وقال (عليه السلام): مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                

Search form

إرسال الی صدیق
مكامن عظمة نهج البلاغة

هذا البحث يشبه بحث الإعجاز القرآني في علوم القرآن فهناك الإعجاز البلاغي والعلمي والغيبي والتشريعي ...الخ وكذلك في نهج البلاغة ما يشبه ذلك فهناك البلاغة التصويرية والصوتية وكذلك الإخبار عن بعض المغيبات التي أنبأ عن حدوثها وحدثت بالفعل وهناك وصف بعض الأمور العلمية كنشوء الكون وصفة بعض المخلوقات وأمور أخرى كدقة الاستدلالات العقلية والعقائدية التي ساقها الإمام عليه السلام للرد على الشبهات المختلفة كما فعل القرآن الكريم مع أهل الشبهات والانحرافات .
ملاحظة :
البلاغة الصوتية والتصويرية واضحة ومشتركة وثابتة بين كل اللغات . وهناك البلاغة اللفظية التي تؤثر في المعنى ، وهي تختلف من لغة إلى أخرى. ففي اللغة العربية توجد أساليب للحصر والتوكيد يعرفها الدارس لعلوم البلاغة .
ومن الأساليب البلاغية التشبيه الذي قد يتحوّل إلى استعارة : (وهو تشبيه تم حذف أحد طرفيه ، أي المشبّه أو المشبّه به ) . والتشبيه قد تذكر فيه أداة التشبيه أو لا تُذكر ، وذلك بحسب ظروف إلقاء الكلام ، حيث لا يتناسب حذف هذه الأداة أحيانًا ، وذلك حين يؤدي حذفها إلى حدوث الاشتباه عند السامع المقصود إفهامه .
الآن سأضع بعض النماذج السريعة التي قد يسمح الوقت بتوسيعها لاحقًا :

البلاغة التصويرية

( الموت ) :
فكأن قد علقتكم مخالب المنِيَّة وانقطعت منكم علائق الأمنيّة .
( في وصف الدنيا ) :
حتى إذا أنس نافرها واطمأنّ ناكرها ، قنصت بأرجلها وقمصت بأحبلها
مكانته عليه السلام :
ينحدر عني السيل ، ولا يرقى إليّ الطير .
طالب الشيئ في غير أوانه :
ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها ، كالزارع بغير أرضه .

البلاغة الصوتية
( في وصف المنافقين ) :
قد أعدّوا لكل حقٍّ باطلا ، ولكل قائمٍ مائلاً ، ولكل حيٍّ قاتلاً ، ولكل باب مفتاحا ولكل ليلِ مصباحًا .
( في الخطبة الغراء ) :
وإنما حظ أحدكم من الأرض ، ذات الطول والعرض ، قيد قدِّه ، متعفِّرًا على خدّه .
فاتقوا الله تقية من سمع فخشع ، واقترف فاعترف ، وحاذر فبادر ، وأيقن فأحسن ، وأجاب فأناب ..ووجل فعمل .
( البلاغة والجمال الصوتي ) : (( السجع )) :
١- أَمَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَأْمُلُونَ بَعِيداً وَيَبْنُونَ مَشِيداً وَيَجْمَعُونَ كَثِيراً؛ كَيْفَ أَصْبَحَتْ بُيُوتُهُمْ قُبُوراً وَمَا جَمَعُوا بُوراً، وَصَارَتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِينَ وَأَزْوَاجُهُمْ لِقَوْمٍ آخَرِينَ .
ونلاحظ هذا الأسلوب بكثرة في خطب التوحيد والصفات الإلهية فمن النماذج البارزة :
٢- لم يطلع العقول على تحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته .
٣- الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد ولا تحويه المشاهد ، ولا تراه النواظر ولا تحجبه السواتر .
٤- ضادَّ النور بالظلمة والوضوح بالبهمة .
٥- لا يُشمل بحدّ ، ولا يُحسبُ بعدّ .
٦- لا يقال له حدّ ولا نهاية ولا انقطاعٌ ولا غاية .
٧- ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج .
٨- يحبُّ ويرضى من غير رِقّة ، ويُبغِضُ ويغضبُ من غير مشقّة .
نشوء الكون :
يقول القرآن الكريم :
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ[الأنبياء : ٣٠] .
أما تفاصيل ذلك فعند أهل ذلك البيت ، وخصوصًا عند أبيهم عليه السلام باب مدينة علم رسول الوحي صلى الله عليه وآله ، أمير قلوب المؤمنين الذي أشار إلى بعضها في كلماته الخالدة مثل دعاء الصباح :
( وأتقن صنع الفَلَكِ الدوّار في مقاديرِ تبرُّجه )
فمن أين عرَف أن الأفلاك تدور في مسارات مقدّرة محدّدة ٍ منتظمة ؟
يشير القرآن الكريم إلى الانفجار الكوني المنتظم الدقيق ، وخلق كل ما هو حي من الماء :
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء : ٣٠]
ونرجع إلى نهج البلاغة حيث نجد مثل ذلك العلم وبعض تفاصيله في الخطبة الأولى منه ، حيث يقول عليه السلام :
ثُمَّ أَنْشَأَ ـ سُبْحَانَهُ ـ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ، وَشَقَّ الْأَرْجَاءِ، وَسَكَائِكَ الَهوَاءِ، فأَجْرَي فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ ، مُتَراكِماً زَخَّارُهُ ، حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ، وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ، فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ، وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ، وَقَرنَهَا إِلَى حَدِّهِ،الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيقٌ ، وَالمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ .
ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا وَأَدَامَ مُرَبَّهَا ، وَأَعْصَفَ مَجْرَاها، وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا، فَأَمَرَها بِتَصْفِيقِ المَاءِ الزَّخَّارِ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ البِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ، وَعَصَفَتْ بهِ عَصْفَهَا بِالفَضَاءِ، تَرُدُّ أَوَّلَهُ إلَى آخِرِهِ، وَسَاجِيَهُ إلَى مَائِرِهِ،حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ، وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ ، فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ، وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ ، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَموَاتٍ، جَعَلَ سُفْلاَهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً ، وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً، وَسَمْكاً مَرْفُوعاً، وهو ما يشبه الدخان علميًّا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت : ١١]
وسيرجع إلى أصله في تغيرات ما قبل حدوث يوم القيامة فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ [الدخان : ١٠]
الإشارة إلى قانون الجاذبية :
بِغَيْر عَمَدٍ يَدْعَمُهَا، وَلا دِسَارٍ يَنْظِمُها.
ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزينَةِ الكَوَاكِبِ، وَضِياءِ الثَّوَاقِبِ ،وَأَجْرَى فِيها سِرَاجاً مُسْتَطِيراً ، وَقَمَراً مُنِيراً إشارة إلى قوله تعالى :
اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد : ٢]
دوران أجرام المجرّات حول مركز المجرة وعدم ارتطامها ( وذلك وفق قانوني الجاذبية والقوة الطاردة المركزية ) في فَلَكٍ دَائِرٍ، وَسَقْفٍ سَائِرٍ، وَرَقِيمٍ مَائِرٍ.( المائر : المتحرّك والمضطرب )
وللمزيد من التعرف على الأمور العلمية المتعلقة بخلق الكون : راجع خطبة الأشباح رقم ٩٢ .
ملاحظة : هذه الخطبة صعبة الفهم لأنها تحوي الكثير من الكلمات الصعبة والأمور العلمية .

منها في صفة السماء
وَنَظَمَ بِلاَ تَعْلِيقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا (٤٨)، وَلاَحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا (٤٩)، وَوَشَّجَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَزْوَاجِهَا (٥٠)، وَذَلَّلَ لِلْهَابِطِينَ (٥١) بِأَمْرِهِ، وَالْصَّاعِدِينَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ، حُزُونَةَ (٥٢) مِعْرَاجِهَا، وَنَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخَانٌ مُبِينٌ، فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا (٥٣)، وَفَتَقَ بَعْدَ الْإِرْتِتَاقِ صَوَامِتَ (٥٤) أَبْوَابِهَا، وَأَقَامَ رَصَداً (٥٥) مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ (٥٦) عَلَى نِقَابِهَا الخرق (٥٧)، وَأَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تَمُورَ (٥٨) فِي خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَيْدِهِ (٥٩)، وَأَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لِاَمْرِهِ، وَجَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً (٦٠) لِنَهَارِهَا، وَقَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّةً (٦١) مِنْ لَيْلِهَا، وَأَجْرَاهُمَا فِي مَنَاقِلِ (٦٢) مَجْرَاهُمَا، وَقَدَّرَ مَسِيَرهُما فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا، لُيمَيِّزَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِهِمَا، وَلِيُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِينَ والْحِسَابُ بِمَقَادِيرِهِمَا، ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّهَا فَلَكَهَا (٦٣)، وَنَاطَ بِهَا (٦٤) زِينَتَهَا، مِنْ خَفِيَّاتِ دَرَارِيِّهَا (٦٥)، وَمَصَابِيحِ كَوَاكِبِهَا، وَرَمَى مُسْتَرِقِي السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا، وَأَجْرَاها عَلَى أَذْلاَلِ (٦٦) تَسْخِيرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا، وَمَسِيرِ سَائِرِهَا، وهُبُوطِهَا وَصُعُودِهَا، وَنُحُوسِهَا وَسُعُودِهَا.

ومنها في صفة الارض ودحوها على الماء
كَبَسَ (١٢٤) الْأَرْضَ عَلى مَوْرِ (١٢٥) أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ التغلب عليها (١٢٦)، وَلُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ (١٢٧)، تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ (١٢٨) أمْواجِهَا، وَتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِها (١٢٩)، وَتَرْغُوزَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا، فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا، وَسَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا (١٣٠)، وَذَلَّ مُسْتَخْذِياً (١٣١) إِذْ تَمعَّكَتْ (١٣٢) عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا، فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ (١٣٣) أَمْوَاجِهِ، سَاجِياً (١٣٤) مَقْهُوراً، وَفِي حَكَمَةِ (١٣٥) الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً، وَسَكَنَتِ الْأَرْضُ مَدْحُوَّةً (١٣٦) فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ، وَرَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ (١٣٧) وَاعْتِلاَئِهِ، وَشُمُوخِ أَنْفِهِ وَسُمُوِّ غُلَوَائِهِ (١٣٨)، وَكَعَمَتْهُ كمنع ـ: شدّ فاه لئلا يعضّ أو يأكل، وما يشد به كِعَام ـ ككتاب (١٣٩) عَلَى كِظَّةِ يشاهد في جَرْي الماء من ثقل الاندفاع (١٤٠) جَرْيَتِهِ، فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ (١٤١)، وَلَبَدَ (١٤٢) بَعْدَ زَيَفَانِ (١٤٣) وَثَبَاتِهِ.
فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا (١٤٤)، وَحَمْلِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ الْبُذَّخِ (١٤٥) عَلَى أَكْتَافِهَا، فَجَّرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ صلب من عظم الأنف، والمراد أعالي الجبال (١٤٦) أُنُوفِهَا، وَفَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ (١٤٧) بِيدِهَا (١٤٨) وَأَخَادِيدِهَا (١٤٩)، وَعَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسَيَاتِ مِنْ جَلاَمِيدِهَا (١٥٠)، وَذَوَاتِ الشَّنَاخِيبِ الشُّمِّ (١٥١) مِنْ صَيَاخِيدِهَا (١٥٢)، فَسَكَنَتْ مِنَ الْمَيَدَانِ (١٥٣) لِرُسُوبِ الْجِبَالِ فِي قِطَعِ أَدِيمِهَا (١٥٤)، وَتَغَلْغُلِهَا (١٥٥) مُتَسَرِّبَةً (١٥٦) في جَوْبَاتِ خَيَاشِيمِهَا (١٥٧)، وَرُكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ (١٥٨) الْأَرَضِينَ وَجَرَاثِيمِهَا (١٥٩)، وَفَسَحَ بَيْنَ الْجَوِّ وَبَيْنَهَا، وَأَعَدَّ الْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا، وَأَخْرَجَ إِلَيْهَا أَهْلَهَا عَلَى تَمَامِ مَرَافِقِها (١٦٠). ثُمَّ لَمْ يَدَعْ جُرُزَ (١٦١) الْأَرْضِ الَّتي تَقْصُرُ مِيَاهُ الْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيهَا (١٦٢)، وَلاَ تَجِدُ جَدَاوِلُ الْأَنْهَارِ ذَرِيعَةً (١٦٣) إِلى بُلُوغِهَا، حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْيِي مَوَاتَهَا (١٦٤)، وَتَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا. أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهِ (١٦٥)، وَتَبَايُنِ قَزَعِهِ (١٦٦). حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ السّقاء بالمَخْض (١٦٧) لُجَّةُ الْمُزْنِ فِيهِ، وَالْتَمَعَ بَرْقُهُ فَي كُفَفِهِ (١٦٨)، وَلَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ (١٦٩) فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ (١٧٠)، وَمُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ، أَرْسَلَهُ سَحًّا (١٧١) مُتَدَارَكاً، قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ الطائر: دنا من الأرض، والهَيْدَب ـ كجعفر ـ: السّحاب المتدلي، أوذَيْلُهُ (١٧٢)، تَمْرِيهِ (١٧٣) الْجَنُوبُ دِرَرَ (١٧٤) أَهَاضِيبِهِ (١٧٥)، وَدُفَعَ شَآبِيبِهِ (١٧٦).
مَّا أَلْقَتِ السَّحابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا (١٧٧)، وَبَعَاعَ (١٧٨) مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ (١٧٩) الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ (١٨٠) الْأَرْضِ النَّبَاتَ، وَمِنْ زُعْرِ (١٨١) الْجِبَالِ الْأَعْشابَ، فَهِيَ تَبْهَجُ كمنع ـ: سَرّ وأفرح (١٨٢) بِزِينَةِ رِيَاضِهَا، وَتَزْدَهِي (١٨٣) بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ (١٨٤)، أَزَاهِيرِهَا (١٨٥)، وَحِلْيَةِ مَا سُمِطَتْ (١٨٦) بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا (١٨٧)، وَجَعَلَ ذلِكَ بَلاَغاً (١٨٨) لِلْأَنَامِ، وَرِزْقاً لِلْأَنْعَامِ، وَخَرَقَ الْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا، وَأَقَامَ المَنَارَ لَلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا.

الاستدلالات العقلية :
أولاً : التوحيد والصفات الإلهية :
١- هل يمكن وصفه سبحانه بالصفات الزائدة على الذات ؟ ولماذا ؟
٢- هل يمكن للعقول أن تصف الله سبحانه وتعالى ؟
ثانيًا : الرد على بعض الانحرافات الفكرية :

الاستدلالات العقلية :
أولاً : التوحيد والصفات الإلهية :
١- هل يمكن وصفه سبحانه بالصفات الزائدة على الذات ؟ ولماذا ؟
لا يمكن لأن ذلك ظلمٌ لله سبحانه وذلك بأن تجعله مركّبًا من أجزاء فيؤدي ذلك إلى اتهامه سبحانه بأنه متعدد ومحتاج إلى أجزائه ، وواجب الوجود غير متعدد وغير محتاج إلى أحد ، بل هو واحد أحد ، غنيٌّ صمدٌ .
٢- هل يمكن للعقول أن تصف الله سبحانه وتعالى ؟
لا يمكنها أن تتوهمه وتحدّه لأنه غير محدود والمحدود لا يحيط بما هو أوسع منه فكيف بمن هو غير متناهٍ ؟
يقول عليه السلام :
( .. وَكَمَالُ الإِخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ، لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّها غَيْرُ المَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوف أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ، فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ،وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ، [وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أشَارَ إِلَيْهِ، ]وَمَنْ أشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ قَالَ: «فِيمَ» فَقَدْ ضَمَّنَهُ، وَمَنْ قَالَ: «عَلاَمَ؟» فَقَدْ أَخْلَى مِنُهُ ) .
( راجع الخطبة الأولى من نهج البلاغة ) .
ولكن على هذا الحال ، كيف ستعرفه العقول ؟
يمكن للعقول أن تستنتج أنه موجود ، ولكن لا تستطيع أن تحيط به ، وكذلك القلوب تشعر بوجوده وعظمته لأنها تشعر بالحاجة الدائمة إليه لأنها فقيرة ، والفقير ينجذب إلى الغني ليسد فقره ونقصه .
يقول عليه السلام :
( لم يطلع العقول على تحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود ) .
ومن الروائع في هذا المجال قوله عليه السلام :
لم تُحِط به الأوهام ، بل تجلى لها بها وبها امتنع منها وإليها حاكَمَها
وإلى روائع أخرى قادمة بإذنه سبحانه وتوفيقه

مواجهة الافتراءات والمكائد والانحرافات الفكرية :
توجد الكثير من الألاعيب اللفظية والتدليسات وأنواع المكر والخديعة والإعلام المضلل التي واجهته عليه السلام فردّ عليها أمير الجواب بفصل الخطاب فأضاء الطريق للسالكين ، وردّ كيد الماكرين ملومًا مخذولاً مدحورا وهو حسير ، لذا فمن حقكم أن يتملكم العجب منه ومن حكمته وبلاغته وحنكته ، فهو القائل :
( وإنا لأمراء الكلام ، وفينا تنشَّبت عروقه ، وعلينا تهدَّلت غصونه ) .
وهو الذي قال يومًا :
( والله لا أُستغفل بالمكيدة ولا أُستغمز بالشديدة ) .
فلا تنطلي عليه المؤامرات والمكائد والخدع والألاعيب ، كما إنه لا يُستدرج للأفخاخ المنصوبة للإيقاع به عمليًّا أو إعلاميًّا .
ولكن من غرائب عظمته أنه حين يدحر كيد الباطل ، فإنه ينصف أهل الباطل وينصر ما معهم من بصيص نور فطوبى لمن يعترف بالحق قبل أن يُشهدَ عليه ، لأنه لا يخرجُ من الحق ولا يدخل في الباطل ، وليس بمستعدٍّ أن يعصي الله سبحانه في نملة ، لأن القول بالحق وإن ضرّه وكرثه أحب إليه من الباطل وإن رفعه وزاده .
ولكن كيف ؟
سنتعرّف على ذلك لاحقًا بإذنه تعالى وتوفيقه .

****************************