لبيب بيضون
الهدى والضلال
قال الامام علي (ع):
يصف حال الناس قبل البعثة: فالهدى خامل، والعمى شامل. (الخطبة ٢، ٣٦)
وقال (ع) في صفة من يتصدى للحكم بين الامة وليس لذلك أهل: إنّ أبغض الخلائق إلى اللّه رجلان: رجل وكله اللّه إلى نفسه، فهوجائر عن قصد السّبيل، مشغوف بكلام بدعة، ودعاء ضلالة، فهوفتنة لمن افتتن به، ضالّ عن هدي من كان قبله، مضلّ لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمّال خطايا غيره، رهن بخطيئته. (الخطبة ١٧، ٥٩)
ومن لا يستقيم به الهدى يجرّ به الضّلال إلى الرّدى. (الخطبة ٢٨، ٧٩)
وإنّما سمّيت الشّبهة شبهة، لأنّها تشبه الحقّ: فأمّا أولياء اللّه فضياؤهم فيها اليقين، ودليلهم سمت الهدى. وأمّا أعداء اللّه، فدعاؤهم فيها الضّلال، ودليلهم العمى. (الخطبة ٣٨، ٩٧)
فزهر مصباح الهدى في قلبه... فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى، ومغاليق أبواب الرّدى. (الخطبة ٨٥، ١٥٣)
لا يعرف باب الهدى فيتّبعه، ولا باب العمى فيصدّ عنه، وذلك ميّت الأحياء. (الخطبة ٨٥، ١٥٥)
وقال (ع) عن الفترة التي بعث بها النبي (ص): قد درست منار الهدى، وظهرت أعلام الرّدى. (الخطبة ٨٧، ١٥٧)
وإنّ من أبغض الرّجال إلى اللّه تعالى لعبدا وكله اللّه إلى نفسه، جائرا عن قصد السّبيل، سائرا بغير دليل، إن دعي إلى حرث الدّنيا عمل، وإن دعي إلى حرث الآخرة كسل كأنّ ما عمل له واجب عليه، وكأنّ ما ونى فيه ساقط عنه. (الخطبة ١٠١، ١٩٧)
أيّها النّاس: استصبحوا من شعلة مصباح واعظ متّعظ، وامتاحوا من صفوعين قد روّقت من الكدر. (الخطبة ١٠٣، ٢٠٠)
واقتدوا بهدي نبيّكم فإنّه أفضل الهدي، واستنّوا بسنّته فإنّها أهدى السّنن. (الخطبة ١٠٨، ٢١٣)
وقال (ع) في صفة الضال: وهوفي مهلة من اللّه، يهوي مع الغافلين ويغدومع المذنبين. بلا سبيل قاصد، ولا إمام قائد. (الخطبة ١٥١، ٢٦٨)
فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمّك؟ (الخطبة ١٦١، ٢٩١)
أيّها النّاس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله. فإنّ النّاس قد اجتمعوا على مائدة، شبعها قصير، وجوعها طويل. (الخطبة ١٩٩، ٣٩٤)
... وامسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلال خير من ركوب الأهوال. (الخطبة ٢٧٠، ٤٧٥)
ومن زاغ ساءت عنده الحسنة، وحسنت عنده السّيّئة، وسكر سكر الضّلالة. (٣١ ح، ٥٧٠) ما اختلفت دعوتان إلاّ كانت إحداهما ضلالة. (١٨٣ ح، ٦٠٠)
ذم اتباع الهوى وطول الأمل الشهوات
قال الامام علي (ع):
وإنّ أخوف ما أخاف عليكم: اتّباع الهوى وطول الأمل. (الخطبة ٢٨، ٨٠)
وقال (ع) يحذر من اتباع الهوى وطول الامل في الدنيا: أيّها النّاس: إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتّباع الهوى وطول الأمل، فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة. (الخطبة ٤٢، ١٠٠)
إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب اللّه، ويتولّى عليها رجال رجالا، على غير دين اللّه. (الخطبة ٥٠، ١٠٧)
ولا يغلبنّكم فيها الأمل، ولا يطولنّ عليكم فيها الأمد. (الخطبة ٥٢، ١٠٩)
فإنّ أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشّيطان موكّل به، يزيّن له المعصية ليركبها، ويمنّيه التّوبة ليسوّفها. (الخطبة ٦٢، ١١٨)
رحم اللّه امرءا سمع حكما فوعى... كابر هواه، وكذّب مناه. (الخطبة ٧٤، ١٣٠)
أرهقتهم المنايا دون الآمال، وشذّ بهم عنها تخرّم الآجال. (الخطبة ٨١، ٢، ١٤٢)
ماتحا في غرب هواه، كادحا سعيا لدنياه، في لذّات طربه، وبدوات أربه. (الخطبة ٨١، ٣، ١٤٦)
والشّقيّ من انخدع لهواه وغروره. واعلموا أنّ يسير الرّياء شرك، ومجالسة أهل الهوى منساة للإيمان، ومحضرة للشيطان... واعلموا أنّ الأمل يسهي العقل وينسي الذّكر، فأكذبوا الأمل فإنّه غرور، وصاحبه مغرور. (الخطبة ٨٤، ١٥٢)
قد خلع سرابيل الشّهوات، وتخلّى من الهموم، إلاّ همّا واحدا انفرد به (يعني الوقوف عند حدود الشريعة)، فخرج من صفة العمى، ومشاركة أهل الهوى. (الخطبة ٨٥، ١٥٣)
وقال (ع) يبين صفة التقي العادل: قد ألزم العدل، فكان أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه. (الخطبة ٨٥، ١٥٤)
عباد اللّه: لا تركنوا إلى جهالتكم، ولا تنقادوا لأهوائكم، فإنّ النازل بهذا المنزل نازل بشفا جرف هار، ينقل الرّدى على ظهره من موضع إلى موضع، لرأي يحدثه بعد رأي. (الخطبة ١٠٣، ٢٠٠)
ومن عبرها أنّ المرء يشرف على أمله فيقتطعه حضور أجله. فلا أمل يدرك ولا مؤمّل يترك. (الخطبة ١١٢، ٢٢١)
وقال (ع) عن الحجة القائم (ع): يعطف الهوى على الهدى، إذا عطفوا الهدى على الهوى. (الخطبة ١٣٦، ٢٤٩)
وإنّما هلك من كان قبلكم بطول آمالهم وتغيّب آجالهم، حتّى نزل بهم الموعود الّذي تردّ عنه المعذرة، وترفع عنه التّوبة، وتحّل معه القارعة والنّقمة. (الخطبة ١٤٥، ٢٥٩)
... فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان يقول «إنّ الجنّة حفّت بالمكاره، وإنّ النّار حفّت بالشّهوات»... فرحم اللّه رجلا نزع عن شهوته، وقمع هوى نفسه. فإنّ هذه النّفس أبعد شيء منزعا، وإنّها لا تزال تنزع إلى معصية في هوى. (الخطبة ١٧٤، ٣١٢)
... وإيّاك والإتّكال على المنى فإنّها بضائع الموتى (وفي رواية) بضائع النّوكى (جمع انوك وهوالاحمق). (الخطبة ٢٧٠، ٣، ٤٨٦)
... والهوى شريك العمى. (الخطبة ٢٧٠، ٤، ٤٨٨)
من جرى في عنان أمله عثر بأجله. (١٨ ح، ٥٦٧)
فمن اشتاق إلى الجنّة سلا عن الشّهوات، ومن أشفق من النّار اجتنب المحرّمات. (٣٠ ح، ٥٦٩)
أشرف الغنى ترك المنى. (٣٤ ح، ٥٧١)
من أطال الأمل أساء العمل. (٣٦ ح، ٥٧١)
المال مادّة الشّهوات. (٥٨ ح، ٥٧٥)
كم من أكلة منعت أكلات. (١٧١ ح، ٥٩٩)
... وأشرف الغنى ترك المنى. وكم من عقل أسير تحت هوى أمير (أي كم من عقل أسير لهواه). (٢١١ ح، ٦٠٥)
والأمانيّ تعمي أعين البصائر. (٢٧٥ ح، ٦٢٢)
كلّ معاجل يسأل الإنظار، وكلّ مؤجّل يتعلّل بالتّسويف (أي كل انسان يستعجله اجله ولكنه يطلب التأخير، وكل انسان قد أجل اللّه عمره، وهولا يعمل تعللا بفسحة العمر). (٢٨٥ ح، ٦٢٤)
ربّ مستقبل يوما ليس بمستدبره، ومغبوط في أوّل ليله، قامت بواكيه في آخره. (٣٨٠ ح، ٦٤٤)
الشيطان والتحذير من الشيطان
قال الامام علي (ع):
في وصف الناس قبل بعثة الانبياء: واجتالتهم الشّياطين عن معرفته (أي سبحانه)، واقتطعتهم عن عبادته. (الخطبة ١، ٣١)
وقال (ع) عن شهادة التوحيد: فإنّها عزيمة الإيمان، وفاتحة الإحسان، ومرضاة الرّحمن، ومدحرة الشّيطان. (الخطبة ٢، ٣٦)
فالهدى خامل، والعمى شامل. عصي الرّحمن، ونصر الشّيطان. (الخطبة ٢، ٣٦)
أطاعوا الشّيطان فسلكوا مسالكه، ووردوا مناهله. بهم سارت أعلامه، وقام لواؤه. (الخطبة ٢، ٣٧)
اتّخذوا الشّيطان لأمرهم ملاكا، واتّخذهم له أشراكا، فباض وفرّخ في صدورهم، ودب ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزّلل، وزيّن لهم الخطل، فعل من قد شركه الشّيطان في سلطانه، ونطق بالباطل على لسانه. (الخطبة ٧، ٥٠)
ألا وإنّ الشّيطان قد جمع حزبه، واستجلب خيله ورجله. وإنّ معي لبصيرتي: ما لبّست على نفسي، ولا لبّس عليّ. (الخطبة ١٠، ٥١)
ألا وإنّ الشّيطان قد ذمر حزبه، واستجلب جلبه، ليعود الجور إلى أوطانه، ويرجع الباطل إلى نصابه. (الخطبة ٢٢، ٦٦)
فلوأنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين، ولوأنّ الحقّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين. ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث، فيمزجان فهنالك يستولي الشّيطان على أوليائه، وينجوالَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللّهِ الحُسْنَى. (الخطبة ٥٠، ١٠٧)
والشّيطان موكّل به، يزيّن له المعصية ليركبها، ويمنّيه التّوبة ليسوّفها. (الخطبة ٦٢، ١١٨)
أوصيكم بتقوى اللّه، الّذي أعذر بما أنذر، واحتجّ بما نهج. وحذّركم عدوّا نفذ في الصّدور خفيّا، ونفث في الآذان نجيّا، فأضلّ وأردى، ووعد فمنّى، وزيّن سيّئات الجرائم، وهوّن موبقات العظائم، حتّى إذا استدرج قرينته (أي النفس الامارة بالسوء)، واستغلق رهينته، أنكر ما زيّن، واستعظم ما هوّن، وحذّر ما أمّن. (الخطبة ٨١، ٢، ١٤٥)
ومجالسة أهل الهوى منساة للإيمان، ومحضرة للشّيطان. (الخطبة ٨٤، ١٥٢)
وما كلّفك الشّيطان علمه، ممّا ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وأئمة الهدى أثره، فكل علمه إلى اللّه سبحانه، فإنّ ذلك منتهى حقّ اللّه عليك. (الخطبة ٨٩، ١، ١٦٢)
إنّ الشّيطان يسنّي لكم طرقه (أي يسهلها)، ويريد أن يحلّ دينكم عقدة عقدة، ويعطيكم بالجماعة الفرقة، وبالفرقة الفتنة، فاصدفوا عن نزغاته ونفثاته. (الخطبة ١١٩، ٢٣٠)
وقال (ع) عن الخوارج: ثمّ أنتم شرار النّاس، ومن رمى به الشّيطان مراميه، وضرب به تيهه. (الخطبة ١٢٥، ٢٣٧)
فإنّ الشّاذّ من النّاس للشّيطان، كما أنّ الشّاذّ من الغنم للذّئب. (الخطبة ١٢٥، ٢٣٧)
وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلاّ إدبارا، ولا الشّرّ فيه إلاّ إقبالا، ولا الشّيطان في هلاك النّاس إلاّ طمعا. فهذا أوان قويت عدّته، وعمّت مكيدته، وأمكنت فريسته. (الخطبة ١٢٧، ٢٤٠)
واعلموا أنّ الشّيطان إنّما يسنّي (أي يسهل) لكم طرقه لتتّبعوا عقبه. (الخطبة ١٣٦، ٢٥٠)
ودعاهم ربّهم فنفروا وولّوا، ودعاهم الشّيطان فاستجابوا وأقبلوا. (الخطبة ١٤٢، ٢٥٦)
فبعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه وآله بالحقّ، ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته، ومن طاعة الشّيطان إلى طاعته. (الخطبة ١٤٥، ٢٥٨)
وأحمد اللّه وأستعينه، على مداحر الشّيطان ومزاجره، والاعتصام من حبائله ومخاتله. (الخطبة ١٤٩، ٢٦٤)
واتّقوا مدارج الشّيطان، ومهابط العدوان. (الخطبة ١٤٩، ٢٦٦)
وقال (ع) عن الخوارج: إنّ الشّيطان اليوم قد استفلّهم (أي دعاهم الى الانهزام عن الجماعة)، وهوغدا متبرّيء منهم، ومتخلّ عنهم. (الخطبة ١٧٩، ٣٢٢)
ولقد سمعت رنّة الشّيطان حين نزل الوحي عليه صلّى اللّه عليه وآله فقلت: يا رسول اللّه ما هذه الرّنّة؟ فقال: هذا الشّيطان قد أيس من عبادته. (الخطبة ١٩٠، ٤، ٣٧٤)
فمهلا لا تعد لمثلها، فإنّما نفث الشّيطان على لسانك. (الخطبة ١٩١، ٣٨٠)
وقال (ع) عن المنافقين: قد هوّنوا الطّريق، وأضلعوا المضيق، فهم لمّة الشّيطان، وحمة النّيران أُوْلئكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ. أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ. (الخطبة ١٩٢، ٣٨٢)
وقال (ع) لشريح حين بلغه أنه اشترى دارا: ... والحدّ الرّابع ينتهي إلى الشّيطان المغوي. (الخطبة ٢٤٢، ٤٤٤)
فلا تجعلنّ للشّيطان فيك نصيبا، ولا على نفسك سبيلا، والسّلام. (الخطبة ٢٥٦، ٤٥٦)
واعلم أنّ البصرة مهبط إبليس، ومغرس الفتن. (الخطبة ٢٥٧، ٤٥٦)
وقال (ع): فاتّق اللّه يا معاوية في نفسك، وجاذب الشّيطان قيادك. فإنّ الدّنيا منقطعة عنك، والآخرة قريبة منك، والسّلام. (الخطبة ٢٧١، ٤٩١)
ومن كتاب له (ع) الى زياد بن أبيه، وقد بلغه أن معاوية كتب اليه يريد خديعته باستلحاقه: وقد عرفت أنّ معاوية كتب إليك يستزلّ لبّك، ويستفلّ غربك (أي يثلم حدتك ونشاطك)، فاحذره. فإنّما هوالشّيطان يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ليقتحم غفلته، ويستلب غرّته. (الخطبة ٢٨٣، ٥٠١)
وقال (ع) لمعاوية: فاحذر يوما، يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله، ويندم من أمكن الشّيطان من قياده، فلم يجاذبه. (الخطبة ٢٨٧، ٥١٣)
وإيّاك والإعجاب بنفسك، والثّقة بما يعجبك منها، وحبّ الإطراء، فإنّ ذلك من أوثق فرص الشّيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين. (الخطبة ٢٩٢، ٥، ٥٣٨)
ومن كتاب له (ع) الى الحارث الهمداني: ... وإيّاك ومقاعد الأسواق، فإنّها محاضر الشّيطان ومعاريض الفتن... (الخطبة ٣٠٨، ٥٥٧)
... واحذر الغضب فإنّه جند عظيم من جنود إبليس. (الخطبة ٣٠٨، ٥٥٨)
ومن كتاب له (ع) الى معاوية: واعلم أنّ الشّيطان قد ثبّطك عن أن تراجع أحسن أمورك، وتأذن (أي تسمع) لمقال نصيحتك، والسّلام لأهله. (الخطبة ٣١٢، ٥٦١)
... وإيّاك والغضب فإنّه طيرة من الشّيطان (أي يتفاءل به الشيطان). (الخطبة ٣١٥، ٥٦٣)
ومن تردّد في الرّيب وطئته سنابك الشّياطين، ومن استسلم لهلكة الدّنيا والآخرة هلك فيهما. (٣١ ح، ٥٧١)
وقال (ع) وقد مر بقتلى الخوارج يوم النهروان: بؤسا لكم، لقد ضرّكم من غرّكم. فقيل له: من غرّهم يا أمير المؤمنين؟ فقال: الشّيطان المضلّ. والأنفس الأمّارة بالسّوء، غرّتهم بالأمانيّ، وفسحت لهم بالمعاصي، ووعدتهم الإظهار، فاقتحمت بهم النّار. (٣٢٣ ح، ٦٣١)
النهي عن الكبر والتكبر والعصبية والتفاخر
قال الامام علي (ع):
حتّى إذا قام اعتداله واستوى مثاله، نفر مستكبرا، وخبط سادرا... (الخطبة ٨١، ٣، ١٤٦)
في الخطبة القاصعة: الحمد للّه الّذي لبس العزّ والكبرياء، واختارهما لنفسه دون خلقه، وجعلهما حمى وحرما على غيره، واصطفاهما لجلاله، وجعل اللّعنة على من نازعه فيهما من عباده. ثمّ اختبر بذلك ملائكته المقرّبين، ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين. فقال سبحانه، وهوالعالم بمضمرات القلوب ومحجوبات الغيوب إنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِيْنٍ فَإذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيْهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. فَسَجَدَ المَلائكَةُ كُلُّهمْ أَجْمَعُونَ إلاَّ إبْلِيْسَ اعترضته الحميّة، فافتخر على آدم بخلقه، وتعصّب عليه لأصله. فعدواللّه (أي ابليس) إمام المتعصّبين، وسلف المستكبرين. الّذي وضع أساس العصبيّة، ونازع اللّه رداء الجبريّة. وادّرع لباس التّعزّز، وخلع قناع التّذلّل. ألا ترون كيف صغّره اللّه بتكبّره، ووضعه بترفعّه. فجعله في الدّنيا مدحورا، وأعدّ له في الآخرة سعيرا؟ (الخطبة ١٩٠، ١، ٣٥٦)
فاعتبروا بما كان من فعل اللّه بإبليس إذ أحبط عمله الطّويل وجهده الجهيد، وكان قد عبد اللّه ستّة الاف سنّة، لا يدرى أمن سنيّ الدّنيا أم من سنيّ الآخرة، عن كبر ساعة واحدة. فمن ذا بعد إبليس يسلم على اللّه بمثل معصيته؟ كلاّ ما كان اللّه سبحانه ليدخل الجنّة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا. إنّ حكمه في أهل السّماء وأهل الأرض لواحد. وما بين اللّه وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرّمه على العالمين. (الخطبة ١٩٠، ١، ٣٥٨)
فاحذروا عباد اللّه عدواللّه، أن يعديكم بدائه، وأن يستفزّكم بندائه، وأن يجلب عليكم بخيله ورجله. فلعمري لقد فوّق لكم سهم الوعيد، وأغرق إليكم بالنّزع الشّديد. ورماكم من مكان قريب، فقال رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ ولَأَغُوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ قذفا بغبب بعيد، ورجما بظنّ غير مصيب. صدّقه به أبناء الحميّة، وإخوان العصبيّة، وفرسان الكبر والجاهليّة. حتّى إذا انقادت له الجامحة منكم، واستحكمت الطّماعية منه فيكم. فنجمت الحال من السّرّ الخفيّ إلى الأمر الجليّ. استفحل سلطانه عليكم، ودلف بجنود نحوكم. فأقحموكم ولجات الذّلّ، وأحلّوكم ورطات القتل.
وأوطؤوكم إثخان الجراحة. طعنا في عيونكم، وحزّا في حلوقكم. ودقّا لمناخركم، وقصدا لمقاتلكم. وسوقا بخزائم القهر إلى النّار المعدّة لكم. فأصبح أعظم في دينكم حرجا، وأورى في دنياكم قدحا. من الّذين أصبحتم لهم مناصبين وعليهم متألّبين، فاجعلوا عليه حدّكم وله جدّكم. فلعمر اللّه لقد فخر على أصلكم، ووقع في حسبكم، ودفع في نسبكم. وأجلب بخيله عليكم، وقصد برجله سبيلكم. يقتنصونكم بكلّ مكان، ويضربون منكم كلّ بنان. لا تمتنعون بحيلة، ولا تدفعون بعزيمة. في حومة ذلّ، وحلقة ضيق. وعرصة موت، وجولة بلاء. فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبيّة وأحقاد الجاهليّة. فإنّما تلك الحميّة تكون في المسلم، من خطرات الشّيطان ونخواته، ونزغاته ونفثاته. واعتمدوا وضع التّذلّل على رؤوسكم، وإلقاء التّعزّز تحت أقدامكم، وخلع التّكبّر من أعناقكم. واتّخذوا التّواضع مسلحة بينكم وبين عدوّكم إبليس وجنوده. فإنّ له من كلّ أمّة جنودا وأعوانا، ورجلا وفرسانا.
ولا تكونوا كالمتكبّر على ابن أمّه (أي قابيل الذي تكبر على هابيل) من غير ما فضل جعله اللّه فيه، سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد، وقدحت الحميّة في قلبه من نار الغضب. ونفخ الشّيطان في أنفه من ريح الكبر، الّذي أعقبه اللّه به النّدامة، وألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة. (الخطبة ١٩٠، ١، ٣٥٨)
ويتابع الامام (ع) كلامه محذرا من الكبر: ألا وقد أمعنتم في البغي، وأفسدتم في الأرض، مصارحة للّه بالمناصبة، ومبارزة للمؤمنين بالمحاربة. فاللّه اللّه في كبر الحميّة وفخر الجاهليّة. فإنّه ملاقح الشّنآن، ومنافخ الشّيطان، الّتي خدع بها الأمم الماضية، والقرون الخالية. حتّى أعنقوا في حنادس جهالته، ومهاوي ضلالته. ذللا عن سياقه، سلسا في قياده. أمرا تشابهت القلوب فيه، وتتابعت القرون عليه. وكبرا تضايقت الصدور به. (الخطبة ١٩٠، ١، ٣٦٠)
ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم، الّذين تكبّروا عن حسبهم، وترفّعوا فوق نسبهم. وألقوا الهجينة على ربّهم، وجاحدوا اللّه على ما صنع بهم. مكابرة لقضائه، ومغالبة لآلآئه. فإنّهم قواعد أساس العصبيّة، ودعائم أركان الفتنة، وسيوف اعتزاء (أي تفاخر) الجاهليّة... ولا تطيعوا الأدعياء الّذين شربتم بصفوكم كدرهم، وخلطتم بصحّتكم مرضهم، وأدخلتم في حقّكم باطلهم. وهم آساس الفسوق،
وأحلاس العقوق. اتّخذهم إبليس مطايا ضلال، وجندا بهم يصول على النّاس، وتراجمة ينطق على ألسنتهم. استراقا لعقولكم، ودخولا في عيونكم ونفثا في أسماعكم. فجعلكم مرمى نبله، وموطيء قدمه، ومأخذ يده. فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم، من بأس اللّه وصولاته، ووقائعه ومثلاته. واتّعظوا بمثاوي خدودهم، ومصارع جنوبهم. واستعيذوا باللّه من لواقح الكبر، كما تستعيذونه من طوارق الدّهر. فلورخّص اللّه في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصّة أنبيائه وأوليائه. ولكنّه سبحانه كرّه إليهم التّكابر، ورضي لهم التّواضع... (الخطبة ١٩٠، ٢، ٣٦١)
فاللّه اللّه في عاجل البغي، وآجل وخامة الظّلم، وسوء عاقبة الكبر، فإنّها مصيدة إبليس العظمى، ومكيدته الكبرى. الّتي تساور قلوب الرّجال مساورة السّموم القاتلة. فما تكدي (أي تعجز) أبدا، ولا تشوي أحدا. لا عالما لعلمه، ولا مقلا في طمره. وعن ذلك ما حرس اللّه عباده المؤمنين بالصّلوات والزّكوات، ومجاهدة الصّيام في الأيّام المفروضات... «تراجع تتمة الكلام في المبحث (٧٩): بعض العبادات». (الخطبة ١٩٠، ٣، ٣٦٦)
انظروا إلى ما في هذه الأفعال (أي أفعال العبادة) من قمع نواجم الفخر، وقدع طوالع الكبر. ولقد نظرت فما وجدت أحدا من العالمين يتعصّب لشيء من الأشياء، إلاّ عن علّة تحتمل تمويه الجهلاء، أوحجّة تليط بعقول السّفهاء غيركم. فإنّكم تتعصّبون لأمر ما يعرف له سبب ولا علّة. أمّا إبليس فتعصّب على آدم لأصله، وطعن عليه في خلقته، فقال: أنا ناريّ وأنت طينيّ.وأمّا الأغنياء من مترفة الأمم، فتعصّبوا لآثار مواقع النّعم. فقالوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وأَوْلاَداً ومَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ. فإن كان لا بدّ من العصبيّة فليكن تعصّبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور الّتي تفاضلت فيها المجداء والنّجداء، من بيوتات العرب ويعاسيب القبائل، بالأخلاق الرّغيبة، والأحلام العظيمة، والأخطار الجليلة، والآثار المحمودة. فتعصّبوا لخلال الحمد... (الخطبة ١٩٠، ٣، ٣٦٧)
أترجو أن يعطيك اللّه أجر المتواضعين، وأنت عنده من المتكبّرين؟. (الخطبة ٢٦٠، ٤٥٨)
وقال (ع) عن المتقين: فحظوا من الدّنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبّرون. ثمّ انقلبوا عنها بالزّاد المبلّغ، والمتجر الرّابح. (الخطبة ٢٦٦، ٤٦٥)
ولا وحدة أوحش من العجب... ولا حسب كالتّواضع. (١١٣ ح، ٥٨٦)
وعجبت للمتكبّر الّذي كان بالأمس نطفة، ويكون غدا جيفة. (١٢٦ ح، ٥٨٩)
وبالتّواضع تتمّ النّعمة. (٢٢٤ ح، ٦٠٦)
فرض اللّه الإيمان تطهيرا من الشّرك، والصّلاة تنزيها عن الكبر. (٢٥٢ ح، ٦١١)
والحرص والكبر والحسد دواع إلى التّقحّم في الذّنوب. (٣٧١ ح، ٦٤١)
ضع فخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك. (٣٩٨ ح، ٦٤٧)
ما لابن آدم والفخر: أوّله نطفة، وآخره جيفة، ولا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه.(٤٥٤ ح، ٦٥٧)
العجب
قال الامام علي (ع):
واعلم أنّ الإعجاب ضدّ الصّواب وآفة الألباب... وإذا أنت هديت لقصدك، فكن أخشع ما تكون لربّك. (الخطبة ٢٧٠، ٢، ٤٨٠)
وإيّاك والإعجاب بنفسك، والثّقة بما يعجبك منها، وحبّ الإطراء، فإنّ ذلك من أوثق فرص الشّيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين. (الخطبة ٢٩٢، ٥، ٥٣٨).
وأوحش الوحشة العجب. (٣٨ ح، ٥٧٢) ولا وحدة أوحش من العجب... ولا حسب كالتّواضع. (١١٣ ح، ٥٨٦)
الإعجاب يمنع الازدياد. (١٦٧ ح، ٥٩٩) عجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله. (٢١٢ ح، ٦٠٥)
الحسد والغبطة
قال الامام علي (ع):
والمغبوط من سلم له دينه. (الخطبة ٨٤، ١٥٢)
ولا تحاسدوا، فإنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب. (الخطبة ٨٤، ١٥٢)
قال الامام (ع) عن الملائكة: ولم يفرّقهم سوء التّقاطع، ولا تولاّهم غلّ التّحاسد. (الخطبة ٨٩، ٣، ١٧٠)
ويتمنّى أنّ الّذي كان يغبطه بها (أي الاموال) ويحسده عليها، قد حازها دونه. (الخطبة ١٠٧، ٢١١)
ولا تكونوا كالمتكبّر على ابن أمّه (يقصد قابيل الذي تكبر على أخيه هابيل) من غير ما فضل جعله اللّه فيه، سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد، وقدحت الحميّة في قلبه من نار الغضب، ونفخ الشّيطان في أنفه من ريح الكبر، الّذي أعقبه اللّه به النّدامة، وألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة. (الخطبة ١٩٠، ١، ٣٦٠)
فاتّقوا اللّه، ولا تكونوا لنعمه عليكم أضدادا، ولا لفضله عندكم حسّادا. (الخطبة ١٩٠، ٢، ٣٦١)
حسد الصّديق من سقم المودّة. (٢١٨ ح، ٦٠٦)
العجب لغفلة الحسّاد عن سلامة الأجساد (أي من العجيب ان الحاسد يحسد الناس على المال والجاه مثلا، ولا يحسدهم على سلامة أجسادهم، مع أنها من أجلّ النعم). (٢٢٥ ح، ٦٠٧)
صحّة الجسد، من قلّة الحسد. (٢٥٦ ح، ٦١٢)
الثناء بأكثر من الإستحقاق ملق، والتّقصير عن الإستحقاق عيّ أوحسد. (٣٤٧ ح، ٦٣٥)
والحرص والكبر والحسد، دواع إلى التّقحّم في الذّنوب. (٣٧١ ح، ٦٤١)
منقول من كتاب تصنيف نهج البلاغة