وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                

Search form

إرسال الی صدیق
تجليات الزهد في نهج البلاغة – الأول

 

كاظم حمد المحراث

بسـم الله الرحمن الرحيم

من واجب الباحث المُحلّل لمضامين نهج البلاغة الفكريّة أن يولي نصيباً وافراً من عنايته لإدراك تميُّز شخصيّة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)منتج هذا الكنز ، وأن يُعطي اهتماماً خاصّاً للبيئة وللظروف التي أُنتِج فيها ، إذ يجد في هاتين المعرفتين شتّى مظاهر غنى هذا النتاج ، ويقع بفهمهما الكشف عن أهمّ مكوّناته في فلسفة الدين والحياة.
فعـن شخصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) يكفي أن نعرف أنّ إجماع المؤرخّين قائم على أنّه لم ينشغل بمتاع الدنيا ووجاهتها قطّ ; إنّه وُلِد فقيراً ، وعاش فقيراً ، ومات ولم يكنْ في تَركَته شيء ماديّ ، مع أنّ كنوز الدولة الإسلاميّة كلّها كانت بيده قبل موته ، لم يُقرِّب قريباً ولم يُبعِدْ غريباً إلاّ بالحقّ ، ولم تشهدْ سـيرتُه انحرافاً أو خطأً ما ، ولم يوظّف حياته إلاّ لخدمة الإسلام والمسلمين.
وهو أوّل الناسِ إسلاماً [١] ، وأوّلهم صلاةً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) [٢]..
كما أنّه الوحيد الذي قَبِلَ أن يكون أخاً للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من بين بني عبد المطّلب حين جمعهم الرسول وقال لهم : « مَنْ يُؤازِرُني على ما أنا عليه ويجيبني على أن يكون أخي وله الجنّة ؟ » [٣] ..
وهو نفسُه الذي كان يكرّر أنّه عبد الله وأخو رسوله على مرأى المسلمين ومسمعهم..
وهو الذي جعله الرسول منه بمنزلة هارون من موسى [٤]..
والذي قال فيه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لأُعطِيَنّ الراية غداً إلى رجل يحبّ الله ورسولَه ، ويحبّه الله ورسولُه ، ويفتح عليه [٥].
مات الشيخان وهما مقدّران مكانته ، ومعترفان بمنزلته وشدّة تقواه ، وهو نفسُه لم يبخلْ عليهما بمشوَرة أو نصيحة. وهو الذي تمـثّلت له الدنيا في هيئة جميلة ، فقال لها : غرّي غيري [٦].
تتلمذ ـ منذ طفولته ـ على يد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونشأ في كنفه [٧] ، ولا يسع المتأمّل لطبيعة هذه التلمذة ، وللظروف المحيطة بتلك النشأة إلاّ أن يستنتج أنّها أكسبت عليّاً (عليه السلام) سمات راقية في العلم ، وفي البيان ، وفي التديّن الزاهد ، وفي الحقوق والقضاء ، حتّى غدا بعمله وفصاحته وتديّنه صورة قريبة من فصاحة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلمه وتديّنه.
وتمكّن من سبر أغوار علوم القرآن وتفسير آياته ، وامتلك عبقريّة فريدة في القضاء والفقه ، وحاز على مَلَكَة بلاغيّة ارتقت إلى الدرجة الثالثة في الفصاحة العربية ، بعد القرآن الكريم ، والقول النبويّ الشريف.
وكان تقشّفه في الحياة ، وزهده بها ، وإعراضه عن مباهجها ، وهروبه منها ، مثار إعجاب المسلمين الأوائل ، وغدا مضرب الأمثال عند السلف [٨].
ولم تقِلّ تجربته الاجتماعية عن تجاربه في التديّن والعلم والقضاء والبيان ، بل لعلّها ـ أُسوة بتجاربه الأُخرى ـ جعلته أقرب الناس إلى الله ، وصيّرته لا يأبه في أمتعة الدنيا ، والذي يبدو أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يعرف قدر الدنيا بمفهومها اللّغويّ الدقيق الدالّ على تتبّع دنيِّ الأُمور وصغيرها وخسيسِها [٩] ، وأنّ استصغار الدنيا [١٠] ، ومحو آثارها من القلب [١١] ، الذي صار تعريفاً لمصطلح الزهد لاحقاً ، كان منهجاً قائماً في ممارسة عليّ (عليه السلام)وفي تطبيقاته ، فأدرك أنّ « من هوان الدنيا على الله أنّه لا يُعصى إلاّ فيها ، ولا يُنال ما عنده إلاّ بتركها » [١٢] ، في زمن رأى البشر يتكالبون على نيل مباهجها ، ووجاهتها ، وترفها.
كما أنّ مراجعة تأريخ إنتاج نصوص نهج البلاغة ، واستقراء مناسبات كتابتها ، وأساليب توجيهها ، تكشـف عن أنّها وليدة ظروف متباينة ; تتّسم ـ من جهة ـ بتمكّن الإسلام الزاهد في قلوب فئة قليلة جدّاً من الصحابة.
وجاءت ـ من جهة ثانية ـ في ظل ظروف الفتوحات ونشر الدين ، والخلافات في الإمامة والسياسـة.
وتُرافِق ـ من جهة ثالثة ـ بواكير استفحال النزعة الفرديّة ، والمشاعر الأنانيّة ، والتكالب على المتاع الدنيويّ..
وفي ظرف يمكن للدين فيه أن يُمسي طقوساً جافّة لا حياةَ فيها ، وأن تُضحي عبادات بعضهم خاليةً من التقديس والخشوع ; لأنّ تلك النفوس تحوّلت للانشغال بمصالحها العاجلة ، وغدت في غفلة عن مصيرها.
والواقع أنّ تحليل هذه الاتّجاهات كلّها في نهج البلاغة يستدعي الإطالة ، ويقود إلى تكرار ما كتبه المؤرّخون والعلماء والفقهاء والدارسون ، قديماً وحديثاً ، وهذه ليست مهمّة هذه الدراسة التي نريد لها أن تتعرّض إلى طبيعة زهد الإمام عليّ (عليه السلام) واتّجاهاته ومكوّناته من خلال ما ورد في كتاب نهج البلاغة ، الذي ضمّ جُلّ خطبه وأحاديثه ورسائله ; بهدف التعريف بمضمون فكريّ واحد ، من جملة مضامين هذا النتاج الأدبي والفكري والديني ، الموروث عن ذلك السلف الصالح ، لعلّنا نستطيع أن نزيد في تسليط الأضواء تجاه تلك السيرة العطرة ، ونقتدي بها في التعامل مع الدين والحياة.
لقد جُبل عليّ (عليه السلام) على الورع والعلم والتقوى من دون مؤثّرات خارجيّة ، بارزة الملامح ، في ما عدا القرآن والتّلمذة النبوية حتّى عدّه جابر ابن حيّان ( ت ١٩٨ هـ ) مصدر العلم اللدنيّ بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) [١٣] .
وإذا صحَّ إجماع القول على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) خُلِق كي يكون نبيّاً للبشريّة ، فإنّه ليس من الغلوّ أن يُقال : إنّ عليّاً (عليه السلام) خُلِق كي يكون إمامَ الزهـد والتقى ، وقد ضرب في سلوكه المثل على ذلك ، قبل أن يقدّم المواعظ.
وإذا وصلنا إلى مواعظه وأقواله ، فأوّل ما يلقانا فيها شدّة اهتمامه بوعظ الناس ، وإيقاظ ضمائرهم ، ودعواته المكرورة للتخلّي عمّا في الدنيا والهروب إلى الله ، وظلّت عبارة : « تخفّفوا تلحقوا » ، شديدة الوضوح في نهج البلاغة.. 
« إنّ الغايةَ أمامكم ، وإنّ وراءكم الساعة تحدوكم ، تخفّفوا تلحقوا ، فإنّما تنتظر بأوّلكم آخركم » [١٤] .
يتّسـم المضمونُ الزهديُّ الواعظ المبثوث في نهج البلاغة بأنّه لا ينمّ عن رغبة فرديّة أنانيّة في التقرّب إلى الله ، ونيل رضاه ، وإنّما يفصح عن أنّه رسالة دينيّة وأخلاقيّة تشمل البشريّة كلّها ، وتسير على المنهج النبويّ ، وتعزّزه ، وتركّز عليه ، لا سيّما وأنّ قائلها قد تحمّل هو نفسه عبئاً كبيراً ، ومسؤوليّةً جمّةً ـ إلى جانب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة الكرام الأوائل ـ في نشر الإسلام وتثبيته في قلوب الناس..
« إنّ أخْوفَ ما أخاف عليكم اتّباع الهوى ، وطول الأمل ، فتزوّدوا من الدنيا ما تحرِزون به أنفسكم غداً » [١٥].
كما تعجّ الخطب الموجّهة إلى العباد بمضامين زهديّة تدعو إلى الاستهانة بالدنيا ، وتكتظّ بمشاعر الأسى والخوف والتحذير ممّا ينتظرهم ، وكأنّنا ـ ونحن نطّلع على هذه المضامين ـ نقف أمام تكرار مضامين قرآنيّة تتّخذ أُسلوب التحذير والترهيب..
« فلتكُنِ الدنيا في أعيُنِكم أصغر من حُثالةِ القَرَظ ، وقُراضةِ الجَلَم ، واتّعظوا بمَن كان قبلكم ، قبل أن يتّعِظ بكم مَن بعدكم ، وارفضوها ذميمةً ; الساعة : يوم القيامة.
تحدوكم : تسوقكم إلى ما تسيرون عليه.
تخفّفوا : المراد هنا التخفّف من أوزار الشهوات.فإنّها قد رفضت مَن كانَ أشغَفَ بها منكم » [١٦] .
واعتمدت أداءات نهج البلاغة الفكرية على الدعوة إلى ممارسة الزهد ، وأرادت للإنسان اتّخاذه منهجاً دينيّاً ، وأُسلوباً للعيش ، وطريقة تعامل في الحياة ، وتمنّت له أنْ يكون شعائر يوميّة ، وطقوساً إنسانيّة تؤدّى كلّ حين ، بطريقة توحي أنّ هذه الدعوات كلّها انطلقت من نفس مطمئنّة إلى اليوم الآخر ; طلّقت الدنيا ، وربطت مصيرها بحياة ما بعد الموت ، وأيقنت أنّ سنين الحياة هي هبة الله للإنسان ، يمنحها كي يدّخر عملاً صالحاً لآخرته.
لقد جاء التحذير من الغفلة في النهج شديداً ، والتوبيخ قاسياً ، وتعدّدت أساليبُه ، وجدّت في التنبيه إلى أنّ النضال في الدنيا ، والكدّ ، والدأب ، والنشاط ، والمدافعة فيها ، لا جدوى منه إنْ لم تُحسَب منفعته في البقاء الأُخرويّ السرمديّ ; بمعنى : إنّه لا بُدّ من استثمار الدنيا لصالح الآخرة..
وتكرّرت الدعوات اللافتة إلى النفعية الأُخرويّة في ظلّ ظروف اتّجه فيها كثير من المسلمين إلى التراخي في التمسّك الأُصولي بالدين ، وفتر الوازع الزاهد في نفوس بعضهم ، واتّجهوا إلى جمع المال ، وانشغلوا بلذيذ العيش..
« ألا وإنّ هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنّونها وترغبون فيها ، وأصبحت تُغْضِبُكم وتُرضيكم ، ليست بداركم ، ولا منزلكم الذي خُلِقتم له ، ولا الذي دُعيتم إليه.
ألا وإنّها ليست بباقية لكم ، ولا تبقون عليها ، وهي وإن غرّتكم منها ، فقد حذّرتكم شرّها ; فَدَعوا غرورَها لتحذيرها ، وأطماعَها لتخويفها ، وسابقوا فيها إلى الدار التي دُعِيتم إليها ، وانصرفوا بقلوبكم عنها...
واستتمّوا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله ، والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه.
ألا وإنّه لا يضرّكم تضييعُ شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم.
ألا وإنّه لا ينفعُكم بعد تضييع دينكم شيءٌ حافظتم عليه من أمر دنياكم » [١٧]..
« فلو رميتَ ببصرِ قلبك نحو ما يوصف لك منها ( الجنّة ) لَعَزَفَتْ نفسك عن بدائع ما أُخرِجَ إلى الدنيا من شهواتها ولذّاتها ، وزخارفِ مناظرِها ، ولذَهِلَتْ بالفِكْرِ في اصطفاقِ أشجار غُيِّبـتْ عروقُها في كثبان المسك على سواحل أنهارِها ، وفي تعليق كبائس اللؤلؤ الرَطب في عساليجها وأفنانها ، وطلوع تلك الثمار مختلفة في غُلُفِ أكمامها ، تُجنَى من غير تكلّف فتأتي على مُنْيَةِ مُجتنيها ، ويُطافُ على نُزّالها في أفنية قصورها بالأعسال المصفقة ، والخمور المروّقة. قومٌ لم تزل الكرامةُ تتمادى بهم حتّى حلّوا دار القرار ، وأمِنوا نُقلةَ الأسفار..
فلو شغلتَ قلبك أيّها المستمع بالوصول إلى ما يهجم عليك من تلك المناظر المونقة ، لزهقتْ نفسُك شوقاً إليها ، ولتحمّلت من مجلسي هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالاً بها » [١٨] .
في الخطبتين مُقاربة زهديّة شديدة الوضوح والإيجاز ، تضع الحياتين ( الدنيويّة والأُخرويّة ) كلتيهما في كفّتي ميزان واحد تحت إدراك عقل المتلقّي وفهمه ، بصرف النظر عن مستوى ثقافته ودرجة وعيه ، وفضلاً عن تلك المقاربة الناضجة ، فالخطبتان تحملان دعوَتي إنذار وتحذير فوعيد ، وترغيب وتأميل فتبشير..
المضمون الأوّل يُـعرّي جسـد الدنيا ويكشف عوراتها ، ويلعن تقلّباتها ، ويزدري نفعها...
في حين يحمل المضمون الثاني مزايا الآخرة ، ويشـدّد على ديمومة نعمها ، ويلهج بخصوصيّة مباهجها...
أمّا الخطيب ، فعلى الرغم من انحيازه الواضح إلى كفّة الحياة الآخرة ، فإنّه نوّه بالمزايا في الخطبتـين ، وترك للمتلقّي حريّة التقصّـي فالاستنتاج ثمّ الاختيار ، كما ترك له حريّة اختيار السبيل لكبح جماح النفس ولَجْم نزواتِها.

وللزهدِ في النهج اتّجاه آخر يتّخذ الوعظَ أُسلوباً أدائيّاً يدعو الأفراد للقيام بعملية استبطان نفوسهم ، ومعرفة نزعاتها..
« عبادَ الله ! زِنُوا أنفسَكم من قبل أن توزَنوا ، وحاسبوها قبل أن تُحاسـبوا » [١٩]..
وتحليل طباعها..
« واعلموا أنّه مَن لم يُعَنْ على نفسه حتّى يكون له منها واعظ وزاجر ، لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ » [٢٠]..
كي يعرف كلُّ فرد حقّ نفسه عليه ، ويحيط برغباتها المشروعة ، ويقف حائلاً دون انغماسها بالشـبهات..
« واعلموا عبادَ الله ، أنّ عليكم رصداً من أنفسكم ، وعيوناً من جوارحكم ، وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم ، وعدد أنفاسكم ، لا تستركم منهم ظُلمةُ ليل داج ، ولا يكنّكم منهم بابٌ ذو رِتاج » [٢١] ..
ويقوم بمهمّة الرقيب الداخلي ، القادر على الحزم والنهي..
«... امرؤ ألْجَمَ نفسَه بلجامها ، وزمّها بزمامِها ; فأمسكها بلجامِها عن معاصي الله ، وقادها بزمامها إلى طاعة الله » [٢٢]..
فإن تحقّقت هذه المسؤوليّة الفرديّة في النفوس ، وأُحيطت النفس بعوامل المنع الداخلي المسند بالموعظة ، تحقّق للأفراد الحفظ الإلهي بتجـاوز الزلل والخـطايا..
« مَن كان له من نفسه واعظ ، عليه من الله حافظ » [٢٣].
نستنتج من ذلك : أنّ المسؤوليّة الزهديّة هي قرار ذاتيّ دنيويّ ، يحقّق منفعةً أُخرويّة ذاتيّة ، ينبع اتّخاذُها من حزم الأفراد أنفسِهم مع نفوسِهم ، ولا تتحكّم باتّخاذه عوامل خارجيّة كبيرة..
ويستطيع المرء أن يقرّر ذلك بنفسه ، ويمتلك حريّة مطلقة في اتّخاذه أُسلوباً حياتيّاً ، فهو أُسلوب في الحياة لا يتعارض مع أيّ وضع آخر في كلّ زمان وأيّ مكان ، وإن سلَك الأفراد في عموم المجتمع هذا السلوك تحقّق للمجتمع كلّه العـدل..
لذلك ، فغير مبرّر لنا ـ أبناء الأجيال المعاصرة ـ أن نتذرّع بحجج ننحرف بها عن قيم الدين وأُصوله ; فمعاني الزهد المبثوثة في كتاب نهج البلاغة ليس فيها من الغلوّ أو التطرّف أو تعذيب النفس ، من شيء مثل ذلك الذي أشاعته فرق المتصوِّفة في القرون اللاحقة...
كما أنّها لا تُطالب الأفراد بأكثر من كبح جماح النفس ، ونهيها عن المحرّمات ، ومعرفة ما لها فتسعى إلى نيله بأيسر سبيل ، وإدراك ما عليها فتُلْزَم بتطبيقه وتنفيذه على أحسن الوجـوه.
وتشغل دعوات الاستعداد للموت ، والتذكير به ، ووصف حال أهل القبور ، حيّزاً كبيراً في النهج ، عسى أن يكون من شأن ذلك دفع الناس إلى الزهادة في الحياة ، والتقلّل من مباهجها ، والميل إلى العيش البسيط ، والفرار من مغريات الغنى والثروة والجاه والتسلّط..
« استعدّوا للموت فقد أظلّكم » [٢٤]..
وذاك يعني : الدعوة إلى التفكير الجدّي في سلوك الفرد الدنيويّ ، والتمرّد على منهجه المتّبع ، والتصميم على الانتقال النوعيّ ، وعند ذاك يصبح للحياة معنىً إنسانيّاً في نفسه ، يكمن في أنّه يعرف ما يريد أن يحقّقه بالضبط. وتغدو ( الحياة ) عنده وسيلة لبلوغ أعلى المراتب في حياة ما بعد الموت. وتصبح للموت قيمة غيبيّة مُدركة ، إطمأن المسلم لثرائها وخصوبتها ; لِما رسخ في ذهنه من ثقة مطلقة ، ولإيمان ناجز بالوعد الإلهي الذي بشّر به القرآن الكريم ، ولهج به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن ثمّ جاءت الخطب والوصايا والحكم التي اشتمل عليها كتاب نهج البلاغة ، كي تكون منهاجاً ثقافيّاً دينيّاً شاملاً ، تحيط الناس بمعارف نادرة ، يتعلّق كثير منها بعلوم الطبيعة وممّا وراءها ، كان عليّ (عليه السلام) اكتسبها من علم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وبهذا الصدد يروى أنّ بعض أصحابه ـ وكان من قبيلة كلب ـ قال له يوماً : لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب !
فقال للرجل : يا أخا كلب ! ليس هو بعلم غيب ، وإنّما هو تعلّم من ذي علم. وإنّما علم الغيب علمُ الساعة ، وما عدّده الله سبحانه بقوله : ( إنّ الله عنـده علمُ الساعة وينزّل الغيثَ ويعلمُ ما في الأرحام وما تدري نفسٌ ماذا تكسبُ غـداً وما تدري نفسٌ بأيِّ أرض تموت... ) [٢٥] ، فيعلم الله سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أُنثى ، وقبيح أو جميل ، وسخيّ أو بخيل ، وشقيّ أو سعيد ، ومَن يكونُ للنار حَطَباً ، أو في الجنان للنبيّين مُرافِقاً ، فهذا عِلْمُ الغيب الذي لا يعلمه أحدٌ إلاّ الله ، وما سوى ذلك فعِلْمٌ علّمه الله نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فعلّمَنِيهِ ، ودعا لي بأن يَعِيَه صدري ، وتَضْطمّ عليه جـوانحي [٢٦].
لذلك كثيراً ما كان ينادي :
« أيُّها الناس ! سَلوني قبل أن تفقدوني ، فَلأنا بطرُقِ السماء أعْلَمُ منّي بطُرُقِ الأرض ; قبل أن تَشْغَرَ برجلها فتنةٌ تَطأُ في خِطامها ، وتذهب بأحلامِ قومها » [٢٧].
ويقيناً أنّ الناس يدركون طبيعة تلك المعلوماتيّة الفريدة ويُقيّمونها في عقل عليّ (عليه السلام) ، ويصدّقونها عنده ، وبسبب ذاك وهذا فازت أداءات خـطبه ووصاياه الفكريّة والمضمونيّة ، وارتقت قيمة مضامين الزهد بشكل خاصّ.
زِدْ على تلك المناحي منحى التذكير بما أصاب الجبابرة الأسلاف الّذين طَغَوا ، والأُمم التي عتت..
« إنّ الله لم يقصِم جبّاري دهر قطُّ إلاّ بعد تمهيل ورخاء ، ولم يجبرْ عَظْمَ أحد من الأُمم إلاّ بعد أزل وبلاء... » [٢٨]..
وما آلَ إليه مصيرُها..
« عبادَ الله ! أين الّذين عُمِّروا فَنعِموا ، وعُلّموا ففهموا ، وأُنظِروا فلَهوا ، وسُلّموا فَنسوا ؟! أُمهلوا طويلاً ، ومُنِحوا جميلا ، وحُذّروا أليماً ، ووعِدوا جسيماً » [٢٩].
وكيف تحوّل نِصابُ أمورهم إلى أُمم وأقوام وأفراد آخرين !!
ثمّ عطاؤه جلّ وعلا في تفضيل أنبيائه ، وفي اختيار رسله ، والتركيز على حالة التقشّف والزهد والفقر التي كان يحياها الرسل ، ثمّ المكانة العليّة التي تبوّؤوها..
« لقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كاف لك في الأُسْوة ، ودليل لكَ على ذمِّ الدنيا وعيبها ، وكثرة مخازيها ومساويها ; إذ جاع فيها مع خاصتّه ، وزُوِيَتْ عنه زخارفُها مع عظيم زُلْفَتِهِ..
فلينظر ناظر بعقله : أكرمَ اللهُ محمّداً بذلك أم أهانَه ؟ فإن قال : أهانه ، فقد كذِب ـ والله العظيم ـ بالإفك العظيم ، وإن قال : أكرمه فليعلم أنّ الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له ، وزواها عن أقرب الناس منه...

فإنّ الله جعلَ محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) علماً للساعة ومبشّراً بالجنّة ، ومُنذِراً بالعقوبة. خرج من الدنيا خميصاً ، وورد الآخرة سليماً ، لم يضع حجراً على حجر ، حتّى مضى لسبيله ، وأجاب داعي ربّه ، فما أعظم منّةَ الله عندنا حين أنعم علينا به سلفاً نتّبعه ، وقائداً نطأُ عَقِبَه...
وإن شِئْتَ ثنَّيْتُ بموسى كليم الله (عليه السلام) ; حيث يقول : ( ربّ إنّي لِما أنْزَلْتَ إليّ من خير فقيرٌ )[٣٠] ، والله ! ما سأله إلاّ خُبزاً يأكُلُهُ ، لأنّه كان يأكلُ بقلة الأرض ، ولقد كانت خُضرةُ البقلِ تُرى من شَفيفِ صِفاق بطنهِ ; لِهُزَالهِ وتَشَـذُّبِ لحـمهِ.
وإن شِئتَ ثَلَّثْتُ بداودَ (عليه السلام) ، صاحبِ المزامير وقارئ أهل الجنّةِ ; فلقد كان يعملُ سَفائِفَ الخوصِ بيدِه ، ويقول لجلسائِه : أيُّكم يكفيني بيعَها ؟ ويأكلُ قُرْصَ الشـعير من ثمنها.
وإن شئتَ قلتُ في عيسى بن مريم (عليه السلام) ; فلقد كان يَتَوسّدُ الحجَر ، ويلبس الخَشِن ، ويأكل الجَشِبَ ، وكان إدامه الجوع ، وسراجُه بالليلِ القمرَ ، وظلالُه في الشتاءِ مشارِقَ الأرضِ ومغاربَها ، وفاكهتُه ورَيحانهُ ما تُنبِتُ الأرضُ للبهائمِ ، ولم تكن له زوجةٌ تَفْتِنُه ، ولا ولد يَحزُنُه ، ولا مال يَلْفُته ، ولا طَمَعٌ يُذِلُّهُ ، دابَّتُهُ رِجْلاه ، وخادِمُهُ يداه » [٣١].
ولسنا في حاجة لتحليل النصّ وتأويله مفصّلاً ; لأنّ أيّ تفسير له سيكون أدنى من مرتبة بلاغته ، وبالتالي يُفقده بعضاً من فرادة معانيه وخصوبتها ، لكنّ أيسرَ فهم يمكن أن يُقال بصدده يتلخّص في أنّه : كان من نتيجة ذلك السلوك النبويّ الزاهد المتقشّف أن حاز الأنبياء على رضىً إلهيّ دنيويّ ; إذ اختيروا ليكونوا أصحابَ رسالات يُبشّرون ويُنذِرون ، واقتدت الإنسانيةُ بالتعاليم التي جاؤوا بها من السماء ، ونالوا احتراماً بشريّاً طويل الأمد والمدى ، وفازوا بالتالي بمكانة رفيعة يوم القيامة ، ارتضاها الله لهم ، وارتضوها هم لأنفسهم.'
وبهذا الأُسلوب ، القريب المأخذ ـ وإن شابته بعض الألفاظ الغريبة ـ الرصين الصياغة ، العميق الدلالة ، الواضح العبر ، صار سهلاً على دعوات الزهد المبثوثة في نهج البلاغة أن تنال حظوة التلقّي والاستقبال ، بصرف النظر عن اختلاف مستويات المتلقّين المسلمين وتباين ثقافاتهم.
وبرز في زهديّات نهج البلاغة طابع الحزن والتأسّف والتحسّر على انبهار البشر وغرورهم بهذا العالم الفاني ، وطغت أمارات التأسّف وعلاماتُه الخميص : خالي البطن ; كناية عن عدم التمتّع بالدنيا.
العَقِب : مؤخّر القدم ; ووطء العَقِب مبالغة في الاتّباع والسلوك على طريقه : نقفوه خطوة خطوة كأنّنا نطأ مؤخّر قدمه.
شفيف : رقيق ، مَن يُسْتَشَفُّ ما وراءه.
الصِفاق : الجلد الباطن ، الذي فوقه الجلد الظاهر من البطن.
تشذّب اللحم : تفرُّقُه.
السفائف : جمع سفيفة ، وصف من : سفّ الخوص ، إذا نسجه ; أي : منسوجات الخوص.
ظلاله : جمع ظلّ ، بمعنى الكِنّ والمأوى ، ومن كان كنّه المشرق والمغرب فلا كِنّ له.
في الخطب والنصائح والرسائل التي ضمّها ، فجاءت بطريقة تكشف عن يقظة ضمير الإمام عليّ (عليه السلام) وطبيعة حرصه على مصير البشر ، وعدم اغتباطه بهذه الغفلة.
بَيْدَ أنّ هذا الحزن لا يشي بظاهرة أزمة نفسيّة ، أو تشاؤم مَرَضيّ ، أو قلق فرديّ يحيط بشخصية المنشئ ، وإنّما هو سـمة شخصيّة ، وليدة ثقافة روحيّة ، ووعيّ دينيّ ، ويقظة ضمير ، ومسؤولية إمام ، وناشئة من خوف شديد على الأُمّة من معصية الله وغضبه..
هذا إذا علمنا أنّ سلوك الزهد عنده لم يأتِ فراراً من الدنيا لِما شاهده فيها من ويلات حسب ، بل لأنّه يرى أنّ من واجبه التنبيه والوعظ أيضاً بصفته صاحب رسالة زهديّة..
« فيا لها حسرةً على كلّ ذي غَفْلَة أن يكون عمرهُ عليه حجّةً ، وأن تُؤدّيه أيّامُه إلى الشِقْوَةِ ! نسأل اللهَ سبحانه أن يجعلنا وإيّاكم ممّن لا تُبطرُه نعمةٌ ، ولا تقصِّر به عن طاعة ربِّه غايةٌ ، ولا تَحُلَّ به بعد الموتِ ندامةٌ ولا كآبةٌ » [٣٢] .
« عبادَ الله ! لا تركنوا إلى جهالِتكم ، ولا تنقادوا إلى أهوائكم ; فإنّ النازل بهذا المنزل نازل بشفا جُرُف هار ، ينقل الردى على ظهره من موضع إلى موضع ; لرأي يُحْـدِثُهُ بعد رأي ، يريد أن يُلصِق ما لا يلتصقُ ، ويُقرِّب ما لا يتقارب !
فالله اللهَ أن تَشْكوا إلى مَن لا يُشكِي شَجْوَكم ، ولا ينقُضُ برأيه ما قد أبْرَمَ لكم ، إنّه ليس على الإمام إلاّ ما حُمِّل من أمر ربّه : الإبلاغ في الموعظة ، والاجتهاد في النصيحة ، والإحياء للسُنّة ، وإقامةُ الحدود على مستحقّيها...
فبادروا العلم من قبل تصويحِ نَبْتِهِ ، ومن قبل أن تُشغَلوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله ، وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه ; فإنّما أُمِرْتُم بالنهي بعد التناهي ! » [٣٣] .
ففي هذين المقامين تفيض الخطابة الزهديّة المباشرة بعبارات الإشفاق ، وبمعاني التعاطف مع الأفراد ، على الرغم من كثرة رمي اللوم عليهم في مواضع قوليّة أُخرى. وظهر الإمام عليّ (عليه السلام) يحمل صفة حكيم الزهادة ومعلِّمها ، الذي يثير في نفوس تلامذته الرغبة الدائمة في معرفة العلم الذي يلامس مصيرهم ، ويتعلّق بجوهر عقيدتهم.

إنّ استقراء الدعوات الزهديّة في نهج البلاغة يوحي إلى حياة الغُربة الدنيويّة التي كان يحياها الإمام عليّ (عليه السلام) ، والتي كان مبعثها في نفسه فقدُ الأحـبَّة : الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفاطمة الزهـراء (عليها السلام) ، وأصحابه المخلصين ، ثمّ في المعاناة الفائقة التي لازمته بعد تولّيه الخلافة ، والناتجة عن صعوبة قيادة الناس إلى الحقّ والتقوى والصلاح ، وتردّدهم في الجهاد ، وميلهم إلى التقاعس وحبّ الحياة ، مع كبير معرفتهم بصواب منهجه ، وصدق دعواته..
« أين إخواني الّذين ركبوا الطريقَ ، ومضوا على الحقّ ؟!
أين عمّار ؟! وأين ابن التيِهان ؟! وأين ذو الشهادتين ؟!
وأين نظراؤهم من إخوانهم الّذين تعاقدوا على المنيّة ، وأُبْرِدَ برؤوسهم إلى الفَجَرة ؟!
أوهِ على إخواني الّذين قرؤوا القرآن فأحكَمُوه ، وتدبّروا الفرضَ فأقاموه ! أحْيَوا السنّةَ وأماتوا البِدعَة ، دُعُوا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتَّبَـعوه » [٣٤] .
ونَمَت صورة الغربة الأُخرويّة في زهديّات نهج البلاغة ، واتّضحت في أنماط صورة الحـزن الخائف ، الذي يجعل الدنيا مُنكِرَة لوجـود المرء ، لا تأبه لخروجه منها ، ولا تقف لتوديعه حين يموت ، في حين يجد الميّت كمّاً هائلاً من البشر سـبقوه إلى المقابـر ، يحيطون به ، لكنّهم ـ هم أيضاً ـ لا يأبهون لقدومه ، ولا يقفون إلى جانبه..
وهو وصف يكشف عن أنّ الفرد يخرج من الدنيا غريباً بلا مودِّع ، بلا عزّ ، ولا جاه ، ولا مال ولا بنين ، ويلتحق بالأموات غريباً بدون مستقبل ، ولا مُهنّئ ، ولا راث... فهل من غربة أسوأ من تلك ؟!
« فهل بلغكم أنّ الدنيا سختْ لهم نَفساً بفِدْيَة ، أو أعانتهم بمعونة ، أو أحسنت لهم صُحبةً ؟!
بل أرهقتهم بالفَوادح ، وأوهقتهم بالقوارع ، وضعضعتهم بالنوائب ، وعفّرتهم للمناخر ، ووطِئَتْهم بالمناسم ، وأعانت عليهم ريبَ المنون.
فقد رأيتم تنكُّرَها لمن دان لها ، وآثرها وأخلد إليها ، حين ظَعنوا عنها لفراق الأبد ; وهل زوّدتهم إلاّ السَغَب ، أو أحلّتهم إلاّ الضَنك ، أو نوَّرَتْ لهم إلاّ الظُلمة ، أو أعقَبَتْهم إلاّ النَدامة ؟!
أفهذهِ تؤثِرون ، أم إليها تطمئنّون ، أم عليها تحرصون ؟!
فبئست الدار لمن لم يتَّهِمْها ، ولم يكن فيها على وجَل منها !
فاعلموا ـ وأنتم تعلمون ـ بأنّكم تاركوها ، وظاعنون عنها ، واتّعِظوا فيها بالّذين قالوا : ( مَن أشـدُّ مِنّا قوّةً ) [٣٥] ; حُمِلوا إلى قبورهم فلا يُدعَوْنَ ركباناً ، وأُنزِلوا الأجـداثَ فلا يُدْعَوْنَ ضيفاناً ، وجُعِلَ لهم من الصَفيحِ أجْنانٌ ، ومن التُراب أكفانٌ ، ومن الرُفاتِ جيرانٌ ; فهم جِيرَة لا يجيبون داعياً ، ولا يمنعون ضيماً ، ولا يبالون مَنْدَبةً...
جميعٌ وهم آحاد ، وجيرة وهم أبعادٌ ، متدانون لا يتزاورون ، وقريبون لا يتقاربون ، حلماءُ قد ذهبت أضغانُهم ، وجهلاءُ قد ماتت أحقادهم...
استُبْدِلوا بظهر الأرض بطناً ، وبالسَـعةِ ضيقاً ، حفاةً عراةً ، وقد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة ، والدار الباقية... » [٣٦].

----------------------------------------------------------------------
[١] . فضائل الصحابة ( فضائل عليّ (عليه السلام) ) ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٥٨٩ ح ٩٩٧ و ٥٩٠ ح ١٠٠٠ و ٥٩١ ح ١٠٠٣ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٤٢ ح ٣٧٣٥ ، خصائص أمير المؤمنين ـ للنسائي ـ : ٢٢ ح ٣ و ٤.
[٢] . فضائل الصحابة ( فضائل عليّ (عليه السلام) ) ـ لأحمد بن حنبل ـ : ٢ / ٥٩٠ ح ٩٩٩ و ٥٩١ ح ١٠٠٣ و ٥٩٢ ح ١٠٠٤ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٤٢ ح ٣٧٣٤ ، خصائص أمير المؤمنين ـ للنسائي ـ : ٢١ ح ٢ و ٢٢ ح ٥ .
[٣] . الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ١ / ١٨٧ ، خصائص أمير المؤمنين ـ للنسائي ـ : ٨٣ ح ٦٦ ، المناقب ـ لابن مردويه ـ : ٢٨٧ ـ ٢٩٠ ح ٤٥٥ ـ ح ٤٥٧.
[٤] . صحيح مسلم ٤ / ١٨٧٠ ـ ١٨٧١ ح ٢٤٠٤ وما بعده ، فضائل الصحابة ( فضائل عليّ (عليه السلام) ) ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٥٦٦ ح ٩٥٤ و ٥٦٧ ح ٩٥٦ و ٥٦٨ ح ٩٥٧ و ٥٦٩ ح ٩٦٠ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٤٠ ح ٣٧٣٠ و ٦٤١ ح ٣٧٣١.
[٥] . المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ١٤ / ٤٥٩ ـ ٤٦٠ ح ١٨٧٢٠ و٤٦٢ ح ١٨٧٢٥ ، صحيح مسـلم ٤ / ١٨٧١ ـ ١٨٧٣ ح ٢٤٠٥ ـ ح ٢٤٠٧ ، سنن التـرمذي ٥ / ٦٣٨ ح ٣٧٢٤.
[٦] . فضائل الصحابة ( فضائل عليّ (عليه السلام) ) ـ لأحمد بن حنبل ـ ١ / ٥٣١ ح ٨٨٢ ، الاستيعاب ـ لابن عبد البرّ ـ ٣ / ١١١٤.
[٧] . شرح نهج البلاغة ـ لمحمّد عبده ـ ٢ / ١٨٢ ، ضمن الخطبة ١٨٧ ، المسمّاة بـ : القاصعة.
[٨] . للاطّلاع على صلة الإمام عليّ (عليه السلام) بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعلى مكانته بين أصحابه ، وعلى اجتهاده في تثبيت أركان الإسلام ، وعلى نفحات من سيرته وشذرات من علمه ; ينظر : الطبقات الكبرى : الجزء الخاص بالفهارس لمعرفة مواضع ذكر عليّ (عليه السلام) ، تاريخ الأُمم والملوك ـ المسمّى : تاريخ الطبري ـ ٤ / ٥٢٤ وما بعدها ، و حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ١ / ٦١ وما بعدها.
[٩] . الزهد وصفة الزاهدين ١ / ٢٦.
[١٠] . كتاب الزهد الكبير ١ / ٣٤.
[١١] . لسان العرب ، مادّة « د ن و » ; ونكتفي بالإشارة هنا إلى أنّ شرح الكلمات في هوامش البحث اللاحقة كلّها مأخوذة من المصدر نفسه.
[١٢] . شرح نهج البلاغة ـ مجموع ما اختاره الشريف الرضيّ ( ت ٤٠٤ هـ ) من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ـ لابن أبي الحديد ، ١٩ / ٣٢٦.
[١٣] . حلية الأولياء ١٠ / ٧٨ ; نقلاً عن الفلسفة الصوفية في الإسلام : ١٦٠.
[١٤] . شرح نهج البلاغة ـ لمحمّد عبده ـ ١ / ٥٤..
[١٥] . شرح نهج البلاغة ـ لمحمّد عبده ـ ١ / ٦٨.. تحرزون أنفسكم : تحفظونها من الهلاك الأبدي.
[١٦] . شرح نهج البلاغة ـ لمحمّد عبده ـ ١ / ٧٥..
الحُثالة ـ بالضم ـ : القُشارة وما لا خير فيه ; وأصله ما يسقط من كلّ ذي قشر.
القَرَظ : ورق السلم ، أو ثمر السنط ، يُدَبَغُ به.
الجَلَم : مقراظ يُجَزُّ به الصوف ; وقراضته : ما يسقط منه عند القرض والجزّ.
أشغف بها : أشـدّ تعلّقاً بها.
[١٧] . شرح نهج البلاغة ـ لمحمّد عبده ـ ٢ / ١٠٦.
[١٨] . شرح نهج البلاغـة ـ لمحمّد عبده ـ ٢ / ٩٣..
عزفتْ نفسك : كرهت وزهدت.
اصطفاق الأشجار : تضارب أوراقها بالنسيم بحيث يُسمع لها صوت.
الكثبان : جمع كثيب ; وهو : التل.
الأفنان : جمع فَنَنَ ; وهو : الغصن.
العساليج : جمع عُسلُج ; ما لان واخضرّ من الأغصان.
الأكمام : جمع كِمّ ; وعاء الطلع وغطاء النوار.
تُجنى : تُقْطَف.
لمصفّقة : المصفّاة.
المروّقة : المصفّاة.
المونِقة : المُعجِبة.
[١٩] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٣٩٥.
[٢٠] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٣٩٥.
[٢١] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٩ / ٢١٠..
الرصد : الرقيب ; يريد هنا رقيب الذّمةِ وواعظ السرّ.
الرتاج : الباب العظيم المحكم الغلق.
[٢٢] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٣ / ٣٠٧..
زمّها : قادها.
[٢٣] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٨ / ٢٤٢.
[٢٤] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٥ / ١٤٥..
أظلّكم : قرَب منكم ، كأنّ له ظّلاً قد ألقاه عليكم
[٢٥] . سورة لقمان ٣١ : ٣٤.
[٢٦] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٨ / ٢١٥..
تضطمّ : تنضمّ.
الجوانح : الأضلاع تحت الترائب ممّا يلي الصدر ; وانضمامها عليه : اشتمالها على قلب يعيها.
[٢٧] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٣ / ١٠١..
تشغر برجلها : ترفعها ، كناية عن كثرة مداخل الفساد في الأرض.
تطأ في خِطامها : أي تتعثّر فيه ، كناية عن إرسالها وطيشها وعدم وجود قائد لها.
[٢٨] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٣٨٤..
يقصم : يهلك.
يجبر : من : جبر العظم ، إذا طيّبه بعد الكسر حتّى يعود صحيحاً.
الأزل : الشـدّة.
[٢٩] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٢٧٥..
عُمِّروا فنعموا : عاشوا فتنعّموا.
[٣٠] . سورة القصص ٢٨ : ٢٤.
[٣١] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٩ / ٢٢٩ ـ ٢٣٣..
خاصّـته : أي مع خصوصيته وتفضّله عند ربه.
زُويت عنه : قُبضَت وأُبعِدت.
عظيم زُلفته : منزلته العليا من القرب إلى الله.
عَلَماً : العلامة ; أي أنّ بعثته دليل على قرب القيامة ; إذ لا نبيّ بعده.
[٣٢] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٥ / ١٤٥..
لا تبطره النعمة : لا تُطغيه ، ولا تسدل على بصيرته حجاب الغفلة عمّا هو صائر إليه.
[٣٣] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٧ / ١٦٧..
شفا جرف هار : شفا الشيء : حرفه ، والجُرُف : ما تجرفه السيول ، والهاري : المتهدِّم أو المشرف على الانهدام.
الردى : الهلاك.
يُشكي : من : أشكاه ، إذا أزال شكواه.
الشجو : الحاجة.
التصويح : التجفيف ; وأصله : صوّح النبت ، إذا جفّ أعلاه.
مستثار : الاستثارة : طلب الثور ; وهو : السطوع والظهور.
[٣٤] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٠ / ٩٩..
عمّار : يعني عمّار بن ياسر.
ابن التيِّهان : أحد النقباء ليلة العقبة ، شهد بدراً ، وهو من أكابر الصحابة.
ذو الشهادتين : هو خزيمة بن ثابت الأنصاري ، قَبِل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شهادته بشهادة رجلين في قصّـة مشهورة.
أُبْرِدَ برؤوسِهم : أي أُرسلت مع البريد بعد قتلهم.
أوه : كلمة توجّع.
[٣٥] . سورة فُصِّلَت ٤١ : ١٥.
[٣٦] . شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٧ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

يتبع .....

****************************