تولى نشرها الاب لويس شيخو اليسوعي
للامام علي حكم عديدة جمعها كثير من الادباء وقد نشر منها قسم صالح في نهج البلاغة وبعض التأليف الادبية المطبوعة في الشرق والغرب. وقد وقفنا على نخبة منها مما اختاره احد الافاضل وحرره سنة ٧٢٧هـ (١٣٢٧م) في مجموع نصونه في مكتبتنا الشرقية.
وهو المجموع الذي اخذنا عنه رسالة مكارم الاخلاق للثمالي (المشرق ٣: ٢٨) ورسالتي الطير لابن سينا والامام الغزالي (٤: ٨٨٣).
وقد انتخبنا من هذه الحكم ما رأيناه احرى بالمقام وكثير منها لم نجده على لفظه في الكتب المطبوعة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال امير المؤمنين علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه: العالم حديقةٌ سياجها الشريعة والشريعة سلطان تجب له الطاعة والعامة سياسة يقوم بها الملك والملك راع يعضده الجيش والجيش أعوان يكفلهم المال والمال ورقٌ تجمعه الرعية والرعية سواد يستعبدهم العدل والعدل اساس.
فعند ذلك قام اليه عباد بن قيس فقال: يا امير المؤمنين اخبرنا ما الايمان وما الدين، قال [١] : يا أبن قيس ان الله جل ثناؤه ابتدأ الامور بعلمه واخلص ما احب وكان مما احب انه اختار الدين لعباده وانتحله من احب من خلقه وجعله عزاً لمن اناله وسلماً لمن دخله وهدى لمن انتم به وزلفة لمن تجله وعونا لمن عقله ومعرفة لمن تعلق به وحبلاً وثيقاً لمن تعلق به ونجاةً لمن صدق ولباساً لمن اتقى وكنفا لمن آمن.
فهو ابلج المناهج بين السراج مشرق المنار ذاكي المصباح رفيع الغاية يسير المسالك قديم العدة متنافس السبقة واضح البرهان عظيم الشأن كريم الفرسان، الايمان منهاجه والتقوى عدّته والصالحات مناره والعفّة مصابيحه والمحسنون فرسانه والموت غايته والدنيا مضماره والقيامة حلبته والجنّة سبقته والنار نقمته. فمعتعم السعداء بالايمان والخذلان للاشقياء من بعد ايجاب الحجة عليهم بالتبيان اذا وضح لهم منار الحق وسبيل الهدى .
فتارك الحق مشوهة يوم التغابن خامتة داحضة جلسة عند فوز السعداء بالجنان، وبالايمان يستدلّ على الصالحات وبالصالحات يستدل على التقوى وبالتقوى يرهب الموت وبالموت تختم الدنيا وبالدنيا تختم الآخرة وبالآخرة تزلف الجنّة وبالجنّة تكون حسرة اهل النار وبذكر اهل النار موعظة لاهل التقوى والتقوى غاية لا يهلك من قصدها ولا يندم من عمل بها وبالتقوى فاز الفائزون وبالمعصية خسر الخاسرون...
والايمان [٢] يا ابن قيس على اربعة اركان:الشوق والشفقة [٣] والزهد والترقب.
فمن اشتاق الى الجنّة سلا عن الشهوات .
ومن اشفق من النار رجع عن المحرمات .
ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات .
ومن ترقب الموت سارع في الخيرات [٤] .
واليقين من ذلك على اربعة اركان: تبصرة الفطنة وموعظة العبرة وتأويل الحكمة وسنّة الأولين .
فمن تبصر الفطنة تبيّن العبرة ومن تبين العبرة تأول الحكمة ومن تأوّل الحكمة عرف السنة كأنما كان من الأولين [٥] اهتدى الى التي هي أقوم والعدل من ذلك على اربعة اركان: غائص الفهم وغمر العلم وزهد الحلم [٦] وروض الحكم.
فمن شرع غرائب الحكم دلته على معادن الحكم [٧] ولم يفعل .
ومن حلم فلم يفرط في الامر عاش في الناس حميداً .
والجهاد من ذلك على اربعة اركان: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين.
فمن امر بالمعروف شدّ ظهر المؤمنين.
ومن نهى عن المنكر ارغم الف المنافقين.
ومن صدق في المواطن قضى ما عليه.
ومن شنى الفاسقين فقد غضب لله ومن غضب لله غضب الله له ذلك الايمان ودعائمة واركانه .
أفهمت يا ابن قيس. قال: نعم يا امير المؤمنين ارشدني الله بما ارشدت.
(ومن كلامه أيضاً اكرم الله وجهه) يا دنيا يا دنيا اليك عني لي تعرضت [٨] ام الي تشوقت لا حان حينك ، هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير وخطرك يسير واملك حقير.آه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظم المورد واين اخلاص العمل فان الناقد بصير.
(ومن كلامه ايضاً) انفاس المرء خطاه الى اجله . كل معدودٍ منقض وكل متوقع آت .
(ومن كلامه) الحكمة ذالة لين لمسها والسم ناقعٌ في جوفها يهوي اليها الغر [٩] الجاهل ويحذرها ذو اللب العاقل [١٠] .
وسمع رجلاً يضحك فقال: كان الموت فيها على غيرنا كتب.
وكان الحقّ فيها على غيرنا رجل.
وكان الذين نرى من الاموات سقرٌ عما قليل الينا راجعون. نبوثهم اجداثهم وتأكل تراثهم.
قد نسينا كل واعظة وامنا كل جائحة طوبى لمن ذل في نفسه وطاب كسبه وصلحت سريرته وحسنت خليقته وانلق الفضل من ماله وامسك الفضل من لسانه وعزل عن الناس شره ووسعته السنة ولم ينسب الى البدعة [١١] .
(ومن كلامه) المرء مخبوء في طي لسانه لا في طيلانه . هلك امروء لم يعرف قدره.
(ومن كلامه) قال لسائل سأله: أكان مسيرك الى الشام بقضاء من الله وقدّره ويحك ألعلك ظنات قضاء لازماً وقدراً حاتماً ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد [١٢] .
ان الله سبحانه امر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً وكلّف يسيراً ولم يكلّف عسيراً واعطى على القليل كثيراً ولم يعصى مغلوباً ولم يطع مكرهاً ولم يرسل للانبياء نعيباً ولم ينزل الكتب للعباد عبثاً ولا خلق السماوات والارض وما بينهما باطلاً . ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.
(وقال) من اصلح ما بينه وبين الله اصلح ما بينه و بين الناس ومن اصلح امر اخوته اصلح الله له امر دنياه ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ.
(وقال) ان اقوى الناس من قدر على الذنوب وتركها.
(وقال) الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يرينهم من روح الله ولم يؤمنهم من مكر الله [١٣] .
(وقال) ليس الخير وان تباهي الناس بعبادة ربك فان احسات حمدت الله وان اسأت استغفرت الله.
وعن نوف البكالي[١٤] قال: رأيت امير المؤمنين كرم الله وجهه ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر الى النجوم. فقال: يا نوف أراقد انت ام رامق. فقلت: بل رامق يا امير المؤمنين . فقال: يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الرغبين في الآخرة اولئك قوم قد اتخذوا الارض بساطنا وترابها فراشاً وماءها طيبا والقرآن شعاراً والدعاء دثاراً ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح(عليه السلام).
(وقال) لا غنى كالعقل ولا فقر كالجهل .
(وقال) المال مادة الشهوات.
ولا مال أعوذ من العقل[١٥] ولا وحدة أوحش من العجب ولا عقل كالتدبير ولا كرم كالتقوى ولا قرين كحسن الخلق ولا ميراث كالادب ولا قائد كالتوفيق ولا تجارة كالعمل الصالح ولا ربح كالثواب ولا ورع كالوقوف عند الشبهة ولا زهد كالزهد في الحرام ولا علم كالتفكر ولا عبادة كاداء الفرائض ولا ايمان كالحياء والصبرولا حسب كالتواضع ولا شرف كالعلم ولا مظاهرة اوثق من مشاورة.
(وقال) ان الله ملاكاً ينادي كل يوم: لدوا للموت واجمعوا للفناء وابنوا للخراب [١٦] .
اقطعوا علائق الدنيا واستظهروا بزاد التقوى.
(وقال) عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب ويفوته الغنى الذي اياه طلب فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الاغنياء..
وعجبت للمتكبر الذي كان بالامس نطفة ويكون غداً جيفة.
وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى الموتى وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء [١٧].
(وقال) من قصر في العمل ابتلي بالهم ولا حاجة لله فيمن ليس لله في نفسه وماله نصيب.
(وقال) من قصر في العمل ابتلي بالهم ولا حاجة لله فيمن ليس لله في نفسه وماله نصيب.
(وقال) توقوا البرد من اوله وتاقوه في آخره فانه يفعل في الابدان كفعله في الاشجار اوّله يحرق وآخره يورق.
(وقال) وقد رجع من صفين [١٨] الى الكوفة فنشرف على القبور بظاهر الكوفة: "يا اهل الديار الموحشة والمحال المقفرة والقبور المظلمة يا اهل التربة يا اهل الغربة يا اهل الوحشة انتم لنا فرطاً سابق ونحن لكم تبع لاحق اما الدور فقد سكنت واما الازواج فقد نكحت واما الاموال فقد قست هذا خبرنا عندنا فما خبرنا عندكم".
ثم التفت الى اصحابه فقال: أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم ان خير زاد التقوى .
(وقال) اذا تمّ العقل نقص الكلام. (وقال) من نصب نفسه للناس اماماً فعليه ان يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه [١٩].
ويلي هذا قول عني لمن ذمّ الدنيا بعد ان اختر بضرورها.
وليس فيه اختلاف عن رواية نهج البلاغة (٢٣: ٦١) راجع ايضاً كتابنا علم الادب (ص١٥٩ الجزء الاول) .
وقال أحبب حبيبك هونا ما عسى ان يكون بغيضك يوماً ما وابغض بغيضك هونا ما عسى ان يكون حبيبك يوماً ما.
وسئل عن القدر فقال: طريق مظلم فلا تسلكوه وبحر عميق فلا تلجوه وسر الله فلا تتكلّموه .
(وقال) أن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسييلان مختلفان فمن احب الدنيا وتولاها ابغض الآخرة وعاداها. وهما بمنزلة المشرق والمغرب وهو ماشٍ بينهما كلما قرب من واحد بعد من الآخر وهما بعد ضرتان [٢٠] .
(ومن كلامه) من كثر كلامه كثر خطاؤه ومن كثر خطاؤه قل حياؤه ومن قلّ حياؤه قل ورعه ومن قلّ ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار.
(وقال) من اكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير.
(وقال ايضاً) هلك خزانو الاموال وهم احياء والعلماء باقوت ما بقي الدهر .
(وقال) من علم أن كلامه من عمله قل كلامه الاّ في ما يعنيه .
(وقال ايضاً) زين الشريف التواضع وحلية المؤمن الورع وكمال الغنى السخاوة وقيمة كل امرىء ما يحسنه.
(ومن كلامه ايضاً) انه قال: خمس لو ضربتم فيهنّ اكباد الابل لم تصيبوهنّ الا عندي: ألا لا يتقين احدكم الا ربّه ولا يخافن الاّ ما نبه ولا يستحين من لا يعلم ان يتعلّم ولا يستحين من اذا سئل عمّا لا يعلم ان يقول لا اعلم. والصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد فان الرأس اذا ذهب هلك الجسد وما دخل اهل الجنّة الجنة الاّ بالصبر [٢١] .
(وقال) نور الحكمة في الجوع [٢٢] ورأس الدين ترك الدنيا. والقربة الى الله تعالى حبّ المساكين والبعد من الله تعالى الشبع فلا تشبعوا فيطفاً من قلوبكم نور الحكمة.
(وقال) ألا انّ اولياء الله ما قالوا سعة رحمة الله وغفرانه بكثرة العبادة فقط ولكن نالوها بسخاوة النفس والاستهانة بالدنيا.
(وقال) انّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع.
(وقال) ابناء اللئام اذا تعلموا تكبّروا وابناء الكرام اذا تعلّموا تواضعوا .
سال كميل بن زياد النخعي امير المؤمنين علي بن ابي طالب عن الحقيقة فقال: ما لك والحقيقة . قال: أو لست صاحب سرّك . قال: بلى ولكن ترشح عليك مما يطفح مني. قال: أو مثلك تجيب سائلاً . فقال علي: الحقيقة كشف سحاب الجلال من غير اشارة. قال: زىني فيه بياناً . قال: هتك الستر لغلبة السرّ. قال: زىني فيه بياناً . قال: نورٌ يشرق من صبح الازل فتلوح على هياكل التوحيى آثارة قال: زىني فيه بياناً . قال: اطفىء السراج فقد طلع الصبح. قالت الحكماء: الحكمة (الحقيقة) عبارة عن اتقان الاشياء علماً وعملاً بحيث يوىي الى السعادة العظمى وما يتعلّق منها بالعلم نظري وعمليٌ وما يتعلق بالعمل خلق وفعل فالفائز بهذه الامور حكيمٌ وبالنظري عالم وبالعملي عاقل وبالخلق على وفق النهج العملي متعلق وبالفعل على وفق النهج للخلق متطبع ، فمن امعن في العلم وقصّر في العمل فهو مذموم كالصبيب يدبّر نفسه بخلاف علمه. ومن تمت كان الاوائل يمنعون عن تعليم الجزء النظري الا لمن هذّب نفسه بالجزء العملي ولله درّ القائل:
يا من تفاعد عن مكارم خلقه ***** ليس التفاخر بالعلوم الفاخرة
من جنب علمه اخلاقه ***** لم يشفع بعلومه في الآخرة
وروي عن علي بن ابي طالب كرم الله وجهه:
من حلم ساد ومن ساد استفاد ومن استحيا حرم.
ومن هاب خاب .
ومن طلب الرأسة صبر على مضض السياسة.
ومن ابصر عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره.
ومن تعرّى عن لباس التقوى لم يستتر بشيء من اللباس.
ومن رضي يرزق الله لم يحزن على ما في يدي غيره .
ومن سلّ سيف البغي قتل به .
ومن احتفر لاخيه حفرة وقع فيها .
ومن نسي زلته استعظم زلّة غيره.
ومن اقتحم اللجج غرق.
ومن اعجب برأيه ضلّ .
ومن تكبّر على الناس ذل ومن تعمّق في العمل ملّ.
ومن صاحب الانذال حقر ومن جالس العلماء عزّ .
ومن دخل مدخل السوء اتّهم .
ومن خشي الله فاز.
ومن حسن خاتمه سهل طريقه .
(ثم قال) ايّاكم ومعاداة الرجال فانهم لا يخلون من ضربين عاقل يشكل بكم او جاهل يعجل عليكم .
(ومن كلامه) كفى بالعلم شرفاً انه يدعيه من لا يحسنه ويفرح اذا نسب اليه . وكفى بالجهل خمولا انه يتبرّأ منه من هو فيه ويغضب اذا نسب اليه .