وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
العمل للآخرة في كلام الإمام علي (عليه السلام)

 

لبيب بيضون

هل الدنيا والآخرة ضرّتان؟

مدخل:

اذا كان العمل في الدنيا للدنيا كانت الدنيا عدوة للآخرة، وأمّا إذا كان العمل فيها للآخرة كانت حسنة ومحمودة. والناس في الدنيا يعملون وفق ثلاثة خطوط:

١-  من يعمل للدنيا، ولا يعمل للآخرة.

٢-  من يجعل الدنيا أكبر همّه، ولكنه يعمل مع ذلك للآخرة.

٣-  من يجعل الدنيا وسيلة، والآخرة غاية.ففي الحالتين الاولى والثانية، تكون الدنيا ضرّة للآخرة، أمّا في الحالة الأخيرة فهي عون للآخرة، وهي التي ارتضاها لنا اللّه ورسوله (ص).النصّ:

قال الامام علي (ع):

إنّ الدّنيا والآخرة عدوّان متفاوتان، وسبيلان مختلفان، فمن أحبّ الدّنيا وتولاّها أبغض الآخرة وعاداها. وهما بمنزلة المشرق والمغرب، وماش بينهما، كلّما قرب من واحد بعد من الآخر، وهما بعد ضرّتان. (١٠٣ ح، ٥٨٣)

النّاس في الدّنيا عاملان: عامل عمل في الدّنيا للدّنيا، قد شغلته دنياه عن آخرته، يخشى على من يخلفه الفقر ويأمنه على نفسه، فيفني عمره في منفعة غيره. وعامل عمل في الدّنيا لما بعدها، فجاءه الّذي له من الدّنيا بغير عمل، فأحرز الحظّين معا، وملك الدّارين جميعا، فأصبح وجيها عند اللّه، لا يسأل اللّه حاجة فيمنعه. (٢٦٩ ح، ٦٢٠)

الدنيا والآخرة العمل والتزوّد والاستعداد للآخرة سرعة نفاد العمر

مدخل:

لحياة الانسان جانبان: جانب مادي وجانب روحي، والجانب المادي هو«الحياة الدنيا». والدنيا شأن جميع الأشياء المادية، وإن أعجبتنا بمظاهرها الخلاّبة، فانّ نهايتها الى الفناء والزوال. وما أشبه هذه الدنيا بالنبات وحبّاته، فاذا نزل عليها المطر واختلط بترابها، نمت وكبرت وازدهت وازدهرت، بأصناف الألوان والأزهار، والاكمام والثمار. ثمّ لا تلبث أن تجف وتصفرّ، فتأتيها الرياح فتحطمها وتنفثها في الفضاء، فتنتثر وتندثر وكأنها لم تكن.

تلك حال حياة الانسان الكافر الذي يظنّ أن وجوده هوفقط هذه الحياة المادية، فحياته بكلّ لذاتها ومفاتنها، لا تلبث أن تسير الى الزوال والاندثار. إنّه أنكر الحياة الآخرة التي هي الحياة الباقية، ونسي أن هناك حسابا وعقابا. وسرعان ما تنقضي حياته الفانية، ويأتي الى الآخرة، ليجد مصيره المحتوم في نار جهنم. يقول سبحانه مصورا ذلك: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ولَهْووزِينَةٌ وتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ والْأَوْلاَدِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرّاً، ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً، وفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ، ومَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ ورِضْوَانٌ، ومَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (سورة الحديد ٢٠).

أمّا المؤمن الذي يبصر الآخرة بعين نظره وهويعيش في الدنيا، فانّه يعمل للآخرة من خلال دنياه، ويزرع فيها ليحصد الثمار، ثم يجد حصيلة أتعابه في الآخرة، حيث يأتي الكافر صفر اليدين. وهذا مؤدّى قول الامام (ع) في صفة المتّقين: (شاركوا أهل الدّنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدّنيا في آخرتهم ).

النصوص:

من خطبة له (ع) يقسم الناس فيها الى ثلاثة أقسام بحسب عملهم: شغل من الجنّة والنّار أمامه. ساع سريع نجا (القسم الأول: وهوالملتزم بالشريعة كليّا، لا تشغله فرائضها عن نوافلها)، وطالب بطي‏ء رجا (القسم الثاني: وهوالمتجاذب بين الخير والشر، يكتفي بأداء الفرائض راجيا المغفرة)، ومقصّر في النّار هوى (القسم الثالث: وهوالمقصر الذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء). اليمين والشّمال مضلّة (أي القسم الثاني والثالث) والطّريق الوسطى هي الجادّة (أي القسم الأول)، عليها باقي الكتاب، وآثار النّبوّة، ومنها منفذ السّنّة، وإليها مصير العاقبة. (الخطبة ١٦، ٥٧)

فإنّ الغاية أمامكم، وإنّ وراءكم السّاعة تحدوكم. تخفّفوا تلحقوا. فإنّما ينتظر بأوّلكم آخركم. (الخطبة ٢١، ٦٥)

وإنّ المال والبنين حرث الدّنيا، والعمل الصّالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما اللّه تعالى لأقوام. فاحذروا من اللّه ما حذّركم من نفسه، واخشوه خشية ليست بتعذير. وأعملوا في غير رياء ولا سمعة، فإنّه من يعمل لغير اللّه يكله اللّه لمن عمل له. (الخطبة ٢٣، ٦٩)

أمّا بعد، فإنّ الدّنيا قد أدبرت، وآذنت بوداع. وإنّ الآخرة قد أقبلت، وأشرفت باطّلاع. (الخطبة ٢٨، ٧٨)

ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه. ألا وإنّكم في أيّام أمل، من ورائه أجل، فمن عمل في أيّام أمله قبل حضور أجله، فقد نفعه عمله، ولم يضرره أجله. ومن قصّر في أيّام أمله قبل حضور أجله، فقد خسر عمله، وضرّه أجله. ألا فاعملوا في الرّغبة كما تعملون في الرّهبة. ألا وإنّي لم أر كالجنّة نام طالبها، ولا كالنّار نام هاربها... ألا وإنّكم قد أمرتم بالظّعن، ودللتم على الزّاد، وإنّ أخوف ما أخاف عليكم: اتّباع الهوى، وطول الأمل. فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا، ما تحرزون به أنفسكم غدا. (الخطبة ٢٨، ٧٩)

ومنهم من يطلب الدّنيا بعمل الآخرة، ولا يطلب الآخرة بعمل الدّنيا. (الخطبة ٣٢، ٨٦)

ألا وإنّ الدّنيا قد ولّت حذّاء، فلم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء اصطبّها صابّها. ألا وإنّ الآخرة قد أقبلت، ولكلّ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدّنيا، فإنّ كلّ ولد سيلحق بأمّه يوم القيامة. وإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل. (الخطبة ٤٢، ١٠٠)

وموتات الدّنيا أهون عليّ من موتات الآخرة. (الخطبة ٥٤، ١١١)

ألا وإنّ الدّنيا دار... ابتلي النّاس بها فتنة، فما أخذوه منها لها، أخرجوا منه وحوسبوا عليه، وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه وأقاموا فيه. (الخطبة ٦١، ١١٦)

فاتّقوا اللّه عباد اللّه، وبادروا آجالكم بأعمالكم، وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم، وترحّلوا فقد جدّبكم، واستعدّوا للموت فقد أظلّكم، وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا، وعلموا أنّ الدّنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا، فإنّ اللّه سبحانه لم يخلقكم عبثا، ولم يترككم سدى، وما بين أحدكم وبين الجنّة أوالنّار إلاّ الموت أن ينزل به. وإنّ غاية تنقصها اللّحظة، وتهدمها السّاعة، لجديرة بقصر المدّة. وإنّ غائبا يحدوه الجديدان: اللّيل والنّهار، لحريّ بسرعة الأوبة. وإنّ قادما يقدم بالفوز أوالشّقوة لمستحقّ لأفضل العدّة. فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا، ما تحرزون به أنفسكم غدا. (الخطبة ٦٢، ١١٦)

رحم اللّه امرءا سمع حكما فوعى، ودعي إلى رشاد فدنا، وأخذ بحجزة هاد فنجا. راقب ربّه، وخاف ذنبه. قدّم خالصا، وعمل صالحا. اكتسب مذخورا، و اجتنب محذورا، ورمى غرضا، وأحرز عوضا. كابر هواه، وكذّب مناه. جعل الصّبر مطيّة نجاته، والتّقوى عدّة وفاته. ركب الطّريقة الغرّاء، ولزم المحجّة البيضاء. اغتنم المهل، وبادر الأجل، وتزوّد من العمل. (الخطبة ٧٤، ١٣٠)

فاتّقوا اللّه تقيّة من... عمّر معادا، واستظهر زادا، ليوم رحيله ووجه سبيله، وحال حاجته، وموطن فاقته، وقدّم أمامه لدار مقامه فاتّقوا اللّه... واستحقّوا منه ما أعدّ لكم بالتّنجّز لصدق ميعاده، والحذر من هول معاده. (الخطبة ٨١، ٢، ١٤١)

لم يمهدوا في سلامة الأبدان. (الخطبة ٨١، ٢، ١٤٢)

... وقدّم زاد الآجلة سعيدا، وبادر من وجل، وأكمش في مهل، ورغب في طلب، وذهب عن هرب، وراقب في يومه غده، ونظر قدما أمامه. (الخطبة ٨١، ٢، ١٤٥)

كادحا سعيا لدنياه... لم يفد عوضا، ولم يقض مفترضا. (الخطبة ٨١، ٣، ١٤٦)

فليعمل العامل منكم في أيّام مهله، قبل إرهاق أجله، وفي فراغه قبل أوان شغله، وفي متنفّسه قبل أن يؤخذ بكظمه، وليمهّد لنفسه وقدمه، وليتزوّد من دار ظعنه لدار إقامته. (الخطبة ٨٤، ١٥١)

وأعدّ القرى ليومه النّازل به، فقرّب على نفسه البعيد وهوّن الشّديد. (الخطبة ٨٥، ١٥٣)

عباد اللّه، زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا، وتنفّسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السّياق. (الخطبة ٨٨، ١٦٠)

اعملوا، رحمكم اللّه، على أعلام بيّنة، فالطّريق نهج (أي واضح قويم) يدعوإلى دار السّلام، وأنتم في دار مستعتب على مهل وفراغ، والصّحف منشورة، والأقلام جارية، والأبدان صحيحة، والألسن مطلقة، والتّوبة مسموعة، والأعمال مقبولة. (الخطبة ٩٢، ١٨٦)

إن دعي إلى حرث الدّنيا عمل، وإن دعي إلى حرث الآخرة كسل. (الخطبة ١٠١، ١٩٧)

اجعلوا ما افترض اللّه عليكم من طلبكم، واسألوه من أداء حقّه ما سألكم. (الخطبة ١١١، ٢١٨)

وكلّ شي‏ء من الدّنيا سماعه أعظم من عيانه، وكلّ شي‏ء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه. فليكفكم من العيان السّماع، ومن الغيب الخبر. واعلموا أنّ ما نقص من الدّنيا وزاد في الآخرة خير ممّا نقص من الآخرة وزاد في الدّنيا. فكم من منقوص رابح ومزيد خاسر. (الخطبة ١١٢، ٢٢١)

قد تكفّل لكم بالرّزق وأمرتم بالعمل، فلا يكوننّ المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض عليكم عمله، مع أنّه واللّه لقد اعترض الشّكّ ودخل اليقين، حتّى كأنّ الّذي ضمن لكم قد فرض عليكم، وكأنّ الّذي قد فرض عليكم قد وضع عنكم. فبادروا العمل، وخافوا بغتة الأجل، فإنّه لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرّزق. ما فات اليوم من الرّزق رجي غدا زيادته. وما فات أمس من العمر لم يرج اليوم رجعته. الرّجاء مع الجائي، واليأس مع الماضي. (الخطبة ١١٢، ٢٢١)

اعملوا ليوم تذخر له الذّخائر، وتبلى فيه السّرائر. (الخطبة ١١٨، ٢٢٨)

أجل منقوص، وعمل محفوظ. فربّ دائب مضيّع، وربّ كادح خاسر. (الخطبة ١٢٧، ٢٤٠)

فمن أشعر التّقوى قلبه، برّز مهله وفاز عمله. فاهتبلوا هبلها، واعملوا للجنّة عملها. فإنّ الدّنيا لم تخلق لكم دار مقام، بل خلقت لكم مجازا لتزوّدوا منها الأعمال إلى دار القرار. فكونوا منها على أوفاز (أي على استعجال)، وقرّبوا الظّهور للزّيال. (الخطبة ١٣٠، ٢٤٤)

ومن خطبة له (ع) يقول فيها: وإنّما الدّنيا منتهى بصر الأعمى، لا يبصر ممّا وراءها شيئا، والبصير ينفذها بصره، ويعلم أنّ الدّار وراءها. فالبصير منها شاخص، والأعمى إليها شاخص. والبصير منها متزوّد، والأعمى لها متزوّد.

(منها): واعلموا أنّه ليس من شي‏ء إلاّ ويكاد صاحبه يشبع منه ويملّه، إلاّ الحياة، فإنّه لا يجد له في الموت راحة. (الخطبة ١٣١، ٢٤٥)

... واذكر قبرك، فإنّ عليه ممرّك، وكما تدين تدان، وكما تزرع تحصد. وما قدّمت اليوم تقدم عليه غدا. فامهد لقدمك، وقدّم ليومك. (الخطبة ١٥١، ٢٦٩)

فتزوّدوا في أيّام الفناء لأيّام البقاء. فقد دللتم على الزّاد وأمرتم بالظّعن (أي السفر). وحثثتم على المسير. فإنّما أنتم كركب وقوف، لا يدرون متى يؤمرون بالسّير. (الخطبة ١٥٥، ٢٧٧)

عباد اللّه، احذروا يوما تفحص فيه الأعمال، ويكثر فيه الزّلزال، وتشيب فيه الأطفال. (الخطبة ١٥٥، ٢٧٧)

بادروا أمر العامّة، وخاصّة أحدكم وهوالموت. فإنّ النّاس أمامكم، وإنّ السّاعة تحدوكم من خلفكم، تخفّفوا تلحقوا. فإنّما ينتظر بأوّلكم آخركم. (الخطبة ١٦٥، ٣٠١)

وسابقوا فيها إلى الدّار الّتي دعيتم إليها، وانصرفوا بقلوبكم عنها... ألا وإنّه لا يضرّكم تضييع شي‏ء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم. ألا وإنّه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شي‏ء حافظتم عليه من أمر دنياكم. (الخطبة ١٧١، ٣٠٩)

واعلموا عباد اللّه أنّ المؤمن لا يصبح ولا يمسي إلاّ ونفسه ظنون عنده. فلا يزال زاريا عليها ومستزيدا لها (أي المؤمن يظن في نفسه دائما النقص والتقصير في الطاعة). فكونوا كالسّابقين قبلكم، والماضين أمامكم. قوّضوا من الدّنيا تقويض الرّاحل، وطوؤها طيّ المنازل. (الخطبة ١٧٤، ٣١٢)

العمل العمل، ثمّ النّهاية النّهاية، والإستقامة الإستقامة، ثمّ الصّبر الصّبر، والورع الورع إنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم. وإنّ لكم علما (يقصد به القرآن) فاهتدوا بعلمكم. وإنّ للإسلام غاية فانتهوا إلى غايته. واخرجوا إلى اللّه بما افترض عليكم من حقّه، وبيّن لكم من وظائفه. أنا شاهد لكم، وحجيج يوم القيامة عنكم. (الخطبة ١٧٤، ٣١٤)

فبادروا المعاد، وسابقوا الآجال. فإنّ النّاس يوشك أن ينقطع بهم الأمل، ويرهقهم الأجل، ويسدّ عنهم باب التّوبة. فقد أصبحتم في مثل ما سأل إليه الرّجعة من كان قبلكم. وأنتم بنوسبيل على سفر من دار ليست بداركم. وقد أوذنتم منها بالارتحال، وأمرتم فيها بالزّاد. واعلموا أنّه ليس لهذا الجلد الرّقيق صبر على النّار، فارحموا نفوسكم فإنّكم قد جرّبتموها في مصائب الدّنيا. (الخطبة ١٨١، ٣٣١)

أفرأيتم جزع أحدكم من الشّوكة تصيبه، والعثرة تدميه، والرّمضاء تحرقه؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيع حجر وقرين شيطان. أعلمتم أنّ مالكا إذا غضب على النّار حطم بعضها بعضا لغضبه، وإذا زجرها توثّبت بين أبوابها جزعا من زجرته. أيّها اليفن الكبير (أي الشيخ المسن) الّذي قد لهزه القتير (أي خالطه الشيب) كيف أنت إذا التحمت أطواق النّار بعظام الأعناق، ونشبت الجوامع حتّى أكلت لحوم السّواعد؟ فاللّه اللّه معشر العباد وأنتم  سالمون، في الصّحّة قبل السّقم، وفي الفسحة قبل الضّيق. فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق رهائنها. أسهروا عيونكم وأضمروا بطونكم، واستعملوا أقدامكم وأنفقوا أموالكم. وخذوا من أجسادكم فجودوا بها على أنفسكم، ولا تبخلوا بها عنها، فقد قال اللّه سبحانه إنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وقال تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ، ولَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ. فلم يستنصركم من ذلّ، ولم يستقرضكم من قلّ. استنصركم ولَهُ جُنُودُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ وهُوالعَزِيزُ الحَكِيمُ. واستقرضكم ولَهُ خَزَائنُ السَّماوَاتِ والأَرْضَ، وهُوالغَنِيُّ الحَمِيْدُ. وإنّما أراد أن يبلوكم أيّكم أحسن عملا. فبادروا بأعمالكم تكونوا مع جيران اللّه في داره. رافق بهم رسله، وأزارهم ملائكته. وأكرم أسماعهم أن تسمع حسيس نار أبدا. وصان أجسادهم أن تلقى لغوبا ونصبا ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ واللّهُ ذُوالفَضْلِ الْعَظِيمِ. أقول ما تسمعون، واللّه المستعان على نفسي وأنفسكم. وهوحسبنا ونعم الوكيل. (الخطبة ١٨١، ٣٣٢)

فسابقوا رحمكم اللّه إلى منازلكم الّتي أمرتم أن تعمروها، والّتي رغبتم فيها ودعيتم إليها... فإنّ غدا من اليوم قريب. ما أسرع السّاعات في اليوم، وأسرع الأيّام في الشّهر، وأسرع الشّهور في السّنة، وأسرع السّنين في العمر. (الخطبة ١٨٦، ٣٤٨)

فاللّه اللّه عباد اللّه فإنّ الدّنيا ماضية بكم على سنن، وأنتم والسّاعة في قرن. وكأنّها قد جاءت بأشراطها، وأزفت بأفراطها، ووقفت بكم على صراطها. وكأنّها قد أشرفت بزلازلها، وأناخت بكلاكلها. وانصرمت الدّنيا بأهلها، وأخرجتهم من حضنها. فكانت كيوم مضى أوشهر انقضى. وصار جديدها رثّا، وسمينها غثّا. في موقف ضنك المقام. وأمور مشتبهة عظام. ونار شديد كلبها، عال لجبها، ساطع لهبها، متغيّظ زفيرها. متأجّج سعيرها، بعيد خمودها، ذاك وقودها، مخوف وعيدها. عم قرارها، مظلمة أقطارها. حامية قدورها، فظيعة أمورها. وسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إلَى‏ الجَنَّةِ زُمَراً قد أمن العذاب وانقطع العتاب. وزحزحوا عن النّار، واطمأنّت بهم الدّار، ورضوا المثوى والقرار. الّذين كانت أعمالهم في الدّنيا زاكية وأعينهم باكية. وكان ليلهم في دنياهم نهارا، تخشّعا واستغفارا. وكان نهارهم ليلا، توحّشا وانقطاعا. فجعل اللّه لهم الجنّة مآبا والجزاء ثوابا. وكانوا أحقّ بها وأهلها، في ملك دائم ونعيم قائم. (الخطبة ١٨٨، ٣٥١)

وبادروا آجالكم بأعمالكم، فإنّكم مرتهنون بما أسلفتم، ومدينون بما قدّمتم. وكأن قد نزل بكم المخوف. فلا رجعة تنالون، ولا عثرة تقالون. (الخطبة ١٨٨، ٣٥٢)

عباد اللّه، الآن فاعلموا، والألسن مطلقة، والأبدان صحيحة، والأعضاء لدنة. والمنقلب فسيح، والمجال عريض. قبل إرهاق الفوت وحلول الموت. فحقّقوا عليكم نزوله ولا تنتظروا قدومه. (الخطبة ١٩٤، ٣٨٥)

أيّها النّاس. إنّما الدّنيا دار مجاز، والآخرة دار قرار. فخذوا من ممرّكم لمقرّكم. ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم. وأخرجوا من الدّنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم. ففيها اختبرتم، ولغيرها خلقتم. إنّ المرء إذا هلك قال النّاس: ما ترك؟ وقالت الملائكة: ما قدّم؟ للّه آباؤكم فقدّموا بعضا يكن لكم قرضا. ولا تخلفوا كلاّ فيكون فرضا عليكم. (الخطبة ٢٠١، ٣٩٦)

تجهّزوا رحمكم اللّه، فقد نودي فيكم بالرّحيل. وأقلّوا العرجة على الدّنيا. وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزّاد. فإنّ أمامكم عقبة كؤودا، ومنازل مخوفة مهولة. لا بدّ من الورود عليها والوقوف عندها. واعلموا أنّ ملاحظ المنيّة نحوكم دانية. وكأنّكم بمخالبها وقد نشبت فيكم. وقد دهمتكم فيها مفظعات الأمور، ومعضلات المحذور. فقطّعوا علائق الدّنيا واستظهروا بزاد التّقوى. (الخطبة ٢٠٢، ٣٩٦)

ومن كلام له (ع) بالبصرة وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي يعوده، فلمّا رأى سعة داره قال: ما كنت تصنع بسعة هذه الدّار في الدّنيا؟ وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج؟ وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة: تقري فيها الضّيف، وتصل فيها الرّحم، وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة. (الخطبة ٢٠٧، ٤٠٠)

فليقبل امرؤ كرامة (أي نصيحة) بقبولها، وليحذر قارعة قبل حلولها، ولينظر امرؤ في قصير أيّامه، وقليل مقامه. في منزل حتّى يستبدل به منزلا. فليصنع لمتحوّله، ومعارف منتقله. فطوبى لذي قلب سليم. أطاع من يهديه، وتجنّب من يرديه. وأصاب سبيل السّلامة ببصر من بصّره، وطاعة هاد أمره. وبادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه، وتقطّع أسبابه. واستفتح التّوبة، وأماط الحوبة. فقد أقيم على الطّريق، وهدي نهج السّبيل. (الخطبة ٢١٢، ٤٠٨)

فتحرّ من أمرك ما يقوم به عذرك، وتثبت به حجّتك. وخذ ما يبقى لك ممّا لا تبقى له. وتيسّر لسفرك. وشم برق النّجاة، وارحل مطايا التّشمير (أي ضع على المطيّة رحل السفر الذي فيه زادك ومؤونتك). (الخطبة ٢٢١، ٤٢٥)

فاعملوا والعمل يرفع، والتّوبة تنفع، والدّعاء يسمع. والحال هادئة، والأقلام جارية. وبادروا بالأعمال عمرا ناكسا، أومرضا حابسا، أوموتا خالسا. فإنّ الموت... (الخطبة ٢٢٨، ٤٣١)

فعليكم بالجدّ والإجتهاد، والتّأهّب والإستعداد، والتّزوّد في منزل الزّاد. ولا تغرّنّكم... (الخطبة ٢٢٨، ٤٣٢)

فاعملوا وأنتم في نفس البقاء. والصّحف منشورة، والتّوبة مبسوطة. والمدبر يدعى، والمسي‏ء يرجى. قبل أن يخمد العمل، وينقطع المهل، وينقضي الأجل. ويسدّ باب التّوبة، وتصعد الملائكة. فأخذ امرؤ من نفسه لنفسه. وأخذ من حيّ لميّت، ومن فان لباق، ومن ذاهب لدائم. آمرؤ خاف اللّه وهومعمّر إلى أجله، ومنظور إلى عمله. امرؤ ألجم نفسه بلجامها، وزمّها بزمامها. فأمسكها بلجامها عن معاصي اللّه، وقادها بزمامها إلى طاعة اللّه. (الخطبة ٢٣٥، ٤٣٧)

ومن كتاب له (ع) لابن عباس: أمّا بعد، فإنّ المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه. فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها. وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا. وليكن همّك فيما بعد الموت. (الخطبة ٢٦١، ٤٥٨)

وقال (ع) من وصيّته لابنه الحسن (ع): يا بنيّ إنّي قد أنبأتك عن الدّنيا وحالها وزوالها وانتقالها. وأنبأتك عن الآخرة وما أعدّ لأهلها فيها. وضربت لك فيهما الأمثال لتعتبر بها، وتحذوعليها. إنّما مثل من خبر الدّنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب، فأمّوا منزلا خصيبا وجنابا مريعا. فاحتملوا وعثاء (أي مشقة) الطّريق، وفراق الصّديق. وخشونة السّفر، وجشوبة المطعم. ليأتوا سعة دارهم، ومنزل قرارهم. فليس يجدون لشي‏ء من ذلك ألما، ولا يرون نفقة فيه مغرما. ولا شي‏ء أحبّ إليهم ممّا قرّبهم من منزلهم، وأدناهم من محلّتهم. ومثل من أغترّ بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب فنبا بهم إلى منزل جديب. فليس شي‏ء أكره إليهم ولا أفظع عندهم من مفارقة ما كانوا فيه إلى ما يهجمون عليه ويصيرون إليه. (الخطبة ٢٧٠، ٢، ٤٧٩)

واعلم أنّ أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة ومشقّة شديدة. وإنّه لا غنى بك فيه عن حسن الإرتياد، وقدر بلاغك من الزّاد مع خفّة الظّهر. فلا تحملنّ على ظهرك فوق طاقتك، فيكون ثقل ذلك وبالا عليك. وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة، فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه، فاغتنمه وحمّله إيّاه، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه، فلعلّك تطلبه فلا تجده. واغتنم من استقرضك في حال غناك، ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك. واعلم أنّ أمامك عقبة كؤودا. المخفّ فيها أحسن حالا من المثقل. والمبطى‏ء عليها أقبح حالا من المسرع. وأنّ مهبطك بها لا محالة إمّا على جنّة أوعلى نار. فارتد لنفسك قبل نزولك، ووطّى‏ء المنزل قبل حلولك. فليس بعد الموت مستعتب، ولا إلى الدّنيا منصرف. (الخطبة ٢٧٠، ٢، ٤٨١)

واعلم يا بنيّ أنّك إنّما خلقت للآخرة لا للدّنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت لا للحياة. وأنّك في منزل قلعة (أي لا يدري ساكنه متى ينتقل عنه) ودار بلغة (أي تؤخذ منها الكفاية للآخرة) وطريق إلى الآخرة. وأنّك طريد الموت الّذي لا ينجومنه هاربه، ولا يفوته طالبه، ولا بدّ أنّه مدركه. فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيّئة، قد كنت تحدّث نفسك منها بالتّوبة، فيحول بينك وبين ذلك. فإذا أنت قد أهلكت نفسك. (الخطبة ٢٧٠، ٣، ٤٨٣)

ومن الفساد إضاعة الزّاد (زاد التقوى) ومفسدة المعاد. (الخطبة ٢٧٠، ٣، ٤٨٦)

ومن كتاب له (ع) الى الأسود بن قطيبة: واعلم أنّ الدّنيا دار بليّة، لم يفرغ صاحبها فيها قطّ ساعة إلاّ كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة (المقصود بالفراغ هنا هوخلووقت الانسان من عمل مفيد). (الخطبة ٢٩٨، ٥٤٥)

الصّدقة دواء منجح، وأعمال العباد في عاجلهم، نصب أعينهم في آجلهم. (٦ ح، ٥٦٦)

وقال (ع) وقد لقيه عند مسيره الى الشام دهاقين الأنبار، فترجّلوا له واشتدوا بين يديه، فقال: ما هذا الّذي صنعتموه؟ فقالوا: خلق منّا نعظّم به أمراءنا. فقال (ع): واللّه ما ينتفع بهذا أمراؤكم وإنّكم لتشقّون على أنفسكم في دنياكم، وتشقون به في آخرتكم. وما أخسر المشقّة وراءها العقاب، وأربح الدّعة معها الأمان من النّار. (٣٧ ح، ٥٧٢)

طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن اللّه. (٤٤ ح، ٥٧٤)

كلّ معدود منقض، وكلّ متوقّع آت. (٧٥ ح، ٥٧٧)

آه من قلّة الزّاد، وطول الطّريق، وبعد السّفر، وعظيم المورد. (٧٧ ح، ٥٧٨)

إنّ الدّنيا والآخرة عدوّان متفاوتان، وسبيلان مختلفان. فمن أحبّ الدّنيا وتولاّها أبغض الآخرة وعاداها. وهما بمنزلة المشرق والمغرب، وماش بينهما، كلّما قرب من واحد بعد من الآخر. وهما بعد ضرّتان. (١٠٣ ح، ٥٨٣)

شتّان ما بين عملين: عمل تذهب لذّته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره. (١٢١ ح، ٥٨٧)

... وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء. (١٢٦ ح، ٥٨٩)

الأمر قريب والإصطحاب قليل. (١٦٨ ح، ٥٩٩)

الرّحيل وشيك. (١٨٧ ح، ٦٠٠)

وبادروا الموت الّذي إن هربتم منه أدرككم، وإن أقمتم أخذكم، وإن نسيتموه ذكركم. (٢٠٣ ح، ٦٠٣)

بئس الزّاد إلى المعاد، العدوان على العباد. (٢٢١ ح، ٦٠٦)

مرارة الدّنيا حلاوة الآخرة، وحلاوة الدّنيا مرارة الآخرة. (٢٥١ ح، ٦١١)

النّاس في الدّنيا عاملان: عامل عمل في الدّنيا للدّنيا، قد شغلته دنياه عن آخرته. يخشى على من يخلفه الفقر ويأمنه على نفسه، فيفني عمره في منفعة غيره. وعامل عمل في الدّنيا لما بعدها، فجاءه الّذي له من الدّنيا بغير عمل، فأحرز الحظّين معا، وملك الدّارين جميعا، فأصبح وجيها عند اللّه، لا يسأل اللّه حاجة فيمنعه. (٢٦٩ ح، ٦٢٠)

من تذكّر بعد السّفر استعدّ. (٢٨٠ ح، ٦٢٣)

وروي أنه (ع) قلّما اعتدل به المنبر، الا قال أمام الخطبة: أيّها النّاس، اتّقوا اللّه فما خلق امرؤ عبثا فيلهو، ولا ترك سدى فيلغوا. وما دنياه الّتي تحسّنت له بخلف من الآخرة الّتي قبّحها سوء النّظر عنده. وما المغرور الّذي ظفر من الدّنيا بأعلى همّته كالآخر الّذي ظفر من الآخرة بأدنى سهمته. (٣٧٠ ح، ٦٤٠)

وقال (ع) لجابر بن عبد اللّه الأنصاري: يا جابر، قوام الدّين والدّنيا بأربعة: عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلّم، وجواد لا يبخل بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه. فإذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلّم، وإذا بخل الغنيّ بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه. (٣٧٢ ح، ٦٤١)

... ومن عمل لدينه كفاه اللّه أمر دنياه. (٤٢٣ ح، ٦٥٢)

الدّنيا خلقت لغيرها، ولم تخلق لنفسها. (٤٦٣ ح، ٦٥٩)

مقتبس من كتاب تصنيف نهج البلاغة

****************************