أ - ألفاظ الحلال والحرام وما يتعلق بهما:
الحرام:
من الألفاظ التي ذكرها امير المؤمنين التي بلغ عدد مرات استعمالها في نهج البلاغة عشر مرات.
والحرام: "نقيض الحلال: وجمعه حرم [١]، قال الاعشى:
مهاوي النهار لجاراتهم ***** وبالليل هن عليهم حُرم [٢]
وفي الشرع "ما ينتهض فعله سبباً للعقاب" [٣] وقد الزاهد خبراً نقله ثعلب عن ابن الاعرابي جاء فيه ان البُسل: الحرام [٤] .
وقد استعمل هذا اللفظ بالحبشية بمعنى سور سورا، كما استعمل بالسريانية والعبرية بمعنى وضع فلان الشيء لا بمعناه الحبشي الاصلي [٥] .
وهذا يدل على أنَّ للفظ الحرام دلالة على المنع قوية كقوة السور الذي يصد الشيء ويمنع عن وصول ما فيه اوبمعنى الوضع الذي هوغير الاصل، المتأصل بمفاهيمه وقد جاء هذا اللفظ في قوله : (بئس الطعام الحرام وظلم الضعيف أفحش الظلم)٦/٢٣٠.
وهذا من قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [٦] .
الحـلال:
من الألفاظ التي ذكرها امير المؤمنين التي بلغ عدد مرات استعمالها في نهج البلاغة سبع مرات.
والحلال في اللغة ضد الحرام، حَلّ يَحِلُّ حلاّ وأحَلَّهُ الله وحَلَله [٧].
وفي الشريعة "ما اطلق الشرع فعله مأخوذ من الحل، وهوالفتح" [٨] وهو(مااباحه الكتاب والسنة بسبب جائز مباح) [٩].
فالحلال اعم من المباح، وقد فرق ابوهلال العسكري بينهما فقال: "ان الحلال هوالمباح الذي أباحَه الشّرع، والمباح لا يعتبر فيه ذلك نقول المش في العرق مباح ولا نقول حلال، والحلال خلاف الحرام والمباح خلاف المحظور وهوالجنس الذي لم يرغب فيه" [١٠] .
فالحلال يتضمن المباح الشرعي وزيادة، وقد جاء هذا اللفظ في قوله : (ووقفْتكُم على حدود الحلال والحرام) ٦/٢٣٨.
الربـا:
من الألفاظ التي ذكرها امير المؤمنين ، التي بلغ عدد مرات استعمالها في نهج البلاغة ثلاث مرات.
ربا يربوربوء ورباء: زاد ونما، وأرْبَيتُه. وفي التنزيل العزيز(وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [١١] ومنه اخذ الربا [١٢] .
وفي الشرع هو" بالزيادة دون وجه، وباعتبار الزيادة قال تعالى: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ) وثنّه بقوله: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [١٣] .
فالربا من الألفاظ الشرعية التي تخصصت بالاسلام بالزيادة غير الشرعية. وقد جاء هذا اللفظ في قوله : (والرِّبا بالبيع)٩/٢٠٥.
القصـاص:
استعملت كلمة (القصاص) في نهج البلاغة مرتين. ذكر ابن منظور [١٤] ان القصاص والقصاصات والقُصاصات القَودُ وهوالقتل بالقتل او الجرح بالجرح.
هذا في اللغة وشرعاً "هوان يفعل الفاعل مثل ما فعل" [١٥] وقد جاء هذا اللفظ في قوله : (والقصاص حقناً للدِّماء) ١٩/٨٦.
وهذا من قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُوْلِي الأَلْبَابِ) [١٦].
وقال ابن عباس: "كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله عزَّوجل لهذه الامة (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوف) [١٧] .
فالقصاصِ من الألفاظ الشرعية الإسلامية.
الحـدود:
من الألفاظ التي ذكرها امير المؤمنين ، التي ورد استعمالها في نهج البلاغة مرة واحدة.
والحدود جمع حد والحد في اللغة المنع، وحدود الله تعالى من الاشياء التي تبين تحريمها وتحليلها، وامر ان لا يتعدى شيء منها فيتجاوز إلى غير ما امر فيها اونهى عنه منها، ومنع مخالفتها [١٨].
وفي الشرع "هي عقوبة مقدرة وجبت حقاً لله تعالى" [١٩] اوهي "زواجر وضعها الله تعالى للردع عن ارتكاب ما خطر ترك ما امر لها في الطبع من مغالبة الشهوات الملهية عن وعيد الآخرة بعاجل اللذة، فجعل الله تعالى من زواجر الحدود وما يردع به ذا الجهالة حذراً من ألم العقوبة وخيفة من نكال الفضيحة..." [٢٠] .
وذكر التهانوي [٢١] ان الحد عند الاصوليين مرادف للمعرفة بالكسر وهوما يميز الشيء عن غيره، وذلك الشيء يسمى محدوداً. فالحد هوالفاصل بين الحلال والحرام، كالشيء الذي يفصل بين اثنين ولذلك قال امير المؤمنين : (واقامة الحدود على مستحقيها) ٧/١٦٧.
السـحت:
من الألفاظ التي استعملت في نهج البلاغة مرة واحدة.
والسحت في اللغة كلُّ حرام قبيح الذّكر، وقيل هوما خُبث من المكاسب، فحرم فلزم عنه العار، وقبيح الذكر كثمن الكلب والخمر والخنزير، والجمع أسحات، واذا وقع الرجل فيها، قيل: قد اسحت الرجل: والسحت: الحرام الذي لا يحل كسبه، لانه يسحت البركة أي يذهبها [٢٢] .
فالسحت على هذا المعنى اعم من الحرام، وقد فرق ابوهلال العسكري بينهما فقال: "السحت مبالغة في صفة الحرام، ولهذا يقال حرام سحت ولا يقال له سحت حرام، وقيل السحت يفيد انه حرام ظاهر، فقولنا حرام لا يفيد انه سحت وقولنا سحت يفيد انه حرام ويجوز ان يقال ان السحت الحرام الذي يستأصل الطاعات من قولنا سحته اذا استأصله، ويجوز ان يكون السحت الحرام الذي لابركة له فكأنه مستأصل، ويجوز ام يكون المراد به ان يستأصل صاحبه" [٢٣] .
فالسحت يطلق عليه ما هوموصوف بالحرام شرعاً ومبالغ في تحريمه، وقد جاء هذا اللفظ في قوله : (فيستحلون الخمر بالنبيذ والسحت بالهدنة، والربا بالبيع) ٦/٣٩٨.
الكفارة :
من الألفاظ التي ذكرها امير المؤمنين مرة واحدة في نهج البلاغة.
والكفارة في اللغة: ما كفّر به من صدقة اوصوم اونحوذلك، قال بعضهم: كأنه غطى عليه بالكفارة [٢٤] .
وفي الشرع: "اسقاط ما لزم على الذمة بسبب الذنب والجناية" [٢٥] .
وعلى هذا المعنى فالكفارة تكفر عن الذنب بإسقاط الذنب عنه والستر عليه من عواقبه، وهي لفظ اسلامي لم يكن له مدلول قبل الاسلام وقد جاء هذا اللفظ في قوله : (من كفّارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف وتنفيس عن المكروب) ٨/١٣٥.
ب - ألفاظ المعاملات:
الوارث:
بلغت ألفاظ هذه المجموعة خمس كلمات. والوارث في اللغة [٢٦] من ورثه المال وورثته منه وعنه، وحُرْث الارث والميراث واورثنيه وورثنيه وهم الورثة والورَّاث، والوارث: الذي يرث غيره.
وقد مر هذا اللفظ في صفات الله عزَّوجل، ولكن الفارق بين الصفتين ان الوارث في صفات الله عزّوجل يقع عليه لفظ ومعنى وفي صفات الانسان لفظ لا معنى ذلك "ان لخالقنا عزَّوجل اسامي قد تقع تلك الاسامي على بعض خلقه في اللفظ لا على المعنى" [٢٧] .
قد جاء في صفات الله عزّوجل في قوله تعالى: (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) [٢٨] وقد سمى الله من يرث الميت ماله وارثاً فقال عزَّوجل: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) [٢٩] .
وقد جاء هذا اللفظ في قوله : (لكل امرئ في ماله شريكان: الوارث والحوادث) ١٩/٢٥١.
والميراث جمعه مواريث [٣٠] كما جاء في قوله : (واموالهم ميراثاً) ١٣/٦.
وما يميز لفظ (المواريث) انها لم ترد في القران الكريم بهذه الصفة، وان جاءت في الاحاديث النبوية الشريفة. وقد بلغ عدد مرات استعمالها في نهج البلاغة مرتين، كما جاء في قوله : (واما نقصان حظوظهن فموارثيهن على الانصاف من مواريث الرجال)٦/٢١٤.
الجزية والخراج:
من الألفاظ التي ذكرها امير المؤمنين في نهج البلاغة مرة واحدة.
الجزية في اللغة: خراج الارض، والجمع جزىً وجِزْيُّ [٣١].
وفي الاصطلاح: "المال الذي يوضع على الذمي ويسمى بالخراج وخراج الرأس" [٣٢] .
وهذا المال الذي يوضع على الرأس يسقط بالاسلام، وثبت بنص القرآن لقوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [٣٣] ، وكانوا اهل الذمة بحكم ماكانوا يتمتعون به من تسامح المسلمين معهم ومن حمايتهم لهم، يدفعون الجزية، كل واحد منهم بحسب قدرته- فكان لا يدفعها- الرجل القادر على حمل السلاح، ولا يدفعها ذووالعاهات، ولا المترهبون واهل الصوامع الا اذا كان لهم يسار [٣٤].
وقد جاء هذا اللفظ في قوله : (ومنها اهل الجزية والخراج من اهل الذمة ومسلمة الناس) ١٧/٤٨.
(وان الجزية موضوعة على الرؤوس)١/٩٦،٩٧.
الخراج:
اما الخراج فهوشيء يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدر معلوم [٣٥].
وعلى هذا المعنى فالجزية والخراج يلتقيان في ثلاثة اوجه ويفترقان من ثلاثة اوجه:
يلتقيان بأن كلاً منهما مأخوذ عن مشرك صغاراً له وذلة، وانهما ما لا فيء يصرفان في اهل الفيء، وانهما يجبان بحلول الحول ولا يستحقان قبله.
ويفترقان بأن الجزية ثبتت بنص القرآن الكريم والخراج لم يرد بنص القرآن الكريم، وان الجزية تسقط بحدوث الاسلام، والخراج يؤخذ مع الكفر والاسلام، والجزية اسمها مشتق اسمها من الجزاء على كفرهم لأخذها منهم صغاراً، واما جزاء على الامانة لهم لأخذها منهم رفقاً، واما الخراج فهوعلى الاراضي [٣٦] .
وقد جاء اللفظان في قوله : (ومنها اهل الجزية والخراج من اهل الذمة ومسلمة الناس) ١٧/٤٨.
الخمـس:
لقد استعملت هذه اللفظة في نهج البلاغة مرة واحدة.
والخمس في اللغة: اخذ خمس اموالهم، وخمَّسهم اخمسُهم، بالكسر اذا كنت خامسهم اوكملتهم خمسة بنفسك وفي حديث عدي بن حاتم: "ربعت في الجاهلية وخَمسْتُ في الاسلام، يعني قدت الجيش في الحالتين لأن الامير في الجاهلية كان يأخذ الرُّبُع من الغنيمة، وجاء الاسلام فجعله الخُمْسَ" [٣٧] .
وعلى هذا المعنى فالخُمْسَ لفظ اسلامي جاء به الاسلام بما يحمله من دلالة عملاً بالآية الكريمة قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [٣٨] .
وقد ذكر الماوردي [٣٩] ان اول غنيمة خمسها رسول الله بعد بدر غنيمة بني قينقاع. ثم بدأ ذلك الامام بإخراج الخمس من الغنيمة [٤٠] .
لذا قال امير المؤمنين : (والخمس فوضعه الله حيث وضَعه)١٩/١٥٨.