وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                
وقال (عليه السلام): الغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
حواسم من نهج البلاغة – الثاني

السيد سامي خضرة

مواجهة أهل الشقاق والفتنة... والزهد بالزاهد بالجهاد

فإنْ عادوا إلى ظلّ الطّاعة فذاك الّذي نحبّ، وإنْ توافت الاْمور (وافى بعضهم بعضاً واجتمعوا) بالْقوْم إلى الشّقاق والْعصْيان فانْهدْ (قم وانهض) بمنْ أطاعك إلى منْ عصاك، واسْتغْن بمن انْقاد معك عمّنْ تقاعس عنْك، فإنّ الْمتكاره (الكاره للجهاد) مغيبه خيْرٌ منْ مشْهده، وقعوده أغْنى منْ نهوضه (نهج البلاغة، الكتاب ٤). .

شواهد على النهوض والتحرك بأهل الطاعة والولاية لمواجهة أهل الشقاق والخلاف .

والاستغناء عن المشككين الكارهين للجهاد، ما داموا غير مقتنعين أو كانوا مرتابين أو متثاقلين... فضرر ذلك أكبر من نفعهم.

وهذا الكلام جاء بعد إصرار البعض على مخالفته ، وحيث فشلت محاولات الإصلاح، فكان لا بد من النهوض اعتماداً على المخلصين وليس المتكارهين.

تهديد أصحاب المواقف المضلّلة

أمّا بعْد، فإذا أتاك كتابي فاحْملْ معاوية على الْفصْل، وخذْه بالاْمْر الْجزْم، ثمّ خيّرْه بيْن حرْب مجْلية، أوْ سلْم مخْزية، فإن اخْتار الْحرْب فانْبذْ إليْه، وإن اخْتار السّلْم فخذْ بيْعته، والسّلام (نهج البلاغة، الكتاب ٨). .

شاهد لترك التّذبذب وحسم المواقف والخيارات.

من علامات صدقية الاختيار إعلانه على الملأ والالتزام بذلك.

وهذا شاهد فيه تهديد للعابثين بنتائج مزعجة لهم (الجلاء عن الأوطان) أو مخزية.

ومناسبة هذا الكلام رسالة من أمير المؤمنين إلى معاوية حملها جرير بن عبد الله... وفصل الموقف مطلوب كما هو واضح.

الحث على الشجاعة والإقدام

وكان رسول الله إذا احْمرّ الْبأْس، وأحْجم النّاس، قدّم أهْل بيْته فوقى بهمْ أصحابه حرّ السّيوف والأْسنّة، فقتل عبيْدة بْن الْحارث يوْم بدْر، وقتل حمْزة يوْم أحد، وقتل جعفر يوْم مؤْتة، وأراد منْ لوْ شئْت ذكرْت اسْمه مثْل الّذي أرادوا من الشّهادة (نهج البلاغة، الكتاب٩). .

للحث على القوة والشجاعة والاستبسال ... دوماً، وفي مناسبات مختلفة، ومهما كانت الخسائر.

الافتخار والاعتزاز بالجهاد ولوازمه

فأنا أبو حسن قاتل جدّك وخالك وأخيك شدْخاً يوْم بدْر،ذلك السّيْف معي، وبذلك الْقلْب ألْقى عدوّي، ما اسْتبْدلْت ديناً، ولا اسْتحْدثْت نبيّاً، وإنّي لعلى الْمنْهاج الّذي تركْتموه طائعين، ودخلْتمْ فيه مكْرهين (نهج البلاغة، الكتاب ١٠). .

شاهد لصاحب المواقف التاريخية أو الصعبة أو التي تحتاج إلى رباطة جأش وربطٍ للقلوب... والافتخار بأعمال الجهاد والقتل دون خجل .

وكذلك لمنْ كان ثابتاً على مثل هذا، لا يتغير، فالكثير جداً في مجتمعنا والتاريخ منْ يتغير بمال أو منصب.

وفيه شاهد تقريعي أيضاً لمنْ يفرّط في الدين أو يلتزم به لغلبة أو عادة (الموضة، كما يحدث في هذه الأيام!).

والكلام من ضمن حديث طويل موجّه إلى معاوية، ينصحه ويعظه وينبّهه.... ويرد فيه على شبهاته.

عدم الرضوخ للعصبية والعاطفة

وأمّا قوْلك: إنّ الْحرْب قدْ أكلت الْعرب إلاّ حشاشات (بقية الروح في المريض) أنْفس بقيتْ، فمنْ أكله الْحقّ فإلى الْجنّة،منْ أكله الْباطل فإلى النّار (نهج البلاغة، الكتاب ١٧). .

شاهد لعدم التأثر بالكلام العاطفي وتضييع الأهداف الكبرى، والمهم، هو منْ يقاتل في سبيل الحق، مقابل الباطل... وعدم الالتفات إلى أي اعتبارات أخرى.

وهذا جزء من كلام جواباً على رسالة من معاوية له ردّ فيها على شبهات عديدة، وقارن بينه وبينه، مبيّناً الفرق، حيث لجأ معاوية إلى تحريك العصبية مفتخراً بأن بني أمية وهاشم من شجرة واحدة.

غير المسلمين لا يكرّمون... إلاّ إذا حفظوا العهد

ونظرْت فلمْ أرهمْ أهْلاً لأنْ يدْنوْا لشرْكهمْ، ولا أنْ يقْصواْ ويجْفوْا لعهْدهمْ، فالْبسْ لهمْ جلْباباً من اللّين تشوبه بطرف من الشّدّة، وداولْ لهمْ بيْن الْقسْوة والرّأْفة، وامْزجْ لهمْ بيْن التّقْريب والإْدْناء، والإْبْعاد والإْقْصاء، إنْ شاء الله (نهج البلاغة، الكتاب ١٩). .

لسياسة وسط مع غير المسلمين، بين الشدّة واللين

ومناسبة الكلام أن شكا إليه بعض كبار المالكين من غير المسلمين قسوة بعض عماله عليهم، فطلب منهم سياسة لا تكريم فيها، وذلك بسبب شركهم، وهذا التوجيه نظائره كثيرة في الكتاب والسّنّة، ولا فيها إقصاء وجفوة ما داموا يحترمون العهد والاتفاق المعقود بينهم وبين المسلمين.

ثم رسم مع هؤلاء سياسة عامة حتى لا يطمعوا ولا يحقدوا... وتدور بين اللّين والشّدة، والقسوة والرأفة، والتقريب والإبعاد، والإدناء والإقصاء.

الاستهزاء بتهديد العدوّ ووعيده

وذكرْت أنّه ليْس لي ولا لأصْحابي عنْدك إلاّ السّيْف، فلقدْ أضْحكْت بعْد اسْتعْبار متى ألْفيت بني عبْد الْمطّلب عن الاْعْداء ناكلين، وبالسّيوف مخوّفين؟!

فسيطْلبك منْ تطْلب، ويقْرب منْك ما تسْتبْعد، وأنا مرْقلٌ نحْوك في جحْفل من الْمهاجرين والاْنْصار، والتّابعين [لهمْ] بإحْسان، شديد زحامهمْ، ساطع قتامهمْ، متسرْبلين سرابيل الْموْت، أحبّ اللّقاء إليْهمْ لقاء ربّهمْ، قدْ صحبتْهمْ ذرّيّةٌ بدْريّةٌ، وسيوفٌ هاشميّةٌ، قدْ عرفْت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدّك وأهْلك، {وما هي من الظّالمين ببعيدٍ} (نهج البلاغة، الكتاب ٢٨) ..

شاهد للتهكم والاستهزاء بتهديد العدو ووعيده ...

ولتحدي المهدّد مع تأكيده لذلك بأوصاف مرعبة تنخلع منها القلوب.

وللافتخار بتاريخ الإسلام ومعاركه وأمجاده وسيوفه... دون تحفظ.

وهذا الكلام منه جاء ضمن ردود تفصيلية على ادعاءات معاوية راداً عليها واحدة واحدة، ومفنّداً لها بالحجج الدامغة.

إعداد العدة للانقضاض على المخالفين

فها أنا ذا قدْ قرّبْت جيادي، ورحلْت ركابي، ولئنْ ألْجأْتموني إلى الْمسير إليْكمْ، لاوقعنّ بكمْ وقْعةً لا يكون يوْم الْجمل إليْها إلاّ كلعْقة لاعق نهج البلاغة، الكتاب ٢٩. .

يرد هذا الكلام للتعبير عن الاستعداد، وعدم التأخير، فقد قرّب الجياد ليركبها، وشدّ الرحْل على ظهور الإبل.

ولإظهار أنّ ما مرّ لم يكن شيئاً يذكر، أمام ما ينتظر ويتوقّع.

وهذا الكلام جاء في خلال ذكر عفوه عن أهل البصرة، عن مدبرهم ومقبلهم... فإن تمادوا في المخالفة والمنابذة فلهم ما ذكر... مبرّئاً بعضهم من أهل الطاعة وذي النصيحة والبريء والوفي.

تحمل المسؤولية بشدة... والتحذير من البطر والفشل

فأقمْ على ما في يديْك قيام الْحازم الصّليب، والنّاصح اللّبيب، التّابع لسلْطانه، الْمطيع لإمامه.

وإيّاك وما يعْتذر منْه، ولا تكنْ عنْد النّعْماء بطراً ، ولا عنْد الْبأْساء فشلاً، والسّلام (نهج البلاغة، الكتاب ٣٣) ..

لتحمّل المسؤولية بشدّة وحزم.

للتعبير عن الطاعة للقائد أو الأعلى رتبة.

للتنبه عن الأخطار التي توجب الاعتذار

وللتحذير من مرض يصيب الكثرة من أهل النّعم فيبطرون من شدة سكْرهم وغفلتهم .... وهم في الشدة ضعاف فاشلون.

وهذا ختام كلام أرسله الى عامله على مكة قثم بن العبّاس، يلفت فيها إلى معلومات وصلته عن مجموعة أرسلها معاوية لبث الفتنة في موسم الحج... فيطيعون المخلوق في معصية الخالق، ويتبوّأون الدنيا بالمتاجرة بالدين، ويشترون العاجل بالآجل،... إلى أن يأتي بالكلام الشاهد بين يديك.

البروز أمام الخصم وإظهار القوة

فأصْحرْ لعدوّك، وامْض على بصيرتك، وشمّرْ لحرْب منْ حاربك، وادْع إلى سبيل ربّك، وأكْثر الاسْتعانة بالله يكْفك ما أهمّك، ويعنْك على ما نزل بك، إنْ شاء الله (نهج البلاغة، الكتاب ٣٤) ..

للبروز أمام الخصم وعدم التستر للاستعداد للمواجهة.

وللجوء إلى الله تعالى فهو الكافي والمعين والكهف الحصين...

ومناسبة الكلام مدح لمحمد بن أبي بكر والأشتر... ثم يوجّه الكلام مباشرة للأول لإظهار القوة والبأس والمضي في الحرب والجهاد، دعوةً الى الله تعالى الذي له مرجع الأمور كلّها.

الإيمان الراسخ بالمبدأ وليس بالكثرة والقلّة

وأمّا ما سألْت عنْه منْ رأيي في الْقتال، فإنّ رأْيي قتال الْـمحلّين حتّى ألْقى الله، لا يزيدني كثْرة النّاس حوْلي عزّةً، ولا تفرّقهمْ عنّي وحْشةً (نهج البلاغة، الكتاب ٣٦) ..

شاهد للموقف الواضح من أهل الضلالة والمنكر... دون حسابات يتستر وراءها المتخاذلون والمجبّنون.

ومناسبة الكلام، رسالة إلى أخيه عقيل بن أبي طالب يذكر فيها ما حدث لجيش أنفذه لقتال بعض المفسدين، ويذكر عتبه وتذمّره على قريش.... إلى أنْ يعلن أنه لا يستسلم ولا ينقاد ولا يقرّ للظلم ولا يخيفه قلة الناس من حوله.

رجل شديد مقدام

أمّا بعْد، فقدْ بعثْت إليْكمْ عبْداً منْ عباد الله عزّ وجلّ، لا ينام أيّام الخوْف، ولا ينْكل عن الاْعْداء ساعات الرّوْع، أشدّ على الْفجّار منْ حريق النّار (نهج البلاغة، الكتاب ٣٨) ..

شاهد لتزكية رجلٍ ما معروف بشجاعته وشدّته

وهذا الكتاب أرسله عليٌّ لأهل مصر لمّا ولّى عليهم الأشتر، وفيه مدح لهم وله... ثم يأمر بطاعته فهو سيف من سيوف الله، وأدرى بالمصالح والإقدام والإحجام...

وفي هذه الرسالة مدحٌ كبير لصفات مالك الأشتر، فلتراجع.

وعيدٌ لفلان بذاته

فإنْ يمكّني الله منْك ومن ابْن أبي سفْيان أجْزكما بما قدّمْتما (نهج البلاغة، الكتاب ٣٩) ..

ينفع لتهديد شخص بعينه...

والكلام موجّه لعمرو بن العاص، حيث يؤنّبه على التذلل لمعاوية واتّباعه، وهو مفضوح المسلك، وظاهر ذلك للعيان... طمعاً في بعض عطاياه.

وفي هذا خسارة للدنيا والآخرة.

خيانة بعض المقرّبين المقرّبين!

أمّا بعْد، فإنّي كنْت أشْركْتك في أمانتي، وجعلْتك شعاري وبطانتي، ولمْ يكنْ منْ أهْلي رجلٌ أوْثق منْك في نفسي، لمواساتي وموازرتي وأداء الاْمانة إليّ.

فلمّا رأيْت الزّمان على ابْن عمّك قدْ كلب، والْعدوّ قدْ حرب، وأمانة النّاس قدْ خزيتْ، وهذه الاْمّة قدْ فنكتْ وشغرتْ (من فنكت الجارية إذا صارت ماجنة، وشغرت لم يبق فيها من يحميها) ، قلبْت لابْن عمّك ظهْر الْمجنّ، ففارقْته مع الْمفارقين، وخذلْته مع الْخاذلين، وخنْته مع الْخائنين،... فإنّك إنْ لمْ تفْعلْ ثمّ أمْكنني الله منْك لأعْذرنّ إلى الله فيك، ولاضْربنّك بسيْفي الّذي ما ضربْت به أحداً إلاّ دخل النّار! (نهج البلاغة، الكتاب ٤١) ..

شاهد على الخائن للأمانة.. وللمنكر للمعروف.. الفاقد للوفاء

وهذا الكتاب فيه كثير ألم وعتاب على منْ خان الأمانة، وأنكر نعمة القرب والتفضيل على الغير، الذي انقلب عندما تغيّرت الأحوال، وهانت الأمانة، وشاع المجون (فنكت وشغرت)، ونقل البندقية من كتف الى آخر (قلبت لابن عمك ظهر المجنّ، ففارقته مع المفارقين، وخذلته مع الخاذلين، وخنته مع الخائنين)

فكأنه لا يعرف جهاداً ولا آخرة ولا حساباً ولا حلالاً ولا حراماً... فإقامة الحد عليك مبرّرة عند الله تعالى.

التهاون في حق الله تعالى... خسارة مدوّية

فوالّذي فلق الْحبّة، وبرأ النّسمة، لئنْ كان ذلك حقّاً لتجدنّ بك عليّ هواناً، ولتخفّنّ عنْدي ميزاناً، فلا تسْتهنْ بحقّ ربّك، ولا تصلحْ دنْياك بمحْق دينك، فتكون من الاْخْسرين أعْمالاً (نهج البلاغة، الكتاب ٤٣) ..

شاهد لمنْ لا يحترم بسبب قبيح أعماله

والكتاب موجّه لأحد عماله الذي بلغه عنه أنّه يتهاون في التصرف بأموال المسلمين، وما في ذلك من غضب لله تعالى، وللمسلمين الذي بذلوا الدماء والتضحيات...

ومنْ يفعل ذلك يسقط من مقامه، ويزول عن احترامه... حيث لا تصلح الدنيا بإهلاك الدين.

حالات لا تنفع معها إلاّ الشدّة

فاسْتعنْ بالله على ما أهمّك، واخْلط الشّدّة بضغْث من اللّين، وارْفقْ ما كان الرّفْق أرْفق، واعْتزمْ بالشّدّة حين لا تغْني عنْك إلاّ الشّدّة (نهج البلاغة، الكتاب ٤٦) ..

شاهد لبعض الحالات التي لا تنفع معها إلاّ الشّدة

وهذه فقرة من كتاب وجّهه إلى بعض سفرائه المخلصين، الذين يستعين بهم على إقامة الدين، وردّ المعتدين عن ثغور المسلمين...

ويظهر من مضمون الرسالة أنّ عامله هذا كان متواضعاً، فيزيده وصية بخفض الجناح للناس، وبسط الوجه، والمساواة في النظرة والتحية، حذراً من طمع العظماء، وأذية الضعفاء.

وفي الشاهد، استعانة بالله جلّ جلاله، وخلط الشدة باللين....

لكنْ في بعض الأحيان لا ينفع إلاّ الحسم.

لا تهاون في عقاب المنحرف

فإنْ أنْتمْ لمْ تسْتقيموا لي على ذلك لمْ يكنْ أحدٌ أهْون عليّ ممّنْ اعْوجّ منْكمْ، ثمّ أعْظم له الْعقوبة، ولا يجد عنْدي فيها رخْصةً (نهج البلاغة، الكتاب ٥٠) ..

لا تهاون ولا عذْر في عقاب المنحرف

وسياق هذا الكلام، رسالة له الى أمراء الجند ومسؤولي الثغور، يوصيهم بآداب الإمرة والتواضع لخدمة العباد والإخوان... ويحدّد بعض الواجبات على كلا الطرفين...

فمن انحرف عن الجادّة، هان أمره، وذهبت حظوته، لتـنزل في حقّه العقوبة، دون رخصة.

لسلب الأعداء والخائنين عناصر القوة

إلاّ أنْ تجدوا فرساً أوْ سلاحاً يعْدى به على أهْل الإْسْلام،فإنّه لا ينْبغي للْمسْلم أنْ يدع ذلك في أيْدي أعْداء الإْسْلام، فيكون شوْكةً عليْه (نهج البلاغة، الكتاب ٥١) ..

فالكتاب موجّه أصلاً إلى عمّاله المخوّلين جمع المال، فيوصيهم بآداب الجمع، وطريقة التعامل مع الناس، والحفاظ على حقهم، وعدم اضطرارهم لبيع حاجاتهم لأداء ما عليهم.... حتى مع المعاهد الذّمي، الذي يفي بالعهد ولا ينقض المواثيق وقوانين المجتمع الإسلامي والأمن العام....

اللهم إلاّ إذا وجد عنده ما يعتدى به على أهل الإسلام، وهذا مخالف طبعاً لعهد الذّمة، فلا يترك له، بل يصادر منه فوراً، لصالح أمير المسلمين، ولا تهاون في ذلك.

عار ونار ... للمصرّ على الباطل

فارْجعا أيّها الشّيْخان عنْ رأْيكما، فإنّ الآن أعْظم أمْركما الْعار، منْ قبْل أنْ يجْتمع الْعار والنّار، والسّلام (نهج البلاغة، الكتاب ٥٤) ..

شاهد للمصر على الباطل من سوء العاقبة في الدنيا... والآخرة

هذا الكتاب موجّه بالأصل إلى طلحة والزبير ينصحهما بالرضوخ للحق، والوفاء بالعهد، لأنّهما بايعاه كما فعل عامة الناس، لا لسلطان غالب، ولا لحرص حاضر.

فيأمرهما بالتوبة والرجوع الى الجادة... أمّا إذا أصرّا على ما هما فيه، فلا حجّة لهما ولا عذر، بل كان له عليهما السبيل، ولا عتب عند ذلك ولا ملامة.

وفي الرسالة لفتات لطيفة تنضح بالثقة والقوة.

إلى أن يصل معهما بعد خروجهما مما أقرّا به، بأنّ غاية ما يقع عليهما اليوم في الدنيا، العار... وأما الوبال الأعظم ففي الآخرة، حيث يجتمع العار والنار.

تهديد بيوم آت...

فإنّي أولي لك بالله أليّةً غيْر فاجرة، لئنْ جمعتْني وإيّاك جوامع الاْقْدار لا أزال بباحتك {حتّى يحْكم اللّه بيْننا وهو خيْر الْحاكمين} (نهج البلاغة، الكتاب ٥٥) ..

للتهديد بيوم آت... أو قسمٌ بأنّ الحق منتصر.

كلام ختم به كتاباً موجهاً الى معاوية يحذّره من تعدياته وجهله وإضلاله الناس... ويبالغ فيه في ذكر الآخرة من وجوه ومواعظ شتّى، وأنّ كلاهما (أمير المؤمنين ومعاوية) بلاءٌ للآخرة وحجّة... إلى أن يصل لقسمٍ صادقة، إنْ جمعتهما الأقدار، أنْ لا يطلق عواهنه حتى يقيم عليه ما يرضي الله تعالى، وهو خير الحاكمين.

للمكابر المعاند الذي يرضخ... متأخراً

فمنْ تمّ على ذلك منْهمْ فهو الّذي أنْقذه الله من الْهلكة، ومنْ لجّ وتمادى فهو الرّاكس الّذي ران الله على قلْبه، وصارتْ دائرة السّوْء على رأْسه (نهج البلاغة، الكتاب ٥٨) ..

شاهد لكل مكابر عنيد

يقصّ في هذه الرسالة حقيقة ما جرى في صفين، حيث ظاهر الجميع الإسلام، في توحيد الله والتصديق برسوله... ولمّا وقع الخلاف، دعاهم لحلّها بسرعة... لكنّهم أصرّوا على المكابرة والمعاندة ثم الحرب!

وبعد عظيم معاناة «أجابوا عند ذلك الى الذي دعوناهم إليه...» !!!

فظهرت الحجّة، وانقطعت المعذرة، فمنْ تمّت توبته، أنقذ من الهلكة، ومنْ تمادى فهو أعمى القلب الضال الفاسد (الراكس)، الذي غلبته ذنوبه(ران)، وورث الهزيمة.

للتحريض على الجهاد

إنّي والله لوْ لقيتهمْ واحداً وهمْ طلاع الاْرْض كلّها ما باليْت ولا اسْتوْحشْت، وإنّي منْ ضلالهم الّذي همْ فيه والْهدى الّذي أنا عليْه لعلى بصيرة منْ نفْسي ويقين منْ ربّي وإنّي إلى لقاء اللّه وحسْن ثوابه لمنْتظرٌ راج....

ألا تروْن إلى أطْرافكمْ قد انْتقصتْ، وإلى أمْصاركمْ قد افْتتحتْ، وإلى ممالككمْ تزْوى، وإلى بلادكمْ تغْزى! انْفروا ـ رحمكم الله ـ إلى قتال عدوّكمْ، ولا تثّاقلوا إلى الاْرْض فتقرّوا بالْخسْف، وتبوؤوا بالذّلّ، ويكون نصيبكم الأْخسّ، وإنّ أخا الْحرْب الأْرق، ومنْ نام لمْ ينمْ عنْه، والسّلام (نهج البلاغة، الكتاب ٦٢) ..

وهذا الكلام المستشهد به، من عيون الحماسة والشجاعة والنّزال... وهو من جملة رسالة لأهل مصر ومالك الأشتر، حيث يشكو من العرب الذين ارتدوا والذين تخاذلوا، ويتعجب من المتصدين لمسؤولية المسلمين وليسوا بأهل، فقام بنصرة الإسلام خوفاً من محْق دين محمد .

إلى أن يتحدى الأعداء في صورة مؤثّرة معبّرة، فهو مستعد لمنازلتهم ولو كان لوحده فرداً، وكانوا يملأون الأرض، فلا يـبالي لذلك ولا يستوحش.

ويظهر كمال المشهد الناطق عندما يرسم ثقته بما هو عليه، من:

هدى وبصيرة ويقين وشوق وثواب (راجع النص).

إلى أن يثير النخوة عندهم في ضياع الأمصار والممالك، فهم أمام أمرين لا ثالث لهما:

إمّا القتال وإمّا الذل.

إرعاب العدو بمشهد حسّي

وعنْدي السّيْف الّذي أعْضضْته بجدّك وخالك وأخيك في مقام واحدٍ... وقريبٌ ما أشْبهْت منْ أعْمامٍ وأخْوالٍ! حملتْهم الشّقاوة، وتمنّي الْباطل، على الْجحود بمحمّدٍ صلّى الله عليْه وآله وسلّمْ فصرعوا مصارعهمْ حيْث علمْت، لمْ يدْفعوا عظيماً، ولمْ يمْنعوا حريماً، بوقْع سيوف ما خلا منْها الْوغى، ولمْ تماشها الْهويْنى (نهج البلاغة، الكتاب ٦٤) ..

تخويف العدو بماضٍ خلا

جواب على رسالة لمعاوية يرد على ادّعاءاته ودخوله فيما لا يعنيه، مستشهداً ببعض الحقائق التاريخية، ومنْ ثبت على الإيمان، ومنْ تخلّف عنه، مذكّراً بوقائع معروفة.

ثم يرعبه بأنّ من توفيق الله تعالى أن يغزوه في بلاده لينتقم منه «فإني إنْ أزرْك فذلك جدير أن يكون الله إنّما بعثني إليك للنّقمة منك».

ويخبره أنّه ما زال محتفظاً بنفس السيف الذي قتل به جدّه عتبة بن ربيعة، وخاله الوليد بن عتبة، وأخاه حنظلة، في يوم بدر، قتلة واحدة أمام كل المسلمين حتى يصل الى منتهى المشهد الهدف الذي يجعل معاوية يتحسس رقبته «وقريب ما أشْبهْت من أعمام وأخوال» ويتمثل مصرعه كما مصارعهم، في سيوف لا تفتقدها ساحات الحرب «ما خلا منها الوغى» ولا تعرف التساهل «ولم تماشها الهويْنى».

للشدة والقوة وإخافة الخصم

وأقْسم بالله إنّه لوْلا بعْض الاْسْتبْقاء لوصلتْ إليْك منّي قوارع، تقْرع الْعظْم، وتهْلس اللّحْم !

واعْلمْ أنّ الشّيْطان قدْ ثبّطك عنْ أنْ تراجع أحْسن أمورك، وتأْذن لمقال نصيحتك، والسّلام لأهْله (نهج البلاغة، الكتاب ٧٣) ..

شاهد لإخافة الخصم

هذا الكتاب أرسله الى معاوية، وفيه تقريع موجع، وتوبيخ مؤلم، حيث يتردد في الإجابة على رسائله، لهوانه وقلّة شأنه...

ثم، وهو محل الشاهد، يقسم بالله العظيم على قدرته في الفتك به، ويؤخّر ذلك لسبب ما، لعلّه حقناً للدماء أو تجنّباً للفتـنة...

ثم يأتي بصورة مرعبة، تـنوء بها الفرائص، وترتعد المفاصل، بأنّه لو أراد، لكسّر عظمه (تقرع العظم)، ودهس لحمه (وتلهس اللحم).

ويوبّخه لطاعته للشيطان الذي يصدّه عن الاستماع للنصيحة، والانصياع للطاعة.

الإصرار على نيل الحق، مهما تعدّدت المصاعب

قال  :

لنا حقٌّ، فإنْ أعْطيناه، وإلاّ ركبْنا أعْجاز الإْبل، وإنْ طال السّرى (نهج البلاغة، الحكمة ٢١) ..

شاهد للسعي وراء الحق، وإن طالت الطريق.

ومعنى الكلام أننا إن لم نحصّلْ حقّنا، لا نتخلىّ عنه ولا نتراجع، بل نتحمل الصعوبات والمشقات للوصول إليه، ذلك أنّ ركوب مؤخّرات الإبل (أعجاز الإبل) مما يشق احتماله لخشونته، ولا يصبر عليه إلاّ القليل...

نتحملّ وإن طال السّرى.

فائدة الجهاد وأثره

قال :

بقيّة السّيْف أبْقى عدداً، وأكْثر ولداً (نهج البلاغة، الحكمة ٨٤) ..

شاهد يردّ فيه على الرافضين للجهاد.

حكمة تحثّ على الجهاد في سبيل الله تعالى بالسيف، وأكثر الناس من يكره الحرب لظنّهم بعاجل ضرره عليهم، وما يترك من آلام ودماء وفقدان.... لكن، لو فكرّوا بالعواقب، واستفتوا بصيرتهم لرأوا أنّ الآجل أبقى وأنمى وأمجد، لأنّ الأولاد والأحفاد يعيشون في أمن وصون، صنعه المجاهدون من قبلهم حيث دافعوا عنهم وحفظوهم وردوا الظلم... أما الأذلاء الهاربون من الجهاد، فيعيشون في الذل، وتنهب خيراتهم، وتستباح بلادهم، ويستضعف أهلهم... ويموت أولادهم وهم أحياء.

الغضب لله سبحانه...

منْ أحدّ سنان الْغضب للّه قوي على قتْل أشدّاء الْباطل (نهج البلاغة، الحكمة ١٧٤) ..

شاهد على بركة وأثر الغضب للّه تعالى

كلمة مختصرة معبّرة عن أثر الغضب لله تعالى إذا انتهكت محارمه أو ظهر المنكر...

فالشائع بين الناس الغضب لأمر شخصي أو خاص، بينما المطلوب في مثل هذه الحالات العفو والصفح لأنّه أقرب للتقوى... أما الحب في الله والبغض في الله، فهو مبدأ إسلامي ينبغي أن يكون حاكماً في سائر مجالات حياتـنا.

فكل منْ أحدّ سنان الغضب قربة واستعانة بالله تعالى قوي على الباطل مهما كان شديداً.

اقتحام ما يخاف منه

قال  :

إذا هبْت أمْراً فقعْ فيه، فإنّ شدّة توقّيه أعْظم ممّا تخاف منْه (نهج البلاغة، الحكمة ١٧٥) ..

شاهد للمواجهة والجرأة

هذه الحكمة هي عمدة علاج بعض الأمراض النفسية في عصرنا، حيث ينصح الأطباء «بالمواجهة»... مواجهة ما يخافه، حتى لا يبقى الوهم مسيطراً عليه فيتعاظم، بينما لو واجه وانتصر، تشجّع في المرات القادمة، وخرج من وسوسته.

وهذا ينطبق على الأماكن والأشخاص والأعمال وغيرها.

فينبغي الخوض فيما خاف منه، لأن التراجع والتوقّي المتكرّر يؤكّد ويعظّم المرض ليعظم فيصبح أكبر من أي خسارة محتملة حال المواجهة.

الردّ على الخصم بالمثل

قال :

ردّوا الْحجر منْ حيْث جاء، فإنّ الشّرّ لا يدْفعه إلاّ الشّرّ (نهج البلاغة، الحكمة ٣١٦) ..

شاهد على المعاملة بالمثل، فالعين بالعين، وهذا متداول اليوم في العلاقات الدبلوماسية.

وذكر «الحجر» كناية عن مقابلة الشر بدفعه مجدداً، أو بمثيله على راميه ليرتدع، وذلك أنّ الظالم المعتدي، في كثير من الأحيان، لا ينتهي إلاّ بإظهار القوة ومقاومته وجبْهه، وهذا مبدأ قرآني معروف، لقوله تعالى:

{أنّ النّفْس بالنّفْس والْعيْن بالْعيْن} (سورة الأنعام المباركة، الآية ٤٥) .

وأيضاً هي قاعدة سياسية دبلوماسية شائعة في هذه الأيام يعبّر عنها «بالمعاملة بالمثل»، لجهة منح التأشيرات والتعامل الجمركي والتمثيل الدبلوماسي والتبادل الاقتصادي...

القوة لردع المنكر

ومنْ أنْكره بالسّيْف لتكون كلمة الله هي الْعلْيا وكلمة الظّالمين السّفْلى، فذلك الّذي أصاب سبيل الْهدى، وقام على الطّريق، ونوّر في قلْبه الْيقين (نهج البلاغة، الحكمة ٣٧٣) ..

شاهد لضرورة توفّر القوة لحماية المقدّسات

وهذا من جملة كلام لمواجهة العدوان وإنكار المنكر المنتشر في المجتمع، وهو كثير ومتعدّد النوع والشكل والأهمية والأثر.

فمنه الإنكار بالقلب، والإنكار باللسان، والإنكار بالسيف حيث لا بد منه عند فشل كل المحاولات السابقة...

لكل ظالم أجل

قال :

إنّ لبني أميّة مرْوداً يجْرون فيه، ولوْ قد اخْتلفوا فيما بيْنهمْ ثمّ كادتْهم الضّباع لغلبتْهمْ (نهج البلاغة، الحكمة ٤٥٨) ..

شاهد على أنّ اللّه تعالى جعل لكل ظالم نهاية.

فكل منْ يستعرض التاريخ وطغاته يرى لكل هؤلاء نهاية، مهما طال ظلمهم وفسادهم.

ونتّعظ، أنّ التاريخ لا يقاس بالسنوات القليلة، بل بالعقود والقرون.

ولبني أميّة أمدٌ محدود، لا بد أن ينتهي، وعندها لو حاربـتْهم الضّباع، وليس الأسود، لهزمتْهم.

(«المرْود» بمعنى الإهمال والانتظار، وهو المضمار الذي يجري فيه البعير).

انتهى .

****************************