وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): لَيْسَ بَلَدٌ بأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَد، خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ.                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                

Search form

إرسال الی صدیق
حروب الإمام علي في مدة خلافته – الخامس

لبيب بيضون

 

معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص

من خطبة للامام (ع): ولم يبايع (أي عمروبن العاص) حتّى شرط أن يؤتيه (أي معاوية) على البيعة ثمنا، فلا ظفرت يد البائع، وخزيت أمانة المبتاع. (الخطبة ٢٦، ٧٤)

ألا وإنّ معاوية قاد لمة من الغواة. وعمّس (أي اخفى) عليهم الخبر، حتّى جعلوا نحورهم أغراض المنيّة. (الخطبة ٥١، ١٠٨)

وبشّر (ع) بظهور رجل مذموم، قيل انه معاوية، فقال: أمّا إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه. ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي. فأمّا السّبّ فسبّوني، فإنّه لي زكاة، ولكم نجاة، وأمّا البراءة فلا تتبرّأوا منّي، فإنّي ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الايمان والهجرة. (الخطبة ٥٧، ١١٣)

ومن كلام له (ع) خاطب به اصحابه ليلة الهرير بصفين: وعليكم بهذا السّواد الأعظم (يعني أهل الشام)، والرّواق المطنّب (أي رواق معاوية)، فاضربوا ثبجه (أي وسطه)، فإنّ الشّيطان (أي معاوية) كامن في كسره، وقد قدّم للوثبة يدا، وأخّر للنّكوص رجلا. (الخطبة ٦٤، ١٢١)

ومن كلام له (ع) في ذكر عمروبن العاص: عجبا لابن النّابغة يزعم لأهل الشّام أنّ فيّ دعابة، وأنّي امروء تلعابة: أعافس وأمارس لقد قال باطلا، ونطق آثما. أما وشرّ القول الكذب إنّه ليقول فيكذب، ويعد فيخلف، ويسأل فيبخل، ويسأل فيلحف، ويخون العهد، ويقطع الإلّ، فإذا كان عند الحرب فأيّ زاجر وآمر هوما لم تأخذ السّيوف مآخذها. فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبّته (أي ان يكشف سؤته للامام). أما واللّه إنّي ليمنعني من اللّعب ذكر الموت، وإنّه ليمنعه من قول الحقّ نسيان الاخرة. إنّه لم يبايع معاوية حتّى شرط أن يؤتيه أتيّة (أي عطية)، ويرضخ له على ترك الدّين رضيخة (المقصود بالعطية والرضيخة ولاية مصر). (الخطبة ٨٢، ١٤٩)

أما والّذي نفسي بيده، ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنّهم أولى بالحقّ منكم، ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم، وإبطائكم عن حقّي. (الخطبة ٩٥، ١٨٨)

أيّها القوم... صاحبكم يطيع اللّه وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشّام يعصي اللّه وهم يطيعونه. لوددت واللّه أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدّينار بالدّرهم، فأخذ منّي عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم. (الخطبة ٩٥، ١٨٩)

وقال (ع) عن فتنة بني أمية: قائدها خارج من الملّة، قائم على الضّلّة. (الخطبة ١٠٦، ٢٠٦)

ومن كلام له (ع) قاله للخوارج: ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق (يعني عمروبن العاص): إن أجيب أضلّ، وإن ترك ذلّ. (الخطبة ١٢٠، ٢٣١)

وهلمّ الخطب في ابن أبي سفيان، فلقد أضحكني الدّهر بعد إبكائه. ولا غروواللّه، فيا له خطبا يستفرغ العجب، ويكثر الأود. حاول القوم إطفاء نور اللّه من مصباحه، وسدّ فوّاره من ينبوعه، وجدحوا (أي خلطوا) بيني وبينهم شربا وبيئا. فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوى، أحملهم من الحقّ على محضه، وإن تكن الأخرى فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ، إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. (الخطبة ١٦٠، ٢٨٨)

أوليس عجبا أنّ معاوية يدعوالجفاة الطّغام، فيتّبعونه على غير معونة ولا عطاء. وأنا أدعوكم، وأنتم تريكة الإسلام وبقيّة النّاس، إلى المعونة أوطائفة من العطاء، فتفرّقون عنّي وتختلفون عليّ. (الخطبة ١٧٨، ٣٢١)

وأقرب بقوم من الجهل باللّه قائدهم معاوية، ومؤدّبهم ابن النّابغة (هوعمروبن العاص). (الخطبة ١٧٨، ٣٢٢)

واللّه ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى النّاس... (الخطبة ١٩٨، ٣٩٤)

ومن كتاب له (ع) الى معاوية: أمّا بعد فقد أتتني منك موعظة موصّلة (أي ملفقة) ورسالة محبّرة (أي مزينة). نمّقتها بضلالك، وأمضيتها بسوء رأيك. وكتاب امري‏ء ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده. قد دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضّلال فاتّبعه. فهجر لاغطا وضلّ خابطا. (الخطبة ٢٤٦، ٤٤٦)

ومن كتاب له (ع) الى جرير بن عبد اللّه البجلي لما أرسله الى معاوية: أمّا بعد، فإذا أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل (أي الحكم القاطع) وخذه بالأمر الجزم. ثمّ خيّره بين حرب مجلية، أوسلم مخزية. فإن اختار الحرب فانبذ إليه. وإن اختار السّلم فخذ بيعته. والسّلام. (الخطبة ٢٤٧، ٤٤٧)

فيا عجبا للدّهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي، ولم تكن له كسابقتي الّتي لا يدلي أحد بمثلها. (الخطبة ٢٤٨، ٤٤٨)

ومن كتاب له (ع) الى معاوية: وكيف أنت صانع إذا تكشّفت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا، قد تبهّجت بزينتها، وخدعت بلذّتها. دعتك فأجبتها، وقادتك فاتّبعتها، وأمرتك فأطعتها. وإنّه يوشك أن يقفك واقف على ما لا ينجيك منه مجنّ (أي ترس تحتمي به) فاقعس (أي تأخر) عن هذا الأمر، وخذ أهبة الحساب. وشمّر لما قد نزل بك، ولا تمكّن الغواة من سمعك. وإلاّ تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك. فإنّك مترف قد أخذ الشّيطان منك مأخذه، وبلغ فيك أمله، وجرى منك مجرى الرّوح والدّم. ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرّعيّة وولاة أمر الأمّة؟ بغير قدم سابق، ولا شرف باسق. ونعوذ باللّه من لزوم سوابق الشّقاء. وأحذّرك أن تكون متماديا في غرّة الأمنيّة، مختلف العلانية والسّريرة. وقد دعوت إلى الحرب، فدع النّاس جانبا واخرج إليّ، وأعف الفريقين من القتال، لتعلم أيّنا المرين (اسم مفعول من ران ذنبه على قلبه أي غطى بصيرته) على قلبه والمغطّى على بصره. فأنا أبوحسن قاتل جدّك وأخيك وخالك شدخا يوم بدر. وذلك السّيف معي. وبذلك القلب ألقى عدوّي، ما استبدلت دينا، ولا استحدثت نبيّا. وإنّي لعلى المنهاج الّذي تركتموه طائعين، ودخلتم فيه مكرهين. (الخطبة ٢٤٩، ٤٤٩)

كتب معاوية الى الامام علي (ع) ان يترك له الشام فأجابه الامام بهذا الكتاب: وأمّا طلبك إليّ الشّام، فإنّي لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس. وأمّا قولك إنّ الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت، ألا ومن أكله الحقّ فإلى الجنّة، ومن أكله الباطل فإلى النّار. وأمّا استواؤنا في الحرب والرّجال فلست بأمضى على الشّكّ منّي على اليقين. وليس أهل الشّام بأحرص على الدّنيا من أهل العراق على الآخرة. وأمّا قولك: إنّا بنوعبد مناف فكذلك نحن، ولكن ليس أميّة كهاشم، ولا حرب كعبد المطّلب، ولا أبوسفيان كأبي طالب. ولا المهاجر كالطّليق (يقصد بذلك أبا سفيان ومعاوية كانا من الطلقاء يوم الفتح) ولا الصّريح كاللّصيق (يقصد به معاوية الذي الصق بأبي سفيان ولم يعرف أبوه). ولا المحقّ كالمبطل. ولا المؤمن كالمدغل. ولبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوى في نار جهنّم وفي أيدينا بعد فضل النّبوّة الّتي أذللنا بها العزيز، ونعشنا بها الذّليل. ولمّا أدخل اللّه العرب في دينه أفواجا، وأسلمت له هذه الأمّة طوعا وكرها، كنتم ممّن دخل في الدّين: إمّا رغبة وإمّا رهبة. على حين فاز أهل السّبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الأوّلون بفضلهم. فلا تجعلنّ للشّيطان فيك نصيبا، ولا على نفسك سبيلا. والسّلام. (الخطبة ٢٥٦، ٤٥٥)

من كتاب له (ع) الى معاوية جوابا على كتاب: أمّا بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه وآله لدينه، وتأييده إيّاه بمن أيّده من أصحابه. فلقد خبّأ لنا الدّهر منك عجبا، إذ طفقت تخبرنا ببلاء اللّه تعالى عندنا، ونعمته علينا في نبيّنا. فكنت في ذلك كناقل التّمر إلى هجر (مدينة بالبحرين كثيرة النخيل) أوداعي مسدّده إلى النّضال. وزعمت أنّ أفضل النّاس في الإسلام فلان وفلان (أي أبوبكر وعمر)، فذكرت أمرا إن تمّ اعتزلك كلّه (أي ليس لك حظ منه) وإن نقص لم يلحقك ثلمه (أي عيبه). وما أنت والفاضل والمفضول والسّائس والمسوس وما للطّلقاء وأبناء الطّلقاء، والتّمييز بين المهاجرين الأوّلين وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم هيهات لقد حنّ قدح ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ألا تربع أيّها الإنسان على ظلعك (أي تقف عند حدك)، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخّر حيث أخّرك القدر فما عليك غلبة المغلوب، ولا ظفر الظّافر. وإنّك لذهّاب في التّيه، روّاغ عن القصد، ألا ترى غير مخبر لك، ولكن بنعمة اللّه أحدّث أنّ قوما استشهدوا في سبيل اللّه تعالى من المهاجرين والأنصار ولكلّ فضل حتّى إذا استشهد شهيدنا قيل سيّد الشّهداء (يقصد بذلك عمه الحمزة). وخصّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه أولا ترى أنّ قوما قطّعت أيديهم في سبيل اللّه ولكلّ فضل حتّى إذا فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم، قيل: الطّيّار في الجنّة وذوالجناحين (يقصد بذلك اخاه جعفر) ولولا ما نهى اللّه عنه من تزكية المرء نفسه، لذكر ذاكر فضائل جمّة. تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجّها آذان السّامعين. فدع عنك من مالت به الرّميّة. فإنّا صنائع ربّنا والنّاس بعد صنائع لنا.. (الخطبة ٢٦٧، ٤٦٧)

ثمّ ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه. فأيّنا كان أعدى له، وأهدى إلى مقاتله (وجوه القتال). أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفّه (وذلك ان الامام بذل النصرة فاستقعده عثمان ولم يقبل نصرته)، أم من استنصره فتراخى عنه وبثّ المنون إليه (يقصد بذلك معاوية الذي خذل عثمان ولم ينصره بعد ما كانت بينهما معاهدة على النصرة) حتّى أتى قدره عليه. كلاّ واللّه ل قَدْ يَعْلمُ اللّهُ المُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ والْقَائِلِينَ لإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا، ولاَ يَأَتُونَ الْبَأْسَ إلاَّ قَلِيْلاً. وما كنت لأعتذر من أنّي كنت أنقم عليه أحداثا (أي بدعا) فإن كان الذّنب إليه إرشادي وهدايتي له، فربّ ملوم لا ذنب له. وقد يستفيد الظّنّة المتنصّح وذكرت أنّه ليس لي ولأصحابي عندك إلاّ السّيف. فلقد أضحكت بعد استعبار متى ألفيت بني عبد المطّلب عن الأعداء ناكلين، وبالسّيف مخوّفين. فلبّث قليلا يلحق الهيجا حمل فسيطلبك من تطلب، ويقرب منك ما تستبعد. وأنا مرقل (مسرع) نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار، والتّابعين لهم باحسان. شديد زحامهم، ساطع قتامهم، متسربلين سرابيل الموت. أحبّ اللّقاء إليهم لقاء ربّهم. وقد صحبتهم ذرّيّة بدريّة، وسيوف هاشميّة، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدّك وأهلك ومَا هِي مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ. (الخطبة ٢٦٧، ٤٧٠)

من كتاب له (ع) الى معاوية: فاتّق اللّه فيما لديك، وانظر في حقّه عليك. وارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالته. فإنّ للطّاعة أعلاما واضحة، وسبلا نيّرة. ومحجّة نهجة، وغاية مطّلبة. يردها الأكياس، ويخالفها الأنكاس. من نكب عنها جار عن الحقّ، وخبط في التّيه، وغيّر اللّه نعمته، وأحلّ به نقمته. فنفسك نفسك، فقد بيّن اللّه لك سبيلك، وحيث تناهت بك أمورك، فقد أجريت إلى غاية خسر، ومحلّة كفر. فإنّ نفسك قد أولجتك شرّا، وأقحمتك غيّا. وأوردتك المهالك، وأوعرت عليك المسالك. (الخطبة ٢٦٩، ٤٧٣)

ومن كلام له (ع) الى معاوية:

وأرديت جيلا (أي أهلكت) من النّاس كثيرا. خدعتهم بغيّك، وألقيتهم في موج بحرك. تغشاهم الظّلمات، وتتلاطم بهم الشّبهات. فجازوا عن وجهتهم، ونكصوا على أعقابهم، وتولّوا على أدبارهم، وعوّلوا على أحسابهم، إلاّ من فاء من أهل البصائر، فإنّهم فارقوك بعد معرفتك، وهربوا إلى اللّه من موازرتك. إذ حملتهم على الصّعب، وعدلت بهم عن القصد. فاتّق اللّه يا معاوية في نفسك، وجاذب الشّيطان قيادك. فإنّ الدّنيا منقطعة عنك، والآخرة قريبة منك. والسّلام. (الخطبة ٢٧١، ٤٩٠)

من كتاب له (ع) الى معاوية: فسبحان اللّه ما أشدّ لزومك للأهواء المبتدعة، والحيرة المتعبة، مع تضييع الحقائق واطّراح الوثائق، الّتي هي للّه طلبة وعلى عباده حجّة. فأمّا إكثارك الحجاج على عثمان وقتلته، فإنّك إنّما نصرت عثمان حيث كان النّصر لك، وخذلته حيث كان النّصر له، والسّلام. (الخطبة ٢٧٦، ٤٩٥)

من كتاب له (ع) الى عمروبن العاص: فإنّك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرى‏ء ظاهر غيّه (يقصد به معاوية)، مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفّه الحليم بخلطته. فاتّبعت أثره، وطلبت فضله، اتّباع الكلب للضّرغام، يلوذ بمخالبه، وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته، فأذهبت دنياك وآخرتك. ولوبالحقّ أخذت أدركت ما طلبت. فإن يمكّنّي اللّه منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما بما قدّمتما، وإن تعجزا وتبقيا، فما أمامكما شرّ لكما، والسّلام. (الخطبة ٢٧٨، ٤٩٦)

من كتاب له (ع) الى زياد بن أبيه، وقد بلغه أن معاوية كتب اليه يريد خديعته باستلحاقه: وقد عرفت أنّ معاوية كتب إليك يستزلّ لبّك، ويستفلّ غربك (أي يثلم حدتك ونشاطك) فاحذره، فإنّما هوالشّيطان: يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ليقتحم غفلته، ويستلب غرّته (العقل الغرّ هوالساذج).

وقد كان من أبي سفيان (والد معاوية) في زمن عمر بن الخطّاب فلتة من حديث النّفس (يقصد بها قوله عن زياد: أني أعلم من وضعه في رحم أمه، يريد بذلك نفسه) ونزغة من نزعات الشّيطان، لا يثبت بها نسب، ولا يستحقّ بها إرث، والمتعلّق بها كالواغل المدفّع (الواغل هوالذي يهجم على الشرب ليشرب معهم وليس منهم، فلا يزال مدفّعا محاجزا)، والنّوط المذبذب (هوما يناط برحل الراكب من قدح فهودائم التقلقل). (الخطبة ٢٨٣، ٥٠١)

من كتاب له (ع) الى معاوية: وإنّ البغي والزّور يذيعان بالمرء (أي يفضحانه) في دينه ودنياه، ويبديان خلله عند من يعيبه. وقد علمت أنّك غير مدرك ما قضي فواته (يعني دم عثمان) وقد رام أقوام أمرا بغير الحقّ فتأوّلوا على اللّه فأكذبهم (يقصد اصحاب الجمل). فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله، ويندم من أمكن الشّيطان من قياده فلم يجاذبه. وقد دعوتنا إلى حكم القرآن ولست من أهله، ولسنا إيّاك أجبنا، ولكنّا أجبنا القرآن في حكمه، والسّلام. (الخطبة ٢٨٧، ٥١٢)

من كتاب له (ع) الى معاوية: أمّا بعد، فإنّ اللّه سبحانه قد جعل الدّنيا لما بعدها، وابتلى فيها أهلها، ليعلم أيّهم أحسن عملا. ولسنا للدّنيا خلقنا، ولا بالسّعي فيها أمرنا، وإنّما وضعنا فيها لنبتلى بها. وقد ابتلاني اللّه بك وابتلاك بي، فجعل أحدنا حجّة على الآخر، فعدوت على الدّنيا بتأويل القرآن (يقصد بذلك تأويل معاوية بعض آيات القصاص على غير معناها ليقنع أهل الشام بأحقيته في الطلب بدم عثمان)، فطلبتني بما لم تجن يدي ولا لساني، وعصبته أنت وأهل الشّام بي (أي ربطتم بي دم عثمان)، وألّب (أي حرض) عالمكم جاهلكم، وقائمكم قاعدكم. فاتّق اللّه في نفسك، ونازع الشّيطان قيادك، واصرف إلى الآخرة وجهك فهي طريقنا وطريقك. واحذر أن يصيبك اللّه منه بعاجل قارعة، تمسّ الأصل، وتقطع الدّابر، فإنّي أولي لك باللّه أليّة غير فاجرة (أي أحلف باللّه) لئن جمعتني وإيّاك جوامع الأقدار، لا أزال بباحتك، حتّى يحكم اللّه بيننا وهوخير الحاكمين. (الخطبة ٢٩٤، ٥٤١)

من كتاب له (ع) الى معاوية جوابا: أمّا بعد، فإنّا كنّا نحن وأنتم على ما ذكرت من الألفة والجماعة، ففرّق بيننا وبينكم أمس أنّا آمنّا وكفرتم، واليوم أنّا استقمنا وفتنتم، وما أسلم مسلمكم إلاّ كرها، وبعد أن كان أنف الإسلام كلّه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حزبا. وذكرت أنّي قتلت طلحة والزبير، وشرّدت بعائشة، ونزلت بين المصرين (أي الكوفة والبصرة). وذلك أمر غبت عنه فلا عليك، ولا العذر فيه إليك. وذكرت أنّك زائري في المهاجرين والأنصار، وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك (يقصد به عمروبن أبي سفيان، اسر يوم بدر)، فإن كان فيه عجل فاسترفه (أي استح ولا تستعجل)، فإنّي إن أزرك فذلك جدير أن يكون اللّه إنّما بعثني إليك للنّقمة منك وإن تزرني فكما قال أخوبني أسد:

   مستقبلين رياح الصّيف تضر  

 *****

   بحاصب بين أغوار وجلمود

وعندي السّيف الّذي أعضضته بجدّك (وهوعتبة بن ربيعة) وخالك (وهوالوليد بن عتبة) وأخيك (وهوحنظلة) في مقام واحد (أي يوم بدر) وإنّك واللّه ما علمت الأغلف القلب، المقارب العقل، والأولى أن يقال لك: إنّك رقيت سلّما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك، لأنّك نشدت غير ضالّتك، ورعيت غير سائمتك،

وطلبت أمرا لست من أهله ولا في معدنه. فما أبعد قولك من فعلك وقريب ما أشبهت من أعمام وأخوال، حملتهم الشّقاوة وتمنّي الباطل على الجحود بمحمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فصرعوا مصارعهم حيث علمت، لم يدفعوا عظيما، ولم يمنعوا حريما، بوقع سيوف ما خلا منها الوغى، ولم تماشها الهوينا.

وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه النّاس، ثمّ حاكم القوم إليّ، أحملك وإيّاهم على كتاب اللّه تعالى، وأمّا تلك الّتي تريد (أي إبقاءك على ولاية الشام)، فإنّها خدعة الصّبيّ عن اللّبن في أوّل الفصال، والسّلام لأهله. (الخطبة ٣٠٣، ٥٥٠)

من كتاب (ع) الى معاوية ايضا: أمّا بعد، فقد آن لك أن تنتفع باللّمح الباصر من عيان الأمور، فقد سلكت مدارج أسلافك بادّعائك الأباطيل، وإقحامك غرور المين (أي الكذب) والأكاذيب. وبانتحالك ما قد علا عنك، وابتزازك لما اختزن دونك، فرارا من الحقّ، وجحودا لما هوألزم لك من لحمك ودمك، ممّا قد وعاه سمعك، وملي‏ء به صدرك، فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال المبين، وبعد البيان إلاّ اللّبس؟ فاحذر الشّبهة واشتمالها على لبستها، فإنّ الفتنة طالما أغدفت جلابيبها (أي طالما اسدلت الفتنة أغطية الباطل فأخفت الحق)، وأغشت الأبصار ظلمتها.

وقد أتاني كتاب منك ذوأفانين من القول، ضعفت قواها عن السّلم، وأساطير لم يحكها منك علم ولا حلم، أصبحت منها كالخائض في الدّهاس (أي الارض الرخوة) والخابط في الدّيماس (أي المكان المظلم). وترقّيت إلى مرقبة بعيدة المرام، نازحة الأعلام، تقصر دونها الأنوق (هوطائر عزيز البيض) ويحاذى بها العيّوق (هونجم أحمر مضي‏ء في طرف المجرة الايمن)، وحاش للّه أن تلي للمسلمين بعدي صدرا أووردا، أوأجري لك على أحد منهم عقدا أوعهدا فمن الآن فتدارك نفسك، وانظر لها، فإنّك إن فرّطت حتّى ينهد إليك عباد اللّه (أي يقوموا لحربك) أرتجت عليك الأمور، ومنعت أمرا هومنك اليوم مقبول والسّلام. (الخطبة ٣٠٤، ٥٥٢)

من كتاب له (ع) الى سهل بن حنيف الانصاري، وهوعامله على المدينة، في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية: أمّا بعد، فقد بلغني أنّ رجالا ممّن قبلك يتسلّلون إلى معاوية، فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم، ويذهب عنك من مددهم، فكفى لهم غيّا ولك منهم شافيا، فرارهم من الهدى والحقّ، وإيضاعهم (أي اسراعهم) إلى العمى والجهل. وإنّما هم أهل دنيا مقبلون عليها، ومهطعون (أي مسرعون) إليها. وقد عرفوا العدل ورأوه وسمعوه ووعوه، وعلموا أنّ النّاس عندنا في الحقّ أسوة، فهربوا إلى الأثرة، فبعدا لهم وسحقا.

إنّهم واللّه لم ينفروا من جور، ولم يلحقوا بعدل، وإنّا لنطمع في هذا الأمر أن يذلّل اللّه لنا صعبه، ويسهّل لنا حزنه (أي ما فيه من اشياء خشنة) إن شاء اللّه، والسّلام. (الخطبة ٣٠٩، ٥٥٨)

من كتاب له (ع) الى معاوية يستحثه على الرجوع الى الطاعة: أمّا بعد، فإنّي على التّردّد في جوابك (أي الرجوع الى جوابك)، والإستماع إلى كتابك، لموهّن رأيي، ومخطي‏ء فراستي (أي كان الاجدر بي عدم الرجوع الى جوابك وعدم استماع ما تكتبه). وإنّك إذ تحاولني الأمور (أي تطالبني ببعض مآربك كولاية الشام) وتراجعني السّطور، كالمستثقل النائم تكذبه أحلامه، والمتحيّر القائم يبهظه (أي يثقله) مقامه، لا يدري أله ما يأتي أم عليه. ولست به، غير أنّه بك شبيه (يقول عليه السلام: أنت في محاولتك هذه كالنائم الثقيل نومه، يحلم انه نال شيئا، فاذا انتبه وجد الرؤيا كذبت. وانت أيضا كالمتحير في أمره القائم في شكّه، يثقله مقامه من الحيرة. وانك لست بالمتحير لمعرفتك الحق معنا ولكن المتحير شبيه بك، فأنت أشد منه عناء). وأقسم باللّه إنّه لولا بعض الاستبقاء (أي لولا ابقائي لك، وعدم ارادتي لاهلاكك) لوصلت إليك منّي قوارع، تقرع العظم، وتهلس اللّحم (أي دواهي تصدم العظم وتذيب اللحم). واعلم أنّ الشّيطان قد ثبّطك عن أن تراجع أحسن أمورك (أي الرجوع الى الطاعة( وتأذن لمقال نصيحتك، والسّلام لأهله. )الخطبة ٣١٢، ٥٦٠(

ومن كتاب له (ع) الى معاوية في أول ما بويع له عليه السلام: من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان: أمّا بعد، فقد علمت إعذاري فيكم وإعراضي عنكم (أي اقامتي على العذر في أمر عثمان صاحبكم، واعراضي عنه بعدم التعرض له بسوء حتى كان مقتله)، حتّى كان ما لا بدّ منه ولا دفع له، والحديث طويل، والكلام كثير. وقد أدبر ما أدبر، وأقبل ما أقبل، فبايع من قبلك (أي الذين عندك) وأقبل إليّ في وفد من أصحابك. (٣١٤، ٥٦٢)

جند معاوية وأهل الشام

من كلام له (ع) وقد اشار عليه اصحابه بالاستعداد للحرب بعد ارساله جريرا بن عبد اللّه البجلي الى معاوية، ولم ينزل معاوية على بيعته: إنّ استعدادي لحرب أهل الشّام وجرير عندهم، إغلاق للشّام، وصرف لأهله عن خير إن أرادوه. (الخطبة ٤٣، ١٠١)

من كلام له (ع) وقد استبطأ اصحابه اذنه لهم في القتال بصفين: وأمّا قولكم شكّا في أهل الشّام فواللّه ما دفعت الحرب يوما إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي، وتعشوإلى ضوئي، وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها، وإن كانت تبوء بآثامها. (الخطبة ٥٥، ١١١)

وقال (ع) يخاطب أصحابه: أما والّذي نفسي بيده، ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنّهم (أي أهل الشام) أولى بالحقّ منكم، ولكن لاسراعهم إلى باطل صاحبهم، وإبطائكم عن حقّي.. أيّها القوم.. صاحبكم يطيع اللّه وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشّام يعصي اللّه وهم يطيعونه. لوددت واللّه أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدّينار بالدّرهم، فأخذ منّي عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم. (الخطبة ٩٥، ١٨٨)

وقال (ع) وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين: إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لووصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر. وقلتم مكان سبّكم إيّاهم: اللّهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتّى يعرف الحقّ من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به. (الخطبة ٢٠٤، ٣٩٨)

وقال (ع) في أهل الشام: جفاة طغام، وعبيد أقزام. جمعوا من كلّ أوب، وتلقّطوا من كلّ شوب (أي خلط)، ممّن ينبغي أن يفقّه ويؤدّب، ويعلّم ويدرّب، ويولّى عليه، ويؤخذ على يديه. ليسوا من المهاجرين والأنصار، ولا من الّذين تبوّؤا الدّار والإيمان. (الخطبة ٢٣٦، ٤٣٨)

... وليس أهل الشّام بأحرص على الدّنيا، من أهل العراق على الآخرة. (الخطبة ٢٥٦، ٤٥٥)

ومن كتاب له (ع) الى قثم بن العباس وهوعامله على مكة: أمّا بعد، فإنّ عيني بالمغرب كتب إليّ يعلمني أنّه وجّه إلى الموسم أناس من أهل الشّام العمي القلوب، الصّمّ الأسماع، الكمه الأبصار. الّذين يلتمسون الحقّ بالباطل، ويطيعون المخلوق في معصية الخالق. ويحتلبون الدّنيا درّها بالدّين، ويشترون عاجلها بآجل الأبرار المتّقين. ولن يفوز بالخير إلاّ عامله، ولا يجزى جزاء الشّرّ إلاّ فاعله. (الخطبة ٢٧٢، ٤٩١)

موقعة صفين وليلة الهرير

من خطبة خطبها (ع) وهوبالنخيلة خارجا من الكوفة الى صفين: أمّا بعد، فقد بعثت مقدّمتي، وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط، حتّى يأتيهم أمري، وقد رأيت أن أقطع هذه النّطفة (ماء الفرات) إلى شرذمة منكم، موطّنين أكناف دجلة، فأنهضهم معكم إلى عدوّكم، وأجعلهم من أمداد القوّة لكم. (الخطبة ٤٨، ١٠٥)

ومن خطبة له (ع) لما غلب أصحاب معاوية على شريعة الفرات بصفين ومنعوا أصحابه الماء: قد استطعموكم القتال، فأقّروا على مذلّة، وتأخير محلّة، أوروّوا السّيوف من الدّماء ترووا من الماء، فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين. ألا وإنّ معاوية قادلمّة من الغواة. وعمّس عليهم الخبر حتّى جعلوا نحورهم أغراض المنيّة. (الخطبة ٥١، ١٠٧)

من خطبة له (ع) يصف فيها مبايعة أصحابه له بصفين: فتداكّوا عليّ تداكّ الإبل الهيم (أي العطشى) يوم وردها، وقد أرسلها راعيها، وخلعت مثانيها، حتّى ظننت أنّهم قاتليّ، أوبعضهم قاتل بعض لديّ. وقد قلّبت هذا الأمر بطنه وظهره حتّى منعني النّوم، فما وجدتني يسعني إلاّ قتالهم أوالجحود بما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فكانت معالجة القتال أهون عليّ من معالجة العقاب، وموتات الدّنيا أهون عليّ من موتات الآخرة (أي أهوالها). (الخطبة ٥٤، ١١٠)

ومن كلام له (ع) وقد استبطأ أصحابه اذنه لهم في القتال بصفين: أمّا قولكم: أكلّ ذلك كراهية الموت؟ فواللّه ما أبالي: دخلت إلى الموت أوخرج الموت إليّ. وأمّا قولكم شكّا في أهل الشّام فواللّه ما دفعت الحرب يوما إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي، وتعشوإلى ضوئي. وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها، وإن كانت تبوء بآثامها. (الخطبة ٥٥، ١١١)

ومن كلام له (ع) في بعض أيام صفين: وقد رأيت جولتكم، وانحيازكم عن صفوفكم، تحوزكم الجفاة الطّغام، وأعراب أهل الشّام، وأنتم لهاميم العرب، ويآفيخ الشّرف، والأنف المقدّم، والسّنام الأعظم. ولقد شفى وحاوح صدري، أن رأيتكم بأخرة تحوزونهم كما حازوكم، وتزيلونهم عن مواقفهم كما أزالوكم، حسّا بالنّضال (أي المباراة في الرمي)، وشجرا بالرّماح، تركب أولاهم أخراهم، كالإبل الهيم المطرودة، ترمى عن حياضها، وتذاد عن مواردها. (الخطبة ١٠٥، ٢٠٤)

وقال (ع) لما عزم على لقاء القوم بصفين: اللّهمّ.. إن أظهرتنا على عدوّنا، فجنّبنا البغي وسدّدنا للحقّ. وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشّهادة، واعصمنا من الفتنة. أين المانع للذّمار، والغائر عند نزول الحقائق من أهل الحفاظ. العار وراءكم والجنّة أمامكم. (الخطبة ١٦٩، ٣٠٥)

ومن خطبة له (ع) بالكوفة قال: ما ضرّ إخواننا الّذين سفكت دماؤهم وهم بصفّين ألا يكونوا اليوم أحياء؟ يسيغون الغصص ويشربون الرّنق (أي الكدر). قد واللّه لقوا اللّه فوفّاهم أجورهم، وأحلّهم دار الأمن بعد خوفهم. أين إخواني الّذين ركبوا الطّريق ومضوا على الحقّ؟ أين عمّار؟ وأين ابن التّيّهان (اسمه مالك)؟ وأين ذوالشّهادتين (وهوخزيمة ابن ثابت الانصاري)؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الّذين تعاقدوا على المنيّة، وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة (أي أرسلت رؤوسهم مع البريد الى البغاة). ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة، فأطال البكاء. ثم قال عليه السلام: أوّه على إخواني الّذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرض فأقاموه، أحيوا السّنّة وأماتوا البدعة. دعوا للجهاد فأجابوا. ووثقوا بالقائد فاتّبعوه. ثم نادى بأعلى صوته: الجهاد الجهاد عباد اللّه ألا وإنّي معسكر في يومي هذا، فمن أراد الرّواح إلى اللّه فليخرج. قال نوف: وعقد للحسين (ع) في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف، ولأبي أيوب الانصاري في عشرة آلاف، ولغيرهم على أعداد أخر، وهويريد الرجعة الى صفين. فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون عبد الرحمن بن ملجم، فتراجعت العساكر، فكنا كأغنام فقدت راعيها، تختطفها الذئاب من كل مكان. (الخطبة ١٨٠، ٣٢٨)

ومن كلام له (ع) وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين: إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين... (الخطبة ٢٠٤، ٣٩٨)

ومن كلام له (ع) في بعض أيام صفين، وقد رأى الحسن (ع) يتسرع الى الحرب: أملكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني، فإنّي أنفس بهذين (يعني الحسن والحسين عليهما السلام) على الموت، لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. (الخطبة ٢٠٥، ٣٩٩)

ومن كتاب له (ع) كتبه الى أهل الامصار، يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين: وكان بدء أمرنا أنّا التقينا والقوم من أهل الشّام. والظّاهر أنّ ربّنا واحد، ونبيّنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة. ولا نستزيدهم في الإيمان باللّه والتّصديق برسوله ولا يستزيدوننا: الأمر واحد، إلاّ ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء فقلنا: تعالوا نداوما لا يدرك اليوم، باطفاء الثّائرة وتسكين العامّة. حتّى يشتدّ الأمر ويستجمع، فنقوى على وضع الحقّ مواضعه. فقالوا: بل نداويه بالمكابرة فأبوا حتّى جنحت الحرب وركدت، ووقدت نيرانها وحمست (أي اشتدت). فلمّا ضرّستنا وإيّاهم ووضعت مخالبها فينا وفيهم، أجابوا عند ذلك إلى الّذي دعوناهم إليه، فأجبناهم إلى ما دعوا، وسارعناهم إلى ما طلبوا، حتّى استبانت عليهم الحجّة، وانقطعت منهم المعذرة. فمن تمّ على ذلك منهم فهوالّذي أنقذه اللّه من الهلكة، ومن لجّ وتمادى فهوالرّاكس (أي الناكث) الّذي ران اللّه على قلبه، وصارت دائرة السّوء على رأسه. (الخطبة ٢٩٧، ٥٤٣)

موقعة النهروان«عند نهر النهروان في العراق»

مدخل:

بعد ان أنهزم معاوية في موقعة صفين انهزاما ذريعا، وقد كاد ان يفنى جيشه، أشار عليه عمروبن العاص برفع المصاحف على الرماح. فقامت فئة من جيش الامام علي (ع) تدعوه الى التحكيم وهم الخوارج. ودفعوا بأبي موسى الأشعري حكما في وجه عمروبن العاص. فحذرهم الامام (ع) من خديعة التحكيم وأنها حيلة كاذبة. فلما أصروا على رأيهم، قال لهم: اذا كان لا بد من التحكيم فليكن لعبد اللّه بن عباس، دون أبي موسى الاشعري، لان الاشعري رجل مغفل أحمق، وكانت سمعته عند الامام (ع) غير حسنة.

ولكن الخوارج هددوا الامام (ع) بالخروج عليه أذا لم يقبل بشروطهم كاملة. فلما التقى الحكمان تمت خديعة عمروبن العاص لأبي موسى الاشعري كما توقع الامام (ع). فقام الخوارج يلومون الامام (ع) على قبوله التحكيم، وهم الذين ألزموه به، فظهر بذلك نفاقهم.

وقالوا: ان عليا كفر منذ ان قبل بالتحكيم. وكانت اول عملية قام بها الامام (ع) بعد الانتهاء من صفين، أن جهز جيشا لقتال الخوارج، والتقى بهم في معركة النهروان، وأفناهم عن بكرة أبيهم، ولم يفلت منهم اكثر من عشرة.

الخوارج التحكيم وأبو موسى الأشعري

قال الامام علي (ع):

بعد التحكيم وبعد ما بلغه من أمر الحكمين: أمّا بعد، فإنّ معصية الناصح الشّفيق العالم المجرّب، تورث الحسرة وتعقب النّدامة. وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونخلت لكم مخزون رأيي، لوكان يطاع لقصير أمر (قصير: هومولى جذيمة المعروف بالابرش، وكان حاذقا. وقد أشار على سيده جذيمة أن لا يأمن للزباء ملكة تدمر، فخالفه وقصدها بناء على دعوتها لزواجه، فقتلته) فأبيتم عليّ إباء المخالفين الجفاة، والمنابذين العصاة. حتّى أرتاب النّاصح بنصحه، وضنّ الزّند بقدحه.

فكنت أنا وإيّاكم كما قال أخو هوازن:

أمرتكم أمري بمنعرج اللّوى ***** فلم تستبينوا النّصح إلاّ ضحى الغد  (الخطبة ٣٥، ٩٣)

ومن كلام له (ع) في الخوارج لما سمع قولهم (لا حكم إلاّ للّه) قال عليه السلام:

كلمة حقّ يراد بها باطل نعم إنّه لا حكم إلاّ للّه. ولكنّ هؤلاء يقولون: لا إمرة إلاّ للّه، وإنّه لا بدّ للنّاس من أمير.. وفي رواية أخرى انه (ع) لما سمع تحكيمهم قال: حكم اللّه أنتظر فيكم. (الخطبة ٤٠، ٩٨)

ومن كلام له (ع) كلم به الخوارج حين اعتزلوا الحكومة وتنادوا: (الا حكم إلاّ للّه) وشرطوا عليه في دعوتهم الى طاعته ان يعترف بأنه كان قد كفر ثم آمن: أصابكم حاصب، ولا بقي منكم آبر. أبعد إيماني باللّه، وجهادي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أشهد على نفسي بالكفر لَقَدْ ضَلَلْتُ إذاً ومَا أَنَا مِنَ المُهْتَدِينَ فأوبوا شرّ مآب، وارجعوا على أثر الأعقاب. أما إنّكم ستلقون بعدي ذلاّ شاملا، وسيفا قاطعا، وأثرة يتّخذها الظّالمون فيكم سنّة. (الخطبة ٥٨، ١١٣)

وقال (ع) في الخوارج: لا تقاتلوا الخوارج بعدي (يقصد ابناء الخوارج وأحفادهم)، فليس من طلب الحقّ فأخطأه (يعني الخوارج) كمن طلب الباطل فأدركه (يعني معاوية واصحابه). (الخطبة ٥٩، ١١٥)

ومن كلام له (ع) بعد ليلة الهرير، وقد قام اليه رجل من اصحابه فقال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها، فلم ندر أي الامرين أرشد؟ فصفق عليه السلام احدى يديه على الاخرى ثم قال: هذا جزاء من ترك العقدة. أما واللّه لوأنّي حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الّذي يجعل اللّه فيه خيرا، فإن استقمتم هديتكم، وإن اعوججتم قوّمتكم، وإن أبيتم تداركتكم لكانت الوثقى. ولكن بمن وإلى من؟ أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي، كناقش الشّوكة بالشّوكة، وهويعلم أنّ ضلعها معها. اللّهمّ قد ملّت أطباء هذا الدّاء الدّويّ، وكلّت النّزعة بأشطان الرّكيّ.. إنّ الشّيطان يسنّي لكم طرقه، ويريد أن يحلّ دينكم عقدة عقدة، ويعطيكم بالجماعة الفرقة وبالفرقة الفتنة. فأصدفوا عن نزغاته ونفثاته، واقبلوا النّصيحة ممّن أهداها إليكم، واعقلوها على أنفسكم. (الخطبة ١١٩، ٢٢٩)

ومن كلام له (ع) قاله للخوارج وقد خرج الى معسكرهم وهم مقيمون على انكار الحكومة، فقال عليه السلام: أكلّكم شهد معنا صفّين؟ فقالوا: منّا من شهد ومنّا من لم يشهد. قال: فامتازوا فرقتين، فليكن من شهد صفّين فرقة، ومن لم يشهدها فرقة، حتّى أكلّم كلا منكم بكلامه. ونادى النّاس فقال: أمسكوا عن الكلام، وأنصتوا لقولي، وأقبلوا بأفئدتكم إليّ، فمن نشدناه شهادة فليقل بعلمه فيها. ثمّ كلّمهم عليه السّلام بكلام طويل، من جملته أن قال عليه السّلام: ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة، ومكرا وخديعة: إخواننا وأهل دعوتنا، استقالونا واستراحوا إلى كتاب اللّه سبحانه، فالرّأي القبول منهم والتّنفيس عنهم. فقلت لكم: هذا أمر ظاهره إيمان وباطنه عدوان. وأوّله رحمة، وآخره ندامة. فأقيموا على شأنكم، والزموا طريقتكم، وعضّوا على الجهاد بنواجذكم. ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق: إن أجيب أضلّ، وإن ترك ذلّ. وقد كانت هذه الفعلة، وقد رأيتكم أعطيتموها. واللّه لئن أبيتها ما وجبت عليّ فريضتها، ولا حمّلني اللّه ذنبها. وواللّه إن جئتها إنّي للمحقّ الّذي يتّبع. وإنّ الكتاب لمعي، ما فارقته مذ صحبته. فلقد كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وإنّ القتل ليدور على الآباء والأبناء والإخوان والقرابات، فما نزداد على كلّ مصيبة وشدّة إلاّ إيمانا، ومضيّا على الحقّ، وتسليما للأمر، وصبرا على مضض الجراح. ولكنّا إنّما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزّيغ والإعوجاج والشّبهة والتّأويل. فإذا طمعنا في خصلة يلمّ اللّه بها شعثنا، ونتدانى بها إلى البقيّة فيما بيننا، رغبنا فيها وأمسكنا عمّا سواها. (الخطبة ١٢٠، ٢٣٠)

ومن كلام له (ع) في التحكيم وذلك بعد سماعه لأمر الحكمين: إنّا لم نحكّم الرّجال، وإنما حكّمنا القرآن. هذا القرآن إنّما هوخطّ مستور بين الدّفّتين، لا ينطق بلسان، ولا بدّ له من ترجمان. وإنّما ينطق عنه الرّجال. ولمّا دعانا القوم إلى أن نحكّم بيننا القرآن، لم نكن الفريق المتولّي عن كتاب اللّه سبحانه وتعالى، وقد قال اللّه سبحانه: فَإنْ تَنَازَعْتُم فِي شَي‏ءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللّهِ والرَّسُولِ. فردّه إلى اللّه أن نحكم بكتابه، وردّه إلى الرّسول أن نأخذ بسنّته. فإذا حكم بالصّدق في كتاب اللّه، فنحن أحقّ النّاس به، وإن حكم بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فنحن أحقّ النّاس وأولاهم بها. وأمّا قولكم: لم جعلت بينك وبينهم أجلا في التّحكيم؟ فإنّما فعلت ذلك ليتبيّن الجاهل ويتثبّت العالم. ولعلّ اللّه أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الأمّة، ولا تؤخذ بأكظامها، فتعجل عن تبيّن الحقّ، وتنقاد لأوّل الغيّ. إنّ أفضل النّاس عند اللّه من كان العمل بالحقّ أحبّ إليه وإن نقصه وكرثه من الباطل، وإن جرّ إليه فائدة وزاده. فأين يتاه بكم ومن أين أتيتم استعدّوا للمسير إلى قوم حيارى عن الحقّ لا يبصرونه، وموزعين بالجور (أي أغراهم الظلم) لا يعدلون به. جفاة عن الكتاب، نكب عن الطّريق. ما أنتم بوثيقة يعلق بها، ولا زوافر عزّ يعتصم إليها. لبئس حشّاش نار الحرب أنتم أفّ لكم لقد لقيت منكم برحا، يوما أناديكم ويوما أناجيكم، فلا أحرار صدق عند النّداء، ولا إخوان ثقة عند النّجاء. (الخطبة ١٢٣، ٢٣٤)

ومن كلام له (ع) وفيه يبين بعض أحكام الدين، ويكشف للخوارج الشبهه وينقض حكم الحكمين: فإن أبيتم إلاّ أن تزعموا أنّي أخطأت وضللت، فلم تضلّلون عامّة أمّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله بضلالي، وتأخذونهم بخطئي، وتكفّرونهم بذنوبي سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البرء والسّقم، وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب. وقد علمتم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله رجم الزّاني المحصن، ثمّ صلّى عليه، ثمّ ورّثه أهله. وقتل القاتل وورّث ميراثه أهله. وقطع السّارق وجلد الزّاني غير المحصن، ثمّ قسم عليهما من الفي‏ء، ونكحا المسلمات. فأخذهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بذنونهم، وأقام حقّ اللّه فيهم، ولم يمنعهم سهمهم من الإسلام، ولم يخرج أسماءهم من بين أهله «كان من زعم الخوارج ان من أخطأ وأذنب فقد كفر، فأراد الامام (ع) أن يقيم الحجة على بطلان زعمهم بما رواه عن النبي (ص)». ثمّ أنتم شرار النّاس ومن رمى به الشّيطان مراميه، وضرب به تيهه. وسيهلك فيّ صنفان: محبّ مفرط يذهب به الحبّ إلى غير الحقّ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحقّ، وخير النّاس فيّ حالا النّمط الأوسط فالزموه. والزاموا السّواد الأعظم فإنّ يد اللّه على الجماعة. وإيّاكم والفرقة فإنّ الشّاذّ من النّاس للشيطان، كما أنّ الشّاذّ من الغنم للذّئب. ألا من دعا إلى هذا الشّعار فاقتلوه. ولوكان تحت عمامتي هذه. فإنّما حكّم الحكمان ليحييا ما أحيا القرآن، ويميتا ما أمات القرآن. وإحياؤه الاجتماع عليه، وإماتته الافتراق عنه. فإن جرّنا القرآن إليهم اتّبعناهم، وإن جرّهم إلينا اتّبعونا. فلم آت لا أبا لكم بجرا (أي أمرا وشرا عظيما)، ولاختلتكم عن أمركم، ولا لبّسته عليكم. إنّما اجتمع رأي ملئكم على اختيار رجلين، أخذنا عليهما أن لا يتعدّيا القرآن، فتاها عنه، وتركا الحقّ وهما يبصرانه، وكان الجور هواهما فمضيا عليه. وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكومة بالعدل والصّمد للحقّ سوء رأيهما، وجور حكمهما. (الخطبة ١٢٥، ٢٣٦)

ومن كلام له (ع) في معنى الحكمين: فأجمع رأي ملئكم على أن اختاروا رجلين، فأخذنا عليهما أن يجعجعا عند القرآن (أي يقيما)، ولا يجاوزاه، وتكون ألسنتهما معه وقلوبهما تبعه، فتاها عنه، وتركا الحقّ وهما يبصرانه. وكان الجور هواهما، والاعوجاج رأيهما. وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكم بالعدل والعمل بالحقّ، سوء رأيهما وجور حكمهما (أي أن وصية الامام )ع( لهما بأن لا يحكما الا بالعدل، كانت سابقة لمخالفتهما هذا الشرط(، والثّقة في أيدينا لأنفسنا، حين خالفا سبيل الحقّ، وأتيا بما لا يعرف من معكوس الحكم. (الخطبة ١٧٥، ٣١٨)

وقال (ع) في قوم من جند الكوفة لحقوا بالخوارج لينضموا اليهم: بُعْداً لَهُمْ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ أما لوأشرعت الأسنّة إليهم، وصبّت السّيوف على هاماتهم، لقد ندموا على ما كان منهم. إنّ الشّيطان اليوم قد استفلّهم (أي دعاهم الى الانهزام عن الجماعة) وهوغدا متبرّي‏ء منهم، ومتخلّ عنهم. فحسبهم بخروجهم من الهدى، وارتكاسهم في الضّلال والعمى، وصدّهم عن الحقّ، وجماحهم في التّيه. (الخطبة ١٧٩، ٣٢٢)

وقال (ع) للبرج بن مسهر الطائي وكان من الخوارج، وقد سمعه يقول: لا حكم الا للّه: أسكت قبّحك اللّه يا أثرم، فواللّه لقد ظهر الحقّ، فكنت فيه ضئيلا شخصك، خفيّا صوتك، حتّى إذا نعر الباطل (أي صاح) نجمت (أي ظهرت) نجوم قرن الماعز. (الخطبة ١٨٢، ٣٣٣)

وقال (ع) يذكر ذا الثدية من رؤساء الخوارج: ألا وقد قطعتم قيد الإسلام، وعطّلتم حدوده، وأمتّم أحكامه. ألا وقد أمرني اللّه بقتال أهل البغي والنّكث والفساد في الأرض. فأمّا النّاكثون فقد قاتلت، وأمّا القاسطون فقد جاهدت، وأمّا المارقة فقد دوّخت. وأمّا شيطان الرّدهة فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه ورجّة صدره.

وبقيت بقيّة من أهل البغي. ولئن أذن اللّه في الكرّة عليهم لأديلنّ منهم (أي لأمحقنهم) إلاّ ما يتشذّر (أي يتفرق) في أطراف البلاد تشذّرا. (الخطبة ١٩٠، ٤، ٣٧٢)

ومن كلام له (ع) لما اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة: أيّها النّاس، إنّه لم يزل أمري معكم على ما أحبّ، حتّى نهكتكم الحرب. وقد واللّه، أخذت منكم وتركت، وهي لعدوّكم أنهك. لقد كنت أمس أميرا، فأصبحت اليوم مأمورا. وكنت أمس ناهيا، فأصبحت اليّوم منهيّا. وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون. (الخطبة ٢٠٦، ٣٩٩)

ومن كلام له (ع) في شأن الحكمين: ألا وإنّ القوم اختاروا لأنفسهم أقرب القوم ممّا تحبّون. وإنّكم اخترتم لأنفسكم أقرب القوم ممّا تكرهون. وإنّما عهدكم بعبد اللّه بن قيس (وهوأبوموسى الاشعري) بالأمس يقول «إنّها فتنة فقطّعوا أوتاركم، وشيموا سيوفكم« فإن كان صادقا فقد أخطأ بمسيره غير مستكره، وإن كان كاذبا

فقد لزمته التّهمة. فادفعوا في صدر عمروبن العاص بعبد اللّه بن العبّاس، وخذوا مهل الأيّام، وحوطوا قواصي الإسلام. ألا ترون إلى بلادكم تغزى، وإلى صفاتكم ترمى (الخطبة ٢٣٦، ٤٣٨)

ومن وصية له (ع) لعبد اللّه بن العباس، لما بعثه للاحتجاج الى الخوارج: لا تخاصمهم بالقرآن، فإنّ القرآن حمّال ذووجوه (أي يحمل معاني كثيرة). تقول ويقولون. ولكن حاججهم بالسّنّة، فإنّهم لن يجدوا عنها محيصا (أي مهربا). (الخطبة ٣١٦، ٥٦٣)

ومن كتاب له (ع) الى أبي موسى الاشعري جوابا في أمر الحكمين: فإنّ النّاس قد تغيّر كثير منهم عن كثير من حظّهم (يقصد به حظهم الحقيقي وهونيل السعادة بنصرة الحق)، فمالوا مع الدّنيا ونطقوا بالهوى. وإنّي نزلت من هذا الأمر (أي الخلافة) منزلا معجبا (أي موجبا التعجب)، اجتمع به أقوام أعجبتهم أنفسهم. فإنّي أداوي منهم قرحا (مجاز عن فساد ضمائرهم) أخاف أن يكون علقا (أي ان يكون صار في الجرح دما غليظا جامدا تصعب معه مداواة الجرح). وليس رجل فاعلم أحرص على أمّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وألفتها منّي، أبتغي بذلك حسن الثّواب وكرم المآب. وسأفي بالّذي وأيت على نفسي (أي أخذت عليها). وإن تغيّرت عن صالح ما فارقتني عليه، فإن الشّقيّ من حرم نفع ما أوتي من العقل والتّجربة، وإنّي لأعبد (أي أغضب) أن يقول قائل بباطل (أي يغضبني قول الباطل)، وأن أفسد أمرا قد أصلحه اللّه. فدع ما لا تعرف، فإنّ شرار النّاس طائرون إليك بأقاويل السّوء، والسّلام. (الخطبة ٣١٧، ٥٦٣)

وقال (ع) في الذين اعتزلوا القتال معه: خذلوا الحقّ ولم ينصروا الباطل. (١٧ ح، ٥٦٧) وسمع (ع) رجلا من الحرورية (وهم الخوارج الذين خرجوا عليه بحروراء) يتهجد ويقرأ، فقال (ع): نوم على يقين، خير من صلاة في شكّ. (٩٧ ح، ٥٨٢)

وقال (ع) لما سمع قول الخوارج «لا حكم الا للّه»: كلمة حقّ يراد بها باطل. (١٩٨ ح، ٦٠٢)

تكلم الامام (ع) في أمر، فقال رجل من الخوارج «قاتله اللّه كافرا ما أفقهه». فوثب القوم ليقتلوه. فقال عليه السلام: رويدا، إنّما هوسبّ بسبّ، أوعفوعن ذنب. (٤٢٠ ح، ٦٥١)

موقعة النهروان

قال الامام علي (ع):

في تخويف أهل النهروان: فأنا نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأثناء هذا النّهر، وبأهضام هذا الغائط (الغائط: ما سفل من الارض). على غير بيّنة من ربّكم، ولا سلطان مبين معكم: قد طوّحت بكم الدّار، واحتبلكم المقدار. وقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة، فأبيتم عليّ إباء المخالفين المنابذين، حتّى صرفت رأيي إلى هواكم، وأنتم معاشر أخفّاء الهام (كناية عن خفة العقل)، سفهاء الأحلام. ولم آت لا أبا لكم بجرا، ولا أردت لكم ضرّا. (الخطبة ٣٦، ٩٤)

وقال (ع) لما عزم على حرب الخوارج، وقيل له ان القوم عبروا جسر النهروان: مصارعهم دون النّطفة (أي ماء النهر) واللّه لا يفلت منهم عشرة، ولا يهلك منكم عشرة. (الخطبة ٥٨، ١١٤)

وقال (ع) لما قتل الخوارج، فقيل له: يا أمير المؤمنين، هلك القوم بأجمعهم، فقال: كلاّ واللّه، إنّهم نطف في أصلاب الرّجال، وقرارات النّساء كلّما نجم (أي ظهر) منهم قرن قطع، حتّى يكون آخرهم لصوصا سلاّبين. (الخطبة ٥٨، ١١٥)

أمّا بعد حمد اللّه، والثّناء عليه. أيّها النّاس، فإنّي فقأت عين الفتنة (يعني الخوارج) ولم يكن ليجتري‏ء عليها أحد غيري، بعد أن ماج غيهبها (أي ظلمتها)، واشتدّ كلبها. (الخطبة ٩١، ١٨٣)

وقال (ع) وقد مر بقتلى الخوارج يوم النهروان: بؤسا لكم، لقد ضرّكم من غرّكم. فقيل له: من غرّهم يا أمير المؤمنين؟ فقال: الشّيطان المضلّ، والأنفس الأمّارة بالسّوء، غرّتهم بالأمانيّ، وفسحت لهم بالمعاصي، ووعدتهم الإظهار، فاقتحمت بهم النّار. (٣٢٣ ح، ٦٣١)

ولاية مصر

محمد بن أبي بكر وأخبار مصر

من كلام له (ع) لما قلّد محمد بن أبي بكر مصر، فملكت عليه وقتل: وقد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة. ولوولّيته إيّاها لما خلّى لهم العرصة (أي لما جعل لهم مجالا للمغالبة)، ولا أنهزهم الفرصة (الضمير راجع للاعداء). بلا ذمّ لمحمّد بن أبي بكر، ولقد كان إليّ حبيبا، وكان لي ربيبا. (الخطبة ٦٦، ١٢٢)

ومن كتاب له (ع) الى محمد بن أبي بكر، لما بلغه توجده من عزله بمالك الاشتر عن مصر، ثم توفي الاشتر أثناء توجهه الى هناك وقبل وصوله اليها: أمّا بعد، فقد بلغني موجدتك من تسريح (أي ارسال) الأشتر إلى عملك، وإنّي لم أفعل ذلك استبطاء لك في الجهد، ولا ازديادا لك في الجدّ. ولونزعت ما تحت يدك من سلطانك لولّيتك ما هوأيسر عليك مؤونة، وأعجب إليك ولاية. إنّ الرّجل الّذي كنت ولّيته أمر مصر (يقصد مالك الاشتر) كان رجلا لنا ناصحا، وعلى عدوّنا شديدا ناقما. فرحمه اللّه فلقد استكمل أيّامه، ولاقى حمامه، ونحن عنه راضون. أولاه اللّه رضوانه، وضاعف الثّواب له فأصحر لعدوّك، وامض على بصيرتك، وشمّر لحرب من حاربك، وادع إلى سبيل ربّك، وأكثر الإستعانة باللّه يكفك ما أهمّك، ويعنك على ما ينزل بك. إن شاء اللّه. (الخطبة ٢٧٣، ٤٩٢)

ومن كتاب له (ع) إلى عبد اللّه بن العباس، بعد مقتل محمد بن أبي بكر: أمّا بعد، فإنّ مصر قد افتتحت، ومحمّد بن أبي بكر رحمه اللّه قد استشهد. فعند اللّه نحتسبه ولدا ناصحا، وعاملا كادحا، وسيفا قاطعا، وركنا دافعا. وقد كنت حثثت النّاس على لحاقه، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة، ودعوتهم سرّا وجهرا، وعودا وبدءا، فمنهم الآتي كارها، ومنهم المعتلّ كاذبا، ومنهم القاعد خاذلا، أسأل اللّه تعالى أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا. فواللّه لولا طمعي عند لقائي عدوّي في الشّهادة، وتوطيني نفسي على المنيّة، لأحببت الاّ أبقى مع هؤلاء يوما واحدا، ولا ألتقي بهم أبدا. (الخطبة ٢٧٤، ٤٩٣)

وقال (ع) لما بلغه قتل محمد بن أبي بكر: إنّ حزننا عليه على قدر سرورهم به، إلاّ أنّهم نقصوا بغيضا ونقصنا حبيبا. (٣٢٥ ح، ٦٣١)

مالك الأشتر النخعي

من كتاب له (ع) الى أميرين من أمراء جيشه: وقد أمّرت عليكما وعلى من في حيّزكما، مالك بن الحارث الأشتر، فاسمعا له وأطيعا. واجعلاه درعا ومجنّا، فإنّه ممّن لا يخاف وهنه ولا سقطته، ولا بطؤه عمّا الإسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل. (الخطبة ٢٥٢، ٤٥٢)

وقال (ع) عند مقتل مالك الاشتر: إنّ الرّجل الّذي كنت ولّيته أمر مصر، كان رجلا لنا ناصحا، وعلى عدوّنا شديدا ناقما. فرحمه اللّه فلقد استكمل أيّامه ولاقى حمامه، ونحن عنه راضون. أولاه اللّه رضوانه وضاعف الثّواب له (الخطبة ٢٧٣، ٤٩٢)

ومن كتاب له (ع) الى أهل مصر، لما ولى عليهم الاشتر: أمّا بعد، فقد بعثت إليكم عبدا من عباد اللّه، لا ينام أيّام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الرّوع. أشّد على الفجّار من حريق النّار، وهومالك بن الحارث أخو مذحج، فاسمعوا له، وأطيعوا أمره فيما طابق الحقّ، فإنّه سيف من سيوف اللّه، لا كليل الظّبة، ولا نابي الضّريبة (أي المضروبة). فإن أمركم أن تنفروا فانفروا وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنّه لا يقدم ولا يحجم، ولا يؤخّر ولا يقدّم، إلاّ عن أمري، وقد آثرتكم به على نفسي، لنصيحته لكم، وشدّة شكيمته على عدوّكم. (الخطبة ٢٧٧، ٤٩٦)

وقال (ع) وقد جاءه نعي الأشتر رحمه اللّه: مالك وما مالك. واللّه لوكان جبلا لكان فندا (أي جبلا عظيما)، ولو كان حجرا لكان صلدا. لا يرتقيه الحافر، ولا يوفي عليه الطائر. (٤٤٣ ح، ٦٥٦)

اهل مصر

من كتاب له (ع) الى عبد اللّه بن العباس، بعد مقتل محمد بن أبي بكر، يصف فيه أهل مصر: وقد كنت حثثت النّاس على لحاقه، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة، ودعوتهم سرّا وجهرا، وعودا وبدءا. فمنهم الآتي كارها، ومنهم المعتلّ كاذبا، ومنهم القاعد خاذلا. أسأل اللّه تعالى أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا. فواللّه لولا طمعي عند لقائي عدوّي في الشّهادة، وتوطيني نفسي على المنيّة، لأحببت ألاّ أبقى مع هؤلاء يوما واحدا، ولا ألتقي بهم أبدا. (الخطبة ٢٧٤، ٤٩٣)

ومن كتاب له (ع) الى أهل مصر، لما ولى عليهم الاشتر: من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى القوم الّذين غضبوا للّه حين عصي في أرضه، وذهب بحقّه. فضرب الجور سرادقه على البرّ والفاجر، والمقيم والظّاعن. فلا معروف يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه. (الخطبة ٢٧٧، ٤٩٥)

انتهى .

منقول بتصرف من كتاب تصنيف نهج البلاغة : لبيب بيضون

****************************