وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
دراسات في نهج البلاغة

د.علي إبراهيم

أخذت الدراسات حيزا كبيرا في اغلب الرؤيات النقدية، حيث يرى معظم النقاد؛ أن نمط الرؤية يحدد طبيعة النص. وأثارت هذه القضية جدلا واسعاً. فالرؤية هي الطريقة التي يُعبِّر بها المبدع عن افكاره ومشاعره واحاسيسه.

ويرى بعض النقاد: انها تتم عبر ثلاثة محاور أساسية؛

الاول: القضايا الذاتية والموضوعية، التي يعكسها المبدع، وتقع ضمن اطار الحواس، كقوله عليه السلام: (واخْتَلَفَ النَّجْرُ، وتَشَتَّتَ الأَمْرُ، وضَاقَ الْمَخْرَجُ، وعَمِيَ الْمَصْدَرُ) والنـَجْر: الاصل، أي اختلفت الاصول، أي كل يرجع الى اصلٍ يظنه مرجع حق، وما هو من الحق في شيء.

وأما الثاني: فيتمثل في طبيعة الشكل الجمالي، الذي جُسّدت فيه الموضوعات كإطار عام.

وأما المحور الثالث: هو الموقف الفكري، قال عليه السلام: (عِبَادَ الله إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ الله إِلَيْهِ، عَبْداً أَعَانَهُ الله عَلَى نَفْسِهِ، فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ، وتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ) فاستشعر: لبس الشعار، وهو ما يلي البدن من اللباس. وتجلبب: وهو ما يكون فوق جميع الثياب. والحزن: العجز عن الوفاء بالواجب، فهو قلبي لا يظهر له أثر في العمل الظاهر، أما الخوف فيظهر أثره في البعد عما يغضب الله.

فالرؤية تحدِّد لنا نوع البناء الجمالي، ونمط العلاقات، وتـُسفر عن الموقف الخاص الفكري، فهل هناك ارتباط وثيق بين الرؤية الجمالية والفكرية؟

فالموقف الجمالي يرتبط بمنظور المبدع، بينما الموقف الفكري يرتبط بموقفه. ومن ميزة الرؤية الخاصة بنهج البلاغة، أن مبدعه (عليه السلام) يتحدث دائما بضمير المتكلم، فهو يكون بمركز الأحداث، مما يعطي لجمالية الشكل، بـُعداً واقعياً معاشاً ومعاصراً، ينم عن صدق الإحساس تجاه تلك الأحداث، وهذا يتمحور داخل العرض الفكري، مستعيناً بمشاعره وأحاسيسه ورؤاه، كقوله عليه السلام: (فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ والْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ لا يَعْرِفُ بَابَ الْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ ولا بَابَ الْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ وذَلِكَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ). فهو ينقل واقعاً عاشه، وأحس به، فكوَّن رؤياه.

ومن خصوصيات النهج أنه تمحور من خلال الغيبيات المستمدة من الوحي الإلهي للنبي (صلى الله عليه واله وسلم)، فألهمه إليه باعتباره وريثه الشرعي حيث تحدَّث عن بعثة النبي(صلى الله عليه واله وسلم): (ومَا أَنْتُمُ الْيَوْمَ مِنْ يَوْمَ كُنْتُمْ فِي أَصْلابِهِمْ بِبَعِيدٍ. والله مَا أَسْمَعَكُمُ الرَّسُولُ شَيْئاً إِلا وهَا أَنَا ذَا مُسْمِعُكُمُوهُ ومَا أَسْمَاعُكُمُ الْيَوْمَ بِدُونِ أَسْمَاعِكُمْ بِالأَمْسِ ولا شُقَّتْ لَهُمُ الأَبْصَارُ ولا جُعِلَتْ لَهُمُ الأَفْئِدَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِلا وقَدْ أُعْطِيتُمْ مِثْلَهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ ووَ الله مَا بُصِّرْتُمْ بَعْدَهُمْ شَيْئاً جَهِلُوهُ ولا أُصْفِيتُمْ بِهِ وحُرِمُوهُ) يريد أن حالهم كحال من سبقهم من السابقين، وأن من السابقين من اهتدى بهدي الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) فنجا من سوء عاقبة ما كان فيه، ومنهم من جهل فحلَّ به من النكال ما حل.

فتتميز الرؤية المعروضة لنهج البلاغة برؤيا غالباً ما تكون حادة لكونها عاشت تناقضات واقع مريض فتولـَّدت مجموعة وقائع ارتبطت بحياة المبدع ضمن الإطار العام.

وهذه الوقائع كوَّنت عمق الرؤية في ميزتين مهمتين سارتا في نمط واحد، وهما؛ الخسارة: وتعني هنا التضحية. وثمة حزن يساير قوة الشكيمة، فالضعف ليس ناتجاً عن خور بل عن قوة قال عليه السلام: (أَمَا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَظْهَرَنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ عَلَيْكُمْ لَيْسَ لأنَّهُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكُمْ ولَكِنْ لإِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صَاحِبِهِمْ وإِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي ولَقَدْ أَصْبَحَتِ الأُمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا وأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي اسْتَنْفَرْتُكُمْ لِلْجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا وأَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا ودَعَوْتُكُمْ سِرّاً وجَهْراً فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا ونَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا).

وتلك رؤية صعبة لا يمكن التفكير فيها إلا بوضع خاص وإطار تضحوي خاص، فهناك أزمة اجتماعية بسبب هذا التباين الكبير بين الذي يطمح له مبدع النص والواقع الحياتي المعاش فتراه يحاول جاهداً بث رؤاه بما يبذر الأمل في مجتمعه محفزاً له النهوض برؤية تمتلك مقومات متنوعة، منها القوة الإيمانية والوجدانية حيث قال(عليه السلام) في صفة أصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم): (لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً وقَدْ بَاتُوا سُجَّداً وقِيَاماً يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وخُدُودِهِمْ ويَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ).

إضافة إلى شعوره بالعزلة حفاظاً على قيم أسمى ناتجة عن وصايا ملهمه الحقيقي وهو النبي(صلى الله عليه واله وسلم)، ومعرفته المسبقة لما يحدث فهو يقول لهم: (تَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ يَا أَشْبَاهَ الإِبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ تَفَرَّقَتْ مِنْ آخَرَ والله لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيمَا إِخَالُكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى وحَمِيَ الضِّرَابُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا وإِنِّي لَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ومِنْهَاجٍ مِنْ نَبِيِّي) إخال: أظن، وحمس: اشتد، والوغى: الحرب، وانفراج المرأة عن قبلها أو عندما يشرع عليها سلاح.

ولذلك نجد أن رؤية الإمام في نهج البلاغة امتلكت حساسية في الكشف عن عالم رحب متناقض حتى أصبحت هذه الرؤية ذاتا مؤرِّخة بالأحداث، اعطتنا محاور مهمة عن شخوص، ورموز، وزمان، ومكان، ووقائع مرعبة، مرَّ بها التاريخ فكشفت هذه الرؤية عمق التجرية الشخصية لقائد تاريخي حملت رؤاه مسائل العصر.

ونجد أن وعي الإمام عليه السلام بلور الرؤية ليس بوعي مجرد، إنما هو وعي مقترن بمفاهيم أخلاقية واجتماعية.

****************************