أكد الباحث الإيراني الشيخ الدکتور "محمد علي مهدوي راد" في حوار خاص مع موقع"شفقنا" علي أن السيد الرضي کتب نهج البلاغة کمدونة وميثاقاً للقواعد السياسية، وقال: لو ألقينا نظرة للعصر الذي کان يعيش فيه السيد الرضي ودوره الاجتماعي والسياسي، أعتقد بأن السيد الرضي دوّن نهج البلاغة کمدونة ووثيقة للسلوك السياسي والجتماعي ولادارة الدولة آنذاك.
وأعتقد ايضا بأن الحکومة ألقت القبض علي السيد بدون أي ضجة وصياح وانتهت به الي القتل والشهادة، إذن يُعدّ السيد الرضي من شهداء تاريخ الاسلام. بالطبع لهذه القضية مستمسكات خاصة يجب الالتفات اليها أکثر من ذي قبل.
وصرح سماحته، بان العالم واستاذ التاريخ الاسلامي، الاستاذ المرحوم "علي دواني"، عندما کتب عن تأريخ السيد الرضي بعد دراسة تبلغ الـ٢٠ سنة، أشار لهذه النقطة في الطبعة الخامسة لکتابه، بأنهم قتلوا السيد الرضي، والسيد الرضي من حيث المنزلة الاجتماعية کان نقيب النقباء. واستمرت عقيدة النقابة الي ما بعد عصر السيد الرضي واذا اعطيناها (النقابة) عنواناً عصرياً فهي «دولة في دولة»أي تختلف کل الانظمة السياسية والاجتماعية المتعلقة بالسادات مع السلطة في العالم الاسلامي بأسره. علي سبيل المثال اذا کان في قرية خمس بيوت للسادة کان احدهم نقيباً يراقب امورهم الاجتماعية والسياسية والاخلاقية وهکذا تجتمع السادة من کل اقطار العالم الاسلامي وينتخبون نقبيباً علي مستوي العالم الاسلامي بأسره ويعبّر عنه بـ"نقيب النقباء"، كما ان قدرته تضاهي قدرة الحاکم وکان السيد الرضي يتمتع بتلك المنزلة آنذاك.
وقال السيد مهدوي راد في مستمر حديثه مع موقع شفقنا، ان احد المرافقين والاصدقاء للسيد الرضي کان رجلاً مسيحياً وشاعراً وكبيراً في قومه، وينشد الشعر للسيد الرضي ويقول له «بأني أراك يوماً من الأيام تجلس علي عرش الخلافة فإذا وصلت إلي تلك المنزلة لا تنسي أولادي»وقال السيد في جوابه «اذا أوصلني الله سبحانه وتعالي إلي تلك المکانة سأوفي بما وعدتك».
اللغة والبيان والاسلوب التي تبنّاه السيد الرضي من کلمات الامام لا يختص بذلك الزمان بل يعم کل الازمنة
واشار سماحته الي مقولة احد المفکرين اللبنانيين الذي اعتبر نهج البلاغة مدونة لقواعد السلوك السياسي وکثيرا ما تطرقت للامور السياسية وقليلا ما تطرقت للموعظة او النصيحة وقال: علي الرغم من طريقة السيد في اختصاره للمباحث لکنه فيما يتعلق بالامور السياسية لم يقتصر کلمات الامام علي (عليه السلام) بل يأتي بکل إسهاب کعهده (عليه السلام) لمالك الاشتر الذي يُعدّ قانوناً للحاکم والحکومة بمعناه الحقيقي ولم يحذف منه شيئاً وهکذا الخطب المهمة کخطبة الـ٣١ التي تتعلق بالمسائل السياسية و الاجتماعية والثقافية لم ينقص منها شيئاً لأن هدف السيد کان تدوين وثيقة للقواعد والقوانين وعلينا ان لا ننظر لنهج البلاغة بنظرة ضيّقة ومحدودة.
و اشار مهدوي راد للفرق الشاسع الموجود في ما بين نهج البلاغة وجميع النصوص الدينية التي تطرقت الي القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية وشوؤن الدولة، قائلاً: کل ما نري في نهج البلاغة هو ميراث السنوات الأربعة والتسعة اشهر التي حکم فيها الامام أمير المؤمنين (عليه السلام). واتفق القول بان السيد الرضي، اللغة والبيان والاسلوب التي تبنّاه من کلام الامام علي (عليه السلام) لا يختص بذلك العصر بل يتعلق بکل العصور.
وأشار سماحته الي خطبة من خطب نهج البلاغة لإيضاح البحث وقال: قال الامام (عليه السلام): "فليست تصلحُ الرعية الاّ بصلاح الولاة، ولا تصلحُ الولاة الاّ باستقامة الرعية، فاذا أدّت الرّعية الي الوالي حقّهُ، وأدّي الوالي إليها حقّها عَزّ الحقُ بينهم"، وعندئذٍ تحدث عدة امور:
١) قامت مناهج الدين
٢) واعتدلت معالم العدل
٣) وجرت علي أذ?لالِها السّنَنُ
٤) فصلحَ بذلك الزمان
٥) وطمع في بقاء الدّولة
٦) ويئست مطامع الاعداء
وإذا غلبت الرّعية واليها أو أجحفَ الوالي برعيّتة، إختلفت هنالك الکلمة، وظهرت معالم الجور، وکثر الإدغال في الدين، و تُرکت محاجُّ السّنن فعملَ بالهوي، وعطّلت الاحکام.
حکم الامام علي (ع) لم يكن من منطلق العصمة وعلمه بالغيب بل حکم کحاکم عادل لا کحاکم معصوم .
وصرح هذا الاستاذ الحوزوي والجامعي لموقع "شفقنا"، انه قلت هذا الکلام لکي يتضح الفرق بين نهج البلاغة وسائر نصوصنا الدينية. ويقول البعض «هذه العبارات تختص بعصر حکومة الامام علي (عليه السلام) کإمام معصوم ولا ينبغي الاستشهاد بها»، القائلين بهذا الکلام عليهم أن ينتبهوا بان الامام علي (عليه السلام) ما حکم في نهج البلاغة من منطلق العصمة وعلمه بالغيب، بل حکم کحاکم عادل لا کحاکم معصوم! لانه اذا کان غير ذلك لم يقل لمن لم يلتزم في مسؤوليته «ما کان ابوك إمرءَ سوءٍ، غشني طيب ابيك وانتخبتك لهذه المسؤولية»!اذن لو کان الامام يعمل حسب العصمة وعلمه بالغيب لابد وأن يعلم ما کان يضمر هذا الرجل!
واشار سماحته الي ما جاء في کتاب "الحياة" المجلد التاسع لمؤلفيه الاخوان حکيمي أي الاستاذ محمد رضا حکيمي واخويه الآخرَينِ، قائلا: اکثر مواضيع هذا الکتاب مأخوذة من نهج البلاغة وادعو الجميع للتأمل فيه.
وحريٌ بنا ان نترحم علي روح المرحوم جواد فاضل الذي برغم الاشکالات الجزئية الموجودة في ترجمته، رغّب الناس ولاسيما الشباب الي قراءة نهج البلاغة، ومع النقصان الموجود في هذه الترجمة وامتزاجها بآرائه الشخصية، لکن نثره الطلق والعقلاني والشفاف أصبح حافزاً لاقبال الناس وحثهم لمطالعة هذا الکتاب الفريد، فلذا نترحم عليه ونجّله اطيب اجلال.
وأشار سماحته الي ترجمة المرحوم "السيد علي النقي فيض الاسلام" لنهج البلاغة بأنها ترجمة اکاديمية وعلمية وقال: ترجمة فيض الاسلام، هي أدق ترجمة لنهج البلاغة حتي يومنا هذا، وفيما أتذکر في مؤتمر إنعقد من قبل مجموعة منهم الفقيد الدکتور السيد جعفر شهيدي ومحمد جواد شريعت وأنا ومجموعة أخري من العلماء في مقارنة لترجمة فيض الاسلام مع الترجمات الاخري، توصلنا الي هذه النتيجة بأن ترجمة فيض الاسلام لازالت هي أدق ترجمة لنهج البلاغة وقليلا ما تجد بعد الثورة الإسلامية في ايران من يقوم بترجمة لنهج البلاغة ولا يکون مصدره الأم هي ترجمة فيض الاسلام.
وإستمر خريج الحوزة العلمية في مدينتي مشهد وقم في حديثه، قائلا: لو رجعنا الي قبل٦٠ سنة قليلا ما نجد أحدا من العلماء من هو عارف بما في نهج البلاغة. وأشار الي إحدي ذکريات الشهيد مطهري عندما کان في اصفهان وکان الميرزا علي الشيرازي، يدرس نهج البلاغة وهو من أوتاد العلماء حيث کان السيد البروجردي يجلس عند منبره، «کنت (الشهيد مطهري) أمتنع عن الحضور وعندما أصرّ عليَ الاصدقاء بالحضور والاستفادة من دروسه کنت أقول لهم نهج البلاغة لا تحتاج حضوراً ويفهمها الجميع ولما کثر إصرارهم عليَ حضرت واستفدت وعلمت بان لنهج البلاغة عالما آخرا».
جاء الشهيد المفكر مطهري بهذا الکلام في مقدمة کتابه "سيري در نهج البلاغه" (في رحاب نهج البلاغة) وأکد بان نهج البلاغة شيئاً فشيئاً سوف يجتاز ثغور الفکر ويدخل الي دراساتنا.
وتطرق الدکتور مهدوي راد، انه لم يستند بعض الفقهاء الي نهج البلاغة لانه ليس له سندا ورواياته مرسلة، و أردف قائلا: انا لا اريد ان انقد طريقة الفقهاء ولکن وللاسف بعض الفقهاء لم يستندوا برواياته لسبب الارسال، بالطبع العلماء والباحثين في الـ٤٠ سنة الماضية بناءً علي نهج الخطيب الحسيني المرحوم عبد الزهراء الکعبي وجدوا سندا ومصدرا لجميع الخطب والرسائل والکثير من الکلمات القصار الموجودة في نهج البلاغة...
واستمر هذا الباحث الديني في حديثه عن نهج البلاغة، بالقول: الشيخ محمد عبده والشيخ علي خان عرشي، من علماء اهل السنة قالا بان «کثير من مقاطع نهج البلاغة لها اسنادٌ متقنة وانها صادرة عن الامام علي (عليه السلام)». وقسم من مقاطعه لا يوجد له سند قطعي، لکنه من حيث الروحي والبلاغي تشبه المقاطع القطعية السند، فلذا کل ما في نهج البلاغة هو قطعي الصدور عن الامام علي (عليه السلام).
واستذكر السيد مهدوي راد، احدي ذکرياته، حيث قال: کنت أحضر في دروس فقيهينِ ومرجعينِ من مراجعنا هما المرحوم گلبايگاني والمرحوم شيخ جواد التبريزي، وقال الگلبايگاني في بعض دروسه عندما کان ينقل جملة من عهد الامام (عليه السلام) الي مالك الاشتر ثم قال «لعدم وجود سند لهذه العبارة فلا يجوز الاستناد بها» وأما الميرزا التبريزي في بعض دروسه أشار الي نفس العبارة واستند بها وقال «إن عهد مالك الاشتر وصل الينا من طريق أصبغ إبن نباته وإستناد الشيخ الطوسي برواية أصبغ هو سند صحيح ومنقول بسند صحيح ولا إشکال بالاستناد بها».
وقال الدکتور مهدوي راد في مستمر حواره مع موقع شفقنا: حکيمي واخوانه في کتاب الحياة بذلوا جهودا تستحق التقدير، أنهم وضعوا نهج البلاغة الي جانب القرآن والروايات والصحيفة السجادية، بالطبع فيما يتعلق بالصحيفة نحتاج الي تفصيل اکثر، لأني اعتقد لو تأملنا في کلام الشهيد مطهري بأن نهج البلاغة قبل ٥٠ سنة ما کان لها دورا في دراساتنا الاسلامية واليوم ايضا الصحيفة السجادية لم تدخل الفکر الاسلامي ولا دراساتنا الاسلامية، مع العلم بان الصحيفة السجادية بحر زاخر من المعارف.
وفيما يتعلق بکتاب الحياة، تابع سماحته القول، بانه جهاز فکري وقال: من المجلد السابع الذي يبدأ بقضايا الانسان، تري فيه العجائب التي تبهت العقول وذکر فيه مئة خصيصة لدولة الصلحاء کلها مأخوذة من نهج البلاغة والصحيفة السجادية، علي سبيل المثال من خصائص الدولة الصالحة في البُعد الاجتماعي وعوامل تعزيز العلاقات الاجتماعية وعامل العدالة والانصاف.
واستمر قائلا: مسألة الانصاف في الروايات من المسائل المحيرة لانه اذا اتخذ المجتمع سبيل الانصاف، يزول النزاع والاختلاف وتأتي الوحدة والاتفاق.
وقال هذا الباحث القرآني، أنه بعد الثورة الاسلامية في ايران، اهتموا کثيرا بنهج البلاغة ولکن حتي الان لا يوجد شرح شامل ومتميز يفهمه الجميع الا شرح آية الله العظمي الشيخ مکارم شيرازي. وفيما يتعلق بتراجم نهج البلاغة لا توجد ترجمة شاملة و متميزة، ولو يطبع الشرح الذي کتبه الگلبايگاني لنهج البلاغة لکان نسخة فريدة لفهم هذا الکتاب.
واشار سماحته الي شرح المرحوم العلامة محمد تقي الجعفري، وقال: من عيوب عمله هو سعة علمه واطنابه في بحوثه، حيث يحتوي شرحه الي ٢٨ مجلد ومع ذلك لم يشرح الا نصف قضايا هذا الکتاب، علي سبيل المثال عندما يشرح عبارة تتعلق بذهن الانسان، تستغرق اکثر من ٨٠ صفحة ولو اردنا ان نجمع ما يرتبط مباشرة بنهج البلاغة لم يستغرق الا ٥ او ٦ مجلدات وبالتالي بقي عمله ناقصا.
واشار الدکتور مهدوي راد، الي شرح المرحوم آية الله السيد محمود الطالقاني، وقال، انه بدأ بشرحه قبل الثورة الاسلامية لکي يشرح نهج البلاغة شرحا موجزا وطلقا وانتهي الي خطبة رقم ٧٠ في مجلد واحد وبعد وفاته استمر بتکملة بحثه السيد محمد مهدي جعفري وسمي ذلك الشرح "پرتوي از نهج البلاغه" (شعاع من نهج البلاغة) وامتاز عمل جعفري بخصلتين، اولاً بذل جهده لاستخراج السند، ثانيا کان جُلّ جهده العثور علي العوامل السياسية والثقافية والاخلاقية التي ادت الي انشاد تلك الخطب والرسائل والحکم.
وتابع حديثه قائلا: نحن نطلق علي الطريقة التي اتخذها الجعفري في علوم القرآن بـ"اسباب النزول" ولکنّ العلماء في علوم الحديث يطلقون عليها بـ"اسباب الورود" وانا ايضا في اطروحة اردت من احد الطلاب علي أن يقف علي الحوافز الاجتماعية والسياسية والثقافية التي من اجلها انشدت تلك الخطب.
وأشار الى ترجمة المرجع آية الله مکارم الشيرازي ومساعديه، وقال أنه جمع "پيام قرآن" (رسالة القرآن) في ١٥ مجلد وهو شرح رائع کتفسيره النموذجي طلق ومُبسّط وعار عن التعقيدات التي أدت الي طبعه حتي الان اکثر من ٢٠ مرة.
وتطرق سماحته الي کثرة شروح نهج البلاغة ولکن مع ذلك لا يوجد شرحا شاملا ومتميزا، وتابع قائلا ربما بعد فترة تجد عند کل استاذ الترجمة الخاصة به.
وقال في استدامة حديثه، علينا أن نتأمل بالترجمات الموجودة لنهج البلاغة، هناك ترجمة کتبت خلال ٨ أشهر لعقد کان عند صاحبها مع بعض الناشرين. وهل يمکن ذلك في تلك المدة؟ الجواب هو بالتأکيد کان استنساخا من الترجمات الاخري.
وتطرق الدکتور مهدوي راد الي ترجمة مصطفي دلشاد طهراني وعبّر عنه بأنه من افضل المترجمين لنهج البلاغة وأنه ترجم نهج البلاغة ترجمةً موضوعيةً، وقال: أعتقد بان الجيل المعاصر هو جيل دراسة وتدوين خلافا لمن يعتقد بان الجيل المعاصر ليس أهل دراسة وتعليم، علي سبيل المثال کتاب کتب في حياة الائمة الاطهار في نحو ١٠٠٠ صفحة وطبع حتي الان اکثر من ٢٩ مرة، او شرح السيد دلشاد لعهد الامام لمالك الاشتر الذي سمّاه "دولت آفتاب" (حكومة الشمس) يطبع مرة في کل سنة. بالطبع نحن نحتاج الي تعدد الشروح لنهج البلاغة، کما قال العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي بالنسبة للقرآن «کل عام نحتاج الي تفسير جديد للقرآن»، وأقول بالنسبة لنهج البلاغة نحتاج الي تعدد الشروح لهذا الکتاب الشريف.