في مصادر الكتاب
قال الشريف الرضي رحمه اللَّه : « ولا أدّعي مع ذلك أنّني أحيط بأقطار جميع كلامه عليه السّلام ، حتى لا يشذّ عنّي منه شاذّ ، ولا يندّ نادّ ، بل لا أبعد أن يكون القاصر عنّي فوق الواقع إليّ ، والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي وما عليّ إلَّا بذل الجهد وبلاغة الوسع ، وعلى اللَّه سبحانه نهج السبيل وإرشاد الدليل إن شاء اللَّه تعالى » .
واجه الشريف الرضي ما يواجهه كلّ متتبع للروايات من مشكلة الاستقصاء والشذوذ في الروايات ، ومهما أوتيت اليد الواحدة من قدرة فإنها تكون عاجزة عن الاستقصاء . وهذه حكمة اللَّه على كل البشر ، وليس المطلوب سوى استفراغ الوسع في سبيل الهدف ، وهذا ما قام به الشريف الرضي بكلّ إخلاص .
ولم يذكر الشريف الرضي في نهج البلاغة سوى تسعة كتب ، وهذا على خلاف عادته وأسلوبه في كتبه الأخرى ، مما يدعو إلى التساؤل عن السبب في ذكره هذه التسعة خاصة ، وهو وإن لم يصرّح بمصادره في كتبه غالبا لكنه اعطى فكرة عامة عنها ، فمثلا في كتاب « المجازات النبوية » ذكر رحمه اللَّه في المقدمة - بعد ما أشار إلى كتبه : تلخيص البيان عن مجازات القرآن ، وحقائق التأويل في متشابه التنزيل - قال : « والذي اعتمد عليه في استخراج ما يتضمن الغرض الذي أنحو نحوه ، وأقصد قصدة ، كتب غريب الحديث المعروفة وأخبار المغازي المشهورة ، ومسانيد المحدّثين الصحيحة ، مضيفا إلى ذلك ما يليق بهذا المعنى من جملة كلامه عليه الصلاة والسلام الموجز الذي لم يسبق إلى لفظه ، ولم يفترع من قبله ، وجميع ذلك ممّا أتقنّا بعضه رواية ، وحصّلنا بعضه إجازة ، وخرّجنا بعضه تصفّحا وقراءة ، مستمدين في ذلك ، وفي سائر الأنحاء والمرامي والمطالب والمغازي توفيق اللَّه سبحانه الذي يهوّن الشديد ويقرّب البعيد ، ويذلَّل الصعب إذا أبى ، ويقوّم المعوجّ إذا التوى ، وما توفيقي إلَّا باللَّه عليه توكَّلنا وإليه ننيب » [١].
وعليه فمصادر جمع الشريف الرضي هي :
١ - كتب غريب الحديث المعروفة .
٢ - أخبار المغازي المشهورة .
٣ - مسانيد المحدّثين الصحيحة .
وقد حصل على هذه بعض المصادر بالطرق السائدة في عصره وهي : ١ - الرواية ، ٢ - الإجازة ، ٣ - المراجعة ، ٤ - القراءة .
وصرّح الشريف الرضي بثمانية مصادر في نهج البلاغة هي :
١ - اصلاح المنطق ، لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكيت ( ت / ٢٢٤ ) ، الخطبة ٣ ، ص ٣٧ .
٢ - البيان والتبيين ، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ( ت / ٢٢٥ ) ، الخطبة ٣٢ ، ص ٥٩ .
٣ - التاريخ ، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ( ت / ٣١٠ ) ، الحكمة ٣٧١ ، ص ٤١٤ .
٤ - الجمل ، لأبي عبد اللَّه محمد بن عمر الواقدي ( ت / ٢٠٧ ) ، الكتاب ٧٥ ، ص ٣٦٣ .
٥ - غريب الحديث ، لأبي عبيد الهروي القاسم بن سلام ( ت / ٢٢٤ ) ، ولم يذكر الرضي اسم الكتاب بل قال : « هذا ممّا ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام » ، في الغريب ٤ ، ص ٤٣٠ ، ومن الواضح انه أراد الكتاب المذكور .
٦ - المغازي ، لسعيد بن يحيى الأموي ( ت / ٢٤٩ ) ، الكتاب ٧٨ ، ص ٣٦٤ .
٧ - المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام ، لأبي جعفر محمد بن عبد اللَّه الإسكافي ( ت / ٢٤٠ ) ، الكتاب ٥٤ ، ص ٣٤٨ و ٣٦٤ .
٨ - المقتضب ، لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد ( ت / ٢٨٦ ) ، الحكمة ٤٦٤ ، ص ٤٢٦ .
ولم يصرح بمصدر آخر في نهج البلاغة ، سوى هذه الثمانية ، وقد نقل عن خط أبي المنذر هشام بن محمد الكلبي ( ت / ٢٠٤ ) الكتاب ٧٤ ، ص ٣٦٢ .
وقد يكون من إحدى كتبه ، فهو كثير التأليف في الأخبار .
وعن السبب في ذكره هذه المصادر دون غيرها قال الهادي كاشف الغطاء : « والظاهر أن الوجه في تخصيص ذلك البعض بذكر المصدر دون غيره من مندرجات الكتاب هو أن ذلك البعض مما لم يتحقّق عند المؤلَّف نسبته إلى أمير المؤمنين عليه السّلام ، بخلاف غيره ، فإنّه على ثقة منه ويقين ، فلا يحتاج إلى ذكر مصدر له ، لكون العهدة عليه في النقل والنسبة ، وهذه عادة القدماء من أهل التأليف . . . وقد يكون الوجه في ذلك وقوع الخلاف في النسبة أو وجود النسبة إلى الغير ، فيذكر المصدر نسبته إلى الإمام عليه السّلام كما يظهر ذلك من نقله عن الجاحظ في كتاب البيان والتبيين » [٢].
وهذا رأي مصيب ، إذ أنّا نجد هذه المصادر ليست من مصادر روايات أهل البيت الذي اعتزّ بها الشريف الرضي ، بل مصادر عامة راجعها ونقل عنها من دون رواية وإجازة وقراءة ، كما هي الحال في عصرنا ، ومن هنا وجب التنبيه على ذلك بذكر هذه المصادر دون غيرها .
كما أن الشريف الرضي صرّح في سبعة موارد بأسماء الرواة للمأثورات عن الإمام عليّ عليه السّلام دون غيرها من الخطب والرسائل والحكم بعنوان « روي » و « حكي » وما شابه ذلك ، وهي كالآتي :
١ - أحمد بن يحيى المعروف بثعلب ( ت / ٢٩١ ) ونصّه « ما حكماه ثعلب » في الحكمة ٤٤٠ ج ٢٠ ص ٨٠ [٣].
٢ - ذعلب اليماني ، ونصّه : « روى ذعلب » في الكلام ٢٩ ج ١٣ ص ١٨ .
٣ - ضرار بن حمزة الضبابي ، ونصّه : « ومن خبر ضرار » في الحكمة ٧٥ ، ج ١٨ ص ٢٧٥ .
٤ - كميل بن زياد النخعي ( ت / ٨٢ ) ، ونصّه : « قال كميل » ، في الحكمة ٤٣ ح ١ ص ٣٤٦ .
٥ - الإمام محمد بن علي الباقر عليه السّلام ( ت / ١١٤ ) ، ونصّه : « وحكى عنه أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام » في الحكمة ٨٥ ج ١٨ ص ٢٤٠ .
٦ - نوف البكالي ( ت / ١٠٠ ح ) ونصّه : « روي عن نوف البكالي » في الخطبة ١٨٣٠ ج ١٠ ص ٧٦ .
٧ - وهب بن عبد اللَّه السوائي ( ت / ٧٤ ) ، ونصّه : « وروى أبو جحيفة » في الحكمة ٣٨١ ، ج ١٩ ص ٣١٢ .
٨ - محمد بن جرير الطبريّ ( ت / ٣١٠ ) ونصّه : « وروى ابن جرير الطبري في تاريخه » في الحكمة ٣٧٩ ج ١٩ ص ٣٠٥ .
وظني ان الشريف الرضي إنما خصّ أسماء هؤلاء الرواة دون غيرهم لاختلاف الروايات ، فاختار ما رآه أنسب مشيرا إلى الراوي ، مع أنّ هؤلاء إنّما يدخلون في اعلام نهج البلاغة فيما لو عمل فهرس للاعلام فانّ لكميل ذكر في نهج البلاغة في ثلاثة موارد في الكتاب ٦١ والحكمة ١٤٣ و ٢٥٤ ، ولم يعنونه بعنوان الراوي إلَّا فيالحكمة ١٤٣ ، لأن المحادثة قد حصلت بينه وبين الإمام عليه السّلام ممّا أوجب ذكر اسمه .
مصادر أخرى
من الطبيعي أنّ الكتب التي ألَّفت في عهد الرضي وما قبله والتي كانت ميسّرة له ، كلَّها تكون من مصادر نهج البلاغة ، وانّ مصادر أهل البيت التي ألَّفت في عصر الرضي ينص على كثير منها .
ونكتفي بعرض سريع لما ذكره أبو العباس النجاشي ( ت / ٤٥٠ ) وأبو جعفر الطوسي ( ت / ٤٦٠ ) في فهرسيهما في خصوص ما يتعلَّق بالامام عليه السّلام على ما ينبئ عناوينها ، دون المصادر العامة .
١ - خطب علي ، لأبي إسحاق إبراهيم بن الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي المفسر ( ذكره النجاشي ) [٤].
٢ - كتاب الخطب ، لأبي إسحاق إبراهيم بن سليمان بن عبد اللَّه بن خالد النهمي - نسبة إلى منهم ، بطن من همدان الكوفي الخزاز ، وله مقتل أمير المؤمنين ( ذكره النجاشي والطوسي ) [٥].
٣ - كتاب رسائل علي وحروبه ، لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الكوفي ( ت / ٢٨٣ ) ، وله كتاب كلام علي في الشورى ، وله كتاب بيعة أمير المؤمنين ، وله كتاب مقتل أمير المؤمنين ( ذكرها الطوسي ) [٦].
٤ - خطب أمير المؤمنين ، لأبي يعقوب إسماعيل بن مهران بن محمد السكوني الكوفي ، المتوفى بعد سنة ١٤٨ ه ( ذكره النجاشي والطوسي ) [٧].
٥ - خطب أمير المؤمنين على المنابر في الجمع والأعياد وغيرها ، لزيد بن وهب الجهني الكوفي ، المتوفى سنة ٩٦ ه ، ( ذكرها الطوسي ) [٨].
٦ - خطب أمير المؤمنين ، لأبي الخير صالح بن أبي حمّاد الرازي ، المتوفى بعد سنة ٢١٤ ه ، من أصحاب الإمام العسكري عليه السّلام [٩] ( ذكره النجاشي ) [١٠].
٧ - خطب عليّ ، لأبي احمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي الأزدي البصري المتوفى سنة ٣٣٢ ه ، وله كتاب شعر علي ، وله كتاب ذكر كلام عليّ في الملاحم ، وله كتاب قول علي في الشورى ، وله كتاب ما كان بين علي وعثمان من الكلام ، وله كتاب الأدب عن عليّ ، وكتب أخرى فيها آثار الإمام عليه السّلام : رسائل علي ، ومواعظ عليّ ، وخطب عليّ ( ذكرها النجاشي ) [١١].
٨ - خطب أمير المؤمنين ، لأبي بشر ( أبي محمد ) مسعدة بن صدقة العبدي الكوفي ، الراوي عن الإمام الكاظم عليه السّلام ، المتوفى سنة ١٨٣ ( ذكره النجاشي ) [١٢].
٩ - خطب وكتب أمير المؤمنين عليّ رضي اللَّه عنه ، لأبي المفضل نصر بن مزاحم المنقري الكوفي العطار ، المتوفى سنة ٢١٢ ه ، ( ذكره النجاشي ) [١٣].
١٠ - خطب عليّ رضي اللَّه عنه ، لأبي منذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، المتوفى سنة ٢٠٦ ه ، كان والده محمد من أصحاب الإمام الباقر والصادق عليهما السّلام ، وله تفسير القرآن ، توفي سنة ١٤٦ ه ( ت / ١٤٦ ) ، وجدّه السائب ، وأخواته عبيد وعبد الرحمن ، وأبوهم بشر شهد الجمل وصفين مع أمير المؤمنين عليه السّلام ( ذكره النجاشي ) [١٤].
وقد أنصف الأستاذ علي العرشي الحنفي في استناد نهج البلاغة بقوله : « ليس بخاف على أبناء العلم والمولعين به أنّ معظم محتويات نهج البلاغة توجد في كتب المتقدّمين ولو لم يذكرها الشريف الرضي ، ولو لم يعر بغداد ما عراها من الدماء على يد التتر ولو بقيت خزانة الكتب الثمينة التي أحرقها الجهلاء لعثرنا على مرجع كلّ مقولة مندرجة في نهج البلاغة » [١٥].