وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): لَيْسَ بَلَدٌ بأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَد، خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                
وقال (عليه السلام): مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.                

Search form

إرسال الی صدیق
سيرة الإمام علي عليه السلام في مطعمه وملبسه

١ - روى إبراهيم الثقفي عن سويد بن غفلة قال: (دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام القصر فإذا بين يديه قعب (لبن) أجد ريحه من شدة حموضته، وفي يده رغيف ترى قشار الشعير على وجهه وهو يكسره ويستعين أحيانا بركبته، وإذا جاريته (فضة) قائمة (على رأسه)، فقلت لها: يا فضة أما تتقون الله في هذا الشيخ لو نخلتم دقيقه ؟ فقالت: إنا نكره أن يؤجر ونأثم وقد أخذ علينا أن لاننخل له دقيقا ما صحبناه، فقال علي عليه السلام: ما يقول ؟ قالت: سله، فقلت له ما قلت لها: لو ينخلون دقيقك فبكى ثم قال: بأبي وامي من لم يشبع ثلاثا متوالية من خبز بر حتى فارق الدنيا ولم ينخل دقيقه - قال: يعني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم [١] .

٢ - و- أيضا - عن بكر بن عيسى، قال: (حدثنا جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه عليه السلام، قال: كان علي عليه السلام يطعم الناس بالكوفة الخبز واللحم، وكان (له) طعام على حدة، فقال قائل من الناس: لو نظرنا إلى طعام أمير المؤمنين ما هو ؟ فأشرفوا عليه، وإذا طعامه ثريدة بزيت مكللة بالعجوة، ونخل الدقيق، غربله. وكان ذلك طعامه وكانت العجوة تحمل إليه من المدينة [٢].

 ٣ - أيضا من معاوية بن عمار، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن علي: قال: (ما اعتلج على علي عليه السلام أمران لله قط، إلا أخذ بأشدهما، وما زال عندكم يأكل مما عملت يده يؤتى به من المدينة، وإن كان ليأخذ السويق فيجعله في الجراب، ثم يختم عليه مخافة أن يزاد فيه من غيره، ومن كان أزهد في الدنيا من علي عليه السلام ؟ ! [٣].

 ٤ - و- أيضا - عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: (أعتق علي عليه السلام ألف مملوك مما عملت يداه، وإن كان عندكم إنما حلواه التمر واللبن، وثيابه الكرابيس، وتزوج عليه السلام ليلى فجعل له حجلة فهتكها، وقال: حسب أهل على ما هم فيه [٤].

 ٥ - وقال أبو جعفر الأسكافي: (وبلغ من صبره ما أن كان الجوع إذا اشتد به وأجهده خرج يؤجر نفسه في سقي الماء بكف تمر لا يسد جوعته ولاخلته، فإذا اعطي اجرته لم يستبده وحده حتى يأتي به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبه من الجوع مثل ما به، فيشتر كان جميعا في أكله [٥].

 ٦ - وقال عليه السلام في كتابه لعثمان بن حنيف: (ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلي تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لاطمع له في القرص، ولاعهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داء أن تبيت ببطنة ***** وحولك أكباد تحن إلى القد

أأقنع من نفسي بأن يقال: أمير المؤمنين، ولا اشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون اسوة لهم في جشوبة العيش ؟ فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، وتكترش من أعلافها - إلى أن قال: - لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما، وتقنع بالملح مأدوما، ولأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها، مستفرغة دموعها، أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك وتشبع الربيضة من عشبها فتربض، ويأكل علي من زاده فيهجع، قرت إذا عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة والسائمة المرعية [٦].

 وقال محمد عبده في شرحه: (كان - كرم الله وجهه - إماما علي السلطان، واسع الأمكان، ولو أراد التمتع بأى اللذائذ شاء لم يمنعه مانع، وهو قوله (لو شئت لاهتديت - الخ).

 والقز: الحرير، والجشع: شدة الحرص، وجملة (ولعل - الخ) حالية عمل فيها تخير الأطعمة، أي هيهات أن يتخير الأطعمة لنفسه والحال أنه قد يكون بالحجاز أو اليمامة من لا يجد القرص - أي الرغيف - ولاطمع له في وجوده لشدة الفقر، ولا يعرف الشبع، وهيهات أن يبيت مبطانا أي ممتلئ البطن والحال أن حوله بطونا غرثى - أي جائعة -، وأكبادا حرى - مؤنث حران أي عطشان -، والبطنة - بكسر الباء -: البطر والأشر والكظة، والقد - بالكسر -: سير من جلد غير مدبوغ، أي أنها تطلب أكله ولا تجده، الجشوبة: الخشونة، التقاطها للقمامة أي الكناسة، وتكترش أي تملأ كرشها، لأروضن: اذللن، وتهش أي تنبسط إلى الرغيف وتفرح به من شدة ما حرمها، ومطعوما حال من القرص كما أن مأدوما من الملح، أي مأدوما به الطعام، ولأدعن - الخ أي لأتركن مقلتي أي عيني وهي كعين ماء نضب أي غار معينها - بفتح وكسر - أي ماؤها الجاري، مستفرغة دموعها أي أبكي حتى لا يبقى دمع، والربيضة: الغنم مع رعاتها إذا كانت في مرابضها، والربوض للغنم كالبروك للأبل، يهجع أي يسكن كما سكنت الحيوانات بعد طعامها، الهاملة: المسترسلة، والهمل من الغنم: ترعى نهارا بلا راع).

 ٧ - (أتى (علي عليه السلام) سوق الكرابيس فإذا هو برجل وسيم، فقال: يا هذا ! عندك ثوبان بخمسة دراهم ؟ فوثب الرجل فقال: نعم، يا أمير المؤمنين ! فلما عرفه مضى عنه وتركه، فوقف على غلام فقال له: يا غلام ! عندك ثوبان بخمسة دراهم ؟ فقال: نعم، عندي ثوبان أحدهما أخير من الاخر، واحد بثلاثة والاخر بدرهمين، قال: هلمهما، فقال: يا قنبر ! خذ الذي بثلاثة، قال: أنت أولى به، يا أمير المؤمنين، تصعد المنبر وتخطب الناس، فقال: يا قنبر ! أنت شاب ولك شرة الشباب [٧]، وأنا أستحيي من ربي أن أتفضل عليك، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: ألبسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تأكلون.

 ثم لبس القميص ومد يده في ردنه [٨] فإذا هو يفضل عن أصابعه، فقال: يا غلام ! اقطع هذا الفضل، فقطعه، فقال الغلام: هلمه أكفه يا شيخ، فقال: دعه كما هو فإن الأمر أسرع من ذلك [٩] .

 ٨ - وعن ابن شهر آشوب: (فلما لبس القميص مد كم القميص فأمر بقطعه واتخاذه قلانس للفقراء [١٠].

 ٩ - عن أبي إسحاق السبيعي، قال: (كنت على عنق أبي يوم الجمعة، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يخطب وهو يتروح بكمه، فقلت: يا أبه ! أمير المؤمنين يجد الحر ؟ فقال لى: لا يجد حرا ولابردا، ولكنه غسل قميصه وهو رطب ولا له غيره فهو يتروح به [١١].

١٠ - عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: (رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام وعليه قميص له، إذا مده بلغ أطراف أصابعه، وإذا قبضه تقبض حتى يكون إلى نصف ساعده [١٢].

 وعن أبي الاشعث العنزي عن ابيه قال: و(رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد اغتسل في الفرات يوم الجمعة، ثم ابتاع قميص كرابيس بثلاثة دراهم، فصلى بالناس فيه الجمعة، وما خيط جربانه بعد [١٣].

 ١١ - قال الغزالي في (الأحياء): (كان علي بن أبي طالب يمتنع من بيت المال حتى يبيع سيفه، ولا يكون له إلا قميص واحد في وقت الغسل. لا يجد غيره [١٤].

 ١٢ - ذكر أبو بكر، أحمد بن مروان المالكي بسنده عن هارون بن عنزة، عن أبيه، قال: (دخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخورنق وعليه قطيفة، وهو يرعد من البرد، فقلت: يا أمير المؤمنين ! إن الله قد جعل لك، ولأهل بيتك نصيبا في هذا المال، وأنت تفعل بنفسك هذا ؟ فقال: إني والله، لا أرزء من أموالكم شيئا، وهذه القطيفة التي أخرجتها من بيتي - أو قال من المدينة - [١٥].

 ١٣ - وعنه عليه السلام: (والله، لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها عنك ؟ فقلت: اعزب عني، فعند الصباح يحمد القوم السرى [١٦].

 أقول: إن هذه الأخبار وما شابهها يدل على أن الواجب على الولاة أن يقدروا وقوله: (يحمد القوم السرى) مثل يضرب للرجل يحتمل المشقة للراحة (راجع (مجمع الأمثال) للميداني فيما أوله عين).

أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره، ولا يطغي الغني غناه، ولا يزال هذا الفرض مادام في رعيتهم فقير لا يكفي معونته مؤونته، ولذلك ورد في سيرة القائم عليه السلام أنه يلبس ثياب علي عليه السلام ويسير بسيرته، وأما إذا كان الأمام إو الولي الشرعي مقبوض اليد غير متصرف في الأمور فحاله حال سائر الناس في المطعم والملبس، فإن خير لباس كل زمان لباس أهله، فالمعيار في هذه الامور المواساة مع ضعفة الناس، وأما إذا ما رفع الفقر والضعف فأحق من يتمتع بنعم الله تعالى الامام والوالي).

------------------------------------------------------

[١] . الثقفي: الغارات، ج ١: ص ٨٧.

[٢] . الثقفي: الغارات، ج ١: ص ٨٥. ومكللة: محفوفة، والعجوة: نوع من التمر.

[٣] . المصدر، ص ٨١. واعتلج: اجتمع.

[٤] . المصدر، ص ٩٢.

[٥] . الاسكافي: المعيار. الموازنة ص ٢٣٨.

[٦] . نهج البلاغة، قسم الرسائل / الرقم ٤٥.

[٧] . أي حرصه ونشاطه.

[٨] . الردن - بالضم -: أصل الكم.

[٩] . الثقفي: الغارات، ج ١: ص ١٠٦. وكف الثوب: خاط حاشيته، وهو الخياطة الثانية بعد الثل.

[١٠] . إبن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب، ج ٢: ص ٩٧.

[١١] . الثقفي: الغارات، ج ١: ص ٩٨ و٩٦.

[١٢] . الثقفي: الغارات ج ١ ص ٩٨ و٩٦.

[١٣] . المصدر، ص ٩٧. والجربان - بالضم والتشديد -: جيب القميص، معرب گريبان.

[١٤] . إبن شهرآشوب: مناقب آل ابي طالب، ج ٢: ص ٩٧.

[١٥] . الإمام علي أسد الاسلام وقديسه، ص ٨٤، ط بيروت.

[١٦] . نهج البلاغة، خ ١٥٨.

****************************