وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
بحث حول اشعاره عليه السلام والديوان المنسوب إليه

 

يحظى الشعر بمكانة مرموقة في المعارف البشريّة وذلك لدوره المتميّز في نقل المفاهيم وتخليد الأحداث وإغناء الثقافة، أمّا من حيث المضمون فمن الواضح أنّه لا يختلف عن كثير من الأدوات والوسائل التي يمكن استخدامها كسلاح ذي حدّين ؛ فمن الممكن أن يرتدي حُلّة رائعة، أو يتّخذ قالبا مَقيتا. ومن هنا يُعدّ نظم الشعر وإجادته منقبة، ويُعتبر استخدامه أمرا ضروريّا.

لقد كان القادة الربّانيّون يملكون هذه المقدرة، ولكن هناك خلاف تاريخي حول ما إذا كانوا أنفسهم ينظمون الأشعار، وإلى أيّ حدّ؟

من هنا، يرى البعض أنّ الإمام عليّاً عليه السلام كان معروفا بقول الشعر، وكان متفوّقا في معرفة الشعر، هذا فضلاً عمّا لديه من مقدرة فائقة على نقد الشعر. فعن ابن عبد ربّه :

«قالَ سَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ : كانَ أبو بَكرٍ شاعِرا، وعُمَرُ شاعِرا، وعَلِيٌّ أشعَرَ الثَّلاثَةِ»[١].

ويبدو أنّ الشعر وإنشاء الكلام الموزون والمقفّى والمسجّع كان صفة غالبة لدى الإمام عليّ عليه السلام إلى درجة أنّه أصبح يُعرف بها، بحيث إنّ بطلة كربلاء «زينب الكبرى» بعدما ألقت كلمتها المشهورة في الكوفة بعد واقعة كربلاء جعلت عبيد اللّه ابن زياد يقول :

هذِهِ سَجّاعَةٌ! ولَعَمري لَقَد كانَ أبوها سِجّاعا شاعِرا [٢].

ذكر الشريف الرضي أنّ الإمام عليّاً عليه السلام لَمّا سُئِلَ : مَن أشعَرُ الشُّعَراءِ؟ قالَ :

«إنَّ القَومَ لَم يجروا في حَلبَةٍ تُعرَفُ الغايَةُ عِندَ قَصَبَتِها، فَإِن كانَ ولابُدَّ فَالمَلِكُ الضِّلّيلُ»[٣].

وبيّن الشريف الرضي المراد من هذا الكلام بقوله : يُريدُ امرَأَ القَيسِ [٤].

وفي هذا السياق استند الأديب والكاتب المصري المعروف الاُستاذ عبّاس محمود العقّاد إلى هذا الخبر وإلى غيره من الأخبار قائلاً في هذا المعنى :

«وعِندَنا أنَّهُ عليه السلام كانَ يَنظِمُ الشِّعرَ ويُحسِنُ النَّظَرَ فيهِ، وكانَ نَقدُهُ لِلشَّعَراءِ نَقدَ عَليمٍ بَصيرٍ، يَعرِفُ اختِلافَ مَذاهِبِ القَولِ، وَاختِلافَ وُجوهِ المُقابَلَةِ وَالتَّفضيلِ عَلى حَسَبِ المَذاهِبِ. ومِن بَصَرِهِ بِوُجوهِ المُقابَلَةِ بَينَهُم أنَّهُ سُئِلَ : مَن أشعَرُ النّاسِ[٥] ؟ قالَ : إنَّ القَومَ لَم يَجروا في حَلبَةٍ تُعرَفُ الغايَةُ عِندَ قَصَبَتِها، فَإِن كانَ ولابُدَّ فَالمَلِكُ الضِّلّيلُ.

وهذا ـ فيما نَعتَقِدُ ـ أوَّلُ تَقسيمٍ لِمَقاييسِ الشِّعرِ عَلى حَسَبِ «المَدارِسِ» وَ«الأَغراضِ الشِّعرِيَّةِ» بَينَ العَرَبِ، فَلا تَكونُ المُقابَلَةُ إلّا بَينَ أشباهٍ وأمثالٍ، ولا يَكونُ التَّعميمُ بِالتَّفضيلِ إلّا عَلَى التَّغليبِ» [٦].

وأمثال هذه المنقولات ـ التي تعكس آراء الإمام عليّ عليه السلام في الشعر والشعراء ـ ليست قليلة في النصوص القديمة [٧]. وهي تدلّ ـ كما أشار العقّاد ـ على مدى تضلّعه في هذا الميدان، فهو ـ بحقٍّ ـ «أمير البيان» و «سيّد البلاغة».

يُستدلّ من الوثائق التاريخيّة أنّ الإمام عليّاً عليه السلام كان ينظم الشعر، وكان يُوصي بتعلّمه واستخدامه ضمن المعايير التي كان يؤكّد هو عليها [٨]. وكان يتمثّل في خطبه ورسائله شيئا من أشعار الآخرين، ومع كلّ ذلك فإنّ العلماء والمؤرّخين كانوا منذ القدم يتأمّلون في نسبة كلّ ما ورد باسم الإمام عليّ عليه السلام إليه، وطرحوا آراءً كثيرة في كيفيّة الأشعار المنسوبة إليه[٩].

نُقل عن الجاحظ أنّه كان يقول : لَم يَقُل عَلِيٌّ شِعرا سِوَى الرَّجَزِ [١٠].

وأورَدَ ياقوتٌ الحِمَوِيُّ عَن أبي عُثمانَ المازِنِيِّ : لا يَصِحُّ عِندَنا أنَّهُ تَكَلَّمَ بِشَيءٍ مِنَ الشِّعرِ غَيرَ هذَينِ البَيتَينِ :

تِلكُم قُرَيشٌ تَمَنّاني لِتَقتُلَني

                      

فَلا وجَدِّكَ ما بَرّوا ولا ظَفِروا

فَإِن هَلَكتُ فَرَهنٌ ذِمَّتي لَهُمُ

 

بِذاتِ رَوقَين [١١]لا يَعفو لَها أثَرُ [١٢]

 

وهذان الرأيان كلاهما غير صائب، ويبالغان في نفي أشعار الإمام.

وبيّن البعض عند نقدهم لرأي المازني بأنّ هناك أبيات مرويّة عن الإمام عليّ عليه السلام لا يمكن تجاهلها بهذه البساطة. ومع أنّ العلاّمة المجلسي يذهب إلى القول بأنّ الحكم على نسبة جميع ما نُسب إلى الإمام عليّ عليه السلام في الديوان المشهور، موضع تأمّل إلّا أنّه يُقِرّ بأنّ نسبة الديوان إليه أمر مشهور[١٣].

وعلى كلّ حال هناك علائم عريقة في القدم تحمل دلالات على جمع وتدوين شعر الإمام عليّ عليه السلام ؛ فقد كتب النجاشي ضمن إحصائه لآثار أبي أحمد عبد العزيز ابن يحيى الجلودي الأزدي البصري (م ۳۳۲ ه )، ما يلي : وله كتب منها... شعره عليه السلام[١٤].

«إنّ أشهر وأقدم الكتب الموجودة من أشعار أمير المؤمنين عليه السلام هو كتاب (أنوار العقول من أشعار وصيّ الرسول) الذي أعدّه قطب الدين محمّد البيهقي الكيدري على أساس مصدرين تولّيا قبل ذلك مهمّة جمع وتدوين هذا الكتاب، وكذلك على أساس المنقولات التي عُثر عليها بين طيّات الكتب الموجودة.  ووصف الكيدري نفسه في مقدّمة الكتاب كيفيّة كتابة هذا الديوان وطبيعة محتواه على النحو التالي :
وقد كنت على قديم الدهر ظفرت بمجموع من أشعاره الجامعة لجلائل الكلم، وعقابل الحكم، نحوا من مائتي بيت جمعها الإمام أبو الحسن الفنجكردي رحمه اللّه، فأنستُ بذلك، واجتهدتُ فى اقتناص شوارد، على ما فيه زوائد ؛ إذ لم يكن إلاّ طرفا من طرفه، ودرّة من صدفه، إلى أن عثرت بمجموع آخر أبسط منه باعا، وأرحب ذراعا، وإن لم يكن شمل الكلّ واستجمع الكلّ الكثر والقلّ، قد استخرج بعضها من كتاب محمّد بن إسحاق وغيره من العلماء والتقط بعضها من ستون الكتب ممّا وُجد منسوبا إليه.
فاقترح عليّ بعض الإخوان أن اُجرّد من المجموعَين ما اختُصّ بالآداب والمواعظ والحكم والعِبَر دون ما ذُكر في سائر الأغراض، فأسعفتُ سؤله، وحقّقتُ مأموله، وسمّيت المجموع بالحديقة الأنيقة.
ثمّ وقع إليّ بأخرة مجموع من أشعاره عليه السلام جمعه السيّد الجليل أبو البركات هبة اللّه بن محمّد الحسني، فلم أجد فيه كثيرا ممّا وصل إليّ، وإن كان قد أورد أبياتا شردت منّي، وشذّت من يدي، وكنت في خلال ذلك أجدُّ في الطلب، وأدأبُ كلّ الدأب، أتفحّص كتب التواريخ والسير، والتقط ما أقف عليه من الغرر والدرر، مسندا ومرسلاً، مقيّدا ومهملاً ؛ إذ كان غرضي أن أنظم أفرادها، وأجمع آحادها. فلذلك لست أدّعي أنّ كلّ فلقٍ فيه سمع من فَلْق فيه، وأنّه عليه السلام قطعا ويقينا ناظمه ومُنشِئُه، بل في كثير منه أخذ بالظنّ والتخمين ؛ إذ من المتعذّر في مثله الحكم باليقين ؛ فإن ورد على امرئ ما يريبه، فحسبه من الكلام طيبه. هذا ولا أزعم أنّي أحطت بجميع أشعاره، واطّلعت على نتائج أفكاره، بل اجوّز أن يكون الحاصل عندي دون ما ظفرت منه يدي، وما عليّ إلّا بذل جهدي، وأرجو أن تكون المنفعة به كاملة تامّة، والفائدة شاملة عامّة. وها أنا قد أمّلت زمام الهمّة إلى القيام بهذه المهمّة، ورأيت بعد أن اسمّي هذا المجموع بـ : أنوار العقول من أشعار وصيّ الرّسول[١٥].
ومن الواضح أنّ كلام الكيدري كلام رصين ؛ فمن جهة لا يمكن التصديق بأنّ جميع الأشعار الواردة فى هذا الديوان من نظم الإمام عليّ عليه السلام وإنشائه، ومن جهة اُخرى لا يمكن القطع بأنّ كلّ الأشعار المنسوبة إليه وردت في هذا الكتاب.
ويمكن تبويب الأشعار الواردة في هذه المجموعة، والأشعار الاُخرى المنسوبة إليه، على النحو التالي :
١
ـ ما جاء على صيغة الرَّجز، والأشعار التي وردت في المصادر المعتبرة الاُخرى.
٢ ـ أشعار الآخرين التي تمثّل بها الإمام عليه السلام في طيّات خطبه وكتبه.
٣ ـ قول أو فعل الإمام عليه السلام الذي نُظِم شعرا على لسان شاعر آخر، ثمّ نُسب على مرّ الزمن إليه.
٤ ـ أشعار مَن تطابقت أسماؤهم مع اسمه، أو غيرهم، ثمّ نُسبت إليه على امتداد التاريخ، وتسلّلت إلى الديوان[١٦].

------------------------------------------------------
[١] . العقد الفريد : ج٤ ص٢٣٠ .
[٢] . الإرشاد : ج٢ ص١١٦ ، مثير الأحزان : ص٩٠ ، كشف الغمّة : ج٢ ص٢٧٦ ، بحار الأنوار : ج٤٥ ص١١٦ ح١ .
[٣] . نهج البلاغة : الحكمة ٤٥٥ ؛ النهاية في غريب الحديث : ج٣ ص٩٨ .
[٤] . نهج البلاغة : الحكمة ٤٥٥ . نقل ابن أبي الحديد عن ابن دُرَيد مضمون الجملة المذكورة ، ونقل تصريح الإمام عليه السلام بأنّ المراد من «الملك الضلّيل» امرؤ القيس (اُنظر شرح نهج البلاغة : ج٢٠ ص١٥٣ و١٥٤) .
[٥] . في نهج البلاغة : «الشعراء» بدل «الناس» .
[٦] . المجموعة الكاملة (عبقريّة الإمام علي عليه السلام ) : ج٢ ص١٣٦ .
[٧] . انظر على سبيل المثال : العمدة في محاسن الشعر وآدابه : ج١ ص١١١ ، مصادر نهج البلاغة وأسانيده : ج٤ ص٣١٢ .
[٨] . وعلى سبيل المثال أنّه كان يؤكّد على تعلّم شعر أبي طالب وتدوينه ونشره عند تعليله لسبب تعلّم شعر هذا الرجل الذي كان يدافع عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قائلاً : «تعلّموا شعر أبي طالب وعلّموه أولادكم ؛ فإنّه كان على دين اللّه ، وفيه علم كثير» (راجع تصنيف نهج البلاغة : ص٧٧٣ ووسائل الشيعة : ج١٢ ص٢٤٨) .
[٩] . راجع مقدّمة كتاب «أنوار العقول من أشعار وصيّ الرسول» بقلم كامل سليمان الحبّوري .
[١٠] . فهرست نسخ الكتب الخطّية في المكتبة المركزيّة بجامعة طهران : ج٢ ص١١٦ .
[١١] . الرَّوْقان : تثنية الرَّوْق ؛ وهو القَرْن ، وأراد بها هاهنا الحربَ الشديدة وقيل : الداهية (النهاية : ج٢ص٢٧٩) .
[١٢] . معجم الاُدباء: ج٤ ص١٨١٠ الرقم ٧٨٤ ، النهاية في غريب الحديث: ج٢ ص٢٧٩؛ العدد القويّة: ص٢٣٨ ح١٦ كلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ج٤٢ ص٢٢٣ ح٣١ .
[١٣] . لمزيد من التفاصيل راجع كتاب «تحقيقات أدبي» لكيوان سميعي : ص٣٣٣ ـ ٣٥٩.
[١٤] . رجال النجاشي : ج٢ ص٥٥ الرقم ٦٣٨ .
[١٥] . أنوار العقول من أشعار وصيّ الرسول : ص٩٢ .
[١٦] . راجع : الذريعة : ج٢ ص٤٣١ و ج٩ ص١٠١ .
****************************