وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
مع الشريف الرضي في ديوانه – الأول

المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي

المقدمة  :

ليس  في  نيّتنا  كتابة  ترجمة  حياة  والدنا  المرحوم  الشيخ  اليعقوبي ومسيرته  الخطابية  والعلمية  والتاريخية  والأدبية  ،  أو  نتحدّث  عن  صلاته الوثيقة  بالعلماء  الأعلام  الذين  أجازوه  بالرواية  عنهم  ،  وعن  مساجلاته  ومطارحاته  مع  العديد  من  رجال  الفكر  والأدب  في العالمين  العربي  والإسلامي  ،  فقد  أغنتنا  عن  ذلك  كتب  المعاجم  والتراجم الحديثة  التي  كتبت  عنه  في  حياته  وبعد  وفاته  ،  ونوَّهت  بقابليّاته  في مجالات  الخطابة  والتاريخ  ،  وعمق  البحث  ودقّة  التحقيق  والتنقيب  ،  ولا  البحث  عن  مؤلّفاته  وآثاره  المطبوعة  والمخطوطة  ،  ولكنّنا  سنتحدّث  ـ  ولو  بإيجاز  ـ  عن  موضوع  (صندوق  اليعقوبي)  المعروف  في  الأوساط  العلمية  والتاريخية  والأدبية  في  داخل  العراق  وخارجه والحافل  بالمخطوطات  النفيسة  والآثار  النادرة  ،  ليتعرّف  عليه  الجيل  الجديد من  الكتّاب  والأدباء  والباحثين  ،  كما  تعرّف  عليه  الجيل  الذي  عاصره  .

وتعود  قصّة  معرفة  الأوساط  العلمية  والأدبية  بـ  :  (صندوق  اليعقوبي)  إلى عام  ١٩٣٨م  ،  فقد  ذكر  الأستاذ  الكبير  جعفر  الخليلي  في  الجزء  الثاني  من  كتابه  هكذا  عرفتهم  عند  حديثه  عن  معرفته  بالشيخ  اليعقوبي  :  أنّ  الأستاذ  توفيق  الفكيكي  صاحب  كتاب  الراعي  والرعية  قال  :  عندما  كنت  حاكماً  في  كربلاء  سمعت  كثيراً  عن  نوادر  الخزانة  اليعقوبية  لصاحبها  الأستاذ  الكبير  والشاعر  المطبوع  الشيخ  محمّد  علي  اليعقوبي  ،  وبما في  (صندوقه)  من  النفائس  الأدبية  ،  وأكثرها  خطّية  قديمة  وحديثة  ،  ودفعني حبّ  الإطّلاع  أن  أنزل  عليه  ضيفاً  ،  وبعد  التماس  كثير  أطلعني  على  ذخائر صندوقه  ،  فرأيت  من  الواجب  في  حينه  التنويه  عن  تلك  الآثار  النادرة  .

وأضاف  الأستاذ  الخليلي  قائلاً  :

وكان  الفكيكي  الصديق  الوحيد  الذي  مكّنه  اليعقوبي  من  الاطلاع  بنفسه على  ما  كان  يكتنز  ويدّخر  من  نصوص  ووثائق  تاريخية  وأدبية  ودواوين شعرية  ،  انحصر  وجودها  عند  اليعقوبي  ،  وكان  الفكيكي  يحثّه  على  التفرّغ لإخراج  هذه  الكنوز  ونشرها  ولو  بمقالات  يكتبها  في  الصحف  .

فكلّمني  الفكيكي  في  أن  يكتب  شيئاً  في  جريدتي  الهاتف  عن  (صندوق  اليعقوبي)  ،  ويكشف  غطاءه  ،  لعلّ  في  ذلك  شيئاً  من  الحافز  الذي يحمله  على  إخراج  بعض  ذخائره  ونشرها  في  مقالات  إذا  لم  يتسنّ  له إخراجها  في  كتب  .

وأردف  الأستاذ  الخليلي  قائلاً  :

وكثرت  التعليقات  حول  (الصندوق) في  الهاتف  وحكم  الشيخ  جعفر  النقدي  (وكان  أديباً  وقاضياً  في  حينه) بوجوب  فتح  الصندوق  ،  ونشر  ما  فيه  على  الملأ  ،  وقد  أفاد  قرّاءه  الأدباء  بنشر  تلك  المقالات  والتعليقات  والدعابات  ،  وكان  منها  تعليق  شعري لليعقوبي  نفسه  عن  الفكيكي  ،  وعن  دعوته  لكسر  صندوقه  فقال  :

قالوا  أذاع  الذي  ما  زلت  تخبؤه *** (توفيق)  قلت  لهم  من  حسن  توفيقي

وجاء  يبحث  عن  (صندوق)  مكتبتي *** وإن  في  الصدر  عندي  ألف  صندوق

وقد  صدق  اليعقوبي  ـ  والقول  للخليلي  ـ  فإنَّ  في  صدره  ألف  صندوق  ،  ومنذ ذلك  اليوم  انكشف  غطاء  الصندوق  ،  وطلع  اليعقوبي  على  قرّاء  الهاتف بعدد  من  المقالات  عن  بعض  الشعراء  الذين  أغفل  ذكرهم  التاريخ  ،  والذين لم  يستطع  أحد  أن  يعرفهم  لولا  اليعقوبي  ،  الذي  انحصرت  عنده  وحده أخبارهم  وآثارهم  .

وقد  خلّف  الشيخ  اليعقوبي  خلال  حياته  مجموعة  من  آثاره  ومؤلّفاته التي  تشهد  بتتبّعه  العلمي  والأدبي  ،  وتعمّقه  في  البحث  والتحقيق  والتنقيب  ، وقد  أصدر  في  حياته  العديد  من  دواوين  الشعراء  بعد  أن  بذل  جهوداً  مضنية في  تحقيقها  وتنسيقها  والتعليق  عليها  وسرد  الحوادث  التأريخية  فيها  ومنها  ـ على  سبيل  الحصر  لا  التفصيل  ـ  المقصورة  العليّة  في  السيرة  العلوية  ،  عنوان المصائب  في  مقتل  الإمام  علي  (ع)  ،الذخائر  ،  البابليات  ،  الجعفريات  ،  ديوان شعره  ،  ديوان  جهاد  المغرب  العربي  ،  ديوان  الشيخ  عبد  الحسين  شكر  ، ديوان  الشيخ  عباس  الملا  علي  ،  ديوان  الشيخ  يعقوب  الحاج  جعفر  (والد المؤلف)  ديوان  الشيخ  محمّد  حسن  أبي  المحاسن  الكربلائي  ،  ديوان  الشيخ صالح  الكوّاز  ،  ديوان  الحاج  حسن  القيّم  ،  ونقد  كتاب  شعراء  الحلة  وقد أصدرنا  عام  ٢٠٠٣م  كتابه  نقد  كتاب  شعراء  الغري  بعد  تحقيقه  والتقديم  له  .

أمّا  آثاره  المخطوطة  فهي  جامع  براثا  ،  مؤخذات  وتعليقات  على  كلّ من  :  معجم  البلدان  للحموي  ،  وفيات  الأعيان  لابن  خلكان  ،  أعيان  الشيعة للسيد  محسن  الأمين  العاملي  ،  عبقرية  الشريف  الرضي  للدكتور  زكي  مبارك  ، ديوان  مهيار  الديلمي  ،  ديوان  سبط  بن  التعاويذي  ،  ديوان  الصاحب  بن  عباد  ، ديوان  دعبل  الخزاعي  ،  ديوان  السيّد  محمّد  سعيد  الحبوبي  ،  ديوان  الشيخ كاظم  الأزري  ،  ديوان  الشيخ  صالح  التميمي  ،  ديوان  شعره  ـ  الجزء  الثاني  ـ مع  الشريف  الرضي  في  ديوانه  ،  وغيرها  ممّا  لا  مجال  لحصرها  الآن  وقد نظمنا  لها  فهارس  بأسماء  مؤلّفيها  والقائمين  بخطّها  وتاريخها  ومواضيعها لغرض  تسهيل  مراجعة  الأدباء  والباحثين  لها  والإستفادة  منها  خدمة  للعلم والتأريخ  والأدب  .

وقد  وردت  تفاصيل  وافية  عن  هذه  الآثار  المطبوعة  والمخطوطة  في العديد  من  كتب  التراجم  ومنها  كتاب  لمحات  من  حياة  الشيخ  اليعقوبي  الذي  أصدرته  جمعية  الرابطة  الأدبية  في  الذكرى  الأربعينية  لوفاته  .

ومنها  كتاب  الشيخ  محمّد  علي  اليعقوبي  دراسة  في  تراثه  الفكري  لمؤلّفه  حفيده  الأستاذ  حمّود  محسن  اليعقوبي  الذي  تمكّن  من  الإطلاع  على تلك  الآثار  واستنساخ  بعضها  وتصويرها  ونشرها  في  كتابه  ،  وكتب  بدقّة وتفصيل  عمّا  تضمّنته  في  شتّى  المواضيع  .

ومن  المستحسن  أن  نبيّن  للقرّاء  الكرام  بأنّنا  لا  نريد  التحدّث  عن  حياة السيّد  الشريف  الرضي  وتفاصيلها  وتحليلها  ،  فهو  علم  من  الأعلام  وشاعر فذّ  معروف  في  اللغة  العربية  ويتردّد  اسمه  حتّى  في  اللغات  الأوربية  ،  ولم تخل  كتب  المعاجم  والتراجم  القديمة  والحديثة  من  ترجمة  حياته  وسيرته وشاعريته  ،  وهو  أشعر  شعراء  عصره  على  الإطلاق  ،  وطبّقت  شهرته  الآفاق  ، وشاعريّته  قائمة  بذاتها  لا  تحتاج  إلى  دليل  ،  فهو  غنيٌّ  عن  التعريف  ،  وهو الذي  قال  الثعالبي  في  كتابه  يتيمة  الدهر  فيه  وفي  أخيه  السيّد  المرتضى  علم الهدى  :  «المرتضى  أعلم  أهل  زمانه  لولا  الرضي  ،  والرضي  أشعر  أهل  زمانه لولا  المرتضى  فكلاهما  عالمان  شاعران»  .

ونحن  نعتقد  بأنّ  روّاد  العلم  والثقافة  والأدباء  والباحثين  سيجدون عند  قراءتهم  ومراجعاتهم  بتدبّر  ورويّة  هذه  المقالة  (مع  الشريف  الرضي  في  ديوانه)  بأنّهم  ينفذون  بمشاعرهم  إلى  عصر  السيّد  الشريف  ،  وكأنّهم حاضرون  بأجسادهم  وأرواحهم  في  (مجلس  ديوانه)  وهم  يشاهدون  هيبته ووقاره  ،  ويتمتّعوا  بسيرته  وشاعريّته  الفيّاضة  وخاصّة  (حسينيّاته وحجازيّاته)  ،  ويتعرّفون  على  ما  انتحل  من  قصائده  المثبّتة  بديوانه  ونسبت لغيره  وما  نسب  إليه  من  القصائد  وهي  لغيره  من  الشعراء  ومثبّتة  في دواوينهم  وفي  كتب  الأدب  والتراجم  ،  وما  أخذه  السيّد  الشريف  من  المعاني ممّن  سبقه  من  الشعراء  ،  وما  أخذه  منه  بعض  الشعراء  المتأخّرين  عن  عصره  .

وهذا  ـ  حسب  اعتقادنا  ـ  وحسبما  سيحكم  به  القرّاء  الكرام  ،  لم  يتطرّق إليه  أحد  قبل  الشيخ  اليعقوبي  من  المؤلّفين  والنقّاد  والباحثين  ،  الذين  كتبوا دراسات  مستفيضة  عن  السيّد  الرضي  ،  وتحدّثوا  بإسهاب  عن  شخصيّته  الفذّة من  جوانبها  المتعدّدة  المترامية  الأطراف  ،  ولم  يتسنَّ  لهم  سوى  تراجم تفصيلية  لحياته  ،  وذكر  نماذج  من  شعره  وتحليله  وشرحه  والتعليق  عليه  .

وقد  ارتأينا  ونحن  الآن  بصدد  نشر  هذه  المقالة  للشيخ  اليعقوبي (مع  الشريف الرضي  في  ديوانه)  وإخراجها  إلى  النور  ،  أن  لا  نكتب  نحن  عن  قابليّاته الخطابية  والتأريخية  والأدبية  والنقدية  ،  وإنّما  تركنا  الحديث  عن  ذلك  ـ ولو بصورة  وجيزة  ونزر  يسير  ـ  إلى  فطاحل  العلماء  والأدباء  والباحثين  الذين أوردوا  ما  كتبوه  عنه  في  مؤلّفاتهم  ومعاجمهم  ،  أو  الذين  شاركوا  بقصائدهم ومقالاتهم  وأبحاثهم  في  الاحتفال  الأربعيني  المهيب  الذي  انعقد  له  في  (جامع الهندي)  بالنجف  الأشرف  ،  وما  نشرت  لهم  ما  جادت  به  قرائحهم  أو  ما  كتبته أقلامهم  مجلة  الإيمان  بعددها  الخاصّ  بالشيخ  اليعقوبي  وبعدد  صفحاته التي  ناهزت  الأربعمائة  صفحة  والصادر  عام  ١٣٨٦هـ  ـ  ١٩٦٦م  ،  وكان  صاحبها  ومديرها  المسؤول  نجله  المرحوم  الخطيب  الأديب الشيخ  موسى  اليعقوبي  قد  حاول  ببذل  جهود  مضنية  لإخراج  هذه  المقالة  وطبعها  في  حياته  في  كتاب ،  ولكنَّ  رحيله  إلى  جوار  ربّه  حال  دون  ما  تمنّاه  وعاقه  عمّا توخّاه  .

ونحن  نورد  الآن  ـ  كما  ذكرنا  آنفاً  ـ  النزر  اليسير  من  كتاباتهم  وأبحاثهم فيما  يخصّ  قابليّات  الشيخ  اليعقوبي  ـ  عدى  جوانب  حياته  وسيرته  المتعدّدة  ـ في  الكشف  عن  أوثق  المصادر  النادرة  والآثار  النفيسة  ،  ودقّته  في  كتابة التراجم  وضبط  تحقيقها  ،  وتعمّقه  في  البحث  والتنقيب  .

فقد  قال  العلاّمة  الإمام  المصلح  الشيخ  محمّد  الحسين  آل  كاشف  الغطاء في  تصديره  للجزء  الأوّل  من  كتاب  البابليات  للشيخ  اليعقوبي  عام  ١٣٧٠هـ  ـ  ١٩٥١م  ما  نصّه  :

«وكم  كنت  أتمنّى  وأودّ  أن  يبعث  الله  جلّ  شأنه  من  يتصدّى  لنوابغ  أدباء الفيحاء  ،  ومن  برز  فيها  من  الشعراء  ،  فيجمع  في  مؤلّف  واحد  شتاتهم  وينشر رفاتهم  ويحيي  مرّة  ثانية  أمواتهم  ،  حتّى  قيّض  الله  لهذه  المهمّة  صاحب الهمّة  ،  خيرة  الخطباء  وذخيرة  الأدباء  ،  الأستاذ  الألمعي  الشيخ  محمّد  علي اليعقوبي  ،  فهو  ابن  بجدتها  وفارس  حلبتها  وعرابة  رايتها [١]  ،  وفي  كتابه هذا  قد  أتحف  المكتبة  العربية  بتحفة  هي  خير  ما  أنتجه  هذا  العصر    من  نوعه  ،  وسيبقى  أثراً  خالداً  تشكره  عليه  الأجيال  الآتية  كما  شكرته  الأجيال  الماضية والقرون  الخالية»  .

وقال  أيضاً  في  إجازته  له  بالرواية  :  «الخطيب  الأديب  زين  المنابر  وعين  أولي  البصائر  وجامع  أخبار  الأوائل  والأواخر  الشيخ  محمّد  علي اليعقوبي»  .

وجاء  في  رسالة  بعث  بها  إليه  من  لبنان  العلاّمة  الجليل  الشيخ  محمّد جواد  مغنية  طالباً  منه  تزويده  ببعض  المصادر  ليجعلها  مادّة  لأحد  مؤلّفاته  عام ١٩٥٥م  ولا  زالت  الرسالة  محفوظة  لدينا  بخطّه  :  «ولمّا  أعوزتني  المصادر  ، وأعلم  أنّكم  المرجع  في  مثل  هذا  الأمر  ،  أكتب  إليكم  راجياً  أن  تختاروا  لي قسماً  صالحاً  من  شعر  الشعراء  النجفيّين  في  هذا  الموضوع  يكون  مادّة  له  ، وهو  سبحانه  المسؤول  أن  يحفظكم  للإسلام  والمسلمين»  .

وورد  في  كتاب  معجم  رجال  الفكر  والأدب  في  النجف  خلال  ألف عام  مج٣  ص  ١٣٦٧  ط٢  عام  ١٤١٣هـ  ـ  ١٩٩٢م  للدكتور  الشيخ  محمّد  هادي الأميني  عن  الشيخ  اليعقوبي  قوله  :

«قاموس  الأدب  ولسان  العرب  ،  وأحد  أمراء  الشعر  والخطابة  والتحقيق والتتبع  ،  وعلاّمة  في  التأريخ  ،  نشرت  له  في  الصحف  دراسات  قيّمة  وبحوث تأريخية  ومواضيع  أدبية  ،  ولديه  خزانة  كتب  عامرة  بالنفائس  ،  والشيء  الكثير من  التراث  العربي  الأدبي  ،  والدواوين  الخطيّة  النادرة»  .

وقال  الأستاذ  عبد  القادر  البرّاك  ضمن  كلمته  التي  نعى  فيها  الشيخ اليعقوبي  ونشرها  في  جريدته  البلد  البغدادية  في  اليوم  الثاني  لرحيله  إلى جوار  ربّه  :

«وهو  في  حقول  البحث  والتنقيب  وإحياء  آثار  السلف  ،  كان  العامل الدائب  الذي  جمع  من  المخطوطات  في  (صندوقه)  المعروف  كلَّ  ما  عزّ وندر  ،  فكان  المصدر  الذي  استقى  منه  الكتاب  والباحثون  ما  كتبوه  وحقّقوه عن  آثار  فكرية  وأدبية  غبر  عليها  الزمن  ،  وقد  توفّرت  لديه  جملة  صالحة  من كتب  الأدب  ودواوين  الشعر  ،  فحقّقها  التحقيق  الوافي  ،  وأخرجها  مهذّبة منقّحة  تعجب  الرائين  والقارئين»  .

وقال  الأستاذ  الكبير  جعفر  الخليلي  في  ج٢  من  كتابه  هكذا  عرفتهم ص  ١٦١  ـ  ١٦٤  :

«وكما  عرف  الشيخ  محمّد  علي  اليعقوبي  شاعراً  أديباً  وخطيباً  مصقعاً  ، فقد  عرف  مؤرّخاً  محقّقاً  يتتبّع  النصوص  الأدبية  ويأخذها  من  مصادرها  ،  وقد ولد  هذا  الميل  فيه  وهو  ناشي  في  الحلّة  يتولّى  ثقافته  أبوه  الشيخ  يعقوب الحلّي  ويوجّهه  السيّد  محمّد  القزويني  ،  وقد  دفعته  هذه  الملكة  بأن  يستكتب الكثير  من  رجال  العلم  والأدب  ،  ويجمع  أخبارهم  وآثارهم  العلمية  والأدبية  ، وأغلبها  مكتوب  بخطوطهم  ،  حتّى  انحصرت  عنده  مصادر  ذات  قيمة  تاريخية  كبيرة  ،  يعود  الفضل  لجمعها  وتحقيقها  وشرحها  إليه  وحده  ،  وقد كان  حريصاً  عليها  كلَّ  الحرص  ،  فلا  يعير  منها  شيئاً  لأحد  ،  ولا  يمكّن  الأيدي أن  تلعب  بها  ،  ولكنّه  كان  سخيّاً  كلَّ  السخاء  في  مساعدة  المتتبّعين والمحقّقين  ،  فيمكّنهم  من  التتبّع  فيما  كان  يمليه  عليهم  مما  يستخرجه  من دفاتره  المخطوطة  ،  وما  يستظهره  من  محفوظاته  .

وكثيرون  أولئك  الذين  استعانوا  به  من  العراق  أو  الأقطار  العربية والإسلامية  في  مشكلاتهم  التأريخية  أو  أطروحاتهم  الإسلامية  والأدبية  فأفادوا منه  .

وهناك  مزية  أخرى  خصّت  الشيخ  اليعقوبي  في  تبحّره  في  اللغة  ، وإحاطته  التامّة  بتاريخ  الإسلام  وإلمامه  الواسع  بالأدب  العربي  ،  حتّى  لقد  كاد أن  يستوعب  الكامل  للمبرّد  كلّه  عن  ظهر  قلب  وحتّى  لقد  حفظ  مغني اللبيب  ذاك  في  تأريخ  الأدب  وهذا  في  قواعد  اللغة»  .

وجاء  في  كتاب  الشيخ  اليعقوبي  دراسة  نقدية  في  شعره  ـ  مع  ديوانه المخطوط  ـ  ص  ٢٥  ـ  ٣٢  الصادر  عام  ١٩٩٥م  وهو  من  منشورات  (مركز البحوث  العربية  الإسلامية)  في  كندا  للدكتور  السيّد  عبد  الصاحب  الموسوي ما  نصّه  :

«وإذا  كان  بعض  من  أرّخ  أحداث  أمّتنا  الإسلامية  والعربية  قد  خرج  علينا بدراسات  سطحية  جانبت  الدقّة  وحسن  التمحيص  ،  أو  خضعت  لعواطف وميول  شخصية  على  حساب  الحقيقة  والواقع  ،  فإنّ  شاعرنا  الباحث  المؤرّخ يعدّ  من  أولئك  القلّة  الذين  تميَّزوا  بعمق  البحث  وأصالته  وبسعة  الأفق  ،  ودقّة الملاحظة»  .

وبعد  أن  استعرض  بعض  النماذج  من  ملاحظات  الشيخ  اليعقوبي ومؤاخذاته  على  قسم  من  كتب  التراجم  والمعاجم  ـ  نقلاً  عن  كتابه  البابليات ـ  تبياناً  لسعة  إطلاعه  ،  وإيضاحاً  لدقة  بحثه  وتمحيصه  ،  أردف  الدكتور الموسوي  قائلاً  :

«ولا  يسع  قاري  البابليات  إلاّ  أن  يعترف  لليعقوبي  بالأناة  والدقّة  في البحث  ،  فهو  محقّق  صبور  حين  يكشف  عن  هفوات  السابقين  ،  كما  هو محقّق  متثبّت  حين  يردّد  في  كتابته  كلمات  مثل  (شاهدت  ـ  سمعت  ـ  حدّثني ـ  أطلعني)  وفوق  ذلك  كلّه  نراه  حريصاً  على  التنقيب  بين  الآثار  الدارسة  ، للتأكّد  من  ميلاد  أو  وفاة  بعض  الذين  يعنى  بترجمة  حياتهم  ،  وهذا  يشير  إلى طول  باعه  وسعة  اطلاعه  في  الأدب  وتاريخه  .  .  .

والآن  وبعد  أن  أوردنا  آنفاً  ما  كتب  وما  قيل  عن  الشيخ  اليعقوبي  في بعض  كتب  الأدب  والتراجم  في  حياته  وبعد  رحيله  إلى  جوار  ربّه  ـ بخصوص  تضلّعه  في  الأدب  وتأريخه  وتتبّعه  في  مجالات  البحث  والتأليف والتحقيق  والتنقيب  ـ  نستعرض  قسماً  ممّا  نشر  في  العدد  الخاصّ  من  مجلّة الإيمان  الصادر  عام  ١٣٨٦هـ  ـ  ١٩٦٦م  من  المقالات  والأبحاث  المتعلّقة  بهذا الشأن  من  قبل  أقطاب  العلم  والتاريخ  وأعلام  الفكر  والأدب  .

قال  العلاّمة  الدكتور  السيّد  محمّد  بحر  العلوم  ضمن  كلمته  الإفتتاحية للعدد  الخاصّ  من  مجلّة  الإيمان  :

«الفقيد  الجليل  أديب  كبير  وموسوعيٌّ  عامٌّ  ،  يمكن  أن  ندّعي  بأنّه  أحاط بأغلب  كتب  الأدب  وتاريخه  ـ  القديمة  منها  خاصّة  ـ  مع  تفهّم  وإدراك واسعين  ،  وتتبّع  لدواوين  العرب  وشعرائهم  ،  مع  حفظ  وتحقيق  لعصورهم وبيئاتهم  التي  عاشوها  ،  الأمر  الذي  ميَّزه  عن  غيره  بميّزات  خاصّة  أفردته  عن سائر  الأدباء  وأعطته  حقّ  الأولوية  فيهم  ،  وقد  انعكس  كلّ  هذا  على  آثاره الأدبية  التي  أصدرها  طيلة  حياته  ،  والتي  حملت  ـ  بفخر  واعتزاز  ـ  الكثير  من تحقيقاته  الواسعة  ،  وملاحظاته  القيّمة  ،  ممّا  زادت  من  قيمتها  وأهمّيتها  العلمية  والأدبية»  .

وجاء  في  كلمة  الأستاذ  الدكتور  عبد  الرزّاق  محي  الدين  ـ  نائب  رئيس المجمع  العلمي  العراقي  في  حينه  ـ  والتي  ألقاها  في  الاحتفال  المهيب  المقام لتأبينه  بمناسبة  الذكرى  الأربعينية  لوفاته  قوله  :

«لقد  التقت  في  شخصية  العلاّمة  اليعقوبي  شخصيّات  ،  كلّ  واحدة  منها تكفي  أن  تقيم  لصاحبها  وجوداً  ،  وأن  تعليه  وتضعه  في  المكان  المرموق  ، واجتمع  له  من  المواهب  ما  لو  تفرّد  بها  لأغنته  عن  سواها  حين  تذكر  مواهب الرجال  وحين  يصنّف  الأعلام  البارزون  بحسب  ما  لهم  من  مواهب  وفضائل واختصاص  .

وكان  نسّابة  للآثار  الشعرية  ،  يمسك  بالمجموعة  الغُفل  فينسب  القصائد فيها  إلى  أصحابها  من  مختلف  العصور  ،  ويأخذ  على  المؤلّفين  والباحثين  ما وقعوا  فيه  من  تجاوز  في  نسبة  القصائد  إلى  غير  أصحابها  ،  والأبيات والمقطعات  إلى  غير  قائليها  .

وكذلك  أمره  في  ضبط  تواريخ  الرجال  والحوادث  ،  ولعلّه  في  هذه الصفة  أيضاً  فذاَ  متفرّداً  بين  من  عرفت  من  المعاصرين»  .

وقال  فيه  العلاّمة  السيّد  هادي  فيّاض  ـ  رئيس  جمعية  منتدى  النشر  في عصره  ـ  ضمن  كلمة  له  :

«ولم  يكن  الشيخ  اليعقوبي  الخطيب  المجدّد  فحسب  ،  بل  تعدَّى  ذلك إلى  المحقّق  الثبت  ،  والأديب  البارع  ،  وكانت  له  في  المجالات  العلمية والأدبية  طاقات  فائقة  ،  كانت  مصدر  نشاطه  في  النشر  والتأليف  والإصلاح والبناء  والتطوير  .

وكان  لتحقيقاته  التاريخية وضبطه  الأدبي  ما  يشير  إلى  أنّ  التحقيق  فنٌّ لم  يكن  سهل  الإنقياد  إلاّ  لذوي  الاستعداد  والمواهب  ،  ولمن  يطفح (صندوقه)  بمكتبات  ثقافية  تتعدّى  حدود  الأديب  إلى  مرحلة  العالم  المحيط المدرك»  .

وأردف  العلاّمة  (فيّاض)  واصفاً  ما  شاهده  من  الشيخ  اليعقوبي  في إحدى  المناسبات  :

«وإنّي  إن  نسيت  فلا  أنسى  له  (ره)  موقفاً  أدبيّاً  لا  يزال  أثره  الكبير  في نفسي  وصداه  العظيم  في  أذني  ،  حيث  البراعة  الأدبية  غير  المحدودة  ،  بما فيها  مراعاة  القاعدة  البلاغية  المعروفة  (ملاحظة  مقتضى  الحال)  فقد  اعتاد  منتدى  النشر  أن  يقيم  احتفالاً  تأبينياً  لسيد  الشهداء (عليه السلام)يشترك  به  عدد  من  العلماء  والأدباء  ،  وصادف  أن  حضر  الحفل  (وفد  مصريّ) من  شخصيّات  مرموقة  في  عالمي  العلم  والأدب  ،  فقد  فوجىء  الشيخ  اليعقوبي ـ  بطلب  من  الجمعية  ـ  بأن  يختم  الحفل  بشيء  من  ذكر  واقعة  الطفّ  ،  فاستهلّ  كلامه  بعدّة  أبيات  للمرحوم  السيّد  حيدر  الحلّي  في  رثاء  سيّد الشهداء  أنشدها  بطريقته  الخاصّة  في  إنشاد  الشعر  ،  ثمّ  أعقب  ذلك  بشرح الأبيات  وتحليلها  ،  ثم  بالمقارنة  بينها  وبين  ما  قاله  غيره  من  القدامى والمتأخّرين  في  المناسبة  نفسها  ،  مع  ملاحظة  الوزن  والقافية  ،  ولم  يكتف بذلك  بل  تعدَّى  إلى  المقارنة  بينها  وبين  ما  قاله  غيره  من  جاهليّين ومخضرمين  وأمويّين  وعباسيّين  في  شخصيات  أخرى  لها  في  نفوس  أولئك الشعراء  مكانة  ـ  تشبه  عندهم  ـ  ما  للحسين(عليه السلام)  من  قدسية  وتعظيم في  نفس  السيّد  الحلّي  وغيره  من  فحول  شعراء  الشيعة  ،  مراعياً  في  النماذج التي  ذكرها  نفس  الرويِّ  والقافية  ،  ممّا  أدهش  به  الحاضرين  من  نجفيّين ومصريّين  ،  حيث  تجلَّت  له  سلامة  التعبير  وسعة  الإطّلاع  ،  وإحاطة  بالتأريخ  ، وإمكانية  عظيمة  في  الأدب  والإرتجال  ،  فكان  فيما  قاله  مثلاً  أعلى  للأدب النجفي  والحسيني  معاً  ،  كما  كان  هو  في  الحفل  مسك  الختام»  .

وقال  الأديب  الشاعر  المجدّد  صالح  الجعفري  أحد  أبرز  مؤسّسي (جمعية  الرابطة  الأدبية)  وأستاذ  الأدب  العربي  في  مدارس  النجف  الأشرف  :

«يعزّ  عليَّ  والله  أن  أقف  مقامي  هذا  الحزين  الكئيب  لتأبين  عميدنا الكبير  ،  أستاذنا  الجليل  ،  شاعرنا  المطبوع  ،  كاتبنا  الملهم  ،  مؤلّفنا  المحقّق  ، ومؤرّخنا  المدقّق  ،  وكان  يقوِّم  المعوجَّ  باعتداله  ،  ويردّ  الزائغ  عن  ضلاله»  .

وقال  الأستاذ  الدكتور  أحمد  حسن  الرحيم  الأستاذ  في  كلّية  التربية ببغداد  :

وقد  عمل  الفقيد  العزيز  بجهد  دائب  ونظر  ثاقب  ،  فجمع  تراثاً  ثميناً لعدد  غفير  من  أدباء  النجف  والحلّة  ،  وترجم  لهم  بدقّة  وعناية  ،  وذكر  لهم  من أحداث  التأريخ  وشواهد  الشعر  والأدب  ما  يحتاج  إليه  الدارس  والباحث الأدبي  والتاريخي  ،  فظهر  بهذه  الإلتفاتة  العميقة  وجمع  هذا  التراث  القيّم  ما للفقيد  من  حرص  على  العلم  ،  ودأب  في  التحرّي  ،  ودقّة  في  الرواية  ،  ورغبة في  خدمة  التاريخ  والأدب»  .

وقال  العلاّمة  الشيخ  عبد  الواحد  الأنصاري  ـ  قاضي  بغداد  في  عصره  ـ  :

«فإذا  حدّثك  عن  التاريخ  ووقائع  الأيّام  وحوادث  الزمن  حملك  إلى أعماق  التاريخ  إلى  حيث  وقائعه  وحوادثه  ،  وصيَّرك  من  أحد  شهودها  ، ولمسك  أتراحها  وأفراحها  ،  عزّها  وذلّها  ،  بؤسها  وشقاءها  ،  وإذا  حدّثك  عن الأدب  والأدباء  قادك  إلى  مجلس  أعلامه  ونوادي  نوابغه  ،  وأجلسك  حيث أنت  في  أوساطها  ،  حتّى  تخال  نفسك  بين  يدي  (المرتضى)  أو  بحضرة (الرضي)  أو  في  جناب  (ابن  عبّاد)  أو  في  ديوان  (الجاحظ)  .

وكان  يحفظ  التأريخ  ،  ويميّز  بين  صوابه  وخطأه  ويعرف  صادقه  من مكذوبه  ،  يستخلص  من  ثناياه  وسطوره  الصحيح  منه  ويفضح  الكاذب  منه والمدسوس  فيه  ،  ويستكشف  عن  أغراض  الكاذبين  والدسّاسين»  .

وقال  عنه  العلاّمة  الجليل  السيّد  نور  الدين  شرف  الدين  ـ  عضو محكمة  التمييز  العليا  في  لبنان  في  حينه  ـ  :

«كان  الشيخ  اليعقوبي  مفخرة  من  مفاخر  عصرنا  في  دينه  وتقواه  ،  في علمه  الجمّ  وأدبه  الرفيع  ،  وخبرته  الواسعة  في  التأريخ  وقضاياه  ومسيره  ، وأخبار  الشعراء  والأدباء  ،  ومعرفته  بطبقات  الرجال  وأحوالهم  ،  ومراتبهم  في حياتهم  الاجتماعية  ،  وكان  مرجعاً  في  ذلك  كلّه  ـ  وقوله  الفصل  ،  وحكمه العدل  ـ  فإنّه  لا  يصدر  عنه  القول  إلاّ  عن  معرفة  وتمحيص  ،  وتدبّر  ورويّة  ، وبرهان  ساطع  ،  ودليل  قاطع  ،  ومن  كان  على  شاكلته  قمّة  شامخة  في  الأدب والبيان  .

وخلاصة  القول  :  إنَّ  الفقيد  الجليل  اليعقوبي  الخالد  ثروة  فكرية  ثمينة  ، وله  سجلٌّ  ناصع  في  تاريخ  الرجال  المرموقين»  .

وقال  العلاّمة  الشيخ  محمّد  الكرمي  ـ  لبنان  ـ  .

«وأمّا  قلمه  في  التأليف  فمحقّق  ثبت  ،  ينقل  عن  خبرة  ،  ولا  ينقل  شتات الأقوال  من  مفترقات  الطرق  كما  يفعل  المتسرّعون  من  المؤلّفين  ،  وقد  تميّز بهذه  الصفة  في  كتابه  البابليات  وفيما  كتبه  على  أعيان  الشيعة»  .

وجاء  في  البحث  الذي  كتبه  الأستاذ  الدكتور  محمود  المظفّر  ـ  عضو جمعية  منتدى  النشر  ـ  ما  نصّه  :

«وقد  كان  شيخنا  اليعقوبي  من  أولئك  القلّة  الذين  تميّزوا  بعمق  البحث وأصالته  ،  وبسعة  الأفق  ودقّة  الملاحظة  ،  حتّى  طغى  ـ  فيما  أرى  ـ  هذا  الجانب  من  مميّزاته  على  جوانبه  الأخرى  التي  ربما  اشتهر  بها  أكثر  من  سواها كالخطابة  والشاعرية  مثلاً  .

ومن  المفيد  بنا  هنا  أن  نتذكّر  أنَّ  البعض  ممّن  رأيناهم  قد  أرخوا أحداث  أمّتنا  الإسلامية  والعربية  واستعرضوا  بعض  أدوارها  وأشخاصها  قد  أرّخوها  وأثبتوها  بشكل  تبرز  فيه  السطحية  ،  ومجانبة  الدقّة  والتمحيص  ،  مع  ما  يعرف  عن  بعضهم  من  الإنقياد  لعواطفهم  وميولهم  على  حساب الحقيقة  والواقع  .

ولذلك  ـ  ومن  هنا  ـ  فقد  أصبحنا  اليوم  بمسيس  الحاجة  إلى  من  يعنى بتمحيص  أو  تعرية  ما  دوَّنه  هؤلاء  المؤرّخون  السطحيّون  ،  ومن  يتخطّى  هذه المسالك  السطحية  البعيدة  عن  العمق  والأصالة  إلى  انتهاج  المسالك  النافذة القائمة  على  الدقّة  والتحليل  .

وقد  لمست  شخصيّاً  في  الشيخ  اليعقوبي  رحمه  الله  هذا  اللون  من المسالك  النافذة  الناقدة  التي  تعنى  فيما  يعرض  لها  بالنقد  والتحليل  ، وبتمحيص  الوقائع  وردِّها  إلى  واقعها  الأصيل  .

وكم  زرته  مستفهماً  عن  بعض  المسائل  التي  تعنّ  لي  ،  فأجد  عنده الحلّ  الشافي  والجواب  الصواب  ،  وقد  زاد  إعجابي  به  حين  قرأت  عليه  مرّة وأنا  في  زورة  له  أبياتاً  منسوبة  لمن  كنت  قد  عنيت  بترجمتهم  وقد  وجدتها في  بعض  الكتب  ،  فإذا  به  يصحّح  ـ  بلباقة  ـ  هذه  النسبة  ويرجعها  إلى  قائلها الأصيل  ،  ثمّ  يدعم  رأيه  ـ  وهذا  موضع  الإعجاب  ـ  بشواهد  تأريخية  وأدبية متعدّدة  استنبطها  من  الكتاب  نفسه  الذي  نسب  تلك  الأبيات  خطأ  إلى  غير صاحبها  .

ولعلّ  من  يقرأ  للشيخ  اليعقوبي  مؤلّفاته  المطبوعة  وخاصّة  البابليّات  أو  يطلّع  على  مؤلّفاته  المخطوطة  يلمس  فيها  موهبة  الرويَّة  والأناة  في  تسجيل  الوقائع  ونسبة  النصوص  وتمحيصها  ،  ومبلغ  حرصه  على  التنقيب والبحث  والملاحظة  ،  وذلك  لكشفه  فيها  عن  مواطن  الغفلة  والزلل  التي  وقع فيها  الكثير  من  الباحثين  في  مؤلّفاتهم  أو  مجاميعهم  .

ومن  أبرز  مؤلّفاته  التي  عنيناها  مع  الشريف  الرضي  في  ديوانه وتعليقات  ومؤاخذات  على  العديد  من  المعاجم  الأدبية  ودواوين  الشعراء  من المتقدّمين  والمتأخّرين  .

وإذا  قدِّر  لهذه  المؤلّفات  أن  تخرج  من  (صندوق  اليعقوبي)  الحافل بالعلم  والأدب  فإنها  ستضيف  (رصيداً)  آخر  إلى  رصيده  في  المطبوعات العربية»  .

وقال  عنه  الكاتب  الكبير  الأستاذ  عبد  الرزّاق  الهلالي  مؤلّف  الكتاب الشهير  زكي  مبارك  في  العراق  :

«وهو  في  تآليفه  وتصانيفه  ،  العامل  الدائب  ،  والباحث  الذي  لا  يكلّ  ، والدارس  النهم  ،  لا  يكاد  يفرغ  من  تأليف  كتاب  أو  تصنيف  ديوان  أو  تحقيق مخطوط  ،  أو  التعليق  على  مطبوع  ،  حتّى  ينصرف  ثانية  في  طلب  صيد جديد  ،  يجمع  ما  يصطاد  من  صادق  الأخبار  ونادر  الآثار  ،  في  شتّى  صنوف المعرفة  ليحفظه  في  (صندوقه)  المعروف  الذي  بات  في  دنيا  التحقيق والتدقيق  مثال  (الخزانة)  الغنية  بجواهرها  النادرة  وحليّها  النفيسة»  .

وقال  عنه  الأستاذ  المحامي  توفيق  الفكيكي  مؤلّف  كتاب  الراعي والرعية  :

«لقد  صنّف  رحمه  الله  تعالى  أحسن  التصانيف  ،  وألّف  خير  المؤلّفات  ، وحرَّر  في  أشهر  الصحف  والمجلاّت  ،  وبحث  ونقّب  ،  وحقّق  الكثير  من المخطوطات  المنسية  ،  ولطالما  أفاد  الباحثين  وأنار  الطالبين  ،  بلا  كلل  ولا ضجر  ،  فكان  رضوان  الله  عليه  ـ  كما  وصفته  ـ  مكتبة  سيّارة  وموسوعة  جامعية نادرة  في  الأدب  والتأريخ  والنقد  العلمي  ،  فهو  مدرسة  وحده»  .

ومن  الطريف  أن  أورد  هنا  مضمون  موقف  شاهدته  بين  الشيخ  الوالد وبين  شاعر  الجيل  الأستاذ  الكبير  محمّد  مهدي  الجواهري  في  أوائل  عقد الستّينات  من  القرن  الماضي  في  بغداد  ،  وكان  الشيخ  الوالد  إذا  دعي  لإلقاء بعض  المحاضرات  فيها  ليلاً  فلا  يفوته  التنقّل  صباحاً  بين  مكتبات  شارع المتنبّي  ومكتبة  المتحف  العراقي  وكان  يتواجد  فيها  بين  الفينة والفينة  صديقه  العلاّمة  الكبير  الشيخ  محمّد  رضا  الشبيبي  وغيره  من  كبار الأدباء  والباحثين  ،  وفي  صباح  أحد  الأيام  وبينما  كان  يتجوّل  كعادته  في الشارع  المذكور  إذ  أقبل  متّجهاً  إليه  من  الرصيف  المقابل  الأستاذ  الجواهري  وعانقه  عناقاً  أخويّاً  حارّاً  ـ  بعد  فراق  طويل  ـ  فبادره  الشيخ  الوالد بقوله  :  أهلاً  ومرحباً  بـ  :  (أبي  فرات)  ووضع  كفّه  على  رأسه  متسائلاً  :  أرى الشيب  قد  علاك  قبل  أوانه  وأنت  أصغر  منّي  سناً  ،  فأجابه  الجواهري  :  أنت تعلم  بأنّ  الحوادث  والوقائع  والمصاعب  التي  تعرّضنا  لها  أثناء  الغربة  عن الوطن  وهي  التي  عجّلت  بمشيبنا  قبل  الأوان  ،  وقد  نظمت  هذا  المعنى  في قصيدتي  العينية  ،  ولا  أعتقد  بأنّ  أحداً  من  الشعراء  قد  سبقني  إليه  وتلا  هذا البيت  :

ومستنكر  شيباً  قبيل  أوانه *** أقول  له  هذا  غبار  الوقائع

فبادره  قائلاً  :  أحسنت  يا  (أبا  فرات)  إنّه  جميل  ورصين  ،  ولكنّ  هذا المعنى  قد  نظمه  العديد  من  الشعراء  المتقدّمين  ،  ألم  تطَّلع  على  ديوان الشريف  الرضي  وعبد  الله  بن  المعتزّ  ،  فقال  :  بلى  ،  ولعلَّني  لم  أطّلع  على  هذا المعنى  من  خلال  قراءتي  لهما  ،  فبدأ  الشيخ  الوالد  بقراءة  بيت  السيّد  الرضي  :

وما  شبتُ  من  طول  السنين  وإنّما *** غبار  حروب  الدهر  غطّى  سواديا

واستطرد  قائلاً  :  وقد  أخذ  السيّد  الشريف  معناه  من  قول  عبد  الله  بن المعتز  :

قالت  كبرت  وشبت  قلتُ  لها *** هذا  غبار  وقائع  الدهرِ

وأضاف  الشيخ  الوالد  قائلاً  :  يا  (أبا  فرات)  والأصل  في  هذا  المعنى  ورد  في  بيت  لشاعر  سبقهما  في  عصره  وهو  أبو  الطفيل  عامر  بن  وائلة  من أبيات  له  :

وما  شاب  رأسي  من  سنين  تتابعت *** عليَّ  ولكن  شيّبتني  الوقائع

فما  كان  من  الأستاذ  الجواهري  إلاّ  أن  بادره  بقوله  :  بارك  الله  فيك  على هذه  الحافظة  وسعة  اطلاعك  على  دواوين  الشعراء  ،  وهذا  لا  يتسنّى  إلاّ لأمثالك  ممّن  منحهم  الله  هذه  الموهبة  .

وختاماً  وبعد  أن  استعرضنا  آنفاً  ما  كتب  عنه  العلماء  الأعلام  وفطاحل الكتَّاب  والأدباء  والباحثين  فيما  يخصّ  قابليّاته  التأريخية  والأدبية  والنقدية بغضّ  النظر  عن  ترجمة  حياته  وسيرته  المتعدّدة  الجوانب  ،  فإنّ  آمالنا  وطيدة  ورغبتنا  أكيدة  بأن  يمنَّ  الله  جلَّ  شأنه  علينا  بعنايته ورعايته  لإخراج  بعض  ما  يكتنزه  (صندوقه)  من  مخطوطات  نفيسة  وآثار نادرة  ،  بعد  تنسيقها  وتحقيقها  ،  وهو  المسدّد  والمؤيّد  .

صادق  محمّد  علي  اليعقوبي

-----------------------------------------
[١] . عرابة  بن  أوس  الأنصاري  من  سادات  المدينة  وأجوادها  أسلم صغيراً  وتوفّي  بالمدينة  سنة  ٦٠هـ  وفيه  يقول  الشمّاخ  المرِّي  :
إذا  ما  راية  رفعت  لمجد                  تلقّاها  عرابة  باليمين

يتبع ......

****************************