وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                

Search form

إرسال الی صدیق
في رحاب العدالة العلويّة – الأول

اعتراف
ماذا عسى أن يقول الواصف حين يقف أمام شخصيّة أمير المؤمنين عليّ، وماذا عسى أن يكتب في إمامةٍ تشرّفت بالوصيّ عليّ، وإنسانيّةٍ طاهرةٍ تجلّت في الإمام عليّ، وكمالاتٍ وكرامات كتبها الله لرجلٍ هو عليّ ؟! وماذا يريد أن يقول القائل حين يقف أمامَ جبلٍ أشمّ يَلوي أعناق الناظرين، وعند بحرٍ ممتدٍّ زاخر تغيب حدوده، وآفاقٍ سحيقةٍ يعمى البصر عن مداها ؟!
إنّه إذا كَلَّ اللسان وعجز القلم فيَحقّ ذلك لصاحبهما وإن كان الأديبَ البارع، والبليغَ المفوَّه، لأنّه أمامَ سيلٍ أخّاذ من المعاني السامقة. فكم أبحَر المتفكّرون، وحلّق الشعراء وتَفَلْسَف الكلاميّون، فما عادوا إلاّ بأمرَين: بإعجابٍ مُذهِلٍ بأمير الحقّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وبعَجزٍ مستحكم عن أن يلمَّ بأيِّ شأنٍ منه أيُّ شرحٍ أو بيان؛ لأنّ روح عليٍّ في الأُفق الأسمى، ونفسه في الطُّهر الأزكى، وقلبه في غمار الهدى الإلهيّ، وضميره في النقاء الأصفى، ويد الله تبارك وتعالى ملمّة به في مراقي العرفان، كما أنّ يد رسول الله صلّى الله عليه وآله تحيطه محبّةً ونَفْساً.
ذلكُم هو عليٌّ المَثَلُ الأوفى للخير، حتّى أصبحت الآيات تفتخر بمدحه وتكريمه: كآية التطهير، وآية الولاية، وآية الإطعام، وآية المباهلة.. وأصبحت الأحاديث النبويّة تزهو بذِكره وعرض مناقبه وفضائله وسامي منازله ومراتبه التي لا يسبقها سابق، ولا يَلحق بها لاحق، بل ولا يطمع في إدراكها طامع! وأصحبنا كلُّنا نفتخر بحبّه ومودّته، ونتشرف جميعنا بولايته، ونتباهى بذكر مفاخره وكراماته، ومنها: إحقاقُه الحقّ وإبطاله الباطل، وتحكيم عدالته.
وإذا كنّا يوماً ما قد أمسكنا قلماً، أو أطلقنا لساناً في مدحه، فإنّا لابد أن نقدّم قبل ذلك اعترافنا بأنّا في هذا الأمر قد تجاوزنا قَدْرنا، وتجرّأنا على المعارف والحقائق، حيث ادّعَينا أنّنا نصوّرها ونرسمها وندوّنها بحذافيرها، وأنّى لنا ذلك إذا تجسّدت في الإمام عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه! كتب ابن أبي الحديد في مقدمة كتابه ( شرح نهج البلاغة ):
ـ ما أقول في رجلٍ أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يُمكِنْهم جَحْدُ مناقبه ولا كتمان فضائله.. ؟!
ـ وما أقول في رجلٍ تُعزى إليه كلُّ فضيلة، وتنتهي إليه كلُّ فِرقة، وتتجاذبه كلُّ طائفة ؟! فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عُذرها وسابقُ مضمارها، ومُجلّي حَلَبتها. كلُّ مَن بزغ فيها بَعدَه فمِنه أخذ، وله اقتفى، وعلى مثاله احتذى...
ـ وما أقول في رجلٍ تحبّه أهل الذمّة على تكذيبهم بالنبوّة، وتعظّمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملّة، وتُصوِّر ملوك الفرنج والروم صورته في بِيَعِها وبيوت عبادتها، حاملاً سيفَه مُشمِّراً لحربه، وتصوّر ملوك الترك والديلم صورته على أسيافها.. ؟!
ـ وما أقول في رجلٍ أحبَّ كلُّ واحدٍ أن يتكثّر به، وودّ كلُّ أحدٍ أن يتجمّل ويتحسّن بالانتساب إليه ؟!..
وهكذا ـ أيّها الإخوة الأفاضل ـ لا يخرج المرء من محاولاته في فهم هذه الشخصيّة إلاّ بالحيرة والإعجاب والعجز، فإذا أراد أن يقول شيئاً فحَسْبُه الإشارة، والحرُّ تكفيه الإشارة.

دعائم العدالة
ما أطيبَ اسم العدل على النفوس المظلومة، وهو الوسام الذي يتشرّف به الحاكم، والأمل الذي يتلهّف إليه الضعيف المظلوم. والعدالة هي من أصعب القوانين الإنسانيّة في التطبيق؛ لأنّها تصطدم بنزعاتِ الأقوياء وأهواء الأغنياء، فهي لذلك تتطلّب الإيمان بالله تعالى واليوم الآخِر إيماناً صادقاً، ولا تنهض إلاّ بالتقوى واستحضار رقابة الله جلّ وعلا في الضمير في كلّ وقت وكلّ واقعة، كما تتطلّب العدالةُ عزوفاً عن المحرّمات والأهواء، ونزعاً لحبّ الدنيا والتعلّق بها من القلب، وتحتاج إلى إرادة قويّة تتغلّب على كلّ هاجسٍ شيطانيّ، وعصبيّة جاهليّة، وغضبٍ جنونيّ، وتستلزم العدالةُ صبراً على ما قد تجرّه على مُقيمها من سخط الناس وعداواتهم!
ولقد أخذت العدالة أزهى صورها في سيرة الإمام عليّ عليه السلام؛ إذ كان أخشى الناس لله تبارك شأنه، وكان أتقى الناس وأزكاهم، فضلاً عن كونه أقضاهم ـ كما أقرّ الصحابة بذلك ـ، ولم يكن يبتغي إلاّ مرضاة ربِّه عزّوجلّ، فلم يُبالِ أنّ تلك العدالة التي أقامها والتزم بها قد نغّصت عليه حياته الشريفة، أو سلبته الراحة والاستقرار من عيشه وحكومته، أو جرّت عليه الحروب والنوائب والمصاعب والنكبات، وهو القائل سلامُ الله عليه: « ما تركَ الحقُّ لي مِن صديق »، ومع ذلك كان سلام الله عليه مُصرّاً على إقامة الحقّ إرضاءً لخالقه وإن سخط المخلوقون، فهو القائل صلوات الله عليه من قائل: « لا يَزيدُني كثرةُ الناسِ حَولي عِزّةً، ولا تَفرُّقُهم عنّي وحشةً » . ( الكتاب ٣٦ من نهج البلاغة )
بل كان يوصي قائلاً: « أيُّها الناس، لا تستوحشوا في طريقِ الهدى لقلّةِ أهلِه » ( الخطبة ٢٠١ من نهج البلاغة ).
ولا غروَ في ذلك، وأمير المؤمنين عليه السلام هو أديبُ رسول الله صلّى الله عليه وآله، ورسول الله أديب الله عزّ شأنه، وقد قال في خطبته القاصعة، الناصعة: « وقد عَلِمتُم موضعي من رسول الله صلّى الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخَصيصة. وَضَعني في حِجْره وأنا ولدٌ يَضُمُّني إلى صدره، ويَكنُفُني في فراشه، ويُمِسُّني جسَدَه، ويُشِمُّني عَرْفَه...
ولقد كنتُ أتَّبِعُه آتِّباعَ الفَصِيلِ أثَرَ أُمّه، يَرفع لي في كلِّ يومٍ مِن أخلاقه عَلَماً، ويأمرُني بالاقتداءِ به. ولقد كان يُجاورِ في كلِّ سنةٍ بِحِراء فأراه ولا يَراه غيري، ولم يَجمَع بيتٌ واحدٌ يومئذٍ في الإسلام غيرَ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وخديجةَ وأنا ثالثُهما، أرى نورَ الوحي والرسالة، وأَشُمُّ ريحَ النبوّة.
ولقد سَمِعتُ رنّةَ الشيطانِ حين نزَلَ الوحيُ عليه صلّى الله عليه وآله، فقلت: يا رسولَ الله، ما هذه الرنّة ؟ فقال: هذا الشيطانُ قد أَيِس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلاّ أنّك لستَ بنبيٍّ ولكنّك لَوزير، وإنّك لَعلى خير » ( الخطبة ١٩٢ من نهج البلاغة ).
وأيُّ خيرٍ ذلك وقد أقرّه الصادق المصدَّق محمّدٌ المصطفى صلّى الله عليه وآله ؟! إنّه الخير الأكمل، والأفضل، والأشمل، فهو كلُّ خير، ومِن ذلك الخير حُكمُه بالحقّ والعدل كما أراد الله تعالى وقضى وحكم، لا كما يريد أصحاب الأهواء المريضة، وأهل النفاق والعصبيّات الجاهليّة السقيمة، وذَوُو المطامع والشهوات المتمادية!
إنّ الإمام عليّاً عليه السلام لم يَعش إلاّ في بيت الوحي والرسالة، ولم يُرافق إلاّ النبوّة المحمّدية الخاتمة، على خلاف بقيّة الصحابة، فما فتح عينَيه الطاهرتين إلاّ في وجه أشرف الخلق رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومِن هنا قال فيه: « أنا أديبُ الله، وعليٌّ أديبي » ( مكارم الأخلاق لأبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي:١٧ )..
ومن هنا أيضاً قال عليه السلام: « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أدَّبَه الله عزّ وجل، وهو عليه السلام أدَّبَني، وأنا أُؤدِّب المؤمنين، وأُورِّثُ الآدابَ المُكْرَمين » ( تحف العقول لابن شعبة الحرّانيّ:١١٩ ).
وهنا يحسن أن نذكر لابن أبي الحديد قوله في ( شرح نهج البلاغة ): ( كان عليٌّ عليه السلام محظوظاً من دون الصحابة بخلواتٍ كان يخلوها مع رسول الله لا يطّلع أحدٌ من الناس على ما يدور بينهما، وكان كثيرَ السؤال للنبيّ عن معاني القرآن، وإذا لم يسأل ابتدأه النبيّ بالتعليم، ولم يكن أحدٌ من أصحاب النبيّ كذلك ).
ولا يمكن لأحدٍ منهم أن يكون كذلك، كيف وهو الذي امتلأ إيماناً وهدىً ونوراً وعلماً، وخشيةً من الله تعالى وتقوىً وطاعةً لربّه جَلّ وعلا ؟! وهو القائل: « إنّ العدلَ ميزانُ الله سبحانه الذي وَضَعَه للخَلْق، ونَصَبَه لإقامةِ الحقّ، فلا تُخالِفْه في ميزانِه، ولا تُعارضْه في سلطانِه » ( غرر الحكم للآمدي:١٠٣ )
فيصرّح هو صلوات الله عليه أنّ الظلم يعني مخالفةَ الله في ميزانه، ومعارضتَه في سلطانه، وأمير المؤمنين أخشى لله من أن يخطر له ظلم ولو مَلَك به الدنيا أضعافاً، وهو القائل سلامُ الله عليه مِن قائل: « واللهِ لو أُعطِيتُ الأقاليمَ السبعةَ بِما تحتَ أفلاكها، على أن أَعصيَ اللهَ في نملةٍ أسلُبُها جُلْبَ شَعيرةٍ ما فعلتُه. وإنّ دُنياكم عندي لأهونُ مِن ورقةٍ في فمِ جَرادةٍ تَقضَمُها. ما لِعليٍّ ولنعيمٍ يَفنى، ولذّةٍ لا تبقى ؟! نعوذُ باللهِ مِن سُبات العقل، وقُبحِ الزَّلَل، وبه نستعين » ( الخطبة ٢٢٤ من نهج البلاغة ).
وفي الوقت الذي تحتاج العدالة إلى الزهد، تحتاج إلى الشجاعة في تحكيم الحقّ ومواجهة الباطل وأهله، ولكن قد تفرض الشجاعة على صاحبها روح الاستعلاء على الآخرين وظُلمَ حقوقهم والانتقام منهم ـ بهوى نفس أو عصبيّةٍ منه، أو قد تدفع الشجاعة إلى تحقيق المنافع الذاتيّة بالغصب والابتزاز من المستضعفين المقهورين.. وصدق رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ قال: « آفةُ الشجاعة البغي » ( تحف العقول:١٣ ).
لكنّ شجاعة أمير المؤمنين عليه السلام ممزوجةٌ بالإيمان والغَيرة والبصيرة والحكمة، والائتمار بما أمر الله والانتهاء عمّا نهى، وبالتقوى والورع والخشية من الله تعالى والخشوع الدائم في حضرته المقدّسة، فلم تكن شجاعته يوماً ما إلاّ في طاعة الله تعالى ونصرة دينه وتأييد رسوله وتحصين شرائعه وردع أعدائه، نزيهةً عمّا يُبتلى به الآخرون من الأهواء والأمزجة والعصبيات المقيتة. فوضع الإمام عليٌّ عليه السلام شجاعته في رفع راية الإسلام وإعلاء كلمة الله جلّ وعلا ودحض كلمة الكفر والشرك والضلال، ثمّ جعلها سلام الله عليه في إعانة الضعفاء الأبرياء المظلومين حتّى يأخذ لهم الحقّ، ومواجهة الظالمين حتّى يأخذ منهم الحقّ.
قال ابن عبّاس: دخلتُ على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يَخصِف نَعلَه، فقال لي: « ما قيمةُ هذه النَّعْل ؟ »، فقلت: لا قيمةَ لها، فقال عليه السلام: « واللهِ لَهِيَ أَحَبُّ إليَّ مِن إمرتِكُم، إلاّ أن أُقيمَ حقّاً أو أدفعَ باطلاً » ( الخطبة ٣٣ من نهج البلاغة ).

من سمات العدالة العلويّة وخصائصها الشريفة التي لمسها الناس وعايشوها:
١. التنزّه عن الأهواء الشخصيّة: وأنّى للإمام الذي يعيّنه الله تعالى خليفةً لرسوله، ووصيّاً ووليّاً وحجّةً له على عباده، أن تكون له أهواء، أو نزعاتٌ تُخِلّ بالعصمة حتّى تجعله كباقي الناس! إذن ما الفرق بين الحُجّة والمحجوج ؟!
وقد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام وصفُه للمتّقي يومَ خطب فقال: « قد ألزَمَ نفسَه العدل، فكان أوّلَ عدلهِ نَفْيُ الهوى عن نفسِه » ( الخطبة ٨٧ ـ من نهج البلاغة ).
هذا من صفات المتّقي المؤمن، فكيف بسيّد الأتقياء والمؤمنين! وكيف بوصيّ رسول ربّ العالمين! فإنّ من بديهيّات خصاله أنّه لم يُفقده الرضى التزامَه بالحقّ، ولم يُدخله الغضبُ في باطلٍ قطّ، ولم تأخذه في الله لومةُ لائم.. وهو في الوقت ذاته عاملٌ بما أمر الله، وحريصٌ على أمان عباد الله، وساعٍ في الناس بالخير والرحمة والإحسان.. هكذا عُرِف الإمام وهكذا عُرِّف، كما في بيانٍ للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال فيه: « الإمام، الأنيسُ الرفيق، والوالدُ الشفيق، والأخُ الشقيق، والأُمُّ البَرّةُ بالولدِ الصغير، ومَفزَعُ العباد في الداهية النَّآد » ( الكافي للشيخ الكليني ١٥٥:١ / ح ١ ـ باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته ).
فحاشا الإمامَ سلام الله عليه أن يكون له هوىً يحابي به على غير حقّ، أو يدفعه غضبٌ فينتقم بغير حقّ، حاشاه.. وألف حاشاه، وهو الذي رضاه من رضى الله تبارك وتعالى، وغضبه من غضبه جلّ وعلا، وما فيه إلاّ الحقّ، بل هو الحقّ، جسّده اللهُ عزّوجلّ فيه ليكونَ واقعاً حيّاً بين الناس، يفهمونه بعد أن يَعْلموه، ويُدركونه ثمّ يُطيعوه.
وقد شاء الله تعالى أن يكون الحقّ في إمام، فاشتهر على لسان المصطفى حبيب الله صلّى الله عليه وآله قوله الشريف:
ـ « عليٌّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ، لن يفترقا حتّى يَرِدا علَيّ الحوض » ( تحفة المحبّين للبدخشاني:٢٠٢ ـ عن عائشة ).
ـ « رَحِمَ اللهُ عليّاً، اَللّهمَّ أدِرِ الحقَّ معه حيثما دار » ( المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري الشافعي ١٢٤:٣، سنن الترمذي ٢٩٧:٥ / ح ٣٧٩٨، فرائد السمطين للجويني الشافعي ١٧٦:١ ).
ـ « الحقُّ مع عليّ بن أبي طالب حيث دار » ( فرائد السمطين ١٧٧:١ / ح ١٣٩ ).
ـ « يا عليّ، إنّ الحقَّ معك، والحقّ على لسانك وفي قلبك، وبين عينَيك » ( نُزل الأبرار للبدخشي:٢٤ ).
ـ « الحقُّ لن يزول مع عليٍّ وعليٌّ مع الحق، لن يختلفا ولن يفترقا » ( تحفة المحبّين:٢٠٢ ـ بإسناده عن عائشة ).
وفي لغة العرب عُرِّفت « لن » أنّها حرفُ نفي للمستقبل، ورسول الله صلّى الله عليه وآله سيّد العرب، كما أنّ كلامه ـ وقد أُوتيَ جوامعَ الكَلِم ـ سيّدُ كلام العرب. فحَكمَ صلّى الله عليه وآله ـ وحكمه حقّ ـ أنّ عليّاً صلوات الله عليه في كلّ شيء حقّ، وفي كلّ وقتٍ وموقفٍ حقّ، فاستُفيد من كلامه أنّ عليّاً سلام الله عليه معصوم ولن يصدر منه إلاّ الحقّ، وأنّ مخالفيه ومناوئيه ومحاربيه هم على الباطل والضَّلال لأنّهم خالفوا الحقّ. كذلك يُستفاد أنّ قضاءَه وأجوبته كانت جميعها حقّاً لا شكَّ فيه ولا ريب ولا تردّد أبداً.
• ومن هنا أقرّت العقول والأقلام، فأوردت البياناتِ والحقائقَ التي لا يمكن إنكارها، فكتب:
ـ الخوارزمي الحنفي: عن أبي سعيد الخدريّ: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إنّ أقضى أُمّتي عليُّ بن أبي طالب » ( المناقب:٣٩ ـ الفصل السابع ).
ـ وابن حجر بإسناده: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « أقضاكُم عليّ » ( الصواعق المحرقة:٧٣ ).
ـ والشبلنجي الشافعي: قال ابن مسعود: أَفرَضُ أهل المدينة وأقضاها عليّ. ( نور الأبصار:٩٤ ).
ـ وابن عبدالبَرّ: قال عبدالرحمان بن أبي ليلى: قال عمر: عليٌّ أقضانا. ( الاستيعاب:١١٠٢ / الرقم ١٨٥٥ ـ القسم الثالث. ورواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ٣٢:٣ / خ ١٠٦١ ـ عن أبي هريرة ).
ـ وابن عساكر: بإسناده عن عبدالله بن عبّاس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « عليٌّ أقضى أُمّتي بكتاب الله، فَمَن أحبّني فَلْيُحبَّه؛ فإنّ العبد لا ينال ولايتي إلاّ بحبّ عليّ » ( تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب ٩٧:٢. أمّا في ج ٣ ص ١٢٠ / خ ١١٦٣ فقد روى ابن عساكر عن أبي ليلى الغِفاريّ أنّه قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: « ستكون مِن بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزَمُوا عليَّ بن أبي طالب؛ فإنّه أوّلُ مَن يراني وأوّل مَن يصافحني يومَ القيامة، وهو معي في السماء الأعلى، وهو الفاروقُ بينَ الحقّ والباطل » ).
وفي قضائه سلام الله عليه كان أحرصَ الناس على أن يعامل ذَويه على منهج الحقّ والعدالة والإنصاف كما لو كانوا مِن عامّة الناس، دون تفضيلٍ أو تمييزٍ لهم عن غيرهم.. روى مسلم صاحب الحنّاء يقول:
لمّا فرغ عليٌّ من أهل الجَمَل أتى الكوفة فدخل بيت المال، ثمّ قال: « يا مالُ غُرَّ غيري ». ثمّ قسّمه بيننا، ثمّ جاءت ابنةٌ للحسن أو الحسين فتناولت منه شيئاً، فسعى وراءها ففَكَّ يدها ونزعه منها، فقلنا: يا أمير المؤمنين، إنّ لها فيه حقّاً، فقال عليه السلام: « إذا أخذ أبوها حقَّه فَلْيُعطِها ما شاء » ( أنساب الأشراف للبلاذري ١٣٢:٢ ).
• وروى هارون بن سعيد قال: قال عبدالله بن الشهيد جعفر الطيار ابن أبي طالب لعمّه عليٍّ عليه السلام: يا أمير المؤمنين، لو أمرتَ لي بمعونةٍ أو نفقة، فَوَ اللهِ ما لي نفقةٌ إلاّ أن أبيعَ دابّتي، فقال عليه السلام له: لا والله، ما أجِدُ لك شيئاً إلاّ أن تأمر عمَّك أن يسرقَ فيُعطيَك.. »(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠٠:٢ ).
• وجاء أخوه عقيل بن أبي طالبٍ يوماً ـ وكان ضريراً ـ يطلب صاعاً من القمح من بيت المال، يصف ذلك الموقف أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: « واللهِ لقد رأيتُ عقيلاً أخي وقد أملق حتّى استماحني من بُرّكم صاعة، وعاوَدَني في عشر أوسُقٍ مِن شعيركم يُطعمه جياعَه، ويكاد يلوي ثالثَ أيّامه خامصاً ما استطاعه.. (، تذكر بعض المصادر أنّه عليه السلام أحمى له حديدةً على النار ثمّ أدناها من عقيل، ففزع، ثمّ وعظه: ) يا عقيل، أتَئِنُّ من حديدةِ أحماها إنسانُها لمدعبه، وتَجرُّني إلى نارٍ سَجَّرَها جبّارها لغضبه ؟! أتَئنّ مِن الأذى ولا أَئنّ مِن لظى ؟! »(بحار الأنوار ٣٤٧:٤٠ / ح ٢٩ ـ عن: أمالي الصدوق:٤٧١ / ح ٧ ـ المجلس ٩٠ ).
أمّا مع أعدائه، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام التزم العدالة أيضاً؛ إذ لم يكن له هوىً أو غضبٌ لغير الله جلّ وعلا، كما لم تكن له نزعةُ انتقامٍ إلاّ بما أمر الله تبارك وتعالى، فهو على فراش الشهادة يُوصي ولدَه الحسن المجتبى عليه السلام: « يا حَسَن، أبصروا ضاربي، أطعِمُوه من طعامي، واسقُوه من شرابي، فإن أنا عشتُ فأنا أولى بحقّي، وإن متُّ فاضربوه ضربةً، ولا تُمثّلوا به؛ فإنّي سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: إيّاكُم والمُثْلةَ ولو بالكلب العَقُور » ( الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة لابن الصبّاغ المالكي:١١٨. وفي نهج البلاغة: الكتاب ٤٧ ـ في وصيته عليه السلام لمّا ضربه ابن ملجم لعنه الله، قال فيها: « يا بَني عبدالمطّلب، لا ألفِيَنّكُم تَخوضون دماءَ المسلمينَ خَوضاً، تقولون: قُتِل أمير المؤمنين! ألا لا تَقتُلُنّ إلاّ قاتلي. انظروا إذا أنا مِتُّ مِن ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة، ولا تُمثّلوا بالرجل؛ فإنّي سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: إيّاكم والمُثْلةَ ولو بالكلب العَقُور » ).

ثانياً: الزهد والعزوف عن حبّ الدنيا:
وذلك من أوضح ما يكون في خصال أمير المؤمنين وخصائصه بين الصحابة، ولكن هل مِن فكرةٍ حول معنى الزهد وفضله ؟ نعم، نُوكل ذلك إلى الروايات الشريفة الواردة عن أهل بيت الرسالة:
• قال رسول الله صلّى الله عليه وآله «الزهدُ ليس بتحريم الحلال، ولكن أن يكون بما في يَدَيِ الله أوثقُ منه بما في يَدَيه »( أي بما في يَدَي العبد. إعلام الدين في صفات المؤمنين للحسن بن أبي الحسن الديلمي: ٢٩٣ ـ عنه: بحار الأنوار ١٧٤:٧٧ / ح ٨ )
• وقال صلّى الله عليه وآله: « الزهدُ في الدنيا: قِصَرُ الأمل، وشكرُ كلِّ نعمة، والورعُ عن كلّ ما حرّم الله » ( تُحف العقول عن آل الرسول لابن شعبة الحرّاني:٤٧ ـ عنه: بحار الأنوار ١٦٣:٧٧ / ح ١٧٦ ).
• وعن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام قال: « الزهدُ كلمةٌ بين كلمتين من القرآن، قال الله تعالى: لِكَيلا تَأسَوا على ما فاتَكُم ولا تَفرَحُوا بِما آتاكُم [ سورة الحديد:٢٣ ]، فَمَن لم يَأْسَ على الماضي، ولم يفرح بالآتي، فقد أخذ الزهدَ بِطرَفَيه » ( نهج البلاغة: الحكمة ٤٣٩ ـ عنه: بحار الأنوار ٧٠:٧٨ / ح ٢٧ ).
• وعنه أيضاً سلام الله عليه: « يا ابنَ آدم، لا تأسَفْ على مفقودٍ لا يَردُّه إليك الفَوت، ولا تَفرَحْ بموجودٍ لا يتركه في يَدَيك الموت » ( تنبيه الخواطر لورّام:٣٥٥ ).
• وفي دعائه من صحيفته المباركة، قال الإمام السجّاد عليُّ بن الحسين عليهما السلام: « اَللّهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآله، واجعَلْ ثنائي عليك ومدحي إيّاك وحَمْدي لك في كلِّ حالاتي؛ حتّى لا أفرَحَ بِما آتَيتَني من الدنيا، ولا أحزَنَ على ما منعتَني فيها » ( الدعاء العشرون ).
• وجاء في وصايا النبيّ صلّى الله عليه وآله قوله: « النارُ لِمَن رَكِب محرَّماً، والجنّة لمَن ترك الحلال ( أي لم ينغمر فيه إلى حدّ نسيان الآخرة )، فعليك بالزهد؛ فإنّ ذلك مِمّا يُباهي اللهُ به الملائكة، وبه يُقبِل اللهُ عليك بوجهه، ويُصلّي عليك الجبّار »
( مكارم الأخلاق لأبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي:٤٤٨ ـ عنه: بحار الأنوار ٩٨:٧٧ / ح ١ ).
• وفي خصوص الإمام عليٍّ عليه السلام، قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله: « يا عليّ، إنّ الله تعالى زيّنك بِزينةٍ لم يُزيّنِ العبادَ بزينةٍ هي أحبُّ إليه منها، زَهّدَك فيها، وبَغّضها إليك، وحَبَّب إليك الفقراءَ فَرَضِيتَ بهم أتْباعاً، ورَضُوا بك إماماً »
( بحار الأنوار ٣٣٠:٤٠ / ح ١٣ ـ عن: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة للإربلّي ).
فالزهد ـ لو تأمَّلْنا فيه ـ ضرورةٌ من ضرورات القضاء، وعاملٌ مهمّ من عوامل العدالة والإنصاف؛ لأنّ نفس الزاهد لا تميل إلى الحرام ولا استلابِ حقوق الآخرين، ولا تتحدّثُ في دواخلها في ظُلم أحدٍ؛ لأنّها قريبةٌ إلى الآخرة، والآخرة تعني العرض على الله جلّت عظمته، وتعني الحساب، والحساب بعده عقابٌ أو ثواب! ومَن ـ يا تُرى ـ يكون أزهدَ من رسول الله ووصيّه وأهل بيته صلوات الله عليهم وهم أهل الطاعة والتقوى والعبادة، ومنتهى الخشوع لله تبارك وتعالى ؟!
• قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضُمرة أحد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام: صِفْ لي عليّاً ( وذلك بعد شهادته عليه السلام )، فقال ضرار: اِعفِني، قال: لَتصِفَنَّه، قال ضرار: أمّا إذا كان لابدّ من وصفه، فإنّه كان بعيدَ المدى، شديدَ القُوى، يقول فصلاً، ويَحْكُم عدلاً، يتفجّر العلمُ من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزيرَ العَبْرة، طويلَ الفكرة، ويُعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جَشُب، وكان فينا كأحدنا، يُجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دَعَوناه، ونحن ـ واللهِ ـ مع تقريبه إيّانا وقُربهِ منّا لا نكاد نكلّمه هيبةً له، يُعظّم أهلَ الدين، ويُقرّب المساكين، لا يطمع القويُّ في باطله، ولا ييأس الضعيفُ من عدله.
وأشهدُ لقد رأيتُه في بعض موافقه وقد أرخى الليلُ سُدولَه، وغارت نجومُه، قابضاً على لحيته يتململُ تَململَ السليم، ويبكي بكاءَ الحزين، وهو يقول:
« يا دنيا غُرّي غيري، أبِي تعرّضتِ، أم إليّ تشوّقتِ ؟! هيهات! قد باينتُكِ ثلاثاً لا رجعةَ فيها؛ فعُمرُكِ قصير، وخطرُكِ كبير، وعيشُكِ حقير. آهٍ مِن قلّة الزاد وبُعدِ السفرِ ووحشةِ الطريق! » ( تذكرة خواصّ الأُمّة لسبط ابن الجوزي:٧٠ ).
نعم، إنّ حال مَن انقطع انشداده إلى الدنيا أن تكون إرادته أقوى، فإذا حُبِي بالإيمان كان رجلاً عادلاً، فكيف مَن هو إمامٌ وصيّ، وخليفةٌ لأكرم نبيّ ؟!
إنّ عليّاً صلوات الله عليه أكبر وأسمى مِن أن تستَهوِيَه دنيا، أو يأخذَه ما يغبن أحداً ـ حاشاه ـ، أو يُعطيَ لنفسه ولذويه ما لا يُعطيه لغيره.. حاشاه، وهو القائل ـ وقد صدَقَ في كلّ ما قال ـ: « بئس الزادُ إلى المعاد، العُدوانُ على العباد » ( غرر الحكم للآمدي:١٥٠ ).
بل كان عليه السلام يُعطي من نفسه ومن حقّه للآخرين، فيومَ جاءه أخوه عقيل يقول له: تأخّر العطاءُ عنّا وغلا السعر، لِتَصِلْني، فقال عليه السلام له: « واللهِ ما لي ممّا ترى شيئاً إلاّ عطائي، فإذا خرج فهو لك ».
وكان عليه السلام يعطي من راحته واستراحته لرعيّته، فهذا الأصبغ بن نباتة أحد أصحابه يروي أنّه رجع يوماً مع الإمام عليّ عليه السلام ضُحىً، فصعد الإمام إلى غرفته، حتّى إذا مرّت لحظاتٌ خرج عليه السلام يتوكأ على الجدار يُريد الوضوء، فلمّا سأله الأصبغ عن عدم نومه أجابه عليه السلام قائلاً: « يا أصبغ، إذا نمتُ ليلاً ضيّعتُ نفسي، وإذا نمتُ نهاراً ضيّعتُ رعيّتي »؛ لأنّ ليل عليٍّ سلام الله عليه كان تهجّداً وقياماً بين يَدَي الله تبارك وتعالى، ونهاره كان خدمةً للناس وقضاءً لحوائجهم.
وأمّا الدنيا، فلم يأخذ منها لنفسه إلاّ ما كان في طاعة الله جلّ وعلا، فقد تركها لِمَن نسيَ ربَّه وآخرتَه! قال الإمام محمّد الباقر عليه السلام: « وُلّيَ خمسَ سنين، وما وَضَع آجُرّةً ولا لَبِنَةً على لَبِنَة، ولا أقطع قطيعاً، ولا أورَثَ بيضاءَ ولا حمراء ».
وترصّد غذاءَه عمرُو بنُ حُرَيث، فأتت الخادمة فضّةُ بِجِرابٍ مختوم، فأخرج عليه السلام منه خبزاً متغيّراً خشناً، فقال عمرو: يا فضّة، لو نَخَلتِ هذا الدقيق وطيّبتهِ، قالت: كنتُ أفعلُ فنهاني، وكنتُ أضعُ في جرابه طعاماً طيّباً فختم جرابه.
قال الراوي: ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السلام فَتّ ذلك الخبزَ الخشن في قصعةٍ وصبَّ عليه الماء، ثمّ ذرَّ عليه الملح، وحَسَر عن ذراعه، فلمّا فَرَغ قال لعمرو: « يا عمرو، لقد حانت هذه ( ومَدّ يدَه الشريفة إلى محاسنه )، وخَسِرتْ هذه أن أُدخلها النارَ من أجل الطعام. هذا يَجزيني » ( عن: ربيع الأبرار للزمخشري ).
أجَل، إنّه الرجل العارف الذي ترفّع عن الزوائل، فهو وليُّ الله صاحب الباقيات الصالحات، وهو العالم بمعاني كلمات الله، وقد خاطب اللهُ حبيبَه المصطفى صلّى الله عليه وآله بقوله: ولَلآخِرةُ خَيرٌ لكَ مِنَ الأُولى [ الضحى:٤ ].
وأمير المؤمنين عليه السلام فوق ذلك كلّه، فحياتُه كلّها طاعات وعبادات وتوجّهات، وكلُّ ذلك عن معرفةٍ وإخلاصٍ وتوحيد، ليس فيه رغباتٌ دنيويّة، ولا شهواتٌ دَنيّة، وهو القائل سلام الله عليه من قائل يناجي ربَّه عزّوجلّ بِلُغة العاشق، وصراحة الواله الوامق: « ما عبدتُك خوفاً مِن نارك ولا طمعاً في جنّتك، ولكنْ وجدتُك أهلاً للعبادة فعبدتُك » ( بحار الأنوار ١٨٦:٧٠ ـ تبيين ).
فَمِن رجلٍ هذه معرفته وتلك عبادته وتقواه، لا يُنتظَر منه إلاّ العدلُ الإلهيّ، ولا يُتوقَّع منه إلاّ إحقاقُ الحقّ وإبطال الباطل، وجبرُ كسر المظلومين، والأخذ على يد الظالمين، ولا يخطر على البال منه إلاّ الخيرُ والرحمة والإنصاف والعدالة والإحسان، وإلاّ إزاحةُ البغي والظلم والحيف والإجحاف والجزاف وامتهانِ حقوق الفقراء والمساكين والمحرومين والمستضعفين.
ومن هنا أحبَّه الناس في زمانه، وأحبّته الأجيال ـ وما تزال ولن تزال ـ بعد شهادته، وذلك إنباء الله عزّوجلّ فيه وقد قال عزّ مِن قائل: إنَّ الَّذين آمَنُوا وعَمِلُوا الصالحاتِ سيَجعَلُ لَهمُ الرحمنُ وُدّاً [ سورة مريم:٩٦ ].
• قال النيسابوري في ( تفسيره ٥٢٠:٢ )، وابن حجر الشافعي في ( الصواعق المحرقة:١٧٠ ) في ظلّ هذه الآية الشريفة: عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب.
• كذا روى عن ابن عباس المحبُّ الطبري الشافعيّ في كتابه ( ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى:٨٩ ) بسنده عن ابن عبّاس أنّه قال: نزل قوله تعالى: إنَّ الَّذينَ آمنُوا وعَمِلُوا الصالحاتِ سيَجعَلُ لَهمُ الرحمنُ وُدّاً في عليّ بن أبي طالب، جعل اللهُ له ودّاً في قلوب المؤمنين.
( روى ذلك أيضاً: الشبلنجي الشافعي في: نور الأبصار في مناقب آل النبيّ المختار:١١٢، وابن الصبّان في إسعاف الراغبين:١٠٩، والخطيب البغدادي في المناقب:١٨٨، وأبو بكر بن شهاب الدين الشافعي في رشفة الصادي من بحر بني النبيّ الهادي المسمّى بـ: الشاهد المقبول بفضل أبناء الرسول:٢٥ ).

يتبع ...

****************************