وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                

Search form

إرسال الی صدیق
حروب الإمام علي في مدة خلافته - الثالث

لبيب بيضون

تحريض الامام أصحابه على الجهاد والقتال وانكاره تقاعسهم وأعذارهم

تذمر الامام (ع) من أصحابه وتأنيبهم على بعض أفعالهم.

قال الامام علي (ع):

فخدوا للحرب أهبتها، وأعدّوا لها عدّتها، فقد شبّ لظاها، وعلا سناها. واستشعروا الصّبر، فإنّه أدعى إلى النّصر. (الخطبة ٢٦، ٧٤)

ومن خطبة له (ع) يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزومعاوية للانبار فلم ينهضوا:

أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فتحه اللّه لخاصّة أوليائه. وهولباس التّقوى، ودرع اللّه الحصينة، وجنّته الوثيقة. فمن تركه رغبة عنه، ألبسه اللّه ثوب الذّلّ وشمله البلاء، وديّث بالصّغار والقماءة، وضرب على قلبه بالإسهاب، وأديل الحقّ منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف ومنع النّصف. ألا وإنّي قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا، وسرّا وإعلانا. وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فواللّه ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلاّ ذلّوا، فتواكلتم وتخاذلتم، حتّى شنّت عليكم الغارات، وملكت عليكم الأوطان. وهذا أخوغامد (يعني سفيان ابن عوف) وقد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسّان بن حسّان البكريّ، وأزال خيلكم عن مسالحها، ولقد بلغني أنّ الرّجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعثها (أي أقراطها) ما تمتنع منه إلاّ بالاسترجاع والإسترحام. ثمّ انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم، ولا أريق لهم دم، فلوأنّ امرءا مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما، بل كان به عندي جديرا. فيا عجبا عجبا واللّه يميت القلب ويجلب الهمّ، من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرّقكم عن حقّكم فقبحا لكم وترحا، حين صرتم غرضا يرمى: يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى اللّه وترضون فاذا أمرتكم بالسّير إليهم في أيّام الحرّ، قلتم: هذه حمّارة القيظ، أمهلنا يسبّخ (أي يخف) عنّا الحرّ، وإذا أمرتكم بالسّير إليهم في الشّتاء، قلتم: هذه صبّارة القرّ، أمهلنا ينسلخ عنّا البرد، كلّ هذا فرارا من الحرّ والقرّ، فإذا كنتم من الحرّ والقرّ تفرّون، فأنتم واللّه من السّيف أفرّ. يا أشباه الرّجال ولا رجال حلوم الأطفال، وعقول ربّات الحجال. لوددت أنّي لم أركم ولم أعرفكم معرفة واللّه جرّت ندما، وأعقبت سدما. قاتلكم اللّه لقد ملأتم قلبي قيحا، وشحنتم صدري غيظا، وجرّعتموني نغب التّهمام (أي جرع الهم) أنفاسا، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتّى لقد قالت قريش: إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب. للّه أبوهم وهل أحد منهم أشدّ لها مراسا، وأقدم فيها مقاما منّي لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنذا قد ذرّفت على السّتّين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع. (الخطبة ٢٧، ٧٥)

وخطب (ع) بعد غارة الضحاك بن قيس صاحب معاوية على الحاجّ بعد قصة الحكمين، فقال: أيّها النّاس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم. كلامكم يوهي الصّمّ الصّلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء، تقولون في المجالس: كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم: حيدي حياد ما عزّت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم. أعاليل بأضاليل، وسألتموني التّطويل دفاع ذي الدّين المطول. لا يمنع الضّيم الذّليل. ولا يدرك الحقّ إلاّ بالجدّ. أيّ دار بعد داركم تمنعون، ومع أيّ إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور واللّه من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز واللّه بالسّهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل (أي بسهم ليس له نصل، فهولا يصيب).

أصبحت واللّه لا أصدّق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدوبكم. ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ما طبّكم؟ القوم رجال أمثالكم. أ قولا بغير علم؟ وغفلة من غير ورع، وطمعا في غير حقّ. (الخطبة ٢٩، ٨١)

ومن خطبة له في استنفار الناس الى أهل الشام وتأنيبهم وذكر بعض مثالبهم: أفّ لكم لقد سئمت عتابكم أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة عوضا؟ وبالذّلّ من العزّ خلفا إذا دعوتكم إلى جهاد عدوّكم دارت أعينكم، كأنّكم من الموت في غمرة، ومن الذّهول في سكرة. يرتج عليكم حواري فتعمهون، وكأنّ قلوبكم مألوسة (أي مجنونة) فأنتم لا تعقلون. ما أنتم لي بثقة سجيس اللّيالي (سجيس بمعنى أبدا)، وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عزّ يفتقر إليكم. ما أنتم إلاّ كإبل ضلّ رعاتها، فكلّما جمعت من جانب انتشرت من آخر، لبئس لعمر اللّه سعر نار الحرب أنتم تكادون ولا تكيدون، وتنتقص أطرافكم فلا تمتعضون. لا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون. غلب واللّه المتخاذلون وأيم اللّه إنّي لأظنّ بكم أن لوحمس الوغى (أي اشتد) واستحرّ الموت، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرّأس (أي انفصاله عن البدن). واللّه إنّ امرءا يمكّن عدوّه من نفسه، يعرق لحمه، ويهشم عظمه، ويفري جلده، لعظيم عجزه ضعيف ما ضمّت عليه جوانح صدره. أنت فكن ذاك إن شئت، فأمّا أنا فواللّه دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفيّة تطير منه فراش الهام، وتطيح السّواعد والأقدام، ويفعل اللّه بعد ذلك ما يشاء. (الخطبة ٣٤، ٩٠)

من خطبة له (ع) خطبها عند علمه بغزوة النعمان بن بشير صاحب معاوية لعين التمر: منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت. لا أبالكم ما تنتظرون بنصركم ربّكم؟ أما دين يجمعكم، ولا حميّة تحمشكم أقوم فيكم مستصرخا، وأناديكم متغوّثا، فلا تسمعون لي قولا، ولا تطيعون لي أمرا، حتّى تكشّف الأمور عن عواقب المساءة؟ فما يدرك بكم ثار، ولا يبلغ بكم مرام. دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسرّ، وتثاقلتم تثاقل النّضوالأدبر (أي الجمل الهزيل المجروح)، ثمّ خرج إليّ منكم جنيد متذائب ضعيف كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إلى الْمَوْتِ وهُمْ يَنْظُرُونَ. (الخطبة ٣٩، ٩٧)

ومن خطبة له (ع) لما غلب اصحاب معاوية أصحابه على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم الماء: قد استطعموكم القتال، فأقرّوا على مذلّة، وتأخير محلّة، أوروّوا السّيوف من الدّماء ترووا من الماء. فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين. (الخطبة ٥١، ١٠٧)

وقال (ع) يخاطب اصحابه يوم صفين حين أمر الناس بالصلح: ولقد كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلاّ إيمانا وتسليما، ومضيّا على اللّقم (أي جادة الطريق)، وصبرا على مضض الألم، وجدا في جهاد العدوّ. ولقد كان الرّجل منّا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما، أيّهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرّة لنا من عدوّنا، ومّرة لعدوّنا منّا. فلمّا رأى اللّه صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت، وأنزل علينا النّصر، حتّى استقرّ الإسلام ملقيا جرانه (كناية عن التمكن) ومتبوّئا أوطانه. ولعمري لوكنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدّين عمود، ولا اخضرّ للإيمان عود. وأيم اللّه لتحتلبنّها دما، ولتتبعنّها ندما. (الخطبة ٥٦، ١١١)

ومن كلام له (ع) في توبيخ بعض أصحابه: كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة (أي الابل الفتية)، والثّياب المتداعية، كلّما حيصت (أي خيطت) من جانب تهتّكت من آخر. كلّما أطلّ عليكم منسر من مناسر أهل الشّام أغلق كلّ رجل منكم بابه، وانجحر انجحار الضّبّة في جحرها، والضّبع في وجارها (أي بيتها). الذّليل واللّه من نصرتموه ومن رمي بكم فقد رمي بأفوق ناصل. إنّكم واللّه لكثير في الباحات، قليل تحت الرّايات، وإنّي لعالم بما يصلحكم، ويقيم أودكم، ولكنّي لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي. أضرع اللّه خدودكم، وأتعس جدودكم لا تعرفون الحقّ كمعرفتكم الباطل، ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحقّ (الخطبة ٦٧، ١٢٣)

ومن خطبة له (ع) في ذم أهل العراق، وفيها يوبخهم على ترك القتال، والنصر يكاد يتم، ثم تكذيبهم له: أمّا بعد يا أهل العراق، فإنّما أنتم كالمرأة الحامل حملت فلمّا أتمّت أملصت (أي أسقطت) ومات قيّمها (أي زوجها)، وطال تأيّمها، وورثها أبعدها. أمّا واللّه ما أتيتكم اختيارا، ولكن جئت إليكم سوقا. ولقد بلغني أنّكم تقولون: عليّ يكذب، قاتلكم اللّه تعالى فعلى من أكذب؟ أعلى اللّه؟ فأنا أوّل من آمن به. أم على نبيّه؟ فأنا أوّل من صدّقه. كلاّ واللّه، لكنّها لهجة غبتم عنها، ولم تكونوا من أهلها. ويل امّه، كيلا بغير ثمن لوكان له وعاء. ولتعلمنّ نبأه (أي نبأ جهلكم به) بعد حين. (الخطبة ٦٩، ١٢٤)

ومن خطبة له (ع): ولئن أمهل الظّالم فلن يفوت أخذه، وهوله بالمرصاد على مجاز طريقه، وبموضع الشّجى من مساغ ريقه. أما والّذي نفسي بيده، ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنّهم أولى بالحقّ منكم، ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم، وإبطائكم عن حقّي. ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحت أخاف ظلم رعيّتي. استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سرّا وجهرا فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا. أشهود كغيّاب، وعبيد كأرباب أتلوعليكم الحكم فتنفرون منها، وأعظكم بالموعظة البالغة فتتفرّقون عنها، وأحثّكم على جهاد أهل البغي، فما آتي على آخر قولي حتّى أراكم متفرّقين أيادي سبأ. ترجعون إلى مجالسكم وتتخادعون عن مواعظكم. أقوّمكم غدوة، وترجعون إليّ عشيّة، كظهر الحنيّة (أي القوس). عجز المقوّم، وأعضل المقوّم.

أيّها القوم الشّاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم. صاحبكم يطيع اللّه وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشّام يعصي اللّه وهم يطيعونه. لوددت واللّه أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدّينار بالدّرهم، فأخذ منّي عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم. يا أهل الكوفة، منيت منكم بثلاث واثنتين:

صمّ ذووأسماع، وبكم ذووكلام، وعمي ذووأبصار. لا أحرار صدق عند اللّقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء تربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها، كلّما جمعت من جانب تفرّقت من آخر. واللّه لكأنّي بكم فيما إخالكم: أن لوحمس الوغى، وحمي الضّراب، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها (عند الولادة أوعند ما يشهر عليها سلاح). وإنّي لعلى بيّنة من ربّي، ومنهاج من نبيّي. وإنّي لعلى الطّريق الواضح ألقطه لقطا. (الخطبة ٩٥، ١٨٨)

وقال (ع) في الصالحين من اصحابه: أنتم الأنصار على الحقّ، والإخوان في الدّين، والجنن يوم البأس، والبطانة دون النّاس. بكم أضرب المدبر، وأرجوطاعة المقبل. فأعينوني بمناصحة خليّة من الغشّ، سليمة من الرّيب. فواللّه إنّي لأولى النّاس بالنّاس. (الخطبة ١١٦، ٢٢٦)

ومن كلام له (ع) وقد جمع الناس وحضهم على الجهاد فسكتوا مليا، فقال عليه السلام: ما بالكم أمخرسون أنتم؟ (فقال قوم منهم: يا أمير المؤمنين، ان سرت سرنا معك). فقال عليه السلام: ما بالكم لا سدّدتم لرشد، ولا هديتم لقصد أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج؟ وإنّما يخرج في مثل هذا رجل ممّن أرضاه من شجعانكم وذوي بأسكم، ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر وبيت المال وجباية الأرض، والقضاء بين المسلمين، والنّظر في حقوق المطالبين، ثمّ أخرج في كتيبة أتبع أخرى، أتقلقل تقلقل القدح (أي السهم قبل أن يراش) في الجفير الفارغ (أي الكنانة التي توضع فيها السهام). وإنّما أنا قطب الرّحى، تدور عليّ وأنا بمكاني، فإذا فارقته استحار (أي اضطرب) مدارها، واضطرب ثفالها (الثفال الحجر الاسفل من الرحى). هذا لعمر اللّه الرّأي السّوء واللّه لولا رجائي الشّهادة عند لقائي العدوولوقد حمّ لي لقاؤه لقرّبت ركابي، ثمّ شخصت عنكم، فلا أطلبكم ما اختلف جنوب وشمال، طعّانين عيّابين، حيّادين روّاغين. إنّه لا غناء في كثرة عددكم، مع قلّة اجتماع قلوبكم. لقد حملتكم على الطّريق الواضح الّتي لا يهلك عليها إلاّ هالك. من استقام فإلى الجنّة، ومن زلّ فإلى النّار. (الخطبة ١١٧، ٢٢٧)

ومن كلام له (ع) بعد ليلة الهرير، وقد قام اليه رجل من اصحابه فقال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها، فلم ندر أي الامرين أرشد؟ فصفق عليه السلام احدى يديه على الاخرى ثم قال: هذا جزاء من ترك العقدة. أما واللّه لوأنّي حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الّذي يجعل اللّه فيه خيرا، فإن استقمتم هديتكم، وإن اعوججتم قوّمتكم، وإن أبيتم تداركتكم لكانت الوثقى. ولكن بمن وإلى من؟ أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي، كناقش الشّوكة بالشّوكة، وهويعلم أنّ ضلعها معها. اللّهمّ قد ملّت أطبّاء هذا الدّاء الدّويّ، وكلّت النّزعة بأشطان الرّكيّ. أين القوم الّذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرؤوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللّقاح إلى أولادها، وسلبوا السّيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا، وصفّا صفّا. بعض هلك، وبعض نجا. (الخطبة ١١٩، ٢٢٩)

ومن كلام له (ع) قاله لأصحابه في ساحة الحرب بصفين: وأيّ امري‏ء منكم أحسّ من نفسه رباطة جأش عند اللّقاء، ورأى من أحد من إخوانه فشلا، فليذبّ عن أخيه بفضل نجدته الّتي فضّل بها عليه كما يذبّ عن نفسه. فلوشاء اللّه لجعله مثله. إنّ الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب. إنّ أكرم الموت القتل. والّذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألف ضربة بالسّيف أهون عليّ من ميتة على الفراش في غير طاعة اللّه. (ومنه) وكأنّي أنظر إليكم تكشّون كشيش الضّباب. لا تأخذون حقا، ولا تمنعون ضيما. قد خلّيتم والطّريق. فالنجاة للمقتحم، والهلكة للمتلوّم. (الخطبة ١٢١، ٢٣٢)

ومن كلام له (ع) في حث أصحابه على القتال: وأيم اللّه لئن فررتم من سيف العاجلة، لا تسلموا من سيف الآخرة، وأنتم لهاميم العرب (أي السابقون من العرب)، والسّنام الأعظم. إنّ في الفرار موجدة اللّه (أي غضبه)، والذّلّ اللاّزم، والعار الباقي. وإنّ الفارّ لغير مزيد في عمره، ولا محجوز بينه وبين يومه. الرّائح إلى اللّه كالظّمآن يرد الماء. الجنّة تحت أطراف العوالي. اليوم تبلى الأخبار. واللّه لأنا أشوق إلى لقائهم منهم إلى ديارهم. اللّهمّ فإن ردّوا الحقّ فافضض جماعتهم، وشتّت كلمتهم، وأبسلهم بخطاياهم (أي اهلكهم). إنّهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك، يخرج منه النّسيم. وضرب يفلق الهام، ويطيح العظام، ويندر (أي يسقط) السّواعد والأقدام. وحتّى يرموا بالمناسر تتبعها المناسر (جمع منسر وهي القطعة من الجيش تكون في المقدمة)، ويرجموا بالكتائب تقفوها الحلائب (جمع حلبة، وهي القطعة الحربية التي عددها من اربعة آلاف الى اثني عشر الفا)، وحتّى يجرّ ببلادهم الخميس يتلوه الخميس، وحتّى تدعق الخيول (أي تطأ وطأ شديدا) في نواحر أرضهم (أي متقابلاتها)، وباعنان مساربهم ومسارحهم. (الخطبة ١٢٢، ٢٣٣)

وقال (ع) مخاطبا الخوارج: لبئس حشّاش نار الحرب أنتم أفّ لكم لقد لقيت منكم برحا. يوما أناديكم ويوما أناجيكم، فلا أحرار صدق عند النّداء، ولا إخوان ثقة عند النّجاء. (الخطبة ١٢٣، ٢٣٥)

ومن كلام له (ع) خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم: فمن استطاع عند ذلك أن يعتقل نفسه على اللّه عزّ وجلّ، فليفعل. فإن أطعتموني فإني حاملكم إن شاء اللّه على سبيل الجنّة، وإن كان ذا مشقّة شديدة ومذاقة مريرة. (الخطبة ١٥٤، ٢٧٣)

أين المانع للذّمار، والغائر (أي صاحب الغيرة على نسائه) عند نزول الحقائق من أهل الحفاظ. العار وراءكم والجنّة أمامكم. (الخطبة ١٦٩، ٣٠٦)

ومن خطبة له (ع) خطبها في الكوفة وهوعازم على الرجعة الى صفين: أيّها النّاس، إنّي قد بثثت لكم المواعظ الّتي وعظ الأنبياء بها أممهم. وأدّيت إليكم ما أدّت الأوصياء إلى من بعدهم. وأدّبتكم بسوطي فلم تستقيموا، وحدوتكم بالزّواجر فلم تستوسقوا. للّه أنتم أتتوقّعون إماما غيري يطأ بكم الطّريق، ويرشدكم السّبيل؟ ألا إنّه قد أدبر من الدّنيا ما كان مقبلا، وأقبل منها ما كان مدبرا، وأزمع التّرحال عباد اللّه الأخيار، وباعوا قليلا من الدّنيا لا يبقى، بكثير من الآخرة لا يفنى. ما ضرّ إخواننا الّذين سفكت دماؤهم وهم بصفّين ألاّ يكونوا اليوم أحياء؟ يسيغون الغصص ويشربون الرّنق (أي الكدر). قد واللّه لقوا اللّه فوفّاهم أجورهم، وأحلّهم دار الأمن بعد خوفهم. أين إخواني الّذين ركبوا الطّريق ومضوا على الحقّ؟ أين عمّار؟ وأين ابن التّيّهان (اسمه مالك)؟ وأين ذوالشّهادتين (هوخزيمة بن ثابت الانصاري)؟. وأين نظراؤهم من إخوانهم الّذين تعاقدوا على المنيّة، وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة. أوّه، على إخواني الّذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرض فأقاموه. أحيوا السّنّة وأماتوا البدعة. دعوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتّبعوه. ثم نادى (ع) بأعلى صوته: الجهاد الجهاد عباد اللّه ألا وإنّي معسكر في يومي هذا، فمن أراد الرّواح إلى اللّه فليخرج (الخطبة ١٨٠، ٣٢٨)

فانفذوا على بصائركم، ولتصدق نيّاتكم في جهاد عدوّكم. فوالّذي لا إله إلاّ هو، إنّي لعلى جادّة الحقّ، وإنّهم لعلى مزلّة الباطل. أقول ما تسمعون، وأستغفر اللّه لي ولكم. (الخطبة ١٩٥، ٣٨٦)

ومن خطبة له (ع) كان يستنهض بها أصحابه الى جهاد أهل الشام: اللّهمّ أيّما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة غير الجائرة، والمصلحة غير المفسدة، في الدّين والدّنيا، فأبى بعد سمعه لها إلاّ النّكوص عن نصرتك، والإبطاء عن إعزاز دينك، فإنّا نستشهدك عليه يا أكبر الشّاهدين شهادة، ونستشهد عليه جميع ما أسكنته أرضك وسمواتك. ثمّ أنت بعد المغني عن نصره، والآخذ له بذنبه. (الخطبة ٢١٠، ٤٠٥)

ومن كلام له (ع) يحث به أصحابه على الجهاد: واللّه مستأديكم شكره، ومورّثكم أمره. وممهلكم في مضمار محدود، لتتنازعوا سبقه (يقصد بذلك الجنة). فشدّوا عقد المآزر (كناية عن الجد والاستعداد)، واطووا فضول الخواصر. ولا تجتمع عزيمة ووليمة. ما أنقض النّوم لعزائم اليوم، وأمحى الظّلم لتذاكير الهمم. (الخطبة ٢٣٩، ٤٤٠)

ومن كتاب له (ع) الى عبد اللّه بن العباس، بعد مقتل محمد بن أبي بكر في مصر: وقد كنت حثثت النّاس على لحاقه، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة، ودعوتهم سرا وجهرا، وعودا وبدءا، فمنهم الآتي كارها، ومنهم المعتلّ كاذبا، ومنهم القاعد خاذلا. أسأل اللّه تعالى أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا، فواللّه لولا طمعي عند لقائي عدوّي في الشّهادة. وتوطيني نفسي على المنيّة، لأحببت ألاّ ألقى مع هؤلاء يوما واحدا، ولا ألتقي بهم أبدا. (الخطبة ٢٧٤، ٤٩٣)

ومن كتاب له (ع) الى أهل مصر: ألا ترون إلى أصرافكم قد انتقضت، وإلى أمصاركم قد افتتحت، وإلى ممالككم تزوى، وإلى بلادكم تغزى. انفروا رحمكم اللّه إلى قتال عدوّكم، ولا تثّاقلوا إلى الأرض فتقرّوا بالخسف (أي تقيموا عليه)، وتبوؤوا بالذّلّ (أي تعودوا به)، ويكون نصيبكم الأخسّ. وإنّ أخا الحرب الأرق (أي ان صاحب الحرب لا ينام)، ومن نام لم ينم عنه، والسّلام. (الخطبة ٣٠١، ٥٤٩)

حث أصحابه على الاخاء والالفة والاتحاد وذم التفرق

قال الامام علي (ع):

وإنّما أنتم إخوان على دين اللّه، ما فرّق بينكم إلاّ خبث السّرائر، وسوء الضّمائر، فلا توازرون ولا تناصحون، ولا تباذلون ولا توادّون... وما يمنع أحدكم أن يستقبل أخاه بما يخاف من عيبه، إلاّ مخافة أن يستقبله بمثله. (الخطبة ١١١، ٢١٩)

والزموا السّواد الأعظم فإنّ يد اللّه على الجماعة، وإيّاكم والفرقة فإنّ الشّاذّ من النّاس للشّيطان، كما أنّ الشّاذّ من الغنم للذّئب. (الخطبة ١٢٥، ٢٣٧)

... والزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، وبنيت عليه أركان الطّاعة. (الخطبة ١٤٩، ٢٦٦)

فإيّاكم والتّلوّن في دين اللّه، فإنّ جماعة فيما تكرهون من الحقّ، خير من فرقة فيما تحبّون من الباطل. وإنّ اللّه سبحانه لم يعط أحدا بفرقة خيرا ممّن مضى، ولا ممّن بقي. (الخطبة ١٧٤، ٣١٧)

فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء (جمع ملأ) مجتمعة، والأهواء مؤتلفة، والقلوب معتدلة، والأيدي مترادفة، والسّيوف متناصرة، والبصائر نافذة، والعزائم واحدة. ألم يكونوا أربابا في أقطار الأرضين، وملوكا على رقاب العالمين. فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم، حين وقعت الفرقة، وتشتّتت الألفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعّبوا مختلفين، وتفرّقوا متحازبين... (الخطبة ١٩٠، ٣، ٣٦٩)

فإنّ اللّه سبحانه قد امتنّ على جماعة هذه الأمّة، فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة، الّتي ينتقلون في ظلّها، ويأوون إلى كنفها. بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة، لأنّها أرجح من كلّ ثمن، وأجلّ من كلّ خطر. (الخطبة ١٩٠، ٤، ٣٧١)

من وصية له (ع) للحسن والحسين (ع) أوصيكما... بتقوى اللّه، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدّكما صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول «صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام»... (الخطبة ٢٨٦، ٥١١)

وعليكم بالتّواصل والتّباذل، وإيّاكم والتّدابر والتّقاطع. (الخطبة ٢٨٦، ٥١٢)

تعاليم حربية ووصايا الامام لقواده

قال الامام علي (ع):

لابنه محمد بن الحنيفة لما أعطاه الراية يوم الجمل: تزول الجبال ولا تزل. عضّ على ناجذك. أعر اللّه جمجمتك. تد في الأرض قدمك. ارم ببصرك أقصى القوم وغصّ بصرك. واعلم أن النّصر من عند اللّه سبحانه. (الخطبة ١١، ٥٢)

وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم فواللّه ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلاّ ذلّوا. (الخطبة ٢٧، ٧٦)

من كلام له (ع) في تعليم الحرب والمقاتلة، قاله لأصحابه ليلة الهرير بصفين: معاشر المسلمين: استشعروا الخشية، وتجلببوا السّكينة، وعضّوا على النّواجذ، فإنّه أنبى للسّيوف عن الهام. وأكملوا اللأمة (اي الدرع)، وقلقلوا السّيوف في أغمادها قبل سلّها. والحظوا الخزر، واطعنوا الشّزر، ونافحوا بالظّبا، وصلوا السّيوف بالخطا. واعلموا أنّكم بعين اللّه، ومع ابن عمّ رسول اللّه. فعاودوا الكرّ، واستحيوا من الفرّ، فإنّه عار في الأعقاب، ونار يوم الحساب. وطيبوا عن أنفسكم نفسا، وامشوا إلى الموت مشيا سجحا (أي سهلا)، وعليكم بهذا السّواد الأعظم (أي أهل الشام) والرّواق المطنّب (أي رواق معاوية)، فاضربوا ثبجه (أي وسطه)، فإنّ الشّيطان (أي معاوية) كامن في كسره، وقد قدّم للوثبة يدا، وأخّر للنّكوص رجلا. فصمدا صمدا، حتّى ينجلي لكم عمود الحقّ، وأنتم الأعلون واللّه معكم، ولن يتركم (أي ينقصكم) أعمالكم. (الخطبة ٦٤، ١٢٠)

من كلام له (ع) وقد جمع الناس وحضهم على الجهاد فسكتوا مليا فقال عليه السّلام: ما بالكم لا سدّدتم لرشد، ولا هديتم لقصد أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج؟ وإنّما يخرج في مثل هذا رجل ممّن أرضاه من شجعانكم وذوي بأسكم، ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر وبيت المال وجبابة الأرض، والقضاء بين المسلمين، والنّظر في حقوق المطالبين، ثمّ أخرج في كتيبة أتبع أخرى، أتقلقل تقلقل القدح (أي السهم قبل أن يراش) في الجفير الفارغ (أي الكنانة التي توضع فيها السهام).

وإنّما أنا قطب الرّحى، تدور عليّ وأنا بمكاني، فإذا فارقته استحار مدارها، واضطرب ثفالها (الثفال: الحجر الاسفل من الرحى). هذا لعمر اللّه الرّأي السّوء (الخطبة ١١٧، ٢٢٧)

من كلام له (ع) قاله لأصحابه في ساحة الحرب بصفين، وفيه يعلم اصحابه فنون القتال وآدابه: وأيّ امري‏ء منكم أحسّ من نفسه رباطة جأش عند اللّقاء، ورأى من أحد من إخوانه فشلا فليذبّ عن أخيه، بفضل نجدته الّتي فضّل بها عليه، كما يذبّ عن نفسه. فلوشاء اللّه لجعله مثله. إنّ الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب. إنّ أكرم الموت القتل. والّذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسّيف أهون عليّ من ميتة على الفراش.

(ومنه): فقدّموا الدّارع وأخّروا الحاسر، وعضّوا على الأضراس، فإنه أنبى للسّيوف عن الهام، والتووا في أطراف الرّماح، فإنّه أمور للأسنّة. وغضّوا الأبصار فإنّه أربط للجأش وأسكن للقلوب. وأميتوا الأصوات فإنّه أطرد للفشل. ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلّوها، ولا تجعلوها إلاّ بأيدي شجعانكم والمانعين الذّمار منكم.

فإنّ الصّابرين على نزول الحقائق هم الّذين يحفّون براياتهم، ويكتنفونها: حفا فيها ووراءها وأمامها، لا يتأخّرون عنها فيسلموها، ولا يتقدّمون عليها فيفردوها. أجزأ امرؤ قرنه (أي كفؤه)، وآسى أخاه بنفسه، ولم يكل قرنه إلى أخيه، فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه. وأيم اللّه لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيف الآخرة.وأنتم لهاميم العرب والسّنام الأعظم. إنّ في الفرار موجدة اللّه، والذّل اللاّزم، والعار الباقي. وإنّ الفارّ لغير مزيد في عمره، ولا محجوز بينه وبين يومه. (الخطبة ١٢١، ٢٣٢)

من كلام له (ع) وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج الى غزوالروم بنفسه ». (الخطبة ١٣٢، ٢٤٦)

من كلام له (ع) وقد استشاره عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه. (الخطبة ١٤٤، ٢٥٧)

فشدّوا عقد المآزر، واطووا فضول الخواصر. (الخطبة ٢٣٩، ٤٤١)

من كتاب له (ع) الى بعض أمراء جيشه: فإن عادوا إلى ظلّ الطّاعة فذاك الّذي نحبّ، وإن توافت الأمور بالقوم إلى الشّقاق والعصيان، فانهد بمن أطاعك إلى من عصاك، واستغن بمن انقاد معك عمّن تقاعس عنك. فإنّ المتكاره (المتثاقل بكراهة الحرب) مغيبه خير من مشهده (أي وجوده في الجيش يضر أكثر مما ينفع) وقعوده أغنى من نهوضه. (الخطبة ٢٤٣، ٤٤٥)

من وصية له (ع) وصى بها جيشا بعثه الى العدو: فإذا نزلتم بعدوأونزل بكم، فليكن معسكركم في قبل الأشراف (أي بجانب الجبال العالية)، أوسفاح الجبال، أوأثناء الأنهار. كيما يكون لكم ردءا (أي عونا) ودونكم مردّا. ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أواثنين. واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال (أي أعاليها) ومناكب الهضاب، لئلاّ يأتيكم العدومن مكان مخافة أوأمن. واعلموا أنّ مقدّمة القوم عيونهم، وعيون المقدّمة طلائعهم. وإيّاكم والتّفرّق فإذا نزلتم فانزلوا جميعا،وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعا. وإذا غشيكم اللّيل فاجعلوا الرّماح كفّة (أي انصبوها حولكم مستديرة ككفة الميزان)، ولا تذوقوا النّوم إلاّ غرارا (أي قليلا) أومضمضة. (الخطبة ٢٥٠، ٤٥١)

من وصية له (ع) وصّى بها معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه الى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له: إتّق اللّه الّذي لا بد لك من لقائه، ولا منتهى لك دونه. ولا تقاتلنّ إلا من قاتلك. وسر البردين (أي وقت ابتراد الارض والهواء). وغوّر بالنّاس. ورفّه في السّير.

ولا تسر أوّل اللّيل، فإنّ اللّه جعله سكنا، وقدّره مقاما لا ظعنا. فأرح فيه بدنك، وروّح ظهرك. فإذا وقفت حين ينبطح السّحر، أوحين ينفجر الفجر، فسر على بركة اللّه. فإذا لقيت العدوفقف من أصحابك وسطا، ولا تدن من القوم دنومن يريد أن ينشب الحرب. ولا تباعد عنهم تباعد من يهاب البأس، حتّى يأتيك أمري. ولا يحملنّكم شنآنهم (أي بغضهم) على قتالهم، قبل دعائهم والإعذار إليهم. (الخطبة ٢٥١، ٤٥٢)

من وصية له (ع) لعسكره قبل لقاء العدوبصفين: لا تقاتلوهم حتّى يبدؤوكم. فإنّكم بحمد اللّه على حجّة، وترككم إيّاهم حتّى يبدؤوكم حجّة أخرى لكم عليهم. فإذا كانت الهزيمة بإذن اللّه فلا تقتلوا مدبرا، ولا تصيبوا معورا (الذي أمكن من نفسه وعجز عن حمايتها). ولا تجهزوا على جريح. ولا تهيجوا النّساء بأذى، وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم. فإنّهنّ ضعيفات القوى والأنفس والعقول، إن كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ وإنّهنّ لمشركات (هذا حكم الشريعة الاسلامية في حفظ اعراض النساء حتى المشركات في الحرب). وإن كان الرّجل ليتناول المرأة في الجاهليّة بالفهر (حجر يدق به الجوز) أوالهراوة (العصا) فيعيّر بها وعقبه من بعده. (الخطبة ٢٥٣، ٤٥٣)

وكان (ع) يقول لأصحابه عند الحرب: لا تشتدّنّ عليكم فرّة بعدها كرّة. ولا جولة بعدها حملة. وأعطوا السّيوف حقوقها. ووطّئوا للجنوب مصارعها. واذمروا أنفسكم (أي حرضوها) على الطّعن الدّعسيّ (أي الشديد) والضّرب الطّلحفيّ (الشديد ايضا). وأميتوا الأصوات، فإنّه أطرد للفشل. فوالّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، ما أسلموا ولكن استسلموا، وأسرّوا الكفر، فلمّا وجدوا أعوانا عليه أظهروه. (الخطبة ٢٥٥، ٤٥٤)

ومن كتاب له (ع) الى أهل مصر، لما ولى عليهم مالك الاشتر: فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنّه لا يقدم ولا يحجم، ولا يؤخّر ولا يقدّم، إلاّ عن أمري. (الخطبة ٢٧٧، ٤٩٦)

ألا وإنّ لكم عندي ألاّ أحتجز دونكم سرّا إلاّ في حرب، ولا أطوي دونكم أمرا إلاّ في حكم. (الخطبة ٢٨٩، ٥١٤).

ولا تمسّنّ مال أحد من النّاس، مصلّ ولا معاهد، إلاّ أن تجدوا فرسا أوسلاحا يعدى به على أهل الإسلام، فإنّه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام، فيكون شوكة عليه. (الخطبة ٢٩٠، ٥١٥)

وقال (ع) في عهده لمالك الاشتر: فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك للّه ولرسوله ولإمامك، وأنقاهم جيبا، وأفضلهم حلما، ممّن يبطي‏ء عن الغضب، ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضّعفاء، وينبوعلى الأقوياء، وممّن لا يثيره العنف، ولا يقعد به الضّعف. (الخطبة ٢٩٢، ٢، ٥٢٤)

وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته، وأفضل عليهم من جدته، بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم، حتّى يكون همّهم همّا واحدا في جهاد العدوّ، فإنّ عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك. (الخطبة ٢٩٢، ٢، ٥٢٤)

من كتاب له (ع) الى العمال الذين يطأ الجيش عملهم (أي يمر بأراضيهم): من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى من مرّ به الجيش من جباة الخراج وعمّار البلاد. أمّا بعد، فإنّي قد سيّرت جنودا هي مارّة بكم إن شاء اللّه، وقد أوصيتهم بما يجب للّه عليهم من كفّ الأذى وصرف الشّذى (أي الشر)، وأنا أبرأ إليكم وإلى ذمّتكم من معرّة الجيش (أي أذاه)، إلاّ من جوعة المضطرّ، لا يجد عنها مذهبا إلى شبعه. فنكّلوا من تناول منهم شيئا ظلما عن ظلمهم، وكفّوا أيدي سفهائكم عن مضارّتهم والتّعرّض لهم فيما استثنيناه منهم. وأنا بين أظهر الجيش فارفعوا إليّ مظالمكم وما عراكم، ممّا يغلبكم من أمرهم، وما لا تطيقون دفعه إلاّ باللّه وبي، فأنا أغيّره بمعونة اللّه، إن شاء. (الخطبة ٢٩٩، ٥٤٥)

من كتاب له (ع) الى كميل بن زياد النخعي، وهوعامله على هيت، ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدوطالبا الغارة: أمّا بعد، فإنّ تضييع المرء ما ولّي، وتكلفّه ما كفي، لعجز حاضر، ورأي متبّر (أي هالك صاحبه). وإنّ تعاطيك الغارة على أهل قرقيسيا (وهي بلد على الفرات) وتعطيلك مسالحك الّتي ولّيناك، ليس بها من يمنعها ولا يردّ الجيش عنها، لرأي شعاع (أي متفرق). فقد صرت جسرا لمن أراد الغارة من أعدائك على أوليائك، غير شديد المنكب، ولا مهيب الجانب، ولا سادّ ثغرة، ولا كاسر لعدوشوكة، ولا مغن عن أهل مصره، ولا مجز عن أميره. (الخطبة ٣٠٠، ٥٤٦)

وقال (ع) لابنه الحسن (ع): لا تدعونّ إلى مبارزة، وإن دعيت إليها فأجب. فإنّ الدّاعي إليها باغ، والباغي مصروع. (٢٣٣ ح، ٦٠٨) وفي حديثه (ع) انه ودع جيشا يغزيه فقال: اعذبوا عن النّساء ما استطعتم (أي لا تشغلوا أنفسكم بذكرهن). (٧ غريب كلامه ٦١٦)

يتبع ........

****************************