وقال (عليه السلام): الغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ.                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
الكلمات القصار للإمام علي علیه السلام – الثاني

۳۰-  الإیمان على أربع دعائم : على الصبر والیقین والعدل والجهاد.

والصبر منها على أربع شعب: على الشوق والشفق والزهد والترقب. فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، من أشفق من النار اجتنب المحرمات، من زهد في الدنیا استهان بالمصیبات، من ‏ارتقب الموت سارع إلى الخیرات.

والیقین منها على أربع شعب: على تبصره الفطنة، تأول الحكمة، موعظه العبرة، سنة الأولین.فمن تبصر في الفطنة تبینت له الحكمة، من تبینت ‏له الحكمة عرف العبرة، من عرف العبرة فكأنما كان في الأولین.

والعدل منها على أربع شعب: على غائص الفهم وغور العلم، زهرة الحكم، رساخة الحلم.فمن فهم علم غور العلم، من‏علم غور العلم صدر عن شرائع الحكم، من حلم لم یفرط في‏ أمره وعاش في الناس حمیدا.

والجهاد منها على أربع شعب: على ‏الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، الصدق في المواطن، شنآن الفاسقین، فمن أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنین، من‏ نهى عن المنكر أرغم أنوف المنافقین، من صدق في المواطن قضی ‏ما علیه، من شنى‏ء الفاسقین وغضب لله غضب الله له وأرضاه یوم ‏القیامة.

كل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله یسمى مسلم، تجري علیه أحكام الإسلام، كالإرث والزواج والدیة سواء أنطق بهذه الشهادة عن علم أم جهل، عن صدق أم نفاق.. وفي صدر الاسلام كانت كلمت: المؤمن والمسلم مترادفتین ومتقاربتین في المعنى، قد أطلق القرآن كلمة المؤمنین‏على المسلمین، خاطب الجمیع بیا أیها الذین آمنوا في العدید من آیاته.

وهناك آیة تشترط في المؤمن الحق معرفة القلب، خشوعه لذكر الله، خوفه‏ منه، توكله علیه مع إقامة الصلاة وإیتاء الزكاة، هي قوله تعالى: ﴿انما المؤمنون الذین اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تلیت علیهم آیاته زادتهم ایمانا وعلى ربهم یتوكلون الذین یقیمون الصلاة ومما رزقناهم ینفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كریم﴾ ٤ ـ الأنفال.

وفي معنى ‏هذه الآیة وقریب منه قول الإمام: الایمان معرفه بالقلب، إقرار باللسان، عمل بالأركان.

ووجه الجمع بین هذه الآیة وغیرها من الآیات التي أطلقت كلمة المؤمن على ‏كل من نطق بالشهادتین هو ان هذا الناطق یعامل في الدنیا معاملة المسلم لمجرد النطق وكفي، في الآخرة یعامل على أساس القول والعمل مع، لا یكتفي منه ‏ بمجرد النطق. ومهما یكن فإن الإمام هنا لا یتكلم عن الایمان من حیث هو وعلى‏ وجه العموم والشمول، بل عن ایمان خاص یأتي بعد العصمة من غیر فاصل بدلیل ‏انه جعل العدل من دعائمه، لیس من شك ان الایمان أعم، العدل أخص.

وهذا الایمان الذي یتكلم عنه الإمام یقوم على أربع دعائم، هي :

۱ـ الصبر، له أربع علامات : الأولى الشوق الى رحمه الله وجنته. ومن‏ البداهة أن من تطلعت نفسه الى نعیم الآخرة انصرف بجمیع كیانه عن الدنیا وزینتها.

الثانیة الشفق أي الخوف من عذاب النار، من خاف من شی‏ء ابتعد عما یؤدي ‏الیه.

العلامة الثالثة اللامبالاة بالدنیا وأشیائه، أقبلت أم أدبرت، سالمت أم ‏حاربت.

الرابعة العدة والتأهب للموت بالتقوى والعمل الصالح.

۲ـ الیقین الصادق الثابت، أیضا له أربع علامات :

الأولى الثقة بكل ما یصدر عنه، كما قال الإمام في الرساله ٦۱: (اني لعلى بصیرة من نفسي ویقین‏ من ربي). (وفي الخطبة ٤ ) :ما شككت في الحق مذ رأیته.

الثانیة معرفة الحقائق على وجهه، كتنزیه الباري عن المادة والزمان والمكان والتشبیه والتعطیل ‏والجهل والظلم، كالعلم بالشریعة وأسرارها وبالبدع وآثارها.

العلامة الثالثة الاتعاظ بالعبر والانتفاع بالنذر.

الرابعة العمل بسنة السلف الصالح.

۳-  العدل، علاماته أربع: الأولى(غور العلم) أي أسراره ودقائقه.

الثانیة (غائص الفهم) أي تطبیق العلم على موارده، لا یكفي مجرد الحفظ والاطلاع، القدرة على الجدل واستخدام البراهین.

العلامة الثالثة (زهرة الحكم) وهي وضوحه لكل الناس في الفصل بین الحق والباطل.

الرابعة (رساخة الحلم) بحیث إذا غضب العادل فلا یخرجه الغضب من الحق ولا یدخله في الباطل.

٤-  الجهاد، له أربع علامات: الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، الصبر والثبات في میدان القتال، كراهیة الظلم والفساد.

وكل هذه الدعائم التی ذكرها الإمام، العلامات لكل دعامة ـ تدل دلالة قاطعة على أنه یتحدث عن الإیمان الكامل المتاخم للعصمة ، كما أشرنا.

۳۱-  الكفر على أربع دعائم : على التعمق والتنازع والزیغ ‏والشقاق، فمن تعمق لم ینب إلى الحق ومن كثر نزاعه بالجهل دام ‏عماه عن الحق.

ومن زاغ ساءت عنده الحسنة وحسنت عنده السیئة وسكر سكر الضلالة.  ومن شاق وعرت علیه طرقه وأعضل علیه‏ أمره، ضاق علیه مخرجه.  والشك على أربع شعب: على التماری‏ والهول والتردد والاستسلام، فمن جعل المراء دیدنا لم یصبح ‏لیله. ومن هاله ما بین یدیه نكص على عقبیه.  ومن تردد في‏ الریب وطئته سنابك الشیاطین. ومن استسلم لهلكه الدنیا والآخرة هلك فيهما. للكافر عند المسلمین أصناف، منها أن یجحد الخالق من الأساس، یؤمن ‏به وینكر الیوم الآخر، یؤمن بهما معا وینكر نبوة محمد صلى الله علیه وآله وسلم.

ومنها أن ‏یجعل مع الله إلها آخر، ینسب الیه صاحبه وولد، منها أن یغالي في مخلوق ‏وینعته بصفة من صفات الخالق، ینصب العداء لأهل بیت الرسول صلى الله علیهم وآله وسلم، منها أن ینكر ضرورة دینیة ثبتت بإجماع المسلمین، كوجوب الصوم والصلاة، تحریم القتل والسلب والنهب.

وأشار الإمام الى أصناف الكافر بقوله: (الكفر على أربع دعائم) وهي:

۱ـ التعمق، المراد به اقتحام السدود المضروبة دون الغیب كالبحث عن‏ ذات الله سبحانه وكنهه، تقدم ذلك في شرح الخطبة ۸۹، جاء فيه: (إن ‏الراسخین في العلم هم الذین أغناهم عن اقتحام السدود المضروبة دون الغیوب‏ الإقرار بجملة ما جهلوا تفسیره من الغیب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم یحیطوا به علم، سمى تركهم التعمق فيما لم یكلفهم البحث عن ‏كنهه رسوخ) .

۲ـ التنازع، أي الجدال في الله بغیر علم ولا هدى ولا كتاب منیر، كما في الآیة ۸ من سورة الحج.

۳ـ الزیغ، هو الانحراف عن الحق الذي یشمل الجحود بالله والنصب‏ والمغالاة.

٤ـ الشقاق، أي إنكار الحق عنادا ومكابره، یصدق هذا فيما یصدق على‏ منكر الضرورة.

(فمن تعمق لم ینب الى الحق) المراد بلم ینب لم یرجع، المعنى من بحث‏عن ذات الله وكنهه یبقى حائرا مدى عمره، لا یرجع الى رشده إطلاق، لأن ‏المحدود لا یدرك غیر المحدود (ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق)لا شی‏ء وراء الجدال والنقاش بالجهل إلا الحیرة والضلال، أما الجدال مع العلم ‏بالحق وإخفائه فهو نفاق وكذب متعمد (ومن زاغ الخ)..عن طریق الهدى رأى الخیر شر، الشر خیر (ومن شاق الخ)..أي تمرد على الحق فقد ركب الصعب وسلك مسالك التهلكة، لن یجد فرجا ولا مخرجا.

(والشك على أربع شعب):

الأولى التماری، معناه الجدال بلا تعمق، المراد به هنا السفسطة واللعب بالألفاظ البراقة التي تریك المستحیل ممكن، الممكن ‏مستحیلا.

الثانیة الهول، أي الخوف من الوقوع في الخط، الخائف ینفر من‏ خیاله، یحسبه عدوا جاء لاغتیاله.

الثالثة التردد في العزم والنیة، من كان ‏هذا حاله لا یأتي بخیر.

الرابعة الاستسلام لكل راكب وقائد الى الهلاك والدمار.

۳۲-  فاعل الخیر خیر منه، فاعل الشر شر منه.

كل ما فيه جهه صلاح للناس بلا ضرر على أحد فهو خیر، كل ما فيه ‏جهه فساد بلا نفع وكان ضره أكثر من نفعه فهو شر.

ولیس من شك ان‏ الفاعل علة للفعل، العله أقوى وأكمل من المعلول، لأن لها من الصفات الذاتیة ما لا یظهر ولا یمكن أن یظهر في المعلول أي أن في العلة ما في المعلول وزیادة.

وغیر بعید أن یكون مراد الإمام مجرد الحث على فعل الخیر وترك الشر، لیس ‏من قصده التفاضل بین الفعل وفاعله.

۳۳-  كن سمحا ولا تكن مبذر، وكن مقدرا ولا تكن‏ مقترا.

المبذر: ینفق المال فيما لا ینبغي، المقدر: یقدر العواقب، فينفق دون ‏ما یكسب، یدخر الفاضل لوقت الحاجة، على الأقل قدرا بقدر.

والمقتر: یضیق في النفقة على نفسه وعیاله بلا ضرورة، السمح هو السهل اللین لا یقتر ولا یبذر، یضع كل شی‏ء في محله، المعنى: كن بین بین، كما نطقت الآیة۲۹ من سوره الإسراء: ﴿ولا تجعل یدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل ‏البسط فتقعد ملوما محسور﴾.

۳٤-  أشرف الغنى ترك المنى.

كل إنسان یتمنى أن تكون له زوجة صالحة وولد بار، أن یكون عالما عاقل، سلیما معافي، غنیا عن الناس. وهذا النوع من التمني لا یوصف‏ بخیر ولا بشر، لأنه لازم قهري لطبیعة الإنسان وفطرته، أما الذي یتمنى العفو والرحمة من الله، الخیر لكل الناس، ان یمحق الله الظلم وأهله فهو من الطیبین ‏الأخیار. ولیس من شك ان النبي وعلیا وصالح المؤمنین تمنوا الهدایة للناس اجمعین.

وعلیه فالإمام یتكلم عن التمني الذي هو بالحمق أشبه، كالطمع في غیر مقبل.

وعلى أیة حال فإن التمني لا یجلب نفع، لا یدفع ضر.

وقد یخدع الشهوات ‏ویخدرها الى حین، كما قال المتنبي :

منى ان تكن حقا تكن أحسن المنى‏ ***** وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا

۳٥-  من أسرع إلى الناس بما یكرهون قالوا فيه بما لا یعلمون.

من أساء الى الآخرین ذموه بالحق وبالباطل، اتخذ منهم أعداء لنفسه، البادي ‏أظلم، بل من ادعى ما لیس فيه مقته الناس، ذموه بأكثر مما یستحق.

۳٦- من أطال الأمل أساء العمل.

الأمل هو الطاقة المحركة لحیاه الانسان، القوة الدافعة له على العمل. فالتاجر یفتح حانوته أملا بالربح، الفلاح یزرع أملا بالحصاد، الطالب یجد ویجتهد أملا بالنجاح.. وهكذا، من هنا قال الإمام: طول الأمل، لم یقل الأمل.

ولیس من شك ان طوله ینسی الموت، ان الانسان في طریقه الى الرحیل، من نسي هذا المصیر تحدى جمیع القیم، تعالى على الحق والعدل عنادا واستكبارا.

۳۷ – والله ما ینتفع بهذا أمراؤكم. وإنكم لتشقون به على أنفسكم‏ فی دنیاكم. وتشقون به في آخرتكم، ما أخسر المشقة وراءها العقاب. وأربح الدعة معها الأمان من النار.

قال الشریف الرضی: مر الإمام في طریقه الى حرب معاویة بمكان من بلاد العراق یسمى الأنبار، لما رآه زعماء الفلاحین نزلوا عن خیولهم وأسرعوا بین ‏یدیه، فاستنكر ذلك وقال: ما هذا الذی صنعتموه؟ قالو: خلق منا نعظم‏ به أمراءنا.

فقال: وأیة جدوى لكم ولأمرائكم بهذا التقلید البغیض؟انه تعب‏ ونصب علیكم في الدنی، شقاء وإرزاء في الآخرة.

(وما أخسر المشقة وراءها عقاب).

أخسر الناس صفقة من أتعب نفسه في‏ دنیاه، شقي في آخرته (واربح الدعة معها الأمان من النار).

النعمة الكبرى‏أن تعیش دنیاك في هدوء وطمأنینة، أن تأمن في آخرتك من عذاب النار وغضب ‏الجبار..اللهم إنا في هذه النعمة لراغبون، أنت الوسیلة الیها وحدك لا شریك لك.

۳۸-  یا بني احفظ عني أربعا وأربعا لا یضرك ما عملت معهن: أغنى الغنى العقل. وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق.یا بني إیاك ومصادقة الأحمق فإنه ‏یرید أن ینفعك فیضرك. وإیاك ومصادقة البخیل فإنه یبعد عنك ‏أحوج ما تكون إلیه، إیاك ومصادقة الفاجر فإنه یبیعك بالتافه. وإیاك ومصادقة الكذاب فإنه كالسراب یقرب إلیك البعید ویبعد علیك القریب. وتسأل: لماذا قال: أربعا وأربع، لم یقل: ثماني وصایا؟.

وأجاب بعض الشارحین بأن الأربع الأولى تعود الى ذات الانسان من حیث‏ هو، الثانیة من حیث سلوكه مع الناس!.. وهذا مجرد حدس وتكهن، الأقرب حمل الكلام على التوكید والتحقیق، مهما یكن فالمعنى واحد، الوصایا الثمانیة هی:

۱ـ العقل، لیس المراد به هنا عقل اینشتاین وادیسون وغیرهما من العقول‏ الریاضیة، بل المراد العقل الذي یقدر العواقب، یدفع بصاحبه الى التواضع ‏وفعل الخیرات، یبتعد به عن الرذائل والمهلكات كالكذب والظلم والعجب، ما الى ذلك.

۲ـ الحمق، هو ضد العقل الذي أشرنا الیه، الأحمق أفقر الفقراء، لا ینتفع بعظه، لا یستفید من تجربة، یتعجل الأمور بلا رویة، لا یدرك عواقبها إلا بعد الفوات.

۳ـ العجب، هو جهل وصلافة، المعجب بنفسه ثقیل على كل قلب، لذا یعیش غریبا بین قومه.

قال الإمام في الرسالة ۳۰: الغریب من لم یكن له‏ حبیب.

٤ـ حسن الخلق، أساسه الصبر والرفق وسعة الصدر، البعد عما یشین‏ الكرام وأهل المروءات.

٥ـ مصادقة الأحمق، لأنها تضر ولا تنفع..انه ینصحك بصدق وإخلاص‏ ولكن بلا عقل ولا علم.

٦ـ مصادقة البخیل، لأنه ضنین بالحق والوفاء.. یأخذ منك ولا یعطیك إلا التجاهل والخذلان.

۷ـ مصادقة الفاجر، لأنه لا یعرف ولا یتعرف إلا على صكوك البیع والشراء ویعقد الصفقات مع الشیطان على دینه ووطنه، فلا بدع اذا باع صدیقه بأبخس ‏الأثمان.

۸ـ مصادقة الكذاب، لأنها نفاق وریاء، تلبیس وتضلیل تریك الممكن ‏مستحیل، المستحیل ممكنا.

۳۹-  لا قربه بالنوافل إذا أضرت بالفرائض.

النافلة یرجح فعلها ویجوز تركه، الفریضة یجب فعلها ویحرم تركه، فإن‏أمكن الجمع بین الاثنتین فذاك. وكلام الإمام منصرف عن هذه الحال، لأنها من الوضوح بمكان، إن تعذر الجمع ولم تسنح الفرصة إلا لواحد دون الآخرـ كما هو الفرضـف الواجب أولى وأهم، مثال ذلك في العبادة أن یتسع‏الوقت للفریضة فقط فتقدم على النافله بلا ریب، مثاله في غیر العبادة أن لا یتسع المال إلا لوفاء الدین فیقدم على الصدقة.

هذه هي القاعدة كمبدأ ومنهج، على المجتهد أن یفرع ویطبق.

والتفصیل في كتب الفقه.

 ٤۰-  لسان العاقل وراء قلبه، قلب الأحمق وراء لسانه.

اللسان ترجمان القلب وانعكاس عنه، وظیفة المترجم أن یصغي ویعقل عن‏ المترجم عنه، ثم یحكي ویروي ما سمع ووعى بالحرف الواحد، فإن غیر وبدل ‏فقد خان، إن سبق ونطق قبل أن یسمع ویتدبر فهو مجنون، لأن الغیب لله ‏وحده.. وهكذا یسرع الأحمق ویتعجل القول قبل أن یتدبره في عقله وقلبه، قبل أن یعرف العواقب، أما العاقل فیخزن لسانه، لا یقول إلا بعد الرویة والتفكیر والعلم بالعاقبة وانها له لا علیه.

وتقدم مثله في الخطبة ۱۷٤ ولكن الإمام‏ ذكر هناك المؤمن مكان العاقل هن، المنافق مكان الأحمق.

ویومى‏ء هذا الى ان ‏الإیمان لا یستقیم إلا مع العقل.

وفي الحدیث الشریف: أصل دیني العقل.

٤۱-  جعل الله ما كان من شكواك حظا لسیئاتك، فإن‏ المرض لا أجر فیه ولكنه یحط السیئات، یحتها حت الأوراق.

وإنما الأجر في القول باللسان والعمل بالأیدی والأقدام.

وإن الله سبحانه یدخل بصدق النیه والسریرة الصالحة من یشاء من‏عباده الجنة.

المراد بالشكوى هنا المرض.

وكان بعض أصحاب الإمام مریضا فقال له: (جعل الله ما كان من شكواك الخ)..یستحق الإنسان الأجر والثواب على ‏خیر یؤدیه ویفعله مختار، لا على ما یحدث له قهرا كالمرض، فإنه تماما كالطول‏ والقصر..أجل، قد یكون المرض مع الرضا بقضاء الله سببا للتخفیف من وطأة الذنوب وزوال أثرها والعذاب علیه، لأن المرض ضرب من العذاب.

هذا عن الثواب الذي كتبه الله تعالى على نفسه، جعله حقا لفاعل الخیرات، أما الثواب تفضلا وجودا وكرما فیجوز للمریض ولمن كف أذاه عن الناس، لكل ذي نیة صادقة، غایة صالحة، لذا استدرك الإمام وقال: (وان الله‏ سبحانه یدخل بصدق النیة والسریرة الصالحة من یشاء من عباده الجنة) تفضلا منه وكرم، لأنه أهل العفو والمغفرة، الجود والرحمة.

٤۲-  یرحم الله خباب بن الأرت فلقد أسلم راغب، هاجر طائع، قنع بالكفاف، رضی عن الله وعاش مجاهدا.

قال ابن عبد البر في الاستیعاب: اختلفوا في نسب خباب، الصحیح انه‏ تمیمي النسب، خزاعي الولاء، لحقة سباء في الجاهلیة، فاشترته امرأة من خزاعة وأعتقته، كان حدادا یعمل السیوف، فاضلا قدیم الإسلام، ممن عذب ‏في الله، صبر على دینه، من المهاجرین الأولین، شهد بدرا وما بعدها من ‏المشاهد مع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم.

وقال ابن حجر في الإصابة: روی أنه أسلم‏ سادس سنة، نزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثین.

وقال ابن أبي الحدید: صلى علیه أمیر المؤمنین علیه السلام ودفن في ظهر الكوفة، شهد مع الإمام صفین ‏ونهروان.

وابنه عبد الله قتله الخوارج، فاحتج الإمام علیهم به وطالبهم بدمه.

وأثنى علیه الإمام بهذه الصفات: أسلم راغبا عن بصیره ویقین، صدق‏ وإخلاص، أوذی بالكثیر من عتاة قریش فی سبیل الإسلام، من ذلك أنهم ‏أوقدوا النار على ظهره كي یرتد عن دینه، فثبت وصبر.. ولا جهاد أعظم من ‏الصبر على التنكیل والأذى من أجل الحق ونصرته.

وجاء یوما الى رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وقال له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال له: قد كان من قبلكم ‏یؤخذ فیحفر له، ثم یؤتى بالمنشار فیوضع على رأسه، فیجعل نصفین، یمشطب أمشاط الحدید ما دون لحمه وعظمه ما یصده ذلك عن دینه. والله لیتمن الله‏ هذا الأمر حتى یسیر الراكب الى حضر موت فلا یخاف إلا الله.. ولكنكم تستعجلون.

(وهاجر طائعا). نشأ الإسلام في مكة فتألب علیه صنادید الشرك والطغیان، ساموا أهله سوء العذاب، هم لا یملكون أیة قوة سوى الصبروالثبات، بعد۱۳ سنة من صبرالأحرارعلى البلاء ـ هاجر النبی صلى الله علیه وآله وسلم بالإسلام لیكون قوة رادعة لأهل الضلال، حلقة جدیدة من النضال والتضحیة والفداء، فهاجر معه ‏لهذه الغایة جماعة من الصحابة، منهم خباب، أنشأوا معسكرا للدفاع عن الدین ‏وحمایة المستضعفین، تأدیب المعتدین.

فصدق علیهم قوله تعالى: ان الذین‏آمنوا والذین هاجروا وجاهدوا في سبیل الله أولئك یرجون رحمة الله - ۲۱۸ :البقرة.

(وقنع بالكفاف) رضی من الرزق بما یكفیه ویغنیه عن الناس بلا زیادة، هذه فضیلة من أعظم الفضائل، لأنه بهذا الرضا قدم خباب خدمة كبرى للإنسانیة بعامة، للمعوزین بخاصة حیث ساواهم بنفسه، لو أخذ الزائد عن سد حاجته، تمتع به لكان قد حرم المحتاجین قوتهم الضروري، صدق علیه قول الإمام في‏ الحكمة الآتیة: “فما جاع فقیر إلا بما متع به غنی”.

(ورضی عن الله) أي فرح بجزائه وثوابه (وعاش مجاهدا) یقاتل دفاعا عن الدین، صیانة لأرواح المستضعفین، ضمانا لحریتهم وكرامتهم.

٤۳-  طوبى لمن ذكر المعاد، عمل للحساب، قنع بالكفاف، رضی عن الله.

المراد بذكر المعاد هنا الإیمان بالبعث. ومن لم یؤمن به فلا یجدیه الإیمان بالله‏ شیئ، لأن الإیمان بالله حقا یدخل في مفهومه الإیمان بكل ما یلیق به من صفات‏ الكمال والجلال كالعلم والقدرة على إحیاء العظام وهي رمیم، من كفر بهذه القدرة فقد كفر بالله من حیث یرید ولا یرید..أما دعواه بأنه یؤمن بالله فهي خیال ‏وسراب، لأنه یؤمن بكائن عاجز، العاجز لا یكون إله، بحكم البدیهة.قال‏الإمام الصادق: ربما توهمت انك تدعو الله وأنت تدعو سواه.

(وعمل للحساب). وأیضا مجرد الإیمان بالله والبعث معا لا یجدي نفعا إلا مع العمل الذي ینال علیه العامل أجرا یوم تجد كل نفس ما عملت من خیر محضرا وما عملت من سوء  ـ۳۰ آل عمران.

وبكلمة الإمام جعفر الصادق علیه السلام: “الإیمان عمل كله”. (وقنع بالكفاف، رضی عن الله) تماما كخباب الذي ‏تحدثنا عنه قبل قلیل في الحكمة ٤۲ .

٤٤-  لو ضربت خیشوم المؤمن بسیفي هذا على أن یبغضني ما أبغضني. ولو صببت الدنیا بجماتها على المنافق على أن یحبني ما أحبني. وذلك أنه قضی فانقضى على لسان النبي الأمي‏ صلى الله علیه وآله أنه قال: (یا علي لا یبغضك مؤمن‏ ولا یحبك منافق)  .

قال ابن أبی الحدید: “الخیشوم أقصى الأنف، الجمات جمع جمة مكان ‏یجتمع فیه الماء، مراد الإمام إذكار الناس بحدیث: “یا علي لا یبغضك مؤمن، لا یحبك منافق”.

وبلغ هذا الحدیث عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم حد التواتر المفید للقطع، فلقد نقل‏ بعشرات الطرق والأسانید في العدید من الكتب، ذكر منها صاحب كتاب: الفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ۲ ص ۲۰۷ وما بعده، ذكر من كتب ‏السنة حوالي ۱٦ كتاب، منها صحیح مسلم طبعة بولاق سنة ۱۲۹۰ ه وصحیح الترمذي ج ۲ ص ۳۰۱ طبعة بولاق سنه ۱۲۹۲ وصحیح النسائي ج ۲ ص  ۲۷۱طبعة مصر سنه ۱۳۱۲ ومسند أحمد ج ۱ ص ۸٤ طبعه مصر سنه ۱۳۱۳ ومستدرك ‏الصحیحین ج ۳ ص ۱۲۹ طبعة حیدر آباد سنة ۱۳۲٤ والاستیعاب ج ۲ ص ٤٦٤ طبعة حیدر آباد سنة  ١٣٣٦ .      

٤٥  - سیئة تسوءك خیر عند الله من حسنة تعجبك.

كل منا یخطى‏ء ویسی‏ء، العصمة لأهلها.. والفرق ان بعض الأفراد یصر على الخطأ بعد بیانه، یرفض النقد، بل یزداد إصرارا اذا نبه الى خطئه‏ وإساءته.. ولیس شك في انه مجنون، قال الإمام : “الحدة ضرب من الجنون، لأن صاحبها یندم، فإن لم یندم فجنونه مستحكم”. وقال أیض: أشد الذنوب‏ ما استهان به صاحبه”.

والمنصف العاقل یجابه الواقع بصمود وشجاعة، یعترف بالخط، یصدق مع‏ نفسه ومع الآخرین. وبهذا تصیر سیئته من الحسنات، قال سبحانه عن التوابین: فأولئك یبدل الله سیئاتهم حسنات ۷۰- الفرقان.

وقال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: “من رأى أنه مسی‏ء فهو محسن” والعكس صحیح أي: من رأى انه محسن فهو مسی‏ء، لأنه أفسد إحسانه بالعجب والتیه. ورب كلمة أفسدت الإیمان وقوضته ‏من الأساس.

٤٦-  قدر الرجل على قدر همته، وصدقه على قدر مروءته‏ وشجاعته على قدر أنفته، وعفته على قدر غیرته كثیرا ما تطلق الكلمات من غیر قیاس وتحدید، بالخصوص في عالم الأخلاق ‏والقیم، فیؤدي ذلك الى الخلط وسوء الفهم والتفاهم بین الناس..

وأشار الإمام‏ هنا الى المقیاس الصحیح الذي یجب أن یقاس به قدر الرجل وصدقه وشجاعته‏ وعفته:

۱ـ (قدر الرجل على قدر همته) وثقته بأنه یملك من الطاقات ما یغیربها مجرى الطبیعة والحیاة، انه بالعلم والعمل یصل الى ما هو أفضل وأروع..

وكل من یؤمن بهذه الحقیقة، یعمل بموجبها یجب ان یقاس بها تقدیره وتكریمه‏ أي یحترم ویعظم لعلمه وعمله الى ما هو أتم وأكمل.

وكأن الإمام یومى‏ء بهذا الى نفسه، لأنه المثل الأعلى لبعد الهمة وعلوه، فلقد كان في سن العاشرة حین ‏قال لرسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: أنا یا رسول الله، یوم دعا الرسول الى مائدته صنادید قریش، قال لهم فیما قال: أیكم یوازرني على هذا الأمرعلى أن یكون أخي ‏ووصیي وخلیفتي فیكم.

قال علي:  ان، ما هاب وارتاع من الرؤوس الكبار الذین ‏یملكون الجاه والمال، استخف بهم وبهزئهم وسخریتهم، هو لا یملك إلا همته ومواهبه.

وفي كتاب “عبقریة الإمام” علق العقاد على ذلك بقوله: “فما منعته الطفولة وسن العاشرة أن یعلم أنه قوة لها جوار یركن الیها المستجیر”.

٢- (وصدقه على قدرمروءته) ومعنى المروءة یجمع بین الإیجاب بفعل ما یستوجب المدح والثناء، بین السلب بترك ما یستدعي اللوم والذم، أما الصدق‏هنا فلیس المراد به مطابقة الكلام للواقع بحسب اعتقاد المتكلم وكفى، بل المراد به حسن السلوك الذيي لا یشاب بعیب ونقص، هو بهذا المعنى مرادف للمروءة أو لازم له، لذا یستدل على الصدق بالمروءة، بها علیه.

٣- (وشجاعته على قدرأنفته) والشجاعة تشمل الصمود في القتال، تحمل‏ المسؤولیات، مواجهة الصعاب بقلب ثابت، أیضا تشمل الاعتراف بالخطأ.

والأنفة استنكاف عن الجبن والعار، اذن الشجاعة من لوازم الأنفة، كل واحده منهما تدل على أختها.

٤- (وعفته على قدرغیرته) والعفة تشمل نزاهة الید واللسان، البطن‏ والفرج، لكن المراد بها عفة الفرج فقط لمكان كلمة الغیرة. ویقال: غار الرجل على امرأته أي أنف أن یشاركه الغیر فیه، من كان كذلك ینبغي له أن‏ لا یعتدي على أعراض الآخرین، من هنا قیل: ما زنا غیور قط، معنى ‏هذا ان الزاني لا یكون عفیفا ولا غیور، انه بحكم الدیوث الذي یدخل الرجال‏على زوجته. ویروى ان جماعة من أهل الجاهلیة تركوا الزنا لهذه الغایة.

٤۷-  الظفر بالحزم، والحزم بإجالة الرأي، والرأي بتحصین‏الأسرار.

یشیر الإمام بهذا الى أن التخطیط شرط أساسي للظفر والنجاح، ان أي عمل ‏من غیر تصمیم وتخطیط یذهب سدى، ربما كان ضررا محض. وهذه الحقیقة سمة العصر الحدیث في المجتمعات الاشتراكیة والرأسمالیة على السواء، إنهم یخططون‏ لكل شی‏ء، للانتاج والخدمات والمواصلات..حتى الحمل في بطن امه یخططون ‏له، بل الكذب في صورة دعایة، أیضا له عندهم تخطیط ودراسة.

والشرط الأساسی فی التخطیط الحزم، فسره الإمام بإجاله الرأی أی بالدراسه العلمیه على ان تبقى هذه الدراسه طی الكتمان، لا یعلن عنها إلا بعد التجربه والنجاح التام، لأن الإعلان قبل العلم بالنتیجه حماقه وتنبؤ قبل الأوان، متى‏تمت الدراسه، نجحت التجربه أعلنت على الجمیع لیستفید منها القاصی والدانی، لا یجوز إخفاؤها بقصد الربح والاحتكار، كما هو شأن المستغلین والمستعمرین‏فی هذا العصر وكل عصر.

٤۸-  احذروا صوله الكریم إذا جاع واللئیم إذا شبع.

تتمثل كرامة الكریم في تواضعه للفقراء إذا استغنى، تیهه على الأغنیاء إذا افتقر، في تحمله الكلمة الموجعة من أهل الضعف والقلة وصفحه عند المقدرة، في ثورته وغضبه حین تمس كرامته من قریب وبعید، لأنها لقلبه أشد الجروح‏ إیلاما.أما اللئیم فعلى العكس..إذا استغنى بطر وطغى، ربما ترفع عن رد السلام الواجب على الفقراء، إذا افتقر ذل ووهن.. ولا یبالي بما یقال له ولا بما یفعل به (من یهن یسهل الهوان علیه‏ ما لجرح بمیت إیلام) .

٤۹-  قلوب الرجال وحشیة فمن تألفها أقبلت علیه.

ومثله الحكمة الآتیة: “التودد نصف العقل”. وقال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: “تحبب الى الناس یحبوك.. ثلاث یصفین ود المرء لأخیه: یلقاه بالبشر، یوسع ‏له في المجلس، یدعوه بأحب الأسماء الیه” شریطه أن لا یكون ذلك نفاقا”.

٥۰-  عیبك مستور ما أسعدك جدك.

المراد بالجد هنا الغنى وإقبال الدنی، هي تستر العیوب وتغفر الذنوب عند أبنائها حیث ینظرون الى الأشیاء من خلالها لا من خلال العقل، فمن كان في ‏یده شی‏ء منها ستر عن أعینهم هذره وجهله، جبنه وبخله، ربما رأوا الجهل ‏منه عقل، الضعف حلم، الهذر بلاغه. وتقدم مع الشرح قول الإمام في ‏الحكمة ۸: إذا أقبلت الدنیا على أحد أعارته محاسن غیره.

٥۱-  أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة.

تقدم مثله مرار، آخرها في الحكمة ۱۰: إذا قدرت على عدوك فاجعل ‏العفو شكرا للقدرة علیه.

ولا جدید عندنا نضیفه ونعطفه على ما قلناه هناك.

٥۲- السخاء ما كان ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحیاء وتذمم.

التذمم: الفرار من الذم، التأثم: الفرار من الإثم، التحرج: الفرار من‏الحرج أي الشدة والضیق، المعنى ان العطاء من غیر سؤال كرم وسخاء بالطبع، هو عن مسألة تكلف وتطبع لسبب ولآخر.

وفي رأینا أن كل عطاء یسد الحاجة والإعسار فهو خیر عند الله طبعا كان أم تطبعا.

٥۳-  لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا میراث كالأدب ‏ولا ظهیر كالمشاورة.

لا جدوى من مال ولا سلطان بلا عقل..ان العقل مصدر العلم والمال والجاه ‏وكل خیرات الدنیا والآخرة.

وقال الإمام جعفر الصادق علیه السلام: العقل ما عبد به الرحمن، اكتسب به الجنان.فقیل له: والذی عند معاویة؟ قال: تلك ‏النكراءـ أي الدهاءـ تلك الشیطنة.

ولا یعرف التاریخ دینا كالإسلام أشاد بالعقل، اعتمد علیه في مبادئه وتعالیمه، قد جاء ذكر العقل والعلم ومشتقاته ما في القرآن الكریم ـ۸۸۰ مرة للدلالة على إحقاق الحق وإبطال الباطل..هذا ما عدا الآیات المشتملة على ذكر الهدى والنور.

وهنا یكمن السر في تقدم المسلمین ‏وحضارتهم التاریخیة، إذا انحطوا وتخلفو، الیوم، فلأنهم تركوا الجهاد المقدس الذي ‏أمرهم به الإسلام، انقسموا على أنفسهم، فالذنب ذنبهم لا ذنب الإسلام.

(ولا فقر كالجهل) لأنه أصل كل رذیله، انه یلحق الإنسان بالحیوان.

وفي أصول الكافي قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: “یا علي لا فقر أشد من الجهل، لا مال أعود من العقل..إذا رأیتم كثیر الصلاة كثیرالصیام فلا تباهوا به حتى ‏تنظروا كیف عقله”.

(ولا میراث كالأدب) المراد بالمیراث ما یتركه المرء من الأحدوثة، بالأدب ‏حسن السیرة (ولا ظهیر كالمشاورة) الظهیر: المعین، المراد بالمشاورة مشاورة العاقل الناصح. قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: ما یمنع أحدكم إذا ورد علیه ما لا قبل ‏له به أن یستشیرعاقلا له دین وورع.

وقال الإمام جعفر الصادق علی السلام للمشورة حدود:

الأول أن یكون المشیرعاقلا.

الثاني أن یكون متورعا.

الثالث أن‏ یكون صدیقا.

الرابع أن تطلعه على سرك حتى یكون علمه به كعلمك بنفسك.

فإن كان عاقلا انتفعت بمشورته، ان كان متورعا جهد نفسه في النصیحة، ان كان صدیقا كتم سرك، إذا أطلعته على سرك كملت النصیحة. وتقدم ‏الكلام عن ذلك في الرسالة ٥۲ فقرة “المشورة” .

٥٤ -  الصبر صبران: صبر على ما تكره، صبر عما تحب  . 

ومن أمثلة الصبر الأول: جائع لا یجد الى القوت سبیل، مریض لا یملك ‏ثمن الدواء، سجین لا عم له ولا خال.

ومن أمثلة الصبر الثاني فلاح زرع‏ واجتهد أملا بالحصاد، لما استوى الزرع على سوقه أتت علیه آفة، فأصبح‏ هشیما تذروه الریاح. والصبر ممدوح وحسن إذا كان وسیلة لغایة نبیلة كالصبر في الجهاد المقدس، في طلب العلم وقوت العیال، أما الصبر على الفقر مع القدرة على العمل، الصبر على الاضطهاد بلا مقاومة  فهو مذموم وقبیح شرعا وعقلا .

وروي أنه كان في العصور الخالیة أسرة في الصین عاشت فی بیت واحد، انها كانت تضم جدا وعشرات الأولاد والأحفاد ذكورا وإناث، مرعلیها أمدغیر قصیر وما كدر صفوها كلمة ولا حركة من واحد من أبنائها وأفرادها حتى ‏كان یضرب المثل بسعادتها وهنائه، لما سأل امپراطور الصین الجد الأعلى عن ‏سبب هذه السعادة كرر في جوابه كلمة الصبر مئة مرة.

٥٥ - الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة .  

كلمة الوطن توحي بالقوة والأهل وجمع الشمل، بالمتعة والراحة والطمأنینة.

والغنی الواجد تتوافر له هذه الأوصاف، لأن المال قوة ومتعة، به تطمئن‏النفس وترتاح، الى صاحبه تتودد الرجال وإخوان الزمان..أما كلمه الغربة فإنها توحی بالضعف والوحدة والوحشة، بالألم والخوف والضیاع، معنى هذا أن الغنى وطن بذاته سواء أكان فی مكان الولادة أم فی غیره، أن الفقر غربة وسجن وتشرید أینما كان ویكون حتى في مسقط الرأس، بل هو كفر أیضا كما قال الرسول صلى الله علیه وآله وسلم، الموت الأكبر كما قال الإمام في الحكمة الآتیة، الوصف ‏بالأكبر یومى‏ء الى ان الفقر أقسى وأشد من الموت المعتاد. وتقدم الكلام عن ذلك ‏في الحكمة ۳  .

ولا بد من الإشارة الى ان مراد الإمام بالغنى أن یملك المرء من أسباب العیش‏ ما فیه الكفایة له ولعیاله مع الكرامة أیض، لیس المراد به الذهب والفضة والدیباج ‏والریاش.

٥٦-  القناعة مال لا ینفد.

القناعة أن ترضى بما تیسر من الحلال، تیأس عما في أیدي الناس. ومن ‏البداهة أن من رأى الثروة فیما تیسر له من حلال ـ یستحیل أن تنفد ثروته، لأن المفروض ان المیسور هو الثروة بالذات، ان غیر المیسور لم ینظر الیه على‏ الاطلاق. وكان النبي صلى الله علیه وآله وسلم في طعامه لا یرد موجودا ولا یتكلف مفقود.

وفي ‏شرح ابن أبي الحدید: إن رجلا قال لسقراط، هو یأكل العشب: لو خدمت‏ الملك ما احتجت الى هذا الحشیش.

فقال له سقراط: وأنت لو أكلت الحشیش‏ ما احتجت خدمة الملك.

٥۷- المال مادة الشهوات.

وكلمة الشهوات هنا تشمل شهوة البطن والفرج، حب التعالي والتباهي، الرغبة في الانتقام والسیطرة، غیر ذلك. ولیس من شك ان المال مطیة ووسیلة لإشباع هذه الرذائل والقبائح، متى شبعت بغت وطغت على العقل والقیم‏ الانسانیة، أصبح الانسان مسیرا لها لا یملك من أمره شیئ، قد ثبت بالحس ‏والمشاهدة ان الانسان كلما أسرف في المادیات والشهوات ازداد بعدا عن الروحیات.

وعن ابن عباس انه قال: أول درهم ودینار ضربا فی الأرض وضعهما ابلیس ‏على عینیه، قال : قرة عیني أنم، لا أبالي الآن أن یعبد بنو آدم صنما ووثنا. حسبي أن یعبدوا الدرهم والدینار.

وكتب مصطفى صادق الرافعي مقالا بعنوان “الدینار والدرهم” جاء فیه: الفقیه الذي یتعلق بالمال هو فقیه فاسد، یفسد الحقیقة التي یتكلم بها..فلقد رأیت ‏فقهاء یعظون الناس في الحلال والحرام ونصوص الكتاب والسنة.. وتسخر منهم الحقیقة بذات الأسلوب الذي یسخر به لص یعظ لصا آخر، یقول له: إیاك ‏أن تسرق”.

وبالمناسبة قال الاشتراكیون في ردهم على النظام الرأسمالي بأنه یفتح الطریق ‏للأغنیاء أن یسیطروا على رجال الدولة والحكم ویخضعوا السیاسة لمصالحهم الخاصة وإلا حاربوهم بالأموال. والضحیة الشعب والمستضعفون.

ومن أحب التفصیل فلیرجع ‏الى كتاب “فلسفة التوحید والولایة” ، فصل “بین الشیوعیة والرأسمالیة”.

٥۸-  من حذرك كمن بشرك.

المراد بالتحذیر النصح بعلم وإخلاص، التخویف من سوء العاقبة باتباع ‏الشهوات، المراد بالبشارة الإخبار بالخیر والهناء، المعنى: من حذرك من الشر فقد بشرك بالخیر لو سمعت وأطعت. ومثله رحم الله من أهدى إلي عیوبي.

٥۹-  اللسان سبع إن خلی عنه عقر.

اللسان كثیر الحركات والعثرات، لا بد من مراقبته وسجنه وإلا أهلك ودمر. وتقدم الكلام عنه في الخطبة ۱۷٤ و۲۳۱ والحكمة.۳۹

٦۰-  المرأة عقرب حلوة اللبسة.

قال بعض الشارحین: المراد باللبسة اللسعة. وقال الشیخ محمد عبده: اللبسة هنا من اللباس سوى ان المرأه تلبس دون العقرب. وهذا القول أقرب الى‏ الآیه ۱۸۷ من سورة البقرة: ﴿هن لباس لكم وأنتم لباس لهن﴾.

والمرأة والرجل من طبیعة واحدة وطینة واحدة، الفرق ان لكل منهما وظیفة تخصه.. وشبهها الإمام بالعقرب لأنها تسرع الى الغضب على الرجل، تجحد معروفة لأمر تافه، قد تؤذیه بكلمة موجعة وحركة نابیه بلا سبب موجب‏ ومعقول، فأوصاه الإمام بأن یصبر علیه، یتحملها على علاته، لأنها مهما تكن ‏فهي أخف وخیر من العقرب التي لا یمكن معها العیش بحال.. أقول هذا تعبیرا عن فهمي لا تفسیرا لقول الإمام علیه السلام.

٦۱-  الشفیع جناح الطالب.

المعنى واضح، هو أن الشفیع یوصل الطالب الى مطلبه، تماما كالجناح‏ بالنسبة الى الطائر.. وأعظم شفیع عند الله التوبة، التوسل به إلیه تعالى، لا واسطة  في دین الإسلام بین العبد وربه.

وقرأت من جملة ما قرأت أن ‏رجلا قال لكریم: أنت الذي أحسنت إلی فیما مضى.فقال له: “مرحبا بمن ‏توسل بنا الینا وقضى حاجته”.. وهكذا كل جواد كریم..أما الشفیع عند ناس هذا الزمان فهو النفاق والرشوة والخیانة.

٦۲-  أهل الدنیا كركب یسار بهم وهم نیام.

ومثله ما جاء في الرسالة ۳۰: من كانت مطیته اللیل والنهار فإنه یسار به‏ وإن واقف، یقطع المسافة وان كان مقیما وادع.

وتقدم البیان والشرح.

٦٣-  فقد الأحبة غربة.

الحب بین اثنین صورة من صور التعامل والتعاقد بین الأرواح على تبادل الصفاء والإخلاص، العطف والحنان، الإنس والسرور، الرضا والاطمئنان. ومن‏ فقد هذه الثروة عاش غریبا وأعزل من كل سلاح.

وتقدم مع الشرح في الرسالة۳۰: الغریب من لم یكن له حبیب.

انتهى .

منقول (بتصرف) من شبكة المعارف الإسلامية

 

****************************