وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.                

Search form

إرسال الی صدیق
علم التوحيد في نهج البلاغة

لبيب بيضون

علم التوحيد يشتمل على كل العلوم:
جانب كبير مما تناوله الامام علي (ع) في خطبه وتوجيهاته هوالعلم الالهي، وهوما نعبّر عنه «بعلم التوحيد»، الذي عرض فيه الكثير من آلاء اللّه، وبيّن المزيد من أوجه قدرته.. بدءا من خلق الانسان والملائكة والحيوان، الى خلق السموات والنجوم والكواكب والشمس والقمر، الى خلق الارض والجبال والسحب والامطار.
ثم لم يغفل عن بيان نهاية العالم بعد انتهاء وظيفته المقررة له، وما يعتريه عندها من تغير واضمحلال ينتهي به الى الفناء... كل ذلك بأسلوب عبقريّ من البلاغة النادرة والفصاحة الفريدة.
وفي هذا الحقل العقائدى سنقتصر على استجلاء المعالم العلمية المتعلقة بعلم الفلك وعلم الجيولوجيا.

علم الفلك
يختص علم الفلك بدراسة النجوم والكواكب والاجرام انطلاقا من الروابط القائمة فيما بينها، وهوما نعبر عنه (بالتجاذب الكوني). يصور لنا الامام علي (ع) هذه العلاقة مع آيات أخرى من قدرة اللَّه في دعاء الصباح فيقول: يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه (دلع: أى أخرج).
وسرّح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه.
وأتقن صنع الفلك الدّوار في مقادير تبرجه.
فالامام (ع) يقرر أن كل ما في السماء من كواكب وأجرام تدور وفق نظام‏ الافلاك والابراج، فهي تلتزم مداراتها ضمن أبراجها، وفق ما قدّر لها من تقدير محكم ونظام دقيق. ولواختل هذا النظام لحظة من الزمن لتهاوت النجوم على بعضها، ولتساقطت من أفلاكها، ولأصابها الدمار والاندثار. فسبحان من أقامها موطدات بلا عمد، ورفعها قائمات بلا سند.
واليك بعض المعلومات الاساسية حول تركيب الكون:
تنتشر النجوم في فضاء الكون بشكل جزر كبيرة تدعى (المجرات) تضم كل مجرة الملايين من النجوم المتوزعة بشكل أفراد ومجموعات، تدور كلها حول محور وهمي مشترك هومحور المجرة.
وبعد التحريات المكثفة استطاع العلماء أن يتنبؤوا عن وجود عدد من المجرات من رتبة ٢ ١٠ (٩) مجرة. وكل مجرة منها تضم عددا من النجوم من رتبة ١٠ (١١) نجما. وتفصل بين هذه المجرات أبعاد شاسعة، فالبعد الوسطي بين مجرة ومجرة من رتبة ألف سنة ضوئية (السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في الفضاء في سنة كاملة، وهي تعادل تقريبا ١٠ (١٣) كيلومترا). وهذا البعد الوسطي يساوي تقريبا عشر أمثال قطر المجرة.
وتنتمي مجموعتنا الشمسية الى مجرة «درب التّبان». وأقرب مجرة من مجرتنا هي «مجرة السحابة الماجلانية الصغرى» وتبعد عنا ١٤٥ ألف سنة ضوئية.
وتأخذ مجرتنا شكل قرص بيضوي رقيق نسبيا (انظر الشكل) قطره الاكبر يعادل ٠٠٠، ١٠٠ سنة ضوئية، وقطره الاصغر يعادل ٠٠٠، ٣٠ سنة ضوئية.
ولهذا القرص سمك يبلغ في المركز ٠٠٠، ١٥ سنة ضوئية، ثم يتناقص كلما اتجهنا نحوأطراف المجرة حيث تقع شمسنا وكواكبها. وتقع مجموعتنا الشمسية على بعد ٠٠٠، ٣٠ سنة ضوئية من مركز المجرة، وتدور حول محور المجرة دورة واحدة كل ٢٢٥ مليون سنة ضوئية بسرعة ٢٦٠ كم ثا.
ولا تتوزع النجوم بانتظام داخل المجرة، بل تزدحم في بعض أرجائها على شكل سحاب يضي‏ء ضوءا خافتا يعرف باسم «درب التبان». وتحوي مجرتنا على نجوم مضيئة، وعلى مجموعات مثل مجموعتنا الشمسية، يتوقع العلماء أن يصل عددها الى ١٥٠٠ مليون شمس، ولأغلبية هذه الشموس كواكب تدور حولها. وقد يكون لبعض هذه الكواكب ظروف مشابهة لظروف أرضنا، مما يجعل احتمال وجود حياة بشرية أوغير بشرية فيها ممكنا.
ورغم أن نجوم المجرة لا تسير بنفس السرعة الزاوية، الا أنه رغم عددها الهائل لا يصطدم منها نجم بآخر. ولهذا الاعجاز الذي يفوق التصور أقسم اللَّه سبحانه بالنجوم وبمواقعها في السماء بقوله: «فَلا، أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ، وإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوتَعْلَمُونَ عَظِيمٌ.» [١] وتبعد النجوم التي يراها الناظر من الكرة الارضية عنا أبعادا متفاوتة جدا، فأقرب نجم من المجموعة الشمسية هو(ألفا سنتاورى) ويبعد عن الشمس حوالي ٣ ر ٤ سنة ضوئية. بينما أبعد جرم عند أطراف الكون أمكن رصده بأضخم تلسكوب يبعد ٢ ١٠ (٩) سنة ضوئية، وبعض هذه النجوم قد اندثر من مكانه ولكن نوره لا يزال يرد نحوالارض.
وان الناظر من الارض باتجاه درب التبان يرى كثافة كبيرة من النجوم هي نجوم مجرتنا، بينما اذا نظرنا في الاتجاه المقابل من السماء فاننا ننظر الى خارج المجرة ونرى بذلك عددا قليلا من النجوم، أغلبها من نجوم المجرات الاخرى.
وفي تصوري أن كل المجرات والنجوم التي تكلمنا عنها هي ضمن السماء الاولى التي قال عنها سبحانه «ولَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابيحَ» [٢].

نظرية تمدد الكون:

لقد أثبت العلم الحديث أن كل ما في الكون من نجوم ومجرات تتباعد عن بعضها باستمرار بسرعة فائقة، ويزداد بذلك حجم الكون أويتمدد. وتختلف سرعة التمدد هذه من مجرة الى أخرى، وكلما تباعدت المجرات عن بعضها زادت سرعتها. فقد شوهد مثلا أن المجرات القريبة من مجرتنا تتباعد بسرعة تقدر بحوالي بضعة ملايين من الكيلومترات في الساعة، في حين تتباعد المجرات التي على مسافات أكبر بسرعات تزيد على ٢٠٠ مليون كيلومتر في الساعة.
وتصل سرعة تباعد المجرات الواقعة على أضعاف هذه المسافات من مجرتنا الى سرعة الضوء نفسه. وتمثل هذه المجردات حدود «الكون المرئي». أما فيما وراء تلك الحدود من المسافات، فان سرعة تباعد المجرات عنا تزيد على سرعة الضوء، وبذلك فان الاضواء المنبعة منها لا يمكن لها أن تصل الى الارض بحال من الاحوال، لأن سرعة تمدد المجرة وهي تبتعد عنا أكبر من سرعة ضوئها المتجه نحونا. وعليه فلا يمكننا أن نرى تلك المجرات أونعرف شيئا عنها، فنقول إنها واقعة في «الكون غير المرئي».
ان مسألة اتساع الكون هي أعظم نتيجة تمخضت عنها نظرية النسبية المشهورة، وليس هذا بالخيال. فقد حقق أيضا بالمشاهدة والرصد، ولم يعد الى الجدال فيه من سبيل، مصداقا لقول اللّه تعالى «والسَّماءَ بَنَيناها بِأيْدٍ وانَّا لَمُوسِعُونَ» [٣] فهذه الآية تنص على أن الله يوسع الكون باستمرار بدون توقف، وأن بناء السماء وتسييرها يحتاج الى قوى هائلة هي قوة اللّه تعالى وحده.

الأبراج:
أما عن الابراج، فنحن نعلم أن الارض تدور حول محور مائل يمر من مركزها. فاذا مرّرنا من مركز الارض مستويا عموديا على محورها نحصل على المستوي الاستوائي، الذي يحدد على سطح الارض خط الاستواء المعروف.
ولهذا المستوي الاستوائي شأن كبير. فاذا مددنا هذا المستوي الى أرجاء الكون، وجدنا أنه يقع في هذا المستوي مجموعات كبيرة من النجوم التابعة لمجرتنا، فاذا نظرنا من الارض وفق هذا المستوى نجد عدة تجمعات للنجوم عددها ١٢ نسميها «الابراج»، وقد سميت هذه الابراج وفق الصورة التي ترسمها نجومها في السماء، كالحمل والاسد والعقرب وكالميزان والقوس والدلو. والذي يرصد هذه الابراج عند خط الاستواء خلال يوم كامل يلاحظ أنها تمر فوق رأسه تباعا متجهة من الشرق الى الغرب، ومتوزعة على دائرة واحدة ضمن المستوى الاستوائي.
وبما أن الارض تغير موضعها بالنسبة لهذه الابراج أثناء دورانها حول الشمس فهي تقابل كل ٣٠ يوما أحد هذه الابراج، ومن هنا نشأت فكرة تقسيم السنة الشمسية الى عدد من الشهور مساولعدد هذه الابراج. فاذا راقبنا حركة البروج في وقت معين هوالساعة الثامنة من ليلة منتصف الشهر، نجد أنه كل شهر يقع أحد هذه الابراج الاثني عشر فوق رأس الناظر، وتتعاقب هذه البروج بتعاقب الشهور، حتى اذا مرت سنة شمسية عاد البرج الاول فوق رأس الناظر. واليك أسماء هذه البروج بالترتيب ابتداء من شهر كانون الثاني: برج الجدي- الدلو- الحوت- الحمل- الثور- الجوزاء- السرطان- الاسد- العذراء- الميزان- العقرب- القوس.

خلق الكون:

مما يهتم به علم الفلك اهتماما كليا البحث في أصل نشؤ الكون، كيف نشأ ومن أي شي‏ء نشأ. فوضع العلماء عدة فرضيات، من أحدثها الفرضية التالية التي سوف نحاول مقابلتها مع نظرية الامام على (ع).
يقول علماء الفلك عن أصل نشوء الكون: في البدء كانت كتلة تسمى «البلازما»، مؤلفة من جسيمات عنصرية أولية كالبروتونات والنترونات والالكترونات واللبتونات. وكانت‏ هذه الجسيمات متراصة على بعضها بدون أبعاد ملحوظة فيما بينها.. ثم بدأت تتمدد هذه الكتلة وتتباعد الجسيمات عن بعضها مشكلة انفجارا فجائيا، أدى الى انقذاف هذه الجسيمات بشكل شظايا ترافقها اشعاعات ذرية وكهرطيسية مختلفة.
ثم بدأت تلك الجسيمات المتفرقة بالتجمع وفق نظام مدهش بديع مشكلة العناصر الكيميائية، وأول ما تشكل منها أبسط العناصر «الهدرجين» الذي تتألف ذرته من بروتون يدور حوله الكترون ويعتبر الهدرجين المادة الاساسية في بناء الكون، لأن منه تشكلت فيما بعد جميع العناصر الاخرى، الخفيفة منها والثقيلة، ابتداء من الهليوم وحتى اليورانيوم.

ولهذا سمي الهدرجين أبوالعناصر. وظل الهدرجين يتشكل حتى بدا كسحابة رقيقة تغشي الكون كله، وهوما عبّر عنه القرآن الكريم بالدخان في قوله تعالى: «ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ وهِيَ دُخانٌ.» [٤] وبقدرة اللّه تعالى بدأت الدوامات تلعب بهذا الغاز، مشكلة مجموعات غازية هائلة الحجم، تدور كل مجموعة منها حول محور مشترك، هي بداية المجرة، وهي أشبه ما تكون بقرص غازى يدور حول نفسه في الفضاء. وبدأ يتكتل غاز الهدرجين في بؤرات معينة مع مرور الزمن، وتتضاغط الاجزاء المتكتلة بفعل الجاذبية كلما نمت حجومها وتكدّس عليها قسم جديد من الغاز الخارجي.
وينتهي الامر بظهور النجوم في هذه الاجزاء.
ومع مرور الزمن تبدأ التفاعلات الهدروجينية في النجم محولة الهدرجين الى غاز الهليوم. ومع ازدياد عمر النجم ونتيجة الحرارة الهائلة في داخل النجم‏ والضغط الشديد تحدث التفاعلات النووية محولة الهليوم الى العناصر الاكثر ثقلا. واذا قدّر للنجم أن ينفجر في الفضاء ثم تتبرد أجزاؤه حصلنا على ما يشبه كواكب المجموعة الشمسية، كالارض والزهرة والمريخ... وهي ناشئة حتما من غير نجم الشمس الذي ما زال مؤلفا من الغازات الخفيفة (٩٩ هدرجين وهليوم) التي تدل على أنه ما يزال في أول حياته.

------------------------------------------------
[١] . سورة الواقعة – ٥٦ .
[٢] . سورة الملك – ٥ .
[٣] . سورة الذاريات – ٥١ .
[٤] . سورة فصلت – ١١ .

منقول من كتاب تصنيف نهج البلاغة

****************************