وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
المرأة والدنيا في نهج البلاغة (دراسة أدبية) – الثاني

السيد محمد الخباز

الصفة الكلام عن الدنيا الكلام عن المرأة
الزينة مقرونةً بالفساد وَكَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْكَ جَلَابِيبُ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا وَخَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا وَإِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْفَسَادُ فِيهَا الشر وَهِيَ وَإِنْ غَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا الْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَشَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا الكائن السام أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا قَاتِلٌ سَمُّهَا الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ شيءٌ يُحذرُ منه وَأُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَةٍ وَلَيْسَتْ بِدَارِ نُجْعَةٍ قَدْ تَزَيَّنَتْ بِغُرُورِهَا وَغَرَّتْ بِزِينَتِهَا فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وَكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ وَلَا تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لَا يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَرِ
(النتيجة ٦) : تأكيد لـ (النتيجة ٢) من أن الدنيا والمرأة كائنان متشابهان في النص وأن بينهما أشياءً مشتركة.
رابعاً : الملاحظة الاستبدالية
يضع نهج البلاغة الإنسان دائماً بين الدنيا والآخرة، فكلما اقترب من واحدة ابتعد عن أخرى، يقول مثلاً:« إِنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفَاوِتَانِ وَسَبِيلَانِ مُخْتَلِفَانِ فَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وَتَوَلَّاهَا أَبْغَضَ الْآخِرَةَ وَعَادَاهَا وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَاشٍ بَيْنَهُمَا كُلَّمَا قَرُبَ مِنْ وَاحِدٍ بَعُدَ مِنَ الْآخَرِ وَهُمَا بَعْدُ ضَرَّتَانِ ».

ولو مثلنا هذه العلاقة لكانت كالتالي :
وبما أن المرأة هي أشبه الأشياء بالدنيا في نص نهج البلاغة وكل واحدةٍ منهما تقوم مقام الأخرى في السياق الزهدي، فإننا لو قمنا باستبدال المستعار منه بالمستعار له فإن ما سينتج لدينا هو التالي :
أي أن الإنسان/الرجل كلما اقترب من المرأة ابتعد عن الله. ويمكن بنفس الطريقة استنتاج ذات الأفكار التي وجدناها عند أبي العلاء ومن شابهه، ذاك أنها مختبئة خلف النسيج اللغوي ومضمرة في نص نهج البلاغة وذائبة فيه.
من كل النتائج السابقة نصل إلى النتيجة النهائية للدراسة، وهي:
أن المرأة كمفهوم -في نص نهج البلاغة- كان حاضراً بدلالةٍ سلبية، وأنه وُظِّفَ على هذا الأساس لخدمة سياق النص الزهدي. وأن نص نهج البلاغة تتوافر فيه مواصفات (النصوص الذكورية) حسب معطيات (النقد النسوي).
وبهذا تكون الدراسة الأدبية قد انتهت .
يلاحظ القارئ أننا لم نسلك الطريق التقليدي لكي نصل إلى نوعية حضور المرأة في النص، أعني اعتماد النصوص التي تكلمت عن المرأة مباشرة ومحاولة الخوض في تأويلها وتفسيرها، بل سلكنا طريقاً آخراً باعتماد منهج آخر، بحيث أننا حتى لو حذفنا كل الأحاديث التي تتكلم عن المرأة مباشرة فإن نتيجة الدراسة لا تتغير لأننا لم نعتمد على هذه الأحاديث كأساس لنا، وإن كنا استخدمناها في جزئية لا ضرر من حذفها. ولكن لا بأس من باب الاستطراد أن نلقي نظرة على هذا الطريق التقليدي ونرى ما فعله من قبلنا فيه، ولا علاقة لهذا الاستطراد بالدراسة من جهة المنهج.
استطراد أول / حديث (الْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَشَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا)، وما جاء فيه من أقوال :
وهدفنا من هذا الاستطراد بيان كيفية تأثير الزمن في فهم النص الديني، وكيفي أن الفهم يصبح (متغيراً) للنص (الثابت) بسبب الظروف الاجتماعية التي يعيشها كل جيل. فالشروحات القديمة حينما تتعرض لأحاديث نهج البلاغة عن المرأة لا توليها أهمية كبيرة، فهذه الأحاديث لا تمثل مشكلة بالنسبة لديهم، بل إنهم يرونها أحاديث عادية ويضعونها في سياق التراث السلبي عن المرأة، فتجدهم يوردوا لكي يشرحوا هذه الأحاديث أقوال الحكماء والفلاسفة وأقوال الأدباء المنثورة والمنظومة والتي تتكلم عن شر المرأة كما سنرى، وهم لا يرون في هذه الأحاديث أي خدش للإسلام أو مخالفة له، ولا يرون المعصوم منزهاً عن النطق بها.

ولكن مع مرور الزمان وظهور الاتهامات للإسلام بأنه ضد المرأة،جَدَّت نوعية أخرى من الأقوال استجابةً لهذا الضاغط الأيدلوجي، فبدأت الأقلام تتكلم عن التصور الإيجابي للإسلام عن المرأة، وأنه جاء ليرفع قدر المرأة. إضافةً إلى ازدياد الوعي الحقوقي بقضايا المرأة في الواقع العربي، وإن كان سبب هذا الوعي هو الانفتاح على الآخر الغربي وليس الحركة الثقافية الداخلية للمجتمع العربي.
ولمَّا كانت مثل هذه الأحاديث التي في نهج البلاغة لا يتوافق ظاهرها مع التصور الجديد عن الإسلام، فإنها وضعت متبنين هذا التصور في موقعٍ محرج، ولذلك قاموا بشتى الطرق لحل مشكلة هذه الأحاديث.

وسنستعرض الآن ما استطعنا أن نصل إليه من طرق بغض النظر عن موافقتنا لها أم معارضتنا، من خلال استقرائنا لكلامهم عن حديث (الْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَشَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا).

وقد انقسمت الآراء عن هذا الحديث لعدة أقسام :

القسم الأول :
وهي الآراء القديمة التي توافق على دلالة النص الظاهرية ولا تعتبرها مخالفة للدين وتعتبرها معبرةً عن حقيقة المرأة في الواقع وتضع هذه النصوص ضمن سياق التراث الإنساني السلبي عن المرأة والذي عرضنا بعضه في المقدمة، فالمرأة شرٌ وهي مبعدة عن الله وأداة من أدوات الشيطان.
من ذلك قول الشيخ ميرزا حبيب الخوئي صاحب كتاب (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ج٢١،ص٩٩) في شرح الحديث السابق:«للرجل مواجهة وارتباط مع الشؤون الدنيوية،...وأصعب هذه المواجهات هي المواجهة مع المرأة في شتى شؤون الحياة وقد نبه إلى أن هذه المواجهة تكون شراً للرجل من جميع النواحي».
وجاء في (توضيح نهج البلاغة ج٤،ص٣٧١) للسيد محمد الشيرازي:«وقال (المرأة شر كلها...) لأنها تتصف بصفات تأتي منها الشرور، وذلك لنقصان عقلها وغلبة عاطفتها (وشر ما فيها أنه لا بد منها)فإنها ركن في الخلقة كما أن الرجل ركن آخر، وهذا تحذير من الوقوع في حبائلها، مما يؤدي بالدين والدنيا».
ويقول محمد جواد مغنية في (ظلال نهج البلاغة، محاولة لفهم جديد ج١،ص٣٧٤) رافضاً تخصيص كلام النهج عن المرأة في عائشة:«هل بلغ الذهول بعلي وهو باب مدينة العلم أن يحكم على النساء كل النساء من خلال امرأة واحدة تلقب بصاحبة الجمل، ويقيس النوع على الفرد؟إن هذا منطق أهل الجهل والغباء لا منطق المعصومين والعلماء.متى كان لعلي الذي يدور الحق معه كيفما دار شهوات وميول حتى يستمد منها آراءه وينطق بوحيها ».
ويقول أيضاً (ج٤،ص٣٥٩):«أن ما قاله الإمام عن المرأة أخذه عن النبي،... ونعطف على ما نقدم أن ما قاله النبي وعلي عن المرأة قاله كثيرون من الأدباء والفلاسفة من قبل ومن بعد» ثم يأتي ببعض القصص ليثبت كلامه، ويعلق في النهاية بقوله:«ومعنى هذه القصة بطولها أن المرأة شر لا بد منه منذ آدم وإلى يوم يبعثون».
أما الشيخ محمد تقي التستري في كتابه (بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة ج١٤، ص٣٠١) فقد قام لشرح الحديث بالإتيان بقصص كثيرة عن حكماء وفلاسفة وأقوال شعراء لبيان أن المرأة شر وقد خصص لذلك فصلاً كاملاً، وهو كذلك يرفض تخصيص الأحاديث بعائشة. وكذلك فعل ابن أبي الحديد في شرحه (ج١٨،ص٦٤).
ويقول ابن ميثم البحراني في شرحه(ج٥ ص٩٨٩):« وأراد أن أحوالها كلها شر على الرجال، أما من جهة مؤونتها فظاهر، وأما من جهة لذتها واستمتاعه بها فلاستلزام ذلك البعد عن الله تعالى والانشغال عن طاعته».
وكذلك جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي (ج ٢، ص ٢٥٢): «فقال: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ (١٤) سورة آل عمران. أي: حب المشتهيات، ولم يرد بها نفس الشهوة.

ولهذا فسرها بالنساء والبنين وغيرهما. ثم اختلف فيمن زينها لهم فقيل: الشيطان، عن الحسن، قال: فوالله ما أجد أذم للدنيا ممن خلقها. وقيل: زينها الله تعالى لهم بما جعل في الطباع من الميل إليها، وبما خلق فيها من الزينة، محنة وتشديدا للتكليف، كما قال سبحانه: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) وقيل: زين الله تعالى ما يحسن منه، وزين الشيطان ما يقبح، عن أبي علي الجبائي. ثم قدم سبحانه ذكر النساء فقال (من النساء) لأن الفتنة بهن أعظم. وقال النبي : (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء). وقال: (النساء حبائل الشيطان).

وقال أمير المؤمنين : المرأة شر كلها، وشر ما فيها أنه لا بد منها وهي عقرب حلوة اللسعة». ويوافقه في تفسير الآية على أن المزين هو الشيطان وليس الله -وبذلك تصبح النساء أداة من أدوات الشيطان .
- السيد الطباطبائي في تفسير الميزان إذ يقول (ج٣،ص٩٧): «وبما مر من البيان يظهر أن المراد من فاعل التزيين المبهم في قوله: زين للناس حب الشهوات...إلخ ليس هو الله سبحانه فإن التزيين المذكور وإن كان له نسبة إليه تعالى سواء كان تزيينا صالحا لأن يدعو إلى عبادته تعالى وهو المنسوب إليه بالاستقامة أو تزيينا ملهياً عن ذكره تعالى وهو المنسوب إليه بالإذن لكن لاشتمال الآية على ما لا ينسب إليه مستقيما كما يجئ بيانه كان الأليق بأدب القرآن أن ينسب إلى غيره تعالى كالشيطان أو النفس.

ومن هنا يظهر صحة ما ذكره بعض المفسرين أن فاعل زين هو (الشيطان) لأن حب الشهوات أمر مذموم وكذا حب كثرة المال مذموم وقد خص تعالى بنفسه ما ذكره في آخر الآية وفي ما يتلوها».
ونلاحظ على أصحاب هذا القسم التالي :
١- أنهم يفهمون نص (المرأة شر..) بدلالته الظاهرية.
٢- أنهم يرون النص شاملاً لجميع النساء أو لجنس المرأة وليس خاصاً.
٣- أنهم يضعون النص في سياق التراث السلبي عن المرأة للفلاسفة والحكماء القدماء من الحضارات السابقة.
٤- أنهم يأخذون تصورهم عن واقع المرأة من النص، أي أنهم أصحاب (عقلٍ نصي)، فما يقوله النص عندهم هو مطابق للواقع، ولم يفصلوا بين ما يقوله النص والواقع.
٥- أن هذه الأحاديث في نظرهم ليست مخالفة للإسلام وليس المعصوم منزهاً عنها.

القسم الثاني :
وهم من يرفضون هذا الحديث أي (المرأة شر...)، وينزهون المعصوم عن مثل هذا الكلام ويرون أنه مخالف للإسلام أو بعبارة أدق لتصورهم عن الإسلام.

منهم مثلاً السيد محمد حسين فضل الله في كتابه (الزهراء القدوة ص ١٦٨ -١٧٠ إذ يقول:« (ولقد كرمنا بني آدم (الإسراء / ٧٠) فالتكريم الإلهي ليس مختصا بالرجل بل هو شامل لكل بني آدم، على اختلاف ألوانهم، وأعراقهم، وأنواعهم، ذكورا، وإناثا، بيضا، أو سودا، عربا، أو عجما. ولهذا فإننا نرفض كل الروايات التي تحط من شأن المرأة وإنسانيتها، كما نرفض الروايات التي تحط من شأن بعض الأقوام والأعراق.

ونعتقد: أن المعصوم لا يصدر عنه أمثال هذه الروايات المخالفة للقرآن الكريم. فمن الروايات التي تحط من شأن المرأة ما نسب إلى أمير المؤمنين أنه قال: (المرأة شر كلها، وشر ما فيها: أنه لا بد منها). فإننا نشك أن هذه الكلمة للإمام علي » ثم يذكر: « أن الإنسان لم يخلق شريرا في أصل خلقته وأن عنصر الإغراء لا يصلح تفسيرا لهذه الكلمة، لأن الرجال يمثلون عنصر إغراء للمرأة.

ولو سلمنا بأن عنصر الإغراء شر، فلم يطلق الحكم بهذه السعة، فإن الإغراء ليس هو كل عناصر شخصية المرأة. وإذا كانت شرا كلها، لم يجز عقابها، فإن الله هو الذي خلقها كذلك، وأودع الشر في أصل خلقتها وقوله: (لا بد منها).

هل يعقل من يكون وجوده ضرورة أن يكون شرا كله. والرجل طرف في عملية التناسل فلم لم يكن شرا. وعلي قد أكرم المرأة، فكيف يتكلم بهذه الكلمة وهو يعرف أن في النساء من يتفوقن على الرجال، أدبا، وعلما وعملا. والزهراء شاهد على ذلك، وامتيازها بالعصمة يؤكد امتياز المرأة بما يمنع صدور مثل هذه الكلمة عن علي .. » ويقول: « لا نجد لها حملا صحيحا. وإذا كان هناك من يحاول صرفها إلى امرأة بعينها لتكون (أل) التعريف عهدية، وليست للجنس.

فهذا لا يصح، لأن الكلمة حسب ما يظهر منها واردة على نحو الإطلاق. وقد قرأت في كتاب بهجة المجالس: أن هذه الكلمة هي للمأمون العباسي، وربما نسبت خطأ لأمير المؤمنين ».
وكذلك الباحث إحسان الأمين إذ يقول:« (المرأة شرّ كلّها وشرّ ما فيها أنّها لا بدّ منها):هذه الجملة وردت في الجمل القصار المرويّة عن عليّ من دون سند، وتداولها الناس تداول المسلّمات من دون تمحيص وتحقيق.

وراح البعض يؤوِّلها ويفلسفها ويعطيها معان باطنية لا تتّفق مع معناها الظاهر الصريح.ونؤكِّد هنا على وضع هذه الجملة وعدم صحّة نسبتها إلى الإمام عليّ ، وهو وصيّ الرسول وأمير البلغاء، فلا يمكن أن يقول شيئاً مخالفاً لروح الإسلام ومنطق القرآن الذي يُكرِّم المرأة ويُعظِّم من شأن الإنسان، مطلق الإنسان.وقد وجدت لهذه الجملة أُصولاً مشابهة في الأمثال المتداولة قبل الإسلام، علماً بأنّ روايتها أو ورودها في كتاب لا يعني بأي حال صحّتها، فقد جاء في الحكم والأمثال:(الزواج شرّ، ولكنّه شرّ ضروريّ).وهو يُنسَب إلى مينا ندر، الذي عاشَ في القرن الرابع قبل الميلاد.

ونقل أيضاً: (الزواج هو الشرّ الوحيد الذي يبحث عنه).ويُنسَب إلى زنيو بيوس، في القرن الميلادي الثاني، أي قبل ولادة الإمام علي بأربعة قرون أو أكثر.

جدير ذكره أنّ محقِّق نهج البلاغة الذي خرّج أسانيد خطبه وأحاديثه، لم يجد لهذه الجملة سنداً أو رواية، سوى ورودها في كتاب (غرر الحكم) وهو بدوره قد جمع الأقوال من دون ذكر سندها ».
ولعل مثل هذا الرأي هو الذي يميل إليه التيار المحافظ السني الذي يرى في الصحابة أشخاصاً مقدسين لا ينطقون إلا بما يوافق الإسلام.

من ذلك رأي الشيخ يوسف القرضاوي الذي يقول :« أن من المعروف لدى النقاد والمحققين أن نسبة بعض ما في نهج البلاغة إلى علي رضي الله عنه، وكرم الله وجهه، غير صحيحة، ولهم على ذلك دلائل وبراهين. ولا شك أن في النهج خطبا وأقوالا يلمس الناقد بل القارئ الواعي، أنها لا تمثل عصر الإمام لا في أفكارها، ولا في أسلوبها.ومن هنا لا يجوز الاحتجاج بكل ما في النهج على اعتبار أنه من أقواله رضي الله عنه.على أن المقرر في العلوم الإسلامية أن نسبة الأقوال إلى قائليها، لا تتحقق إلا بالإسناد الصحيح المتصل، الخالي من الشذوذ والعلة، فليت شعري، أين السند المتصل إلى الإمام علي، حتى نحكم على أساسه أنه قال هذا القول؟.بل لو نقل هذا القول عن علي بسند صحيح متصل، من رواة عدول ضابطين لوجب أن يرد، لما فيه من مخالفة للأصول والنصوص الإسلامية، وهذه علة قادحة توجب رد أي قول، ولو كان إسناده كالشمس،...وكيف يتصور أن تكون المرأة شرا كلها، ومع هذا لا يكون منها بد؟ كيف يخلق الله شرا مطلقا، ثم يسوق الناس إليه سوقا بسوط الحاجة والضرورة؟».
ونستنتج من الكلام السابق نقاطاً عدة :
١- أن أصحاب القسم الثاني يتفقون مع أصحاب القسم الأول في فهم النص بدلالته الظاهرية، والفرق يكمن في أن أصحاب القسم الأول لا يرون في النص ما يخالف الإسلام بعكس أصحاب القسم الثاني الذين يرفضوه.
٢- أن أصحاب القسم الثاني يتفقون مع أصحاب القسم الأول أيضاً في أن النص شامل لجنس النساء وليس خاصاً بامرأةٍ معينة، ولهذا فهم يرون فيه إهانةً للمرأة.
٣- أن أصحاب القسم الثاني يرون أن ليس كل ما في نهج البلاغة هو للإمام علي ، وأن به أحاديث موضوعة.
٤- أن معيار قبولهم أو رفضهم هو تصورهم عن الإسلام وعن المعصوم، فما وافق هذا التصور فهو مقبول وما خالفه فهو مرفوض، حتى لو كان صحيحاً وفق شروط علماء الحديث، فالعقل مقدم عندهم على النقل.

القسم الثالث :
وهم من يخصصون الحديث بامرأة معينة. منهم مثلاً السيد جعفر مرتضى (خلفيات كتاب مأساة الزهراء ج ٢، ص ٥٤١) الذي يقول:«بسبب القرائن التي أشار إليها ذلك البعض والدالة على أنه لم يكن ليذم جنس المرأة. نعرف: أن المراد من قوله : (المرأة شر كلها، وشر ما فيها أنه لابد منها). هو امرأة بعينها دون سائر النساء».
وكذلك ما ورد في شبكة الإمام الرضا قسم فقه المعاملات :«أمّا (المرأة شرّ كلها) فأنت ترى أن اخذ هذه العبارة بمعناها الظاهري الأوّلي لا ينسجم مع هذه الرؤية. ولعلّ هناك معنىً يحتاج إلى بحث وتدقيق. وقد يتبادر إلى الذهن أن المراد بالمرأة هنا: امرأة معيّنة أي المرأة المعهودة التي أتحدّث عنها ولعلّها التي أوجدت فتنة بين المسلمين استطار شرّها إلى الآن، وما كانت تعامل أهلَ البيت عليهم السّلام بغير الشر والإيذاء والعدوان».
وهناك من يخصص الكلام عن المرأة ليس في عائشة وإنما في النساء السيئات فقط كالشيخ مكارم الشيرازي في شرحه (ج٣،ص١٧٥) ويعتبره من قبيل قوله تعالى (إن الإنسان لكفور مبين) «فمما لا شك فيه أن الإنسان ليس في طبيعته كفور مبين ولا ظلوم جهول ولا طاغٍ. ويبدو أن هذه الأمور تتعلق بأولئك الأفراد الذين لم يترعرعوا في ظل التربية الدينية».وبذلك فهذه الآراء تتعارض مع كلام أصحاب القسم الأول والثاني الذين يرون أن هذه الأحاديث تتكلم عن جنس المرأة.
ونحن إذ نعرض هذه الآراء ليس هدفنا هو ترجيح أحدها على الآخر أو تصحيح أحدها وتخطيء الباقي. إننا هنا نعرضُ فقط لنكتشف آلية التفكير.وجميع الآراء محترمة وأصحابها محترمون وإن اختلفنا معهم في رأينا الذي لم نطرحه هنا والذي يختلف عن الآراء السابقة. ولن نقوم بتلقيب من آمن بهذه الأحاديث بالرجعيين ولا من رفضوها بالتقدميين، فتوزيع الألقاب ليس من هواياتنا.

إستطراد  ثانٍ/ المرأة كحضور سلبي في التراث الحديثي الشيعي :
ولنـزيد الطين (بلَّةً)، نستطرد هنا لنبين أن المشكلة لا تتعلق بحديث أو عدة أحاديث يمكننا الالتفاف عليها فنؤول واحداً ونخصص آخراً، بل المشكلة مع كمٍّ كبير من التراث الحديثي الشيعي، إذا قارناه بما في نهج البلاغة وجدنا ما في النهج شيئاً لا يذكر. وسنقوم في هذا الاستطراد بعرض (بعض) ما ورد في التراث الحديثي الشيعي نذكره هنا دون تعليق، هذا البعض الذي وإن لم نؤمن به فإنه يظل جزءاً من تراثنا كما أن أحاديث تحريف القرآن جزء من تراثنا وإن لم نؤمن بها:
الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - ص ٣٢١  : -عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الحسن بن أبي قتادة، عن رجل، عن جميل بن دراج قال: قال أبو عبد الله : ما تلذذ الناس في الدنيا والآخرة بلذة أكثر لهم من لذة النساء وهو قول الله عز وجل: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين - إلى آخر الآية -) ثم قال: وإن أهل الجنة ما يتلذذون بشيء من الجنة أشهى عندهم من النكاح لا طعام ولا شراب. الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - ص ٣٢٢
* (غلبة النساء) *
- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عمن ذكره، عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله : ما رأيت من ضعيفات الدين وناقصات العقول أسلب لذي لب منكن. الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - ص ٣٢٤
- الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن بعض أصحابه، عن أبان بن عثمان، عن يحيى بن أبي العلاء، والفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله : خير نسائكم العفيفة الغلمة.
الغلمة - بكسر الام -: هيجان شهوة النكاح من المرأة والرجل وغيرها. الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - ص ٣٣٧ - ٣٣٨
- أبان، عن الواسطي، عن أبي عبد الله قال: إن الله خلق آدم من الماء والطين فهمة ابن آدم في الماء والطين وخلق حواء من آدم فهمة النساء في الرجال فحصنوهن في البيوت.
- علي بن محمد، عن ابن جمهور، عن أبيه رفعه قال: قال أمير المؤمنين في بعض كلامه: إن السباع همها بطونها وإن النساء همهن الرجال.
- أبو عبد الله الأشعري، عن بعض أصحابنا، عن جعفر بن عنبسة، عن عبادة بن زياد عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر ، وأحمد بن محمد العاصمي، عمن حدثه، عن معلى بن محمد، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله قال: قال أمير المؤمنين في رسالته إلى الحسن : إياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى الأفن وعزمهن إلى الوهن واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن فإن شدة الحجاب خير لك ولهن من الارتياب وليس خروجهن بأشد من دخول من لا تثق به عليهن. الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - ص ٣٣٨ - ٣٣٩
(باب) * (فضل شهوة النساء على شهوة الرجال) *
- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن الحسين ابن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين : خلق الله الشهوة عشرة أجزاء فجعل تسعة أجزاء في النساء وجزءا واحدا في الرجال ولولا ما جعل الله فيهن من الحياء على قدر أجزاء الشهوة لكان لكل رجل تسع نسوة متعلقات به. تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج ١ - ص ٣٢٠ – ٣٢١ .
- في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن نوح بن شعيب عن عبد الله الدهقان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله : إن أول ما عُصي الله به ست: حب الدنيا، وحب الرياسة، وحب الطعام. وحب النوم وحب الراحة، وحب النساء.
- في كتاب الخصال عن الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنين : الفتن ثلاث حب النساء وهو سيف الشيطان، وشرب الخمر وهو فخ الشيطان، وحب الدينار والدرهم وهو سهم الشيطان، من أحب النساء لم ينتفع بعيشه، ومن أحب الأشربة حرمت عليه الجنة، ومن أحب الدينار والدرهم فهو عبد الدنيا. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠٠ - ص ٢٢٣
- علل الشرائع، أمالي الصدوق: ابن البرقي، عن أبيه، عن جده، عن أبيه محمد البرقي، عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن الصادق عن آبائه قال: شكى رجل من أصحاب أمير المؤمنين نساءه فقام خطيبا فقال: معاشر الناس لا تطيعوا النساء على حال، ولا تأمنوهن على مال، ولا تذروهن يدبرن أمر العيال، فإنهن إن تركن وما أردن أوردن المهالك، وعدون أمر المالك، فإنا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن، ولا صبر لهن عن شهوتهن، البذخ لهن لازم وإن كبرن، والعجب بهن لاحق وإن عجزن، لا يشكرن الكثير إذا منعن القليل، ينسين الخير ويحفظن الشر، يتهافتن بالبهتان، ويتمادين بالطغيان، ويتصدين للشيطان، فداروهن على كل حال، وأحسنوا لهن المقال، لعلهن يحسن الفعال. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠٠ - ص ٢٢٤ .
- قرب الإسناد: هارون، عن ابن صدقة، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: من اتخذ امرأة فليكرمها فإنما امرأة أحدكم لعبة فمن اتخذها فلا يضيعها. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠٠ - ص ٢٢٥
 - الخصال: ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه يرفعه إلى أبي عبد الله أنه قال: خمس من خمسة محال: النصيحة من الحاسد محال والشفقة من العدو محال، والحرمة من الفاسق محال، والوفاء من المرأة محال، والهيبة من الفقير محال. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠٠ - ص ٢٢٦
 - مجالس المفيد، أمالي الطوسي: المفيد باسناده قال: قال رسول الله : أربعة مفسدة للقلوب: الخلوة بالنساء والاستمتاع منهن والأخذ برأيهن ومجالسة الموتى فقيل: يا رسول الله وما مجالسة الموتى؟ قال: مجالسة كل ضال عن الإيمان وجائر عن الأحكام. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠٠ - ص ٢٢٦
 - عيون أخبار الرضا : بالأسانيد الثلاثة، عن الرضا، عن آبائه قال: قال أمير المؤمنين : للمرأة عشر عورات، فإذا زوجت سترت لها عورة، وإذا ماتت سترت عوراتها كلها. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠٠ - ص ٢٢٧
 - بصائر الدرجات: محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن عنبسة، عن أبي عبد الله قال: في كتاب علي الذي أملا رسول الله : إن كان الشؤم في شيء ففي النساء. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠٠ - ص ٢٢٧
 - وقال : طاعة المرأة ندامة.
 - من كتاب اللباس عن أبي عبد الله (عن أبيه عليهما السلام) قال: ذكر رسول الله النساء فقال: عظوهن بالمعروف قبل أن يأمرنكم بالمنكر، وتعوذوا بالله، من شرارهن وكونوا من خيارهن على حذر. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠٠ - ص ٢٢٨
 - وقال : في خلافهن البركة. جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج ٢٠ - ص ٢٦٦
- عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم رفعه قال قال أمير المؤمنين لا تعلموا نساءكم سورة يوسف ولا تقرؤوهن إياها فان فيها الفتن، وعلموهن سورة النور فإن فيها المواعظ. جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج ٢٠ - ص ٢٢٣
- محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن غالب عن جابر الجعفي عن أبي جعفر قال خرج رسول الله يوم النحر إلى ظهر المدينة على جمل عاري الجسم فمر بالنساء فوقف عليهن ثم قال يا معاشر النساء تصدقن وأطعن أزواجكن فان أكثركن في النار فلما سمعن ذلك بكين، ثم قامت إليه امرأة منهن، فقالت يا رسول الله في النار مع الكفار، والله ما نحن بكفار فنكون من أهل النار فقال لها رسول الله إنكن كافرات بحق أزواجكن. موسوعة أحاديث أهل البيت - الشيخ هادي النجفي - ج ١٠ - ص ١٢٤
- الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله : إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن تركته انتفعت به وان أقمته كسرته. ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - ص ١١٨٧
- رسول الله : إنما مثل المرأة الصالحة مثل الغراب الأعصم الذي لا يكاد يقدر عليه « قيل: وما الغراب الأعصم؟ » الذي لا يكاد يقدر عليه قال: الأبيض إحدى رجليه. جامع السعادات ج٢ ص١١
- رسول الله : النساء حبائل الشيطان.
- رسول الله : ما بعث الله نبياً فيما خلا إلا لم ييأس إبليس أن يهلكه بالنساء، ولا شيء أخوف عندي منهن.
- رسول الله : اتقوا فتنة النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من قبل النساء.
ونكتفي بهذا القدر، وما هذا إلا غيض من فيض، لو شئنا أن نسرده كاملاً لاحتاج إلى صفحات وصفحات.

وأظن لو أن قارئ هذه الأحاديث لا يسعه إلا أن يستحضر قول أدونيس في مجموعته الأخيرة :
إنها امرأةٌ نصفها رحمٌ وجماعٌ والبقيةُ شرٌّ هكذا رسموها هكذا وصفوها!.
هذا وإن كان في المدونة الحديثية الشيعية أحاديث تتكلم عن المرأة بشكل إيجابي، ولكن ذلك لا يعني أن نغض الطرف عن هذه الأحاديث السلبية الكثيرة، فهي تمثل مشكلة للعقل الشيعي ويجب حلها.
عوداً على بدء :
نُلاحظ بعد هذا الاستعراض التماثلَ البنيوي في الأفكار التي تُنتج حول المرأة في التيارات الزهدية، رغم أن هذه التيارات عاشت في أزمنة مختلفة وفي ظروف مختلفة إلا أنها أنتجت نفس الأفكار وبنفس الصيغ أحياناً، فلماذا؟
طبعاً المسألة معقدة وتحتاج لدراسة تاريخية وبنيوية معمقة عن علاقة (الزهد) بالنظرة السلبية لـ(المرأة) في تاريخ الفكر البشري. ولكننا نبسط الجواب ونسطحه هنا لأن المجال لا يتسع.

فبالنسبة للعقل غير الشيعي فليس هناك مشكلة كبيرة، إذ سواء لديه كلام بوذا وكلام المعري وكلام ابن أبي طالب، فكلهم بشر واقع في سلطة الزمان والمكان، وبما أنهم عاشوا في مجتمعات ذكورية فلا عجب أن يصدر منهم خطاب ذكوري. ولكن بالنسبة للعقل الشيعي (المعاصر) فإن الأمر أكثر تعقيداً، فالمسألة تتحول إلى تصادم بين العقل والنقل، إذ أن الخطاب الذكوري ليس صادراً من بشرٍ عادي، بل من معصومٍ ينتمي للمقدس وكلامه ينتمي إلى الإلهي الذي لا يجوز عليه الخطأ، وبالتالي فهو يقع في مأزقٍ شديد بين عدة خيارات :
١- أن يقف مع المرأة ويرفض كل هذه الروايات دون اعتبارٍ لصحة بعضها سنداً أو لكثرتها أو لانتمائها لنهج البلاغة، وهذا ما لا يقبله العقل الكلاسيكي الذي يقدم النقل على العقل.
٢- أن يحاول التوفيق بين دعوى أن الإسلام أتى يدافع عن حقوق المرأة، فيحاول تأويل بعض الأحاديث، وليِّ عنق الأحاديث التي لا تقبل التأويل من هذه الأحاديث الكثيرة.
٣- أن يقبل بهذه الروايات، إن لم يكن بكلها فببعضها، ويكون بذلك في نظر الآخرين ونظر الحقوقيين ضد المرأة.
فهل هذه الخيارات التي يطرحها العقل الكلاسيكي ناجعة لحل المشكلة؟ أم أن هناك خيارات أخرى؟ وأي الخيارات هو الصحيح؟ خصوصاً إذا أخذنا نتائج دراستنا بعين الاعتبار والتي تبين أن الخطاب السلبي عن المرأة ليس موجوداً في الأحاديث التي تتكلم عن المرأة فقط بل هو (مضمرٌ في نصوص لا تتكلم عن المرأة، وما النصوص التي حللناها عن (الدنيا) إلا مثالٌ فقط. هذا ما سنبحثه في مكانٍ آخر إن شاءت الأقدار.

إنتهى .

منقول من الراصد الإخبارية

****************************