قال الشّعبي :
تكلّم امير المؤمنين عليه السلام بتسع كلمات ارتجلهنّ ، ارتجالاً فقأن عيون الحكمة ، وأيتمن جواهر البلاغة ، وقطعن جميع الأنام عن اللّحاق بواحدة منهنّ ، ثلاثٌ منها في المناجات ، وثلاثٌ منها في الحكمة ، وثلاثٌ منها في الأدب
امّا اللاّتي في المناجات
فقال عليه السلام : اِلهي كَفى بي عِزًّا اَنْ اَكُونَ لَكَ عَبْداً ، وكَفى بي فَخْراً اَنْ تَكُونَ لى رَبًّا ، اَنْتَ كَما اُحِبُّ ، فَاجْعَلْني كَما تُحِبُّ .
وامّا اللاّتي في الحكمة
فقال عليه السلام : قيمَةُ كُلِّ امْرِءٍ ما يُحْسِنُهُ ، وما هَلَكَ امْرُءٌ عَرَفَ قَدْرَهُ ، والْمَرْءُ مَخْبوُءٌ تَحْتَ لِسانِهِ [١].
وامّا اللاّتي في الأدب
فقال عليه السلام : اُمْنُنْ عَلى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ اَميرَهُ ، واحْتَجْ اِلى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ اَسيرَهُ ، واسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تكُنْ نَظيرَهُ .
وسأله سائل فقال يا امير المؤمنين خبّرنى عن اللَّه تعالى أرأيته حين عبدته ؟
فقال عليه السّلام : لَمْ اَكُ بِالَّذي اَعْبُدُ مَنْ لَمْ اَرَهُ فقال كيف رأيته حين رأيته ؟ فقال له : وَيْحَكَ لَمْ تَرَه الْعُيُونُ بِمُشاهَدَةِ الْأَبْصارِ ، ولكِنْ رَاَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقايِقِ الاْيمانِ ، مَعْرُوفٌ بِالدَّلالاتِ ، مَنْعُوتٌ بِالْعَلاماتِ ، لا يُقاسُ بِالنَّاسِ ، ولا تُدْرِكُهُ الْحَواسُّ .
وايضاً سئل عنه ع اين كان ربّك قبل ان يخلق السّماء والأرض ؟
فقال عليه السّلام : اَيْنَ سُؤالٌ عَنْ مَكانٍ ، وكانَ اللَّهُ ولا مَكانَ .
وقال عليه السّلام : حَقيقَةُ السَّعادَةِ : اَنْ يَخْتِمَ الرَّجُلُ عَمَلَهُ بِالسَّعادَةِ ، وحَقيقَةُ الشَّقاوَةِ : اَنْ يَخْتِمَ الْمَرْءُ عَمَلَهُ بِالشَّقآءِ .
وقال عليه السّلام : بَقِيَّةُ الْعُمْرِ لا ثَمَنَ لَها ، يُدْرَكُ بِها ما فاتَ ، ويُحْيى بِها ما اَماتَ .
وشكى اليه رجل الحاجة ، فقال عليه السّلام له : اِعْلَمْ اَنَّ كُلَّ شَىْءٍ تُصيبُهُ مِنَ الدُّنْيا فَوْقَ قُوتِكَ ، فَاِنَّما اَنْتَ فيهِ خازِنٌ لِغَيْرِكَ .
وقال عليه السّلام لبنيه : يا بَنِىَّ اِيَّاكُمْ ومُعاداةَ الرِّجالِ ، فَاِنَّهُمْ لا يَخْلُومِنْ ضَرْبَيْنِ : مِنْ عاقِلٍ يَمْكُرُ بِكُمْ ، اَوجاهِلٍ يَجْهَلُ عَلَيْكُمْ ، والْكَلامُ ذَكَرٌ والْجَوابُ اُنْثى ، فَاِذَا اجْتَمَعَ الزَّوْجانِ فَلا بُدَّ مِنَ التَّشاحِّ ، ثُمَّ انشأ يقول :
سَليمُ الْعِرْضِ مَنْ حَذَرِ الْجَوابا ***** ومَنْ دارَ الرِّجالَ فَقَدْ اَصابا
ومَنْ هابَ الرِّجالَ تَهَيَّبُوهُ ***** ومَنْ حَقَرَ الرِّجالَ فَلَنْ يُهابا [٢]
وقال عليه السّلام لبعض اصحابه : لا تَجْعَلَنَّ اَكْثَرَ شُغْلِكَ لِاَهْلِكَ ووُلْدِكَ ، فَاِنْ يَكُنْ اَهْلُكَ ووُلْدُكَ اَوْلِيآءَ اللَّهِ ، فَاِنَّ اللّهَ لا يُضيعُ اَوْلِيآءَهُ ، واِنْ يَكُونُوا اَعْدآءَ اللَّهِ ، فَما عَمَلُكَ وشُغْلُكَ بِاَعْدآءِ اللَّهِ .
وقال عليه السّلام لابنه الحسن ع : يا بُنَىَّ لا تُخْلِفَنَّ مِنْ وَرآئِكَ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيا ، فَاِنَّهُ تُخْلِفُهُ لِاَحَدِ رَجُلَيْنِ ، اِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فيهِ بِطاعَةِ اللَّهِ فَسَعِدَ بِما شَقيتَ بِهِ ، واِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فيهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَكُنْتَ لَهُ عَوْناً عَلى مَعْصِيَتِهِ ، ولَيْسَ اَحَدُ هذَيْنِ حَقيقاً اَنْ تُؤْثِرَ عَلى نَفْسِكَ وتَحْمِلَ لَهُ عَلى ظَهْرِكَ . قلت : وروى هذا في نهج البلاغة باختلاف يسير .
وقال عليه السّلام : حَسْبُ الْمَرْءِ مِنْ عِرْفانِهِ عِلْمُهُ بِزَمانِهِ ومِنْ وَرَعِهِ غَضُّ بَصَرِهِ ، وعِفَّةُ بَطْنِهِ ، ومِنْ حُسْنِ خُلْقِهِ كَفُّهُ اَذاهُ ، ومِنْ سَخائِهِ بِرُّهُ بِمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَقُّهُ ، واِخْراجُهُ حَقَّ اللَّهِ مِنْ مالِهِ ، وحَسْبُهُ مِنْ صَبْرِهِ قِلَّةُ شَكْواهُ ، ومِنْ عَقْلِهِ اِنْصافُهُ مِنْ نَفْسِهِ ، ومِنْ حِلْمِهِ تَرْكُهُ الْغَضَبَ عِنْدَ مُخالَفَتِهِ ، ومِنْ صَلاحِهِ شِدَّةُ خَوْفِهِ مِنْ ذُنُوبِهِ ، ومِنْ شُكْرِهِ مَعْرِفَةُ اِحْسانِ مَنْ اَحْسَنَ اِلَيْهِ ، ومِنْ تَواضُعِهِ مَعْرِفَتُهُ بِقَدْرِهِ ، وحَسْبُهُ مِنْ كَمالِ الْمُرُوَّةِ تَرْكُهُ ما لا يَجْمُلُ بِهِ ، ومِنَ الْحَيآءِ اَنْ لا يَلْقى اَحَداً بِما يَكْرَهُ ، ومِنَ الْأَدَبِ اَنْ لا يَتْرُكَ ما لا بُدَّ مِنْهُ .
وقال عليه السّلام : اِذا وُضِعَ الْمَيِّتُ في قَبْرِهِ اعْتَوَرَتْهُ نيرانٌ اَرْبَعُ ، فَتَجيئُ الصَّلوةُ فَتُطْفِئُ واحِدَةً ، وتَجيئُ الصَّوْمُ فَيُطْفِئُ واحِدَةً ، وتَجيىءُ الصَّدَقَةُ فَتُطْفيءُ واحِدَةَ ، ويَجيىءُ الْعِلْمُ فَيُطْفِئُ الرَّابِعَةَ . ويقول : لَواَدْرَكْتُهُنَّ لَاَطْفَاْتُهُنَّ كُلَّهُنَّ ، فَقَرَّ عَيْناً فَاَنَا مَعَكَ ، ولَنْ تَرى بُؤساً .
وقال عليه السّلام : لابُدَّ لَكَ مِنْ رَفيقٍ في قَبْرِكَ , فاجْعَلْهُ حَسَنَ الْوَجْهِ ، طَيِّبَ الرّيحِ ، وهُوالْعَمَلُ الصَّالِحُ .
وقال عليه السّلام : مِنْ شَرَفِ هذِهِ الْكَلِمَةِ ، وهِىَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ ، اَنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَها فاتِحَةَ كِتابِهِ ، وجَعَلَها خاتِمَةَ دَعْوى اَهْلِ جَنَّتِهِ ، فقال : اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ .
وقال عليه السّلام حين لامته سيّدة نساءِ العالمين الصّدّيقة فاطمة عليها السّلام على قعوده ، واطالت تعنيفه ، وهوساكت حتّى اذّن مؤذّن ، فلمّا بلغ الى قوله : اَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، قال لها : اَتُحِبّينَ اَنْ تَزُولَ هذِهِ الدَّعْوَةُ مِنَ الدُّنْيا ؟
قالت : لا ، قال : فَهُوما اَقُولُ لَكِ .
وقال عليه السّلام : خُذِ الْحِكْمَةَ اَنّى اَتَتْكَ ، فَاِنَّ الْكَلِمَةَ مِنَ الْحِكْمَةِ تَكُونُ في صَدْرِ الْمُنافِقِ ، فَتَلَجْلَجُ في صَدْرِهِ حَتّى تَسْكُنَ اِلى صاحِبِها [٣].
وقال يهودىّ له عليه السلام : اختلفتم بعد نبيّكم ولم يجفّ مآؤهُ يعنى غسله صلّى اللّه عليه واله فقال عليه السّلام : واَنْتُمْ قلْتُمْ اِجْعَلْ لَنا اِلهاً كَما لَهُمْ الِهَةٌ ولَمَّا يَجُفَّ مآؤُكُمْ . وروى بوجه اخر في النّهج قال ع لبعض اليهود لمّا قال له عليه السلام ما دفنتم نبيّكم حتّى اختلفتم فيه فقال عليه السلام له : اِنَّمَا اخْتَلَفْنا عَنْهُ لا فيهِ ، ولكِنَّكمْ ما جَفَّتْ اَرْجُلُكُمْ مِنَ الْبَحْرِ حَتّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ : اِجْعَلْ لَنا اِلهاً كَما لَهُمْ الِهَةٌ قالَ اِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [٤] .
وقال عليه السّلام : اِنَّ مَنْ ظَفَرَ مِنَ الدُّنْيا بِاَعْلى واَعْظَمَ اُمْنِيَّةٍ ، لَيْسَ كاخَرَ ظَفَرَ مِنَ الْاخِرَةِ بِاَدْوَنِ دَرَجاتِ اَهْلِ الثَّوابِ ، لا مُناسَبَةَ ولا قِياسَ بَيْنَ نَعيمِ الدُّنْيا والْأخِرَةِ
وقال عليه السّلام : ما مِنْ يَوْمٍ اِلاَّ يَتَصَفَّحُ مَلَكُ الْمَوْتِ فيهِ وُجُوهَ الْخَلآئِقِ ، فَمَنْ رَاهُ عَلى مَعْصِيَةٍ اَولَهْو، اَورَءاهُ ضاحِكاً فَرِحاً ، قالَ لَهُ يا مِسْكينُ : ما اَغْفَلَكَ عَمَّا يُرادُ بِكَ اِعْمَلْ ما شِئْتَ ، فَاِنَّ لى فيكَ غَمْرَةً اَقْطَعُ بِها وَتينَكَ [٥].
قال الحميدي في شرح النّهج ج ١٩ ط مصر : ما احسن قوله : اختلفنا عنه لا فيه لأنّ الاختلاف لم يكن في التّوحيد والنّبوّة ، بل في فروع خارجة عن ذلك نحوالامامة والارث ، والخلافِ في الزّكوة هل هى واجبة ام لا ، واليهود لم يختلفوا كذلك بل في التّوحيد الّذى هو الأصل .
قال المفسّرون : مرّوا على قوم يعبدون اصناماً لهم على هيئة البقرة ، فسألوا موسى ان يجعل لهُم الهاً كواحد منها بعد مشاهدتهم الأيات والأعلام وخلاصهم من رقّ العبوديّة ، وعبورهم البحر ومشاهدة غرق فرعون ، وهذه غاية الجهل .
وقال عليه السّلام : طَلَبْتُ الرَّاحَةَ لِنَفْسى ، فَلَمْ اَجِدْ شَيْئاً اَرْوَحَ مِنْ تَرْكِ ما لا يَعْنينى ، وتَوَحَّشْتُ في الْفَقْرِ الْبَلْقَعَ ، فَلَمْ اَرَ وَحْشَةً اَشَدَّ مِنْ قَرينِ السّوُءِ ، وشَهِدْتُ الزُّحُوفَ ، ولَقيتُ الْأَقْرانَ ، فَلَمْ اَرَ قِرْناً اَغْلَبَ مِنَ الْمَرْاَةِ ، ونَظَرْتُ اِلى كُلِّ ما يُذِلُّ الْعَزيزَ ويُكْسِرُهُ ، فَلَمْ اَرَ شَيْئاً اَذَلَّ لَهُ ولا اَكْسَرَ مِنَ الْفافَةِ .
ونظر عليه السلام الى رجل يغتاب اخر ، عند ابنه الحسن عليه السلام ، فقال عليه السّلام : يا بُنَىَّ نَزِّهْ سَمْعَكَ عَنْهُ ، فَاِنَّهُ نَظَرَ اِلى اَخْبَثِ ما في وِعآئِهِ ، فَاَفْرَغَهُ في وِعائِكَ .
وقيل له عليه السلام : أىّ الأموُر اعجل عقوبة ، واسرع لصاحبها سرعة ؟
فقال عليه السّلام : ظُلْمُ مَنْ لا ناصِرَ لَهُ اِلاَّ اللَّهُ ، ومُجازاةُ النِّعَمِ بِالتَّقْصيرِ ، واسْتِطالَةُ الْغَنِىِّ عَلىَ الْفَقيرِ .
وقال عليه السّلام : تَعِسَ عَبْدُ الدّينارِ والدِّرْهَمِ تَعِسَ فَلاَ انْتَعَشَ ، وَشيكَ فَلاَ انْتَقَشَ [٦].
وقال عليه السّلام : مِسْكينُ ابْنُ ادَمَ ، لَهُ بَطْنٌ يَقُولُ اِمْلَاْني واِلاَّ فَضَحْتُكَ ، واِذَا امْتَلَأَ يَقُولُ : فَرِّغْني واِلاَّ فَضَحْتُكَ ، وهُواَبَداً بَيْنَ فَضيحَتَيْنِ .
وقال عليه السّلام : اَلدُّنْيا دارُ مَمَرٍّ ، والْأخِرَةُ دارُ مَقَرٍّ ، والنَّاسُ فيها رَجُلانِ : رَجُلٌ باعَ نَفْسَهُ فَاَوْبَقَها ، ورَجُلٌ ابْتاعَ نَفْسَهُ فَاَعْتَقَها .
وقال عليه السّلام : اِنَّ وَلِىَّ مُحَمَّدٍ ص مَنْ اَطاعَ اللَّهَ واِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ ، واِنَّ عَدُو مُحَمَّدٍ ص مَنْ عَصَى اللَّهَ واِنْ قَرُبَتْ قَرابَتُهُ .
وقال عليه السّلام : اِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يُصْبِحُ اِلاَّ خآئِفاً واِنْ كانَ مُحْسِناً ، ولا يُمْسى اِلاَّ خآئِفاً واِنْ كانَ مُحْسِناً ، لِاَنَّهُ بَيْنَ اَمْرَيْنِ : بَيْنَ وَقْتٍ قَدْ مَضى ، لا يَدْرى مَا اللَّهُ صانِعٌ بِهِ ، وبَيْنَ اَجَلٍ قَدِ اقْتَرَبَ ، لا يَدْرى ما يُصيبُهُ مِنَ الْهَلَكاتِ .
وقال عليه السّلام : كَرِهْتُ لَكُمْ اَنْ تَكُونُوا شَتَّامينَ ولكِنْ قُولُوا : اَللَّهُمَّ احْقِنْ دِمآءَنا ودِمآءَهُمْ ، واَصْلِحْ ذاتَ بَيْنِنا وبَيْنِهِمْ ، واهْدِهِمْ مِنْ ضَلالَتِهِمْ ، حَتّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ ، ويَرْعَوِىَ عَنِ الْباطِلِ مَنْ لَجَّ بِهِ .
وقال عليه السّلام : جُمِعَ الْخَيْرُ كُلُّهُ في ثَلاثِ خِصالٍ اَلنَّظَرُ والسُّكُوتُ والْكَلامُ ، فَكُلُّ نَظَرٍ لَيْسَ فيهِ اعْتِبارٌ فَهُوسَهْو، وكُلُّ سُكُوتٍ لَيْسَ فيهِ فِكْرَةٌ فَهُوغَفْلَةٌ ، وكُلُّ كَلامٍ لَيْسَ فيهِ ذِكْرٌ فَهُولَغْو، فَطُوبى لِمَنْ كانَ نَظَرُهُ عَبْراً ، وسُكُوتُهُ فِكْراً ، وكَلامُهُ ذِكْراً ، وبَكى عَلى خَطيئَتِهِ ، واَمِنَ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِ .
وقال له عُمر بن الخطّاب : قد مللت النّاس ، واحببت ان اُلْحَقَ بصاحبىّ . فقال عليه السّلام : اِنْ سَرَّكَ اللُّحُوقُ بِهِما فَقَصِّرْ اَمَلَكَ ، وكُلْ دُونَ الشَّبعِ ، واخْصفِ النَّعْلَ ، وكُنْ كَميشَ الْاِزارِ [٧]، مَرْقُوقَ الْقَميصِ ، تَلْحَقْ بِهِما .
وقال عليه السّلام : اِنَّ الْعَبْدَ لَيَحْرِمُ نَفْسَهُ الرِّزْقَ الْحَلالَ بِتَرْكِ الصَّبْرِ ، ولا يَزْدادُ عَلى ما قُدِّرَ لَهُ [٨].
وقام اليه رجل من البصرة ، فقال يا امير المؤمنين اخبرنا عن الاخوان فقال عليه السّلام : اَلْاِخْوانُ صِنْفانِ : اِخْوانُ الثِّقَةِ ، واِخْوانُ الْمُكاشَرَةِ [٩]، فَاَمَّا اِخْوانُ الثِّقَةِ : فَهُمُ الْكَهْفُ والْجَناحُ ، والْأَهْلُ والْمالُ ، واِذا كُنْتَ مِنْ اَخيكَ عَنْ حَدِّ الثِّقَةِ ، فَابْذلْ لَهُ مالَكَ وبَدَنَكَ ، وصافِ مَنْ صافاهُ وعادِ مَنْ عاداهُ ، واكْتُمْ سِرَّهُ وعَيْبَهُ ، واَظْهِرْ مِنْهُ الْحُسْنَ .
واعْلَمْ اَيُّهَا السّآئِلُ ، اِنَّهُمْ اَقَلُّ مِنَ الْكِبْريتِ الْأَحْمَرِ ، واَمَّا اِخْوانُ الْمُكاشَرَةِ ، فَاِنَّكَ تُصيبُ مِنْهُمْ ، فَلا تَقْطَعَنَّ ذلِكَ مِنْهُمْ ، ولا تَطْلُبَنَّ ما وَرآءَ ذلِكَ مِنْ ضَميرِهِمْ وابْذلْ لَهُمْ ما بَذَلُوا لَكَ مِنْ طَلاقَةِ الْوَجْهِ واللِّسانِ .
وقال عليه السّلام : اِنَّ الدُّنْيا والْأخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفاوِتانِ ، وسَبيلانِ مُخْتَلِفانِ ، فَمَنْ اَحَبَّ الدُّنْيا وتَوَلاَّها اَبْغَضَ الْأخِرَةَ وعاداها ، وهُما بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ ، والْماشى بَيْنَهُما كُلَّما قَرُبَ مِنْ واحِدَةٍ بَعُدَ مِنَ الْأُخْرى .
وقال عليه السّلام : اَلدُّنْيا ثَلاثَةُ اَيَّامٍ ، يَوْمٌ مَضى بِما فيهِ فَلَيْسَ بِعآئِدٍ ، ويَوْمٌ اَنْتَ فيهِ يَحِقُّ عَلَيْكَ اغْتِنامُهُ ، ويَوْمٌ لا تَدْرى مَنْ اَهْلُهُ ، ولَعَلَّكَ راحِلٌ فيه ، فَاَمَّا اَمْسِ فَحَكيمٌ مُؤَدِّبٌ ، واَمَّا الْيَوْمُ فَصَديقٌ مُوَدِّعٌ ، واَمَّا غَدٌ فَاِنَّما في يَدَيْكَ مِنْهُ .
وصرع في بعض حروبه رجلا ثمّ جلس على صدره ليجتزّ رأسه حين القاه وان غبت شتم . فبصق ذلك الرّجل في وجهه فقام عنه وتركه ، ولمَّا سُئِل عن ذلك بعد التّمكّن منه فقال عليه السّلام : اِغْتَظْتُ مِنْهُ ، فَخِفْتُ اِنْ قَتَلْتُهُ اَنْ يَكُونَ لِلْغَضَبِ والْغَيْظِ نَصيبٌ في قَتْلِهِ ، وما كُنْتُ اُحِبُّ اَنْ اَقْتُلَهُ اِلاَّ خالِصاً لِلَّهِ تَعالى .
---------------------------------------------------------
[١] . قال الحديدي في شرح النّهج م ٤ ٣١٣ ط مصر : امّا هذه اللّفظة فلا نظير لها في الايجاز ، والدّلالة على المعنى ، وهي من الفاظه المعدودة .
[٢] . هذا حقيقة واقعيّة لا ينكرها احد نطق بها الامام علي عليه السّلام ، لأنّ كلّ واحد منّا اذا احترم غيره احترمه ، وهذا بالعكس : فانّ من لا يحترم لا يُحترم . وكما في المثل : من يزرع الثّوم ، لم يحصده ريحاناً .
[٣] . قال ابن قتيبة في غريب الحديث : يريد الكلمة قد يعلمها المنافق فلا تزال تتحرّك في صدره ولا تسكن حتّى يسمعها منه المؤمن اوالعالم فَيَعِيَها ويَثْقَفُها ويَفْقَهُها فتسكن في صدره الى اخواتها من كلم الحكمة .
[٤] . سورة الأعراف الأية ١٣٨ .
[٥] . الوتين : عرق في القلب اذا انقطع مات صاحبه .
[٦] . قال ابن الأثير في النّهاية : شيك اى اذا دخلت فيه شوكة ، لا اخرجها من موضعها ، وبه سمّى المنقاش الّذى ينقش به .
[٧] . خصف النّعل : خرزها بالمخصف . ويقال كمش ازاره اذ قصّره .
[٨] . تفوّه به عليه السلام لمّا دخل المسجد وقال لرجل امسك علىّ بغلتى ، فخلع لجامها وذهب به فخرج علىّ ع بعد ما قضى صلاته وبيده درهمان ليدفعهما اليه مكافاة له ، فوجد البغلةُ عُطلاً فدفع الى احد غلمانه الدّرهمين ليشترى به لجاماً ، فصادف الغلام اللّجام المسروق في السّوق قد باعه الرّجل بدرهمين فاخذه بالدّرهمين وعاد الى مولاه ، فقال علىّ ع تلك الكلمة . . .
[٩] . قال الزّمخشرى في اساس اللّغة ج ٢ ص ٢٠٤ : كشر الرّجل الى صاحبه تبسّم وكاشره ، وتقول : لمّا رانى كشروا واستبشروا . وقال المتلمّس : انّ شرّ النّاس من يكشر لي .
مقتبس من كتاب نهج البلاغة الثاني (جمع وتبويب الشيخ جعفر الحائري)