في الإقتصاد
نهج البلاغة هو في الواقع مجموعة مختارة من كلمات أميرالمؤمنين عليه السلام تشتمل على الخُطب والرسائل والكلمات القصار، وقد قالها الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام في مناسبات مختلفة وفي أوقات متباينة. ولما كانت خطبه ورسائله وكلماته لا تنفصل عن منهج الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام في تغيير أوضاع الأمة الاسلامية وتحقيق السعادة المنشوءة لها، فقد جاء هذهِ النصوص بصورة وثائق سياسية تحكي مسار الدولة الإسلامية وأساليب ادارتها، وطرق حل مشاكلها، والفنون السياسية المتبعة فيها.
والإمام أميرالمؤمنين عليه السلام كان يعالج مشاكل الأمة وقضايا الدولة بموقف عملي ونظري في آنٍ واحد، فمن زاوية كان يُوجّه أنظار الناس والولاة وكلّ المعينين الى المشكلة ذاتّها، ثم يُبين الطرق ويضع الحلول المناسبة لها.
ولما كان ا لاقتصاد غير منفصل عن حياة الناس، فكان من الطبيعي أن يتضمن نهج البلاغة على موضوعات إقتصادية تتعلق بمختلف شؤون الدولة والحياة.
وبنظرة واحدة إلى خطب الإمام ورسائله وكلماته سنلاحظ اننا امام؟؟ كبير من النصوص التي تتضمن أفكاراً إقتصادية، وهي بحاجة إلى عملية تعدين واستخراج ثم وضعها في نسق منتظم لتصبح بصورة نظرية متكاملة. وتشتمل الموضوعات الاقتصادية في نهج البلاغة على موضوعات كثيرة منها؛ الأنشطة الإقتصادية المختلفة مثل 'الزراعة، الرعي، الصناعة، التجارة، الخدمات' وموضوع الملكية والثروة تم يتضمن نهج البلاغة على السياسات الضريبية والسياسة النقدية وسياسة التسعير، وسياسة الأعانات وسياسة الانفاق وسياسة الانتاج وسياسة المحاسبة وما أكثر ما ورد في نهج البلاغة عبارات تنم عن موضوعات في الاقتصاد.
يقول أميرالمؤمنين عليه السلام ما عال من اقتصد [١] .
فالأقتصاد وفي هذه الكلمة هوركن ركني للحياة السعيدة فمن يأخذ بعلم الاقتصاد لا يقترب منه الفقر أبداً ويقول أيضاً 'ودع الاسراف مقتصداً' [٢] .
لقد تضمن نهج البلاغة جميع أبواب الاقتصاد لأنه يغطي مرحلة مهمة من مراحل تكوين الدولة الإسلامية، ولما كان الاقتصاد أحد أهم أعمدة الدولة فقد ورد الكثير في كلمات الإمام؛ خطبه ورسائله وكلمات القصيرة متضمنة للاقتصاد.
الفقر وعلاجه
المسائل الاقتصادية متوفرة ومتعددة ونحن بصدد أحدها وهو الفقر وعلاجه.
'ان اللَّه تعالى قد حشد للإنسان في هذا الكون الفسيح كل مصالحه ومنافعه ووفّر له الموارد الكافية لامداده بحياته وحاجاته المادية'
والفقر حصيلة الظلم والجهل والتواني
الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لا يَفِرُهُ [٣] الْمَنْعُ وَالْجُمُودُ وَلا يُكْدِيهِ [٤] الْإعْطاءُ وَالْجُودُ، إذْ كُلُّ مُعْطٍ مُّنتَقَصٌ سِواهُ، وَكُلُّ مانِعِ مَذْمُومٌ ماخَلاهُ، وَهُوَ الْمَنّانُ بِفَوائِدِ النِّعَمِ، وَعَوائِدِ الْمَزِيدِ وَالْقِسَمِ، عِيالُهُ الْخَلائِقُ، ضَمِنَ أَرْزاقَهُمْ، وَقَدَّرَ أَقْواتَهُمْ، وَنَهَجَ سَبِيلَ الرّاغِبِينَ إلَيْهِ، وَالطّالِبِينَ ما لَدَيْهِ، وَلَيْسَ بِما سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِما لَمْ يُسْألْ. وَلَوْ وَهَبَ ما تَنَفَّسَتْ [٥] عَنْهُ مَعادِنُ الْجِبالِ، وَضَحِكَتْ [٦] عَنْهُ أَصْدافُ البِحارِ: مِنْ فِلِزِّ اللُّجَيْنِ [٧] وَالْعِقْيانِ، وَنُثارَةِ [٨] الدُّرِّ وَحَصِيدِ الْمَرْجانِ [٩] ، ما أَثَّرَ ذلِكَ فِي جُودِهِ، وَلا أَنْفَدَسَعَةَ ما عِندَهُ، وَلَكانَ عِندَهُ مِنْ ذَخائِرِ الْأَنْعامِ مالا تُنْفِدُهُ [١٠] مَطالِبُ الْأَنامِ، لِأَنَّهُ الْجَوادُ الَّذِي لا يَغِيضُهُ [١١] سُؤالُ السّائِلِينَ، وَلا يُبْخِلُهُ [١٢] إلْحاحُ الْمُلِحِّينَ.
...قَدَّرَ ما خَلَقَ فَأَحْكَم تَقْدِيرَهُ، وَدَبَّرَهُ فَالْطَفَ تَدْبِيرَهُ، وَوَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ، وَلَمْ يَقْصُرْدوُنَ الْإنْتِهاءِ إلى غايَتِهِ، وَلمْ يَسْتَصْعِبْ [١٣] إذْ أُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلى إرادَتِهِ، وَكَيْفَ وَإنَّما صَدَرَتِ الأُمُورُ عَنْ مَشِيَّتِهِ الْمُنشِئ أَصْنافَ الْأَشْياءِ بِلا رَوِيَّةِ فِكْرٍ الَ إلَيْها، وَلا قَرِيحَةِ غَرِيزَةٍ [١٤] أَضْمَرَ عَلَيْها، وَلا تَجْرِبَةٍ أَفادَها [١٥] مِنْ حَوادِثِ الدُّهُورِ، وَلا شَرِيكٍ أَعانَهُ عَلَى ابْتِداعِ عَجائِبِ الْأُمُورِ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ، وَأَذْ عَنَ لِطاعَتِهِ، وَأَجابَ إلى دَعْوَتِهِ، لَمْ يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ [١٦] الْمُبْطِيءِ، وَلا أَناةُ [١٧] الْمُتَلَكِّئِ. فَأَقامَ مِنَ الْأَشْياءِ أَوَدَها، [١٨] وَنَهَجَ [١٩] حُدوُدَها، وَلاءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضادَّها، وَوَصَلَ أَسْبابَ قرائِنِها، [٢٠] وَفَرَّقَها أَجْناساً مُخْتَلِفاتٍ في الْحُدوُدِ وَالْأَقْدارِ وَالْغرائِزِ [٢١] وَالْهَيْئاتِ، بَدايا [٢٢] خَلائِقَ أَحْكَمَ صُنْعَها وَفَطَرَها عَلى ماأَرا دَ وَابْتَدَعَها [٢٣] .
...فَلَمّا أَلْقَتِ السَّحابُ بَرْك [٢٤] بَوانِيها، وَبَعاعَ [٢٥] مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ [٢٦] الْمَحْمُولِ عَلَيْها، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوامِدِ [٢٧] الْأَرْضِ النَّباتَ، وَمِنْ زُعْرِ [٢٨] الْجِبالِ الْأَعْشابَ فَهِي تَبْهَجُ [٢٩] بِزِينَةِ رِياضِها، وَتَزْدَهِي [٣٠] بِما أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَبْطِ [٣١] أَزاهِرِها [٣٢] ، وَحِلْيَةِ ما سُمِّطَتْ [٣٣] بِهِ مِنْ ناضِرِ أَنْوارِها، [٣٤] وَجَعَلَ ذلِكَ بَلاغاً [٣٥] لِلْأَنامِ، وَرِزْقاً لِلأَنْعامِ، وَخَرَقَ الْفِجاجَ في افاقِها، وَأَقامَ الْمَنارَ لِلسّالِكينَ عَلى جَوادِّ طُرُقِها... [٣٦] .
وأما أسباب الفقر عند الإمام علي
إنَّ اللّهَ سُبْحانَهُ فَرَضَ فى أَمْوَالِ الأغْنِياءِ أقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ
١- ما جاعَ فَقِيرٌ إلّا بِما مَنَعَ بِهِ غَنِيٌّ، واللّهُ تعالى جَدّهُ سائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ [٣٧] .
٢- ثُمَّ إِنَّ لِلْوالِي خاصَّةً وَبِطانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثارٌ وَتَطاوُلٌ، وَقِلَّةُ إِنْصافٍ فِي مُعامَلَةٍ، فَاحْسِمْ مادَّةَ أُوْلئِكَ بِقَطْعِ أَسْبابِ تِلْكَ الْأَحْوالِ، وَلا تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حاشِيَتِكَ وَحامَّتِكَ قَطِيعَةً، وَلا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيها مِنَ النّاسِ فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ يَحْمِلُونَ مَؤُونَتَهُ عَلى غَيْرِهِمْ، فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذلِكَ لَهُمْ دُونَكَ، وَعَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيا وَالْاخِرَةِ [٣٨] .
٣- وَإِنَّما يُؤْتى خَرابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوازِ أَهْلِها، وَإِنَّما يُعْوِزُ أَهْلُها لِإِشْرافِ أَنْفُسِ الْوُلاةِ عَلَى الْجَمْعِ، وَسُوءِ ظَنَّهِمْ بِالْبَقاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفاعِهِمْ بِالْعِبَرِ [٣٩] .
...فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنتَ فَعَلْتهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ، وَعَصَيْتَ إِمامَكَ، وَأَخْزَيْتَ أَمانَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الْأَرْضَ فَأَخَذْتَ ما تَحْتَ قَدَمَيْكَ، وَاَكَلْتَ ما تَحْتَ يَدَيْكَ، فَارْفَعْ إِلَىَّ حِسابَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ حِسابَ اللّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسابِ النّاسِ... [٤٠].
... أَأقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقالَ هذا أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ وَلا أُشارِكّهُمْ فِي مَكارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ، فَما خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّباتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّها عَلَفُها، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغْلُها تَقَمُّمُها، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلافِها، وَتَلْهُو عَمّايُرادُبِها، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلالَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتاهَةِ. [٤١]
٤- لكلّ نعمة مفتاح ومغلاق. فمفتاحها الصَبر، ومغلاقها الكسل- [٤٢] .إياكم والكسل. فانّه من كسل لم يؤدّ للَّه حقّاً. [٤٣] - انّ الأشياء لمّا ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتج الفقر. [٤٤]
٥ - عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِي إِيّاهُ طَلَبَ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيا عَيْشَ الْفُقَراءِ، وَيُحاسَبُ فِي الْاخِرَةِ حِسابَ الْأَغْنِياءِ... [٤٥].
٦- وَاللَّهِ لا أَطُورُ بِهِ ما سَمَرَ سَمِيرٌ، وَما أَمَّ نَجْمٌ في السَّماءِ نَجْماً!، وَلَوْ كانَ الْمالُ لِي لَسَّوَيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وَإنَّمَا الْمالُ مالُ اللَّهِ! أَلا وَإنَّ إعْطاءَ الْمالِ في غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وَإسْرافٌ، وَهُوَ يَرْفَعُ صاحِبَهُ في الدُّنْيا، وَيَضَعُهُ في الْأخِرَةِ، وَيُكْرِمُهُ في النّاسِ، وَيُهِينُهُ عِندَ اللَّهِ، وَلَمْ يَضَعِ امْرُوٌ مالَهُ في غَيْرِ حَقِّهِ وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إلاّ حَرَمَهُ اللَّهُ شُكْرَهُمْ، وَكانَ لِغَيْرِهِ وُدُّهُمْ... [٤٦] .
- فَدَعِ الاْسْرافَ مُقْتَصِداً، وَاذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَدًا، وَأَمْسِكْ مِنَ الْمالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ، وَقَدِّمِ الْفَضْلَ لِيَوْمِ حاجَتِكَ. أَتَرْجُو أَنْ يُعْطِيَكَ اللّهُ أَجْرَ الْمُتَواضِعِينَ وَأَنْتَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ؟ وَتَطْمَعُ- وَأَنْتَ مُتَمَرِّغٌ فِي النَّعِيمِ تَمْنَعُهُ الضَّعِيفَ وَالْأَرْمَلَةَ- أَنْ يُوجِبَ لَكَ ثَوابَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَإِنَّمَا الْمَرْءُ مَجْزِىٌّ بِما سَلَفَ وَقادِمٌ عَلى ما قَدَّمَ... [٤٧]
٧ -... وَاعْلَمْ - مَعَ ذلِكَ- أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِّنْهُمْ ضِيقاً فاحِشاً، وَشُحَاً قَبِيحاً،وَاحْتِكاراً لِلْمَنافِع، وَتَحَكُّماً فِي الْبِياعاتِ، وَذلِكَ بابُ مَضَرَّةِ لِلْعامَّةِ، وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلاةِ. فَامْنَعْ مِنَ الْإِحْتِكارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَنَعَ مِنْهُ... [٤٨]
٨- ... يا عُدَيَّ نَفْسِهِ لَقَدِ اسْتَهامَ بِكَ الْخَبِيثُ، أَمارَحِمْتَ أَهْلَكَ وَوَلَدَكَ؟ أَتَرَىَ اللّهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّباتِ وَهُوَ يَكْرَهُ أَن تَأخُذَها؟ أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللّهِ مِن ذلِكَ... [٤٩].
علاج الفقر الافراد [٥٠].
طلب العلم [٥١]
فالْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ، فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَالْعِلْمُ يَهْتِفْ بِالْعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا ارْتَحَلَ عَنْهُ [٥٢] .
- تعلّموا العلم، فانّه زين للغني، وعون للفقير، ولست أقول إنّه يطلب به، ولكن يدعوه إلى القناعة [٥٣] .
- يا كُمَيْلُ بْنَ زِيادٍ، مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسانُ الطّاعَةَ فِي حَياتِهِ، وَجَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفاتِهِ، وَالْعِلْمُ حاكِمٌ وَالْمالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ [٥٤].
كسب التجربة
عليك بمجالسة أصحاب التجارب، فانها تقدم عليهم باغلى الغلاء وتأخذها منهم بأرخص الرّخص [٥٥].
- في التجارب علم مستأنف، والاعتبار يفيدك الرّشاد، كَفَاكَ أَدَباً لِنَفْسِكَ اجْتِنابُ مَا تَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وعليك لأخيك مثل الّذي عليه لك[٥٦] .
- لم يذهب من مالك ما وعظك [٥٧] .
العمل
الْحَمْدُ للّهِ الْواصِلِ الْحَمْدَ بِالنّعَمَ، وَالنِّعَمِ بِالشُّكْرِ. نَحْمَدُهُ عَلى الائِهِ، كَما نَحْمَدُهُ عَلى بَلائِهِ، وَنَسْتَعِينُهُ عَلى هذِهِ النُّفُوسِ الْبِطاءِ [٥٨] عَما أُمِرَتْ بِهِ، السِّراعِ [٥٩] إلى ما نُهِيَتْ عَنْهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ مِمّا أَحاطَ بِهِ عِلْمُهُ، وَاَحْصاهُ كِتابُهُ: عِلْمٌ غَيْرُ قاصِرٍ، وَكِتابٌ غَيْرُ مُغادِرٍ، [٦٠] وَنُؤمِنُ بِهِ إيمانَ مَنْ عاَينَ الْغُيُوبَ، وَوَقَفَ عَلىَ الْمَوْعُودِ إيماناً نَّفى إخْلاصُهُ الشِّرْكَ، وَيَقِينُهُ الشَّكَّ، وَنَشَهْدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاشَريكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، شَهادَتَيْنِ تُصْعِدانِ الْقَوْلَ، وَتَرْفَعانِ الْعَمَلَ: لاَيخِفُّ مِيزانٌ تُوضَعانِ فَيهَ، وَلا يَثْقُلُ مِيزانٌ تُرْفَعانِ مِنْهُ...
عِبادَ اللّهِ! إِنَّ تَقْوَى اللّهِ حَمَتْ [٦١] أوْليْاءَ اللّهِ مَحارِمَهُ، وَأَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخافَتَهُ حَتّى أَسْهَرَتْ لَيالِيَهُمْ، وَأَظمَاتْ هَوا جِرَ هُمْ [٦٢] ، فَأَخَذوُا الرّاحَةَ بِالنّصَبِ، [٦٣] وَالرِّيَّ بِالظَمأ، وَاسْتَقْرَبُوا الأَجَلَ، فَبادَرُوا الْعَمَلَ، وَكَذَّبُوا الْأَمَلَ، فَلاحَظوُا الْأَجَلَ...
وَاعْلَمُوا أَنَّ ما نَقَصَ مِنَ الدُّنْيا وَزادَ فِي الْأخِرَةِ خَيْرٌ مِمّا نَقَصَ مِنَ الْأخِرَةِ وَزادَ فِي الدُّنْيا، فَكَمْ مِنْ مَنقُوصٍ رابِحِ، وَمَزِيدٍ خاسِرٍ. إنَّ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ، وَما أُحِلَّ لَكُمْ أَكْثَرُ مِمّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، فَذَرُوا ما قَلَّ لِما كَثُرَ، وَما ضاقَ لِمَا اتَّسَعَ. قَدْ تُكُفِّلَ لَكُمْ بِالرِّزْقِ، وَأُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ، فَلا يَكُونَنَّ الْمَضْمُونُ لَكُمْ طَلَبُهُ أَوْلى بِكُم مِنَ الْمَفْروُضِ عَلَيْكُمْ عَمَلُهُ، مَعَ أَنَّهُ، وَاللَّهِ، لَقَدِ اعْتَرَضَ الشَّكُّ وَدَخِلَ [٦٤] . الْيَقِينُ، حَتّى كَأَنَّ الَّذِي ضُمِنَ لَكُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ، وَكَأَنَّ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْكُمْ قَدْ وُضِعَ عَنكُمْ، فَبادِرُوا الْعَمَلَ، وَخافُوا بَغْتَةَ الْأَجَلِ... [٦٥]
التدبير
لامالَ أَعْوَدُ [٦٦] مِنَ الْعَقْلِ، وَلا وَحْدَةَ أَوْحَشُ مِنَ الْعُجْبِ [٦٧] وَلا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ... [٦٨]
لِلْمُؤْمِنِ ثَلاَثُ سَاعَاتٍ: فسَاعةٌ يُنَاجِي فِيها رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يَرُمُّ [٦٩] فِيهَا مَعَاشَهُ، وَسَاعَةٌ يُخَلِّى فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّتِهَا فِيَما يَحِلُّ وَيَجْمُلُ، وَلَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ شَاخِصاً إِلَّا فِي ثَلاَثٍ: مَرَمَّةٍ [٧٠] لِمَعَاشٍ، أَوْ خُطْوَةٍ فِى مَعَادٍ، [٧١] أوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ. [٧٢]
ترشيد الانفاق [٧٣] . ما عالَ من اقْتَصَدَ [٧٤] .
الانتاج والاستثمار
من وجد ماءً وتراباً ثم افتقر فابعده اللَّه. [٧٥]
- ولا يزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من اين اكتسبه، وفيمّ انفقه وعما عمل فيم علم' [٧٦] .
انتهاز الفرص
الفرصة تمرّ مر السحاب فانتهزوا فرص الخير [٧٧].
بادروا الفرصة قبل أن تكون غصة. [٧٨]
العطاء المتواصل
مَنْ يُعْطِ بِالْيَدِ الْقَصِيرَةِ يُعْطَ بِالْيَدِ الطَّوِيلَةِ. [٧٩]
انفاق الزكاة
سُوسُوا [٨٠] إِيمانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوالَكُمْ بِالزَّكاةِ، وَادْفَعُوا أَمْواجَ الْبَلاءِ بِالدُّعاءِ. [٨١]
تنظيم الأسرة
قِلَّةُ الْعِيالِ أَحَدُ الْيَسارَيْنِ. [٨٢] . علاج الفقر المجتمع . [٨٣]
التكافل الاجتماعي
إنَّ اللّهَ سُبْحانَهُ فَرَضَ فى أَمْوَالِ الأغْنِياءِ أقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ، فما جاعَ فَقِيرٌ إلّا بِما مَنَعَ بِهِ غَنِيٌّ، واللّهُ تعالى جَدّهُ سائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ. [٨٤]
- انعم الناس عيشاً من عاش في عيشة غيره. [٨٥]
اقامة التعاونيات
لا تدع اللَّه ان يغنيك عن الناس فان حاجات الناس بعضهم الى بعض متصله كاتصال الاعضاء فمتى استغنى المرء عن يده او رجله ولكن ادع اللَّه ان يغنيك عن شرارهم. [٨٦]
الرقابة على الدولة
يا [٨٧] اهل الكوفة! ان خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن. وكانت نفقته تأتيه من غلته بالمدينة من ينبع [٨٨].
----------------------------------------------------------------------------------
[١] . قصار الكلمات: ١٤٠.
[٢] . باب الرسائل: ٢٠.
[٣] . يفره المنع: يزيد في ماله، وهو من وَفَرَ وُفوراً.
[٤] . يكديه: يُفقره ويُنفذ خزائنه.
[٥] . تنفّس المعادن: كناية عن انغلاقها عن الجواهر.
[٦] . ضحك الاصداف: كناية عن انفتاحها عن الدّر وتشقّقها.
[٧] . الفلز- بكسر الفاء واللام-: الجوهر النّفيس. واللجين: الفضّة الخالصة، والعِقْيان: ذهب ينمو في معدنه.
[٨] . نثارة الدّر- بالضّم-: منثورة.
[٩] . حصيد المرجان: محصوده، يشير إلى أنّ المرجان نبات.
[١٠] . أنفده: بمعنى أفناه، ونَفِدَ- كفرح- أي فَنِيَ.
[١١] . يغيض- بفتح حرف المضارعة-: من 'غاض' المتعدّي يقال غاض الماء لازماً، وغاضه اللّه متعدّياً، ويقال أغاضه أيضاً، وكلاهما بمعنى أنقصه وأذهب ما عنده.
[١٢] . يُبخله بالتخفيف: من 'أنجلت فلاناً' وجدته بخيلاً.
[١٣] . استصعب الركوب: لم يَنْقَدْ في السير لراكبه.
[١٤] . غريزة: طبيعة ومزاج، أي ليس له مزاج كما للمخلوقات الحسّاسة. فينبعث عنه إلى الفعل، بل هو انفعال بماله بمقتضي ذاته، لا بأمر عارض.
[١٥] . أفادها: استفادها.
[١٦] . الريث: التثاقل عن الأمر.
[١٧] . الأناة: تُؤدَة يمازجها روِيّة في اختيار العمل وتركه، والمتلكى ء المتعلّل.
[١٨] . أودها: اعوجاجها.
[١٩] . نَهَجَ: عيّن ورَسَمَ.
[٢٠] . وهي النّفس أي وصل حبال النّفوس- وهي عالم النّور- بالأبدان. وهي من عالم الظّلمة.
[٢١] . الغرائز: الطّبائع.
[٢٢] . بدايا: جمع بدي ء، أي مصنوع.
[٢٣] . الخطبة: '٩١' التوحيد للصدوق: ص ٣٤.
[٢٤] . البرْك- بالفتح- في الأصل: ما يلي الأرض من جلد صدر البعير كالبَرْكة. وبوانَيها: تثنية بوان- على وزن فِعال بكسر الفاء-: وهو عمود الخيمة، والجمع بُون بالضّم.
[٢٥] . 'وبعاع' عطف على 'بَرَك' والبَعاع- بالفتح-: ثقل السحاب من الماء. وألقى السّحاب بَعاعَه: أمطر كلّ ما فيه.
[٢٦] . العِبْ ء: الحِمل.
[٢٧] . الهوامد من الأرض: ما لم يكن بها نبات.
[٢٨] . زعر،- بالضّم- جمع أزْعر،وهو الموضع القليل النّبات والأنثى زَعْراء.
[٢٩] . بَهَجَ- كمنع- سرّ وأفرح.
[٣٠] . تزدهي: تعجب.
[٣١] . رَيَط: جمع رَيَطة- بالفتح- وهي كلّ ثوب رقيق ليّن.
[٣٢] . أزاهر: جمع أزهار الّذي هو جمع زهرة بمعنى النبات.
[٣٣] . 'سُمِطَ' من 'سَمَطَ الشي ء' أي علّق عليه السُموط وهي الخيوط تنظم عنها القِلادة.
[٣٤] . الأنوار: جمع نَوْر- بفتح النون- وهو الزّهر بالمعنى المعروف.
[٣٥] . البلاغ: ما يُتَبَلَّغُ به من القوت.
[٣٦] . الخطبة: '٩١'- العقد الفريد: ٤٠٦:٢ لابن عبد ربه- التوحيد: ص٣٤ للشيخ الصدوق.
[٣٧] . قصار الحكم: '٣٢٨'، هذا هو السبب الأوّل للفقر وهو تمركز الثروة عند الأغنياء.
[٣٨] . كتابه الى مالك الأشتر: رقم '٥٣' وهو السبب الثاني وهو حصر مصادر الثروة بطبقة خاصة من الناس.
[٣٩] . وهذا هو السبب الثالث وهو استئثار الحاكم، بالأموال. 'المصدر السابق'.
[٤٠] . الرساله: '٤٠'- العقد الفريد: ٢٩٧:٢ و ٣٥٥:٤.
[٤١] . الحاكم الصادق هو الّذي يشارك شعبه في محنته ويعيش عيشة أضعف النّاس فيهم "الرسالة '٤٥'".
[٤٢] . هذا هو السبب الرّابع للفقر، وهو البطالة والكسل. 'من الكلمات المنسوبة إلى الإمام'، راجع ابن أبي الحديد: ٣٢٢:٢٠ رقم '٦٩٢'.
[٤٣] . المصدر السابق: ٢٦٣:٢٠ رقم '٨٠'.
[٤٤] . تحف العقول: ص ١٥٤.
[٤٥] . هذا هو السبب الخامس للفقر وهو حبس المال. "قصار الحكم: '١٢٦'".
[٤٦] . هذا هو السبب السادس للفقر وهو هدر الأموال. "الخطة: '١٢٦'".
[٤٧] . الرسالة: '٢١'- أنساب الأشراف: ١٦٩:٢- جمهرة رسائل العرب: ٥٨٢:١ لأحمد زكي صفوت.
[٤٨] . هذا هو السبب السابع للفقر وهو حبس المنافع 'الإحتكار' "الرسالة: '٥٣'".
[٤٩] . هذا هو السبب الثامن للفقر وهو الرهبنة. "قاله عليه السلام لعاصم بن زياد لما لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا، قصار الحكم "٢٠٩".
[٥٠] . وجدنا فيما تقدّم من كلمات أميرالمؤمنين عليه السلام اسباب الفقر، وبالطبع علاجه من خلال رفع تلك الأسباب. ويضاف إليها عوامل أخرى نستخلصها من كلمات الامام عليه السلام وهي تنقسم إلى توصيات أخلاقية، وخطط اقتصادية، امّا الأوّل فنضرب عنها صفحاً وامّا الثّاني فهي الّتي قرّرها الإمام أميرالمؤمنين ذات ثلاث اتجاهات:
الاتجاه الأوّل: خطوات يقوم بها الأفراد.
الاتجاه الثاني: خطوات يقوم بها المجتمع.
الاتجاه الثالث: خطوات يقوم بها الدولة.
[٥١] . هو الاتجاه الأوّل .
[٥٢] . قصار الحكم: '٣٦٦'.
[٥٣] . قصار الحكم ابن أبي الحديد: ٣١٠:٢٠، رقم '٥٥٣'.
[٥٤] . قصار الحكم: '١٤٧'.
[٥٥] . قصار الحكم: ابن أبي الحديد: '٣٣٥:٢٠. رقم ٨٤٦'.
[٥٦] . قصار الحكم ابن أبي الحديد: "٢٥٩:٢٠، رقم '٣٤'".
[٥٧] . قصار الحكم: '١٩٢'.
[٥٨] . البطاء- بكسر الباء- جمع بطيئة.
[٥٩] . السّراع: جمع سربعة.
[٦٠] . غير مغادر: غير تارك شيئاً إلّا أحاط به.
[٦١] . حَمَى الشي ء: منعه، أي منعتهم ارتكاب محرّماته.
[٦٢] . الهواجر: جمع هاجرة، شدّة حرّ النّار، وقد أُظْمِئَتْ هذه الهواجر بالصيام.
[٦٣] . النصب: التعب.
[٦٤] . دَخِل:- كفرح- خالطه فساد الأوهام.
[٦٥] . الخطبة: '١١٤'- الطراز: ٣٣٥:٢، للسيد اليماني.
[٦٦] . أعود: أنفع.
[٦٧] . العُجب- بضمّ العين-: الإعجاب بالنّفس.
[٦٨] . قصار الحكم: '١١٣'.
[٦٩] . يرم- بكسر الزاء وضمّها-: أي يُصلح.
[٧٠] . المرمّة:- بالفتح- الاصلاح.
[٧١] . المعاد: ما تعود إليه في القيامة.
[٧٢] . قصار الحكم: '٣٩٠'.
[٧٣] . عندما يخرج الانفاق عن حسابات الدخل يضطرب الوضع الاقتصادي للفرد والمجتمع فلابدّ وان يكون الانفاق دائماً مناسباً للدخل مقتصراً على الضروريات ويترك الامور غير الضرورية فقد جاء في وصف الإمام عليه السلام للمتقين في وصيتة لهمام: 'وملبسهم الاقتصاد' وهذا لا يعني أنّهم يلبسون ملابس رخيصة بل معنى ذلك هو أنّ الاقتصاد هو منهجهم وطريقهم في الحياة. "الفكر الاقتصادي في نهج البلاغة" .
[٧٤] . قصار الحكم: '١٤٠' وهو تقرير ثابت بأنّ المقتصد لا يرى الفقر في حياته لأنه يقتصر في حياته على الضروريات ولا يُبذر ماله في لا شي ء هذا هو الترشيد المطلق للمال.
[٧٥] . وسائل الشيعة ٢٤:٦.
[٧٦] . ابن أبي الحديد: ٢٥٩:٢٠، رقم ٣٣.
[٧٧] . قصار الحكم: '٢١'.
[٧٨] . الكتاب: '٣١'.
[٧٩] . قصار الحكم: '٢٣٢'.
[٨٠] . سوسوا: امر من السياسة وهي حفظ الشي ء بما يحوطه من غيره، والصدقة تستحفظ الشفقة، والشفقة تستزيد الايمان وتذكر اللَّه.
[٨١] . قصار الحكم: '١٤٦'.
[٨٢] . قصار الحكم: '١٤١'.
[٨٣] . هذا هو الاتجاه الثاني وهو خطوات يقوم بها المجتمع.
[٨٤] . قصار الحكم: '٣٢٨'.
[٨٥] . ابن ابي الحديد: ٣٠٠:٢٠- رقم ٤٣٢.
[٨٦] . ابن ابي الحديد: ٣٢٢:٢٠- رقم ٦٩٥.
[٨٧] . يقول الامام عليه السلام يوم مجيئه للحكم.
[٨٨] . وسائل الشيعة: ٨٣:١١.
يتبع ....