لبيب بيضون
نكث البيعة وذم الناكثين
مدخل:
لم تصل الخلافة الى الامام علي (ع) الا بعد أن انتقض فتلها، وعاثت الفتن بها، وحين أدرك الناس أنه لن يخلّص الأمة من هذه المحنة غير الامام علي (ع). عند ذلك انثال الناس على أبي الحسن (ع) يبايعونه، فبايعه كل أهل المدينة من المهاجرين والانصار، وفي مقدمتهم ابن عمته الزبير بن العوام.
حتى اذا قام بالامر وأراد إرجاع الحق الى نصابه، تألب عليه الكثيرون من الساعين وراء مصالحهم الشخصية، ومنهم الزبير وطلحة، مختلقين الاعذار الواهية. فحارب الناكثين من أصحاب الجمل في البصرة ثم حارب القاسطين من اصحاب معاوية في صفين، ثم حارب المارقين من الخوارج في النهروان. يبغي تطهير المجتمع الاسلامي من الفتن العوان والنفوس المريضة.
النصوص:
قال الامام علي (ع):
في الخطبة الشقشقية: فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون [ يشير بذلك (ع) الى اصحاب الجمل (الناكثين)، والى أصحاب النهروان وهم الخوارج (المارقين)، والى اصحاب صفين (القاسطين) ]. كأنّهم لم يسمعوا كلام اللّه سبحانه حيث يقول تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيْدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ ولاَ فَساداً، والعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. بلى واللّه لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم وراقهم زبرجها (أي زينتها). (الخطبة ٣، ٤٣)
قال (ع) عن الزبير وكان اول من بايع الامام (ع): يزعم أنّه قد بايع بيده، ولم يبايع بقلبه. فقد أقرّ بالبيعة، وادّعى الوليجة. فليأت عليها بأمر يعرف، وإلاّ فليدخل فيما خرج منه. (الخطبة ٨، ٥٠)
ومن خطبة له (ع) حين بلغه خبر الناكثين ببيعته: ألا وإنّ الشّيطان قد ذمّر حزبه، واستجلب جلبه، ليعود الجور إلى أوطانه، ويرجع البّاطل إلى نصابه. واللّه ما أنكروا عليّ منكرا، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا (أي انصافا). (الخطبة ٢٢، ٦٦)
من كلام له (ع) يخاطب به طلحة والزبير: وإنّهم ليطلبون حقّا هم تركوه، ودما هم سفكوه... اللّهمّ إنّهما قطعاني وظلماني، ونكثا بيعتي، وألّبا النّاس عليّ. فاحلل ما عقدا، ولا تحكم لهما ما أبرما، وأرهما المساءة فيما أمّلا وعملا. (الخطبة ١٣٥، ٢٤٨)
وقال (ع) عن أهل الجمل: في جيش ما منهم رجل إلاّ وقد أعطاني الطّاعة، وسمح لي بالبيعة، طائعا غير مكره. (الخطبة ١٧٠، ٣٠٧)
الفئة الباغية وأهل الضلال
قال الامام علي (ع):
وإنّها للفئة الباغية، فيها الحمأ والحمّة (أي الزبير وعائشة لقرابتهما) والشّبهة المغدفة. وإنّ الأمر لواضح. وقد زاح البّاطل عن نصابه، وانقطع لسانه عن شغبه. وأيم اللّه لأفرطنّ لهم حوضا أنا ماتحه، لا يصدرون عنه بريّ، ولا يعبّون بعده في حسي (أي يسقيهم الامام كأسا لا يتجرعون سواها). (الخطبة ١٣٥، ٢٤٨)
فاسمعوا قولي وعوا منطقي. عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تنتضى فيه السّيوف، وتخان فيه العهود، حتّى يكون بعضكم أئمّة لأهل الضّلالة، وشيعة لأهل الجهالة. (الخطبة ١٣٧، ٢٥١)
قد قامت الفئة الباغية، فأين المحتسبون (أي المجاهدون احتسابا للّه). فقد سنّت لهم السّنن، وقدّم لهم الخبر. ولكلّ ضلّة علّة، ولكلّ ناكث شبهة. واللّه لا أكون كمستمع اللّدم (أي الضرب على الصدر) يسمع النّاعي ويحضر الباكي ثمّ لا يعتبر. (الخطبة ١٤٦، ٢٦٠)
ومن خطبة له (ع) يومي فيها الى الملاحم ويصف فئة من أهل الضلال: وأخذوا يمينا وشمالا، ظعنا في مسالك الغيّ، وتركا لمذاهب الرّشد. (الخطبة ١٤٨، ٢٦٢)
المشهورة «اقتلوا نعثلا، قتل اللّه نعثلا». فلما توفي قامت تطالب الامام (ع) بدم عثمان، وتحرض طلحة والزبير لقتاله، حتى كانت فتنة الجمل، ثم فتنة صفين، ومن بعدها فتنة النهروان. فكانت مهمة الامام (ع) في مدة خلافته التي قاربت الاربع سنوات، اعادة الاستقرار الداخلي للمجتمع الاسلامي، وتطهيره من الناكثين والمارقين والقاسطين. وهي مهمة تفوق في أهميتها الفتوح الخارجية، لان التفكك الداخلي الذي أصاب الرقعة الاسلامية كاد يعرضها للغزوالخارجي والاضمحلال.
النصوص:
من خطبة للامام (ع) حين بلغه خبر الناكثين ببيعته وعلى رأسهم طلحة والزبير وعائشة:
وإنّهم ليطلبون حقّا هم تركوه، ودما هم سفكوه. فلئن كنت شريكهم فيه فإنّ لهم لنصيبهم منه، ولئن كانوا ولوه دوني، فما التّبعة إلاّ عندهم. وانّ أعظم حجّتهم لعلى أنفسهم، يرتضعون أمّا قد فطمت، ويحيون بدعة قد أميتت. يا خيبة الدّاعي (يقصد به رؤوس فتنة الجمل الثلاثة)، من دعا وإلام أجيب وإنّي لراض بحجة اللّه عليهم وعلمه فيهم. (الخطبة ٢٢، ٦٧)
وقال (ع) في معنى قتل عثمان: لوأمرت به لكنت قاتلا، أونهيت عنه لكنت ناصرا، غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه. ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هوخير منّي. وأنا جامع لكم أمره: استأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع. وللّه حكم واقع في المستأثر والجازع. (الخطبة ٣٠، ٨٣)
ومن كلام له (ع) لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان: أولم ينه بني أميّة علمها بي عن قرفي (أي عيبي)؟ أوما وزع الجهّال سابقتي عن تهمتي ولما وعظهم اللّه به أبلغ من لساني. أنا حجيج المارقين، وخصيم النّاكثين المرتابين، وعلى كتاب اللّه تعرض الأمثال، وبما في الصّدور تجازى العباد. (الخطبة ٧٣، ١٣٠)
ومن كلام له (ع) في شأن طلحة والزبير: وإنّهم ليطلبون حقّا هم تركوه، ودما هم سفكوه. (الخطبة ١٣٥، ٢٤٨)
ومن كلام له (ع) بعد ما بويع بالخلافة، وقد قال له قوم من الصحابة: لوعاقبت قوما ممن أجلب على عثمان؟ فقال «ع»: يا إخوتاه إنّي لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف لي بقوّة، والقوم المجلبون على حدّ شوكتهم، يملكوننا ولا نملكهم وها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، والتفّت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا. وهل ترون موضعا لقدرة على شيء تريدونه إنّ هذا الأمر أمر جاهليّة. وإنّ لهؤلاء القوم مادة (أي مدد). إنّ النّاس من هذا الأمر إذا حرّك على أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا ذاك. فاصبروا حتّى يهدأ النّاس، وتقع القلوب مواقعها، وتؤخذ الحقوق مسمحة. فاهدؤوا عني وانظروا ماذا يأتيكم به أمري. ولا تفعلوا فعلة تضعضع قوّة، وتسقط منّة، وتورث وهنا وذلّة. وسأمسك الأمر ما استمسك. وإذا لم أجد بدّا فآخر الدّواء الكيّ (كناية عن القتل). (الخطبة ١٦٦، ٣٠٢)
وقال (ع) في طلحة وقد بلغه خروجه الى البصرة مع الزبير لقتاله: قد كنت وما أهدّد بالحرب، ولا أرهّب بالضّرب. وأنا على ما قد وعدني ربّي من النّصر. واللّه ما استعجل (يقصد طلحة) متجرّدا للطّلب بدم عثمان إلاّ خوفا من أن يطالب بدمه، لأنّه مظنّته. ولم يكن في القوم أحرص عليه منه. فأراد أن يغالط بما أجلب فيه،
ليلبس الأمر ويقع الشّكّ. وواللّه ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث: لئن كان ابن عفّان ظالما كما كان يزعم لقد كان ينبغي له أن يوازر قاتليه وأن ينابذ ناصريه. ولئن كان مظلوما لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه (أي زاجريه عن اتيانه) والمعذّرين فيه. ولئن كان في شكّ من الخصلتين لقد كان ينبغي له أن يعتزله ويركد جانبا، ويدع النّاس معه. فما فعل واحدة من الثّلاث. وجاء بأمر لم يعرف بابه، ولم تسلم معاذيره. (الخطبة ١٧٢، ٣٠٩)
ومن كتاب له (ع) الى أهل الكوفة: من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة، جبهة الأنصار وسنام العرب. أمّا بعد فإنّي أخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سمعه كعيانه. إنّ النّاس طعنوا عليه، فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه وأقلّ عتابه. وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف (أي أسرعا لإثارة
الفتنة (وأرفق حدائهما العنيف. وكان من عائشة فيه فلتة غضب)يقصد بذلك حين قالت: اقتلوا نعثلا، تشبهه برجل اسكافي من اليهود(فأتيح له قوم(أي قدّر له) فقتلوه. وبايعني النّاس غير مستكرهين ولا مجبرين، بل طائعين مخيّرين. واعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها، وجاشت جيش (أي غليان) المرجل. وقامت الفتنة على القطب (يقصد به الامام نفسه )ع( قامت عليه فتنة اصحاب الجمل). فأسرعوا إلى أميركم، وبادروا جهاد عدوّكم. إن شاء اللّه عزّ وجلّ. (الخطبة ٢٤٠، ٤٤٢)
ومن كتاب له (ع) الى معاوية: ولعمري يا معاوية، لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّي أبرأ النّاس من دم عثمان. ولتعلمنّ أنّي كنت في عزلة عنه. إلاّ أن تتجنّى، فتجنّ ما بدا لك والسّلام. (الخطبة ٢٤٥، ٤٤٦)
ومن كتاب له (ع) الى معاوية: وأمّا ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك، فإنّي نظرت في هذا الأمر فلم أره يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك. ولعمري لئن لم تنزع عن غيّك وشقاقك، لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك، لا يكلّفونك طلبهم في برّ ولا بحر، ولا جبل ولا سهل، إلاّ أنّه طلب يسؤك وجدانه، وزور لا يسرّك لقيانه. والسّلام لأهله. (الخطبة ٢٤٨، ٤٤٩)
ومن كتاب له (ع) الى معاوية، وفيه يتنبأ بحرب صفين وفتنة رفع المصاحف: وزعمت أنّك جئت ثائرا بدم عثمان ولقد علمت حيث وقع دم عثمان، فاطلبه من هناك إن كنت طالبا. فكأنّي قد رأيتك تضجّ من الحرب إذا عضّتك ضجيج الجمال بالأثقال، وكأنّي بجماعتك تدعوني جزعا من الضّرب المتتابع، والقضاء الواقع، ومصارع بعد مصارع إلى كتاب اللّه (يومي بذلك الى رفع المصاحف). وهي كافرة جاحدة، أومبايعة حائدة (الخطبة ٢٤٩، ٤٥٠)
ومن كتاب له (ع) الى طلحة والزبير: وقد زعمتما أنّي قتلت عثمان، فبيني وبينكما من تخلّف عنّي وعنكما من أهل المدينة (أي نرجع في الحكم لمن تقاعد عن نصري ونصركما من اهل المدينة)، ثمّ يلزم كلّ امريء بقدر ما احتمل، فارجعا أيّها الشّيخان عن رأيكما، فإنّ الآن أعظم أمركما العار، من قبل أن يتجمّع العّار والنّار، والسّلام. (الخطبة ٢٩٣، ٥٤١)
ومن كتاب له (ع) كتبه الى أهل الامصار يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين: الأمر واحد إلاّ ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء. (الخطبة ٢٩٧، ٥٤٣)
ومن كتاب له (ع) الى معاوية جوابا: وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه النّاس، ثمّ حاكم القوم إليّ، أحملك وإيّاهم على كتاب اللّه تعالى. وأمّا تلك الّتي تريد، فإنّها خدعة الصّبيّ عن اللّبن في أوّل الفصال، والسّلام لأهله. (الخطبة ٣٠٣، ٥٥٢)
الحرب والملاحم وقتال المنحرفين
مدخل:
أيهما أهم تطهير الداخل أم الفتوحات؟
كان عهد الخلفاء الذين سبقوا الامام (ع) في الحكم فترة فتوحات اسلامية، بينما كانت خلافته فترة حروب داخلية، فهل لهذا ميزة لغيره عليه؟
للاجابة عن هذا السؤال نقول: ان الفتوحات ليست ضرورة من ضرورات وجود الدولة الاسلامية، بل هي تزيد في قوتها وقدراتها، كما يقول المثل: زيادة الخير خير. أما إخماد الفتن الداخلية فهوضرورة هامة يتوقف عليها وجود الاسلام ودولته. لأن بقاء هذه الفتن إما أن يحرف الاسلام عن مساره الصحيح، أويقسم المسلمين الى نصفين متحاربين، بحيث يفني بعضهم بعضا، فينعدم وجود الاسلام.
لهذا نرى الامام علي (ع) توقف عن الفتوحات الخارجية في عهد خلافته، وآثر القضاء على المنحرفين والشاذين، من الناكثين والقاسطين والمارقين. فحارب طلحة والزبير اللذين نكثا البيعة بعد تأكيدها، وحارب معاوية وأتباعه من دعاة الانقسام والانفصالية، ثم حارب الخوارج الذين أعطوا الحق في تطبيق أحكام الاسلام لكل جماعة من الناس، دونما حاجة الى رئيس يقود الناس، أوسلطة مركزية مسؤولة، بدعوى أن لا حكم إلاّ للّه.
وكان في تصور الامام (ع) أن تطهير الداخل وتخليصه من فتنه وآفاته التي سببها وجود الخلفاء الذين سبقوه، أهم من تحرير الخارج وفتوحاته. لا بل كيف يمكن تحرير الخارج اذا لم يكن الداخل قويا متماسكا؟
تفادي القتال وعدم البدء به
مدخل:
كان الامام علي (ع) وهوالذي لم ينهزم في معركة قط، لا يبدأ بالقتال حتى يدعوخصومه الى الحق، ويقيم الحجة عليهم، ويذكرهم بآيات اللّه. فان أبوا بعد ذلك، تباطأ عنهم حتى يبدؤوه بالقتال. فعل ذلك مع اصحاب الجمل وأهل صفين وأصحاب النهروان.
كل ذلك طمعا في اطفاء الفتنة وتجنب الدماء وطلبا للهداية والالفة والسلام.
النصوص:
من كلام له (ع) وقد اشار عليه اصحابه بالاستعداد للحرب بعد ارساله جريرا بن عبد اللّه البجلي الى معاوية، ولم ينزل معاوية على بيعته: إنّ استعدادي لحرب أهل الشّام وجرير عندهم، إغلاق للشام وصرف لأهله عن خير أرادوه. ولكن قد وقّتّ لجرير وقتا لا يقيم إلاّ مخدوعا أوعاصيا. والرّأي عندي مع الأناة، فأرودوا (أي سيروا برفق)، ولا أكره لكم الإعداد. ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه، وقلبت ظهره وبطنه، فلم أر لي فيه إلاّ القتال أوالكفر بما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه وآله. (الخطبة ٤٣، ١٠١)
ومن كلام له (ع) في صفين: فواللّه ما دفعت الحرب يوما إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي، وتعشوإلى ضوئي. وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها، وإن كانت تبوء بآثامها. (الخطبة ٥٥، ١١١)
ومن كلام له (ع) قاله للخوارج: ولكنّا إنّما اصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام، على ما دخل فيه من الزّيغ والإعوجاج والشّبهة والتّأويل. فإذا طمعنا في خصلة يلمّ اللّه بها شعثنا ونتدانى بها إلى البقيّة فيما بيننا، رغبنا فيها وأمسكنا عمّا سواها. (الخطبة ١٢٠، ٢٣١)
وقال (ع) عن طلحة والزبير: ولقد استثبتهما قبل القتال، واستأنيت بهما أمام الوقاع، فغمطا النّعمة، وردّا العافية. (الخطبة ١٣٥، ٢٤٩)
ومن كلام له (ع) وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين: إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لووصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم: اللّهمّ أحقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتّى يعرف الحقّ من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به. (الخطبة ٢٠٤، ٣٩٨)
ومن وصية له (ع) وصى بها معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه الى الشام:
ولا يحملنّكم شنآنهم (أي بغضهم) على قتالهم، قبل دعائهم والإعذار إليهم. (الخطبة ٢٥١، ٤٥٢)
ومن وصية له (ع) لعسكره قبل لقاء العدوبصفين: لا تقاتلوهم حتّى يبدؤوكم. فإنّكم بحمد اللّه على حجّة. وترككم إيّاهم حتّى يبدؤوكم حجّة أخرى لكم عليهم. (الخطبة ٢٥٣، ٤٥٣)
ومن كتاب له (ع) كتبه الى أهل الامصار، يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين: وكان بدء أمرنا أنّا التقينا والقوم من أهل الشّام. والظّاهر أنّ ربّنا واحد، ونبيّنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة. ولا نستزيدهم في الإيمان باللّه والتّصديق برسوله ولا يستزيدوننا: الأمر واحد، إلاّ ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء فقلنا: تعالوا نداوما لا يدرك اليوم، بإطفاء الثّائرة وتسكين العامّة. حتّى يشتدّ الأمر ويستجمع، فنقوى على وضع الحقّ مواضعه. فقالوا: بل نداويه بالمكابرة فأبوا حتّى جنحت الحرب وركدت، ووقدت نيرانها وحمست (أي اشتدت). فلمّا ضرّستنا وإيّاهم ووضعت مخالبها فينا وفيهم، أجابوا عند ذلك إلى الّذي دعوناهم إليه، فأجبناهم إلى ما دعوا، وسارعناهم إلى ما طلبوا، حتّى استبانت عليهم الحجّة، وانقطعت منهم المعذرة.. (الخطبة ٢٩٧، ٥٤٣)
وقال (ع) لابنه الحسن (ع): لا تدعونّ إلى مبارزة. وإن دعيت إليها فأجب، فإنّ الدّاعي باغ، والباغي مصروع. (٢٣٣ ح، ٦٠٨)
قتال المخالفين وتبريره
قال الامام علي (ع):
ولعمري ما عليّ من قتال من خالف الحقّ وخابط الغيّ، من إدهان ولا إيهان. (الخطبة ٢٤، ٧٠)
ومن خطبة له (ع) عند خروجه لقتال أهل البصرة: أما واللّه إن كنت لفي ساقتها (الضمير راجع الى الجاهلية) حتّى تولّت بحذافيرها. ما عجزت ولا جبنت. وإنّ مسيري هذا لمثلها، فلأنقبنّ الباطل حتّى يخرج الحقّ من جنبه (الخطبة ٣٣، ٨٨)
ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه، وقلّبت ظهره وبطنه، فلم أر لي فيه إلاّ القتال أوالكفر بما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه وآله. (الخطبة ٤٣، ١٠١)
من خطبة له يرد فيها على اصحابه وقد استبطؤوا أمره بالقتال: وقد قلّبت هذا الأمر بطنه وظهره حتّى منعني النّوم، فما وجدتني يسعني إلاّ قتالهم أوالجحود بما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فكانت معالجة القتال أهون عليّ من معالجة العقاب، وموتات الدّنيا أهون عليّ من موتات الآخرة. (الخطبة ٥٤، ١١١)
ومن خطبة له (ع): وايم اللّه، لقد كنت من ساقتها (الضمير راجع الى الجاهلية) حتّى تولّت بحذافيرها، واستوسقت في قيادها. ما ضعفت ولا جبنت، ولا خنت ولا وهنت. وايم اللّه لأبقرنّ الباطل حتّى أخرج الحقّ من خاصرته. (الخطبة١٠٢، ١٩٩)
وقال (ع) عن أصحاب الجمل: فقدموا على عاملي بها وخزّان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها. فقتلوا طائفة صبرا، وطائفة غدرا. فواللّه لولم يصيبوا من المسلمين إلاّ رجلا واحدا معتمدين لقتله، بلا جرم جرّه، لحلّ لي قتل ذلك الجيش كلّه، إذ حضروه فلم ينكروا، ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد. دع ما أنّهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة الّتي دخلوا بها عليهم. (الخطبة ١٧٠، ٣٠٧)
وقال (ع) لأصحابه عن حرب اهل القبلة (أصحاب الجمل): أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه فإنّها خير ما تواصى العباد به، وخير عواقب الأمور عند اللّه. وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة، ولا يحمل هذا العلم إلاّ أهل البصر والصّبر، والعلم بمواضع الحقّ. فامضوا لما تؤمرون به. وقفوا عند ما تنهون عنه. ولا تعجلوا في أمر حتّى نتبيّنوا، فإنّ لنا مع كلّ أمر تنكرونه غيرا. (الخطبة ١٧١، ٣٠٨)
وقال (ع) في الخطبة القاصعة: ألا وقد أمرني اللّه بقتال أهل البغي والنّكث والفساد في الأرض. فأمّا النّاكثون فقد قاتلت، وأمّا القاسطون فقد جاهدت، وأمّا المارقة فقد دوّخت. وأمّا شيطان الرّدهة (الردهة: النقرة في الجبل، والمقصود بالشيطان هنا ذوالثدية من رؤساء الخوارج، وجد مقتولا في ردهة) فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه، ورجّة صدره. وبقيت بقيّة من أهل البغي. ولئن أذن اللّه في الكرّة عليهم لأديلنّ منهم إلاّ ما يتشذّرني أطراف البلاد تشذرّا. (الخطبة ١٩٠، ٤، ٣٧٢)
من كتاب له (ع) الى أخيه عقيل في ذكر جيش أنفذه الى بعض الأعداء:
فسرّحت إليه جيشا كثيفا من المسلمين، فلمّا بلغه ذلك شمّر هاربا ونكص نادما.
فلحقوه ببعض الطّريق. وقد طفّلت الشّمس للإياب. فاقتتلوا شيئا كلا ولا (كناية عن السرعة). فما كان إلاّ كموقف ساعة حتّى نجا جريضا (مغموما) بعد ما أخذ منه بالمخنّق، ولم يبق منه غير الرّمق. فلأيا بلأي مانجا...
وأمّا ما سألت عنه من رأيي في القتال، فإنّ رأيي قتال المحلّين، حتّى ألقى اللّه، لا يزيدني كثرة النّاس حولي عزّة، ولا تفرّقهم عني وحشة. ولا تحسبنّ ابن أبيك ولوأسلمه النّاس متضرّعا متخشّعا، ولا مقرّا للضّيم واهنا، ولا سلس الزّمام للقائد، ولا وطيء الظّهر للرّاكب المتعقّد، ولكنّه كما قال أخو بني سليم :
فإن تسأليني كيف أنت فإنّني ***** صبور على ريب الزّمان صليب
يعزّ عليّ أن ترى بي كآبة ***** فيشمت عاد أويساء حبيب (الخطبة ٢٧٥، ٤٩٣)
قال الامام علي (ع):
من خطبة له (ع) خطبها بعد موقعة الجمل، يندد فيها بأصحابه: بنا اهتديتم في الظّلماء، وتسنّمتم ذروة العلياء وبنا انفجرتم عن السّرار (أي الظلمة التي تكون في آخر ليلة من الشهر القمري). وقر سمع لم يفقه الواعية (أي العبر والمواعظ)، وكيف يراعي النّبأة (الصوت الخفي) من أصمّته الصّيحة (الصوت القوي). ربط جنان لم يفارقه الخفقان (هذا دعاء للقلب الذي لازمته مخافة اللّه بان يثبت ويستمسك).
ما زلت أنتظر بكم عواقب الغدر، وأتوسّمكم بحلية المغترّين، حتّى سترني عنكم جلباب الدّين، وبصّرنيكم صدق النّيّة. أقمت لكم على سنن الحقّ في جوادّ المضلّة، حيث تلتقون ولا دليل، وتحتفرون ولا تميهون (أي لا تجدون الماء). اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان. عزب رأي امريء تخلّف عنّي. ما شككت في الحقّ مذ أريته. لم يوجس موسى عليه السّلام خيفة على نفسه، بل أشفق من غلبة الجهّال ودول الضّلال. اليوم توافقنا على سبيل الحقّ والباطل. من وثق بماء لم يظمأ (أي من وثق بإمامه وجد غايته عنده). (الخطبة ٤، ٤٥)
قال (ع) متضجرا من تثاقل اصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له في الرأي، بعد ان تواترت عليه الاخبار بتغلب بسر بن أبي أرطاة على عامليه على اليمن: أنبئت بسرا قد اطّلع اليمن. وإنّي واللّه لأظنّ أنّ هؤلاء القوم سيدالون منكم (أي ستكون لهم الدولة بدلكم)، باجتماعهم على باطلهم، وتفرّقكم عن حقّكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحقّ، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم. فلوائتمنت أحدكم على قعب (أي قدح) لخشيت أن يذهب بعلاقته (أي ما يعلّق به). اللّهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا منّي. اللّهمّ مث (أي أذب) قلوبهم كما يماث الملح في الماء. أما واللّه لوددت أنّ لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم، هنالك لودعوت أتاك منهم فوارس مثل أرمية الحميم (الخطبة ٢٥، ٧٢)
وقد بلغتم من كرامة اللّه تعالى لكم منزلة تكرم بها إماؤكم، وتوصل بها جيرانكم، ويعظّمكم من لا فضل لكم عليه، ولا يدلكم عنده. ويهابكم من لا يخاف لكم سطوة، ولا لكم عليه إمرة. وقد ترون عهود اللّه منقوضة فلا تغضبون، وأنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون. وكانت أمور اللّه عليكم ترد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع، فمكّنتم الظّلمة من منزلتكم، والقيتم إليهم أزمّتكم، وأسلمتم أمور اللّه في أيديهم. يعملون بالشّبهات، ويسيرون في الشّهوات. وأيم اللّه لوفرّقوكم تحت كلّ كوكب، لجمعكم اللّه لشرّ يوم لهم. (الخطبة ١٠٤، ٢٠٣)
لم يستضيئوا بأضواء الحكمة، ولم يقدحوا بزناد العلوم الثّاقبة. فهم في ذلك كالأنعام السّائمة والصّخور القاسية. قد انجابت السّرائر لأهل البصائر، ووضحت محجّة الحقّ لخابطها، واسفرت السّاعة عن وجهها، وظهرت العلامة لمتوسّمها. ما لي أراكم أشباحا بلا أرواح؟ وأرواحا بلا أشباح، ونسّاكا بلا صلاح، وتجّارا بلا أرباح. وأيقاضا نوّما، وشهودا غيّبا. وناظرة عمياء، وسامعة صمّاء، وناطقة بكماء.. (الخطبة ١٠٦، ٢٠٥)
أين تذهب بكم المذاهب، وتتيه بكم الغياهب، وتخدعكم الكواذب؟ ومن أين تؤتون، وأنّي تؤفكون؟ فلكلّ أجل كتاب، ولكلّ غيبة إياب. (الخطبة ١٠٦، ٢٠٦)
ولكنّكم نسيتم ما ذكّرتم، وأمنتم ما حذّرتم، فتاه عنكم رأيكم، وتشتّت عليكم أمركم. ولوددت أنّ اللّه فرّق بيني وبينكم، وألحقني بمن هوأحقّ بي منكم... أما واللّه ليسلّطنّ عليكم غلام ثقيف الذّيّال الميّال، يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم، إيه أبا وذحة. (الخطبة ١١٤، ٢٢٥)
إنّ الشّيطان يسنّي لكم طرقه، ويريد أن يحلّ دينكم عقدة عقدة، ويعطيكم بالجماعة الفرقة، وبالفرقة الفتنة، فاصدفوا عن نزغاته ونفثاته، واقبلوا النّصيحة ممّن أهداها إليكم، واعقلوها على أنفسكم. (الخطبة ١١٩، ٢٣٠)
أيّتها النّفوس المختلفة والقلوب المتشتّتة، الشّاهدة أبدانهم، والغائبة عنهم عقولهم، أظأركم (أي أعطفكم) على الحقّ، وأنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد. هيهات أن أطلع بكم سرار العدل (السرار: الظلمة، أي ان أطلع بكم شارقا يكشف عما عرض على العدل من ظلمة)، أوأقيم اعوجاج الحقّ. (الخطبة ١٢٩، ٢٤١)
قد اصطلحتم على الغلّ فيما بينكم، ونبت المرعى على دمنكم. وتصافيتم على حبّ الآمال، وتعاديتم في كسب الأموال. لقد استهام بكم الخبيث، وتاه بكم الغرور، واللّه المستعان على نفسي وأنفسكم. (الخطبة ١٣١، ٢٤٦)
أيّها النّاس، لولم تتخاذلوا عن نصر الحقّ، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، ولم يقومن قوي عليكم. لكنّكم تهتم متاه بني إسرائيل. ولعمري ليضعّفنّ لكم التّيه من بعدي أضعافا، بما خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم، وقطعتم الأدنى ووصلتم الأبعد. واعلموا أنّكم إن اتّبعتم الدّاعي لكم، سلك بكم منهاج الرّسول، وكفيتم مؤونة الاعتساف، ونبذتم الثّقل الفادح عن الأعناق. (الخطبة ١٦٤، ٣٠٠)
وإنّي لأخشى عليكم أن تكونوا في فترة (أي فترة من الغرور). وقد كانت أمور مضت، ملتم فيها ميلة، كنتم فيها عندي غير محمودين. ولئن ردّ عليكم أمركم إنّكم لسعداء. وما عليّ إلاّ الجهد. ولوأشاء أن أقول لقلت: عفا اللّه عمّا سلف. (الخطبة ١٧٦، ٣٢٠)
وقال (ع) في ذم العاصين من اصحابه: أحمد اللّه على ما قضى من أمر، وقدّر من فعل. وعلى ابتلائي بكم أيّتها الفرقة الّتي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب. إن أمهلتم خضتم، وإن حوربتم خرتم. وإن اجتمع النّاس على إمام طعنتم، وإن أجئتم إلى مشاقّة (أي حرب) نكصتم. لا أبا لغيركم، ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقّكم؟ الموت أوالذّلّ لكم. فواللّه لئن جاء يومي وليأتينّي ليفرّقنّ بيني وبينكم، وأنا لصحبتكم قال (أي كاره) وبكم غير كثير. للّه أنتم أما دين يجمعكم ولا حميّة تشحذكم أوليس عجبا أنّ معاوية يدعوالجفاة الطّغام فيتّبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم وأنتم تريكة الإسلام وبقيّة النّاس إلى المعونة أوطائفة من العطاء، فتفرّقون عنّي وتختلفون عليّ؟ إنّه لا يخرج إليكم من أمري رضا فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه، وإنّ أحبّ ما أنا لاق إليّ الموت. قد دارستكم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج. وعرّفتكم ما أنكرتم، وسوّغتكم ما مججتم. لوكان الأعمى يلحظ، أوالنّائم يستيقظ. وأقرب بقوم من الجهل باللّه قائدهم معاوية، ومؤدّبهم ابن النّابغة (أي عمروبن العاص). (الخطبة ١٧٨، ٣٢١)
وقال (ع) في الخطبة القاصعة: ألا وقد أمعنتم في البغي، وأفسدتم في الأرض، مصارحة للّه بالمناصبة، ومبارزة للمؤمنين بالمحاربة. (الخطبة ١٩٠، ١، ٣٦٠)
ألا وإنّكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطّاعة. وثلمتم حصن اللّه المضروب عليكم بأحكام الجاهليّة. فإنّ اللّه سبحانه قد امتنّ على جماعة هذه الأمّة فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة الّتي ينتقلون في ظلّها، ويأوون إلى كنفها، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة، لأنّها أرجح من كلّ ثمن، وأجلّ من كلّ خطر. واعلموا أنّكم صرتم بعد الهجرة أعرابا، وبعد الموالاة أحزابا. ما تتعلّقون من الإسلام إلاّ باسمه، ولا تعرفون من الإيمان إلاّ رسمه.تقولون النّار ولا العار كأنّكم تريدون أن تكفئوا الإسلام على وجهه انتهاكا لحريمه، ونقضا لميثاقه الّذي وضعه اللّه لكم، حرما في أرضه وأمنا بين خلقه. وإنّكم إن لجأتم إلى غيره حاربكم أهل الكفر، ثمّ لا جبرائيل ولا ميكائيل ولا مهاجرون ولا أنصار ينصرونكم، إلاّ المقارعة بالسّيف حتّى يحكم اللّه بينكم.
وإنّ عندكم الأمثال من بأس اللّه وقوارعه، وأيّامه ووقائعه، فلا تستبطئوا وعيده جهلا بأخذه، وتهاونا ببطشه، ويأسا من بأسه. فإنّ اللّه سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلاّ لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فلعن اللّه السّفهاء لركوب المعاصي، والحلماء لترك التناهى. ألا وقد قطعتم قيد الإسلام، وعطّلتم حدوده، وأمتّم أحكامه. (الخطبة ١٩٠، ٤، ٣٧١)
... فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، ولا تتحفّطوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة.. (الخطبة ٢١٤، ٤١٢)
جاهلكم مزداد (أي يزداد في جهله)، وعالمكم مسوّف (أي يؤخر اعماله عن وقتها). (٢٨٣ ح، ٦٢٣)
يتبع ........