وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                
وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                

Search form

إرسال الی صدیق
بعض المشككين وحججه

قال في نهج البلاغة ما يشك الناقد البصير فيه كما يشك في كثير مما يسند إلى رسول الله "ص" من الأحاديث والأخبار لمباينة بعضه لأسلوب الصدر الأول بوفرة أسجاعه وتوليد ألفاظه كالأزلية والكيفية ولعزو العلماء بعضه قبل أن يكون جامع النهج إلى غيره ولما فيه مما كان كرم الله وجهه أعلى قدراً وأدق نظراً من أن يفوه به كبعض المطاعن والمغامز التي كان ينكرها على أصحابه إذا سمعهم يسبون أهل الشام فكيف به وكالذي جاء في آخر القاصعة وفي الخطبة التي يخبر بها عما يكون من أمر التتار والخطبة التي يومي بها إلى الحجاج ونحوذلك مما لا يتفق وأسلوبه الحر المحقق وكلامه الحكيم في شيء.
أقول ظاهر كلامه هوالقدح في بعض ما تضمنه كتاب النهج لا في جميعه,وان ذلك من جهة المتن لا من جهة السند ولكنها ترجع إليه.

وما ذكره من مباينة ذلك لأسلوب الصدر الأول بأمرين هما وفرة أسجاعه وتوليد ألفاظه فيقال له:أما وفرة الأسجاع فهي ممنوعة وعلى فرض تسليمها فهي غير موجبة لمباينة أسلوب الصدر الأول ولا قادحة في فصاحة الكلام إذا جاءت عفواً من غير تكلف ولا تعسف,فأما عدم قدحها في الفصاحة والبلاغة فهو أمر لا مرية فيه,وقد عد السجع والازدواج من محسنات الكلام,وأما عدم المباينة فلورود أمثال ما يسميه في النهج سجعاً في كلام العرب وفي الخطب التي قبل الإسلام.
وقد ورد كثيرا في القرآن الكريم وان منع بعض من تسميته سجعاً احتراماً لكلامه تعالى,وورد في كلام النبي وكلام صحابته من ذلك ما لا يخفى على الخبير.

ولوأردنا بسط الكلام في هذا لا تسع المجال فراجع إن شئت شرح ابن أبي الحديد صفحة ٤١(ج ل) فانه ذكر إن قوماً عابوا السجع وادخلوا خطب أمير المؤمنين في جملة ما عابوه إلى آخر ما فصله.

وراجع كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري صحيفة ١٩٩ وكتاب المثل السائر صحيفة٧١ وغيرها من كتب الفن لتتضح لك صحة جميع ما ادعيناه.

وأما دعوى توليد بعض الألفاظ الواردة في النهج كالأزلية والكيفية فهي كدعوى التوليد في ألفاظ وردت في كلام عربي يوثق بعربيته وفي ذلك ما لا يخفى فان المولد هو ما يوجد في كلام من لا يحتج بكلامه من الألفاظ المحدثة التي لم يذكرها أهل اللغة,وأما ما يوجد في الكلام العربي الذي عليه يعتمد واليه يستند فلا معنى لوصفه بالتوليد فما يوجد في الكتاب الكريم وفي كلامه "ص" وكلام صحابته لا يحتاج في شانها إلى كلام كتب اللغة أهل اللسان.وقد روى جميع ما في النهج راوثقة معتمد من أئمة العربية عن عربي صراح لا تقل روايته في القبول والاعتبار عما يرويه بعض أهل اللغة عن إمريء القيس ونحوه من العرب,ومع ذلك فقد تسلم طوائف كثيرة من المسلمين على اختلاف مذاهبهم ونحلهم على قبول المروي في النهج وصحة نسبته,أ فيصح بعد هذا كله أن يقول قائل فيما رواه ذلك الثبت الخبير عن أفصح العرب ان فيه لفظاً مولداً كلا ولم لا نشك فيما رواه فلان وفلان من أهل اللغة عن شاعر عربي ثم نحكم بأن لفظاً في كلامه مولداً وننفي كون ذلك للعرب.

وهذا ولكن الإنصاف ان وجود لفظ لا وجود له في اللغة في كلام يشك فيه انه للعرب يزيد الشك ولكني لا ادري وليتني دريت بالذي آثار الشك في نفس ذلك الكاتب وسبب ذلك له وحيث انا لسنا على شك نرى ان كل ما في النهج من مفردات الألفاظ ومركباتها مما يحتج به ويصلح شاهداً ودليلاً ولا نعبأ بما في أساس البلاغة ولا بما في (صفحة٣٢٠)من شفاء الغليل من أن الأزل والأزلية كله خطأ لا اصل له في كلام العرب ولا يصح ذلك في اشتقاق ولم يسمع وان اولع به أهل الكلام.
بعد ورود هذه الكلمة في كلام افصح العرب ولعل صدور مثل هذا الكلام من جهة عدم الاطلاع والإحاطة ولا يقبل اجتهاد اللغوي في قبال النص العربي ولذا جعل ابن أبي الحديد قول أمير المؤمنين "ع" (وقد ارعدوا) حجة على الاصمعي لما أنكر ذلك وزعم انه لا يقال الارعد وابرق على أن الصحاح والقاموس والمجمع قد ذكرت فيها هذه الكلمة وشرح معناها وهي اصح واثبت من الأساس والشفاء وعليها المعول واليها المرجع,وأما الكيفية فيجري فيها ما جرى في أختها وقد ذكرها الفيومي في المصباح قال:وكيفية الشيء حاله وصفته وأما عزوبعض ما في النهج إلى غيره فهو غير قادح فان كثيرا مما ينسب إلى شخص ينسب إلى غيره على رواية أخرى والمعول على اصح الروايتين وأصحهما لعلها هي رواية النهج فقوله(قبل أن يكون صاحب النهج)كلام لم نجد له فائدة كثيرة وأما قوله ولما فيه من المطاعن والمغامز فهي عمدة ما استند إليه الذهبي في نفي كون ما في النهج من كلام أمير المؤمنين "ع" وقد قدمنا الكلام على ذلك ونوهنا بما تعتقده فرق المسلمين في ذلك ونزيد الأمر هنا إيضاحا .
فنقول ان أمير المؤمنين "ع" كان يكره ان تكون شيعته وأصحابه سبابين شتامين وكان ينهاهم عن ذلك لأنهم كانوا لا يعرفون مواضع السب ومواقع الشتم والأحوال والأوقات والمصالح والمفاسد التي قد تترتب على ذلك فربما وقع شيء من ذلك في غير موقعه وحل في غير موضعه وربما ترتب عليه فساد أوعناد أوإصرار على ظلم أوباطل كما انه من الممكن ان يترتب عليه إقلاع عن باطل أو انقياد إلى هدى وإنصات إلى حجة,وعليه فيكون الطعن والغمز والسب والشتم مما ينقسم باعتبار المصالح والدواعي والأغراض والأسباب والآثار والأحوال والأزمان إلى الأحكام الخمسة التكليفية وأمير المؤمنين ابصر بمواقع ذلك واعلم وابر واتقى وليس لنا والحال كما عرفت ان نقطع على كلام نشك في نسبته إليه بوجود طعن فيه أولعن أوغمز أوتظلم ان ذلك ليس من كلامه وان نسبته إليه باطلة ولولا ما تضمنه كلامه"ع" وكلام عترته الهداة لما اتضح الحق وأهله واستبان الضلال من الهدى وامتاز الولي من الغوي والشقي من السعيد,ثم ان المعروف عنه "ع" كراهة أن يكون أصحابه سبابين شتامين يكثر منهم السب والشتم ويتكرر منهم ويكون لهم عادة ثابتة وسجية راسخة بحيث يصدر منهم ذلك لأدنى موجب وأهون سبب وبحيث يكونون معروفين بهذه الصفة القبيحة والخصلة المستهجنة.
وأما ما جاء في آخر الخطبة المعروفة بالقاصعة فليس هوإلا حديث الشجرة التي دعاها رسول الله "ص" والحديث الوارد فيه كثير مستفيض ذكره المحدثون في كتبهم والمتكلمون في معجزاته "ص" والأكثرون رووا الخبر فيها على الوضع الذي جاء في خطبة أمير المؤمنين ومنهم من يروي ذلك مختصراً ولا أعلم جهة القدح التي يوجبها ذكر هذه المعجزة في هذه الخطبة حتى اعرج عليها وانشر بساط البحث فيها كما اني لا اعلم ان ذلك لم صار مما كان كرم الله وجهه أعلى قدراً وأدق نظراً من أن يفوه به واني ليسبق ألي من كلام هذا الكاتب معنى أنزهه وكل مسلم عنه.
وأما الخطبة التي يخبر بها عما يكون من أمر التتار والخطبة التي يومي بها إلى الحجاج وغيرهما من خطبه المشتملة على الأخبار عن المغيبات.

فلا ينبغي أن يستغرب ذلك ولا يستنكره إلا من لم يعرف قدر أمير المؤمنين ومقامه وانه باب مدينة العلم وانه إلى ما يضيق عنه نطاق الحصر ولا غروان لم يصدر أمثال ذلك من أحد الصحابة فانه قد امتاز عنهم بأمور كثيرة خصه "ص" بها وله معه خلوات لم تتهيأ لغيره وقد استفاد من علومه ما لم يستفده غيره ولا أحاط به سواه وقد اخبره بما سيكون بعده من الحوادث والوقائع والماجريات وقد صرح "ع" بذلك للكلبي بقوله يا أخا كلب ليس هوبعلم غيب وإنما هوتعلم من ذي علم وكان "ع" كثيرا ما يخبر بالمغيبات والحوادث قبل وقوعها فلا يستغرب من الكلام المنسوب إليه إذا اشتمل على ذلك بل لعل ذلك مما يؤيد نسبته إليه ويؤكدها والغيب لا يعلمه إلا الله تعالى ولكنه يعلمه لمن يشاء من عباده الصالحين,هذا ان قصد الكاتب هذا المعنى وان قصد معنى آخر فلفظه قاصر عن أفادته.
وأما قوله في آخر كلامه (مما لا يتفق وأسلوبه الحر وكلامه الحكيم في ذلك) فلا يخفى ان معرفة الأساليب إنما تكون لأهل الذوق والخبرة التامة بعلمي المعاني والبيان والأنس الكامل بذلك الكلام وليس كل من اشتغل بنحووصرف حتى تمكن من تقويم لسانه يكون من أهل الذوق وممن يصلح لانتقاد الكلام والتمييز بين أساليبه قال ابن أبي الحديد في شرحه (ص٢٣٥ج٢) إن أهل الذوق الذين اشتغلوا بعلم البيان وراضوا أنفسهم بالرسائل والخطب والكتابة والشعر وصارت لهم بذلك دربة وملكة تامة فإلى أولئك ينبغي أن ترجع في معرفة الكلام ان كنت عادماً لذلك من نفسك,ولعل هذا الكاتب من هؤلاء وممن مارس كلام أمير المؤمنين وانس به حتى صار عارفاً بأساليبه ومقتدراً على معرفة ما يوافق أسلوبه الحر وما لا يوافقه.

****************************