وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                

Search form

إرسال الی صدیق
العلوم في نهج البلاغة (علم التاريخ)

اهتمام الإمام بعلم التاريخ

الإمام علىّ  ـ من وصيّة له لابنه الحسن   كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفّين ـ: أى بُنَىّ، إنّى وإن لم أكن عُمّرت عُمْر مَن كان قبلى ; فقد نظرت فى أعمالهم، وفكّرت فى أخبارهم، وسرت فى آثارهم، حتي عدتُ كأحدهم، بل كأنّى ـ بما انتهي إلىّ من اُمورهم ـ قد عمّرت مع أوّلهم إلي آخرهم ; فعرفت صفوَ ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كلّ أمر نَخيلَه[١] وتوخّيت لك جميله، وصرفت عنك مجهوله، ورأيت ـ حيث عنانى من أمرك ما يعنى الوالد الشفيق، وأجمعتُ عليه من أدبك ـ أن يكون ذلك وأنت  مُقبِل العمر ومقتَبَل الدهر، ذو نيّة سليمة ونفس صافية[٢].

تأكيد الإمام علي الاعتبار بالتاريخ

الإمام علىّ  ـ من خطبة له   تُسمّي بالقاصعة ـ: احذروا ما نزل بالاُمم قبلكم من المَثُلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال. فتذكّروا فى الخير والشرّ أحوالهم، واحذروا أن تكونوا أمثالهم.

فإذا تفكّرتم فى تفاوت حالَيْهم فالزموا كلّ أمر لزمت العزّة به شأنَهم، وزاحت الأعداءُ له عنهم، ومدّت العافية فيه عليهم، وانقادت النعمة له معهم، ووصلت الكرامة عليه حبلهم، من الاجتناب للفرقة، واللزوم للاُلفة، والتحاضّ عليها، والتواصى بها، واجتنبِوا كلّ أمر كسر فِقْرَتهم، وأوهن مُنَّتهم[٣]. من تضاغن القلوب، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس، وتخاذل الأيدى، وتدبّروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم، كيف كانوا فى حال التمحيص والبلاء ; أ لم يكونوا أثقل الخلائق أعباء، وأجهد العباد بلاء، وأضيق أهل الدنيا حالاً ؟ اتّخذتهم الفراعنة عبيداً، فساموهم سوء العذاب، وجرّعوهم المُرار، فلم تبرح الحال بهم فى ذلّ الهلكة وقهر الغلبة. لا يجدون حيلة فى امتناع، ولا سبيلاً إلي دفاع. حتي إذا رأي الله سبحانه جدّ الصبر منهم علي الأذي فى محبّته، والاحتمال للمكروه من خوفه ; جعل لهم من مضايق البلاء فرجاً ; فأبدلهم العزّ مكان الذلّ، والأمنَ  مكان الخوف، فصاروا ملوكاً حكّاماً، وأئمّة أعلاماً، وقد بلغت الكرامة من الله لهم ما لم تذهب الآمال إليه بهم.

فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء مجتمعة، والأهواء مؤتلفة، والقلوب معتدلة، والأيدى مترادفة، والسيوف متناصرة، والبصائر نافذة، والعزائم واحدة. أ لم يكونوا أرباباً فى أقطار الأرضين، وملوكاً علي رقاب العالمين ؟ فانظروا إلي ما صاروا إليه فى آخر اُمورهم حين وقعت الفرقة، وتشتّتت الاُلفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعّبوا مختلفين، وتفرّقوا متحاربين، قد خلع الله عنهم لباس كرامته، وسلبهم غَضارة نعمته. وبقى قصص أخبارهم فيكم عِبَراً للمعتبرين.

فاعتبِروا بحال وُلْد إسماعيل وبنى إسحاق وبنى إسرائيل (ع) ; فما أشدّ اعتدال الأحوال، وأقرب اشتباه الأمثال ! تأمّلوا أمرهم فى حال تشتّتهم وتفّرقهم ليالى كانت الأكاسرة والقياصرة أرباباً لهم، يحتازونهم عن رِيف الآفاق، وبحر العراق، وخضرة الدنيا إلي منابت الشِّيح، ومهافى[٤] الريح، ونَكَد المعاش. فتركوهم عالة مساكين، إخوان دَبَر[٥] وَوَبر، أذلّ الاُمم داراً، وأجدبهم قراراً. لا يأوون إلي جناح دعوة يعتصمون بها، ولا إلي ظلّ اُلفة يعتمدون علي عزّها. فالأحوال مضطربة، والأيدى مختلفة، والكثرة متفرقة ; فى بلاءِ أزْل[٦]، وإطباق جهل ! من بنات موؤودة، وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة، وغارات مشنونة.

فانظروا إلي مواقع نِعَم الله عليهم حين بعث إليهم رسولاً، فعقد بملّته طاعتهم، وجمع علي دعوته اُلفتهم ; كيف نشرت النعمة عليهم جناحَ كرامتها، وأسالت لهم  جداول نعيمها، والتفّت الملّة بهم فى عوائد بركتها، فأصبحوا فى نعمتها غَرِقين، وفى خُضرة عيشها فَكِهين. قد تربّعت الاُمور بهم فى ظل سلطان قاهر، وآوتهم الحال إلي كنف عزّ غالب. وتعطّفت الاُمور عليهم فى ذري ملك ثابت. فهم حكّام علي العالمين، وملوك فى أطراف الأرضين. يملكون الاُمور علي من كان يملكها عليهم. ويُمضون الأحكام فيمن كان يُمضيها فيهم. لا تُغمَز لهم قناة، ولا تُقرَع لهم صَفاة[٧].

ألا وإنّكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة. وثلمتم حصن الله المضروب عليكم بأحكام الجاهليّة. فإنّ الله سبحانه قد امتنّ علي جماعة هذه الاُمّة ـ فيما عقد بينهم من حبل هذه الاُلفة التى ينتقلون فى ظلّها، ويأوون إلي كنفها ـ بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة ; لأنّها أرجح من كلّ ثمن، وأجلّ من كلّ خطر[٨].

-----------------------------------------
[١] . نَخَله: صَفّاه واختَاره (تاج العروس: ١٥ / ٧٢٣).
[٢] . نهج البلاغة: الكتاب ٣١، تحف العقول: ٧٠، كشف المحجّة: ٢٢٣ عن عمر بن أبى المقدام عن الإمام الباقر عنه ، بحار الأنوار: ٧٧ / ٢٠١ ; ينابيع المودّة: ٣ / ٤٣٩ / ١٠، كنز العمّال: ١٦ / ١٦٩ / ٤٤٢١٥.
[٣] . المُنّة: القوّة (تاج العروس: ١٨ / ٥٤٧).
[٤] . مهافى: جمع مهفيً ; وهو مَوضِع هبوبِها فى البَرارى (النهاية: ٥ / ٢٦٧).
[٥] . الدَّبَر: الجرح الذى يكون فى ظَهرِ البعير (النهاية: ٢ / ٩٧).
[٦] . الأزْل: الشدّة والضيق (لسان العرب: ١ / ٤٦).
[٧] . الصَّفاة: الصخرة والحجر الأملس. والكلام هنا تميل ; أى لا ينالهم أحدٌ بسوء (النهاية: ٣ / ٤١).
[٨] . نهج البلاغة: الخطبة ١٩٢، بحار الأنوار: ١٤ / ٤٧٢ / ٣٧.
****************************