سيد مرتضى محمدي
إن خطب الإمام ورسائله ووصاياه التي وردت في نهج البلاغة تعجّ بمفاهيم حسابية كالأعداد والكسور ووحدات قياس الطول وتعبيرات رياضية ، وفيما يلي بعضاً منها :
الأعداد :
لقد وردت الأعداد صغيرها وكبيرها كثيراً في نهج البلاغة ، فقد ذكر الإمام علي(عليه السلام) على سبيل المثال :
الأول : في وصية له لابنه الحسن فيقول : أي بني ! إني وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في أعمالهم ، وفكّرت في أخبارهم ، وسرت في آثارهم ، حتى عدت كأحدهم ، بل كأني بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أولهم إلى آخرهم [١].
وذكر الواحد والاثنين في وصية له(عليه السلام) ، وصّى بها جيشا بعثه إلى العدو بقوله : ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين ، واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ، ومناكب الهضاب ، لئلاّ يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن [٢].
وذكر الثلاثة والاثنتين في كلام له في توبيخ أصحابه على التباطؤ على نصرة الحق : ياأهل الكوفة ! منيت بكم بثلاثة واثنتين : صم ذوو أسماع ، وبكم ذوو كلام ، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء ، ولا إخوان ثقة عند البلاء ، تربت أيديكم [٣].
وقال(عليه السلام) وهو يذكر الرقم أربعة :
من أعطي أربعاً لم يحرم أربعا : من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة ، ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول ، ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة [٤] .
وفي الرقم خمسة قال(عليه السلام) : أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلا : لا يرجون أحد منكم إلاّ ربه ، ولا يخافن إلاّ ذنبه ، ولا يستحين أحد منكم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول «لا أعلم» ، ولا يستحين أحدا إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه ، وعليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس معه ، ولا في إيمان لا صبر معه [٥] .
والسبعة ذكرها في كلام له في التبرؤ من الظلم : واللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة ، بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت [٦].
ومن العشرات ورد الرقم عشرة في قوله لما عزم على حرب الخوارج: مصارعهم دون النطفة ! واللّه لا يفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة [٧].
وقد ورد أيضا ذكر العشرين والستين في خطبته وهو يحثّ على الجهاد ويذمّ القاعدين : للّه أبوهم !! وهل أحد منهم أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني ؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وها أنا ذا قد ذرفت على الستين ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع [٨].
ومن المئات ذكر المائة في خطبة له ، يقول : لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها [٩].
ومن الاُلوف ذكر الألف بقوله : اللّهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء ! أما واللّه لوددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم [١٠] .
وذكر القرن (وهو مائة عام) في خطبة الأشباح بقوله : ولم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته ، ويصل بينهم وبين معرفته ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ومتحملي ودائع رسالاته ، قرنا فقرنا ، حتى تمت بنبينا محمد(صلى الله عليه وآله) حجته ، وبلغ المقطع عذره ونذره [١١].
الكسور :
والكسور هنا كالخمس والثلث والنصف ، الخ ... فمثلاً جاء ذكر الخمس في قوله : إن القرآن أنزل على النبي(صلى الله عليه وآله) والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض ، والفئ فقسمه على مستحقيه ، والخمس فوضعه اللّه حيث وضعه ، والصدقات فجعلها اللّه حيث جعلها [١٢] .
وقد ورد ذكر الثلث في كتاب له إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة ، بقوله : وصلوا بهم العشاء حيث يتوارى الشفق إلى ثلث الليل [١٣] .
وجاء ذكر الكسر تسعة أعشار بقوله : بلادكم أنتن بلاد اللّه أقربها من الماء وأبعدها من السماء ، وبها تسعة أعشار الشر[١٤] . والنصف جاء في قوله(عليه السلام) : الهمّ نصف الهرم [١٥].
وحدات قياس الطول :
وتقيس هذه الوحدات الأبعاد الصغيرة ، كالإصبع والشبر والباع الخ ، كما تقيس الأبعاد الكبيرة كالفرسخ مثلاً .
فقد ورد الإصبع في جواب له عندما سئل(عليه السلام) عما بين الحق والباطل . فقال : مسافة أربع أصابع . الحق أن تقول : رأيت بعيني، والباطل أن تقول : سمعت بأذني [١٦] . والشبر جاء ذكره في كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري ، عامله على البصرة ، بقوله : فو اللّه ما كنزت في دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، ولا حزت من أرضها شبرا [١٧] .
والشبر كما جاء في لسان العرب هو ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر[١٨] ( إذا فتحتهما) .
كما ذكر الفرسخ في كتاب له إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة بقوله : وصلّوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو من النهار ، حين يسار فيها فرسخان [١٩].
والفرسخ كلمة فارسية ويقول عنها ابن منظور في لسان العرب: إن الفرسخ : السكون من المسافة المعلومة في الأرض مأخوذ منه . والفرسخ ثلاثة أميال أو ستة ، سمي بذلك لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح من ذلك كأنه سكن . وهو واحد الفراسخ ، فارسي معرب والفرسخ ساعة من النهار [٢٠]. والفرسخ يساوي ثلاثة أميال أو ستة آلاف متر [٢١].