وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.                
وقال (عليه السلام): الغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ.                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
ما رواه الشعبي من كلام للإمام علي عليه السلام

قال الشّعبي :

تكلّم امير المؤمنين عليه السلام بتسع كلمات ارتجلهنّ ، ارتجالاً فقأن عيون الحكمة ، وأيتمن جواهر البلاغة ، وقطعن جميع الأنام عن اللّحاق بواحدة منهنّ ، ثلاثٌ منها في المناجات ، وثلاثٌ منها في الحكمة ، وثلاثٌ منها في الأدب

امّا اللاّتي‏ في المناجات

فقال عليه السلام : اِلهي‏ كَفى‏ بي‏ عِزًّا اَنْ اَكُونَ لَكَ عَبْداً ، وكَفى‏ بي‏ فَخْراً اَنْ تَكُونَ لى‏ رَبًّا ، اَنْتَ كَما اُحِبُّ ، فَاجْعَلْني كَما تُحِبُّ .

وامّا اللاّتي‏ في الحكمة

فقال عليه السلام : قيمَةُ كُلِّ امْرِءٍ ما يُحْسِنُهُ ، وما هَلَكَ امْرُءٌ عَرَفَ قَدْرَهُ ، والْمَرْءُ مَخْبوُءٌ تَحْتَ لِسانِهِ [١].

وامّا اللاّتي في الأدب

فقال عليه السلام‏ : اُمْنُنْ عَلى‏ مَنْ شِئْتَ تَكُنْ اَميرَهُ ، واحْتَجْ اِلى‏ مَنْ شِئْتَ تَكُنْ اَسيرَهُ ، واسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تكُنْ نَظيرَهُ .

وسأله سائل فقال يا امير المؤمنين خبّرنى‏ عن اللَّه تعالى‏ أرأيته حين عبدته ؟

فقال عليه السّلام : لَمْ اَكُ بِالَّذي‏ اَعْبُدُ مَنْ لَمْ اَرَهُ فقال كيف رأيته حين رأيته ؟ فقال له : وَيْحَكَ لَمْ تَرَه الْعُيُونُ بِمُشاهَدَةِ الْأَبْصارِ ، ولكِنْ رَاَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقايِقِ الاْيمانِ ، مَعْرُوفٌ بِالدَّلالاتِ ، مَنْعُوتٌ بِالْعَلاماتِ ، لا يُقاسُ بِالنَّاسِ ، ولا تُدْرِكُهُ الْحَواسُّ .

وايضاً سئل عنه ع اين كان ربّك قبل ان يخلق السّماء والأرض ؟

فقال عليه السّلام : اَيْنَ سُؤالٌ عَنْ مَكانٍ ، وكانَ اللَّهُ ولا مَكانَ .

وقال عليه السّلام : حَقيقَةُ السَّعادَةِ : اَنْ يَخْتِمَ الرَّجُلُ عَمَلَهُ بِالسَّعادَةِ ، وحَقيقَةُ الشَّقاوَةِ : اَنْ يَخْتِمَ الْمَرْءُ عَمَلَهُ بِالشَّقآءِ .

وقال عليه السّلام : بَقِيَّةُ الْعُمْرِ لا ثَمَنَ لَها ، يُدْرَكُ بِها ما فاتَ ، ويُحْيى‏ بِها ما اَماتَ .

وشكى‏ اليه رجل الحاجة ، فقال عليه السّلام له : اِعْلَمْ اَنَّ كُلَّ شَىْ‏ءٍ تُصيبُهُ مِنَ الدُّنْيا فَوْقَ قُوتِكَ ، فَاِنَّما اَنْتَ فيهِ خازِنٌ لِغَيْرِكَ .

وقال عليه السّلام لبنيه : يا بَنِىَّ اِيَّاكُمْ ومُعاداةَ الرِّجالِ ، فَاِنَّهُمْ لا يَخْلُومِنْ ضَرْبَيْنِ : مِنْ عاقِلٍ يَمْكُرُ بِكُمْ ، اَوجاهِلٍ يَجْهَلُ عَلَيْكُمْ ، والْكَلامُ ذَكَرٌ والْجَوابُ اُنْثى‏ ، فَاِذَا اجْتَمَعَ الزَّوْجانِ فَلا بُدَّ مِنَ التَّشاحِّ ، ثُمَّ انشأ يقول :

سَليمُ الْعِرْضِ مَنْ حَذَرِ الْجَوابا ***** ومَنْ دارَ الرِّجالَ فَقَدْ اَصابا

ومَنْ هابَ الرِّجالَ تَهَيَّبُوهُ ***** ومَنْ حَقَرَ الرِّجالَ فَلَنْ يُهابا [٢]

وقال عليه السّلام لبعض اصحابه : لا تَجْعَلَنَّ اَكْثَرَ شُغْلِكَ لِاَهْلِكَ ووُلْدِكَ ، فَاِنْ يَكُنْ اَهْلُكَ ووُلْدُكَ اَوْلِيآءَ اللَّهِ ، فَاِنَّ اللّهَ لا يُضيعُ اَوْلِيآءَهُ ، واِنْ يَكُونُوا اَعْدآءَ اللَّهِ ، فَما عَمَلُكَ وشُغْلُكَ بِاَعْدآءِ اللَّهِ .

وقال عليه السّلام لابنه الحسن ع : يا بُنَىَّ لا تُخْلِفَنَّ مِنْ وَرآئِكَ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيا ، فَاِنَّهُ تُخْلِفُهُ لِاَحَدِ رَجُلَيْنِ ، اِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فيهِ بِطاعَةِ اللَّهِ فَسَعِدَ بِما شَقيتَ بِهِ ، واِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فيهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَكُنْتَ لَهُ عَوْناً عَلى‏ مَعْصِيَتِهِ ، ولَيْسَ اَحَدُ هذَيْنِ حَقيقاً اَنْ تُؤْثِرَ عَلى‏ نَفْسِكَ وتَحْمِلَ لَهُ عَلى‏ ظَهْرِكَ . قلت : وروى هذا في‏ نهج البلاغة باختلاف يسير .

وقال عليه السّلام : حَسْبُ الْمَرْءِ مِنْ عِرْفانِهِ عِلْمُهُ بِزَمانِهِ ومِنْ وَرَعِهِ غَضُّ بَصَرِهِ ، وعِفَّةُ بَطْنِهِ ، ومِنْ حُسْنِ خُلْقِهِ كَفُّهُ اَذاهُ ، ومِنْ سَخائِهِ بِرُّهُ بِمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَقُّهُ ، واِخْراجُهُ حَقَّ اللَّهِ مِنْ مالِهِ ، وحَسْبُهُ مِنْ صَبْرِهِ قِلَّةُ شَكْواهُ ، ومِنْ عَقْلِهِ اِنْصافُهُ مِنْ نَفْسِهِ ، ومِنْ حِلْمِهِ تَرْكُهُ الْغَضَبَ عِنْدَ مُخالَفَتِهِ ، ومِنْ صَلاحِهِ شِدَّةُ خَوْفِهِ مِنْ ذُنُوبِهِ ، ومِنْ شُكْرِهِ مَعْرِفَةُ اِحْسانِ مَنْ اَحْسَنَ اِلَيْهِ ، ومِنْ تَواضُعِهِ مَعْرِفَتُهُ بِقَدْرِهِ ، وحَسْبُهُ مِنْ كَمالِ الْمُرُوَّةِ تَرْكُهُ ما لا يَجْمُلُ بِهِ ، ومِنَ الْحَيآءِ اَنْ لا يَلْقى‏ اَحَداً بِما يَكْرَهُ ، ومِنَ الْأَدَبِ اَنْ لا يَتْرُكَ ما لا بُدَّ مِنْهُ .

وقال عليه السّلام : اِذا وُضِعَ الْمَيِّتُ في‏ قَبْرِهِ اعْتَوَرَتْهُ نيرانٌ اَرْبَعُ ، فَتَجيئُ الصَّلوةُ فَتُطْفِئُ واحِدَةً ، وتَجيئُ الصَّوْمُ فَيُطْفِئُ واحِدَةً ، وتَجيى‏ءُ الصَّدَقَةُ فَتُطْفي‏ءُ واحِدَةَ ، ويَجيى‏ءُ الْعِلْمُ فَيُطْفِئُ الرَّابِعَةَ . ويقول : لَواَدْرَكْتُهُنَّ لَاَطْفَاْتُهُنَّ كُلَّهُنَّ ، فَقَرَّ عَيْناً فَاَنَا مَعَكَ ، ولَنْ تَرى‏ بُؤساً .

وقال عليه السّلام : لابُدَّ لَكَ مِنْ رَفيقٍ في‏ قَبْرِكَ , فاجْعَلْهُ حَسَنَ الْوَجْهِ ، طَيِّبَ الرّيحِ ، وهُوالْعَمَلُ الصَّالِحُ .

وقال عليه السّلام : مِنْ شَرَفِ هذِهِ الْكَلِمَةِ ، وهِىَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ ، اَنَّ اللَّهَ تَعالى‏ جَعَلَها فاتِحَةَ كِتابِهِ ، وجَعَلَها خاتِمَةَ دَعْوى‏ اَهْلِ جَنَّتِهِ ، فقال : اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ .

وقال عليه السّلام حين لامته سيّدة نساءِ العالمين الصّدّيقة فاطمة عليها السّلام على‏ قعوده ، واطالت تعنيفه ، وهوساكت حتّى‏ اذّن مؤذّن ، فلمّا بلغ الى‏ قوله : اَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، قال لها : اَتُحِبّينَ اَنْ تَزُولَ هذِهِ الدَّعْوَةُ مِنَ الدُّنْيا ؟

قالت : لا ، قال : فَهُوما اَقُولُ لَكِ .

وقال عليه السّلام : خُذِ الْحِكْمَةَ اَنّى‏ اَتَتْكَ ، فَاِنَّ الْكَلِمَةَ مِنَ الْحِكْمَةِ تَكُونُ في‏ صَدْرِ الْمُنافِقِ ، فَتَلَجْلَجُ في‏ صَدْرِهِ حَتّى‏ تَسْكُنَ اِلى‏ صاحِبِها [٣].

وقال يهودىّ له عليه السلام : اختلفتم بعد نبيّكم ولم يجفّ مآؤهُ يعنى‏ غسله صلّى اللّه عليه واله فقال عليه السّلام : واَنْتُمْ قلْتُمْ اِجْعَلْ لَنا اِلهاً كَما لَهُمْ الِهَةٌ ولَمَّا يَجُفَّ مآؤُكُمْ . وروى بوجه اخر في النّهج قال ع لبعض اليهود لمّا قال له عليه السلام ما دفنتم نبيّكم حتّى اختلفتم فيه فقال عليه السلام له : اِنَّمَا اخْتَلَفْنا عَنْهُ لا فيهِ ، ولكِنَّكمْ ما جَفَّتْ اَرْجُلُكُمْ مِنَ الْبَحْرِ حَتّى‏ قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ : اِجْعَلْ لَنا اِلهاً كَما لَهُمْ الِهَةٌ قالَ اِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [٤] .

وقال عليه السّلام : اِنَّ مَنْ ظَفَرَ مِنَ الدُّنْيا بِاَعْلى‏ واَعْظَمَ اُمْنِيَّةٍ ، لَيْسَ كاخَرَ ظَفَرَ مِنَ الْاخِرَةِ بِاَدْوَنِ دَرَجاتِ اَهْلِ الثَّوابِ ، لا مُناسَبَةَ ولا قِياسَ بَيْنَ نَعيمِ الدُّنْيا والْأخِرَةِ

وقال عليه السّلام : ما مِنْ يَوْمٍ اِلاَّ يَتَصَفَّحُ مَلَكُ الْمَوْتِ فيهِ وُجُوهَ الْخَلآئِقِ ، فَمَنْ رَاهُ عَلى‏ مَعْصِيَةٍ اَولَهْو، اَورَءاهُ ضاحِكاً فَرِحاً ، قالَ لَهُ يا مِسْكينُ : ما اَغْفَلَكَ عَمَّا يُرادُ بِكَ اِعْمَلْ ما شِئْتَ ، فَاِنَّ لى‏ فيكَ غَمْرَةً اَقْطَعُ بِها وَتينَكَ [٥].

قال الحميدي في‏ شرح النّهج ج ١٩ ط مصر : ما احسن قوله : اختلفنا عنه لا فيه لأنّ الاختلاف لم يكن في التّوحيد والنّبوّة ، بل في‏ فروع خارجة عن ذلك نحوالامامة والارث ، والخلافِ في الزّكوة هل هى واجبة ام لا ، واليهود لم يختلفوا كذلك بل في التّوحيد الّذى‏ هو الأصل .

قال المفسّرون : مرّوا على‏ قوم يعبدون اصناماً لهم على‏ هيئة البقرة ، فسألوا موسى ان يجعل لهُم الهاً كواحد منها بعد مشاهدتهم الأيات والأعلام وخلاصهم من رقّ العبوديّة ، وعبورهم البحر ومشاهدة غرق فرعون ، وهذه غاية الجهل .

وقال عليه السّلام : طَلَبْتُ الرَّاحَةَ لِنَفْسى‏ ، فَلَمْ اَجِدْ شَيْئاً اَرْوَحَ مِنْ تَرْكِ ما لا يَعْنينى‏ ، وتَوَحَّشْتُ في الْفَقْرِ الْبَلْقَعَ ، فَلَمْ اَرَ وَحْشَةً اَشَدَّ مِنْ قَرينِ السّوُءِ ، وشَهِدْتُ الزُّحُوفَ ، ولَقيتُ الْأَقْرانَ ، فَلَمْ اَرَ قِرْناً اَغْلَبَ مِنَ الْمَرْاَةِ ، ونَظَرْتُ اِلى‏ كُلِّ ما يُذِلُّ الْعَزيزَ ويُكْسِرُهُ ، فَلَمْ اَرَ شَيْئاً اَذَلَّ لَهُ ولا اَكْسَرَ مِنَ الْفافَةِ .

ونظر عليه السلام الى‏ رجل يغتاب اخر ، عند ابنه الحسن عليه السلام ، فقال عليه السّلام : يا بُنَىَّ نَزِّهْ سَمْعَكَ عَنْهُ ، فَاِنَّهُ نَظَرَ اِلى‏ اَخْبَثِ ما في‏ وِعآئِهِ ، فَاَفْرَغَهُ في‏ وِعائِكَ .

وقيل له عليه السلام : أىّ الأموُر اعجل عقوبة ، واسرع لصاحبها سرعة ؟

فقال عليه السّلام : ظُلْمُ مَنْ لا ناصِرَ لَهُ اِلاَّ اللَّهُ ، ومُجازاةُ النِّعَمِ بِالتَّقْصيرِ ، واسْتِطالَةُ الْغَنِىِّ عَلىَ الْفَقيرِ .

وقال عليه السّلام : تَعِسَ عَبْدُ الدّينارِ والدِّرْهَمِ تَعِسَ فَلاَ انْتَعَشَ ، وَشيكَ فَلاَ انْتَقَشَ [٦].

وقال عليه السّلام : مِسْكينُ ابْنُ ادَمَ ، لَهُ بَطْنٌ يَقُولُ اِمْلَاْني‏ واِلاَّ فَضَحْتُكَ ، واِذَا امْتَلَأَ يَقُولُ : فَرِّغْني‏ واِلاَّ فَضَحْتُكَ ، وهُواَبَداً بَيْنَ فَضيحَتَيْنِ .

وقال عليه السّلام : اَلدُّنْيا دارُ مَمَرٍّ ، والْأخِرَةُ دارُ مَقَرٍّ ، والنَّاسُ فيها رَجُلانِ : رَجُلٌ باعَ نَفْسَهُ فَاَوْبَقَها ، ورَجُلٌ ابْتاعَ نَفْسَهُ فَاَعْتَقَها .

وقال عليه السّلام : اِنَّ وَلِىَّ مُحَمَّدٍ ص مَنْ اَطاعَ اللَّهَ واِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ ، واِنَّ عَدُو مُحَمَّدٍ ص مَنْ عَصَى اللَّهَ واِنْ قَرُبَتْ قَرابَتُهُ .

وقال عليه السّلام : اِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يُصْبِحُ اِلاَّ خآئِفاً واِنْ كانَ مُحْسِناً ، ولا يُمْسى‏ اِلاَّ خآئِفاً واِنْ كانَ مُحْسِناً ، لِاَنَّهُ بَيْنَ اَمْرَيْنِ : بَيْنَ وَقْتٍ قَدْ مَضى‏ ، لا يَدْرى‏ مَا اللَّهُ صانِعٌ بِهِ ، وبَيْنَ اَجَلٍ قَدِ اقْتَرَبَ ، لا يَدْرى‏ ما يُصيبُهُ مِنَ الْهَلَكاتِ .

وقال عليه السّلام : كَرِهْتُ لَكُمْ اَنْ تَكُونُوا شَتَّامينَ ولكِنْ قُولُوا : اَللَّهُمَّ احْقِنْ دِمآءَنا ودِمآءَهُمْ ، واَصْلِحْ ذاتَ بَيْنِنا وبَيْنِهِمْ ، واهْدِهِمْ مِنْ ضَلالَتِهِمْ ، حَتّى‏ يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ ، ويَرْعَوِىَ عَنِ الْباطِلِ مَنْ لَجَّ بِهِ .

وقال عليه السّلام : جُمِعَ الْخَيْرُ كُلُّهُ في‏ ثَلاثِ خِصالٍ اَلنَّظَرُ والسُّكُوتُ والْكَلامُ ، فَكُلُّ نَظَرٍ لَيْسَ فيهِ اعْتِبارٌ فَهُوسَهْو، وكُلُّ سُكُوتٍ لَيْسَ فيهِ فِكْرَةٌ فَهُوغَفْلَةٌ ، وكُلُّ كَلامٍ لَيْسَ فيهِ ذِكْرٌ فَهُولَغْو، فَطُوبى‏ لِمَنْ كانَ نَظَرُهُ عَبْراً ، وسُكُوتُهُ فِكْراً ، وكَلامُهُ ذِكْراً ، وبَكى‏ عَلى‏ خَطيئَتِهِ ، واَمِنَ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِ .

وقال له عُمر بن الخطّاب : قد مللت النّاس ، واحببت ان اُلْحَقَ بصاحبىّ . فقال عليه السّلام : اِنْ سَرَّكَ اللُّحُوقُ بِهِما فَقَصِّرْ اَمَلَكَ ، وكُلْ دُونَ الشَّبعِ ، واخْصفِ النَّعْلَ ، وكُنْ كَميشَ الْاِزارِ [٧]، مَرْقُوقَ الْقَميصِ ، تَلْحَقْ بِهِما .

وقال عليه السّلام : اِنَّ الْعَبْدَ لَيَحْرِمُ نَفْسَهُ الرِّزْقَ الْحَلالَ بِتَرْكِ الصَّبْرِ ، ولا يَزْدادُ عَلى‏ ما قُدِّرَ لَهُ [٨].

وقام اليه رجل من البصرة ، فقال يا امير المؤمنين اخبرنا عن الاخوان فقال عليه السّلام : اَلْاِخْوانُ صِنْفانِ : اِخْوانُ الثِّقَةِ ، واِخْوانُ الْمُكاشَرَةِ [٩]، فَاَمَّا اِخْوانُ الثِّقَةِ : فَهُمُ الْكَهْفُ والْجَناحُ ، والْأَهْلُ والْمالُ ، واِذا كُنْتَ مِنْ اَخيكَ عَنْ حَدِّ الثِّقَةِ ، فَابْذلْ لَهُ مالَكَ وبَدَنَكَ ، وصافِ مَنْ صافاهُ وعادِ مَنْ عاداهُ ، واكْتُمْ سِرَّهُ وعَيْبَهُ ، واَظْهِرْ مِنْهُ الْحُسْنَ .

واعْلَمْ اَيُّهَا السّآئِلُ ، اِنَّهُمْ اَقَلُّ مِنَ الْكِبْريتِ الْأَحْمَرِ ، واَمَّا اِخْوانُ الْمُكاشَرَةِ ، فَاِنَّكَ تُصيبُ مِنْهُمْ ، فَلا تَقْطَعَنَّ ذلِكَ مِنْهُمْ ، ولا تَطْلُبَنَّ ما وَرآءَ ذلِكَ مِنْ ضَميرِهِمْ وابْذلْ لَهُمْ ما بَذَلُوا لَكَ مِنْ طَلاقَةِ الْوَجْهِ واللِّسانِ .

وقال عليه السّلام : اِنَّ الدُّنْيا والْأخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفاوِتانِ ، وسَبيلانِ مُخْتَلِفانِ ، فَمَنْ اَحَبَّ الدُّنْيا وتَوَلاَّها اَبْغَضَ الْأخِرَةَ وعاداها ، وهُما بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ ، والْماشى‏ بَيْنَهُما كُلَّما قَرُبَ مِنْ واحِدَةٍ بَعُدَ مِنَ الْأُخْرى‏ .

وقال عليه السّلام : اَلدُّنْيا ثَلاثَةُ اَيَّامٍ ، يَوْمٌ مَضى‏ بِما فيهِ فَلَيْسَ بِعآئِدٍ ، ويَوْمٌ اَنْتَ فيهِ يَحِقُّ عَلَيْكَ اغْتِنامُهُ ، ويَوْمٌ لا تَدْرى‏ مَنْ اَهْلُهُ ، ولَعَلَّكَ راحِلٌ فيه ، فَاَمَّا اَمْسِ فَحَكيمٌ مُؤَدِّبٌ ، واَمَّا الْيَوْمُ فَصَديقٌ مُوَدِّعٌ ، واَمَّا غَدٌ فَاِنَّما في‏ يَدَيْكَ مِنْهُ .

وصرع في‏ بعض حروبه رجلا ثمّ جلس على‏ صدره ليجتزّ رأسه حين القاه وان غبت شتم . فبصق ذلك الرّجل في‏ وجهه فقام عنه وتركه ، ولمَّا سُئِل عن ذلك بعد التّمكّن منه فقال عليه السّلام : اِغْتَظْتُ مِنْهُ ، فَخِفْتُ اِنْ قَتَلْتُهُ اَنْ يَكُونَ لِلْغَضَبِ والْغَيْظِ نَصيبٌ في‏ قَتْلِهِ ، وما كُنْتُ اُحِبُّ اَنْ اَقْتُلَهُ اِلاَّ خالِصاً لِلَّهِ تَعالى‏ .

---------------------------------------------------------
[١] . قال الحديدي في‏ شرح النّهج م ٤ ٣١٣ ط مصر : امّا هذه اللّفظة فلا نظير لها في الايجاز ، والدّلالة على المعنى ، وهي من الفاظه المعدودة .
[٢] . هذا حقيقة واقعيّة لا ينكرها احد نطق بها الامام علي عليه السّلام ، لأنّ كلّ واحد منّا اذا احترم غيره احترمه ، وهذا بالعكس : فانّ من لا يحترم لا يُحترم . وكما في المثل : من يزرع الثّوم ، لم يحصده ريحاناً .
[٣] . قال ابن قتيبة في‏ غريب الحديث : يريد الكلمة قد يعلمها المنافق فلا تزال تتحرّك في‏ صدره ولا تسكن حتّى يسمعها منه المؤمن اوالعالم فَيَعِيَها ويَثْقَفُها ويَفْقَهُها فتسكن في‏ صدره الى‏ اخواتها من كلم الحكمة .
[٤] . سورة الأعراف الأية ١٣٨ .
[٥] . الوتين : عرق في القلب اذا انقطع مات صاحبه .
[٦] . قال ابن الأثير في النّهاية : شيك اى اذا دخلت فيه شوكة ، لا اخرجها من موضعها ، وبه سمّى المنقاش الّذى‏ ينقش به .
[٧] . خصف النّعل : خرزها بالمخصف . ويقال كمش ازاره اذ قصّره .
[٨] . تفوّه به عليه السلام لمّا دخل المسجد وقال لرجل امسك علىّ بغلتى‏ ، فخلع لجامها وذهب به فخرج علىّ ع بعد ما قضى‏ صلاته وبيده درهمان ليدفعهما اليه مكافاة له ، فوجد البغلةُ عُطلاً فدفع الى احد غلمانه الدّرهمين ليشترى به لجاماً ، فصادف الغلام اللّجام المسروق في السّوق قد باعه الرّجل بدرهمين فاخذه بالدّرهمين وعاد الى‏ مولاه ، فقال علىّ ع تلك الكلمة . . .
[٩] . قال الزّمخشرى في‏ اساس اللّغة ج ٢ ص ٢٠٤ : كشر الرّجل الى‏ صاحبه تبسّم وكاشره ، وتقول : لمّا رانى كشروا واستبشروا . وقال المتلمّس : انّ شرّ النّاس من يكشر لي .

مقتبس من كتاب نهج البلاغة الثاني (جمع وتبويب الشيخ جعفر الحائري)

****************************