قَال عليه السلام: كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ [١] ، لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَلاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ.
وقَالَ عليه السلام: أَزْرَى [٢] بِنَفْسِهِ مَنِ [٣] الطَّمَعَ، وَرَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ ضُرَّهُ، وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ [٤] عَلَيْهَا لِسَانَهُ.
وقَالَ عليه السلام: الْبُخْلُ عَارٌ، وَالْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ، وَالفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ، وَالْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ [٥].
وقَالَ عليه السلام: الْعَجْزُ آفَةٌ، وَالصَّبْرُ شَجَاعَةٌ، وَالزُّهْدُ ثَرْوَةٌ، وَالْوَرَعُ جُنَّةٌ [٦] ، وَنِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَى.
وقَالَ عليه السلام: الْعِلْمُ وِرَاثَهٌ كَرِيمَةٌ، وَالْأَدَبُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ، وَالْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ.
وقَالَ عليه السلام: صَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ، وَالْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ الصيد، ومثله الأحْبُول والاحْبُولَة ـ بضم الهمزة فيهما ـ وتقول: حَبَلَ الصيدَ واحتبله، إذا أخذه بها." [٧] الْمَوَدَّةِ، وَالْإِحْتِمالُ [٨] قَبْرُ العُيُوبِ.
وروي عنه عليه السلام أنّه قال في العبارة عن هذا المعنى أيضاً: الْمُسَالَةُ خَبْاءُ الْعُيُوبِ، وَمَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْهِ.
وقَالَ عليه السلام: الصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ، وَأَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي عَاجِلِهِمْ، نُصْبُ أَعْيُنِهِمْ فِي آجالِهِمْ.
وقال عليه السلام: إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ.
وقال عليه السلام: خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ.
وقال عليه السلام: إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
وقال عليه السلام: أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الْإِخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ.
وقال عليه السلام: إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ [٩] فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا [١٠] بِقِلَّةِ الشُّكْرِ.
وقال عليه السلام: مَنْ ضَيَّعَهُ الْأَقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ [١١] الْأَبْعَدُ.
وقال عليه السلام: مَا كُلُّ مَفْتُونٍ [١٢] يُعَاتَبُ.
وقال عليه السلام: تَذِلُّ الْأُمُورُ لِلْمَقَادِيرِ، حَتَّى يَكُونَ الْحَتْفُ الهلاك." [١٣] في التَّدْبِيرِ.
وسئل عليه السلام وعن قول النَّبيّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وَسلّم: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ[١٤] ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ».
فَقَال عليه السلام: إِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه وآله ذلِكَ وَالدِّينُ قُلٌّ [١٥] ، فَأَمّا الْآنَ وَقَدِ اتَّسَعَ نِطَاقُهُ [١٦]، وَضَرَبَ بِجِرَانِهِ يضرب به على الأرض إذا استراح وتمكن." [١٧] ، فَامْرُؤٌ وَمَا اخْتَارَ.
وقال عليه السلام: في الذين اعتزلوا القتال معه: خَذَلُوا الْحَقَّ، وَلَمْ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ.
وقال عليه السلام: مَنْ جَرَى فِي عِنَانِ [١٨] أَمَلِهِ عَثَرَ بِأَجَلِهِ بالموت قبل أن يبلغ ما يريد." [١٩] .
وقال عليه السلام: أَقِيلُوا ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَثَرَاتِهِمْ [٢٠]، فَمَا يَعْثُرُ مِنْهُمْ عَاثِرٌ إِلاَّ وَيَدُ اللهُ بِيَدِهِ يَرْفَعُهُ.
وقال عليه السلام: قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ [٢١] ، وَالْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ [٢٢]، وَالْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ.
وقال عليه السلام: لَنَا حَقٌّ، فَإِنْ أُعْطِينَاهُ، وَإِلاَّ رَكِبْنَا أَعْجَازَ الْإِبِلِ، وَإِنْ طَالَ السُّرَى.
قال الرضي: وهذا من لطيف الكلام وفصيحه، ومعناه: أنّا إن لم نعط حقّنا كنا أذلاّء، وذلك أن الرديف يركب عجُزَ البعير، كالعبد والْأَسير ومن يجري مجراهما.
وقال عليه السلام: مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ.
وقال عليه السلام: مِنْ كَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ، وَالتَّنْفِيسُ عَنِ الْمكْرُوبِ.
وقال عليه السلام: يَابْنَ آدَمَ، إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ.
وقال عليه السلام: مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ.
وقال عليه السلام: السَّخَاءُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً، فَأَمَّا مَا كَانَ عَنْ مَسْألَةٍ فَحَيَاءٌ وَ تَذَمُّمٌ [٢٣] .
وقال عليه السلام: أَوْلَى النَّاسِ بِالْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ.
وقال عليه السلام: عَيْبُكَ مَسْتُورٌ مَا أَسْعَدَكَ جَدُّكَ [٢٤] .
وقال عليه السلام: قُلُوبُ الرِّجَالِ وَحْشِيَّةٌ فَمَنْ تَأَلَّفَهَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ.
وقال عليه السلام: قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ، وَصِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ، وَشَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ، عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ.
وقال عليه السلام: احْذَرُوا صَوْلَةَ الْكَرِيمِ إذَا جَاعَ، واللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ.
وقال عليه السلام: لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ [٢٥] الْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَاأَبْغَضَنِي، وَلَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا [٢٦] عَلَى الْمُنَافِقِ عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي: وَذلِكَ أَنَّهُ قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمِ أَنَّهُ قَالَ: يَا عَلِيُّ، لاَ يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ.
وقال عليه السلام طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ الْمَعَادَ، وَعَمِلَ لِلْحِسَابِ، وَقَنِعَ بِالْكَفَافِ [٢٧] ، وَ رَضِيَ عَنِ اللهِ.
وقال عليه السلام لبعض أَصحابه في علّة اعتلّها:
جَعَلَ اللهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حطّاً لِسَيِّئَاتِكَ، فَإِنَّ الْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ، وَلكِنَّهُ يَحُطُّ السَّيِّئَاتِ، وَيَحُتُّهَا حَتَّ والصبر على العلّة: رجوع إلى الله واستسلام لقدره، وفي ذلك خروج اليه من جميع السيئات وتوبة منها، لهذا كان يَحُتّ الذنوب [٢٨] الْأَوْرَاقِ، وَإِنَّمَا الْأَجْرُ فِي الْقَوْلِ بِالّلسَانِ، وَالْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَالْأَقْدَامِ، وَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عَبَادِهِ الْجَنَّةَ.
قال الرضي: وأقول: صدق عليه السلام، إنّ المرض لا أجر فيه، لأنه ليس من قبيل ما يُستحَقّ عليه العوض، لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى بالعبد، من الآلام والأمراض، وما يجري مجرى ذلك، الأجر والثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد، فبينهما فرق قد بينه عليه السلام، كما يقتضيه علمه الثاقب رأيه الصائب.
وقال عليه السلام: لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ، وَقَلْبُ الْأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ.
قال الرضي: وهذا من المعاني العجيبة الشريفة، والمراد به أنّ العاقل لا يطلق لسانه إلاّ بعد مشاورة الرَّوِيّةِ ومؤامرة الفكرة. والأحمق تسبق حذفاتُ لسانه [٢٩] وفلتاتُ كلامه مراجعةَ فكره [٣٠] ومماخضة رأيه [٣١] ، فكأن لسان العاقل تابع لقلبه، وكأن قلب الأحمق تابع للسانه.
وقد روي عنه عليه السلام هذا المعني بلفظ، آخر وهو قوله: قَلْبُ الْأَحْمَقِ فِي فَيهِ، وَ لَسَانُ الْعَاقِلِ فِي قَلْبِهِ. ومعناهما واحد.
وقال عليه السلام: لاَ قُرْبَةَ بِالنَّوَافِلِ [٣٢] إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِضِ.
وقال عليه السلام: لِإِبنه الحسن عليه السلام: يَا بُنَيَّ، احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَأَرْبَعاً، لاَ يَضُرَّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ: إِنَّ أَغْنَى الْغِنَىُ الْعَقْلُ، وَأَكْبَرَ الْفَقْرِ الْحُمْقُ، وَأَوحَشَ الْوَحْشَةِ الْعُجْبُ [٣٣] ، وَأَكْرَمَ الْحَسَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ. يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْأَحْمَقِ، فَإِنَّهُ يُريِدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ. وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْبَخِيلِ، فَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَنْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ. وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْفَاجِرِ، فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِهِ [٣٤]. وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْكَذَّابِ، فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ [٣٥] يُقَرِّبُ عَلَيْكَ الْبَعِيدَ، وَيُبَعِّدُ عَلَيْكَ الْقَرِيبَ.