وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                

Search form

إرسال الی صدیق
في رحاب نهج البلاغة (التّاريخ في مجال السّياسة) - الأول

إسلام الموسوي

تمهيد
السّياسة لدى رجل العقيدة ورجل الدّولة الحاكم القائد - وهو ما كانه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - أداة للتّغلّب على سلبيات الماضي والحاضر من أجل التّوصل إلى أوضاع حياتية أفضل في المستقبل لأكبر قدر من النّاس.
والسّياسة، في الوقت نفسه، أداة للمحافظة على إيجابيّات الماضي والحاضر أمام عواصف التغيير والتقلّبات المفاجئة التي قد تحمل للمجتمع السّياسي في ثناياها نذر كارثة.
السّياسة، إذن، ليست فنّ التغيير فقط، إنّها فنّ الثّبات أيضاً.
إنّ السّياسي الأمين على قضية مجتمعه، يعيش في أبعاد الزّمان كلّها - ماضيه وحاضره ومستقبله - ويتعامل مع حقائق الماضي، وواقع الحاضر، وآمال ومخاوف ومطامح المستقبل، يقود، بحذر لا يبلغ الجمود ومغامرة لا تبلغ التّهوّر، مجتمعه نحو آفاق جديدة دون أن يبتر استمراريّته وبعده في الماضي.
نقول هذا في مواجهة دعاة التغيير منا في عصرنا هذا، التغيير الّذي يستهدف استئصال جذورنا لقذفنا في الفراغ تحت شعار: ريادة المستقبل، جاعلين منا ساحة لتجربة النّظريات والأفكار الّتي توضع في مراكز الحضارة الحديثة في أوربّا وأمريكا والإتحاد السّوفياتي.
نقول هذا داعين إلى إعادة النّظرة في هذا النهج لمصلحة نهج آخر أقلّ غلوّاً، وأكثر واقعية، وأوثق صلة بتكويننا العقيدي والحضاري والثّقافي، وأشدّ مواءمة لمصالحنا في الحاضر والمستقبل، وأوفق بدورنا الّذي نطمح إلى استعادته لنساهم به في إنقاذ الإنسان الحديث بتقويم الحضارة الحديثة، وتصحيح مسارها نحو وضعيّة ملائمة لتكوين الإنسان.
لقد كانت سياسة أمير المؤمنين علي (ع) - كما سنرى وجوهاً منها في الفصول التالية.. محكومة بهاجس واحد كبير ونبيل: تكوين الإنسان المسلم المتكامل القوي السّعيد، والمجتمع المسلم المتكامل القوي السّعيد، الإنسان والمجتمع المؤهلين ليكونا قوة خيّرة في العالم، يمثلان طموح الإنسانيّة الدّائم المتوهج نحو مثل أعلى.
وقد كانت، لذلك سياسة لا تستمد مقوّماتها من الحفاظ على الذّات وعلى مصالح الحاكم وأُسرته، فلقد كانت أُسرة أمير المؤمنين علي أكثر النّاس حرماناً من خيرات حكمه، وكان هو عليه السّلام أكثر حرماناً من أسرته.
وكانت سياسته تستضيء بنور الفكر، وتستهدي تعليم اللّه، وتنفلق من قيم الأخلاق والمناقب الّتي تشرّف الإنسان، ولذا فقد كانت سياسة الإمام إنسانية بكلّ ما لهذه الكلمة من محتوى.
لم تكن أبداً سياسة الأفعال وردود الأفعال، وحسابات الأرباح والخسائر للحاكم وآله وبطانته... هذه السّياسة التي تحمل روح الطيش والغريزة، وتوجّه بعقليّة مزيج من روح الغاية وروح التّجارة.
وقد كان أمير المؤمنين علي في سياسته أميناً لعقيدته، أميناً لشريعته، فلا ينحرف عنهما أبداً، ولا يتجاوزهما - كما لا يقصّر عنهما - في أمر من الأمور أو في حالة من الحالات.
أميناً لأخلاقيّاته القرآنيّة - النّبويّة، ولذا فقد جعل من العمل السّياسي ممارسة رفيعة للمناقب، أميناً لمجتمعه، فيشركه في اتخاذ القرارات بعد أن يبصّره بعواقب سوء الإختيار:
«...ولقد أصبحنا في زمانٍ قد اتخذَ أكثرُ أهلِهِ الغدر كَيساً [١] ونسبهُم أهلُ الجهلِ فيهِ إلى حُسنِ الحِيلةِ. ما لهُم! قاتَلهُمُ اللّه! قد يرى الحُوَّلُ القُلَّب [٢] وجه الحِيلةِ ودُونها مانِع من أمرِ اللّه ونهيهِ، فيدعُها رأي عينٍ بعد القُدرةِ عليها، وينتهزُ فُرصتها من لا حريجة [٣] لهُ في الدِّينِ» [٤].
وقال في موقف آخر:
«واللّه ما مُعاويةُ بِأدهى مِنَّي، ولكُنَّهُ يغدِرُ ويفجُرُ. ولولا كراهِيةُ الغدرِ لكُنتُ مِن أدهى النّاسِ. ولكِن كُلُّ غُدرةٍ فُجّرة، وكُلُّ فُجّرَةٍ كُفرة «وِلِكُلِّ غادرٍ لِواء يُعرفُ به يوم القيامةِ» [٥] واللّه ما أُستغفلُ بالمكيدَةِ، ولا اُستغمَزُ [٦] بالشَّديدةِ» [٧].
وبعد هذا التمهيد، كيف تعامل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب مع التّاريخ في مجال تعليمه السّياسي.
١ - حركة التاريخ في مظهر التّفاعل الإجتماعي الثّوري
البشر يتحركون دائماً في الزّمان والمكان: يبدعون، ويتواصلون بالتّجارة والصداقة تارةً، وبالعداوة والحرب تارةً، وبالفكر دائماً.
ويتعاملون مع الطّبيعة دائماً. يكيّفونها ويتكيّفون معها، ويحبّونها ويهربون منها في بعض الأحيان.
وهم يواجهون الإخفاق وخيبات الأمل في حالات، ويسعدون بنشوة النصر في حالات أخرى. ويشلّهم اليأس عن الحركة في بعض الحالات، ولكن سرعان ما يؤجّح الأمل في التّقدم والمستقبل الأفضل في قلوبهم جذوة الرغبة في التغيير فيعودون إلى الحركة من جديد.
وهكذا يصنع البشر تاريخهم باستمرار. ينسجونه خيطاً فخيطاً، ويبنونه ذرّةً فذرَّةً من ملايين الآمال الصّغيرة، والمخاوف الصّغيرة، والأحقاد الصّغيرة، والشّهوات الصّغيرة، الّتي تنكر لهم كلّها وتتراكم فتتكوّن منها عجينة التاريخ.
ولكنها لن تكون تاريخاً ما لم تأخذ قواماً معيناً وما لم تتشكل بهيئة معينة... ما لم تتضمن فكرة تغيير، وروح تغيير، وعزيمة تغيير، تجعل من آحاد الآمال والمخاوف والأحقاد والشّهوات التي تبلغ الملايين شيئاً واحداً كبيراً تنبض فيه روح واحدة تلفّ بوهجها كلّ المجتمع والجماعة، وتدفع بهم - لا في طريق الحركات الأحاديّة المبعثرة - في طريق حركة متدفقة هادرة، تحدوها رؤيا واحدة أو رؤى متقاربة تلتقي على التّغيير. حينئذٍ تنشط حركة التّاريخ الّتي كانت هادئة أو أمينة، وتتعاظم، وتلد الأحداث الكبيرة، وتدخل المجتمع والجماعة في منعطف من التاريخ جديد.
قد يتمّ هذا التّفاعل في حال السّلم والإستقرار الإجتماعي فتكون الفترة الزّمنية الّتي يستغرقها التّغيير - بعد فترة الإعداد والإختمار - طويلة نسبيّاً، لأنّ التّغيير التّاريخي يتم في هذه الحالة وفقاً لمعادلات السّلم والإستقرار الّتي تجعل الإنسان أكثر أناة وتؤدة في حركته، وأكثر قدرة على الإختيار.
وقد يتمّ هذا التّفاعل في حال الغليان الإجتماعي والقلق العام. في هذا الحال تنشأ ظاهرتان:
الأولى - ظاهرة رفض وتمرّد في الجماهير، يغذيها ويؤججها اليأس من العدالة الرّسمية، وينعشها الأمل في مستقبل أفضل لهذه الجماهير يتوصل إليه دعاة التّغيير.
الثّانية - تقابل الأولى وتتولّد منها، وهي إجراءات القمع التي تلجأ إليها السّلطة الرسميّة من أجل أن تضمن سيادة وثبات نظامها وقيمها.
إنّ هذا القمع يعزز روح اليأس والغضب، ويدفع إلى مزيد من التّمرّد والرّفض، ويرصّ - بدرجة أعلى من الصّلابة والتّماسك - ملايين الآمال والمخاوف والأحقاد والشّهوات، ويؤجج روح الغضب، ويدفع الجماهير، أكثر فأكثر، نحو العنف باتجاه التغيير.
في هذه الحالة تقصر نسبياً، الفترة الحاسمة الّتي يستغرقها التّغيير - بعد فترة الإعداد والإختمار -.. إنّ الأحداث تتسارع، ويتعاظم حجمها، وتتسع مساحة الفئات الإجتماعية الّتي تشارك فيها، وتتصاعد إلى أن تبلغ الذّروة الّتي ينهار عندها العهد التّاريخي الّذي كان سائداً، ويدخل المجتمع في منعطف من تاريخه جديد.
إذن البشر لا يتوقفون عن صنع التأريخ، لكنّهم قد يصنعون تاريخهم في حال السّلم، وقد يصنعونه في حال الغليان والتّوتّر الإجتماعي، كما قد يصنعونه بالحرب.
وقد لاحظ الإمام علي عليه السّلام حركة التّاريخ في مظهرها الثّاني لأنّ الظّروف السّائدة في مجتمعه كانت تدفع بهذا المجتمع نحو هذا المسار الدّامي في مواجهة مستقبله المكفهر، الحافل بالأنواء.
لقد تسببت أخطاء الحكم في عهد الخليفة عثمان بن عفان في خيبة آمال فئات واسعة من المسلمين وغضبها. كما تسبّبت - إلى جانب ذلك - في انبعاث كثير من القيم والأخلاق والمطامح الجاهليّة الّتي نَشطت للعمل من خلال ممثليها ورموزها في قمة السّلطة في مجالات السّياسة والإقتصاد والإجتماع. وقد أدّى انبعاث هذه القيم الجاهليّة إلى تعارض في المصالح بين ممثلي هذه القيم وبين أكثرية المسلمين الّذين كانت تغتذي نفوسهم بالآمال الّتي تولدها قيم الإسلام في العدالة الخالصة والمساواة... هذا التعارض المأساوي الّذي ما فتئت تغذيه أخطاء الحكم وسياسات الرّموز الجاهلية العائدة، فتعمّقه، وتزيده حدّة، وتدفع به إلى مزيد من الإتساع والإنتشار.
وقد تراكم كلّ ذلك على مدى سنين، واتسع إلى أن شمل حواضر الدّولة كلّها. وأدى في النّهاية إلى عاقبته الوخيمة وثمرته المرّة: ثورة شارك فيها الأغنياء والفقراء، السّاخطون بلا حقد والحاقدون من علية القوم. وأدّت الثورة إلى مقتل الخليفة عثمان، وإلى دخول المسلمين في منعطف من تاريخهم جديد طلبوا من علي بن أبي طالب أن يقودهم فيه، ولكنّه رفض طلبهم، لأنّه أدرك - وهو الراعي للتاريخ وأفاعليه وآلية حركته - أن حجم الحاجات الّتي يفتقر إليها النّاس والآمال الّتي تعمر قلوبهم أكبر بكثير من حجم الإمكانات الّتي توفرها مؤسسات الدّولة، وأن حجم المعوّقات الّتي يمثّلها رموز العهد الماضي وقواه الّتي شلّتها الثورة فاضطرت إلى الإنكماش... حجم هذه المعوّقات كبير وخطير، لأنّها مستشرية في جميع مراكز السّلطة، وقد قال لهم معلناً رفضه:
«دعُوني والتمِسُوا غيري، فإنَّا مُستقبِلُون أمراً لهُ وجوه وألوان، لا تقُوم لهُ القُلُوبُ، ولا تثبُتُ عليهِ العُقُولُ [٨]. وإنّ الآفاق قد أغامت [٩]، والمحجَّة قد تنكَّرت [١٠]. واعلموا أني إن أجبتُكُم ركِبتُ بِكُم ما أعلمُ، ولم أُصغِ إلى قولِ القائلِ وعتبِ العاتبِ، وإن تركتُمُوني فأنا كأحدِكُم، ولعلِّي أسمعُكُم وأطوعُكُم لِمن ولَّيتُمُوهُ أمركُم، وأنا لكُم وزيراً، خير لكُم منّي أميراً» [١١].
وقد ذكّر الإمام، فيما بعد، بموقفه هذا في مناسبات كثيرة، منها قوله في كلام له عند خروج طلحة والزّبير عليه:
«فأقبلتُم إليَّ إقبال العُوذ المطافيلِ على أولادِها [١٢]، تقُولُون: البيعة البيعة!! قبضتُ كفِّي فبسطتُمُوها، ونازعتكُم يدي فجاذبتُمُوها [١٣].
ومنها قوله لطلحة والزّبير أيضاً:
«واللّه ما كانت لي في الخِلافةِ رغبة، ولا في الولايةِ إربة [١٤]، ولكِنَّكُم دعوتُمُوني إليها، وحملتُمُوني عليها...» [١٥].

وقال في موقف آخر:
«...وبسطتُم يدي فكففتُها، ومددتُمُوها فقبضتُها. ثُمَّ تداكُكتُم عليَّ [١٦] تَداكَّ الإبلِ الهيم [١٧] على حِياضِها يوم وردِها، حتَّى انقطعتِ النَّعلُ، وسقط الرِّداءُ، ووُطئ الضَّعِيفُ، وبلغَ مِن سُرُور النَّاسِ ببيعتهم إيَّاي أن ابتهج بها الصَّغيرُ، وهدج إليها الكبيرُ [١٨]، وتحامل نحوها العليلُ، وحسرت [١٩] إليها الكِعابُ» [٢٠].
لماذا أبى الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام أن يستجيب... ؟
لعلّه كان يأمل أن يمرّ المجتمع - بعد ما أصاب علاقاته من اهتزاز وتشويه في العهد الماضي - في مرحلة انتقال يقوده فيها رجال لا تتألّب عليهم مراكز القوى الجديدة الّتي تمثّل قيم الجاهليّة...
ولكنّ تيّار الرّغبة كان عارماً، كما تعكسه لنا النّصوص الآنفة الذّكر، ولم يكن من الممكن تحويل ولاء الجماهير وثقتها إلى بديل. لقد كان الرّفض يعني الكارثة، لأنّ القوى الجاهليّة كانت قادرة - إذا استمر الفراغ في السّلطة - أن تعود من جديد بعد أن تكتّل قواها المبعثرة، وحينئذٍ يحرم المجتمع الإسلامي حتّى من تجربة تكون في المستقبل نموذجاً وملهماً...
ولا نعدم في نهج البلاغة نصوصاً تضيء هذه المسألة، وتوحي بقوّة أنّ الإمام كان يفكر على هذا النّحو، وذلك كقوله في كلام له عنونه الشّريف الرّضي بـ«...يبيّن سبب طلبه الحكم ويصف الإمام الحق»:
«...اللّهُمَّ إنَّك تعلمُ أنّهُ لم يكُنِ الذّي كان مِنّا مُنافسةً في سُلطانٍ، ولا التِماس شيءٍ مِن فُضُول الحُطامِ، ولكن لنردَ المعالمَ من دينك ونُظهر الإصلاح في بلادك، فيأمنَ المظلُومُون مِن عبادِك، وتُقام المُعطَّلةُ من حُدُودك» [٢١].
وقوله في كتاب منه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لمّا ولاه إمارتها:
«...ولكننَّي آسى [٢٢] أن يلي [٢٣] أمر هذهِ الأمّةِ سُفهاؤُها وفُجَّارُها، فيتّخِذُوا مال اللّه دُولا  [٢٤] وعِبادَهُ خولاً [٢٥] والصّالحينَ حرباً [٢٦]، والفاسقينَ حزباً...» [٢٧].
وهكذا استجاب عليّ بن أبي طالب للرّغبات الملحّة المتلهفة، فقبل كارهاً - على ما يبدو - أن يتولّى السّلطة ويقود الأمّة. وقد تبلورت وتحددت باستجابته وتولّيه للسّلطة ثلاث قوى سياسيّة - فكريّة، هي:
١ - النّهج الإسلامي الصّافي النّبوي : تمثّله السّلطة الشرعيّة (الخلافة) وعلى رأسها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع).
والهدف الآني المباشر والملحّ لهذا النهج كان تصحيح الأوضاع السّياسيّة والإداريّة والإقتصاديّة في المجتمع الإسلامي الّذي يتطلّع بلهفة إلى تغييرات تحقق آماله. كما كان هذا الهدف يستبطن هدفاً آخر هو إعادة الإعتبار النّظري والعملي للمفاهيم والقيم الإسلامية.
٢ - النهج الجاهلي المموّه بالإسلام : وقد كان هذا النّهج يتمتع بسلطة واسعة وثابتة في المنطقة السّوريّة. وكانت له جيوب في الحجاز، والعراق، ومصر، وغيرها من بلاد الإسلام.
وقد بدا منذ اللّحظة الأولى أنّ قائد هذا النّهج هو معاوية بن أبي سفيان، والهدف الآني والنّهائي لهذا النّهج هو تثبيت الأوضاع القديمة، وإجهاض النّهج النّبوي أو قمعه بإثارة المشاكل والفتن في وجهه.
إنّه الثّورة المضادّة. إنّه قطع الطّريق على حركة التغيير.
.. وقد عبّر الإمام عن قادة هذا النّهج بأنهم «أرادُوا ردَّ الأمورِ على أدبارِها»وذلك في كلام له عن أصحاب الجمل:
«إنَّ هؤُلاءِ قد تمالأوا [٢٨] على سخطةِ [٢٩] إمارتي، وسأصبِرُ ما لم أخف على جماعتِكُم، فإنَّهُم إن تمّمُوا على فيالةِ [٣٠] هذا الرَّأي انقطع نِظامُ المُسلمِين، وإنَّما طلبُوا هذهِ الدُّنيا حسداً لِمن أفاءها [٣١] اللّه عليهِ، فأرادُوا ردَّ الأُمُورِ على أدبارِها. ولكُم علينا العملُ بكتابِ اللّه، تعالى، وسِيرةِ رسُولِ اللّه (ص)، والقيامُ بِحقِّهِ، والنَّعشُ [٣٢] لِسُنَّتهِ» [٣٣] .
٣ - الموقف المتردد الحائر - إِذا صح أن يسمى التّردد موقفاً -.
وتمثّل هذا الموقف بعض القيادات الثّانويّة: (سعد بن أبي وقاص، عبد اللّه بن عمر.. وآخرون).
هذا النّهج لم يبلغ من الصفاء والوعي درجة تحمله على أن ينضوي في النّهج النبوي وكانت مصالح رجاله من جهة وأثارة من التّقوى في أنفس بعضهم من جهة أخرى، قد حملتا هؤلاء الرّجال على التزام جانب الحيطة والحذر من النهج الجاهلي فلم ينحازوا إليه في هذه المرحلة، وإن كان بعضهم قد والى النّهج في النّهاية.

هؤلاء قال عنهم الإمام (ع) : «خذلُوا الحقَّ، ولم ينصُروا الباطِلَ» [٣٤].
ولما قال له الحارث بن حوط: أتُرانِي أظُنّ أصحابَ الجملِ كانُوا على ضلالة ؟ قال لهُ الإمامُ:
«يا حارِث إنَّك نظرت تحتك ولم تنظُر فوقك فحِرت [٣٥]، إنّك لم تعرِفِ الحقَّ فتعرِف من أتاهُ، ولم تعرِفِ الباطِلَ فتعرِفَ من أتاهُ».
فقال لَه الحارثُ بنُ حَوط: فإنّي أعتزلُ مع سعيدِ بن مالِك وعبد اللّه بن عُمرَ... فأجابه الإمامُ قائلاً:
«إنَّ سعيداً وعبد اللهِ بن عُمر لم ينصُروا الحقَّ، ولم يخذُلا الباطِلَ» [٣٦].
وكان بعض ممثلي هذا الموقف يتمتعون باحترام محدود في قواعدهم القبليّة، وهذا الإحترام لم ينبع من ولاء فكري بل من ولاء قبلي، كما كانوا يتمتعون باحترام محدود من جماهير المسلمين نابع من صحبتهم للنّبيّ (ص) ومن غموض موقفهم من الخيارات المطروحة على السّاحة السّياسيّة.
وقد أدرك الإمام منذ اللّحظة الأولى صعوبة موقفه، فكشف للأمّة عن أنّ حركة التّاريخ قد عادت ذات نبض جاهلي، فقد عاد التاريخ السابق على النّبوة.. كما صارح الأمة بأنّ المواجهة مع القيم البائدة العائدة تقتضي الحكم بأن يكون قويّاً وصارماً... كما صارحهم بأنّ الآمال في تغيير سريع وكامل نحو الأفضل ينبغي أن تتضامن قليلاً ليتاح للسّلطة الشّرعيّة أن تواجه قوى الجاهلية بمرونة.
هذه الرّؤية السّياسيّة عبّر عنها الإمام في خطبة خطبها في أوّل خلافته، في المدينة، أو هي - حسب رواية الجاحظ في كتابه «البيان والتّبيين»عن أبي عبيدة معمر بن المثنى - أوّل خطبة خطبها بالمدينة، قال فيها حسب رواية الجاحظ عن أبي عبيدة:
«ألا لا يرعينَّ مُرعٍ على نفسهِ [٣٧] شُغِلَ منِ الجنَّةُ والنَّارُ أمامهُ. ساعٍ مُجتهِد ينجُو، وطالِب يرجُو، ومُقصِّر في النَّار...»
«اليمينُ والشِّمالُ مضلَّة، والوُسطى الجادَّةُ [٣٨] منهج عليهِ باقي الكِتابِ والسُّنَّةِ وآثارِ النبُّوةِ. إن اللّه داوى هذهِ الأُمّةَ بدوائينِ: السوط والسَّيف، لا هوادةَ [٣٩] عندَ الإمامِ فيهما. استتِروا في بُيُوتِكُم [٤٠] وأصلِحُوا ذات بينِكُم، والتَّوبةُ من ورائكُم. من أبدى صفحتهُ لِلحقِّ هلكَ [٤١]... انظُرُوا: فإن أنكرتُم فانكرُوا، وإن عرفتُم فآزرِرُوا... وقلَّما أدبر شيء فأقبلَ. ولئن رُجِعت إليكُم أمُورُكُم إنّكم لسُعداءُ وإنّي لأخشى أن تكُونُوا في فترةٍ، وما علينا إلا الإجتهادُ...» [٤٢].
حذّرهم، أوّلا، من إثارة القلاقل والإضطربات.
ثم أثار في عقولهم وقلوبهم عقيدة البعث واليوم الآخر.
ثم بيّن لهم أن الإنحراف عن منهج الكتاب والسّنة إلى اليمين أو إلى الشمال يؤدّي بصاحبه إلى الضّلال والتّيه، ولذا فإنّ نبض الجاهلية العائد ضلال.
ثم كشف لهم عن أنّ المرحلة تقتضي الحكم أن يكون صارماً (السّوط والسّيف)، ولذا، فإنّ على النّاس ألا يخوضوا في أيّ شأن يزيد الوضع سوءاً بإثارة العصبيّات القبليّة والنّزعات العشائريّة، داعياً إيّاهم إلى أن يكفّوا ويتوبوا عمّا سلف منهم من إفساد.
ثمّ أعطاهم حق الرّقابة، وطالبهم بحقه في تأييدهم ومؤازرتهم.
ثم أبدى تشاؤمه من المستقبل وشكّه في عودة النهج النّبوي إلى سابق قوّته (قلَّما أدبرَ شيء فأقبل)، ولكنه، مع ذلك، لم يفقد الأمل في تحسن الأوضاع، ( لئن رُجعت إليكُم أُمُورُكم إنَّكُم لسُعداء).
ثمّ حذرهم من أنّ على الآمال المشرقة في التغيير نحو الأحسن... نحو النّهج النّبوي الصافي، أن تضامن نفسها، وأن يعود أصحابها إلى شيء من الواقعّية في تطلعاتهم: «... وإنّي لأخشى أن تكُونُوا في فترةٍ».
قال ابن أبي الحديد في شرح هذه الفترة:
«الفترة هي الأزمنة الّتي بين الأنبياء إذا انقطعت الرّسل فيها، كالفترة بين عيسى عليه السّلام ومحمّد صلّى اللّه عليه وآله، لأنّه لم يكن بينهما نبي، بخلاف المدّة الّتي كانت بين موسى وعيسى عليهما السّلام لأنّه بعث فيها أنبياء كثيرون. فيقول عليه السّلام: إني لأخشى ألا أتمكن من الحكم بكتاب اللّه تعالى فيكم، فتكونوا كالأمم الّذين في أزمنة الفترة لا يرجعون إلى نبي يشافههم بالشّرائع والأحكام. وكأنّه عليه السّلام كان يعلم أنّ الأمر سيضطرب عليه».
«ثمّ قال: (وَما علينا إلا الإجتهادُ) يقول: أنا أعمل ما يجب عليّ من الإجتهاد في القيام بالشريعة وعزل ولاة السوء وأمراء الفساد عن المسلمين، فإن تم ما اُريده فذاك، وإلا كنت قد أعذرت» [٤٣].
إنّ الإمام عليه السّلام قبل الحكم، إذن، بمزيج من التّشاؤم والأمل، ولكن سرعان ما تسرّب الذّبول إلى شعلة الأمل، فإنّ القوى المترددة سرعان ما أخذت تنحاز رويداً رويداً نحو المعسكر المناهض للنَّهج النّبوي، إن لم يكن في العلن ففي السّر... هذا من جهة، ومن جهة أخرى راحت الجماهير الغاضبة، المترعة قلوبها بآمال التّغيير تضغط في سبيل التّغيير دون أن تقدّر ظروف المرحلة. وكان اتباع سياسة متوازنة ضرورة حيويّة لئلا ينفجر المجتمع من الدّاخل بانحياز قوى موالية للنّهج النّبوي، ولكنها غير واعية وغير ناضجة، نحو معسكر الثّورة المضادّة.
وهكذا، فبعد الصّدمة الّتي شلّت قوى الثّورة المضادّة، وبعد فترة الإنتظار الّتي مرّت بها الفئات الأخرى من الأمّة، تفجّر الموقف من جديد، وعاد الغليان إلى المجتمع، وعادت حالة الإختلاط والإضطراب المحمومة.
وظهرت للإمام عليّ في هذه المرحلة الّتي بلغت فيها أزمة الحكم وأزمة الفكر الذّروة - ظهرت له بوضوح تام موجع ومدم للقلب معالم تاريخ المستقبل للأمّة الإسلاميّة حافلاً بالأهوال والمآسي، وبكلّ ما فيه من ظلام ودماء، وتمزقات وانهيارات، تتخللها هنا وهناك، في بعض الأحيان، لمعات نور وحالات سلام عارضة، وآمال مضيئة ملهمة، وخيبات أمل قاسية.
لقد رأى، رأى بحدس يضيئه نور نبويّ، وعقل مستوعب لحركة التاريخ وآليتها الّتي تكاد أن تكون رياضيّة - رأى الفتنة آتية بكلّ ظلامها، وحيلها، وتلبيسها الحق بالباطل.
ورأى بعدها انتصار حركة الرّدة بقيمها الجاهليّة، بلبسها للإسلام (لبس الفرو مقلوباً).
ورأى بعد ذلك معاناة الأمة: فسمع بقلبه الكبير أنين المظلومين الّذين تسحقهم أنيابها الوحشية، ورأى بقلبه الكبير نزيف الدّماء من ضحاياها، وأحسّ بأعمق أعماق كرامته الإنسانية ذلّ الإنسان المسلم في مجتمع الرّدة، وبكى بحرارة ومرارة لكلّ ما سيصيب الناس بعده.
ورأى بعد ذلك نار الثّورة تحرق كلّ شيء، وتهدم كلّ شيء، تستلهم حقّ الناس ومرارتهم... ولكنها ثورة تقع في أخطاء الفتنة في أحيان،وفي مهاوي الرّدة في أحيان، وقلّما تهتدي الطّريق الوسطى...
ورأى أخيراً، في البعيد البعيد... بعد طول عذاب وعناء، نور الأمل الآتي في النّهاية... نور الخلاص.
٢ - الفتنة
فتنة: تعبير قرآني يدلّ، حين يسند إلى اللّه تعالى ويصدر عنه، تارة على الإختبار والإمتحان الرّبّاني بالنّعمة، ومن هذا ما ورد في قوله تعالى:
«واعلَمُوا أنَّما أموالُكُم وأولادُكُم فِتنة وأنَّ اللّه عِندهُ أجر عظيم» [٤٤].
أو يدلّ في موارد أخرى على الإختبار والإمتحان الرّبّاني بالمصاعب والشدائد، ومن هذا ما ورد في قوله تعالى:
«أحسِبَ النَّاسُ أن يُتركُوا أن يقُولُوا آمنَّا وهُم لا يُفتنُون. ولقد فتنَّا الّذِين مِن قبلِهم فليعلمَنَّ اللّه الذِينَ صدقُوا وليعلمَنَّ الكاذِبِين» [٤٥].
وهذه الفتن ذات وظيفة تربوية تعزز صلابة المؤمنين، وترفع درجة وعيهم، وتميز عنهم الدّخلاء والمنافقين.
هذا التعبير القرآني ذو المضمون التربوي الإيجابي، غدا عند الإمام عليّ مصطلحاً سياسيّاً - تاريخيّاً ذا مدلولات متنوعة يتّصل بالحركة التّاريخيّة للمجتمعات في الحاضر وفي المستقبل.
وهو ذو مدلول سلبي بالنّسبة إلى حركة التّقدّم النّبويّة.
إنّ الفتنة عند الإمام - باعتبارها ظاهرة سياسيّة - معوّق لحركة التّقدّم، ونكسة في سير حركة النبوّة، وهي، والحال هذه، ليست من صنع اللّه تعالى، وإنّما هي من صنع البشر.

-------------------------------------------------------------------
[١] . الكيس: الفطن والذّكي.
[٢] . الحوّل القلّب: هو البصير بتحويل الأمور وتقليبها.
[٣] . الحريجة: التحرج والتحرز من الآثام.
[٤] . نهج البلاغة - الخطبة رقم : ٤١.
[٥] . حديث مروي عن النّبي (ص).
[٦] . لا أستغمز على البناء للمجهول - لا يستضعفني الرّجل القوي. والغمز - بفتح الميم - الرّجل الضّعيف.
[٧] . نهج البلاغة - رقم النّص: ٢٠٠.
[٨] . لا تقوم له القلوب: لا تجرئ عليه. لا تثبت عليه العقول: لا تكاد تفهمه وتحققه، يومئ بذلك إلى المشكلات الإجتماعية والأزمات الّتي عصفت بالمجتمع كلّه.
[٩] . أغامت: حجبها الغيم، كناية عن صعوبة إيجاد الحلول المقبولة من الجميع.
[١٠] . المحجّة: الطّريقة الواضحة - وتنكرت: التبس أمرها على النّاس.
[١١] . نهج البلاغة - رقم النّص: ٩٢.
[١٢] . العوذ المطافيل: الإبل والضّباء ذات الأولاد، وهي جمع عائذة، ومطفل كناية عن اللّهفة الّتي توجهوا بها إليه طالبين منه قبول بيعتهم، كما اللّهفة الّتي تقبل بها أمّ الطّفل على ولدها.
[١٣] . نهج البلاغة - رقم النّص: ١٣٧.
[١٤] . الإربة: الغرض والرّغبة.
[١٥] . نهج البلاغة - رقم النّص: ٢٠٥.
[١٦] . التّداك الإزدحام - تصوير لحالهم في الإقبال على البيعة.
[١٧] . الهيم: العطاش: تصوير لرغبتهم العارمة في إنجاز البيعة.
[١٨] . الهدج: مشي الضّعيف. بيان لإقبال الجميع على البيعة، حتّى أولئك الذين لهم من سنهم العالية أو مرضهم عذر يعفيهم من مشقة التّزاحم على البيعة.
[١٩] . الكعاب: جمع كاعبة: الفتاة ينهد ثدياها. وحسرت كشفت عن وجهها كناية عن إقبال النّاس جميعاً وفرحتهم بالبيعة.
[٢٠] . نهج البلاغة - رقم النّص: ٢٢٩.
[٢١] . نهج البلاغة - رقم النّص: ١٣١.
[٢٢] . آسى: أحزن - الماضي منه: أسيت بمعنى حزنت.
[٢٣] . يلي: يكون والياً وحاكماً على الأُمة.
[٢٤] . دولاً: جمع دولة، يعني: لئلا يكون المال العام بأيدي السّفهاء والفجّار يتداولونه بينهم لمصالحهم مهملين مصالح الأمّة فيه. والعبارة تومئ إلى قول اللّه عزّ وجلّ (كي لا يكُون دُولةً بين الأغنياءِ مِنكُم - سورة الحشر - الآية ٧).
[٢٥] . خولاً: عبيد، يعني لئلا يستعبدوا النّاس ويذلّوهم.
[٢٦] . حرباً - أعداء يحاربونهم.
[٢٧] . نهج البلاغة - باب الكتب - رقم النّصّ: ٦٢.
[٢٨] . تمالأوا: تواطأوا واتفقوا وتعاونوا.
[٢٩] . السّخطة: البغض والنّعرة.
[٣٠] . فيالة الرّأي: ضعفه وسخفه.
[٣١] . أفاءها اللّه.. أرجعها إليه، من فاء بمعنى رجع.
[٣٢] . النّعش، من نعش ينعش: بمعنى رفع السّنة إلى مقام العمل والتّطبيق.
[٣٣] . نهج البلاغة - رقم النّص: ١٦٩.
[٣٤] . نهج البلاغة - باب الحكم - رقم: ١٨.
[٣٥] . حِرتَ: من «حار» أي تحيّر.
[٣٦] . نهج البلاغة - باب الحكم - رقم: ٢٦٢.
[٣٧] . لا يرعين.. أي لا يبقين، أرعيت عليه أي أبقيت: يقول: من سالم وهدأ فإنّما سلّم نفسه وأبقى عليها.
[٣٨] . الجادّة: الطريق المستقيمة الواضحة.
[٣٩] . الهوادة: الرفق والصلح، وأصله اللّين.
[٤٠] . استتروا في بيوتكم: لا يريد منع التّجول كما يقولون في أيّامنا، وإنّما يريد النّهي عن التّجمعات ذات الطابع التّحزبي القبائلي الّتي تدفع إليها العصبية القبلية كما إِنّه لا ينهاهم عن النقد السّياسي لأنه قال (فإن أنكرتم فانِكروا).
[٤١] . الصّفحة: جانب الوجه، أو هي الوجه. يريد الإمام أنّ من تعرّض للحق بمخالفته وتجاوزه يهلك، لأنّه سيعاقب.
[٤٢] . ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة ١ : ٢٧٥ - ٢٧٦. ورواها الشّريف الرّضي في نهج البلاغة بتغيير بعض العبارات، انظر الخطبة رقم ١٧٦: «ومن خطبة له عليه السّلام في الشّهادة والتّقوى» وقيل: إنّه خطبها بعد مقتل عثمان في أوّل خلافته
[٤٣] . المصدر السابق: ١ : ٢٨١.
[٤٤] . سورة الأنفال (مدنية - ٨) الآية: ٢٨ - ووردت آية أخرى مماثلة في سورة التّغابن _مدنيّة - ٦٤) الآية: ١٥.
[٤٥] . سورة العنكبوت (مكيّة - ٢٩) الآية: ٢ - ٣.

يتبع .....

****************************