علي حسين الخباز
يرى النقد الأدبي الحديث أن مصطلح المكان له علاقة قائمة بمصطلح الفضاء... والفضاء لغة هو المكان الواسع من الأرض ويمثل الحيز الزمكاني (زمان ـ مكان) الذي تتمظهر فيه الشخصيات والأشياء ملتبسة بالأحداث متبعة لعوامل الرؤية الفلسفية كقوله (ع) (وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط حتى يأتيهم أمري وقد أردت أن أقطع هذه النطفة إلى شرذمة منكم موطنين أكتاف دجلة) .
وقد ذهب أغلب المفسرين إلى التفسير الظاهري وقالوا ان الملطاط حافة الوادي وشفيره وساحل البحر والسمت أي الطريق ويرى الشريف الرضي ان الملطاط يعني السمت تبين لمراد أمير المؤمنين لفظ الملطاط في كلامه ولا تفسير للفظ في نفسه وذهب إلى أن تفسير اللفظ الملطاط في أستعمال اللغوين كما أورده بن أبي الحديد أنه خالي من المعنى وفي مصدر أخر يراه شاطئ البحر وأصله ما أستوى من الأرض ويعني بالنطفه ماء الفرات وهو من غريب العبارات وعجيبها ولاندري كيف لهم ان يتماهلوا عن مدلولات المنطق التي لاتحتاج الا الى تامل دقيق لمعرفة كنه مثل هذه العبارات البلاغية بينما نجد نظرية علماء الطبيعة في القرنين الثامن والتاسع عشر أن جعلوا الفضاء بمعزل عن الزمن في حال يرى (باختين) لا يمكن عزل المكان عن الزمان كقول الإمام علي (ع) (اللهم انت الصاحب في السفر وانت الخليفة في الاهل ولا يجمعهما غيرك لآن المستخلف لايكون مستصحبا والمستصحب لايكون مستخلفا) ولان ذات الله تستوي عندها الامكنة كما تستوي عنها الازمنة فالحضر والسفر عندها سواء أو قوله (كأني بك ياكوفة تمدين مد الأديم العكاظي) والعكاظي نسبه إلى عكاظ سوق تقيمه العرب في صحراء بين مكة والطائف يجتمعون إليه في بداية شهر ذي العقدة ليتعاكظو أي يتفاخرو كل بما لديه من فضيلة وأدب:ـ
ورغم ندرة الأنجازات النقدية المتعلقة في المكان يبقى هو كيان مادي يشكل طرق هامة من التاريخ النصي أعطى فسحة كبيرة لإبراز الأحداث وتعد خصوبة المكان عمق دلالياً وهناك أمكنة لها معلمها وسماتها الخاصة كقول الإمام علي (ع) (ثم أسكن سبحانه أدم دارً أرغد فيها عيشه) ويقول في خطبة أخرى وأهبطه إلى دار البلية فربط الإمام علي (ع) (الأمكنة بمقومات القوى والفطرة اذ جعل في كل مكان ميزته وقد أكتشف النقاد والباحثين إن ثمت ألتصاق حقيقي بين الإنسان والمكان وقد عبر عنه الإمام علي (ع) في تداخل المكان ـ الإنسان حيث خلق الله الإنسان من معنى المكان نفسه فيقول (ع) في صفة خلق أدم (ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها تربة سنى بالماء حتى خلصت ولاطها بالبلة حتى لزجت فجبل منها صورة ذات احناء ووصول وأعفاء وفصول أجهدها حتى أستمسكت وأصلدها حتى صلصلت... ألخ.
والحزن الغليظ الخشن من الأرض والسبخ ما ملح من الأرض وأختلاف أرضية المكان منحت الأنسان طباعه المختلفة وتباين أستعداده للخير والشر والحسن والقبيح منذ تكوينه البايلوجي الأول والحياتي ليكون رحم الأم مكانً ومن ثم المهد والبيت والشارع ويصير القبر مكانه الأخير... فالكان قدم الهاما أبداعياً بمختلف تجلياته في بلورة منظومات ذهنية حسب رؤية (يوري لوتمان) الذي ركز على أبعاد ودلالات تتباين في المكان بتباين شخصية المبدع فهوية المكان تمثل جزء من هوية الأنسان و إن فضائه يكتسي بعد أداركياً نفسياً يتحول المكان إلى بعد جمالي من أبعاد النص لما يمنحه الأمكانية للغوص في أعماق البنية الخفية كقولة (ع) (ارضكم قريبة من الماء بعيدة عن السماء خفت عقولكم وسفهت حلومكم) وهناك الكثيرة من الأنجازات الأبداعية التي تعتمد على البناء المكاني كعنصر أساسي وهام حيث تدور فيه الأحداث وتتحاور فيه الشخصيات وتتفاعل فيه ونقرأ في نظرية باشلار المكانية لنستدل إن علاقتنا بالأمكنة تتبع بتباين أحاسيسنا فالإمام علي (ع) يقول والدنيا دار المنية لها الفناء ولأهلها منها الجلاء وهي حلوة خضرة وقد عجلت للطالب وألتبست بالقلب للناظر فأرتحلوا منها بأحسن ما يحضركم من الزاد .
والجلاء الخروج من الأوطان تمثيل لها بما يؤلفه الذوق ويرق النظر وعجلت للطالب أسرعت إليه والتبست بقلب الناظر وأختلطت به محبة وأحسن ما بحظرتكم أي أفضل الاشياء الخاصة عندكم وذلك فاضل الأخلاق وصالح الأعمال والأمكنة بكل ما تضمة من تفاصيل وملامح وزوايا تحمل التواريخ تواجداً وتسير باللحظات التداخل بين الأزمنة فالمكان حسب ما نراه يعني تجليات تجسيد رغبات مؤمنة يقول أحد النقاد أن المكان حياة وهو فضاء يحتوي كل عناصر المنجز الروائي والمكان ليس الجغرافية لكونه أكبر منها وهو أمتداء لعوالم لا حدود لها وقد ورد في خطب الإمام علي (ع) الكثير من دلالات المكان كقولة خير دار وشر جيران ووصفه في خطبة أخرى كهوف كتبه أو جبال دينه أو لنقرأ في خطبة أخرى أنه ليعلم أنها محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يركن إليه الطير أو لنقرأ ليعود الجور إلى أوطانه وفي خطبة أخرى يقول (لإنقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه) ونقرأ له في خطبة أخرى (لقد طوحت بكم الدار)فالمكان في نهج البلاغة يتسع في حلم الأنسان ورؤيته خارج أطار الأرض.