لبيب بيضون
البيعة للإمام بالخلافة
قال الامام علي (ع):
في الخطبة الشقشقية: فما راعني إلاّ والنّاس كعرف الضّبع إليّ ينثالون عليّ من كلّ جانب، حتّى لقد وطيء الحسنان، وشقّ عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم. (الخطبة ٣، ٤٣)
وقال (ع) عن بيعة الزبير له: يزعم أنّه قد بايع بيده، ولم يبايع بقلبه، فقد أقرّ بالبيعة، وادّعى الوليجة، فليأت عليها بأمر يعرف، وإلاّ فليدخل فيما خرج منه. (الخطبة ٨، ٥٠)
وقال (ع) لما بويع في المدينة: ذمّتي بما أقول رهينة، وأنا به زعيم. إنّ من صرّحت له العبر عمّا بين يديه من المثلات، حجزته التّقوى عن تقحّم الشّبهات. ألا وإنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. (الخطبة ١٦، ٥٥)
وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنّصيحة في المشهد والمغيب. (الخطبة ٣٤، ٩٢)
وقال (ع) يصف حاله حين قام بالخلافة: كالجبل لا تحرّكه القواصف، ولا تزيله العواصف. لم يكن لأحد فيّ مهمز، ولا لقائل فيّ مغمز. (الخطبة ٣٧، ٩٦)
قالوا: أخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل، فاستشفع الحسن والحسين عليهما السلام الى أمير المؤمنين عليه السلام، فكلماه فيه. فخلى سبيله. فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنين؟
فقال عليه السلام: أو لم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته. إنّها كفّ يهوديّة. (الخطبة ٧١، ١٢٨)
من كلام له (ع) لما أراده الناس على البيعة بعد مقتل عثمان، يبين أنه لا يطلب الخلافة كغيره، وانما الخلافة تطلبه، لأنه لا يوجد غيره أهلا لها: دعوني والتمسوا غيري، فإنّا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول. وإنّ الآفاق قد أغامت، والمحجّة قد تنكّرت. واعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب. وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم، وأنا لكم وزيرا، خير لكم منّي أميرا. (الخطبة ٩٠، ١٧٨)
لم تكن بيعتكم إيّاي فلتة، وليس أمري وأمركم واحدا. إنّي أريدكم للّه وأنتم تريدونني لأنفسكم. (الخطبة ١٣٤، ٢٤٧)
فأقبلتم إليّ إقبال العوذ المطافيل (أي الابل ذات الطفل) على أولادها. تقولون: البيعة البيعة. قبضت كفّي فبسطتموها، ونازعتكم يدي فجاذبتموها. (الخطبة ١٣٥، ٢٤٩)
ومن كلام له (ع) كلم به كليب الجرمي حين بعثه قوم من أهل البصرة يستعلمون حاله (ع) مع أصحاب الجمل. فلما بيّن له الحق، قال له: بايع. فامتنع وقال: اني رسول قوم ولا أحدث حدثا حتى أرجع اليهم، فقال (ع): أرأيت لوأنّ الّذين وراءك بعثوك رائدا تبتغي لهم مساقط الغيث، فرجعت إليهم وأخبرتهم عن الكلأ والماء، فخالفوا إلى المعاطش والمجادب، ما كنت صانعا؟ قال: كنت تاركهم ومخالفهم إلى الكلأ والماء. فقال عليه السّلام: فامدد إذا يدك. فقال الرّجل: فواللّه ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة عليّ. فبايعته عليه السّلام. (الخطبة ١٦٨، ٣٠٤)
وقال (ع) يخاطب طلحة والزبير بعد بيعته، وقد عتبا عليه في ترك مشورتهما: واللّه ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة. ولكنّكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها. فلمّا أفضت إليّ نظرت إلى كتاب اللّه وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتّبعته، وما استسنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فاقتديته.
فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما، ولا رأي غيركما، ولا وقع حكم جهلته، فأستشيركما وإخواني من المسلمين. ولوكان ذلك لم أرغب عنكما، ولا عن غيركما.. (الخطبة ٢٠٣، ٣٩٧)
وبسطتم يدي (للبيعة) فكففتها، ومددتموها فقبضتها. ثمّ تداككتم عليّ (أي تزاحمتم) تداكّ الإبل الهيم على حياضها يوم وردها. حتّى انقطعت النّعل، وسقط الرّداء، ووطيء الضّعيف. وبلغ من سرور النّاس ببيعتهم إيّاي أن ابتهج بها الصّغير، وهدج (أي مشى مشية الضعيف) إليها الكبير. وتحامل نحوها العليل، وحسرت إليها الكعاب (يرد الامام بذلك على المخالفين الذين زعموا ان الامة بايعته مكرهة). (الخطبة ٢٢٧، ٤٣٠)
... وبايعني النّاس غير مستكرهين ولا مجبرين، بل طائعين مخيّرين. (الخطبة ٢٤٠، ٤٤٢)
من كتاب له (ع) الى معاوية: إنّه بايعني القوم الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه. فلم يكن للشّاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ. وإنّما الشّورى للمهاجرين والأنصار. فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماما كان ذلك للّه رضا. فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أوبدعة، ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على أتّباعه غير سبيل المؤمنين، وولاّه اللّه ما تولّى. (الخطبة ٢٤٥، ٤٤٦)
ومن كتاب له (ع) الى معاوية: لأنّها بيعة واحدة لا يثنّى فيها النّظر، ولا يستأنف فيها الخيار. الخارج منها طاعن، والمروّي فيها مداهن. (الخطبة ٢٤٦، ٤٤٧)
من كتاب له (ع) الى طلحة والزبير: أمّا بعد فقد علمتما وإن كتمتما، أنّي لم أرد النّاس حتّى أرادوني، ولم أبايعهم حتّى بايعوني، وإنّكما ممّن أرادني وبايعني.
وإنّ العامّة لم تبايعني لسلطان غالب، ولا لعرض حاضر (أي لم تبايعه خوفا ولا طمعا). (الخطبة ٢٩٣، ٥٤٠)
ومن كتاب له (ع) الى معاوية يطلب منه البيعة: من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان: أمّا بعد، فقد علمت إعذاري فيكم، وإعراضي عنكم،
حتّى كان ما لا بدّ منه ولا دفع له. والحديث طويل، والكلام كثر. وقد أدبر ما أدبر، وأقبل ما أقبل. فبايع من قبلك، وأقبل إليّ في وفد من أصحابك، والسّلام. (الخطبة ٣١٤، ٥٦٢)
وصف زمانه وطغيان أهل زمانه
قال الامام علي (ع):
أيّها النّاس، إنّا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن كنود. يعدّ فيه المحسن مسيئا، ويزداد الظّالم فيه عتوّا. لا تنتفع بما علمنا، ولا نسأل عمّا جهلنا، ولا نتخوّف قارعة حتّى تحلّ بنا. (الخطبة ٣٢، ٨٥)
وقال (ع): في سحرة اليوم الذي ضرب فيه: ملكتني عيني وأنا جالس، فسنح لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقلت: يا رسول اللّه، ماذا لقيت من أمّتك من الأود واللّدد (أي الاعوجاج والخصام)؟. فقال (ص): ادع عليهم. فقلت: أبدلني اللّه بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرّا لهم منّي. (الخطبة ٦٨، ١٢٤)
وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلاّ إدبارا، ولا الشّرّ فيه إلاّ إقبالا، ولا الشّيطان في هلاك النّاس إلاّ طمعا. فهذا أوان قويت عدّته (الضمير راجع للشيطان)، وعمّت مكيدته، وأمكنت فريسته. إضرب بطرفك حيث شئت من النّاس، فهل تبصر إلاّ فقيرا يكابد فقرا، أوغنيّا بدّل نعمة اللّه كفرا، أوبخيلا اتّخذ البخل بحقّ اللّه وفرا، أومتمرّدا كأنّ بأذنه عن سمع المواعظ وقرا.. ظهر الفساد فلا منكر مغيّر، ولا زاجر مزدجر. (الخطبة ١٢٧، ٢٤٠)
واعلموا رحمكم اللّه أنّكم في زمان القائل فيه بالحقّ قليل، واللّسان عن الصّدق كليل، واللاّزم للحقّ ذليل. أهله معتكفون على العصيان، مصطلحون على الإدهان.
فتاهم عارم (أي شابهم شرس)، وشائبهم آثم. وعالمهم منافق، وقارنهم مماذق (أي من يمزج وده بالغش). لا يعظّم صغيرهم كبيرهم، ولا يعول غنيّهم فقيرهم. (الخطبة ٢٣١، ٤٣٤)
مدح بعض أصحابه
قال الامام علي (ع):
أين القوم الّذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرؤوا القرآن فأحكموه. وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللّقاح إلى أولادها، وسلبوا السّيوف أغمادها. وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا، وصفا صفا. بعض هلك، وبعض نجا. لا يبشّرون بالأحياء، ولا يعزّون عن الموتى. مره العيون من البكاء. خمص البطون من الصّيام. ذبل الشّفاه من الدّعاء. صفر الألوان من السّهر. على وجوههم غبرة الخاشعين. أولئك إخواني الذّاهبون. فحقّ لنا أن نظمأ إليهم، ونعضّ الأيدي على فراقهم. (الخطبة ١١٩، ٢٢٩)
ابوذر الغفاري
من كلام له (ع) قاله لأبي ذر لما نفاه عثمان الى الربذة: يا أبا ذرّ، إنّك غضبت للّه، فارج من غضبت له. إنّ القوم خافوك على دنياهم، وخفتهم على دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب منهم بما خفتهم عليه. فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وما أغناك عمّا منعوك وستعلم من الرّابح غدا، والأكثر حسّدا. ولوأنّ السّموات والأرضين كانتا على عبد رتقا، ثمّ اتّقى اللّه، لجعل اللّه له منهما مخرجا. لا يؤنسنّك إلاّ الحقّ، ولا يوحشنّك إلاّ الباطل. فلوقبلت دنياهم لأحبّوك، ولوقرضت منها لأمّنوك. (الخطبة ١٢٨، ٢٤١)
عمار بن ياسر مالك بن التيهان خزيمة ذوالشهادتين
قال الامام علي (ع):
أين إخواني الّذين ركبوا الطّريق ومضوا على الحقّ؟ أين عمّار؟ وأين ابن التّيّهان؟
(اسمه مالك). وأين ذوالشّهادتين؟ (وهوخزيمة بن ثابت الانصاري). وأين نظراؤهم من إخوانهم الّذين تعاقدوا على المنيّة، وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة فأطال البكاء، ثم قال (ع): أوّه، على إخواني الّذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرض فأقاموه. أحيوا السّنّة وأماتوا البدعة. دعوا للجهاد فأجابوا ووثقوا بالقائد فاتّبعوه. (الخطبة ١٨٠، ٣٢٨)
عبيدة بن الحارث حمزة بن عبد المطلب جعفر الطيار
قال الامام علي (ع):
وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إذا احمرّ البأس وأحجم النّاس، قدّم أهل بيته، فوقى بهم أصحابه حرّ السّيوف والأسنّة. فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر، وقتل حمزة يوم أحد، وقتل جعفر يوم مؤتة. (الخطبة ٢٤٨، ٤٤٨)
ومن كتاب له (ع) الى معاوية جوابا: وإنّك لذهّاب في التّيه، روّاع عن القصد.
ألا ترى... أنّ قوما استشهدوا في سبيل اللّه تعالى من المهاجرين والأنصار، ولكلّ فضل، حتّى إذا استشهد شهيدنا قيل: سيّد الشّهداء (يقصد حمزة) وخصّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه.. أولا ترى أنّ قوما قطّعت أيديهم في سبيل اللّه، ولكلّ فضل، حتّى إذا فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم قيل: الطّيّار في الجنّة وذوالجناحين (الخطبة ٢٦٧، ٤٦٨)
كميل بن زياد النخعي
ومن كتاب له (ع) الى كميل بن زياد، وهوعامله على (هيت) ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدوطالبا الغارة: أمّا بعد، فإنّ تضييع المرء ما ولّي، وتكلّفه ما كفي، لعجز حاضر، ورأي متبّر. وإنّ تعاطيك الغارة على أهل قرقيسيا، وتعطيلك مسالحك الّتي ولّيناك، ليس بها من يمنعها ولا يردّ الجيش عنها، لرأي شعاع. فقد صرت جسرا لمن أراد الغارة من أعدائك على أوليائك، غير شديد المنكب، ولا مهيب الجانب، ولا سادّ ثغرة، ولا كاسر لعدوشوكة، ولا مغن عن أهل مصره، ولا مجز عن أميره. (الخطبة ٣٠٠، ٥٤٦)
وقال (ع) لكميل: يا كميل، مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويدلجوا في حاجة من هونائم. فوالّذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلبا سرورا إلاّ وخلق اللّه له من ذلك السّرور لطفا. فإذا نزلت به نائبة جرى إليها، كالماء في انحداره حتّى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل. (٢٥٧ ح، ٦١٢)
خباب بن ارت
وقال (ع) في ذكر خبّاب بن الأرتّ، وهومن السابقين الى الاسلام، بعثه الرسول (ص) يعلم القرآن، وهوالذي علم القرآن لسعيد بن زيد وزوجته فاطمة بنت الخطاب أخت عمر: يرحم اللّه خبّاب بن الأرتّ، فلقد أسلم راغبا، وهاجر طائعا، وقنع بالكفاف، ورضي عن اللّه، وعاش مجاهدا. (٤٣ ح، ٥٧٤)
ومن كلام له (ع) في الترحم على خباب بن الأرت، وهو(في رواية) أول من دفن بظهر الكوفة من الصحابة، فاقتدى به الناس، وكانوا يدفنون موتاهم في أفنيتهم وعلى ابواب بيوتهم، قال عليه السلام: رحم اللّه خبّابا، أسلم راغبا، وهاجر طايعا، وعاش مجاهدا، وابتلي في جسمه، ولن يضيّع اللّه أجر من أحسن عملا.
ثم دنا من قبره، وقال (ع): السّلام عليكم يا أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، أنتم لنا سلف فارط، ونحن لكم عمّا قليل تبع لاحق. اللّهمّ اغفر لنا ولهم، وتجاوز بعفوك عنّا وعنهم. طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، وأرضى اللّه عزّ وجلّ. (مستدرك ٥٢)
تعزية الامام لبعض أصحابه
قال الامام علي (ع):
وقد عزى الاشعث بن قيس عن ابن له: يا أشعث، إن تحزن على ابنك فقد استحقّت منك ذلك الرّحم، وإن تصبر ففي اللّه من كلّ مصيبة خلف. يا أشعث، إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور (من الوزر وهوالذنب). يا أشعث، ابنك سرّك وهوبلاء وفتنة، وحزنك وهوثواب ورحمة. (٢٩١ ح، ٦٢٥)
وعزى (ع) قوما عن ميت مات لهم فقال عليه السلام: إنّ هذا الأمر ليس لكم بدأ، ولا إليكم انتهى. وقد كان صاحبكم هذا يسافر، فعدّوه في بعض أسفاره، فإن قدم عليكم وإلاّ قدمتم عليه. (٣٥٧ ح، ٦٣٧)
وفي خبر آخر أنّه (ع) قال للاشعث بن قيس معزيا: إن صبرت صبر الأكارم، وإلاّ سلوت سلوالبهائم. (٤١٤ ح، ٦٤٩)
وكان (ع) اذا عزّي قوما قال: إن تجزعوا فأهل ذلك الرّحم، وإن تصبروا ففي ثواب اللّه عوض عن كلّ فائت. (مستدرك ١٦٤)
ذم الامام بعض خصومه وتعداد مثالبهم
الاشعث بن قيس
من كلام قاله (ع) للاشعث بن قيس وقد اعترض عليه أثناء خطابته عن التحكيم (وكان الاشعث من اصحاب الامام )ع( ثم خرج عليه): ما يدريك ما عليّ ممّا لي، عليك لعنة اللّه ولعنة اللاّعنين. حائك ابن حائك. منافق ابن كافر. واللّه لقد أسرك الكفر مرّة والإسلام أخرى. فما فداك من واحدة منهما مالك ولا حسبك وإنّ امرءا دلّ على قومه السّيف، وساق إليهم الحتف، لحريّ أن يمقته الأقرب، ولا يأمنه الأبعد. (الخطبة ١٩، ٦٣)
مصقلة بن هبيرة الشيباني
وقال (ع) يندد بمصقلة بن هبيرة الشيباني وقد خرج عليه بعد التحكيم وهرب الى معاوية: قبّح اللّه مصقلة فعل فعل السّادة، وفرّ فرار العبيد فما أنطق مادحه حتّى أسكته، ولا صدّق واصفه حتّى بكّته. ولوأقام لأخذنا ميسوره، وانتظرنا بماله وفوره. (الخطبة ٤٤، ١٠٢)
مروان بن الحكم
قالوا: أخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل، فاستشفع الحسن والحسين عليهما السلام الى أمير المؤمنين عليه السلام، فكلماه فيه. فخلى سبيله. فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام: أولم يبايعني بعد قتل عثمان، لا حاجة لى في بيعته. إنّها كفّ يهوديّة (أي غادرة). لوبايعني بكفّه لغدر بسبته (أي استه). أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وهوأبوالأكبش الأربعة، وستلقى الأمّة منه ومن ولده يوما أحمر (لعله يقصد بالاكبش الاربعة أبناء عبد الملك بن مروان وهم: الوليد وسليمان ويزيد وهشام). (الخطبة ٧١، ١٢٨)
وقال (ع) ينصح عثمان: فلا تكوننّ لمروان سيّقة، يسوقك حيث شاء، بعد جلال السّنّ وتقضّي العمر. (الخطبة ١٦٢، ٢٩٢)
الحجاج بن يوسف الثقفي
وقال الامام علي (ع):
يلوم اصحابه ويتنبأ بظهور الحجاج الثقفي: أما واللّه ليسلّطنّ عليكم غلام ثقيف (أي الحجاج) الذّيّال الميّال. يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم. إيه أبا وذحة (وهي الخنفساء، التي لدغته فمات بسببها). (الخطبة ١١٤، ٢٢٥)
المغيرة بن الاخنس
من كلام له (ع) وقد وقعت مشاجرة بينه وبين عثمان. فقال المغيرة ابن الاخنس لعثمان: أنا أكفيكه. فقال عليه السلام للمغيرة: يا ابن اللّعين الأبتر، والشّجرة الّتي لا أصل لها ولا فرع، أنت تكفيني؟ فواللّه ما أعزّ اللّه من أنت ناصره، ولا قام من أنت منهضه. اخرج عنّا أبعد اللّه نواك، ثمّ ابلغ جهدك، فلا أبقى اللّه عليك إن أبقيت. (الخطبة ١٣٣، ٢٤٧)
البرج بن مسهر الطائي
قال الامام علي (ع):
اسكت قبّحك اللّه يا أثرم (أي ساقط الثنية من الاسنان)، فواللّه لقد ظهر الحقّ فكنت فيه ضئيلا شخصك، خفيّا صوتك، حتّى إذا نعر (أي صاح) الباطل نجمت (أي ظهرت) نجوم قرن الماعز. (الخطبة ١٨٢، ٣٣٣)
زياد بن أبيه
من كتاب له (ع) الى زياد بن أبيه، وقد بلغه أن معاوية كتب اليه يريد خديعته باستلحاقه: وقد عرفت أنّ معاوية كتب إليك يستزلّ لبّك، ويستفلّ غربك (أي يثلم حدتك ونشاطك) فاحذره، فإنّما هوالشّيطان: يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ليقتحم غفلته، ويستلب غرّته (العقل الغر هوالساذج).
وقد كان من أبي سفيان (والد معاوية) في زمن عمر ابن الخطّاب فلتة من حديث النّفس (يقصد بها قوله عن زياد: اني اعلم من وضعه في رحم أمه، يريد بذلك نفسه) ونزغة من نزغات الشّيطان، لا يثبت بها نسب، ولا يستحقّ بها إرث، والمتعلّق بها كالواغل المدفع (الواغل هوالذي يهجم على الشرب ليشرب معهم وليس منهم، فلا يزال مدفّعا محاجزا)، والنّوط المذبذب (هوما يناط برحل الراكب من قدح فهودائم التقلقل). (الخطبة ٢٨٣، ٥٠١)
المنذر بن الجارود العبدي
ومن كتاب له (ع) الى المنذر بن الجارود العبدي، وقد خان في بعض ما ولاه من أعماله:
أمّا بعد. فإنّ صلاح أبيك ما غرّني منك، وظننت أنّك تتّبع هديه، وتسلك سبيله، فإذا أنت فيما رقّي إليّ عنك، لا تدع لهواك انقيادا، ولا تبقي لآخرتك عتادا. تعمر دنياك بخراب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك. ولئن كان ما بلغني عنك حقا، لجمل أهلك وشسع نعلك (أي جلدتها) خير منك. ومن كان بصفتك فليس بأهل أن يسدّ به ثغر، أوينفذ به أمر، أويعلى له قدر، أويشرك في أمانة، أويؤمن على خيانة.
فأقبل إليّ حين يصل إليك كتابي هذا، إنشاء اللّه. (الخطبة ٣١٠، ٥٥٩)
قال الشريف الرضي: والمنذر هذا هوالذي قال فيه أمير المؤمنين (ع): انه لنظّار في عطفيه، مختال في برديه، تفال في شراكيه (أي ينفض سير نعله من التراب كثيرا من العجب والخيلاء).
الحارث بن حوط سعيد بن مالك عبد اللّه بن عمر
وقيل ان الحارث بن حوط أتاه فقال: أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟
فقال عليه السلام:
يا حارث، إنّك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك، فحرت إنّك لم تعرف الحقّ فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه.
فقال الحارث: فاني أعتزل مع سعيد بن مالك وعبد اللّه بن عمر. فقال (ع): إنّ سعيدا وعبد اللّه بن عمر لم ينصرا الحقّ ولم يخذلا الباطل. (٢٦٢ ح، ٦١٨)
مالك بن أنس
قال الامام علي (ع):
لأنس بن مالك، وقد كان بعثه الى طلحة والزبير يذكرهما شيئا مما سمعه من رسول اللّه (ص) في معناهما، فلوى عن ذلك، فرجع اليه، فقال: إنّي أنسيت ذلك الأمر.
فقال (ع): إن كنت كاذبا، فضربك اللّه بها بيضاء لامعة، لا تواريها العمامة (يقصد بذلك البرص). (٣١١ ح، ٦٢٨)
المغيرة بن شعبة
قال الامام علي (ع):
لعمار بن ياسر، وقد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة كلاما: دعه يا عمّار، فإنّه لم يأخذ من الدّين إلاّ ما قاربه من الدّنيا، وعلى عمد لبّس على نفسه، ليجعل الشّبهات عاذرا لسقطاته. (٤٠٥ ح، ٦٤٨)
رد الامام على منتقديه
من كلام للامام (ع) قاله للاشعث بن قيس، وهوعلى منبر الكوفة يخطب، فمضى في بعض كلامه شيء عن التحكيم اعترضه الاشعث فيه. فقال: يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك. فخفض عليه السلام بصره، ثم قال: ما يدريك ما عليّ ممّا لي. عليك لعنة اللّه ولعنة اللاّعنين. حائك ابن حائك، منافق ابن كافر... (الخطبة ١٩، ٦٣)
من كلام له (ع) وقد استبطأ اصحابه اذنه لهم في القتال بصفين: أمّا قولكم: أكلّ ذلك كراهية الموت؟ فواللّه ما أبالي، دخلت إلى الموت أوخرج الموت إليّ. وأمّا قولكم شكّا في أهل الشّام فواللّه ما دفعت الحرب يوما إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي، وتعشوإلى ضوئي، وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها، وإن كانت تبوء بآثامها. (الخطبة ٥٥، ١١١)
من كلام له (ع) كلم به الخوارج حين اتهموه بالكفر: أصابكم حاصب، ولا بقي منكم آثر (أي راوللحديث). أبعد إيماني باللّه، وجهادي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، أشهد على نفسي بالكفر، لَقَدْ ظَلَلْتُ إذاً ومَا أَنَا مِنَ المُهْتَدِينَ. (الخطبة ٥٨، ١١٣)
من كلام له (ع) لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان: أولم ينه بني أميّة علمها بي عن قرفي (أي عيبي)؟ أوما وزع الجهّال سابقتي عن تهمتي ولما وعظهم اللّه به أبلغ من لساني (أي ان المغتاب في منزلة آكل لحم أخيه). أنا حجيج المارقين، وخصيم النّاكثين المرتابين. (الخطبة ٧٣، ١٣٠)
من كلام له (ع) في ذكر عمروبن العاص: عجبا لابن النّابغة، يزعم لأهل الشّام أنّ فيّ دعابة، وأنّي امرؤ تلعابة. أعافس وأمارس لقد قال باطلا، ونطق آثما... أما واللّه إنّي ليمنعني من اللّعب ذكر الموت، وإنّه ليمنعه من قول الحقّ نسيان الآخرة. (الخطبة ٨٢، ١٤٩)
يروى ان صاحبا لأمير المؤمنين (ع) يقال له همّام وكان رجلا عابدا، فقال له:
يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر اليهم... فلما وصف له المتقين، صعق همام صعقة مات منها. فقال أمير المؤمنين (ع): أهكذا تصنع المواعظ بأهلها. فقال له قائل: فما بالك يا أمير المؤمنين (أي فما بالك لا تموت مع انطوائك على هذه المواعظ البالغة) فقال (ع): ويحك إنّ لكلّ أجل وقتا لا يعدوه، وسببا لا يتجاوزه، فمهلا. لا تعد لمثلها، فإنّما نفث الشّيطان على لسانك. (الخطبة ١٩١، ٣٨٠)
وقال (ع) لرجل أفرط في الثّناء عليه، وكان له متّهما: أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك. (٨٣ ح، ٥٧٩) وقال (ع) لعبد اللّه بن العباس، وقد اشار عليه في شيء لم يوافق رأيه: لك أن تشير عليّ وأرى، فإن عصيتك فأطعني. (٣٢١ ح، ٦٣٠)
أرسل اليه عمروبن العاص يعيبه بأشياء، منها انه يسمي حسنا وحسينا: ولدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله. فقال لرسوله: قل للشانيء ابن الشانيء (أي المبغض): لولم يكونا ولديه لكان أبتر، كما زعمه أبوك. (حديد ٨٣٤)
لما قتل عمار بن ياسر واضطرب اهل الشام لرواية عمروبن العاص كانت لهم «تقتله الفئة الباغية» قال معاوية: انما قتله من أخرجه الى الحرب وعرضه للقتل. فقال أمير المؤمنين (ع): فرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إذن قاتل حمزة. (٨٣٥ حديد)
وقيل للامام (ع) في أحدى المعارك: انك تعرّض محمد (بن الحنفية) للقتل، وتقذف به في نحور الاعداء دون أخويه الحسن والحسين (ع). فقال (ع): هذا يدي (يعني ابنه محمد) وهذان عيناي (يعني حسنا وحسينا)، وما زال الإنسان يذبّ بيده عن عينيه. (٨٣٦ حديد)
انتهى .
منقول بتصرف من كتاب تصنيف نهج البلاغة : لبيب بيضون