وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
حيوية اللغة التضادية في نهج البلاغة

علي حسين الخباز

تسعى اللغة التضادية، إلى تعميق الخطاب الإنساني الساعي، لحمل الوجدان القادر على ملامسة الواقع العام، ليضاعف الطاقة الشعورية المؤثرة، كقوله عليه السلام:
(حَتى يَعُودَ أَسْفَلكمْ أَعْلاكمْ وأَعْلاكمْ أَسْفَلكمْ ولَيَسْبقنَّ سَابقونَ كانوا قَصَّرُوا ولَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقونَ كَانوا سَبَقوا) ولقد سبق معاوية إلى مقام الخلافة، وكان في قصوره عنه بحيث لا يظن وصوله إليه، وآل بيت النبوة لم يبلغوا الخلافة، وكانوا أحق الناس إليها..
ويضاعف هذا التأثير عبر مفارقات ذكية، تحمل سمات الجهد المبدع، كقوله عليه السلام: (إذَا أَقبَلت الدُّنيَا عَلى أَحَد أَعَارَتهُ مَحَاسنَ غَيْره، وإذَا أَدْبَرَت عَنهُ سَلبَتهُ مَحَاسنَ نفسه) وكذلك تتشكل صياغة الخطاب، في ضوء مخزون الواقع السياسي والاجتماعي والحياتي، كقوله عليه السلام:
(وإِنِّي والله لأظنُّ أَنَّ هَؤلاءِ الْقوْمَ سيُدَالون منْكمْ باجتمَاعهمْ عَلى بَاطلهمْ، وتَفَرُّقكمْ عَنْ حَقكمْ) وسيدالون منكم: أي ستكون لهم دولة تذلكم، بذلك السبب القوي، وهو اجتماع كلمتهم، وطاعتهم لصاحبهم، وأداؤهم الأمانة، وإصلاحهم بلادهم، وهو يشير إلى أن هذا السبب متى وجد، كان النصر والقوة معه، ومتى فـُقد ذهبت القوة والعزة بذهابه. فالحق ضعيف بتفرق أنصاره، والباطل قوي بتضافر أعوانه...
وتدور هذه الصياغة في ثنائيات التضاد، لعكس المعطيات العامة، معتمدة على مطاوعة اللغة العربية، وسعة معانيها، لخلق فسحة من البوح الشعوري، عبر جمل سردية، توصله إلى العمق الرؤيوي، لتصوير اللواعج الإنسانية، بآلامها وآمالها بإقدامها ومخاوفها، كقوله عليه السلام:
(فَإنَّ الغايَة أَمَامَكمْ وإِنَّ وَرَاءَكمُ السَّاعَة تَحدُوكمْ تَخَفَّفوا تَلحَقوا فَإنَّمَا يُنْتَظَرُ بأَوَّلكُمْ آخرُكمْ) يقول الشيخ محمد عبده: إن هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله ورسوله: بكل كلام لمال راجحا، وما سمع (تخففوا تلحقوا) اقل منه مسموعا، ولا أكثر منه محصولا، وما ابعد غورها، وانفع حكمتها، والغاية تعني هنا الثواب، ومن أراد اللحاق بالثواب الجزيل، عليه أن يتخفف من الذنوب، ولا يبعث الإنسان للحساب، حتى يرد الآخرون، وتنقضي حياة الإنسان من الأرض..
فالتضاد له علاقة كبيرة بسر الحياة الإنسانية، وهو المحفز لما يؤجج تلك الدوافع، ويراها تشكل الجانب الجمالي، كما يفسره التراث المعرفي، بأن التمييز إنما يكون بالأضداد كقوله عليه السلام: (ضَادَّ النّور بالظلمَة والوُضُوحَ بالبُهْمَةِ والجُمُودَ بالبَلل والحَرُورَ بالصَّرَدِ مُؤَلفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا مُقارِنٌ بَيْنَ مُتَبَاينَاتِهَا مُقرِّبٌ بَيْنَ مُتَبَاعِدَاتِهَا مُفرِّقٌ بَيْنَ مُتَدَانِيَاتِهَا) والصرد يعني: البرد. ومتعادياتها: كالعناصر مثل الجزئين من عنصر واحد في جسمين مختلفي المزاج.
فنجد إن مثل هذه التضادات، تمنح المتعة المتأملة داخل كل ذات، فراحت تنهل من معين القيمة الأسمى تفسيرا لقوله تعالى: (وَنَفْس وَما سَوَّاها * فَأَلهَمَها فجُورَها وَتَقواها).
فاللغة التضادية هي لغة البحث عن القيمة المضمونية (المحور) أي الديمومة التي أشار إليها ابن عربي، والقاضي الجرجاني، والنفري... ويذهب بعض النقاد إلى إن لغة التضاد، تشكل العلاقة الشعورية بين الداخل النصي، والخارج العام (المكونات الواقعية)، كقوله عليه السلام:
(إنكم والله لكَثِير فِي البَاحَاتِ قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ) والباحات: الساحات.
ويرى الجرجاني: إن الإبداع الحقيقي يكمن في عملية توليف بين المتناقضات، فنجد ثنائيات تضادية كثيرة، وردت في نهج البلاغة مثل (أول ×آخر ــــ ظاهر × باطن ــــ عزيز× ذليل ـــ قوي × ضعيف ــ الموت × الحياة ــ القدرة × العجز) ومن تلك المتنافرات يتم انجاز وحدة موضوعية متناغمة، كقوله عليه السلام: (فَيَعْلمُ الله سُبْحَانَهُ مَا فِي الأَرْحَامِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أنْثى وقَبِيحٍ أَوْ جَمِيلٍ وسَخِي أَوْ بَخِيلٍ وشَقِي أَوْ سَعِيدٍ).
وتلك هي ابرز سمات الإبداع، وترى بعض المدارس النقدية، أن نتيجة أي تضاد، سيكون عبارة عن رؤية (وجهة نظر) تعبر عن توترات الواقع، وعلاقاته بين فلسفتي (الولادة - الموت) ومعاناة الوجود، بما يتيح التأثير الفاعل في وجدان المتلقي، كونه ينطلق أساسا، كما يرى نقاد الأدب من الوجدان كقوله عليه السلام: (وقَدْ أَمَرَّ فِيهَا مَا كَانَ حُلوا وكَدِرَ مِنْهَا مَا كَانَ صَفْوا).
وأما أهل الفلسفة، فيرون إن الإنسان نفسه يشكل علاقة بين تضادين؛ عامل ذكوري وعامل أنثوي. بينما أصحاب المدرسة النفسية؛ يجدون إن التضادات، تقع في دائرة المدرك بالحواس، وتقبل الوصف والتفسير، كقوله عليه السلام:
(أَلمْ أَعْمَلْ فِيكُمْ بِالثقَلِ الأَكْبَرِ وأَترُكْ فِيكُمُ الثقلَ الأَصْغَرَ).

والثقل كما يراه الرواة بمعنى: النفيس من كل شيء. وفي الحديث الشريف: (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي) أي: النفيسين...
بينما البعض من أهل النقد، يؤكد إن التضاد انتماء يبحث عن تجاوب شعوري، كقوله عليه السلام: (وإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ ولا حِسَابَ وغَداً حِسَابٌ ولا عَملَ) ومن جماليات هذا التضاد انه دائما يسبب الخروج من المألوف، ومن أسار المنطق إلى النائيات، دون الإيغال في التجريد. بل تزيد في علاقتها بالوجود وبالصفاء من العيش، كقوله عليه السلام: (أَلا وإِنَّهُ مَنْ لا يَنفعُهُ الحَقُّ يَضُرُّهُ البَاطِلُ).

****************************