لبيب بيضون
قيام الفتن ونكث البيعة
الحق والباطل
قال الامام علي (ع):
أقمت لكم على سنن الحقّ في جوادّ المضلّة، حيث تلتقون ولا دليل، وتحتفرون ولا تميهون. اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان. عزب رأي امريء تخلّف عني.
ما شككت في الحقّ مذ أريته. لم يوجس موسى عليه السّلام خيفة على نفسه، بل أشفق من غلبة الجهّال ودول الضّلال. اليوم تواقفنا على سبيل الحقّ والباطل. من وثق بماء لم يظمأ. (الخطبة ٤، ٤٦)
قال (ع): ولكنّي أضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه، وبالسّامع المطيع العاصي المريب أبدا، حتّى يأتي عليّ يومي. (الخطبة ٦، ٤٩)
ألا وإنّ الخطايا خيل شمس، حمل عليها أهلها، وخلعت لجمها، فتقحّمت بهم في النّار. ألا وإنّ التّقوى مطايا ذلل، حمل عليها أهلها، وأعطوا أزمّتها، فأوردتهم الجنّة. حقّ وباطل، ولكلّ أهل. فلئن أمر (أي كثر) الباطل لقديما فعل، ولئن قلّ الحقّ فلربّما ولعلّ، ولقلّما أدبر شيء فأقبل. (الخطبة ١٦، ٥٦)
هلك من ادّعى، وخاب من افترى. من أبدى صفحته للحقّ هلك، وكفى بالمرء جهلا ألاّ يعرف قدره. (الخطبة ١٦، ٥٨)
وقال في معرض حديثه عن الناكثين ببيعته: فإن أبوا أعطيتهم حدّ السّيف، وكفى به شافيا من الباطل، وناصرا للحقّ. (الخطبة ٢٢، ٦٧)
ولعمري ما عليّ من قتال من خالف الحقّ، وخابط الغيّ من إدهان ولا إيهان. (الخطبة ٢٤، ٧٠)
أنبئت بسرا قد اطّلع اليمن، وإنّي واللّه لأظنّ أنّ هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرّقكم عن حقّكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحقّ، وطاعتهم إمامهم في الباطل. (الخطبة ٢٥، ٧٢)
فيا عجبا: عجبا واللّه يميت القلب ويجلب الهمّ، من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرّقكم عن حقّكم. (الخطبة ٢٧، ٧٦)
ألا وإنّه من لا ينفعه الحقّ يضرّه الباطل. (الخطبة ٢٨، ٧٩)
ولا يدرك الحقّ إلاّ بالجدّ. (الخطبة ٢٩، ٨٢)
قال (ع) يعرّض بالخلافة: واللّه لهي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلاّ أن أقيم حقّا، أوأدفع باطلا. (الخطبة ٣٣، ٨٩)
ولأنقبنّ الباطل حتّى يخرج الحقّ من جنبه. (الخطبة ٣٣، ٩٠)
الذّليل عندي عزيز حتّى آخذ الحقّ له، والقويّ عندي ضعيف حتّى آخذ الحقّ منه. (الخطبة ٣٧، ٩٦)
وإنّما سمّيت الشّبهة شبهة، لأنّها تشبه الحقّ. (الخطبة ٣٨، ٩٧)
أيّها النّاس، إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتّباع الهوى وطول الأمل. فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة. (الخطبة ٤٢، ١٠٠)
فلوأنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين، ولوأنّ الحقّ خلص من لبس الباطل، انقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث، فيمزجان (الخطبة ٥٠، ١٠٧)
وقال (ع) في الخوارج: لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحقّ فأخطاه (أي الخوارج ) كمن طلب الباطل فأدركه(يعني معاوية واصحابه). (الخطبة ٥٩، ١١٥)
من كلام له (ع) قاله لاصحابه ليلة الهرير بصفين: فصمدا صمدا، حتّى ينجلي لكم عمود الحقّ. (الخطبة ٦٤، ١٢١)
وقال (ع) في توبيخ بعض أصحابه: لا تعرفون الحقّ كمعرفتكم البّاطل، ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحقّ. (الخطبة ٦٧، ١٢٣)
ومن كلام له (ع) في ذكر عمروبن العاص: أما واللّه إنّي ليمنعني من اللّعب ذكر الموت، وإنّه ليمنعه من قول الحقّ نسيان الآخرة. (الخطبة ٨٢، ١٤٩)
وقال (ع) في صفة المتقي: يصف الحقّ ويعمل به. (الخطبة ٨٥، ١٥٤)
وبينكم عترة نبيّكم، وهم أزمّة الحقّ، وأعلام الدّين، وألسنة الصّدق. (الخطبة ٨٥، ١٥٥)
فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون. (الخطبة ٨٥، ١٥٥)
أما والّذي نفسي بيده، ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنّهم أولى بالحقّ منكم، ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم، وإبطائكم عن حقّي. (الخطبة ٩٥، ١٨٨)
وقال (ع) عن النبي (ص): وخلّف فينا راية الحقّ، من تقدّمها مرق، ومن تخلّف عنها زهق، ومن لزمها لحق. (الخطبة ٩٨، ١٩٣)
وأيم اللّه لأبقرنّ الباطل، حتّى أخرج الحقّ من خاصرته. (الخطبة ١٠٢، ١٩٩)
قد انجابت السّرائر لأهل البصائر، ووضحت محجّة الحقّ لخابطها. (الخطبة ١٠٦، ٢٠٥)
فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه، وركب الجهل مراكبه. وعظمت الطّاغيّة، وقلّت الّداعية، وصال الدّهر صيال السّبع العقور، وهدر فنيق الباطل بعد كظوم. (الخطبة ١٠٦، ٢٠٧)
أرسله داعيا إلى الحقّ، وشاهدا على الخلق. (الخطبة ١١٤، ٢٢٤)
ولوددت أنّ اللّه فرّق بيني وبينكم، وألحقني بمن هوأحقّ بي منكم. قوم واللّه ميامين الرّأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحقّ، متاريك للبغي. (الخطبة ١١٤، ٢٢٥)
وواللّه إن جئتها إنّي للمحقّ الّذي يتّبع. وإنّ الكتاب لمعي، ما فارقته مذ صحبته. فلقد كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وإنّ القتل ليدور على الآباء والأبناء والإخوان والقرابات، فما تزداد على كلّ مصيبة وشدّة إلاّ إيمانا، ومضيّا على الحقّ. (الخطبة ١٢٠، ٢٣١)
إنّ أفضل النّاس عند اللّه من كان العمل بالحقّ أحبّ إليه وإن نقصه وكرثه (أي زاده غما) من الباطل وإن جرّ إليه فائدة وزاده. (الخطبة ١٢٣، ٢٣٥)
وسيهلك فيّ صنفان: محبّ مفرط يذهب به الحبّ إلى غير الحقّ، ومبغض مفرط يذهب به البعض إلى غير الحقّ، وخير النّاس فيّ حالا النّمط الأوسط، فالزموه. (الخطبة ١٢٥، ٢٣٧)
وقال (ع) لأبي ذر: لا يؤنسنّك إلاّ الحقّ، ولا يوحشنّك إلاّ الباطل. (الخطبة ١٢٨، ٢٤١)
أيّها النّاس، أعينوني على أنفسكم. وأيم اللّه لأنصفنّ المظلوم من ظالمه، ولأقودنّ الظّالم بخزامته، حتّى أورده منهل الحقّ وإن كان كارها. (الخطبة ١٣٤، ٢٤٧)
قال (ع): أما إنّه ليس بين الحقّ والباطل إلاّ أربع أصابع. فسئل (ع) عن معنى قوله هذا فجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه، ثم قال: الباطل أن تقول سمعت، والحقّ أن تقول رأيت. (الخطبة ١٣٩، ٢٥٢)
وإنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحقّ، ولا أظهر من الباطل. (الخطبة ١٤٥، ٢٥٨)
فلا تنفروا من الحقّ نفار الصحيح من الأجرب، والباري من ذي السّقم. واعلموا أنّكم لن تعرفوا الرّشد حتّى تعرفوا الّذي تركه... (الخطبة ١٤٥، ٢٥٩)
فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوى، أحملهم من الحقّ على محضه. وإن تكن الأخرى فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ، إِنَّ اللّهَ عَليمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. (الخطبة ١٦٠، ٢٨٨)
وقال (ع) لعثمان: وإنّي أنشدك اللّه ألاّ تكون إمام هذه الأمّة المقتول، فإنّه كان يقال: يقتل في هذه الأمّة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، ويلبس أمورها عليها، ويبثّ الفتن فيها، فلا يبصرون الحقّ من الباطل، يموجون فيها موجا، ويمرجون فيها مرجا. (الخطبة ١٦٢، ٢٩٢)
أيّها النّاس، لولم تتخاذلوا عن نصر الحقّ، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، ولم يقومن قوي عليكم. لكنّكم تهتم متاه بني إسرائيل. ولعمري ليضعّفنّ لكم التّيه من بعدي أضعافا، بما خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم، وقطعتم الأدنى ووصلتم الأبعد. (الخطبة ١٦٤، ٣٠٠)
ولا يحمل هذا العلم إلاّ أهل البصر والصّبر، والعلم بمواضع الحقّ، فامضوا لما تؤمرون به، وقفوا عند ما تنهون عنه. (الخطبة ١٧١، ٣٠٨)
أخذ اللّه بقلوبنا وقلوبكم إلى الحقّ، وألهمنا وإيّاكم الصّبر. (الخطبة ١٧١، ٣٠٩)
فإيّاكم والتّلوّن في دين اللّه، فإنّ جماعة فيما تكرهون من الحقّ، خير من فرقة فيما تحبّون من الباطل. (الخطبة ١٧٤، ٣١٧)
ومن كلام له (ع) في معنى الحكمين: فتاها عنه، وتركا الحقّ وهما يبصرانه. وكان الجور هواهما والإعوجاج رأيهما. وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكم بالعدل والعمل بالحقّ سوء رأيهما وجور حكمهما، والثّقة في أيدينا لأنفسنا، حين خالفا سبيل الحقّ، وأتيا بما لا يعرف من معكوس الحكم. (الخطبة ١٧٥، ٣١٨)
إن أسررتم علمه، وإن أعلنتم كتبه. قد وكّل بذلك حفظة كراما، لا يسقطون حقّا، ولا يثبتون باطلا. (الخطبة ١٨١، ٣٣١)
وقال (ع) في صفة المنافقين: قد أعدّوا لكلّ حقّ باطلا، ولكلّ قائم مائلا، ولكلّ حيّ قاتلا، ولكلّ باب مفتاحا، ولكلّ ليل مصباحا. (الخطبة ١٩٢، ٣٨٢)
فوالّذي لا إله إلاّ هو، إنّي لعلى جادّة الحقّ، وإنّهم لعلى مزلّة الباطل. (الخطبة ١٩٥، ٣٨٦)
رحم اللّه رجلا رأى حقّا فأعان عليه أورأى جورا فردّه، وكان عونا بالحقّ على صاحبه. (الخطبة ٢٠٣، ٣٩٨)
ومن كلام له (ع) حين سئل عن الاحاديث الكاذبة: إنّ في أيدي النّاس حقّا وباطلا، وصدقا وكذبا... (الخطبة ٢٠٨، ٤٠١)
فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له، أوالعدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ، أومشورة بعدل. (الخطبة ٢١٤، ٤١٢)
واعلموا رحمكم اللّه أنّكم في زمان، القائل فيه بالحقّ قليل، واللّسان عن الصّدق كليل، واللاّزم للحقّ ذليل. (الخطبة ٢٣١، ٤٣٤)
وقال (ع) عن أهل البيت (ع): بهم عاد الحقّ إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته. (الخطبة ٢٣٧، ٤٣٩)
ومن كتاب له (ع) الى معاوية: وأمّا قولك انّ الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت، ألا ومن أكله الحقّ فإلى الجنّة، ومن أكله الباطل فإلى النّار. (الخطبة ٢٥٦، ٤٥٥)
ولا تأخذك في اللّه لومة لائم. وخض الغمرات للحقّ حيث كان. (الخطبة ٢٧٠، ١، ٤٧٥)
من تعدّى الحقّ ضاق مذهبه. (الخطبة ٢٧٠، ٤، ٤٨٨)
وقال (ع) عن أناس من أهل الشام: الّذين يلتمسون الحقّ بالباطل، ويطيعون المخلوق في معصية الخالق. (الخطبة ٢٧٢، ٤٩١)
ومن كتاب له (ع) الى أهل مصر لما ولّى عليهم مالك الاشتر: فاسمعوا له وأطيعوا أمره، فيما طابق الحقّ. (الخطبة ٢٧٧، ٤٩٦)
وألزم الحقّ من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك وخاصّتك حيث وقع. وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فإنّ مغبّة ذلك محمودة. (الخطبة ٢٩٢، ٤، ٥٣٥)
واعلم أنّ الدّنيا... وأنّه لن يغنيك عن الحقّ شيء أبدا، ومن الحقّ عليك حفظ نفسك، والإحتساب على الرّعيّة بجهدك. (الخطبة ٢٩٨، ٥٤٥)
ومن كتاب له (ع) الى عبد اللّه بن العباس: فلا يكن أفضل ما نلت في نفسك من دنياك بلوغ لذّة أوشفاء غيظ، ولكن إطفاء باطل أوإحياء حقّ. (الخطبة ٣٠٥، ٥٥٤)
ومن كتاب له (ع) لما استخلف، الى أمراء الاجناد: أمّا بعد، فإنّما أهلك من كان قبلكم أنّهم منعوا النّاس الحقّ فاشتروه (أي حرموا الناس حقوقهم، فاضطر الناس لشراء هذه الحقوق بالرشوة) وأخذوهم بالباطل فاقتدوه (أي كلفوهم باتيان الباطل فأتوه، فصار قدوة يتبعها الابناء بعد الآباء). (الخطبة ٣١٨، ٥٦٤)
وقال (ع) في الخوارج: خذلوا الحقّ ولم ينصروا الباطل. (١٧ ح، ٥٦٧) فمن تعمّق لم ينب إلى الحقّ، ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحقّ. (٣١ ح، ٥٧٠)
وتبع (ع) جنازة فسمع رجلا يضحك، فقال (ع): كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب، وكأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب. (١٢٢ ح، ٥٨٧)
قد أضاء الصّبح لذي عينين. (١٦٩ ح، ٥٩٩)
من أبدى صفحته للحقّ هلك. (١٨٨ ح، ٦٠٠)
وقال (ع) لما سمع قول الخوارج: (لا حكم إلاّ للّه): كلمة حقّ يراد بها باطل.(١٩٨ ح، ٦٠٢)
اتّقوا ظنون المؤمنين، فإنّ اللّه تعالى جعل الحقّ على ألسنتهم. (٣٠٩ ح، ٦٢٨)
إنّ الحقّ ثقيل مريء، وإنّ الباطل خفيف وبيء (أي وخيم العاقبة). (٣٧٦ ح، ٦٤٣)
العين حقّ، والرّقى حقّ، والسّحر حقّ، والفأل حقّ. والطّيرة ليست بحقّ، والعدوى ليست بحقّ.(٤٠٠ ح، ٦٤٧)
من صارع الحقّ صرعه. (٤٠٨ ح، ٦٤٩)
لا يعرف الحق بالرجال، بل يعرف الرجال بالحق
وقيل ان الحارث بن حوط أتاه فقال: أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟ فقال عليه السلام: يا حارث، إنّك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك، فحرت. إنّك لم تعرف الحقّ فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه. فقال الحارث: فاني أعتزل مع سعيد بن مالك وعبد اللّه بن عمر. فقال عليه السلام: إنّ سعيدا وعبد اللّه بن عمر لم ينصرا الحقّ ولم يخذلا الباطل. (٢٦٢ ح، ٦١٨)
لا تنظر إلى من قال، وانظر إلى ما قال. (مستدرك ١٥٧)
قال (ع) للحارث الهمداني: إنّ خير شيعتي النمط الأوسط، إليهم يرجع الغالي، وبهم يلحق التالي. وإنّك امرؤ ملبوس عليك. إنّ دين اللّه لا يعرف بالرجال، فاعرف الحقّ تعرف أهله. (مستدرك ١٥٩)
الشبهات
قال الامام علي (ع):
إنّ من صرّحت له العبر عمّا بين يديه من المثلات، حجزته التّقوى عن تقحّم الشّبهات. (الخطبة ١٦، ٥٥)
وقال (ع) عمن تصدى للحكم والقضاء وليس لذلك بأهل: فهومن لبس الشّبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ. (الخطبة ١٧، ٦٠)
وإنّما سميّت الشّبهة شبهة لأنّها تشبه الحقّ. (الخطبة ٣٨، ٩٧)
فلوأنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين. ولوأنّ الحقّ خلص من لبس الباطل، انقطعت عنه ألسن المعاندين. ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث، فيمزجان. (الخطبة ٥٠، ١٠٧)
وقال (ع) في صفة الفاسق: قد حمل الكتاب على آرائه، وعطف الحقّ على أهوائه. يؤمن النّاس من العظائم، ويهوّن كبير الجرائم. يقول: أقف عند الشّبهات وفيها وقع، ويقول أعتزل البدع وبينها اضطجع. (الخطبة ٨٥، ١٥٤)
وإن المبتدعات المشبّهات هنّ المهلكات، إلاّ ما حفظ اللّه منها. (الخطبة ١٦٧، ٣٠٣).
فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا، فليكن طلبك ذلك بتفهّم وتعلّم، لا بتورّط الشّبهات وعلق الخصومات وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك، والرّغبة إليه في توفيقك، وترك كلّ شائبة أولجتك في شبهة، أوأسلمتك إلى ضلالة. (الخطبة ٢٧٠، ٢، ٤٧٨)
وقال (ع) في عهده لمالك الاشتر: واردد إلى اللّه ورسوله ما يضلعك من الخطوب، ويشتبه عليك من الأمور، فقد قال اللّه تعالى لقوم أحبّ إرشادهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، فَإنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شيءٍ فردّوه إِلَى اللّهِ والرَّسُولِ فالرّدّ إلى اللّه: الأخذ بمحكم كتابه، والرّدّ إلى الرّسول: الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة. (الخطبة ٢٩٢، ٢، ٥٢٥)
ثم يقول في عهده (ع): ثمّ اختر للحكم بين النّاس أفضل رعيّتك في نفسك، ممّن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزّلّة، ولا يحصر من الفيء إلى الحقّ إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشّبهات، وآخذهم بالحجج. (الخطبة ٢٩٢، ٢، ٥٢٦)
ومن كتاب له (ع) الى معاوية: فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال المبين، وبعد البيان إلاّ اللّبس؟ فاحذر الشّبهة واشتمالها على لبستها، فإنّ الفتنة طالما أغدفت جلابيبها، وأغشت الأبصار ظلمتها. (الخطبة ٣٠٤، ٥٥٣)
إنّ الأمور إذا اشتبهت اعتبر آخرها بأوّلها. (٧٦ ح، ٥٧٧) ولا ورع كالوقوف عند الشّبهة. (١١٣ ح، ٥٨٦)
أومنقادا لحملة الحقّ، لا بصيرة له في أحنائه. ينقدح الشّكّ في قلبه لأوّل عارض من شبهة. (١٤٧ ح، ٥٩٥)
الفتنة والتحذير من الفتن
قال الامام علي (ع):
عن حال الناس في الجاهلية: والنّاس في فتن انجذم (أي انقطع) فيها حبل الدّين، وتزعزعت سواري اليقين، واختلف النّجر (أي أصول الحق)، وتشتّت الأمر، وضاق المخرج، وعمي المصدر. فالهدى خامل، والعمى شامل. عصي الرّحمن، ونصر الشّيطان. وخذل الإيمان فانهارت دعائمه، وتنكّرت معالمه، ودرست سبله،
وعفت شركه. أطاعوا الشّيطان فسلكوا مسالكه، ووردوا مناهله. بهم سارت أعلامه وقام لواؤه. في فتن داستهم بأخفافها، ووطئتهم بأظلافها، وقامت على سنابكها. فهم فيها تائهون حائرون، جاهلون مفتونون. في خير دار وشرّ جيران. نومهم سهود، وكحلهم دموع. بأرض عالمها ملجم، وجاهلها مكرم. (الخطبة ٢، ٣٦)
ومن خطبة له (ع) لما قبض رسول اللّه (ص) وخاطبه العباس وأبوسفيان في أن يبايعا له بالخلافة، وذلك بعد السقيفة: شقّوا أمواج الفتن بسفن النّجاة، وعرّجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة. (الخطبة ٥، ٤٧)
ذمّتي بما أقول رهينة، وأنا به زعيم. إنّ من صرّحت له العبر عمّا بين يديه من المثلات (أي العقوبات)، حجزته التّقوى عن تقحّم الشّبهات. ألا وإنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. والّذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة، ولتغربلنّ غربلة، ولتساطنّ سوط القدر، حتّى يعود أسفلكم أعلاكم،
وأعلاكم أسفلكم. وليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا، وليقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا. (الخطبة ١٦، ٥٥)
قال (ع): إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع، وأحكام تبتدع. يخالف فيها كتاب اللّه، ويتولّى عليها رجال رجالا (أي يستعين عليها رجال برجال)، على غير دين اللّه. فلوأنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين (أي الطالبين للحقيقة). ولوأنّ الحقّ خلص من لبس الباطل، انقطعت عنه ألسن المعاندين. ولكن يؤخذ من هذا ضغث، ومن هذا ضغث، فيمزجان فهنالك يستولي الشّيطان على أوليائه، وينجوالّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى. (الخطبة ٥٠، ١٠٧)
ولقد نزلت بكم البليّة جائلا خطامها (الخطام يجعل في انف البعير لينقاد به، والكلام تصوير لانطلاق الفتنة)، رخوا بطانها. فلا يغرّنّكم ما أصبح فيه أهل الغرور، فإنّما هوظلّ ممدود، إلى أجل معدود. (الخطبة ٨٧، ١٥٨)
وقال (ع) عن فتنة بني أمية: أمّا بعد حمد اللّه، والثّناء عليه. أيّها النّاس، فإنّي فقأت عين الفتنة. ولم يكن ليجتريء عليها أحد غيري، بعد أن ماج غيهبها، واشتدّ كلبها... (الخطبة ٩١، ١٨٣)
إنّ الفتن إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت نبّهت. ينكرن مقبلات، ويعرفن مدبرات، يحمن حوم الرّياح، يصبن بلدا ويخطئن بلدا. ألا وإنّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أميّة «تراجع تتمة الكلام في المبحث (١٩٥) بنوأمية وفتنة بني أمية». (الخطبة ٩١، ١٨٤)
وقال (ع) يتنبأ بمجيء عبد الملك بن مروان أحد ملوك بني أمية البارزين: أيّها النّاس، لا يجرمنّكم شقاقي، ولا يستهوينّكم عصياني، ولا تتراموا بالأبصار عند ما تسمعونه منّي. فوالّذي فلق الحبّة، وبرأ النّسمة، إنّ الّذي أنبّئكم به عن النّبيّ الأمّيّ صلّى اللّه عليه وآله ما كذب المبلّغ، ولا جهل السّامع. لكأني أنظر إلى ضلّيل قد نعق بالشّام (يقصد به عبد الملك بن مروان)، وفحص براباته في ضواحى كوفان (أي الكوفة). فإذا فغرت فاغرته (أي انفتح فمه)، واشتدّت شكيمته، وثقلت في الأرض وطأته، عضّت الفتنة أبناءها بأنيابها، وماجت الحرب بأمواجها، وبدا من الأيّام كلوحها، ومن اللّيالي كدوحها. فإذا أينع زرعه وقام على ينعه، وهدرت شقاشقه وبرقت بوارقه، عقدت رايات الفتن المعضلة، وأقبلن كاللّيل المظلم، والبحر الملتطم. هذا، وكم يخرق الكوفة من قاصف، ويمرّ عليها من عاصف. وعن قليل تلتفّ القرون بالقرون، ويحصد القائم، ويحطم المحصود. (الخطبة ٩٩، ١٩٤)
وقال (ع) عن حوادث البصرة المقبلة: فتن كقطع اللّيل المظلم، لا تقوم لها قائمة ولا تردّ لها راية. تأتيكم مزمومة مرحولة: يحفزها قائدها، ويجهدها راكبها. أهلها قوم شديد كلبهم، قليل سلبهم. يجاهدهم في سبيل اللّه قوم أذلة عند المتكبّرين. في الأرض مجهولون، وفي السّماء معروفون. فويل لك يا بصرة عند ذلك، من جيش من نقم اللّه لا رهج له (أي غبار) ولا حسّ (أي جلبة وضوضاء). وسيبتلى أهلك بالموت الأحمر، والجوع الأغبر. (الخطبة ١٠٠، ١٩٥)
وقال (ع) عن فتنة بني أمية المقبلة: راية ضلال قد قامت على قطبها، وتفرّقت بشعبها، تكيلكم بصاعها، وتخبطكم بباعها، قائدها خارج من الملّة، قائم على الضّلّة. فلا يبقى يومئذ منكم إلاّ ثقالة كثفالة القدر (الثفالة: ما يبقى في القدر من عكر)، أونفاضة كنفاضة العكم (ما يسقط من الكيس بالنفض). تعرككم عرك الأديم (أي الجلد)، وتدوسكم دوس الحصيد. وتستخلص المؤمن من بينكم استخلاص الطّير الحبّة البطينة (أي السمينة) من بين هزيل الحبّ... فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه، وركب الجهل مراكبه. وعظمت الطّاغية، وقلّت الدّاعية. وصال الدّهر صيال السّبع العقور، وهدر فنيق (أي فحل الابل) البّاطل بعد كظوم (أي سكون)، وتواخى النّاس على الفجور، وتهاجروا على الدّين، وتحابّوا على الكذب، وتباغضوا على الصّدق.
فإذا كان ذلك كان الولد غيظا (أي يغيظ والده لشبوبه على العقوق)، والمطر قيظا. وتفيض اللّئام فيضا، وتغيض الكرام غيضا (أي تقل). وكان أهل ذلك الزّمان ذئابا، وسلاطينه سباعا. وأوساطه أكّالا، وفقراؤه أمواتا. وغار الصّدق، وفاض الكذب. واستعملت المودّة باللّسان، وتشاجر النّاس بالقلوب. وصار الفسوق نسبا، والعفاف عجبا. ولبس الإسلام لبس الفرومقلوبا. (الخطبة ١٠٦، ٢٠٦)
وقال (ع) محذرا من الفتن المقبلة: ثمّ إنّكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت. فاتّقوا سكرات النّعمة، واحذروا بوائق النّقمة. وتثبّتوا في قتام (أي غبار) العشوة (أي ركوب الامر على غير بيان)، واعوجاج الفتنة عند طلوع جنينها، وظهور كمينها، وانتصاب قطبها ومدار رحاها. تبدأ في مدارج خفيّة، وتؤول إلى فظاعة جليّة. شبابها (أي أولها) كشباب الغلام، وآثارها كآثار السّلام. يتوارثها الظّلمة بالعهود. أوّلهم قائد لآخرهم، وآخرهم مقتد بأوّلهم. يتنافسون في دنيا دنيّة، ويتكالبون على جيفة مريحة. وعن قليل يتبرّأ التّابع من المتبوع، والقائد من المقود. فيتزايلون بالبغضاء، ويتلاعنون عند اللّقاء. ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرّجوف، والقاصمة الزّحوف. فتزيغ قلوب بعد استقامة، وتضلّ رجال بعد سلامة. وتختلف الأهواء عند هجومها، وتلتبس الآراء عند نجومها (أي ظهورها). من أشرف لها قصمته، ومن سعى فيها حطمته. يتكادمون فيها تكادم (أي يعض بعضهم بعضا) الحمر في العانة (أي جماعة حمر الوحش). قد اضطرب معقود الحبل، وعمي وجه الأمر. تغيض فيها الحكمة، وتنطق فيها الظّلمة. وتدقّ أهل البدوبمسحلها، وترضّهم بكلكلها. يضيع في غبارها الوحدان (أي المتفردون)، ويهلك في طريقها الرّكبان. ترد بمرّ القضاء وتحلب عبيط الدّماء. وتثلم منار الدّين، وتنقض عقد اليقين. يهرب منها الأكياس (أي العاقلون)، ويدبّرها الأرجاس. مرعاد مبراق، كاشفة عن ساق. تقطع فيها الأرحام، ويفارق عليها الإسلام. بريّها سقيم، وظاعنها مقيم. (منها) بين قتيل مطلول، وخائف مستجير. يختلون بعقد الأيمان، وبغرور الإيمان. فلا تكونوا أنصاب الفتن، وأعلام البدع. والزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، وبنيت عليه أركان الطّاعة. وأقدموا على اللّه مظلومين، ولا تقدموا عليه ظالمين. واتّقوا مدارج الشّيطان، ومهابط العدوان. ولا تدخلوا بطونكم لعق الحرام. فإنّكم بعين من حرّم عليكم المعصية وسهّل لكم سبل الطّاعة (أي أن اللّه سبحانه يراكم دائما) (الخطبة ١٤٩، ٢٦٤)
قد خاضوا بحار الفتن، وأخذوا بالبدع دون السّنن. وأرز (أي ثبت) المؤمنون، ونطق الضّالّون المكذّبون. (الخطبة ١٥٢، ٢٧٠)
وقام الى الامام (ع) رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة، وهل سألت رسول اللّه (ص) عنها، فقال (ع): إنّه لمّا أنزل اللّه سبحانه قوله ألم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بين أظهرنا.
فقلت: يا رسول اللّه، ما هذه الفتنة الّتي أخبرك اللّه تعالى بها؟ فقال: «يا عليّ إنّ أمّتي سيفتنون من بعدي». فقلت: يا رسول اللّه، أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين، وحيزت عنّي الشّهادة، فشقّ ذلك عليّ. فقلت لي: «أبشر فإنّ الشّهادة من ورائك» فقال لي «إنّ ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن؟». فقلت: يا رسول اللّه، ليس هذا من مواطن الصّبر، ولكن من مواطن البشرى والشّكر. وقال: «يا عليّ إنّ القوم سيفتنون بأموالهم، ويمنّون بدينهم على ربّهم، ويتمنّون رحمته، ويأمنون سطوته. ويستحلّون حرامه بالشّبهات الكاذبة والأهواء السّاهية. فيستحلّون الخمر بالنّبيذ، والسّحت بالهديّة، والرّبا بالبيع«. قلت:
يا رسول اللّه، فبأيّ المنازل أنزلهم عند ذلك؟ أبمنزلة ردّة، أم بمنزلة فتنة؟ فقال: «بمنزلة فتنة». (الخطبة ١٥٤، ٢٧٥)
... ألا فتوقّعوا ما يكون من إدبار أموركم، وانقطاع وصلكم، واستعمال صغاركم. ذاك حيث تكون ضربة السّيف على المؤمن أهون من الدّرهم من حلّه (لاختلاط المكاسب بالحرام). ذاك حيث يكون المعطى (أي الفقير) أعظم أجرا من المعطي (أي الغني المترف). ذاك حيث تسكرون من غير شراب. بل من النّعمة والنّعيم. وتحلفون من غير اضطرار، وتكذبون من غير إحراج. ذاك إذا عضّكم البلاء كما يعضّ القتب غارب البعير (القتب: كساء يوضع على ظهر البعير، والغارب: ما بين العنق والسنام). ما أطول هذا العناء وأبعد هذا الرّجاء. أيّها النّاس، ألقوا هذه الأزمّة الّتي تحمل ظهورها الأثقال من أيديكم، ولا تصدّعوا على سلطانكم فتذمّوا غبّ فعالكم. ولا تقتحموا ما استقبلتم من فور نار الفتنة (أي ارتفاع لهبها). وأميطوا عن سننها (أي تنحوا عن طريقها)، وخلّوا قصد السّبيل لها. فقد لعمري يهلك في لهبها المؤمن، ويسلم فيها غير المسلم. (الخطبة ١٨٥، ٣٤٦)
ومن كلام له (ع) الى أهل الكوفة:
واعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها، وجاشت جيش (أي غليان) المرجل. وقامت الفتنة على القطب (يقصد به الامام نفسه )ع( قامت عليه فتنة اصحاب الجمل). فأسرعوا إلى أميركم، وبادروا جهاد عدوّكم. إن شاء اللّه عزّ وجلّ. (الخطبة ٢٤٠، ٤٤٢)
وقال (ع): لوقد استوت قدماي من هذه المداحض (أي لواستتب الامر لي من هذه الفتن) لغيّرت أشياء. (٢٧٢ ح، ٦٢١)
يتبع .......