وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام): لَيْسَ بَلَدٌ بأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَد، خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ.                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
المضامین الرصینة الشاملة لنهج البلاغة

من المميزات التي يتصف بها نهج البلاغة التي تلفت انتباه القارئ إذا ما أقبل عليه إنّما تكمن في شموليته وتنوع مضامينه الرصينة، بحيث «تجعله يصدق أنّ هذه الأقوال المتقنة الدقيقة التي تعالج اُمور شتى تصل إلى حدِّ التضارب إنّما تصدر من عين واحدة، ومن المسلم به أنّ هذا الأمر لا يصدر إلاّ من أمير المؤمنين علي(عليه السلام)الذي أودع قلباً حافظاً وروحاً سامية تفيض علوماً ومعارفاً إلهية حقة وأسراراً جمة لا يسعها سوى ذلك القلب. ويسرنا هنا أن نستشهد بالإقوال التي ساقها كبار العلماء والمفكرين بهذا الخصوص.
١ ـ ونستهل ذلك بما أروده العالم المعروف «محمد عبده» إمام العامة، فقد رسم صورة رائعة عن حاله وهو يطالع لأول مرة نهج البلاغة وما اشتمل عليه من خطب ورسائل وكلمات قصار عجزت العقول أن تجود بمثلها فصاحة وصياغة وبلاغة، فقال: «وكان لطيف الحِسّ، نقيّ الجوهر، وضاء النَّفس; سليمَ الذّوق، مستقيم الرأي، حتسنَ الطريقة سريع البديهة، حاضر الخاطر; حوّلاً قلبًا; عارفاً بمهمّات الاُمور إصداراً وإيراداً.
٢ ـ نقل «الشيخ البهائي» في «كشكوله» عن كتاب «الجواهر» ان «أبو عبيدة» قال: قال علي(عليه السلام) تسع جمل عجزت بلغاء العرب عن الإتيان بواحدة منها; ثلاث في المناجاة، وثلاث في العلوم، وثلاث في الادب. [١] ثم خاض في شرح هذه العبارات التي وردت ضمن كلماته في نهج البلاغة وسائر أحاديثه .
فالكلام هنا لا يتناول سعة المعلومات وكسب المعارف والعلوم، بل قصره على استشعار الهمة والمروءة وسمو النفس في ظل التمعن بالنهج.
٣ـ «ابن أبي الحديد» هو الآخر أعطى الكلام حقّه فقال: ولم تحصل العدالة الكاملة لأحد من البشر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلاّ لهذا الرجل، ومن أنصف علم صحة ذلك، فان شجاعته وجوده وعفته وقناعته وزهده يضرب بها الأمثال. وأمّا الحكمة والبحث في الاُمور الإلهية، فلم يكن من فن أحد من العرب، وهذا فن كانت اليونان وأوائل الحكماء وأساطين الحكمة ينفر دون به، وأول من خاض فيه من العرب علي(عليه السلام) ولهذا تجد المباحث الدقيقة في العدل والتوحيد مبثوثة عنه في فرش كلامه وخطبه، ولا تجد في كلام أحد من الصحابة والتابعين كلمة واحدة من ذلك. [٢]
٤ ـ أورد «المرحوم السيد الرضي» بعض العبارات المقتضبة العميقة المعنى في كتابه الشريف بشأن مضامين نهج البلاغة، وهى جديرة بالتأمل والاهتمام، من ذلك ما ذكره ذيل الخطبة «٢١» حيث قال:
«إنّ هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله سبحانه وبعد كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله) بكل كلام لمال به راجحاً وبرز عليه سابقاً».
أمّا الخطبة «٢١» فهى:«فإنّ الغاية أمامكم وإنّ وراءكم الساعة تحدوكم، تخففوا تلحقوا فانّما ينتظر بأولكم آخركم». كما أورد مثل هذا المعنى ذيل الحكمة «٨١» من كلماته القصار فقال: «وهى الكلمة التي لا تصاب لها قيمة ولا توزن بها حكمة، ولا تقرن إليها كلمة».
٥ـ ونطلق الحديث هنا للكاتب المصري المعروف «عباس محمود العقاد» الذي يعدّ من كبار الأدباء المعاصرين لنرى مدى اعجابه بنهج البلاغة، فقد أورد بعض العبارات الجزيلة في مواضع من كتاب «عبقرية الإمام علي(عليه السلام)» والتي تبيّن عمق معرفته بشخصية الإمام ومدى تأثره بكلماته، فقد قال: «إن نهج البلاغة عين متدفقة بآيات التوحيد والحكمة الإلهية التي توسع معارف الباحثين في العقائد والتوحيد والمعارف الإلهية»  [٣].
وقال في موضع آخر: «إنّ كل نموذج من كلماته شهادة؟ على قدرته الإلهية بيان الحقائق، أنّه لا شك من أبناء آدم الذي علم الأسماء، فهو مصداق لقوله تعالى: (اوتوا الكتاب) و (فصل الخطاب) [٤] .
وقال أيضاً: «إنّ كلماته(عليه السلام) تمثل قمة الحكمة والفصاحة والبلاغة، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل»فهذا الحديث يصدق على علي(عليه السلام)قبل غيره، فكلماته الحكيمة في مصاف كلمات الأنبياء(عليهم السلام) [٥] .
٦ ـ وقال الكاتب والأديب المعاصر «محمد أمين النووي» يصف نهج البلاغة: «إنّه الكتاب الذي جعله الله حجة واضحة وقد ضمنه علي(عليه السلام) الأمثال القرآنية والحكم الربانية بفصاحة وبلاغة قل نظيرها». [٦]
٧ ـ وهذا الأديب المصري المعروف «طه حسين» الذي يعتبر عميد الأدب العربي، فقد قال بعد أن تعرض لردّ علي(عليه السلام) على السائل الذي كان شاكاً في حرب الجمل: «إني لم أر ولم أعرف جواباً بعد الوحي وكلام الله أعظم وأروع من هذا الجواب». [٧]
٨ ـ المرحوم «ثقة الإسلام الكليني» الذي نقل في الجلد الأول من كتابه الكافي إحدى خطبه(عليه السلام) في التوحيد، فقال: «هذه من خطبه المعروفة ولو اجتمعت الانس والجن لبيان حقائق التوحيد لعجزت عمّا بينه علي(عليه السلام) ولولاه لما عرف الناس سبيل الوحدانية». [٨]
٩ـ ونختتم البحث بما أورده العلاّمة الفقية آية الله الخوئي، إذ قال:«حين يرد الإمام(عليه السلام)بحثاً في خطبه من نهج البلاغة فانه لا يترك مجالاً بعده للحديث حتى يخيل لاُولئك الذين لا علم لهم بسيرة أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قضى عمره في ذلك الموضوع» [٩] .

----------------------------------------------------------
[١] . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦/١٤٦.
[٢] . العبقريات ٢ / ١٣٨ (طبعة دار الكتاب اللبناني).
[٣] . عبقرية الشريف الرضي ١ / ٣٩٦.
[٤] . العبقريات ٢ / ١٤٤.
[٥] . العبقريات ٢ / ١٤٥.
[٦] . مصادر نهج البلاغة ١ / ٩٠.
[٧] . جولة في نهج البلاغة / ١٨ و ١٩.
[٨] . أصول الكافي ١/١٣٦.
[٩] . البيان / ٩٠.
****************************