وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): لَيْسَ بَلَدٌ بأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَد، خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ.                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                
وقال (عليه السلام): مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
في رحاب نهج البلاغة (التّاريخ في مجال الفكر) – الأول

إسلام الموسوي

تمهيد

التّفكر هو التّأمّل، والفِكر - بالكسر - اسم منه، وهو يستعمل - حسب ما ذكره علماء اللّغة - للدّلالة على معنيين:
أحدهما: القوّة الموّدعة في الدّماغ، الّذي هو مركز، التفكير وإن كان علينا أن نعترف بأنّ لوضعية أعضاء أخرى في الجسم من حيث الصحة والمرض دخلاً في عملية التفكير. والفكر - بهذا المعنى - اسم لآلة التفكير.
ثانيهما: أثر التّفكّر، وهو ترتيب أمور في الذهن تتولّد منها معرفة جديدة، أو تؤّدي إلى تعميق وتوسيع معرفة قديمة. والفكر - بهذا المعنى - اسم لفعل التّفكير أو لعملية التّفكير.
هذا هو المعنى اللّغوي لكلمة تفكّر وفكر مع شرح وتوضيح.
وثمّة معنى ثالث لهذه الكلمة غلب استعمال اللّفظ فيه في العصور الأخيرة، ولعلّه دخل العربية من الإستعمالات الأوربّيّة، وهو نفس الأفكار والمعلومات الّتي يجعلها الفكر - بالمعنى الأوّل - موضوعاً لعمله - الفكر بالمعنى اللّغوي الثاني -، فيقال: مثلاً، الفكر الإسلامي، والفكر المسيحي، والفكر الماركسي، والفكر الدّيني، فالفكر المادي... يراد من ذلك الأفكار والمناهج والمعلومات الّتي يتشكل منها ويتقوّم بها مذهب أو فلسفة أو دين.
والمقصود ببحثنا هنا هو هذا المعنى لكلمة فكر.
والفكر في الثّقافة الّتي تقوّم شخصية كلّ أمة على قسمين: فكر حيّ، وفكر ميّت، والأوّل هو ما يطلق عليه لفظ (فكر) في عصرنا الحاضر، والثاني هو ما يطلق عليه في عصرنا الحاضر مصطلح (تراث).
والتّراث في أصل اللّغة: الميراث. وقد وردت كلمة (تراث) في القرآن الكريم مرّة واحدة في قوله تعالى في خطاب المشركين: «...وَتأكُلُونَ التُّراثَ أكلاً لمّاً ...» [١].
وقد استعملت كلمة «ميراث»في اللّغة العربية في المادّيات والمعنويّات. أمّا استعمالها في المادّيات فأمثلته كثيرة ظاهرة. وأمّا استعمالها في المعنويّات فقد ورد في القرآن الكريم في عدة مواضع، هي الآيات التالية:
١ - «..فَخلَفَ مِن بعدِهِم خلف ورِثُوا الكِتابَ يَأخُذُونَ عرَضَ هذا الأدنى ويقُولُون سيُغفَرُ لَنا ...» [٢].
٢ - «...ثُمَّ أورَثنا الكِتابَ الّذِين اصطفينا مِن عِبادِنا: فمِنهُم ظالِم لِنفسِهِ، ومِنهُم مُقتصِد، ومِنهُم سابِق بِالخيرات بِإذنِ اللهِ ...» [٣].
٣ - «...وإنَّ الّذِينَ أُورِثُوا الكِتابَ مِن بعدِهِم لَفِي شكٍّ مِنهُ مُرِيبٍ»  [٤].
وقد استعملت هذه الكلمة في السّنّة في المعنويّات أيضاً كما فيما رُوي عن الإمام الصادق (ع) أنه رواه عن رسول اللّهِ (ص):
«...إنّ العُلماءَ ورَثةُ الأنبياءِ. إنّ الأنبياء لم يُورِّثِوا دِيناراً ولا دِرهماً، ولكِن وَرَّثوا العِلمَ، فمَن أخذَ مِنهُ أخذَ بِحظٍّ وافرٍ» [٥] .
وقد وردت مادة (و. ر. ث) في نهج البلاغة في مواضع كثيرة بصيغة الفعل الماضي والفعل المضارع، وبصيغة الإسم (ميراث، تراث) وغيرهما، واستعملت في المادّيّات والمعنويّات، فمن استعمالها في المعنويّات قوله:
«لا مِيراثَ كالأَدبِ ..» [٦] .
و«...العِلمُ وِراثَة كرِيمة ...» [٧] .
واستعملها في المعنويّات في السلطة السياسيّة في قوله: «إن بنِي أُميَّةَ ليُفوِّقُونني تُراث مُحمّدٍ صلّى اللّه عليه وآله تفوِيقاً ...» [٨] .
وقوله: «فصبرتُ وفِي العينِ قذىً ... أرى تُراثِي نهباً ...» [٩] .
وعلى ضوء هذه الإستعمالات يمكن أن يقال أنّ التراث أو الميراث - بمعناه العام، لا بمعناه الإصطلاحي الفقهي - هو كلّ ما يخلفه سابق في الحياة لِلاحق له في الزّمان، مهما بعد الزّمان بالمورّث، سواء في ذلك المادّيّات والمعنويات.
وإذن، فما يقع عليه اسم التراث أو الميراث شيء لم يكن في حوزة الوراث وإنّما انتقل إليه من غيره. وهو قد يكون في حاجة اليه وقد لا يكون في حاجة إليه.

ومع كونه في حاجة إليه فقد يعي حاجته إليه ويستعمله وينتفع به، وقد يعي حاجته إليه ولكنّه ينصرف عنه لسبب أو لآخر، وقد لا يعي حاجته إليه فيهمله ولا يعني به إلا باعتباره أثراً من الآثار الّتي تتّصل بأحبّته وأهله الماضين ربّما تكون له قيمة عاطفية ولكن ليس له قيمة عملية في حياة الوارث.
وهذا يعني أنَّ التراث أو الميراث ليس - بالضرورة - جزءاً مقوّماً للحياة الحاضرة تفسد بدونه لأنّه يشغل فيها حيزاً مهماً وأساساً، ويسدّ فيها حاجات ملحّة لا غنى عنها، وإنّما قد يكون الأمر فيه هكذا، وقد يكون - في نظر الوارث - شيئاً يحسن أن يقتنى ويستعمل ولكن فقده لا يغير شيئاً من وضع الحياة الحاضرة ولا يدخل نقصاً هاماً فيها.

وقد يكون في نظر الوارث ذا قيمة عاطفيّةٍ محضة لا يؤثّر فقده أبداً. وقد يكون في نظر الوارث عبأً على الحياة ومعوقاً لنموها ومانعاً من ازدهارها، ولذا فهو يسعى إلى نبذه والتخلص منه والبراءة من آثاره.
هذا تحليل لمفهوم التراث أو الميراث في اللّغة العربية - بمعناه العام لا بمعناه الإصطلاحي الفقهي الخاص.
وقد استعملت كلمة التراث في اللّغة العربية في العصور الأخيرة على ألسِنة الباحثين والأدباء والمفكرين للدّلالة على آثار الفكر الإسلامي في السّنّة وعلومها، والفقه وأصول الفقه، والتاريخ، والأدب، والفلسفة : وما إلى ذلك من الآثار الفكرية الّتي خلّفها المسلمون باللّغة العربية.
ذاك هو الفكر، وهذا هو التراث.
والفكر، في المفهوم الحضاري - إذن هو المعلومات والشرائع والمناهج والقيم الّتي تقوّم شخصيّة الأمة الثقافية والحضارية، وتُعطيها سمتها المميّزة لها عن الأمم الأخرى، ويرسم لها دورها في حركة التاريخ.
إنّ هذه المعلومات والشرائع والمناهج والقيم تشكّل عقل الأمّة وروحها وضميرها. وهي تنظر إلى الكون والحياة والإنسان والأمم الأخرى من خلال هذه المعلومات والشرائع والمناهج والقيم، وتواجه مشاكلها ومسائل حياتها على ضوء الحلول والمواقف الّتي يحميها هذا الفكر. وإنتاجها العقلي النظري كلّه يكون مطبوعاً بطابع هذا الفكر، محتوياً روحه، ومستهدياً بالنور الّذي يشعّه...
مثلاً: الماركسيّة هي فكر العالم الشيوعي. فهي تشكّل عقل شعوبه وروحها وضميرها، وهي تميّز هذه الشعوب عن العالم الرّأسمالي بالسّمات الّتي تطبع بها طريقة الحياة لدى هذه الشّعوب.

كما إنّ النتاج الثقافي النظري لهذه الشّعوب مرسوم بالطّابع الخاص للماركسية، بل لقد طمح المنظرون السوفيات إلى طبع النظريات العلميّة الّتي تفسّر بها المادّة بالطابع الخاصّ للماركسيّة : هذا في العصر الحديث.
وقد كانت المسيحيّة في القرون الوسطى وما قبلها بالنّسبة إلى أوربا على هذه الشاكلة.. كما كانت الكونغو شيوعية بالنّسبة إلى الصين.. والهندوسية بالنّسبة إلى الهند، والزّردشتية بالنّسبة إلى إيران، والإسلام بالنسبة إلى العالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام وإلى يومنا هذا..
ولكلّ فكر بؤرة يرتدّ اليها كل شيء باعتبارها مقياساً للصدى والأصالة والإستقامة، وينطلق منها كلُّ شيء باعتبارها الذّخر الأكبر للأصول الأساس في التكوين الثقافي للأمة.
مثلاً: كتاب رأس المال للماركسيّة والشيوعيّة، والإنجيل والتوراة للمسيحيّة، والبهاجافاد - جيتا للهندوسية، والقرآن للإسلام. والآوستا للزردشية .. وهكذا يكون لكل فكر مركز أساس يتضمّن الخطوط الكبرى والمبادئ المركزية لذلك الفكر.
هذا هو الفكر في المفهوم الحضاري.
أمّا التّراث في المفهوم الحضاري فهو مجرد ثقافة ومعرفة نظرية لا تبلغ في أكثر الأحيان ومعظم الحالات أن تبلغ مستوى كونها فكراً بالمعنى الّذي شرحناه آنفاً، ولنقل: التّراث فكر ميّت.
إنّ التراث لا يدخل في صلب ثقافة الأمّة الّتي تغذي عقلها العملي وفعاليّتها وحركيّتها في مجرى التاريخ ، ولا يقوّم وجودها، ولا ينير طريق حياتها، ولا يميّزها عن غيرها من الأمم، وبالإجمال: كلّ ما هو دور إيجابي للفكر في الأمة منفي عن التّراث.
إنّ التّراث شيء من بقايا الآباء والأجداد، كان صالحاً لحياتهم فهو يمثّل هذه الحياة الماضية وأساليبها وألوانها، ولكنّه لا يصلح للحياة الحاضرة، أو لا يصلح أكثره للحياة الحاضرة، وإذا احتفظنا به ودرسناه وأقمنا له المؤسسات فليس لأجل أن نُقيم عليه حياتنا ونقوّم به شخصيتنا كأمّة، وإنما ذلك لما تربطنا به من صلات عاطفية، أو لأنه يمثّل حلقة هامّة في تاريخ نموّنا، إنّ له قيمة عاطفية وقيمة أكاديميّة (نظرّية)، وليست له قيمة عملية، أو إنّ أكثره كذلك.
ونحن ندرسه، ونحققه وننشره، ونحفظه لنعرف كيف كنا لا لنعرف كيف نكون ؟ ولنرى صورتنا القديمة لا لنرسم صورتنا الحاضرة أو لنرى كيف تكون صورتنا المستقبلة. إن التراث، في أحسن الحالات، شيء من أشياء القلب والعاطفة، وليس من أشياء العقل والعمل.
هذا هو التراث في المفهوم الحضاري.
وهنا أودّ أن أُثير مسألة شديدة الخطورة وذات أهمّيّة بالغة جدّاً بالنّسبة إلينا نحن المسلمين في هذا العصر، وهي أنّ الكثرة الساحقة من المسلمين المتعلمين والمثقّفين على مناهج الغرب وأساليبه ينظرون إلى الإسلام - بما هو ثقافة ونظام وحضارة - ويتعاملون معه على أنه تراث، أي فكر ميت، لا على أنّه فكر.
أمّا الكثرة الساحقة من المسلمين فهُم بحمدِ اللّه ونعمته لا يزالون يتعاملون مع الإسلام على أنّه فكرهم (لا تراثهم) وهم يحرصون ما وسعهم الحرص على أن يقيموا حياتهم على هدى أحكامه وقيمه، وإن كان علينا أن نعترف أنّ الحياة الحديثة كثيراً ما تضطرّ الكثير منهم إلى تجاوز أحكام الإسلام، أو تغريهم بتجاوزها، لأنها حياة قائمة على غير الإسلام، وتستمدّ مفاهيمها الفكرية، وقيمها الأخلاقية، ومقاييسها الجمالية، وأفكارها العمليّة من غير الإسلام. ولكن هذه الكثرة الساحقة من المسلمين لا تزال تعتبر الإسلام - كما قلنا - (فكرها) وإن تجاوزته اضطراراً أو تهاوناً في الكثير أو القليل من شؤون حياتها. إنه عقيدتها، وشريعتها، وقيمها.
ونعود، بعد هذا الإستطراد، إلى شرح موقف المسلمين الّذين يتعاملون مع الإسلام على أنّه تراث لا فكر.
هم يرون أنّ الإسلام - لا بما هو عقيدة - وإنّما بما هو شريعة وقيم، فكر عصر مضى، وأنّه بالنسبة إلى عصرنا هذا - حيث تشكّل حياتنا الحضارة الحديثة، ومناهجها في التشريع، وقيمها - مجرّد تراث، يمثّل مرحلة سابقة في نموّنا تجاوزها تطوّر التاريخ، فليس لنا والحال هذه أن نعتبره (فكرنا) أنّه (تراثنا) مبعث فخر لنا، موضوع حبنا وتقديرنا، ولكنّه لا يصلح لأن يشكّل حياتنا، ويكون موضوع عملنا الّذي نبني عليه مناهجنا ونستمدّ منه قيمنا.
والمفكرون العرب المحدثون المعنيون بقضايا النهضة العربية كثيراً ما يستعملون في التعبير عن الإسلام أو عن هذا الجانب أو ذاك من جوانب الفكر الإسلامي كلمة (تراث)[١٠] ذاهبين إلى أنّ هذا (التراث الإسلامي) ليس شأن عصرنا وليس شأن الإنسان العربي في هذا العصر، وإنّما هو شأن السلف وقد ورثناه عنهم، ومن المؤكّد أنّه ليس من الصالح ولا من الراجح أن نأخذه كلّه لنتمثّله في حياتنا مناهج وتشريعات وقيماً لأنّه معطّل معوّق لنموّ هذه الحياة المعاصرة وازدهارها، ولكن هل ننبذه كلّه فلا نعني بشيء منه، ونحفظه كأثر من آثار تاريخنا، أو نخضعه لمقياس انتقائي نأخذ بموجبه من هذا (التراث) ما يتفق مع حياتنا الحاضرة «والفكر المعاصر»وننبذ من هذا (التراث) ما لا يتوافق مع هذا (الفكر المعاصر) أو يخالفه.
ولكنّ هؤلاء المفكرين على خطأ فادح في هذه المسألة الهامة، بل المصيريّة لا بالنسبة إلى العرب وحدهم، بل بالنسبة إلى المسلمين جميعاً.
إنّ الإسلام لا يزال حتى الآن «فكر» المسلمين، والعرب منهم، وسيبقى فكر المسلمين جميعاً. ولم يبلغ الإسلام في قلوب وعقول المسلمين درجة من الضّمور والتقلص أو الإندثار والنّسيان بحيث يكون «تراثاً» يحتاج إلى «إحياء» كالّذي حدث في أوروبا في عصر النّهضة بالنّسبة إلى التراث اليوناني - الروماني.
إنّ الإسلام لا يزال «حياً»مملوءاً بالحياة في قلوب وعقول المسلمين، ولا يزال قادراً على «تحريك» مئات الملايين من المسلمين في جميع أنحاء العالم نحو أهدافه العظيمة النبيلة، وإذن فهو لا يزال «فكر» هذه المئات من الملايين من البشر، وإنّما لا «يحركها» أو «لا تتحرك» وفقاً لمناهجه بسبب وجود الموانع الخارجية القاهرة والمعوّقات الشالّة لحركة المسلمين من خلال إسلامهم، وهي قوى الحضارة المادّية الّتي استعمرت بلاد المسلمين وأقصت الإسلام عن مركز القيادة وحلّت محله في هذا المركز.
وإذن، فالإسلام ليس «تراثاً» ميتاً نختلف على «إحيائه» «وعدم» «إحيائه» أو «إحياء» بعضه ممّا يتلاءم مع عصرنا كما يقولون... إنّه «فكر حيّ» وما يدعوننا إليه هو «إماتة هذا الفكر الحيّ» لإحلال فكر آخر غريب محله هو فكر الحضارة المادّيّة.
وقد أفلحت قوى الحضارة المادّيّة لا في «إماتة الإسلام» فهو لا يزال حيّاً كما قلنا، ولكن في فرض نفسها على حياة المسلمين الّذين يحملون في قلوبهم وعقولهم إسلاماً حيّاً قادراً على التحريك ولكنه «ممنوع عن التحريك»وليس «عاجزاً»عنه.
واستمرار مفكرينا المتأثرين بهذه الحضارة المادّيّة في جهودهم لفرضها على واقع حياة المسلمين وعزل الإسلام عن هذه الحياة لن يؤدّي إلى (إماتة الإسلام) كما لن يؤدّي إلى «تحرير» المسلم أو «العربي»، وإنَّما يؤدّي إلى مزيدٍ من التمزق الدّاخلي والأزمات الحضارية لإنسان ينقسم على نفسه، موزع الذّات بين ضرورات حياته اليومية وبين قناعاته العقلية والنفسية والأخلاقية والعاطفية.

وهذا ما يؤدّي - كما أدّى بالفعل في العالم الإسلامي كلّه ومنه العالم العربي - إلى فقدان الفعالية والإيجابية في مواجهة تحدّيات الحياة، ويؤدي من ثمّ إلى مزيد من التّخلف والعجز عن مجاراة حركة التقدم لدى الأمم الأخرى وهكذا يسيء هؤلاء المفكرون من حيث يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً، فبدلاً من إتاحة الفرصة أمام الإنسان العربي للتغلّب على مصاعبه وعوامل تخلّصه يضيف هؤلاء المفكرون سبباً آخر للتخلف يزيد الأمر سوءاً لأنّه يقدم تحت شعار التقدم، وهكذا يكون حال الإنسان العربي في هذه الحالة حالة القطّ الّذي يلحس المبرد الذي يغري لسانه وينزف دمه وهو يحسب أنّه يغذي نفسه بالمبرد الذّي يغريه في حقيقة الحال.
رأينا أن نقدّم للبحث عن التّاريخ في مجال الفكر عند الإمام علي (ع) بهذا التمهيد لشعورنا العميق بخطورة هذه المسألة، وموقفنا من الفكر الإسلامي، وضرورة تصحيح النظرة السائدة إلى هذا الفكر الذي ملاك وجودنا كلّه.
١ - النّبوّات
أ - بداية العصر التّاريخي للإنسان :
يبدو لنا من كلمات أمير المؤمنين علي (ع) أنّ العهد التاريخي للإنسانية بدأ بظاهرة وجود النبوّات في المجتمع البشري. هذه النبوّات الّتي تقود مجتمعاتها نحو حياة أفضل، ووجود إنساني أكمل.
ما قبل التاريخ، إذن، بالنسبة إلى الإنسانيّة، هو ما قبل النبوّات، حيث كانت الإنسانية تعيش في حالة البراءة الفطرية، وكانت النفس الإنسانيّة لا تزال عذراء ساذجة، بدائية، خالية من أيّ تعليم... ولذا فلم تكن لدى الإنسانية في فترة ما قبل التاريخ هذه تجارب ومعاناة يعود عرضها بالفائدة التعليميّة والتربويّة لمجتمع متحضر، تامّ التكوين، على درجة عالية من التعقيد، يفترض فيه أنّه يبنى على هدى خاتمة الرّسالات، وخلاصة النبوّات، وهو مجتمع الأمة الإسلامية.
ولذا لا نجد في جميع الكلام الصادر عن أمير المؤمنين حديثاً عمّا قبل عهد النبوّات، ومن هنا استنتاجنا أنّه يعتبر إشراق النبوّة وظهور الأنبياء في المجتمعات البشريّة بداية العصر التاريخي للبشرية.
وقد بيّن اللّه تعالى في القرآن الكريم تاريخ بداية عهد النّبوّات في المجتمع البشري فقال سبحانه وتعالى:
«كَانَ النّاسُ أمّةً واحِدةً، فبَعثَ اللهُ النّبِيِّين مُبشّرِين ومُنذِرين، وأنزَلَ معهُمُ الكِتابَ بِالحقِّ لِيحكُم بينَ النّاسِ فِيما اختلفُوا فِيهِ، وما اختلفَ فِيهِ إلا الذِين أُوتُوهُ مِن بعدِ ما جاءتهُمُ البَيّناتُ بغياً بينهُم، فهدَى اللهُ الّذيِنَ آمنوا لِما اختلفُوا فِيهِ مِن الحقِّ بِإذنِهِ، واللّهُ يهدِي مَن يشاءُ إلى صِراطٍ مُستقِيمٍ» [١١].
«كانَ النّاسُ أمةً واحِدةً»...كان إنسان ما قبل التّاريخ، ما قبل النّبوّات يحيا في وحدة فطرية قائمة على أساس وحدة المصالح ووحدة الدّم من جهة، وعلى عامل سلبي من جهة أخرى هو عدم وجود ما يهدد حالة السكون والخمود الّتي تميّز هذه الحياة نظراً لبساطة الحاجات وتوفّر ما يلبيها ويشبعها في الطبيعة دون حاجة إلى مغالبة وصراع.
ولكن حركة الحياة النامية المتصاعدة، وتزايد عدد أفراد النوع، وتفاوت القدرات العقلية والجسمية... كل ذلك وما يشبهه من عوامل الإنقسام والتعقيد أدّى إلى نشوء خلافات داخل الجماعة البشرية النامية، ومغالبة وصراع بين أفرادها وفئاتها...
وربّما كان من مظاهر ذلك أو أوّل مظهر من مظاهر ذلك خلفّيات الجريمة الأولى بين ابنَي آدم حيث قتل أحدهما أخاه، وقد قصّ اللّه تعالى نبأهما في القرآن الكريم [١٢]، وتردّدنا في أنّ هذه الجريمة هي من مظاهر ذلك أو أنّها أوّل مظهر من مظاهر ذلك ناشئ من وجود احتمال أنّ «آدم»القرآني لا يمثّل بداية الجنس البشري على الأرض، وإنّما يمثّل بداية النسل البشري الموجود الآن، ويكون، على هذا، قد وجد نسل سابق على النسل الموجود الآن من بداية يمثّلها آدم سابق على آدم القرآني، واللّه تعالى أعلم وعلى هذا تكون آية سورة البقرة (٢١٣) موضوع البحث تؤرخ لفترة من عمر البشريّة سابقة على الفترة التي بدأت بآدم القرآني.
وعلى أيّ حال، ففي هذه المرحلة من نموّ الإنسان لم تعد وحدة الدم كافية لتكوين وحدة المجتمع، ولم تعد ثمّة مصالح واحدة أو متّفقة، ولم تعد النفس الإنسانيّة عذراء، ساذجة، بدائية... ويستحيل على النوع الإنساني في أن ينمو - كما أراد اللّه في أوضاع كهذه تقوده فيها غرائزه فقط، ولا مرجح له في خصوماته ومراعاته إلا غرائزه... في هذه المرحلة من نمو الإنسان قضت حكمة اللّه ورحمته بإرسال الأنبياء حاملين إلى الإنسانية منهاج هدايتها الّذي يخرجها من عهد الغريزة إلى عهد العقل ومن منطق الصراع الّذي مرجعه الغريزة والقوة إلى منطق النظام ومرجعية القانون.
وقد حقّق الإنسان، بإشراق عهد النبوّات، قفزة نوعية عظيمة وحاسمة في تطوّره نحو الأعلى وتكامله، فقد خرج المجتمع البشري بالنبوّات عن كونه تكويناً حيوانياً - بيولوجياً إلى كونه ظاهرة عقلية - روحية..
لقد عقلنت النبوّات المجتمع الإنساني وروحنته.
وحقّقت النّبوّات للإنسان مشروع وحدة أرقى من وحدته الدّموية البيولوجية الّتي كانت سائدة قبل عهد الخلافات والإنقسامات والصراع...
وهي الوحدة القائمة على أساس المعتقد، وبذلك تطوّرت العلاقات الإنسانية مرتفعة من علاقات المادّة إلى علاقات المعاني... بعهد النبوّات بدأ عهد الإنسان...
وتمضي الآية الكريمة، بعد التأريخ لهذه المرحلة، في بيان أنّ الإختلافات الّتي نشأت في النوع الإنساني، بعد إشراق عهد النّبوّات، غدت اختلافات في المعنى اختلافات في الدّين والمعتقد، إذ أنّ أسباب الصّراع والبغي من بعض الناس على بعض، واستغلال الأقوياء للضعفاء لم تلغ بالدين الّذي جاءت به النبوات، بل استمرّت وتنوّعت، ولكن المرجع لم يعد الغريزة وإنما غدا القانون هو المرجع، وإذا كان من المستحيل على الإنسانية أن تجد قاعدة لوحدتها وتعاونها عن طريق الغرائز، وعلاقات المادة، فإنّ من الممكن لها أن تجد قاعدة ثابتة لوحدتها وتعاونها وتكاملها عن طريق القانون الذي يتضمّنه الدّين وغير القانون من تربية الدّين وإغنائه لروحية الإنسان وأخلاقيّته، وذلك حين يستبدل الإنسان علاقات المادة بعلاقات المعنى.

وعدم بلوغ الإنسانية إلى هذا المرتقى ليس ناشئاً، في عهد النّبوّات، من فقدان الوسائل، وإنما هو ناشئ من سوء الاختيار البشري، ومن سوء استخدام الحرية المعطاة.
لقد أفضنا في الحديث عن بعض جوانب الآية الكريمة لنضيء بها الفكرة التي عبّر عنها الإمام عليه السّلام في شأن النبوات وبداية العصر التاريخي للإنسان إذ قال:
«..واصطَفى سُبحانَهُ... أنبياءَ أخذَ علَى الوحِي مِيثاقهُم، وعلى تبِليِغ الرسالةِ أمانتهُم، لمّا بدَّل أكثر خلقِهِ عهد اللهِ إليهم، فجهِلُوا حقَّه، واتخذُوا الأندادَ معهُ، واجتالتهُمُ [١٣] الشياطِينُ عن معرِفته، واقتطعتهُم عن عِبادتِهِ، فبعثَ فيِهمُ رُسُلَه، وواترَ [١٤] إليهم أنبياءه،... ولم يُخلِ اللهُ سُبحانهُ خلقهُ مَن نبيٍّ مُرسَلٍ أو كِتابٍ مُنزَلٍ، أو حُجَّةٍ لازِمةٍ أو محجَّةٍ  [١٥] قائمةٍ : رُسُل لا تُقَصِّر بِهم قِلّةُ عددِهِم، ولا كثرةُ المُكذِّبين لهُم مِن سابقٍ سُمِّي لهُ مَن بعدهُ، أو غابرٍ عرَّفهُ مَن قبلهُ، على ذلِك نسلتِ القُرونُ، ومضتِ الدّهُورُ، وسلفتِ الآباء، وخلفتِ الأبناءُ» [١٦].
وهكذا يعبّر الإمام عن جوانب من أفق الآية الكريمة، فحين تعقّدت الحياة البشرية نتيجة لنمو المجتمع وتشابك العلاقات فيه، وحين أدّى ذلك إلى تصادم بين ما تقضي به الحياة الإجتماعية من تعاون وما تدفع إليه الغريزة والروح الفردية من استئثار. وحين ترافق هذا مع الإنحراف عن مقتضيات الفطرة المستقيمة العذراء - وإن تكن في ذلك الحين ساذجة - في إدراك الخالق سبحانه وتعالى... حين حدث في حياة الإنسانية كل هذا اقتضى لطف اللّه ورحمته إرسال الأنبياء ليضيئوا عقول الناس، ويرتفعوا بالمجتمع من علاقات المادة - البيولوجيا - إلى علاقات المعنى والقانون.
وقد تواترت حركة النّبوّات في تاريخ البشرية: تضيء عقولها، وتصوغ مفاهيمها، تغني حياتها، وتضعها رويداً رويداً على طريق التكامل... تواترت هذه الحركة في خطّ تصاعدي نحو الأكمل والأفضل والأجمل، مستجيبة في كل مرحلة من مراحل التاريخ البشري لحاجات تلك المرحلة، باذرة فيها بذور نموّ آخر في المستقبل يهيئ لمرحلة من التقدم والتكامل جديدة.. إلى أن بلغت حركة النبوات ذروتها في الرسالة الخاتمة الجامعة : رسالة الإسلام على لسان خاتم النبيّين محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
قال عليه السلام:
«...إلى أن بعث اللّه سُبحانهُ مُحمّداً رسُولَ اللّه صلَّى اللّه عليِه وآلهِ وسلَّمَ لإنجازِ عِدتِهِ، وإتمامِ نُبوَّتهِ، مأخُوذاً على النّبيِّين مِثاقُهُ، مشهورةً سِماتُهُ [١٧] ، كريماً مِيلادُهُ»  [١٨].
وقال في خطبة أخرى :
«.. بل تعاهدهُم - النّاسَ - بِالحُججِ على ألسُنِ الخِيرّة مِن أنبيائهِ ومُتحمِّلِي ودائِع رِسالاتِهِ قَرناً فقرناً، حتَّى تمّت بِنَبِيِّنَا مُحمَّدٍ صلَّى اللّه عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ حُجَّتُهُ، وبلغَ المقطعَ [١٩] عُذرُهُ ونُذُرُهُ..» [٢٠].
ب - وظيفة النّبوّة
ما وظيفة النبوّة في المجتمع البشري ؟
إنّها فيما نفهم من كلمات أمير المؤمنين تتلخص في هدفين كبيرين:
الأول: وهو أهمهما، إحياء الفطرة الإنسانية الصافية المستقيمة، هذه الفطرة الّتي يهتدي بها الإنسان إلى الإيمان الصحيح باللّه سبحانه وتعالى، ويدرك بها كونه مخلوقاً للّه، ومن ثمّ يدرك موقعه في الكون. ويترتب على هذا الإيمان الواعي تصحيح المسار الإنساني في طريق التكامل بجعل حركة الإنسان التاريخية وثيقة الصّلة بعقيدة التوحيد ومتفرعاتها.
الثاني: وهو، من بعض الوجوه نتيجة للأوّل، تكوين الحوافز الروحية والنّفسية والإجتماعية لإنجاز عملية التقدّم العقلي والمادّي والإجتماعي في الحياة في صيغة تضمن التوازن بين النموّ الرّوحي - الأخلاقي والنموّ المادّي. وهذه الصّيغة الّتي توازن بين اتجاهي النموّ والنّشاط الإنساني هي الدّين.
وهذه هي وظيفة النبوّة كما تفهم من القرآن الكريم والسّنّة الشّريفة.
فالنّبيّ يخرج الناس من الظلمات إلى النّور في عقائدهم وعلاقاتهم الإجتماعية والسياسية، ويصحّح نظرتهم إلى موقعهم في الكون، ومن ثمّ يوجد الإنسان الصّالح الّذي يسعى نحو التكامل فيحقّق لنفسه التقدّم المتوازن في الشكل والمضمون، في الرّوح والمادّة.
وليس النّبيّ مخترعاً كبيراً ومخططاً عظيماً يبدع الآلات والمؤسسات، وليست النبوّة مركزاً للأبحاث والدّراسات وما إلى ذلك.
إنّ الّذي يخترع الآلات ويُنشئ المؤسسات ويبتكر الخطط هو عقل الإنسان بعد أن تتوفّر له دواعي النموّ والإنطلاق. فاذا تآخت معها قيم الروح والأخلاق حقق الإنسان إنجازات مادّيّة وتنظيمية تتّفق مع مُقتضيات الإيمان، وتوفّر للإنسان حياة سعيدة طيّبة، ورضوان اللّه والنجاة في الآخرة.

وإذا لم تتآخ قيم الروح والأخلاق مع دواعي النموّ والإنطلاق في التعامل مع الكون المادّي حقّق الإنسان إنجازات مادّيّة وتنظيمية توفّرُ له القوة واللّذّة والرّخاء دون أن توفّر له السّعادة وطيب بالحياة.
وفهمنا لوظيفة النبوّة - كما تعكسها نصوص نهج البلاغة - مستفاد من النصوص الّتي تحدّث فيها الإمام عن حالة العالم عشية بعثة النبي محمّد (ص)، ذلك لأنّ النصوص الّتي تؤرخ للنّبوات السابقة لنبوّة محمد (ص) نادرة من جهة، وتشبه، من جهة أخرى، أن تكون في معظمها مجرد إشارات يغلب عليها طابع الإجمال.
ولكن هذا لا يؤثر شيئاً على سلامة فهمنا لوظيفة النّبوّة، فإنها وظيفة واحدة منذ بداية حركة النبوّات في فجر التاريخ الإنساني إلى ختام النبوّات بنبّوة محمّد (ص) ورسالة الإسلام.

ولا توجد اختلافات جوهرية بين النبوّات من حيث وظيفتها الأساسيّة، والإختلاف الأساسي الوحيد فيما بينها هو في درجة الشّمول والإتساع من حيث مساحة شمول التشريع للنشاط البشري من جهة، ومن حيث عُموم الرسالات بالنسبة إلى الشّعوب من جهة أخرى.
قال عليه السّلام:
«...فَبعثَ فيِهم رُسُلَهُ، وواترَ إليهم أنبياءهُ لِيستأدُوهُم مِيثاق فِطرتِه، ويُذكِّروهُم منسِيَّ نِعمتِهِ، ويحتجُّوا عليِهم بِالتّبليغ، ويُثيروا لهُم دفائنَ العُقولِ، ويُرُوهُم آياتِ المقدِرةِ: مِن سقفٍ فوقهُم مرفُوعٍ، ومِهادٍ تحتهُم موضُوعٍ، ومعايِش تُحييهِم، وآجالٍ تُفنِيهِم وأوصابٍ  [٢١] تُهرِمُهم، وأحداثٍ تتابعُ عليهِم..» [٢٢] .
إحتوى هذا النّص الّذي يؤرخ للنّبوّات السّابقة على القضايا التّالية في معرض بيان الغاية من إرسال الأنبياء:
١ - ميثاق الفطرة :
وهذه القضية تعني مسألة الإيمان باللّه تعالى، وما يتفرع عن هذا الإيمان من قضايا أساسية تنبع منه وتتصل بكافة شؤون الحياة.
وما عبّر عنه الإمام هنا وفي مواضع أخرى من خطب وتوجيهات هو تعبير عن حقيقة كبرى من الحقائق القرآنية، ورد النّبي عليها أو الإشارة إليها في عدّة آيات منها قوله تعالى:
«وإذ أخذَ رَبُّكَ مِن بنِي آدمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرّيَّتهُم وأشهدَهُم على أَنفُسِهِم: أَلستُ بِربّكُم ؟ قالُوا: بلى شهِدنا، أن تقُولُوا يوم الِقيامةِ إِنَّا كُنّا عن هذا غافِلينَ. أَو تقُولُوا إِنَّمَا أشرك آباؤُنا مِن قبلُ، وكُنَّا ذُرِّيَّةً مِن بعدِهِم، أفتُهلِكُنا بِما فعلَ المُبطِلُونَ»  [٢٣] .
وقد تكرّر ذكر هذه القضية الإيمانية الكبرى في جميع النصوص التي أرّخ فيها الإمام للنبوّات.
٢ - إثارة دفائن العقول :
وهذه القضية تعني بعث القوى العقلية والنّفسية في الإنسان لإنجاز عملية التقدم الصحيح والتغيير الإيجابي في المجتمع عن طريق الحركة التاريخية المستبطنة للوعي الإيماني المستقيم.
٣ - جعل الطّبيعة موضوعاً للبحث والنظرة :
هذه القضية دلّ عليها قوله: «...وَيُرُوهُم آياتِ المَقدِرَةِ...».
وهذه القضية تخدم القضيتين الأوليين، فإنّ مراقبة الطبيعة لفهمها، والتعامل معها واكتشافها تعزّز قضية الإيمان لأنها تقدِّم مزيداً من الأدلّة التجريبية على ما أدركته الفطرة السليمة من قضايا الألوهة. كذلك يعين التعامل مع الطبيعة بصورة مباشرة على إنجاز عملية التقدم، بل شرط أساسي لإنجاز التقدم المادّي، وإذ تتخذ قضية الإيمان في ذات الإنسان مع حركته التاريخيّة في الطّبيعة والمجتمع فيكون تقدم على هدى الإيمان وأخلاقيات الروح والعقل، ويكون إيمان يستجيب للحياة الدنيا ولا يقف منها موقف الرفض والعداء.
في نص آخر أرّخ الإمام للعالَم حين بعثة النبي محمد (ص) فقال:
«...إلى أن بَعثَ اللّه سُبحانَهُ مُحمّداً (ص)...وَأَهلُ الأرِض يومئذٍ مِلَلُ مُتفرِّقة، وأهواء مُنتَشِرة، وطرائقُ مُتَشتِّتَة، بينَ مُشَبِّهٍ للّه بِخلقِهِ أو مُلُحِدٍ فِي اسمِهِ، أو مُشِيرٍ إلى غيرِهِ، فهداهُم بِهِ مِن الضّلالَةِ،وأَنقذَهُم بِمَكانِهِ مِنَ الجهالَةِ...» [٢٤] .
وقال في نصّ ثانٍ :
«بَعثهُ والنّاسُ ضُلال فِي حَيرةً، وحاطِبُونَ [٢٥] فِي فِتنةٍ، قدِ استهوتهُمُ الأهواء، واستنزلتهُمُ الكِبرِياءُ [٢٦] ، واستخفَّتهُمُ  [٢٧] الجاهِليّةُ الجهلاء. حيارى فِي زلزالٍ مِن الأمرِ وبلاءٍ مِن الجهلِ، فبالَغ (ص) فِي النّصِيحَةِ، ومضى على الطّرِيقة، ودعا إلى الحِكمَةِ والموعِظةِ الحسنَةِ» [٢٨] .
وقال في نصّ ثالث :
«وأَشهدُ أنّ محمّداً عبدُهُ ورسُولُهُ، أرسلهُ بِالدِّينِ المشهُورِ... والنّاسُ فِي فِتنٍ انجذمَ [٢٩] فِيها حبلُ الدِّينِ، وتزعزعت سَوارِي  [٣٠] اليقِنِ، واختلف النّجرُ [٣١] وتشتَّت الأمرُ، وضاقَ المخرجُ وعمِيَ المصدَرُ، فالهُدى خامِل والعمى شامِل، عُصِي الرّحمانُ ونُصِرَ الشّيطانُ، وخُذِلَ الإيمَانُ، فانهارت دعائمُهُ، وتنَكّرت معالِمُهُ، ودرست سُبُلُهُ، وعفت شُرُكُهُ [٣٢] أطاعُوا الشّيطانَ فسلكُوا مسالِكَهُ، ووردُوا مناهِلهُ [٣٣] ، بِهِم سارت أعلامُهُ، وقام لِواؤُهُ، فِي فِتنٍ داستهُم بِأخفافِها، ووطِئتهُم بِأَظلافِها وقامت على سَنابِكِها [٣٤] فهُم فِيها تائهُون... حائرُون... جاهِلُون... مفتُونُون...» [٣٥].
أشار الإمام في هذه النّصوص إلى وجوه الفساد الّتي كان يعاني منها العالم عشية بعثة رسول اللّه (ص)، وهي وجوه الفساد الكبرى في كلّ عصر وفي كلّ أمّة، فإصلاحها هو وظيفة النّبوّة في حركتها الصاعدة منذ بدأت في مستهلّ التاريخ البشري إلى أن ختمت بمحمّد (ص).
الأوّل :
الضّلال في العقيدة، فَالنّاسُ ضُلال فِي حَيْرَةٍ... وَحاطِبُون فِي فتنَةٍ، وَهُم حائرونَ لأنّه حيث لا يستقر الإنسان على عقيدة أو يؤدي به الفساد العام إلى عقيدة باطلة، فإنّه يشعر بالضياع ويشعر بانعدام الهدف... إِنعدام المعنى من وجوده، يشعر بالعبث حين يواجه نفسه بسؤال: مَن أنا ؟ لماذا أنا هنا ؟ ما المعنى لوجودي ؟ ...
وهكذا يمضي هذا الإنسان الضائع في التماس الجواب حيث لا جواب، لأنّه «..بين مشبّه للّه بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره».
الثّاني:
الفساد السياسي والإجتماعي، فالناس قد أوقعتهم كبرياؤهم الّتي لا مبرّر لها في الزّلل والسّقوط الحضاري، فحملت أقوياءهم على احتقار ضعفائهم وفقرائهم... وخاصّتهم إلى الإستهانة بعامّتهم، فهانت كرامة الإنسان من حيث هو إنسان، وغدا مقياس الكرامة خاضعاً لعوامل غير إنسانية: للثّروة، أو للقوة، أو للنسب، وما إليها. لقد غدا الناس - نتيجة لذلك مَللاً متفرقةً متناحرةً، لكلّ ملّة مذهب وطريق، ولكلّ فئة هوى واتجاه، ولكلّ فريق منهج وغاية، والكل مفتون برأيه، مأخوذ بهواه، يعمل على شاكلته.
والنّبوّة تعالج وجوه الفساد كلّها في الإنسان والمجتمع، في الرّوح وفي المادة، والمؤسسات لتحقق الغاية العظيمة النبيلة، وهي تكوين الإنسان المتكامل.
وقد أعلن الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين هدفهم هذا على مدى التاريخ، كلّ واحد منهم في المحيط الذي بعث إليه في الزّمان الّذي كان فيه.. إلى أن ختمت النبوّة بمحمد (ص) فكان هذا الهدف العظيم بحجم امتداد الرسالة الخاتمة في الزمان والمكان على مستوى البشريّة كلّها وعلى مدى المستقبل كله... إِلى نهاية الزمان: «فبالغ (ص) في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة»...
«...فهداهم به من الضّلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة».
وقد أثمر جهد الأنبياء العظيم النبيل وجهادهم ومن اتبعهم وجرى على سنتهم - أثمر تحقيق هذا الهدف العظيم الذي هو وضع الإنسانية على طريق التكامل.
وربّما كان هذا القول مثيراً للدّهشة والتّعجب، والتّساؤل:
كيف حقّق الأنبياء الكرام هدفهم هذا ولم يؤمن بهم إِلا القليل، وأعرض عنهم أكثر الناس، بل حاربوهم ورفضوهم.. ؟
إنّ هدف النبوّة قد تحقق في كلّ عصر، وعلى عهد كلّ نبيّ في صورتين:
إحداهما: في من آمن بالنّبيّ وصدّق به واتبع منهاجه، فالتزم في حياته العامة والخاصة بالعقيدة والشريعة اللّتين اشتملت عليهما رسالته.
والصّورة الأخرى: تتمثّل في الجو الثّقافي والرّوحي العام الّذي اشاعته الرّسالة النّبوية في المجتمع نتيجة لتبليغ النبي وأتباعه، وللصراع الفكري والإجتماعي الّذي ولّدته الرّسالة في المجتمع، فإنّ هذا المناخ الثقافي يترك آثاره بلا شكّ على المفاهيم والمؤسسات والقيم والقناعات الّتي تسود المجتمع، ويدفع بها نحو التغيير بصورة لا شعورية، فينتقل المجتمع إلى حالة أفضل في علاقاته وقيمه ومؤسساته وحوافز العمل فيه، وإن كان أكثر هذا المجتمع كافراً برسالة النّبيّ.
ومن هنا كان الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين هم آباء الحضارة الإنسانيّة والمدنية الإنسانيّة. وما من خير بلغته وتمتعت به البشريّة في عقولها وأذواقها وقيمها ومؤسساتها وحوافز العمل من أجل التقدم المادي عندها إِلا وللأنبياء فيه فضل كبير، لأنّهم - على مدى التاريخ - أشاعوا، بما بثّوه من الوحي الإلهي في الناس، وحدة جديدة في كلّ مجتمع تنبثّ كالنّور...
كالعافية فيه فتضيء، بدرجات متفاوتة، مناطق الظلمة، وتلمس - بدرجات متفاوتة - مناطق البؤس والمرض فيه. وكان تأثير هذه الروح النبويّة متفاوتاً بنسبة مقاومة قوى الشر حين تعي درجة تأثير الخير النبوي، وبقاء هذا الخير حراً في التأثير حين تغفل قوى الشرعية أو ترى لنفسها مصلحة فيه.
وهكذا، فمن هذا المنظور نفهم أنّ كلّ نبي قد هدى اللّه به الناس من الضّلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة. فهم صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين آباء الإنسانية الكرام، وآباء الحضارة العظام.
وهذا نصّ آخر يضيء به الإمام جانباً آخر من جوانب وظيفة النبوّة في نطاق الهدفين العظيمين، قال عليه السّلام:
«قَد صُرِفَت نحوهُ أفئدةُ الأبرارِ، وثُنِيت إليهِ أزمَّةُ الأَبصارِ. دفنَ اللهُ بِهِ الضّغائنَ [٣٦] وأَطفأ بِهِ الثَّوائرَ [٣٧] . ألَّفَ بِهِ إخواناً، وفرَّقَ بِهِ أقراناً. أعزَّ بِهِ الذِّلّةَ، وأذَلَّ بِهِ العِزَّة»  [٣٨] .
في هذا النّصّ كشف الإمام عن عمل النبوّة في تغيير القيم السائدة في المجتمع، هذه القيم الّتي تحكم وتوجه العلاقات داخل المجتمع بين فئاته وأفراده، وإبدالها بقيم أخرى متّسقة في طبيعتها مع طبيعة الرّسالة النبوية لأنها مستمدة منها. وما يترتب على ذلك من تغيّر في المفاهيم والقناعات، ومن تبدل في نوع العلاقات نتيجة لتبدل القيم الجاهليّة بالقيم النبويّة.
لقد ثنيت أزمّة الأبصار نحو الرّسول الأكرم (ص) كما كانت تثنى نحو كل نبيّ في مجتمعه، لأنه قد أثار اهتمام الناس كلّهم، وأوجد هزّة راحت تنداح على المجتمع كلّه وتنفذ في أعماقه. وهذه الفكرة تضيء التحليل الّذي بيّنا فيه آنفاً أنّ أثر النبوّة الخيّرة لا يقتصر على المؤمنين بالنبي ورسالته وحدهم، وإِنّما يتعداهم ليشمل ببركاته المجتمع كله.
لقد أدّت القيم الجديدة الّتي جاء بها النّبيّ إِلى تغيير المفاهيم، ومن ثمّ إِلى تغيير عميق وجذري في العلاقات الإجتماعيّة بين الأفراد والفئات، وإِلى إحداث التّبدّلات الإجتماعية.
لقد دفنت به الضغائن، لأن أسباب تولّدها قد زالت، ومن ثمّ فقد زالت أسباب تفجّرها فزالت الثوائر.
لقد نعم المجتمع كلّه بدرجة عالية من الإستقرار والطمأنينة بعد أن انخفضت إلى أدنى الدرجات مظاهر العنف والتوتر فيه نتيجة لتبدّل المفاهيم والقيم الّتي كانت سائدة فيه بمفاهيم وقيم أخرى بثّتها النبوّة.
وقد أدّت القيم الجديدة إلى إيجاد علاقات جديدة:
فألّف اللّه بالنبي... بالقيم الّتي بشّر بها وأذاعها في الناس، إخواناً في الإيمان، وفرقت هذه القيم الإيمانية بين أقران اختلفت بهم الطريق حين هتف صوت النبوّة في المجتمع، فسلك بعضهم طريق الإيمان وبقي الآخر على طريقه القديمة، وقيمه القديمة، طريق الجاهلية وقيم الجاهلية.
كما أدّت هذه القيم الجديدة إلى تغيير في المراتب الإجتماعية، لأنّ القيم القديمة التي كانت تجعل أساس الترتيب في البنية الإجتماعية بين الأشخاص أو الفئات متمثلاً في المال، أو السلالة والنسب، أو القوة الحربية... هذه القيم قد زالت وحلّت محلها قيمة جديدة غدت هي الأساس الّذي يقوم عليه الترتيب الإجتماعي، وهي التّقوى (٣٩)، ومن ثم فقد أعزّ اللّه بالنبي... بالقيم الّتي جاء بها الذّلة الّتي كانت تفرضها القيم الجاهلية القديمة على الفقراء والمستضعفين، وأذلّ به العزّة الّتي كانت تنشأ من قيم غير إيمانية.
من تاريخنا الإسلامي تحفل السيرة النبوية بمئات من الشّواهد والنّماذج.
فالأذلاء في الجاهلية كعمّار بن ياسر وبلال الحبشي غدوا أعزاء في المجتمع الجديد، لأنّ القيم الجاهليّة الّتي كانت تفرض عليهم أن يكونوا أذلاء في مرتبة اجتماعية متدنية قد زالت بالإسلام. وجاء الإسلام بقيم جديدة غيّرت موقعهم في المجتمع فجعلتهم من النخبة، والأعزاء في الجاهلية غدوا أذلاء لأنّ القيم الّتي كانوا يتكئون عليها ويستمدون منها اعتبارهم الإجتماعي ويتبوّؤن مركز النخبة فيه... هذه القيم قد زالت بالإسلام وحلّت محلّها قيمة جديدة هي التقوى، وحيث أنهم لم يتحلّوا بهذه القيمة الجديدة فقد غدوا من الأذلاء.
١ - في شرح مفهوم التقوى الإسلامي وبيان مكوّناته وأبعاده راجع كتابنا (دراسات في نهج البلاغة) فصل: المجتمع والطبقات الإجتماعية.
وثمة نصوص في نهج البلاغة تحدث فيها الإمام عن حالة العرب بالنّسبة إلى تأثير النبوّة في أوضاعهم الحياتية والمعنوية.
ففي النص التالي صوّر أمير المؤمنين حالة المجتمع العربي الجاهلي عشية بعثة النبي محمد (ص)، في جميع وجوه حياته الّتي كان عليها من النّواحي الرّوحية والإجتماعية والأخلاقية. قال عليه السّلام:
«إنّ اللهَ بعثَ مُحمّداً (ص) نَذِيراً للعالَمِين، وأميناً على التَّنزيلِ، وأنتُم معشرَ العربِ على شرِّ دِينٍ وفِي شرِّ دارٍ مُنِيخون [٣٩] بينَ حِجارَةٍ خُشنٍ وحيَّاتٍ صُمٍّ  [٤٠] تشربُون الكَدِر، وتأكُلُون الجشِبَ [٤١] ، وتسفِكُون دِماءكُم وتقطعُون أرحامكُم، الأصنام فِيكُم منصوبَة والآثامُ بِكم معصُوبة [٤٢] »   [٤٣].

------------------------------------------------------------------
[١] . سورة الفجر (مكيّة) رقم ٨٩ - الآية ١٩.
[٢] . سورة الأعراف (مكيّة) رقم ٧ - الآية ١٦٩.
[٣] . سورة فاطر (مكيّة) - رقم ٣٥ - الآية ٣٢.
[٤] . سورة الشورى (مكيّة - رقم ٤٢) الآية: ١٤.
[٥] . محمد بن يعقوب الكليني: الكافي ج ١ ص ٣٤.
[٦] . نهج البلاغة، باب الحكم، رقم ٥٤ و١١٣.
[٧] . نهج البلاغة، باب الحكم، رقم ٥.
[٨] . نهج البلاغة - الخطبة رقم ٧٧.
[٩] . نهج البلاغة - الخطبة رقم ٣.
[١٠] . نشير هنا إلى أنّ بعض دُور النشر الكبرى في بعض البلاد العربية، ومنها ما هو تابع لمؤسسات ثقافية رسميّة، نشر كتباً في الفكر الإسلامي تحت عنوان (تراثنا) أو (سلسلة التراث) وغير ذلك من العناوين. هذا وعلينا أن ننبّه هنا إلى أنّه ليس كلّ من استعمل كلمة (تراث) في الدّلالة على الفكر الإسلامي يحمل على الفكر الإسلامي هذه النظرة، فثمة مفكرون وباحثون مسلمون مخلصون استعملوا كلمة (تراث) في الدّلالة على الفكر الاسلامي دون أن يقصدوا بها موقفاً فكرياً من (الفكر الإسلامي) يضعه في (التراث) بالمعنى الحضاري، وإنّما قصدوا بالتعبير مجرّد الدّلالة اللّغوية.
[١١] . سورة البقرة (مدنيّة - ٢) الآية: ٢١٣.
[١٢] . سورة المائدة (مدنيّة - ٥) الآيات: ٢٧ - ٣١.
[١٣] . اجتالتهم : صرفتهم عن اللّه.
[١٤] . اتر: تابع.. أرسل الأنبياء يتبع أحدهم الآخر.
[١٥] . المحجة: الطريق المستقيمة الواضحة، يريد هنا الشّريعة الّتي تتبع.
[١٦] . نهج البلاغة - الخطبة الأولى.
[١٧] . السّمة: العلامة، والمراد علامات النّبيّ محمّدٍ الّتي بشَر بها الأنبياء السابقون.
[١٨] . نهج البلاغة - الخطبة الأولى.
[١٩] . المقطع: النّهاية الّتي ليس عليها مزيد. أي أنّ أعذار اللّه وأنذاره تلقيا نهايتهما برسالة محمد (ص).
[٢٠] . نهج البلاغة - خطبة الأشباح، رقم: ٩١.
[٢١] . الأوصاب: المَتاعِب.
[٢٢] . نهج البلاغة: الخطبة الأولى.
[٢٣] . سورة الأعراف (مكية - ٧) الآية: ١٧٢ - ١٧٣.
[٢٤] . نهج البلاغة - الخطبة الأولى.
[٢٥] . الحاطب هو الّذي يجمع الحطب، يقال لمن يأخذ بالصّواب والخطأ دون تمييز: حاطب ليلٍ، شبه للفتنة باللّيل الّذي تلتبس فيه الأشياء لظلامه حيث أنّ الحق يلتبس فيها بالباطل.
[٢٦] . استزلَّتهم: أوقعتهُم الكبرياءُ فِي الزّللِ والسّقوطِ، يعني بذلك فساد حياتهم الإجتماعية.
[٢٧] . استَخفَّتهُم: جَعلتهُم طائشينَ مُندفِعينَ وراء شهواتِهم الجسدية والنفسية دون كابح ورادع.
[٢٨] . نهج البلاغة، رقم الخطبة: ٩٥.
[٢٩] . انجذم: انقطع.
[٣٠] . السّارية: هي العمود، يدعم بها السقف، والجمع سوارٍ.
[٣١] . النّجر: الأصل، ومثله: النجار.
[٣٢] . درست واندرست بمعنى زالت وانطمست. والشّرك - بضم الرّاء - جمع شراك، وعفت شركه بمعنى انطمست.
[٣٣] . المناهل: جمع منهل، مورد النهر.
[٣٤] . الأخفاف جمع خُفّ، وهو للبعير كالقدم للإنسان، والأظلاف جمع ظِلْف للبقر والشّاء. والسّنابك جمع سُنبك: طرف الحافر.
[٣٥] . نهج البلاغة، رقم الخطبة: ٢.
[٣٦] . الضّغائن: الأحقاد المكتومة.
[٣٧] . الثّوائر: الأحقاد المتفجّرة في أعمال عدائية عنفية ومعارك.
[٣٨] . نهج البلاغة، رقم الخطبة ٩٦.
[٣٩] . منيخون: مقيمون.
[٤٠] . خشن: من الخشونة. والحيّات الصّم أخبث أنواع الحيّات. كنى عن صعوبة مناخ البادية وقساوة العيش فيها.
[٤١] . الكَدِر: الماء الذّي يخالطه الطين وغيره، والجَشب من الطعام: الغليظ الخشن كناية عن بؤس حياتهم وفقرها، وانعدام وسائل الراحة فيها.
[٤٢] . معصوبة: مشدودة، كناية عن استمرارهم على المعصية.
[٤٣] . نهج البلاغة: رقم الخطبة ٢٦.

يتبع .......

****************************