وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                

Search form

إرسال الی صدیق
فن التقسيم في نهج البلاغة

المدرس الدكتور: عباس علي الفحام

المقدمة

الحمد لله رب العالمين وأتم الصلاة والتسليم على المبعوث رحمة للعالمين محمد الرسول الأمين، وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين، وبعد ، فما زال البحث العلمي بكرا في كلام الإمام علي(ع) ، على الرغم من كثرة ما كتب فيه وكشف عن خباياه، فجاء هذا البحث من هذا الباب ليستوي عنوانه ((فن التقسيم في نهج البلاغة)) ، متخذا منه سبيلا لإصابة هدفين هما :

الأول : محاولة الكشف عن أسلوب الإمام(ع) في نهج البلاغة في فن التقسيم ، وأساليبه ووسائله.

الثاني : درء الشبهات – من طرف خفي – عن صحة انتساب ما في نهج البلاغة إلى الإمام علي(ع).

واشتمل البحث على تمهيد ، حاولت فيه أن أعرف بالتقسيم واستعمالاته في التعبير القرآني والكلام النبوي، وعلى مجموعة من طرائق الإمام(ع) في التقسيم ، اندرجت تحت عنوان ( وسائل التقسيم)، وضمت ثلاث وسائل هي على الترتيب بحسب كثرة استعمالها:

الأول : التقسيم بالعدد

الثاني : التقسيم بالموضوع

الثالث : التقسيم بالزمن

وضم الأول مجموعة من المباحث ، درست الأعداد الأكثر ورودا في التقسيمات ، فكانت ( الاثنان ، والأربعة ، والثلاثة ، والخمسة ، والستة).

أما التقسيم بالموضوع فقد اشتمل على موضوعات التحذير والوعظ والوصف وموضوع الإمام(ع) وأصحابه .

وكان التقسيم الأخير بالزمن مشتملا على الظروف الماضية والحاضرة والمستقبلة، واستعمالات الإمام فيها.

والبحث كله محاولة جديدة للكشف عن أسلوب جديد في البيان العربي، يرتكز على أساس التنظيم الفكري ممزوجا بقالب فني بلاغي رائع، لذلك كانت روعة البحث فيه وصعوبته في آن معا تكمن في جدته، ولكن الذي سهل الطريق هو الإفادة من المصادر المختلفة من البلاغة والتاريخ والتفسير، التي لها صلة مباشرة وغير مباشرة بموضوع البحث، الذي أرجو من الله تعالى أن أوفق فيه ليكون إسهامة جديدة في البحوث التي أتطلع فيها لخدمة هذا الأثر الخالد.

التمهيد

فن التقسيم

يعرف التقسيم بأنه(( استيفاء المتكلم أقسام الشيء ، بحيث لا يغادر شيئا، وهو آلة الحصر ومظنة الإحاطة بالشيء))([١])، ومكانته من الفن القولي لا تخفى ((فله موقع في الفصاحة لا يمكن جحده و لا يسع إنكاره)) ([٢]) . 

وسماه الزمخشري التفصيل، قال وهو في معرض تفسيره لقوله تعالى: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ )) ([٣]): ((ومعنى هذا البدل (فيغفر) التفصيل لجملة (الحساب)، لأن التفصيل أوضح من المفصل))([٤]).

والتقسيم أسلوب بلاغي صعب المنال، يتطلب خبرة وإجالة عميقة للفكرة،وهو ليس متاحا لكل أحد ، إلا لأولئك الذين امتلكوا ناصية اللغة ، وألموا بخباياها فعرفوا كيف يقودون أزمتها، لأن المتكلم يضع نفسه في زاوية الحصر والتضييق، ، ومن هنا تبدو روعة فنه ، في القدرة على لملمة الأفكار وحصرها والإحاطة بها من جميع جهاتها.

وجاء التقسيم في القرآن الكريم كثيرا، كلما توخى التفصيل بعد الإجمال، قال تعالى((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ))([٥])، فقد قسمت الآية الكريمة العباد إلى ثلاثة أقسام: الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات، والعباد المكلفون هم كذلك إما عاص ظالم لنفسه أو مطيع مبادر إلى الخير أو مقتصد بينهما([٦]).

ومنه قوله تعالى : ((هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ))([٧]) ، وليس في رؤية البرق إلا الخوف من الصواعق والطمع في الأمطار ، ((ولا ثالث لهذين القسمين ))([٨]) .

ومن التقسيم بالعدد قوله تعالى:((وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً، فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)) ([٩]).

 وهذه الآية مماثلة في المعنى للتي قبلها ، وأصحاب المشأمة هم الظالمون لأنفسهم ، وأصحاب الميمنة هم المقتصدون ، والسابقون هم السابقون بالخيرات([١٠]).

واستعمل التعبير القرآني التقسيم الزمني في قوله تعالى: ((فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ))([١١]) ، فاستوفت أقسام الأوقات ، من طرفي كل يوم ووسطه باستعمال فنون البلاغة المختلفة كالمقابلة والمطابقة([١٢]).

والتقسيم من أكثر ألوان التعبير القرآني إعجازا في الأداء والتفصيل والحصر، ووقع في الكثير من آياته الكريمة([١٣]).  

ويبدو أن ميل النفوس إلى التقسيم لأنسها بالانتظام والتبويب الذين هما أساس هذا الفن البياني، واستعماله يشير إلى تنامي الفكر كونه يستدعي نوعا من الروية في حصر الفكرة بفقر منتظمة تستوفي جهاتها كلها، ولذلك كان وسيلة أثيرة في التعبير القرآن ، لما يمثل القرآن الكريم من تغيير فكري حقيقي في الذهنية العربية.

وبالمستوى ذاته جاء هذا الفن في الحديث النبوي، وبتقسيمات مختلفة لم يسمع العرب أسد منها سوى التعبير القرآني، ولا سيما الحصر العددي الذي شاع استعماله على لسان الرسول(ص) مثل قوله: (( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) ([١٤]) .

وقوله(ص): (( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)).([١٥])

وقوله(ص): ((قال آية المنافق ثلاث، إذ حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان))([١٦])، وقوله: (( القضاة ثلاثة . اثنان في النار ، وواحد في الجنة : رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة . ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار . ورجل جار في الحكم فهو في النار)) ([١٧]).

 وغيرها كثير مما حفظته كتب الحديث النبوي الشريف([١٨]).

وقد تأثر الإمام الأسلوب القرآني في كلامه كله([١٩])، ولاسيما في أسلوب التقسيم، فأكثر منه كلما استوجبه السياق، مثلما تأثر الحديث النبوي في تقسيماته واستيفاءاته العددية ،إذ هو ريبب النبي(ص) وحامل علمه.

ومن الغرابة بمكان أن يطعن في صحة نسبة الكلام في نهج البلاغة إلى أمير المؤمنين (ع) بحجة اشتماله على التقسيم العددي، وكما يقول أحد المشككين معلقا على أسلوب الإمام في قوله: ((الإيمان على أربع دعائم : على الصبر واليقين والعدل والجهاد . والصبر منها على أربع شعب : على الشوق والشفق والزهد والترقب )) : (( أربع دعائم، و الشك إلى أربع شعب، وغير ذلك. فإنّ استعمال الطريقة العددية في الشروح، و تقسيم الفضائل أو الرذائل على أسلوبها، لا نراه في الآداب‏ الجاهلية، بل لا نكاد نعرفه في الأدب الإسلامي إلّا بعد ظهور كتاب «كليلة و دمنة المعرّب))([٢٠]).

وهذا مخالف لما أثبته الأسلوب القرآني وأكد استعماله وأكثر منه الحديث النبوي في تقسيماته الأخلاقية المختلفة كما مر ، أما الإمام علي(ع) فغير مستكثر عليه أسلوب الحصر والتقسيم العددي ، لما عرف من ملكات لغوية هائلة وتنظيم فكري عجيب، يستطيع به التوليد على الأثر القرآني والنبوي في مجالي الفن والموضوع، الشائع فيهما هذا الاستعمال([٢١]) .

على أية حال، هذه الشبهات وغيرها التي تثار حول نهج البلاغة، لا يسعها الثبات أمام النقد والرد  ([٢٢]). 

 التقسيم – إذن – استيفاء وحصر وإحاطة، وهو بعد، أسلوب استعمله التعبير القرآني والحديث النبوي كثيرا، وتأثرهما الإمام علي(ع) في كلامه في نهج البلاغة، فأحسن استعماله، وأجاد في صحة تقسيماته، كما سيحاول البحث إثبات ذلك.

وسائل التقسيم

استعمل الإمام أسلوب التقسيم بكثرة في كلامه ، وقد توسل له بوسائل عدة يمكن حصرها على أساس كثرتها على الترتيب الآتي :

الأول: التقسيم بالعدد

كانت الأعداد وسيلة ظاهرة في أسلوب التقسيم في كلام الإمام ، وقد توزعت الأعداد ( إثنان ، وأربعة ، وثلاثة، وخمسة ، وستة) بحسب كثرتها في كلامه بالأسلوب الآتي :

  1. اثنان

تصدرت التثنية قائمة الأعداد التي استعملت في أساليب الحصر والتقسيم، إذ وقع مجموع ما ثنى الإمام في نهج البلاغة أكثر من خمس وعشرين مرة في مواضع مختلفة من خطبه ورسائله وحكمه.

فمن حكمه المشهورة قوله:((منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا))([٢٣]).

و(النهم) بالفتح هو إفراط الشهوة في الطعام ، تقول منه : نهمت إلى الطعام بكسر الهاء إنهم فأنا نهم ، والمنهوم المولع بالشيء.

وقد حصر الإمام النهم بنوعين متناقضين هما الجاد في تحصيل العلم والمجتهد في طلب الدنيا وكلاهما لا يشبعان البتة.

قال ابن أبي الحديد عن طلب العلم: ((فأما طالب العلم العاشق له ، فإنه لا يشبع منه أبدا ، وكلما استكثر منه زاد عشقه له ، وتهالكه عليه . مات أبو عثمان الجاحظ والكتاب على صدره .

وكان شيخنا أبو علي رحمه الله في النزع وهو يملي على ابنه أبى هاشم مسائل في علم الكلام ، وكان القاضي أحمد بن أبي داود([٢٤]) يأخذ الكتاب في خفه وهو راكب ، فإذا جلس في دار الخليفة اشتغل بالنظر فيه إلى أن يجلس الخليفة ، ويدخل إليه .

وقيل : ما فارق ابن أبي داود الكتاب قط إلا في الخلاء . وأعرف إنا في زماننا من مكث نحو خمس سنين لا ينام إلا وقت السحر صيفا وشتاء مكبا على كتاب صنفه ، وكانت وسادته التي ينام عليها الكتاب))([٢٥]) .

وتروى هذه الكلمة للنبي(ص)([٢٦])، فإن جاءت على لسان علي(ع) فـ((لاعجب أن يشتبه الكلامان، فمستقاهما من قليب ومفرغهما من ذنوب))([٢٧]).

ومثل هذه التثنية لفظة (يومان ) ، نحو قول الإمام: (( والدهر يومان يوم لك ويوم عليك ، فإذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك فاصبر)).([٢٨])

وهذا معنى مطروق ، ويبدو أن هذا الضرب من التثنية شائع في المأثور العربي القديم فقد ورد كثيرا، نحو قولهم: ((الدهر يومان : يوم بلاء ، ويوم رخاء . والدهر ضربان : حبرة وعبرة ، والدهر وقتان : وقت سرور ، ووقت ثبور))([٢٩]).

وتكرر هذا المعنى في موضع آخر، فمن كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس : ((أما بعد فإنك لست بسابق أجلك ولا مرزوق ما ليس لك  واعلم بأن الدهر يومان : يوم لك ويوم عليك)). ([٣٠])

وثنى لفظة(الرزق) وقسمها في قوله موصيا ولده الحسن: (( اعلم، يا بني ، أن الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك فإن أنت لم تأته أتاك، فلا تحمل هم سنتك على هم يومك ، كفاك كل يوم ما فيه)).([٣١])

وفي موضع آخر: (( الرزق رزقان : طالب ومطلوب ، فمن طلب الدنيا طلبه الموت حتى يخرجه عنها ، ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي رزقه منها)) ([٣٢]).

وجاءت لفظة(عمل) مثناة بأسلوب الحصر والتقسيم في قوله عليه السلام: ((شتان ما بين عملين : عمل تذهب لذته وتبقى تبعته ، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره)).([٣٣])

واستعمل الإمام التقسيم كثيرا في لفظة( رجل ) بأسلوب التثنية، إذ وقعت في ستة مواضع من نهج البلاغة ، نحو قوله : ((ألا وإني أقاتل رجلين: رجلا ادعى ما ليس له، وآخر منع الذي عليه ))([٣٤])، فقد قسم غريمه الذي استحق قتاله إلى رجل ادعى حقا ليس له، نحو أن يخرج على الإمام من يدعي الخلافة لنفسه ، ورجل منع ما عليه، نحو أن يخرج على الإمام رجل لا يدعي الخلافة، ولكنه يمتنع عن الطاعة فقط.

والخارج على الإمام مدع الخلافة لنفسه ومانع ما عليه في الوقت ذاته، لأنه قد امتنع من الطاعة، فقد دخل في أحد القسمين في الآخر، ومن هنا قدمه الإمام.

وقيل إن الإمام في قسمه الأول يشير إلى أصحاب الجمل وفي الثاني إلى معاوية وأصحابه. ([٣٥])

وقال الإمام محذرا من المدعين : ((إن أبغض الخلائق إلى الله رجلان : رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل مشغوف بكلام بدعة، ودعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به،ضال عن هدي من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته. ورجل قمش جهلا ،موضع في جهال الفتنة، عاد في أغباش الفتنة، عم بما عقد الهدنة، قد سماه أشباه الناس عالما وليس بعالم، بكر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر...)) ([٣٦]).

نفر الإمام ابتداء من الاتصاف بصفات المدعين الذين سيفصل الكلام فيهم،  وأجمل أبغض الخلق إلى الله في رجلين، ربما يبدوان في الظاهر رجلا واحدا، إلا أن بينهما فرقا دقيقا هما:

الأول: العالم الذي صرف علمه إلى البدع وضلالة الناس.فهو حمال خطايا غيره.

الثاني:الجاهل المتشبه بالعالم. سماه الجهلة(أشباه الناس) عالما.وقمش بمعنى جمع،وموضع أي المسرع. والعادي الذي يعدو متخبطا في أغباش([٣٧]) أي ظلمات الفتنة على سبيل الاستعارة.والصفات كلها تؤكد التهور والتخبط لهذا الصنف الذي يصفه الإمام (ع).

وقد أعطى الإمام صفات تفصيلية لكل واحد منهما، أغنى شرحها ابن ميثم البحراني عن غيره وليس هنا محل ذكرها([٣٨]).

وابن أبي الحديد – وهو شارح عميق النظر في كلام الإمام- فرق بينهما على أساس أن الأول هو الضال في أصول العقائد ، كالمشبه والمجبر ونحوهما .

والثاني هو المتفقه في فروع الشرعيات ، وليس بأهل لذلك ، كفقهاءالسوء.([٣٩])

 ولا أظن أن الإمام يعني ذلك الحصر الذي ذهب إليه ابن أبي الحديد، لقصور الناس زمن الإمام من فهم هذه التقسيمات.

ومثل هذه التثنية قوله عليه السلام : (( هلك في رجلان محب غال ومبغض قال))([٤٠]) ، وقوله : ((يهلك في رجلان : محب مفرط وباهت مفتر))([٤١]) .

وكلا القولين منقول عن النبي(ص) في خطابه لعلي عليه السلام : ((إن فيك لخصلتين كانتا في عيسى بن مريم .

فقال بعض أصحابه حتى النبيين شبههم به . قال [ علي ] : وما الخصلتان ؟ قال : أحبت النصارى عيسى حتى هلكوا فيه ، وأبغضته اليهود حتى هلكوا فيه ، وأبغضك رجل حتى هلك فيك ، وأحبك رجل حتى يهلك فيك))([٤٢]) .

وقال الإمام موصيا ولده الحسن عليهما السلام: ((يا بني، لا تخلفن وراءك شيئا من الدنيا ، فإنك تخلفه لأحد رجلين : إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت به ، وإما رجل عمل فيه بمعصية الله فكنت عونا له على معصيته . وليس أحد هذين حقيقا أن تؤثره على نفسك.))([٤٣]) .

 والإمام في معرض الإيصاء بالزهد، وقسمته هذه المرة مستندة إلى هذا الأساس، وتذييله بالنفي بعد التقسيم برهان على صحته.

واستعمل تثنية (رجلين ) في عهده لمالك الأشتر، ينهاه فيه عن الاحتجاب من الرعية، فقال(ع): (( ..وإنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق، ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه، أو فعل كريم تسديه ، أو مبتلى بالمنع ، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك ، مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك ، من شكاة مظلمة ، أو طلب إنصاف في معاملة)).([٤٤])

فحصر فعل الاحتجاب بنوعين من الرجال هما: الكريم والبخيل ، ثم فصل الكلام في تفسيرهما منكرا ((لم تحتجب ، فإن أكثر الناس يحتجبون كيلا يطلب منهم الرفد ! وأنت فإن كنت جوادا سمحا لم يكن لك إلى الحجاب داع ، وإن كنت ممسكا فسيعلم الناس ذلك منك ، فلا يسألك أحد شيئا. ثم قال : على أن أكثر ما يسأل منك ما لا مؤونة عليه في ماله ، كرد ظلامة أو إنصاف من خصم)) ([٤٥]) .

ومن قوله الخالد لمالك الأشتر في الرعية : (( وأشعر قلبك الرحمة للرعية، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا ، تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق)) ([٤٦]).

فهذا تقسيم عام يشمل الإنسانية كلها، ويتجاوز حدود الطوائف والأديان، تجعل الناس كلهم مهما كانت ألوانهم وأديانهم تحت مسمى الرعية، والحاكم مسؤول عن حماية أمنهم وحياتهم.إنها شراكة عادلة أن يتناصف الناس بقسمين الأخوة في الدين والشبه في الإنسانية.وهما أدعى لاحترامهما كما يرى أمير المؤمنين(ع).

وقع العدد (أربعة) في مواضع كثيرة من نهج البلاغة بأسلوب التقسيم، كان فيها الإمام لافتا للسامعين في القدرة على الإجمال والتفصيل بالأسلوب العددي، نحو قوله عليه السلام من خطبة حصر فيها الناس على التصنيف الآتي :

(( والناس على أربعة أصناف : منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه وكلالة حده ، ونضيض وفره . ومنهم المصلت بسيفه ، والمعلن بشره ، والمجلب بخيله ورجله ، قد أشرط نفسه وأوبق دينه ، لحطام ينتهزه ، أو مقنب يقوده ، أو منبر يفرعه . ولبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمنا ، ومما لك عند الله عوضا ! ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ، ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا ، قد طامن من شخصه ، وقارب من خطوه ، وشمر من ثوبه ، وزخرف من نفسه للأمانة ، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية . ومنهم من أبعده عن طلب الملك ضئولة نفسه ، وانقطاع سببه ، فقصرته الحال على حاله ، فتحلى باسم القناعة ، وتزين بلباس أهل الزهادة ، وليس من ذلك في مراح ولا مغدي . وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع ، وأراق دموعهم خوف المحشر....)).([٤٧])

قسم الإمام الناس استنادا إلى طلب الزعامة والتسلط على رقاب الناس أربعة أقسام هي : القسم الأول: طموح إلى الإمارة، ولكن تعجزه قلة المال وضعة النفس عن إدراكها.

القسم الثاني : مستقتل على طلب الزعامة أو على حد تعبير الإمام (يشمر) ولا يعبأ من أجل الاستحواذ عليها أن يفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل، ولذلك ذم الإمام هذا النوع مباشرة بقوله: ((و لبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمنا ، ومما لك عند الله عوضا)) ([٤٨]) .

القسم الثالث : المراؤون الذين يتخذون الدين مطية نزواتهم وتطلعاتهم ، وهذا النوع من أخطر أصناف الناس لقدرته على الخداع والتضليل، لذلك أشار الإمام إلى صفاته ورسم صوره بكنايات كثيرة مثل: ((قد طامن من شخصه ، وقارب من خطوه ، وشمر من ثوبه ، وزخرف من نفسه للأمانة ، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية )) وهي صور فاضحة لمدعي الدين في كل عصر وأوان، لأنها صور حية تعيش حتى في عصرنا الحاضر، ولطالما أكدها الإمام وحذر منها في مواقف كثيرة فقد أثر عنه قوله لعمار بن ياسر وقد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة كلاما : ((دعه يا عمار فإنه لم يأخذ من الدين إلا ما قاربته الدنيا ، وعلى عمد لبس على نفسه ليجعل الشبهات عاذرا لسقطاته))([٤٩])  .

القسم الرابع : الكسالى وغير العاملين، الذين ليس لهم موقف واضح في الحياة فلا يطلب الملك ولا يطلب الدنيا بالمراءاة، إذ لا مال له أصلا، (( بل تنقطع أسبابه كلها فيخلد إلى القناعة ، ويتحلى بحلية الزهادة في اللذات الدنيوية ، لا طلبا للدنيا بل عجزا عن الحركة فيها ، وليس بزاهد على الحقيقة)) ([٥٠]).

ويبدو أن الإمام حين حصر أقسام الناس بالأصناف الأربعة ، أخرج القسم الخامس من هذا التعداد، ليفرده بحقل آخر بعيدا عن هذه الأصناف السيئة بقوله: ((وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع )) وهم الأبرار الأتقياء ، الذين أراق دموعهم خوف الآخرة ، فهو لم يذكرهم من جملة تعداد الناس بلفظ (ومنهم) بل أشار بقوله:(بقي) إلى تفردهم وتميزهم وخروجهم عن الأقسام الأربعة. فكأن هؤلاء لشدة تعلقهم بالآخرة (( لا يعرفون عندالعامة وإنما يتعرف أحوالهم أمثالهم، فكأنهم في نظر الناس ليسوا بناس)) ([٥١]) .

ولعل هذه التقسيمات البيانية وغيرها مما عرف به كلام أمير المؤمنين، وميزه عن غيره من الكلام العربي هي التي دعت الشريف الرضي إلى نقل تأكيد الجاحظ نسبة هذه الخطبة إلى الإمام علي، بقوله: (( وهذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له إلى معاوية ، وهي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا يشك فيه . وأين الذهب من الرغام ! وأين العذب من الأجاج ! وقد دل على ذلك الدليل الخريت ، ونقده الناقد البصير ، عمرو بن بحر الجاحظ ، فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب " البيان والتبيين " وذكر من نسبها إلى معاوية . ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها ، جملته أنه قال : وهذا الكلام بكلام علي عليه السلام أشبه ، وبمذهبه في تصنيف الناس وفي الاخبار عما هم عليه من القهر والإذلال ، ومن التقية والخوف أليق . قال : ومتى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد ، ومذاهب العباد ! )) ([٥٢]) .

وفي تقسيم آخر بالعدد أربعة، قال الإمام من خطبة حذر فيها من أحاديث البدع والكذب: ((وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهده حتى قام خطيبا فقال: من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس: رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج، يكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، متعمدا، فلو علم الناس انه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدقوا قوله، ولكنهم قالوا: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله، وسمع منه، ولقف عنه، فيأخذون بقوله. وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك، ووصفهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده، فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم حكاما على رقاب الناس، فأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله. فهذا أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحفظه على وجهه، فوهم فيه، ولم يتعمد كذبا، فهو في يديه ويرويه ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شيئا يأمر به، ثم إنه نهى عنه، وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به، وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون- إذ سمعوه منه- انه منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع لم يكذب على الله، ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يهم، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه، فهو حفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنب عنه، وعرف الخاص والعام والمحكم والمتشابه، فوضع كل شئ موضعه.

وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام له وجهان، فكلام خاص وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله سبحانه به، ولا ما عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحمله السامع، ويوجهه على غير معرفة بمعناه وما قصد به وما خرج من اجله.

وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يسأله ويستفهمه، حتى إن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطارئ، فيسأله عليه السلام، حتى يسمعوا، وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألته عنه وحفظته.)) ([٥٣])

حصر الإمام مصادر الحديث عن النبي(ص) بأربعة أقسام ، صنفها على النحو الآتي:

الأول: المنافق ، الذي يقلب الحديث النبوي لأهوائه ومصالحه.وقد كان للمنافقين أثر سيء في تشويه السنة النبوية ، منذ عصر الإمام وإشارته في كلامه هذا إلى فداحة ما تعرضت له السنة النبوية إلى يوم الناس هذا وما نعاني منه((فإنه خالط الحديث كذب كثير صدر عن قوم غير صحيحي العقيدة، قصدوا به الإضلال وتخبيط القلوب والعقائد، وقصد به بعضهم التنويه بذكر قوم كان لهم في التنويه بذكرهم غرض دنيوي)) ([٥٤]). وقد فصل الإمام الكلام في هذا القسم تفصيلا مبينا لخطورته([٥٥]).

الثاني: الحسن النية ، ولكنه غير متثبت من نقله، لأنه يحفظ شيئا ويتوهم آخر.

الثالث: حسن النية أيضا، ولكنه غير متابع لكلام النبي(ص)، فعمل بالمنسوخ وفاته الناسخ.

الرابع: وهم الملازمون للنبي(ص)، الذين يحفظون كلامه، لا يزيدون فيه ولا ينقصون ، ويعلمون ناسخه ومنسوخه، وخاصه وعامه.

والإمام أكد نفسه ضمن هذه الفئة الرابعة، معللا ذلك بصفات الملازمة وكثرة الاستفهام من النبي(ص) بقصد المعرفة العلمية التي تدل عن تقليب المسألة في الذهن والانشغال بهم الجواب والحل، لا بالعرض الطاريء، ثم الحفظ للإجابة الصادرة عن النبي(ص).

قال ابن أبي الحديد: (( واعلم أن أمير المؤمنين عليه السلام كان مخصوصا من دون الصحابة رضوان الله عليهم بخلوات كان يخلو بها مع رسول الله صلى الله عليه وآله، لا يطلع أحد من الناس على ما يدور بينهما، وكان كثير السؤال للنبي صلى الله عليه وآله عن معاني القرآن وعن معاني كلامه صلى الله عليه وآله، وإذا لم يسال ابتدأه النبي صلى الله عليه وآله بالتعليم والتثقيف، ولم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله كذلك، بل كانوا أقساما، فمنهم من يهابه أن يسأله، وهم الذين يحبون أن يجئ الأعرابي، أو الطارئ فيسأله، وهم يسمعون، ومنهم من كان بليدا بعيد الفهم قليل الهمة في النظر والبحث، ومنهم من كان مشغولا عن طلب العلم وفهم المعاني، أما بعبادة أو دنيا، ومنهم المقلد يرى أن فرضه السكوت وترك السؤال، ومنهم المبغض الشانئ، الذي ليس للدين عنده من الموقع ما يضيع وقته وزمانه بالسؤال عن دقائقه وغوامضه، وانضاف إلى الأمر الخاص بعلي عليه السلام ذكاؤه وفطنته وطهارة طينته وإشراق نفسه وضوئها. وإذا كان المحل قابلا متهيئا، كان الفاعل المؤثر موجودا، والموانع مرتفعة، حصل الأثر على أتم ما يمكن، فلذلك كان علي عليه السلام - كما قال الحسن – البصري: رباني هذه الأمة وذا فضلها، ولذا تسميه الفلاسفة إمام الأئمة وحكيم العرب))([٥٦]).

هي – إذن- عملية مدارسة وفهم وحفظ. وبهذا النحو يرى الإمام النقل الصحيح للسنة النبوية الشريفة، وقطع الطريق على المدلسين والمتصيدين في عكر المياه.

وفي تقسيمات رباعية أخر تنم عن انصهار ذاته في القرآن الكريم قال عليه السلام: ((من أعطي أربعا لم يحرم أربعا : من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة، ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول ، ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة ))([٥٧]).

وتقسيمات الإمام مبنية على تمثيل عميق للقرآن الكريم، وفي قدرة مميزة على استحضار النص القرآني الذي ملأ تعبيرات الإمام في نهج البلاغة([٥٨])، وقد تنبه إلى ذلك الشريف الرضي في تعليقه على كلام الإمام- الذي يرى بعض الشارحين لنهج البلاغة أنه من أصل المتن - فقال: ((وتصديق ذلك كتاب الله تعالى قال الله عز وجل في الدعاء: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))([٥٩])، وقال في الاستغفار: ((وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً))([٦٠])، وقال في الشكر:((لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ))([٦١])، وقال في التوبة:(( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)).([٦٢])

ومثل هذه التقسيمات التفسيرية ما (( روي أنه ذكر عند عمر بن الخطاب في أيامه حلي الكعبة وكثرته ، فقال قوم لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحلي ؟ فهم عمر بذلك ، وسأل أمير المؤمنين عليه السلام .

فقال عليه السلام : ((إن القرآن أنزل على النبي صلى الله عليه وآله والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض ، والفئ فقسمه على مستحقيه ، والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها . وكان حلي الكعبة فيها يومئذ ، فتركه الله على حاله ولم يتركه نسيانا ، ولم يخف عليه مكانا، فأقره حيث أقره الله ورسوله)). فقال له عمر : لولاك لافتضحنا ، وترك الحلي بحاله)) ([٦٣]) .

فقد قسم الإمام الأموال من جهة التصرف بها إلى أربعة أقسام هي :

الأول: الأموال الموروثة . الثاني: الفيء . الثالث: الخمس . الرابع : الصدقات.

وجعل حلي الكعبة خارجا من قسمة الأموال وخاصا بالكعبة ذاتها.([٦٤]).

ومن فرائد التقسيم الرباعي ما كتب الإمام علي(ع) لشريح بن الحارث([٦٥]) حين بلغه أن اشترى دارا بثمانين دينارا، فاستدعاه، وقال له: ((بلغني أنك ابتعت دارا بثمانين دينارا وكتبت كتابا وأشهدت فيه شهودا ، فقال شريح : قد كان ذلك يا أمير المؤمنين . قال فنظر إليه نظر مغضب ثم قال له : يا شريح أما إنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك ، ولا يسألك عن بينتك حتى يخرجك منها شاخصا، ويسلمك إلى قبرك خالصا . فانظر يا شريح لا تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك ، أو نقدت الثمن من غير حلالك فإذا أنت قد خسرت دار الدنيا ودار الآخرة . أما إنك لو أتيتني عند شرائك ما اشتريت لكتبت لك كتابا على هذه النسخة فلم ترغب في شراء هذه الدار بدرهم فما فوق .

والنسخة : ((هذا ما اشترى عبد ذليل من عبد قد أزعج للرحيل ، اشترى منه دارا من دار الغرور من جانب الفانين ، وخطة الهالكين ، ويجمع هذه الدار حدود أربعة : الحد الأول ينتهي إلى دواعي الآفات ، والحد الثاني ينتهي إلى دواعي المصيبات ، والحد الثالث ينتهي إلى الهوى المردي ، والحد الرابع ينتهي إلى الشيطان المغوي ، وفيه يشرع باب هذه الدار)) ))([٦٦]).

جاء تقسيم الدار رباعيا استنادا إلى جهات المساحة الأربعة المعروفة في كتب الشروط والأملاك ، والمعمول بها حتى وقت قريب من عصرنا هذا ، وصيغتها((هذا ما اشترى فلان من فلان ، اشترى منه دارا من شارع كذا وخطه كذا ، ويجمع هذه الدار حدود أربعة ، فحد منها ينتهى إلى دار فلان ، وحد آخر ينتهى إلى ملك فلان ، وحد آخر ينتهى إلى ما كان يعرف بفلان ، وهو الان معروف بفلان ، وحد آخر ينتهى إلى كذا .

 ومنه شروع باب هذه الدار ، وطريقها : ( اشترى هذا المشترى المذكور من البائع المذكور جميع الدار المذكورة بثمن مبلغه كذا وكذا دينارا ، أو درهما ، فما أدرك المشترى المذكور من درك فمرجوع به على من يوجب الشرع الرجوع به عليه ) .

ثم تكتب الشهود في آخر الكتاب . شهد فلان ابن فلان بذلك ، وشهد فلان ابن فلان به أيضا )) ([٦٧]).

ولكن الإمام حول الكتاب من عقد شراء دار إلى كتاب وعظي زهدي، إنكارا لغلاء ثمنها وتخويفا من أن يكون ابتاعها بمال حرام ، ناقلا صيغة الشرط الفقهي إلى معنى آخر جديد لم يسبق لأحد أن صاغه على هذا النحو الذي نظمه أمير المؤمنين(( ولا غرو فما زال سباقا إلى العجائب والغرائب)) ([٦٨]) .

ومن طريف التقسيم هذا أن جعل الإمام الحد الرابع لهذه الدار ينتهي إلى (الشيطان المغوي)، (( ليقول: (( وفيه يشرع باب هذه الدار)) ، لأنه إذا كان الحد إليه ينتهى كان أسهل لدخوله إليها،ودخوله أتباعه وأوليائه من أهل الشيطنة والضلال))([٦٩]) .

ومن حكم الإمام ذات التقسيم الرباعي قوله، وقد سئل عن الإيمان: (( الإيمان على أربع دعائم : على الصبر واليقين والعدل والجهاد . والصبر منها على أربع شعب : على الشوق والشفق والزهد والترقب . فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، ومن أشفق من النار اجتنب المحرمات ، ومن زهد في الدنيا استهان بالمصيبات ، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات . واليقين منها على أربع شعب : على تبصرة الفطنة ، وتأول الحكمة ، وموعظة العبرة ، وسنة الأولين . فمن تبصر في الفطنة تبينت له الحكمة ، ومن تبينت له الحكمة عرف العبرة ، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين . والعدل منها على أربع شعب: على غائص الفهم ، وغور العلم ، وزهرة الحكم ، ورساخة الحلم . فمن فهم علم غور العلم ، ومن علم غور العلم صدر عن شرائع الحكم ، ومن حلم لم يفرط في أمره وعاش في الناس حميدا . والجهاد منها على أربع شعب : على الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والصدق في المواطن ، وشنآن الفاسقين ، فمن أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين ، ومن نهى عن المنكر أرغم أنوف المنافقين ، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه ، ومن شنئ الفاسقين وغضب لله غضب الله له وأرضاه يوم القيامة))([٧٠]).

والإمام استوفى كل قسم من الأقسام الرباعية بشكل مفصل، ولست اشك في أنه أسلوب تأثره الإمام (ع) من الحديث النبوي الشريف، كما مر في أول الفصل([٧١]). 

  1. ثلاثة

استعمل الإمام العدد ( ثلاثة ) في ستة مواضع مختلفة بأسلوب الحصر والتقسيم ، خمسة منها صرح بلفظ العدد، وواحدة قسم قسمة ثلاثية ولم يصرح.

أما التي لفظ العدد صراحة فهي : نحو قوله : ((ألا وإن الظلم ثلاثة : فظلم لا يغفر ، وظلم لا يترك ، وظلم مغفور لا يطلب . فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله ، قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ))([٧٢]) وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات . وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا)).([٧٣]) فقد استقصى عواقب الظلم بثلاثة أصناف، وهو إنما وقف على النوع الأول لخطورته مستندا فيه على الآية الكريمة المذكورة.

ويبدو أن روعة التقسيمات عند الإمام هي في قدرتها على حصر الموضوعات الكبيرة، التي يصعب في العادة لملمتها وحصرها على نحو ضيق كأنه مشاهد للعيان، ومن هنا يتضح سر أنس النفس بفن التقسيم، كونه يتيح لها عد مالا يتصور عده، أو الإشراف على ما لا يمكن لملمته ، نحو قول الإمام وقد حصر الناس بثلاثة أنواع:((الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ..)).([٧٤])

فهذا التقسيم الثلاثي صائب تماما إذ لا رابع له (( وذلك لأن البشر باعتبار الأمور الإلهية، إما عالم على الحقيقة يعرف الله تعالى، و إما شارع في ذلك فهو بعد في السفر إلى الله، يطلبه بالتعلم و الاستفادة من العالم، و إما لا ذا و لا ذاك، و هو العامي الساقط الذي‏ لا يعبأ الله))([٧٥]).

ولم يمض الإمام في تقسيماته لمجرد عدها بهذه الأصناف بل قيد كل صنف منها بقيد إتماما للمعنى وإثراء للفكرة ، فنسب الأول وهو العالم إلى الرب تعالى على غير قياس، أي العالم علم ربوبيّته و هو العارف باللّه تعالى، و زيدت الألف و النون للمبالغة في النسبة قال اللّه تعالى: (( كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ)).([٧٦]

وقيل في سبب تسميتهم (الربانيين) ((لأنّهم يربّون المتعلّمين بصغار العلوم قبل كبارها. و قيل لأنّهم يربّون العلم، أي يقومون بإصلاحه.))([٧٧]).

أما الصنف الثاني فهو المتعلّم وقيده بكونه على سبيل النجاة (( و لمّا كان العلم سببا للنجاة في الآخرة، و كان المتعلّم في طريق تحصيله، كان على سبيل النجاة، ليصل إليها بالعلم الّذي هو غايته المطلوبة )) ([٧٨]) .

وأما الصنف الثالث فهو عامة الناس ووصفهم الإمام بست صفات هي ((أحدها :استعار لهم لفظ الهمج باعتبار حقارتهم. الثاني: وصفهم بالعامّيّة و الحداثة لكونهما مظنّتى الجهل. الثالث: كونهم أتباع كلّ ناعق ملاحظة لشبههم بالغنم في الغفلة و الغباوة. الرابع: كنّى بكونهم يميلون مع كلّ ريح عن ضعفهم عن التماسك في مذهب واحد و الثبات عليه . الخامس: كونهم لم يستضيئوا بنور العلم و هو كونهم على ظلمة الجهل. السادس: و لم يلجئوا إلى ركن وثيق. و استعار الركن الوثيق للاعتقادات الحقّة البرهانيّة الّتي يعتمد عليها في دفع مكاره الآخرة)).([٧٩])

ويبدو أن الإمام إنما فصل في النوع الثالث، لكثرته واضطرابه لعدم ثبات المبدأ في نفسه.

ومما يصب في هذا الأسلوب قوله عليه السلام : (( أصدقاؤك ثلاثة ، وأعداؤك ثلاثة ، فأصدقاؤك: صديقك،وصديق صديقك، وعدو عدوك . وأعداؤك: عدوك، وعدو صديقك، وصديق عدوك))([٨٠]) ، فهذا حصر من محص الحياة، وعرك النفوس، فعرف خباياها، فاستشفها حكما بينة.

وفي تقسيم آخر قال الإمام: ((لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته ، وغيبته، ووفاته)) ([٨١]).

وعلى هذا الأسلوب قوله عليه السلام: ((للظالم من الرجال ثلاث علامات : يظلم من فوقه بالمعصية ، ومن دونه بالغلبة ، ويظاهر القوم الظلمة)).([٨٢])

ومثل قوله عليه السلام : ((للمؤمن ثلاث ساعات : فساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يرم معاشه ، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل . وليس للعاقل أن يكون شاخصا إلا في ثلاث : مرمة لمعاش ، أو خطوة في معاد ، أو لذة في غير محرم)).([٨٣])

وقد يعمد الإمام إلى تعرية مناوئيه بأسلوب التقسيم العددي، لما يتسبب من حصر للحالة، وكشف للأمر، مثل قوله في أمر طلحة الذي خرج عليه في حرب الجمل في البصرة، وكان شعاره الطلب بدم الخليفة عثمان بن عفان([٨٤])(( والله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث: لئن كان ابن عفان ظالما- كما كان يزعم - لقد كان ينبغي له أن يوازر قاتليه، أو ينابذ ناصريه . ولئن كان مظلوما، لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه ، والمعذرين فيه . ولئن كان في شك من الخصلتين، لقد كان ينبغي له أن يعتزله، ويركد جانبا، ويدع الناس معه، فما فعل واحدة من الثلاث ، وجاء بأمر لم يعرف بابه ، ولم تسلم معاذيره )).([٨٥])

ويبدو من أحداث الفتن إبان المدة التي حكم فيها الإمام (٣٥هـ-٤٠هـ)، أن ثمة شخصيات متقلبة المزاج ، استقرار مبادئها مرتبط بتحقيق مصالحها، ومنها شخصية طلحة التي أشار إليها الإمام في كلامه، إذ كان من المحرضين الأشداء على عثمان، ولكن مع حكم الإمام انقلبت الصورة ، لذلك كان كلام الإمام ((صورة احتجاج عليه و قطع لعذره في الخروج والطلب بدمه بقياس شرطىّ منفصل)) ([٨٦]).

وحصر الإمام الشأن المتناقض لطلحة بثلاثة أمور هي: ((إمّا أن يعلم أنّه كان ظالما، أو يعلم أنّه كان مظلوما، أو يشكّ في الأمرين و يتوقّف فيهما. فإن كان الأوّل، فقد كان الواجب عليه أن يساعد قاتليه و يوازرهم و ينابذ ناصريه لوجوب إنكار المنكر عليه. وهو قد عكس الحال لأنّه نابذ قاتليه، وثار في طلب دمه مع ناصريه ممّن توهّم فيه ذلك. وإن كان الثاني، فقد كان يجب عليه أن يكون ممّن يكفّ الناس عنه و يعتذر عنه فيما فعل لوجوب إنكار المنكر أيضا مع أنّه ممّن وازر عليه الناس و أظهر أحداثه و عظّمها كما هو المنقول المشهور عنه، و إن كان الثالث فقد كان الواجب عليه أن يعتزله و يسكن عن الخوض في أمره و لم يفعل ذلك بل ثار في طلب دمه. فكان في هذه الأحوال الثلاثة محجوجاً في خروجه و نكثه للبيعة))([٨٧]).

لذلك كله كانت خلاصته أن جاء بأمر لا يعرف بابه، أي لا تعرف مداخله .

وأورد ابن أبي الحديد إشكالا طريفا فقال: ((فإن قلت كيف قال أمير المؤمنين: فما فعل واحدة من الثلاث، وقد فعل واحدة منها،لأنه وازر قاتليه حيث كان محصورا. قلت: مراده أنه إن كان عثمان ظالما،وجب أن يؤازر قاتليه بعد قتله، يحامي عنهم و يمنعهم ممن يروم دماءهم، ومعلوم أنه لم يفعل ذلك، وإنما وازرهم و عثمان حي.  و ذلك غير داخل في التقسيم )) ([٨٨]).

وهذا التقسيم التفصيلي محرج للغاية وقاطع للعذر.

وأما الاستعمال غير الصريح للعدد( ثلاثة ) فهو في قوله من خطبة في نصح أصحابه: (( شغل من الجنة والنار أمامه، ساع سريع نجا، وطالب بطئ رجا، ومقصر في النار هوى.. ))([٨٩]).

فقد قسم الناس على أساس هممهم إلى ثلاثة أقسام هي : الأول: الناجي : وكنى عنه( بالساعي السريع ) أي المبادر غير المتواني إلى تنفيذ شرائع الله وأحكامه.

والثاني: الراجي : وكنى عنه(الطالب البطئ)، فهو(( له قلب تعمره الخشية وله صلة إلى الطاعة لكن ربما قعد به عن السابقين ميل إلى الراحة فيكتفى من العمل بفرضه وربما انتظر به غير وقته وينال من الرخص حظه وربما كانت له هفوات ولشهوته نزوات على أنه رجاع إلى ربه كثير الندم على ذنبه فذلك الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا فهو يرجو أن يغفر له)) ([٩٠]).

الثالث: الهاوي، وهو المقصر ، الذي يعرف الحق ويحيد عنه عنادا وتكبرا .

٣-الخمسة

استعمل العدد (خمسة) في موضعين من نهج البلاغة بأسلوب التقسيم ، مرة بشكل صريح ، وأخرى بشكل غير صريح ، فمن الأول قوله عليه السلام موصيا: ((أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلا . لا يرجون أحد منكم إلا ربه ، ولا يخافن إلا ذنبه ولا يستحين أحد إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم . ولا يستحين أحد إذا لم يعلم الشئ أن يتعلمه . وعليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس معه ، ولا في إيمان لا صبر معه))([٩١]).

جاءت تقسيمات الإمام استنادا إلى حصر الواقع المثالي للإنسان بصورة عامة وللمسلم بصورة خاصة ، لذلك شدد على التمسك بشرط التزامها في أول كلامه كونها تستحق التضحية و المشقة وشد الرحال لاستحصالها، مكنيا عن ذلك بقوله(ضربتم إليها آباط الإبل) لأن الراكب يضرب بكعبيه إبطي الجمل  .

والحصر الأخلاقي في كلام الإمام سبل عملية لصناعة الإنسان المتكامل يأخذ بعضه بيد بعض لإكمال السلسلة الخلقية الكمالية([٩٢]).

ومن الأسلوب الثاني الذي لم يصرح بالعدد خمسة، قوله عليه السلام من خطبة في أصحابه : ((يا أهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث واثنتين : صم ذوو أسماع ، وبكم ذوو كلام ، وعمى ذوو أبصار ، لا أحرار صدق عند اللقاء ، ولا إخوان ثقة عند البلاء)).([٩٣])  

فقد عد الإمام خمس خصال ابتلي بها من أهل الكوفة ، جمعها بقوله ثلاث واثنتين، ولم يقل خمسا، وبرر ابن أبي الحديد ذلك، ((لأن الثلاث إيجابية والاثنتين سلبية ، فأحب أن يفرق بين الإثبات والنفي))([٩٤]) .

وربما فرق الإمام، لأن الثلاث التي عدها من جنس مغاير للاثنتين الأخريين، فناسب بين (الصم والبكم والعمي ) أن تكون في عد ، وبين قوله الأخير بعد آخر.

وفي كلام الإمام توبيخ وتعجب ظاهران، بسبب جمعه للصفات الثلاث مع أضدادها، فكانوا كفاقد آلات الصم والبكم والعمي (( بل كان فاقدها أحسن حالا منه لأنّ وجودها إذا لم يفد منفعة أكسب مضرّة قد أمنها عادمها، وأمّا الثنتان فكونهم لا أحرار صدق عند اللقاء، أي أنّهم عند اللقاء لا تصدق حريّتهم و لا تبقى نجدتهم من مخالطة الجبن والتخاذل و الفرار إذا الحرّ هو الخالص من شوب الرذائل و المطاعن، ثمّ كونهم غير أخوان ثقة عند البلاء: أي ليسوا ممّن يوثق باخوّتهم في الابتلاء بالنوازل‏))([٩٥]).

  1. ستة

استعمل العدد(ستة) مرة واحدة في نهج البلاغة ، حصر فيها الإمام معاني الاستغفار، عندما سمع قائلا قال بحضرته : استغفر الله ، فقال عليه السلام: ((ثكلتك أمك، أتدري ما الاستغفار ؟ الاستغفار درجة العليين . وهو اسم واقع على ستة معان : أولها الندم على ما مضى . والثاني العزم على ترك العود إليه أبدا . والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم، حتى تلقى الله أملس، ليس عليك تبعة . والرابع أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها . والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت، فتذيبه بالأحزان، حتى تلصق الجلد بالعظم، وينشأ بينهما لحم جديد . والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة، كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله))([٩٦]) .

فرق الإمام بين المفهوم اللغوي للاستغفار، الذي هو طلب المغفرة، وبين الاستغفار الذي له درجة العليين في شرائطه الستة التي فصل الكلام فيها و((أطلق لفظ المشروط على الشرط واستعمله فيه ))([٩٧]) .

و لفظة (أملس ) استعارة ، عنى بها نقاء الصحيفة من الآثام. و(عليين) صيغة جمع كضليل ، تعطي معنى التكثير، أي كثير العلو، وهي من قوله تعالى: ((كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ)).([٩٨]) والكلام على تقدير حذف مضاف أي ( درجة الاستغفار درجة العليين) .

 الثاني : التقسيم بالموضوع

للإمام علي أسلوبه في التفصيل في الموضوعات، فهو يجمل ثم يفصل تارة بالموضوع، وتارة ثانية يقسم الموضوع متدرجا بحسب طبيعته ، وغايته في كلا الأسلوبين استيفاء المعنى والإحاطة به، الأمر الذي يتيح له ذلك أسلوب التقسيم. وسنقف على الأسلوبين في الموضوعات الآتية: 

  1. التحذير والوعظ

في نهج البلاغة خطب كثيرة في التحذير من المنافقين ، كشف فيها الإمام عن طبائعهم النفسية المريضة، وجلى عن نواياهم الخبيثة ، ومنها قوله: (( زرعوا الفجور ، وسقوه الغرور ، وحصدوا الثبور ، لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه من هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا)).([٩٩])

قسم أفعالهم القبيحة وعنادهم على الاستمرار فيها وما ينتج عنها قسمة أحوال النبات: زرع وسقي وحصاد، تشبيها لهم بالنبات بأسلوب الاستعارة ((لان تماديهم ، وما سكنت إليه نفوسهم من الإمهال ، هو الذي أوجب استمرارهم على القبائح التي واقعوها ، فكان ذلك كما يسقى الزرع ، ويربي بالماء ، ويستحفظ)) ([١٠٠]).

وكان حصادهم الهلاك وسوء المنقلب.

يذكر أن ابن أبي الحديد جعل كلام الإمام هذا في معاوية، وليس إشارة إلى المنافقين، كما ذكر الشريف الرضي وقال تأدبا(( ولعل الرضي- رحمه الله تعالى -عرف ذلك وكنى عنه)) ([١٠١]) .

ومثل ذلك قوله عليه السلام محذرا من خطرات الشياطين : (( لعمري لقد فوق لكم سهم الوعيد ، وأغرق إليكم بالنزع الشديد ، ورماكم من مكان قريب)) ([١٠٢])

فقد استقصى الإمام أبعاد صورة الشيطان من جهة قربه من ابن آدم، وتمكنه من الإصابة ، بهذه الأجزاء المتتالية: وضع السهم في القوس، وسماه سهم الوعيد إشارة إلى قوله تعالى: ((قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ))([١٠٣])، ثم شد نزع الوتر واستوفى مد القوس ليكون السهم أشد وقعا وأكثر فتكا، وفوق ذلك كله، كان التسديد قريبا، فلا مناص من الإصابة. والصورة كلها كناية عن الاستعداد الكامل للإغواء([١٠٤]).

ومن التحذير من الدنيا قوله عليه السلام: (( ثم إن الدنيا دار فناء وعناء وغير وعبر ..))([١٠٥]). فقد استوفى صفات دار الدنيا من جميع جوانبها في أسلوب بلاغي مزج فيه بين البيان التشبيهي والبديع الموسيقي في التجنيس الناقص بين (فناء وعناء)وجناس التصحيف بين( غير و عبر).   

وكتب الإمام عليه السلام إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة يعظه: ((أما بعد ، فأقم للناس الحج ، وذكرهم بأيام الله ، وأجلس لهم العصرين ، فأفت المستفتي ، وعلم الجاهل وذاكر العالم ، ولا يكن لك إلى الناس سفير إلا لسانك ، ولا حاجب إلا وجهك)). ([١٠٦])

قسم الإمام لعامله ثمرة جلوس العصرين- وهما الغداة والعشي - ثلاثة أقسام هي:

الأول: إفتاء عامة الناس في بعض الأحكام

الثاني: تعليم الطالبين للفقه.

الثالث: مذاكرة العلماء ومناقشتهم.

ويلحظ أن الجامع لهذه التقسيمات الثلاثة هو الغرض الديني المتمثل بالحج والحجيج، وما يهمهم من شؤون علمية وفقهية، لذلك لم يذكر سواها من أمور إدارة الحكم والسياسة.

  1. الوصف

وسنأخذ مثالين من موضوعات الوصف هما:

  1. الإسلام

فصل الإمام من خطبة له الكلام في صفة الإسلام، فقال: ((الحمد لله الذي سهل الذي شرع الإسلام فسهل شرائعه لمن ورده... كريم المضمار ، رفيع الغاية ، جامع الحلبة متنافس السبقة ، شريف الفرسان . التصديق منهاجه ، والصالحات مناره ، والموت غايته ، والدنيا مضماره ، والقيامة حلبته ، والجنة سبقته)) ([١٠٧]) .

صور الإمام الإسلام بخيل السباق، ثم فصل في معناه، فجعل الدنيا المضمار، والقيامة ذات حلبته، والجنة جائزة فوزه وسبقته، وهو إنما جعل الدنيا مضمار الإسلام(( لان المسلم يقطع دنياه لا لدنياه بل لآخرته ، فالدنيا له كالمضمار للفرس إلى الغاية المعينة))([١٠٨]).

  1. الرسول(ص)

وصف الإمام النبي بوصف إجمالي أتبعه بتقسيم تفصيلي في قوله: ((طبيب دوار بطبه، قد أحكم مراهمه، وأحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي، وآذان صم، وألسنة بكم، متتبع بدوائه مواضع الغفلة)) ([١٠٩]).

وقسم الإمام من يعالجهم الرسول (ص) وهم أولو القلوب العمي والآذان الصم والألسنة البكم أي الخرس((فحصر بذلك مداخل الضلال لأن مخالفة الحق تكون بثلاثة أمور: إما بجهل القلب أو بعدم سماع المواعظ والحجج أو بالإمساك عن شهادة التوحيد وتلاوة الذكر)) ([١١٠])، وهذه أصول الضلال، والمعاصي فروعها، كما يقول ابن أبي الحديد.

الإمام وأصحابه

 قال الإمام من كتاب له إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة: ((أما بعد فإني خرجت عن حيي هذا إما ظالما وإما مظلوما وإما باغيا وإما مبغيا عليه، وأنا أذكر الله من بلغه كتابي هذا لما نفر إلي فإن كنت محسنا أعانني، وإن كنت مسيئا استعتبني)) ([١١١]) .

فقد قسم حال خروجه عليه السلام أمرين: إما أن يكون ظالما أو مظلوما، وإنما بدأ بالظالم هضما لنفسه، ولئلا يقول عدوه: بدأ بدعوى كونه مظلوما، فأعطى عدوه من نفسه ما أراد.

والإمام في ذلك كله يستميل إليه النفوس . ومعنى كلامه: فلينفر إلي المسلمون فإن وجدوني مظلوما أعانونني، وإن وجدوني ظالما نهوني عن ظلمي لأعتب وأنيب إلى الحق(( وهذا كلام حسن، ومراده يحصل على الوجهين، لأنه إنما أراد أن يستفزهم ،وهذان الوجهان يقتضيان نفيرهم إليه على كل حال)) ([١١٢]).

وفي مثال آخر ، قال الإمام: ((وإن معي لبصيرتي، ما لبست على نفسي ، ولا لبس على ...))([١١٣]) .

قسم الإمام التلبيس من جهتين : أما بإضلال النفس ، وأما بايقاع الضلال عليها من جهة أخرى ، معميا عليها باستعمال الفعل المبني للمجهول( لبس). وهذا (( تقسيم ، لان كل ضال عن الهداية ، فإما أن يضل من تلقاء نفسه ، أو بإضلال غيره له)) ([١١٤]). والمعنى الذي يروم الإمام تأكيده هو: أن بصيرته التي كانت زمن رسول الله (ص) ثابتة ولم تتغير ، وإنما أكدها هذا التأكيد بتقديم شبه الجملة( معي) لبيان الأهمية،  لما أصاب المسلمين من فتن قتال أهل القبلة في الجمل وصفين وغيرها.

الثالث:  التقسيم بالزمن 

المقصود بالزمن ما يتعلق به من ظروف ماضية، وحاضرة، ومستقبلة، أي الأمس واليوم والغد. فقد جاءت تقسيماتها في نهج البلاغة على هذا الأساس في مواضع منها :

قال الإمام (ع)من خطبة حذر فيها من التهالك على الدنيا: ((أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع ، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع ،ألا وإن اليوم المضمار ، وغدا السباق ، والسبقة الجنة ، والغاية النار))([١١٥]).

أعطت التقسيمات المحكمة متانة في السبك ، وأسبغت مزيدا من الثراء على الجمل، فضلا عن فخامة اللفظ وعمق المعنى، الأمر الذي تنبه إليه الشريف الرضي فقال: ((إنه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا ، ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام .. وكفى به قاطعا لعلائق الآمال ، وقادحا زناد الاتعاظ والازدجار)) ([١١٦]) .

استعمل الإمام (اليوم والغد ) مسندا (المضمار) وهي ساحة السباق إلى اليوم ، ومسندا السباق وبدء العمل إلى الغد، فكأنه جعل الدنيا المضمار والآخرة السباق، وهي صورة تكررت في كلام الإمام أكثر من موضع([١١٧]).

وخالف الإمام بين اللفظين لاختلاف المعنيين في قوله الأخير لأن (( الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب وغرض مطلوب ، وهذه صفة الجنة ، وليس هذا المعنى موجودا في النار ، نعوذ بالله منها )) ([١١٨]) فأسند (السبقة)وهي الجائزة إلى (الجنة)، ولم يقل(والسبقة النار)بل قال(والغاية النار) (( لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها ، ومن يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الامرين معا ، فهي في هذا الموضع كالمصير والمال ، قال الله تعالى : (( قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ))([١١٩])))([١٢٠]) .

وقال الإمام محذرا: ((إن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل)) ([١٢١]) ، كنى عن الدنيا باليوم ، وعن الآخرة بالغد ، وقابل بينهما باعتبار الدنيا عالم العمل وتأجيل الحساب ، والآخرة عالم الحساب دون العمل. وهما قسمان لا ثالث لهما . ولعل مما حسن التقسيم هو أسلوب  المقابلة بين الجملتين..

وقال عليه السلام:((فإن التقوى في اليوم الحرز والجنة ، وفي غد الطريق إلى الجنة)) ([١٢٢]) .قسم التقوى بوسيلة الأيام قسمين، مكنيا عن الدنيا باليوم باعتبار الحاضر، وعن الآخرة بالغد بضميمة المستقبل، مستغلا طاقات اللغة البديعية أمثل استغلال في أسلوب المقابلة والتوازن بين الفقرتين، والجناس الناقص بين (الجنة)، بضم الجيم، وتعني ما يتقى به، وبين (الجنة) جائزة المؤمنين.

ولضمان صحة التقسيم يتقدم الحاضر دائما على المستقبل ، ولكن الفرادة لا تفارق كلام الإمام، على الرغم من تقديم الظرف الزماني في أسلوب بياني رائع في قوله: (( وإن السعداء بالدنيا غدا، هم الهاربون منها اليوم، إذا رجفت الراجفة)) . فجاء التقسيم صحيحا بتقديم الغد على اليوم ، في صورة لافتة، لأن المعنى طلب هذه القسمة بقوة، حين جاور الظروف المتناقضة (الدنيا، والغد) ، فجعل السعداء في الحياة الدنيا في الآخرة (غدا) هم الذين يهربون من شراك لذائذها في حاضرهم(اليوم).

ومثل ذلك في نهج البلاغة كثير([١٢٣]).

وجمع الإمام (ع) الأزمان الثلاثة (الأمس،واليوم، والغد) في مكان واحد في قوله عليه السلام قبل موته:((أنا بالأمس صاحبكم، وأنا اليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم))([١٢٤])، فقسم الأيام الماضية والحاضرة والمستقبلة قسمة حسنة وهو إنما قال (عبرة لكم ) لأنهم يرونه بين أيديهم ملقى صريعا بعد أن اعتادوه يصرع الأبطال ويقتل الأقران.

الخاتمة

مما سبق ، يمكن استنتاج الخلاصات الآتية :

أولا : أن التقسيم فن بياني عربي اختص به الكلام العربي البديع متمثلا في أرفع مستوياته الإعجازية في التعبير القرآني ، والأسلوبية في التعبير النبوي وكلام الإمام علي (ع) في نهج البلاغة.

ثانيا : أن فن التقسيم يمثل تنظيما مزدوجا للفن والموضوع ، ممزوجين بالفكر والبيان معا.

ثالثا: أن التقسيم في نهج البلاغة اشتمل على ثلاث وسائل هي : التقسيم بالعدد والتقسيم بالموضوع والتقسيم بالزمن.

رابعا : أن التقسيم بالعدد في نهج البلاغة أثر لتنظيم فكري جديد سلك فيه الإمام سبيل الحديث النبوي في الإكثار منه وتنظيم الأفكار وحصرها بمقتضاه .

-----------------------------------------------
( ([١]البرهان ، الزركشي : ٣/٤٧١
( ([٢]الطراز ، العلوي : ٣/١٤٤
( ([٣]البقرة : ٢٨٤
( ([٤]الكشاف، الزمخشري : ١/٤٦، وينظر: النظم القرآني في كشاف الزمخشري، درويش الجندي: ٤٩
( ([٥]فاطر: ٣٢
( ([٦]ظ.مجمع البيان، الطبرسي : ٨/٢٤٦ ، البرهان، الزركشي: ٣/٢٦٠.
( ([٧]الرعد : ١٢
( ([٨]ظ. الإتقان في علوم القرآن، السيوطي: ٢/٢٤٠
( ([٩]الواقعة : ٧-٨-٩-١٠
( ([١٠]ظ. مجمع البيان، الطبرسي:٨/٢٤٦، ٩/٣٥٨، تفسير الآلوسي، الآلوسي: ٢٧/١٣١
( ([١١] الروم : ١٧-١٨
( ([١٢] ظ.مجمع البيان، الطبرسي: ٨/٥٢ ،البرهان،الزركشي: ٣/ ٤٧٢ ،تفسير الآلوسي، الآلوسي: ٢١/٢٨
( ([١٣]تنظر سورة براءة، وتنظر أيضا: هود : ٤٤، ق : ٤٠
( ([١٤]صحيح البخاري، البخاري : ١ / ١٤ ، صحيح مسلم، مسلم بن الوليد: ١/٥٦
( ([١٥]صحيح البخاري، البخاري :  ١ /٩ - ١٠
( ([١٦]المصدر نفسه : ١/ ١٤
( ([١٧]سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني: ٢/٧٧٦
( ([١٨]ينظر: صحيح البخاري، البخاري : ٢/٢٢٠ ،  ١/١٩، ١/٣٣
( ([١٩]ظ.الأثر القرآني في نهج البلاغة،عباس علي الفحام: ٢٣-٣٣
( ([٢٠]دراسة حول نهج البلاغة ، الجلالي : ٧٠
( ([٢١]ظ. الأثر القرآني في نهج البلاغة، عباس علي الفحام :    ٢٢٠-٢٣٥،  التصوير الفني في خطب الإمام علي: ١٠٨-١٢٠
( ([٢٢]ينظر : نهج البلاغة لمن، محمد حسن آل ياسين : ٣١-٣٢ ، دراسة حول نهج البلاغة ، الجلالي : ٧٠
( ([٢٣]نهج البلاغة، الإمام علي(ع): ٢/٤٠٩
( ([٢٤]لا نعلم بالضبط من هو أبو علي الذي يعنيه ابن أبي الحديد، ولم أعثر على ترجمة لابن أبي داوود.
( ([٢٥]شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد: ٢٠/ ١٧٤
( ([٢٦]ظ.النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير: ٥/١٣٨، سنن الدرامي، الدارمي: ١/٩٦
( ([٢٧]نهج البلاغة ، الإمام علي (ع): ٢/٣٥٩
( ([٢٨]المصدر نفسه : ٢/٣٩٦
( ([٢٩]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١٩/٣٦٤
( ([٣٠]نهج البلاغة، الإمام علي(ع) : ٢/٢٩٧
( ([٣١]نهج البلاغة، الإمام علي(ع): ٢/٣٩٤
( ([٣٢]المصدر نفسه : ٢/ ٤٠٣
( ([٣٣]المصدر نفسه : ٢/٣٣٣
( ([٣٤]المصدر نفسه : ١/٤١٠
( ([٣٥]ظ.شرح نهج البلاغة، ابن ميثم : ٣/ ٣٤٢
( ([٣٦]نهج البلاغة، الإمام علي(ع): ١/٥٥
( ([٣٧]لسان العرب، ابن منظور: قمش، غبش
( ([٣٨]ظ. شرح نهج البلاغة ، ابن ميثم البحراني :  ١/ ٣١٢
( ([٣٩]ظ. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد : ١ / ٢٨٤ - ٢٨٧
( ([٤٠]نهج البلاغة، الإمام علي(ع): ٢/ ٤١٢
( ([٤١]المصدر نفسه : ٢/٤١٣
( ([٤٢]شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني: ٢/ ٢٣٣، الاستيعاب،ابن عبد البر: ٣/ ١١٠١ ، الوافي بالوفيات،الصفدي: ٢١/ ١٧٩، السيرة الحلبية، الحلبي: ٢/ ٤٧٤
( ([٤٣]شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد :  ٩ / ١٢٢
( ([٤٤]نهج البلاغة، الإمام علي(ع): ٢/ ٢٥٩
( ([٤٥]شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد : ١٧/ ٩١
( ([٤٦]شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد :  ٩ / ١٢٢
( ([٤٧]نهج البلاغة، الإمام علي(ع) : ١/٨٧
( ([٤٨]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد : ٢/١٧٤ - ١٧٦
( ([٤٩]نهج البلاغة، الإمام علي(ع) : ٢/٣٩٨
( ([٥٠]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد : ٢/١٧٧ - ١٧٨
( ([٥١]نهج البلاغة،شرح محمد عبده : ١/ ٧٨ – ٧٩
( ([٥٢]شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد :  ٩ / ١٢
( ([٥٣]نهج البلاغة ، الإمام علي(ع) : ٢/ ٣٠٦ 
( ([٥٤]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد : ٢/١٧٤ - ١٧٦
( ([٥٥]ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد : ٢/١٧٤ - ١٧٦
( ([٥٦]شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١١ / ٤٨
( ([٥٧]نهج البلاغة، الإمام علي(ع): ٢/ ٣٣٧
( ([٥٨]ينظر: الأثر القرآني في نهج البلاغة، عباس علي الفحام: ٨٣- ١٠٥- ٣٤٩
( ([٥٩] غافر : ٦٠
( ([٦٠] النساء : ١١٠
( ([٦١]إبراهيم : ٧
( ([٦٢]النساء : ١٧
( ([٦٣]نهج البلاغة، الإمام علي(ع) : ٢/٣٧١
( ([٦٤]ظ. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١٩/ ١٥٨ – ١٥٩
( ([٦٥]ظ.ترجمته في: البداية والنهاية، ابن كثير: ٩/٢٩
(([٦٦] نهج البلاغة البلاغة، الإمام علي(ع) : ٢/ ١٣٥
( ([٦٧]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد : ١٤/ ٣٠ – ٣١
( ([٦٨]المصدر نفسه 
( ([٦٩]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد : ١٤/ ٣٠ – ٣١
( ([٧٠]نهج البلاغة، الإمام علي(ع) : ٢/٣١٣ ، وينظر مثله: في المصدر نفسه والصفحة.
( ([٧١]ظ. الصفحة: ٧ من البحث.
( ([٧٢]النساء : ٤٨
( ([٧٣]نهج البلاغة، الإمام علي(ع): ١/ ٤٢١
( ([٧٤]المصدر نفسه : ٢/ ٣٣٩
( ([٧٥]شرح ‏نهج‏البلاغة،ابن‏أبي‏الحديد:  ١٨/ ٣٤٨
( ([٧٦]آل عمران : ٧٩
( ([٧٧]شرح ‏نهج‏البلاغة،ابن‏أبي‏الحديد:  ١٨/ ٣٤٨
( ([٧٨]المصدر نفسه :  ٩ / ١٢٢
( ([٧٩]شرح‏ نهج‏البلاغة،ابن‏ميثم: ٥/٣٢٤
( ([٨٠]نهج البلاغة، الإمام علي(ع): ٢/٣٧٧
( ([٨١]المصدر نفسه : ٢/ ٣٣٨
( ([٨٢]المصدر نفسه : ٢/٣٨٦
( ([٨٣]المصدر نفسه : ٢/ ٣٩٥
( ([٨٤]ظ.تاريخ الطبري، الطبري: ٣/٤٥٠-٤٥١-٤٥٨-٤٦٦
( ([٨٥]نهج البلاغة، الإمام علي(ع): ١/ ٤١٢
( ([٨٦]شرح‏نهج البلاغة، ابن‏أبي‏الحديد: ١٠/ ٣     
( ([٨٧]شرح‏نهج‏البلاغة،ابن‏ ميثم: ٣/٣٤٦
( ([٨٨]شرح‏نهج‏البلاغة،ابن‏أبي‏الحديد : ١٠/٩
( ([٨٩]نهج البلاغة، الإمام علي(ع): ١/٥٤
( ([٩٠]نهج البلاغة، الإمام علي(ع)، شرح محمد عبده: ١/٤٩-٥٠
( ([٩١]نهج البلاغة، الإمام علي(ع): ٢/٣٢٤
( ([٩٢]المصدر نفسه : ١/٢١٦
( ([٩٣]شرح نهج البلاغة، ابن ميثم : ٥/٢٨٣
( ([٩٤]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٧/٧١
( ([٩٥]شرح‏نهج البلاغة،ابن‏ ميثم: ٢/٤٠٧
( ([٩٦] نهج البلاغة، الإمام علي(ع) : ٢/٤٠٠
( ([٩٧]شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني : ٥/٤٤٤
( ([٩٨] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد : ٢٠/ ٥٦
( ([٩٩]نهج البلاغة ، الإمام علي(ع) : ١/٢٨
( ([١٠٠]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد : ١/١٣٩ - ١٤٠
( ([١٠١]المصدر نفسه .
( ([١٠٢]نهج البلاغة ، الإمام علي(ع) : ٢/٩١
( ([١٠٣]الحجر : ٣٩
( ([١٠٤]ظ.التصوير الفني في خطب الإمام علي، عباس علي الفحام(رسالة ماجستير): ١٠٦
( ([١٠٥]نهج البلاغة ، الإمام علي(ع) : ١/٢٦٥
( ([١٠٦]المصدر نفسه : ٢/٢٨٩
( ([١٠٧]نهج البلاغة ، الإمام علي(ع) : ١/٢٣٧
( ([١٠٨]شرح نهج البلاغة،ابن أبي الحديد: ٧ /١٧١ – ١٧٢
( ([١٠٩]نهج البلاغة ، الإمام علي(ع) : ١/٢٤٣
( ([١١٠]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٧/١٨٤    ، وينظر : التصوير الفني في خطب الإمام علي، عباس الفحام(رسالة ماجستير): ١٠٥
( ([١١١]نهج البلاغة ، الإمام علي(ع) : ٢/٢٧١
( ([١١٢]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١٧/١٠٦   
( ([١١٣]نهج البلاغة ، الإمام علي(ع) : ١/٣١٥
( ([١١٤]شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١ / ٢٣٩ - ٢٤٠
( ([١١٥]نهج البلاغة ، الإمام علي(ع) : ١/٨٠
( ([١١٦]المصدر نفسه .
( ([١١٧]تنظر الصفحة :  ٢٩  من البحث.
( ([١١٨]شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد :  ٩ / ١٢٢
( ([١١٩]إبراهيم : ٣٠
( ([١٢٠]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد :  ٢ / ٩٢ - ٩٣
( ([١٢١]المصدر نفسه :  ٩ / ١٢٢
( ([١٢٢]نهج البلاغة ، الإمام علي(ع) : ٢/٨٤
( ([١٢٣]ظ. نهج البلاغة ، الإمام علي(ع) : ١/٢٦٧، ١/٤٢٨، ٢/٩
( ([١٢٤]المصدر نفسه : ٢/٢٥٩

قائمة المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم
  • الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، الشيخ أبو عبد الله ، محمد بن محمد بن النعمان ( ٣٣٦-٤٣١هـ).تحقيق : مؤسسة أهل البيت(عليهم السلام) لتحقيق التراث ، دار المفيد ، الطبعة الثانية ، بيروت – لبنان ١٤١٤هـ- ١٩٩٣م .
  • الاستيعاب ، - الاستيعاب،ابن عبد البر، تحقيق:علي محمد البجاوي، الطبعة الأولى، ١٤١٢،مطبعة دار الجيل - بيروت.
  • البرهان في علوم القرآن . الزركشي ،  محمد بن عبد الله الزركشي (ت ٧٩٤هـ) .تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية ، الطبعة الأولى ، القاهرة ١٩٥٧م .
  • تاريخ الطبري ( تاريخ الرسل والملوك )، أبو جعفر محمد بن جرير (ت٣١٠هـ) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم ، الطبعة الخامسة ، دار المعارف، مصر- ١٩٨٧م.

 - التصوير الفني في خطب الإمام علي (ع) .عباس علي الفحام.(رسالة ماجستير)،كلية التربية للبنات ، جامعة الكوفة ١٩٩٩م .

- التفسير الكبير (أو مفاتيح الغيب ) ، فخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت٦٠٦هـ) ، المطبعة البهية – مصر ، بدون تاريخ .

  • دراسة حول نهج البلاغة، محمد حسين الجلالي  الطبعة الأولى، مؤسسة الأعلمي، بيروت – ١٤٢١هـ.

ـ  روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، أبو الفضل شهاب الدين محمود الآلوسي ( ت ١٢٧٠هـ ). إدارة الطباعة المنيرية ، القاهرة ، بدون تاريخ.

  • سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني(ت٢٧٣هـ) ، تحقيق وترقيم وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

 - سنن الدارمي . أبو محمد ، عبد الله بن عبد الرحمن (ت ٢٥٥هـ) .طبع بعناية : محمد أحمد دهمان ، دمشق ، بدون تاريخ.

- السيرة الحلبية، الحلبي(ت١٠٤٤هـ)، دار المعرفة – بيروت ، ١٤٠٠هـ.

ـ شرح نهج البلاغة ، ميثم بن علي بن ميثم البحراني(ت ٦٧٩هـ).( المصباح شرح الكبير ) مطبعة خدمات ، الطبعة الثانية ، طهران ١٤٠٤ هـ .

ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد المدائني ( ت ٦٥٦ هـ).تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار إحياء التراث العربي ، القاهرة ،١٩٥٩ م .

- شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني ،الشيخ محمد باقر المحمودي، الطبعة الأولى- ١٩٩٠ م، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي – طهران، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – قم.

- صحيح البخاري، البخاري(ت ٢٥٦هـ)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت- ١٩٨١م.

  • الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم دقائق الإعجاز . يحي بن حمزة العلوي( ت ٧٤٩هـ ).تصحيح : سيد بن علي المرصفي ، مطبعة المقتطف ، مصر ، ١٩١٤م . 

- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التنزيل . جار الله محمود بن عمر الزمخشري( ت ٥٣٨هـ ). مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ، ١٩٦٦ م .

- لسان العرب ، ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم المصري( ت ٧١١هـ). .دار صادر ودار بيروت ، لبنان ١٣٧٩هـ ـ ١٩٥٥م.

- مجمع البيان في تفسير القرآن . الطبرسي . الفضل بن الحسين ( ت ٥٤٨هـ ) .

حقق وعلق عليه : لجنة من العلماء والمثقفين ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، ١٤١٥هـ - ١٩٩٥م.

ـ النظم القراني في كشاف الزمخشري .درويش الجندي( الدكتور) .مطبعة مصر ، ١٩٦٩م .

- نهج البلاغة ، علي بن أبي طالب عليه السلام (ت٣٦هـ) ، بجمع الشريف الرضي (ت٤٠٦هـ). تحقيق وشرح : محمد أبو الفضل ابراهيم ، بيروت – لبنان ، دار الجيل ، الطبعة الثانية ١٤١٦ هـ .

-  نهج البلاغة ، محمد عبده ، مطبعة بابل – بغداد ١٩٨٤م .

- نهج البلاغة لمن ، الشيخ محمد حسن آل ياسين ، مطبعة أوفسيت الميناء ،بغداد -١٩٧٧م.

- النهاية في غريب الحديث،ابن الأثير(ت٦٠٦هـ)، تحقيق:طاهر أحمد الزاوي ، محمود محمد الطناحي، الطبعة الرابعة- ١٣٦٤هـ .مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع – قم.

- الوافي بالوفيات، الصفدي (ت٧٦٤هـ)، أحمد الأرناؤوط و تركي مصطفى، دار إحياء التراث - ٢٠٠٠م.

****************************