علي حسين الخباز
هي صور حسية استعارية، وهي احتمال مفتوح على التعدد الوظيفي، وامكانية جمالية لا حدود لتجلياتها المظهرية واضماراتها الدلالية- كقوله عليه السلام وهو يتحدث عن السحب: (الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِيقٌ والْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ) والفتيق: تعني المفتوق، والدفيق المدفوق.
وقد تكون الصورة صريحة أو قد تأتي ضمنية بين تعبيرين أو أكثر- بحيث تضفي على أحد التعابير أو مجموعة من التعبيرات لونا من العاطفة.
كقوله عليه السلام في الاستسقاء: (اللهمَّ قَدِ انْصَاحَتْ جِبَالُنَا واغْبَرَّتْ أَرْضُنَا وهَامَتْ دَوَابُّنَا وتَحَيَّرَتْ فِي مَرَابِضِهَا وعَجَّتْ عَجِيجَ الثَّكَالَى عَلَى أَوْلادِهَا) .
فانصاحت: تعني جفت ويبست من الجدب، وليس من المناسب تفسير انصاحت بـ(انشقت) الا ان يراد المبالغة في الحرارة التي اشتدت لتأخُر المطر، حتى اتقد باطن الارض نارا، وتنفست في الجبال فانشقت.. ويكثف معناه التخييلي، وليس معناه الحرفي دائما، ويتم توجيهه ويعاد خلقه إلى حد ما من خلال ارتباطه أو تطابقه مع التعبيرات الأخرى..
مثل قوله عليه السلام: (أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ الْقِدْحِ فِي الْجَفِيرِ الْفَارِغِ وإِنَّمَا أَنَا قُطْبُ الرَّحَى تَدُورُ عَلَيَّ وأَنَا بِمَكَانِي فَإِذَا فَارَقْتُهُ اسْتَحَارَ مَدَارُهَا واضْطَرَبَ ثِفَالُهَا) والقِدح بالكسر: السهم قبل أن ينصل، والجفير: الكنانة توضع فيها السهام- وإنما خص القدح لانه يكون أشد قلقلة من السهم المراش حيث ان حد الريش قد يمنعه القلقلة أو يخففها- واستمار: تردد واضطراب الثفال: الحجر الأسفل من الرحى.
والصورة الفنية تزيد العمق التأثيري، ويتجاوز حدود الاستعارة والتشبيه إلى التجسيد والتشخيص والوصف.. كقوله عليه السلام في إحدى خطبه متحدثا عن الدهر في صور متتابعة: (فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ لا تُخْطِئُ سِهَامُهُ ولا تُؤْسَى جِرَاحُهُ يَرْمِي الْحَيَّ بِالْمَوْتِ والصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ والنَّاجِيَ بِالْعَطَبِ آكِلٌ لا يَشْبَعُ وشَارِبٌ لا يَنْقَعُ) ومصطلح الصورة من المصطلحات النقدية التي ليس لها جذور في النقد الأدبي العربي- وهناك فارق بين الصورة والبلاغة تتسنى في خباياها حقائق شعرية ينأى بها الزخرف الشعري كقوله عليه السلام: (فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ وعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ) ومخضته: حركته بشدة كما يمخض السقاء ما فيه من اللبن، ليستخرج زبده. والسقاء: جلد السخلة يجذع فيكون وعاء للبن والماء. وعصفت به الريح: إذا عصفت بالفضاء الذي لا أجسام فيه كانت شديدة لعدم المانع، وهذه الريح عصفت بهذا الماء ذلك العصف الذي يكون لها.
إن تنوع مهام الصورة الفنية في بنى تقريرية لا تحتوي تشبيها أو مجازاً وهناك صور تشبيهية وهناك الرمز(الايقوني) وتعني صورة تدل على صورة مادية بينها علاقة التشبيه والمجاز- كقوله عليه السلام في الشهادتين: (...شَهَادَتَيْنِ تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ وتَرْفَعَانِ الْعَمَلَ لا يَخِفُّ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ ولا يَثْقُلُ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْهُ). وهناك صورة منه ترتكز على مفهوم الاستعارة- التي واكبت الاعتقاد إلى المجاز مثل قوله عليه السلام في إحدى خطبه، وهو يتحدث عن الملائكة: (مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ) فنجد أن الصورة الفنية موجودة في التراث لكنها لم تشخص كآليات نقد خاصة لذا يرى البعض ان لا صورة بعد التشبيه والمجاز.