علي حسين الخباز

لموجهات النص أهمية محورية في معالجة المعنى، وتسمى أيضا بـ(المضامين الجملية) وتعني وجهة نظر الفاعل، كقوله عليه السلام: (وسَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ هَذَا الرَّأْيِ انْقَطَعَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ وإِنَّمَا طَلَبُوا هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَداً لِمَنْ أَفَاءَهَا الله عَلَيْهِ فَأَرَادُوا رَدَّ الأُمُورِ عَلَى أَدْبَارِهَا) فيَالَة الرأي-بالفتح-: ضعفه. وأفاءها عليه: أرجعها إليه.
يسميها سعيد الغانمي: بنوايا النص الداخلي، حيث ننظر منها الى العالم الخارجي، كما عبر عنها الناقد ناظم عودة الذي يرى ان القراءة النقدية الصحيحة لأي منجز، لابد أن تتم دون الارتكاز على الموجهات الوجدانية المسبقة. ومثل هذا التشخيص النقدي يدل على قوة تأثيرها ومن خلال هذه الانطباعات نحاول الاطلاع على بعض المنهجيات الحديثة، لعرض فاعلية نهج البلاغة الذي باستطاعته ان يتفاعل مع جميع الرؤى النقدية المستحدثة، وهذا بطبيعته يدل على حيوية هذا المنجز الحي... فبمتابعة تلك الموجهات سنجدها بين ما هو تصريحي كقوله عليه السلام: (فَخُذُوا نَهْجَ الْخَيْرِ تَهْتَدُوا واصْدِفُوا عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ أَدُّوهَا إِلَى الله تُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ) صدف: أعرض. السمت: الجهة. تقصدوا: تستقيموا.
وموجه استفاهمي، وآخر أمري كقوله عليه السلام: (ولا تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ الله فِيهِ سِوَى مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ الْحَسَدِ) .
ولمعرفة مفهوم الموجه، فهو يعتبر مصدر ( المنطق الموجه) الذي هو فرع من فروع علم المنطق وبشكل ومبسط معناه: كيفية عمل المنجز الابداعي..
وبعض النقاد يرى: ان تلك الموجهات نسخ من النهج التعبيري... وأي فعل تأثيري حسب مفهوم (غيوم) يهدف الى التأثير المباشر على المخاطب. وقد صنف النقاد هذه الموجهات على افتراض وجود فكرة ضمنية، تتكون من الجملة التوكيدية، كقوله عليه السلام: (وإِنِّي مِنْ ضَلالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ والْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي ويَقِينٍ مِنْ رَبِّي) .
والجملة الأمرية، كقوله عليه السلام: (وأَسْمِعُوا دَعْوَةَ الْمَوْتِ آذَانَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى بِكُمْ).
مع وجود موجهات أخرى تطرح فكرة صريحة احتمالية، كقوله عليه السلام: (ولا تَثَّاقَلُوا إِلَى الأَرْضِ فَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ وتَبُوءُوا بِالذُّلِّ ويَكُونَ نَصِيبُكُمُ الأَخَسَّ وإِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الأَرِقُ ومَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ) قر: سكن. أي تقوموا بالخسف أي الضيم. وتبوءوا: أي تعودوا بالذل. الأرق- بفتح فكسر-: اي الساهر. وصاحب الحرب لا ينام، والذي ينام لا ينام عنه.
وموجهات تقويمية تعبيرية، كقوله عليه السلام: (سُوسُوا إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ وحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ وادْفَعُوا أَمْوَاجَ الْبَلاءِ بِالدُّعَاءِ)السياسة: حفظ الشيء بما يحوطه من غيره. فسياسة الرعية: حفظ نظامها بقوة الرأي، والأخذ بالحدود. والصدقة تستحفظ الشفقة، والشفقة: تستزيد الإيمان وتذكر الله. والزكاةأداء حق الله من المال. وأداء الحق: حصن النعمة.
وانقسم حول مفهوم الموجه رأي الالسنيين: (العاملين في حقل الالسنية الحديثة) الذين يرون في الموجه تعددية المعنى.
والمناطقة: (أهل المنطق) الذين لا يرون في الموجه الا احادي معنوي عام. ثم يرونه يسري عبر التقابلية، كقوله عليه السلام: (صِحَّةُ الْجَسَدِ مِنْ قِلَّةِ الْحَسَدِ). وعبر التضاد كقوله عليه السلام: (مَنْ أَوْمَأَ إِلَى مُتَفَاوِتٍ خَذَلَتْهُ الْحِيَلُ).
والموجه المختلط: الذي يكون فيه الموجه مضمرا: (حَتَّى كَأَنَّ الَّذِي ضُمِنَ لَكُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ وكَأَنَّ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْكُمْ قَدْ وُضِعَ عَنْكُمْ) .
ثمة ملاحظة مهمة حيث نجد ان مفهوم الموجه، ما زال تجريبيا، ولذلك تصعب علينا الاحاطة بجميع التنظيرات، فلجئنا الى تبسيط مفاهيمه، وتناول ما نحتاج إليه...