون منها..."[٧].

هل الزهد في الدنيا ملازم للفقر؟

عندما ننظر في حياة بعض الزاهدين نرى بأنهم يتجلببون الفقر، وربما يخطر في بال البعض بأن هناك علاقة بين الزهد وبين الفقر.

إن هذا المفهوم وهذا الانطباع خاطى‏ء لأن الزهد هو ترك الدنيا بالقلب أو هو تفضيل الآخرة ونعيمها على الدنيا وما فيها.

ومن هنا قيل ليس الزهد أن لا تملك شيئاً بل الزهد أن لا يملكك شي‏ء.

لماذا نترك الدنيا؟

إن من يعيش في هذه الدنيا ويمتلك عقلاً سليماً عليه أن يخرج حب الدنيا من قلبه ويفرَّ إلى الآخرة بمعنى أن يعيش في الدنيا لأجل الآخرة وليس لأجل الدنيا خصوصاً عند التفكر في أحوال الماضين والبلاءات التي تحلّ‏َ بالحاضرين ولغيرها من الأسباب الآتية:

أ مخلوقون للآخرة لا للدنيا

لأن الإنسان مخلوق لآخرته وليس للدنيا لأنها دار قرار واستقرار كما يقول أمير المؤمنين ‏عليه السلام:

"يا بني إنما خلقت للآخرة لا للدنيا ..."[٨].

"ألا فما يصنع بالدنيا من خلق للآخرة ..."[٩].

"ولسنا للدنيا خلقنا ولا بالسعي فيها أمرنا ..."[١٠].

ب الدنيا دار فناء

الإنسان خلق للبقاء وليس للفناء وهذه الدنيا فانية فلا بدّ من دار يخلد فيها الإنسان وهي الآخرة لذلك على الإنسان أن يترك الدنيا للآخرة.

يقول‏ عليه السلام:

"والدنيا دار مُنِي لها الفناء"[١١].

"وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها"[١٢].

"وأن اللّه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شي‏ء معه"[١٣].

ج الدنيا طريق ووسيلة إلى الآخرة

يجب أن يتعامل الإنسان مع الدنيا ضمن هذا المفهوم بأن الدنيا هي ممر وطريق وجسر نعبر به إلى الآخرة.

يقول‏عليه السلام:

"فإن اللّه سبحانه قد جعل الدنيا لما بعدها"[١٤].

"أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار ..."[١٥].

د الدنيا دار بلاءٍ وابتلاء

الدنيا خلقت للبلاء والامتحان وبما أن الإنسان موجود في هذه الدنيا فإنه يُبتلى بشتى البلاءات وتبقى الآخرة هي الدار التي يعيش فيها الراحة والهناء.

يقول عليه السلام:

"واعلم أن الدنيا دار بليَّة لم يفرغ صاحبها فيها قط ساعة"[١٦].

"إنما المرء في الدنيا غرض تنتقل فيه المنايا ..."[١٧].

هـ علينا الاعتبار بمن مضى من هذه الدنيا

يقول‏ عليه السلام:

"واعلموا عباد اللّه أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم"[١٨].

"ولا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرّت من كان قبلكم"[١٩].

"أليسوا قد ظعنوا جميعاً عن هده الدنيا الدنية"[٢٠].

"فإن الذي في يدك من الدنيا قد كان له أه قبلك[٢١].

العلاقة بين الدنيا والآخرة

العلاقة بين الدنيا والآخرة إما أن تكون علاقة سلب أو تكون علاقة إيجاب.

أما السلب

فهو عندما ينظر الإنسان إلى الدنيا بأنها هي الهدف ويعمل عمله كله في الدنيا ولأجل الدنيا وهذه الحالة مذمومة واتضح ذلك من خلال ما مرّ معنا في موجبات ترك الدنيا.

يقول عليه السلام:

"إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغرب، وما شي‏ء بينهما كلما قرب واحد بعد من الآخر، وهما بعدُ ضرّتان"[٢٢].

ويقول ‏عليه السلام:

"واعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خي مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا"[٢٣].

"ألا وإنه لا يضركم تضييع شي‏ء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم إلا وأنه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شي‏ء حافظتم عليه من أمر دنياكم"[٢٤].

وأما علاقة الإيجاب

فهي أن ينظر الإنسان إلى الآخرة بأنها هي الهدف وأنها هي المستقر والمأوى لذلك عليه أن يأخذ من دار الممر إلى دار المقر وعليه أن يصلح دار مقره ولا ينسي نصيبه من الدنيا ولكن ضمن الموازين الشرعية.

يقول عليه السلام:

"من أصلح آخرته أصلح اللّه أمر دنياه..."[٢٥].

"من عمل لدينه كفاه اللّه أمر دنياه..."[٢٦].

وأخيراً:

ليكن الهم في هذه الدنيا هو تحصيل المكارم وهجران المآثم حتى يسعد في الدنيا والآخرة يقول أمير المؤمنين ‏عليه السلام:

"فمن آتاه اللّه مالاً فليصل به القرابة، وليحسن منه الضيافة وليفُكّ‏َ به الأسير والعالي، وليُعط منه الفقير والغارم، وليصبر نفسه على الحقوق والنوائب، ابتغاء الثواب، فإن فوزاً بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا، ودرك فضائل الآخرة، إن شاء اللّه"[٢٧].

انتهى .

------------------------------------
[١] . قصار الحكم ٣٦٧.
[٢] . سورة العنكبوت، الآية/٦٤.
[٣] . خطبة ١٣٣.
[٤] . كتاب ١٠٧ - ٣١.
[٥] كتاب ٤٣.٣.
[٦] . قصار الحكم ٨٩.
[٧] . خطبة ٢٢٣.١٤.
[٨] . كتاب ٣١.٧٤.
[٩] . خطبة ١٥٧.٨.
[١٠] . كتاب ٥٥.١.
[١١] . خطبة ٤٥.٢.
[١٢] . خطبة ١٨٦.٢٥.
[١٣] . نفس المصدر ٢٩.
[١٤] . كتاب ٥٥،١.
[١٥] . خطبة ٢٠٣،١.
[١٦] . كتاب ٥٩،٣.
[١٧] . قصار الحكم ١٩١.١.
[١٨] . خطبة٢٢٦.٣.
[١٩] . خطبة٢٣٠.١٠.
[٢٠] . خطبة ١٢٩.٦.
[٢١] قصار الحكم ٤١٦.٣.
[٢٢] . قصار الحكم ١٠٣.١.
[٢٣] . خطبة ١١٤.١٥.
[٢٤] . خطبة ١٧٣.١٠.
[٢٥] . قصار الحكم ١٠٦.
[٢٦] . قصار الحكم ٨٩.
[٢٧] . خطبة ١٤٢.٢.
****************************