أويس كريم محمد
أولا:«أهم شعارات الفتنة وشبهاتها»
أ - شعار الثأر لمقتل عثمان واتهام الإمام بضلوعه في قتله، وإيواء قاتليه:
أوضح الإمام (ع) براءته من دم عثمان وأنه كان يدفع عنه ولم يقدم له سوى النصح والإرشاد:
(إلى طلحة والزبير): وقد زعمتما أني قتلت عثمان، فبيني وبينكما من تخلف عني وعنكما من أهل المدينة، ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل (ر ٥٤).
فطلبتني (معاوية) بما لم تجن يدي ولساني (ر ٥٥).
ولعمري، يا معاوية، لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى، فتجن ما بدا لك والسلام (ر ٦).
وأما تلك التي تريد (يا معاوية) فإنها خدعة الصبي عن اللبن في أول الفصال (ر ٦٤).
إن الناس طعنوا عليه، فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه وأقل عتابه (ر ١).
وما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا، فإن كان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له، فرب ملوم لا ذنب له. «وقد يستفيد الظنة المتنصح» (ر ٢٨).
والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما (ك ٢٤٠).
الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء (ر ٥٨).
لو أمرت به لكنت قاتلا، أو نهيت عنه لكنت ناصرا، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني (ك ٣٠).
(لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان): أولم ينه بني أمية علمها بي عن قرفي، أوما وزع الجهال سابقتي عن تهمتي (ك ٧٥).
ب - كشف (ع) النقاب عن أن المتهمين له، كان لهم اليد الطولى في قتل عثمان وهم:
١ - عائشة (حرضت على قتله):
وكان من عائشة فيه فلتة غضب (ر ١).
٢ - طلحة والزبير (كانا من أشد المحرضين على قتله وأنهما لم ينصراه عند ما حوصرت داره في المدينة):
والله ما أنكروا علي منكرا، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا، وإنهم ليطلبون حقا هم تركوه، ودما هم سفكوه، فإن كنت شريكهم فيه، فإن لهم نصيبهم منه، وإن كانوا ولوه دوني فما الطلبة إلا قبلهم (خ ١٣٧).
وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف، وأرفق حدائهما العنيف (ر ١).
(وقال عليه السلام حين بلغه خروج طلحة والزبير إلى البصرة لقتاله): والله ما استعجل متجردا للطلب بدم عثمان إلا خوفا من أن يطالب بدم، لأنه مظنته، ولم يكن في القوم أحرص عليه منه، فأراد أن يغالط بما أجلب فيه ليلتبس الأمر ويقع الشك. وو الله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث: لئن كان ابن عفان ظالما - كما كان يزعم - لقد كان ينبغي له أن يوازر قاتليه، وأن ينابذ ناصريه، ولئن كان مظلوما لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه، والمعذرين فيه، ولئن كان في شك من الخصلتين، لقد كان ينبغي له أن يعتزله ويركد جانبا، ويدع الناس معه، فما فعل واحدة من الثلاث، وجاء بأمر لم يعرف بابه، ولم تسلم معاذيره (ك ١٧٤).
٣ - معاوية (لم يسعفه بالمعونة عند ما طلب عثمان منه ذلك، فقد تباطأ جيشه في الطريق إليه عن عمد حسب أوامره:
(إلى معاوية): ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه، فأينا كان أعدى له، وأهدى إلى مقاتله أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفه، أم من استنصره فتراخى عنه، وبث المنون إليه، حتى أتى قدره عليه، كلا والله ل «قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا» (ر ٢٨).
(إلى معاوية): فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة، والحيرة المتبعة مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق، التي هي لله طلبة وعلى عباده حجة، فأما إكثارك الحجاج على عثمان وقتلته، فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك، وخذلته حيث كان النصر له، والسلام (ر ٣٧).
وزعمت أنك جئت ثائرا بدم عثمان، ولقد علمت حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناك إن كنت طالبا (ر ١٠).
ج - في أنه لم يكن لعثمان مناص من القتل، وهو الذي جر لنفسه القتل بسبب تصرفاته:
أما بعد، فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه: إن الناس طعنوا عليه، فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه وأقل عتابه، وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف، وأرفق حدائهما العنيف، وكان من عائشة فيه فلتة غضب، فأتيح له قوم فقتلوه (ر ١).
إنه قد كان على الأمة وال أحدث أحداثا، وأوجد الناس مقالا، فقالوا، ثم نقموا فغيروا (ك ٤٣).
إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته (خ ٣).
د - لم يقتص الأمام من قتلة عثمان، ولم يشجع أو يساعد أحدا على الاقتصاص منهم لحساسية الظروف آنذاك، والنتائج الوخيمة التي يسببها مثل هذا العمل:
(بعد ما بويع بالخلافة، وقد قال له قوم من الصحابة: لو عاقبت قوما ممن أجلب على عثمان؟ فقال عليه السلام): يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف لي بقوة والقوم المجلبون على حد شوكتهم يملكوننا ولا نملكهم وها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، والتفت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا، وهل ترون موضعا لقدرة على شيء تريدونه إن هذا الأمر أمر جاهلية، وإن لهؤلاء القوم مادة، إن الناس من هذا الأمر - إذا حرك - على أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا ذاك، فاصبروا حتى يهدأ الناس، وتقع القلوب مواقعها، وتؤخذ الحقوق مسمحة، فاهدأوا عني، وانظروا ما ذا يأتيكم به أمري، ولا تفعلوا فعلة تضعضع قوة، وتسقط منة، وتورث وهنا وذلة، وسأمسك الأمر ما استمسك، وإذا لم أجد بدا فآخر الدواء الكي (ك ١٦٨).
(إلى معاوية): وأما ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك، فإني نظرت في هذا الأمر، فلم أره يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك (ر ٩).
(إلى معاوية): وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثم حاكم القوم إلي، أحملك وإياهم على كتاب الله تعالى (ر ٦٤).
٢ - شبهة عدم حصول الإجماع في بيعة الإمام عليه السلام:
(إلى معاوية): إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان،على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى (ر ٦).
ولعمري، لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس، فما إلى ذلك سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع، ولا للغائب أن يختار (خ ١٧٣).
وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم (خ ١٨٠).
٣ - شبهة عدم استشارة الصحابة عند قيام الإمام بإصلاحاته الاقتصادية والإدارية:
(كلم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما، والاستعانة في الأمور بهما): لقد نقمتما يسيرا، وأرجأتما كثيرا، ألا تخبراني، أي شيء كان لكما فيه حق دفعتكما عنه أم أي حق رفعه إلي أحد من المسلمين ضعفت عنه، أم جهلته، أم أخطأت بابه والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها، فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا، وأمرنا بالحكم فاتبعته، وما استن النبي (ص) فاقتديته، فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما، ولا رأي غيركما، ولا وقع حكم جهلته، فأستشيركما وإخواني من المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما، ولا عن غيركما.
وأما ما ذكرتما من أمر الأسوة، فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي، ولا وليته هوى مني، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله (ص) قد فرغ منه، فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ الله من قسمه، وأمضى فيه حكمه، فليس لكما، والله، عندي ولا لغيركما في هذا عتبى، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق، وألهمنا وإياكم الصبر (ك ٢٠٥).
٤ - شبهة أن هنالك غير الإمام من لهم الحق بالخلافة، وأنهم من قريش أيضا:
إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم (خ ١٤٤).
لا يقاس بآل محمد (ص) من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونقل إلى منتقله (خ ٢).
أيها الناس، إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه (خ ٧٣).
وأنا من رسول الله (ص) كالصنو من الصنو، والذراع من العضد (ر ٤٥).
فجزت قريشا عني الجوازي فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن أمي (ر ٣٦).
أما بنو مخزوم فريحانة قريش، نحب حديث رجالهم، والنكاح في نسائهم، وأما بنو عبد شمس فأبعدها رأيا، وأمنعها لما وراء ظهورها، وأما نحن فأبذل لما في أيدينا، وأسمح عند الموت بنفوسنا، وهم أكثر وأمكر وأنكر، ونحن أفصح وأنصح وأصبح (ح ١٢٠).
فإذا حكم بالصدق في كتاب الله، فنحن أحق الناس به، وإن حكم بسنة رسول الله (ص)، فنحن أحق الناس وأولاهم بها (ك ١٢٥).
ووالله إن جئتها، إني للمحق الذي يتبع، وإن الكتاب لمعي، ما فارقته مذ صحبته (ك ١٢٢).
(طلحة والزبير) لقد أتلعوا أعناقهم إلى أمر لم يكونوا أهله (ك ٢١٩).
(إلى معاوية): وأما قولك: إنا بنو عبد مناف، فكذلك نحن، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل، ولبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوى في نار جهنم، وفي أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز، ولغشنا بها الذليل، ولما أدخل الله العرب في دينه أفواجا، وأسلمت له هذه الأمة طوعا وكرها، كنتم ممن دخل في الدين: إما رغبة وإما رهبة، على حين فاز أهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم (ر ١٧).
(إلى معاوية): أما بعد، فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله محمدا (ص) لدينه، وتأييده إياه بمن أيده من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا، إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا، ونعمته علينا في نبينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر، أو داعي مسدده إلى النضال، وزعمت أن أفضل الناس في الاسلام فلان وفلان، فذكرت أمرا إن تم أعتزلك كله، وإن نقص لم يلحقك ثلمه، وما أنت والفاضل والمفضول، والسائس والمسوس، وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم هيهات لقد حن قدح ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخر حيث أخرك القدر فما عليك غلبة المغلوب، ولا ظفر الظافر وإنك لذهاب في التيه، رواغ عن القصد، ألا ترى - غير مخبر لك، ولكن بنعمة الله أحدث - أن قوما استشهدوا في سبيل الله تعالى من المهاجرين والأنصار، ولكل فضل، حتى إذا استشهد شهيدنا قيل: سيد الشهداء، وخصه رسول الله (ص) بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه أولا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله - ولكل فضل - حتى إذا فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم، قيل:
«الطيار في الجنة وذو الجناحين!»، ولو لا ما نهى الله من تزكية المرء نفسه، لذكر ذاكر فضائل جمة، تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعين، فدع عنك من مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا، والناس بعد صنائع لنا، لم يمنعنا قديم عزنا ولا عادي طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا، فنكحنا وأنكحنا، فعل الأكفاء ولستم هناك، وأنى يكون ذلك ومنا النبي ومنكم المكذب، ومنا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف، ومنا سيدا شباب أهل الجنة، ومنكم صبية النار، ومنا خير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب، في كثير مما لنا وعليكم فإسلامنا قد سمع، وجاهليتنا لا تدفع، وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا، وهو قوله سبحانه وتعالى: «وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله»
وقوله تعالى: «إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين» فنحن مرة أولى بالقرابة، وتارة أولى بالطاعة، ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله (ص) فلجوا عليهم، فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم (ر ٢٨).
(إلى معاوية): فأراد قومنا قتل نبينا، واجتياح أصلنا، وهموا بنا الهموم، وفعلوا بنا الأفاعيل، ومنعونا العذب، وأحلسونا الخوف، واضطرونا إلى جبل وعر، وأوقدوا لنا نار الحرب، فعزم الله لنا على الذب عن حوزته، والرمي من وراء حرمته، مؤمننا يبغي بذلك الأجر، وكافرنا يحامي عن الأصل، ومن أسلم من قريش خلو مما نحن فيه بحلف يمنعه، أو عشيرة تقوم دونه، فهو من القتل بمكان أمن، وكان رسول الله (ص) إذا أحمر البأس، وأحجم الناس، قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حر السيوف والأسنة، فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر، وقتل حمزة يوم أحد، وقتل جعفر يوم مؤتة، وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة، ولكن آجالهم عجلت، ومنيته أجلت، فيا عجبا للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي، ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها، إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه، ولا أظن الله يعرفه، والحمد لله على كل حال (ر ٩).
ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية، وولاة أمر الأمة بغير قدم سابق، ولا شرف باسق (ر ١٠).
ولقد كنت معه (ص) لما أتاه الملأ من قريش، فقالوا له: يا محمد، إنك قد ادعيت عظيما لم يدعه آباؤك ولا أحد من بيتك، ونحن نسألك أمرا إن أنت أجبتنا إليه وأريتناه، علمنا أنك نبي ورسول، وإن لم تفعل علمنا أنك ساحر كذاب، فقال (ص):
«وما تسألون» قالوا: تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك، فقال (ص):
«إن الله على كل شيء قدير، فإن فعل الله لكم ذلك، أتؤمنون وتشهدون بالحق» قالوا: نعم، قال:
«فإني سأريكم ما تطلبون، وإني لأعلم أنكم لا تفيئون إلى خير، وان فيكم من يطرح في القليب، ومن يحزب الأحزاب». ثم قال (ص):
«يا أيتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر، وتعلمين أني رسول الله، فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي بإذن الله» فو الذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها، وجاءت ولها دوي شديد، وقصف كقصف أجنحة الطير، حتى وقفت بين يدي رسول الله (ص) مرفرفة، وألقت بغصنها الأعلى على رسول الله (ص)، وببعض أغصانها على منكبي، وكنت عن يمينه (ص)، فلما نظر القوم (من قريش) إلى ذلك قالوا - علوا واستكبارا -: فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها، فأمرها بذلك، فأقبل إليه نصفها كأعجب اقبال وأشده دويا، فكادت تلتف برسول الله (ص)، فقالوا - كفرا وعتوا -: فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه كما كان، فأمره (ص) فرجع، فقلت أنا: لا إله إلا الله، إني أول مؤمن بك يا رسول الله، وأول من أقر بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تعالى تصديقا بنبوتك، وإجلالا لكلمتك، فقال القوم كلهم (من قريش): بل ساحر كذاب، عجيب السحر خفيف فيه، وهل يصدقك في أمرك إلا مثل هذا، يعنونني وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم، سيماهم سيما الصديقين، وكلامهم كلام الأبرار، عمار الليل ومنار النهار، متمسكون بحبل القرآن، يحيون سنن الله وسنن رسوله، لا يستكبرون ولا يعلون، ولا يغلون ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان، وأجسادهم في العمل (خ ١٩٢).
إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به، ثم تلا:
«إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه، وهذا النبي والذين آمنوا» الآية، ثم قال: إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته (ح ٩٦).
«رؤس الفتنة»
١، ٢ - طلحة والزبير:
إنهما قطعاني وظلماني، ونكثا بيعتي، وألبا الناس علي (ك ١٣٧).
(الزبير): يزعم أنه قد بايع بيده، ولم يبايع بقلبه، فقد أقر بالبيعة، وادعى الوليجة (ك ٨).
لا تلقين طلحة، فإنك إن تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه، يركب الصعب ويقول: هو الذلول، ولكن الق الزبير، فإنه ألين عريكة، فقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق، فما عدا مما بدا (ك ٣١).
كل واحد منهما يرجو الأمر له، ويعطفه عليه دون صاحبه، لا يمتان إلى الله بحبل، ولا يمدان إليه بسبب، كل واحد منهما حامل ضب لصاحبه، وعما قليل يكشف قناعه به، والله لئن أصابوا الذي يريدون لينتزعن هذا نفس هذا، وليأتين هذا على هذا (ك ١٤٨).
لقد أتلعوا أعناقهم إلى أمر لم يكونوا أهله، فوقصوا دونه (ك ٢١٩).
ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله (ح ٤٥٣).
٣ - عائشة بنت أبي بكر:
وأما فلانة فأدركها رأي النساء، وضغن غلا في صدرها كمرجل القين، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل، ولها بعد حرمتها الأولى، والحساب على الله تعالى (ك ١٥٦).
٤ - معاوية بن أبي سفيان:
(إلى معاوية): فقد سلكت مدارج أسلافك بادعائك الأباطيل، واقتحامك غرور المين والأكاذيب، وبانتحالك ما قد علا عنك، وابتزازك لما قد اختزن دونك، فرارا من الحق، وجحودا لما هو ألزم لك من لحمك ودمك، مما قد وعاه سمعك، وملئ به صدرك (ر ٦٥).
فقد أجريت إلى غاية خسر، ومحلة كفر، فإن نفسك قد أولجتك شرا، وأقحمتك غيا، وأوردتك المهالك، وأوعرت عليك المسالك (ر ٣٠).
أما بعد، فقد أتتني منك موعظة موصلة، ورسالة محيرة، نمقتها بضلالك، وأمضيتها بسوء رأيك، وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، قد دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضلال فاتبعه، فهجر لاغطا، وضل خابطا (ر ٧).
وإنك لذهاب في التيه، رواغ عن القصد (ر ٢٨).
وإنك والله ما علمت الأغلف القلب، المقارب العقل، والأولى أن يقال لك: إنك رقيت سلما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك، لأنك نشدت غير ضالتك، ورعيت غير سائمتك، وطلبت أمرا لست من أهله ولا في معدنه، فما أبعد قولك من فعلك وقريب ما أشبهت من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة، وتمني الباطل، على الجحود بمحمد (ص) فصرعوا مصارعهم حيث علمت (ر ٦٤).
ولما أدخل الله العرب في دينه أفواجا، وأسلمت له هذه الأمة طوعا وكرها، كنتم ممن دخل في الدين: إما رغبة وإما رهبة (ر ١٧).
وقد أتاني كتاب منك ذو أفنانين من القول، ضعفت قواها عن السلم، وأساطير لم يحكها منك علم ولا حلم، أصبحت منها كالخائض في الدهاس، والخابط في الديماس، وترقيت إلى مرقبة بعيدة المرام، نازحة الأعلام، تقصر دونها الأنوق ويحاذي بها العيوق (ر ٦٥).
واعلم أن الشيطان قد ثبطك عن أن تراجع أحسن أمورك، وتأذن لمقال نصيحتك (ر ٧٣).
امرئ ظاهر غيه، مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته (ر ٣٩).
فإنك مترف قد أخذ الشيطان منه مأخذه، وبلغ فيك أمله، وجرى منك مجرى الروح والدم (ر ١٠).
ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية، وولاة أمر الأمة بغير قدم سابق، ولا شرف باسق (ر ١٠).
وما أنت والفاضل والمفضول، والسائس والمسوس وما للطلقاء وأبناء الطلقاء، والتمييز بين المهاجرين الأولين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم، هيهات لقد حن قدح ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها، ألا تربع أيها الانسان على ظلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخر حيث أخرك القدر فما عليك غلبة المغلوب، ولا ظفر الظافر (ر ٢٨).
فيا عجبا للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي، ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها، إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه، ولا أظن الله يعرفه، والحمد لله على كل حال (ر ٩).
والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر (ك ٢٠٠).
وسأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس، والجسم المركوس (ر ٤٥).
فسبحان الله ما أشد لزومك (معاوية) للأهواء المبتدعة، والحيرة المتبعة مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق، التي هي لله طلبة، وعلى عباده حجة (ر ٣٧).
٥ - عمرو بن العاص:
فإنك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه،مهتوك ستره،يشين الكريم بمجلسه،ويسفه الحليم بخلطته، فاتبعت أثره،وطلبت فضله،اتباع الكلب للضرغام يلوذ بمخالبه،وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته، فأذهبت دنياك وآخرتك(ر ٣٩)
عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة، وأني امرؤ تلعابة: أعافس وأمارس! لقد قال باطلا، ونطق آثما، أما - وشر القول الكذب - إنه ليقول فيكذب، ويعد فيخلف، ويسأل فيبخل، ويسأل فيحلف، ويخون العهد، ويقطع الإل، فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو ما لم تأخذ السيوف مآخذها، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبته، أما والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة، إنه لم يبايع معاوية حتى شرط أن يؤتيه أتية، ويرضخ له على ترك الدين رضيخة (خ ٨٤).
وأقرب بقوم من الجهل بالله قائدهم معاوية ومؤدبهم ابن النابغة (خ ١٨٠).
يتبع ......